قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية دمية مطرزة بالحب الجزء الاول للكاتبة ياسمين عادل الفصل العشرون

رواية دمية مطرزة بالحب الجزء الاول للكاتبة ياسمين عادل الفصل العشرون

رواية دمية مطرزة بالحب الجزء الاول للكاتبة ياسمين عادل الفصل العشرون

المجد لتلك التي رأت من الحياة ما رأت ومازالت تبتسم ؛وتروّض الظروف؛ وتُعاند المواقف وتربط على قلبها وكأنه جمرًا.
منقولة
هدى سالم
أبعدت فوهة السلاح المصوب ناحيته فجأة، وتشنجت وهي تصيح منفعلة: - يوه، أنا مش هخلص بقا!
كان عيسى يسد عنها حتى رؤيته، كأنه يحاوطه أو يحميه وهو يقف أمامه هكذا بدون سابق إنذار. حتى أن يونس تعجب لذلك وسأله: - في إيه ياعيسى!؟ واقف قدامي كده ليه؟

ف أفصح عيسى بصراحة وبدون أن يواري: - غالية قاعدة في عربيتها ورا وماشيه ورانا من ساعة ما اتحركنا
ف تجهم وجه يونس وهو ينظر حوله يبحث عنها، ولكنه لم يرى من عيسى شيئًا. فحاول أن يدفعه من أمامه وهو يردف بصوت مرتفع: - هي فين؟ وسع من قدامي
- لأ
قالها وهو يمسك بذراع يونس وكأنه س يُجبره على الدخول: - إحنا هندخل دلوقتي مع بعض.

ف رمقه يونس بنظرات مشتطة لتصرفّه الذي اعتبره تجاوز منه، وأمره بلهجة حازمة: - أنت مش الحارس الشخصي بتاعي ياعيسى، قولتلك أوعى من وشي
- من فضلك يايونس باشا، أتفضل معايا نتكلم جوا، العضو المنتدب منتظرك.

وسحبه معه للداخل بعد عبور البوابة وهو ملتصقًا بظهره حتى أصبح كلاهما في البهو، دفعه يونس وقد غمر ملامحه الغضب الشديد من تصرفه، أحس گأنه هارب من شئ ما. ولم يبرر تصرف عيسى سوى إنه تعدّي على حدودهِ، حدجه أولًا بغيظ شديد وقبل أن يهمّ ب السبّ واللعن كان عيسى يبادر قائلًا: - صحيح أنا مش الحارس بتاعك، بس حمايتك مش شغلي، لأ. دي فرض عليا، مش هتفرج عليك وانت بتعرض نفسك للخطر في لحظة حسيت فيها إنك لازم ترد.

كأنهُ أحب شعور الحُب الذي لا يخفي ورائه نيّة أخرى، منع نفسه من مجرد الإبتسامة گ اعتراف ب صحة ما فعل عيسى. ولكنه لم يبخل عليه ب امتنان مُتكلف: - شكرًا
أحنى عيسى رأسه ب احترام، ثم بادر قائلًا: - اتفضل معايا، هخليك تعمل اللي انت عايزه بطريقة تانية.

سار يونس خلفهُ كي يحقق رغبته الجائعة، كي ترى بنفسها إنه يعلم بوجودها هنا. وإنه ترك خلفه عينًا مقتنصة قادرة على اصطياد مكان وجودها أينما كانت. كي يتباهى بقوتهِ الخفية التي ما زالت حتى الآن لا تعترف بها.
زفرت غالية وقد أحست بالفشل في اصطيادهِ للمرة الثانية على التوالي. غرزت أظافرها في رأسها تفركها بحدة حتى أُصيبت بخدوش برأسها، ثم صاحت ب: - أمشي من هنا.

وقبل أن يبدأ السائق والحارس الشخصي لها بالقيادة، وبمجرد فتح الأضاءة الأمامية. كان عيسى يقف أمام السيارة يسد طريقهم، رمقته غالية بنظرات مشتعلة وهي ترغب رغبة شديدة في تمزيق أي شخصٍ كان، وعلى الفور كانت تعطي الأمر ل السائق: - دوسه خلينا نخلص من طلته البهية دي.

انفتح الباب المجاور لها. لحظة وكان يونس يجاورها جلستها بالخلف، كان ينظر ب امتعاض مكتوم أمامه بدون أن يوليها اهتمام بالنظر، وبصوت ملأه معانٍ كثيرة حملت البغض والكراهية ونبرة عميقة أردف: - خير ان شاء الله ياحماتي، جاية ورايا ليه!
لم تجد إجابة واضحة خاصة بعد مداهمته لها التي أربكتها، ورغم ذلك أدعّت الهدوء وهي تقول بتبجح: - أنزل من عربيتي
- تؤ تؤ تؤ، مش معقول كده ياحماتي!

ثم نظر نحوها مستنكرًا و: - أخرج من ?يلتي، أنزل من عربيتي! طب ماانتي اللي ورايا ورايا زي الشبح
غمز لها متابعًا: - هاتي من الآخر عشان اريحك! عايزة إيه مني!
ف تغلغلت بنظراتها داخل عيناه وهي تقول: - عايزه أشوفك ميت زي ما موتّ بنتي، تقدر تعمل كده؟

فلم يستطع تجاوز كلمتها المُتهمة والمُدينة له بتلك الفعلة الشنيعة؛ وإذ به يصيح فيها فجأة بصوت جعلها تبتعد عن وجهه: - محصلش وانتي عارفه، أنا عمري ما قولت لهانيا مجرد كلمة تجرحها. إزاي تقولي إني قتلتها!، مش معنى إني لسه ملقتش اللي عملها أبقى أنا اللي عملتها. مش هسيبك تحمليني ذنب زي ده
- أنت اللي سرقتها مني و..

فلم يمهلها فرصة كي تتابع كلماتها السامة التي تقع على مسامعهِ وقعًا حارقًا مؤلمًا وهدر فيها وهو يقبض على كفها گأنه سيكسر عظام أصابعها: - أخرسي مش عايز اسمعك، مش عايز
تآوهت وهي تتلوى من فرط الألم حتى دفع يدها وتابع: - لو شوفتك في طريقي تاني ياغالية أنا هدمرك، ورحمة الغالية ياغالية لأكون مصيرك الأسود ساعتها.

وأنهى كلماته بكلمة واحدة قالها بعصبية ارتعشت لها عروق نحره الجانبية وقد احمر وجهه احمرارًا غير طبيعي: - سامعة!
كأنها والمقعد سواء، التصقت به حتى هبط عن سيارتها وتتبعهُ عيسى. ظلت منزوية على نفسها وهي جالسة حتى اختفى بداخل الفُندق وما زالت نظراتها ترصده، ثم أمرت السائق بصوت انخفض عن معدلهُ الأصلي: - أمشي.

ذكريات تلك الليلة السوداء التي آتاها فيها ذاك الخبر اللعين عادت تُطاردها، وطاردتها ذكرى مكوثها بمشفى الأمراض العقلية والنفسية لأكثر من أربعة أشهر بعد صدمة تلقيها الخبر المشؤوم بوفاة ابنتها الوحيدة مُتأثرة بالسُم. أحست برجفة تسير بجسدها وحتى داخلهِ توتر وارتجف، هي على حافة الدخول في بؤرة حالة كانت قد انتست أيامها ولياليها بعد تلك المواجهة الحازمة التي جرت اليوم. ليس خوفًا فقط، إنما شبح وظل هانيا الذي يُطاردها حتى الآن، لتعيش أسوأ كوابيس حياتها حتى وهي في صحوها.

يعترف إنه من الأيام السيئة التي مرّ بها، لم ينساها يومًا وشعور الذنب مازال يُقطعهُ تقطيعًا رغم برائته المحتومة، يحس بالتقصير كونه لم يعثر حتى الآن على قاتلها. وكلما تذكر تهاجمه ذكراها بتوحش مميت للشعور، كيف لأنسان أن يتحمل كل هذا الكتمان بدون دمعة يذرفها أو شكوى يشكوها. بدون حتى أن يُظهر أو يأن بتألم، لقد أهلك روحه بذلك الكتمان الذي حكم به على نفسه.

تنفس يونس وهو يتحدث في الهاتف إلى مهدي بعد أن وصل لمنزل جدتهِ. رفع بصره فوجدها تنظر له بتلك النظرة التي اعتاد عليها منها، نظرة حانية تعطف بها على قلبهِ اليتيم، ابتسم يونس وهو يرى كاريمان تلوح له من الأعلى بينما كان يتحدث: - متقلقش يامهدي، هحاول آجي في أقرب وقت بس ملك تشد حيلها الأول. عارف، أنا كمان ريحان وحشتني بشكل ميتوصفش، خلي بالك منها ومن الخيل كلهم يامهدي. ماشي، سلام.

كان قد وصل أثناء ذلك لغرفتها، ولج وهو يرفع ثغريه ب ابتسامة و: - أزيك يانينة
- الحمد لله ياحبيبي، تعالي
وجلست على الأريكة ليجلس بجوارها، ثم سألته: - يونس، ليه ملك كانت معاك في المزرعة؟
فأجاب بدون تفكير: - أعصابها كانت تعبانة بعد الطلاق ف عمي اقترح تقعد في المزرعة يومين
لم تقتنع كاريمان بتلك الكذبة التي كانت واضحة گوضوح الشمس، ولكنها تقبلها وصمتت عن التساؤل: - ماشي. عملت إيه في الإجتماع بتاعك.

- تمام، كلها يومين وهسافر بنفسي للوفد الألماني عشان نمضي العقود، بس اخلص موضوع ملك الأول
مسح على شعره وهو يسأل: - هي صاحية ولا نايمة؟
- صاحية
نظرت في عيناه، ثم أمسكت بطرف ذقنه تُدير رأسه نحوها وسألت: - مالك يايونس؟ عينك حزينة ليه!
أجفل بصره وغطت الأهداب على جفونه و: - مفيش، مُرهق ومش بنام كويس بقالي كام يوم. عايز أرجع المزرعة بقى
- لأ، في حاجه تاني
وكأنها خمنت ما وراء حزنه: - شوفت الحيّة حماتك؟

ف سحب شهيقًا عميقًا كتمه وهو يردف ب عصبية: - بلاش تجيبي سيرتها يانينة من فضلك، أنا مش طايق حتى افتكرها
- يبقى هي
وراحت تُصدق على شكوكها التي قالتها من قبل: - أنا متأكدة إنها اللي قتلت هانيا Bir katil. قاتلة
لم يقتنع يونس من جديد ب اتهامها ل غالية والذي اعتبره غير مدروس جيدًا، وأعلن ذلك بصراحة لها: - إزاي يعني هتموت بنتها! هانيا كانت نور عينها مستحيل تعمل فيها كده.

تنغض جبينها وهي تُضيق عيناها مؤكدة حديثها: - مكنتش هانيا المقصودة، أنت اللي كنت مقصود
كأن عقله لا يتوقف عن التفكير ولكنه في نفس الآن يرفض تخمين ذلك. ف تابعت كاريمان ل تُثبت له: - غالية مكنتش تعرف إن هانيا معاك في نفس الأوضة اللي كنت حاجزها في الفندق. اليوم ده كنتوا متخانقين مع بعض وهي جت وراك عشان تصالحك، لكن الحيّة أمها مكنتش تعرف ده طبعًا، افتكرت إنها هتغدر بيك. لكن ربنا عاقبها على إجرامها.

ارتكزت عيناه على الفراغ وهو يدرس حديثها، هي بالفعل لم تكن تعلم بوجود هانيا معه في تلك الليلة، كان يقضيها بالفندق وتفاجئ بحضورها كي تصالحه بعد مشاجرة حامية بينهم. انقطع تفكيره ومحاولة استذكاره اهتزاز هاتفه في جيب سترته، ف أخرجه على الفور ليتفاجئ برقم جدتهِ يتصل به، ف نظر نحوها مذهولًا و: - إيه ده يانينة! انتي بتتصلي بيا ازاي!

ف وضحت له وهي تبتسم: - دي ملك، أنا سيبت لها تليفوني التاني عشان متبقاش من غير موبايل
ف نهض عن جلسته وهو يضغط على الشاشة لرفض المكالمة و: - طب أنا هروح اشوفها
وخرج، تعجل نحو غرفتها. فقد تكون تحتاج لشئ لما. طرق أولًا قبل أن يدخل، ف كانت ممددة في فراشها تمسك الهاتف وعلى وجهها بعض ملامح الإعياء.
دلف إليها وهو يتسائل بقلق: - أنتي كويسة ياملك؟

ف هزت رأسها بالسلب و: - لأ، دراعي واجعني جدًا ومش قادرة أقوم أشوف بديل المُسكن
فتسائل وهو يجلس بقربها: - هو خلص
ف ردت بحرج وهي تسبل بصرها
- آه
ف اكفهر وجهه وهو يستخدم هاتفه معنفًا إياها و: - طب ليه ساكته!
وضع الهاتف على أذنه يتحدث فيه و: - أيوة ياعيسى، هبعتلك صورة برشام مسكن دلوقتي تجيبلي منه علبة وتيجي طيارة. ماشي.

وأغلق المكالمة، نظر إليها متفحصًا وجهها، ثم وضع يده على جبهتها يتحسس حرارتها التي كانت مرتفعة قليلًا. ازداد قلقه عليها وهو يردف: - انتي سخنة
ف كتمت أنفاسها بيدها وهي تعطس بصوت خافت، ثم قالت بصوت واهن: - يعني، مش أوي
عاد يتواصل عبر هاتفه وهو يسخر من استخفافها: - أنتي مهملة.

أراحت رأسها للخلف متجاهلة ما قال، بينما بدأ هو يتحدث للطبيب: - أيوة يادكتور، ملك سخنت شوية وتقريبًا جالها برد. عارف إن معاد زيارتها ليك بكرة. بس مفيش حاجه تاخدها مؤقتًا؟
نظر لها، فكانت متعلقة ببصرها عليه، ف لم يحيد بصرهِ عنها وهو يتابع: - شكرًا، سلام
تنهد وهو يتابع النظر إليها، بينما أجفلت هي بحرج منه وهو يقول: - مينفعش تاخدي أي حاجه مع الأدوية والمضادات الحيوية اللي بتاخديها.

نهض عن مكانه، وراح يفحص الخزانة التي تبين من شكل الملابس فيها بحداثتها وجميعها جديد. حاول أن ينتقي شيئًا ثقيلًا كي ترتديه لتُدفئ جسدها، فلم يجد سوى منامة قطنية ذات ملمس ثقيل. سحبها وقطع عنها البطاقة الخاصة بها وتركها على حافة الفراش، ثم دنى منها و: - البيچامة دي تقيلة، ممكن تلبسيها على البيچامة اللي لبساها
حدقت فيما يمسكه وقالت ببلاهه: - إيه! ألبس بيچامتين على بعض!
- آه.

خرج لمدة ثلاث ثواني، ثم عاد لها لتقول هي ب اعتراض: - مش هلبس حاجه، الجو حلو
تجاهل كلامها ونظر نحو الشرفة المغلقة، فتحها كي يتجدد الهواء. ف دخلت خديجة لتُلبي نداءه: - أيوة يابني
التفت يتحدث إليها وهو يشير للمنامة: - معلش يادادة، محتاجك تساعديها بس تلبس البيچامة دي
- عيني
فكررت ملك من جديد وهي تنظر نحوه بتعند: - مش عايزة البسها.

ف ابتسم بسماجة وهو يتذكر كيف كان يتعامل معها قبيل تلك النواكب كلها: - معلش تعالي على نفسك، كلمة لأ دي مش هتكون لطيفة معايا حاليًا. عشان كده بلاش تعرضي نفسك ل mood مش هيكون لطيف لو شوفتيه
همّ من مكانه كي يترك الغرفة لهم، ف اضطرت ملك أن توضح سبب تعندها المبرر بعد أن نادت عليه: - يونس
ف التفت برأسه مهمهمًا: - همم
أشارت لذراعها المُصاب وقالت بحزن بلغ حلقها من فرطه: - مش هعرف البس حاجه تاني عشان دراعي.

فكر وهو ينظر لذراعها المحتبس داخل جبيرة ضخمة إلى حدٍ ما. ثم رضخ لرغبتها في الأخير: - بلاش، يبقى تتغطي بحاجه
تحركت خديجة لإحضار غطاء أثقل من الموجود على الفراش، بينما كان يتحدث إليها كي تنحل عُقدة حاجبيها تلك: - لو كنتي قلتي من الأول آ..
فقاطعته وقد انهمرت دموعها لتنسال بغزارة وهي ترميه بكلماتها الموحية من جديد: - مش لازم كل حاجه افسرها وأبررها، أنا بني آدمه وليا حريتي وحقي أعمل اللي انا عايزاه.

أشار يونس بعينه ل خديجة ف غادرت على الفور وأغلقت الباب. بينما تضايق هو من نفسه بعد أن ضغط عليها من جديد وهي تعاني من الألم الآن ومازالت فريسة الوهن والتعب، ودنى منها محاولًا التخفيف عنها بلطف: - مقصدتش أجبرك على حاجه مش عايزاها، بس مصلحتك آ..
- يوه
صاحت بها فجأة وهي تُحرك ذراعها المُصاب بدون دراية، ثم تابعت: - تاني هتقولي مصلحتي! محدش يفكر في مصلحتي، شيلوني من دماغكم خالص.

وضع كفهِ على يديها يثبتهما في مكانهما بعد أن أشاحت بهما متجاهلة الألم الذي تُعانيه، ثم أردف بلهجة تحمل بعض الحزم: - أهدي ياملك، أهدي مش كده
- م..
- أنا آسف ياستي، خلاص
صمتت وهي تشهق بصوت منخفض محاولة ابتلاع صوت البكاء المنهمر. ف مدّ هو يده يمسح عنها دموعها: - خلاص.

أطبقت جفونها ف أفرغت كل الدموع المختزنة بهما، وظلت هكذا وهي تتناسى شعور الوجع عمدًا، ف أبعد يده عن وجهها وهو يتطلع إليها وقد بدأت تهدأ تدريجيًا، ف قرر أن ينتشلها من حزنها قليلًا بذلك الخبر المبهج: - في حاجه نسيت أبلغك بيها
فتحت عيناها وهو يُخرج ظرف من جيبه، ثم ناولها إياه و: - ورقة طلاقك
اتسعت عيناها، مسحت بقايا الدموع العالقة بجفنيها. وتناولتها بتلهف وهي تنطق ب: - كل ده معاك وساكت!

فتحتها بيد واحدة بسرعة ونظرت إليها تُشبع عينها بها، انبعجت ابتسامتها وغطت على ملامح الهزل والضعف. تبدلت لأخرى تمامًا، وبنظرات مُمتنة قالت: - شكرًا بجد، بس إزاي!؟
- عادي، زي الناس
ثم عاد يتحدث بجدية وهو يسألها: - مستعدة لبكرة!
أومأت برأسها عدة مرات، ف شملها بنظرات مترددة و: - ولا المحامي يحضر التحقيق بالنيابة عنك ونأجل لحد ما..
- لا لا لا، أنا مستعدة أروح، لازم أروح.

ف ضحك من مشهدها المتلهف گطفلة تود الذهاب للعب في الملاهي و: - خلاص فهمت
طرقت خديجة على الباب ودلفت: - البرشام المسكن أهو يايونس
وقدمته له، ف سكب لها الماء من أبريقهِ الكريستالي وناولها حبّة منه: - يلا
تناولتها على الفور وتسائلت: - هو هيكون هناك؟
- آه
ترك يونس الكأس فارغًا على الكومود و: - بس انا عايز منك حاجه
ترقبت لمطلبه و: - إيه؟

طالت نظراتهِ لها مما جعلها تشك بوجود أمر ما، حتى قطع صمته الطويل قائلًا: - تتنازلي عن القضية بكرة الصبح في النيابة
فلم تُمهل نفسها فرصة التفكير وعلى الفور صاحت: - لأ، مش هيحصل
- ملك!
فأصرت إصرارًا شديدًا متمسكة برأيها: - مش هيحصل، مش هسيبه المرة دي غير وهو دافع تمن كل الوجع اللي عيشته في سنتين. مش هرحمه، عشان هو عمره ما رحمني.

إصرارها راق له، ولكنه أصبح بين المطرقة والسندان. ذلك اللعين لن يتجرأ على لمسها مجددًا. هو يضمن ذلك، ولكن هناك وعد منه عليه الإيفاء به، ف ثمن وثيقة الطلاق الموثقة تلك لم يكن مجاني، كانت أمام عهدهِ ب حلّ وثاق السجن عنه. ولكنه لم يفكر أن صاحبة الشأن نفسها قد ترفض ذلك وبتعند صريح. أصبح الآن عليه التفكير في حل يُرضي رغبته في الإيفاء بكلمته، كما اعتاد دائمًا.

للتو وصلت نغم لمنزل كاريمان بالسيارة التي أرسلها لها يونس منذ الصباح كي تذهب برفقة ملك أمام النيابة كونها شاهدة على ما عانت منه في فترة زواجها من محمد. وكي تكون بجانبها أيضًا في يوم گهذا.
صعدت لها لتستمع لصوت آهاتها من الخارج والتي أرعبتها، ف دخلت على الفور لتجد خديجة تُساعدها في ارتداء ملابسها، تكاد تكون قد انتهت أيضًا.
- آه آآه
تنفست نغم الصعداء وهي تردد: - اتخضيت لما سمعتك بتقولي آه.

ف ابتسمت خديجة وهي تنظر لطلتها النهائية و: - خلاص خلصنا، معلش ياحببتي
نظرت لها كاريمان بتفحص وأبدت ملحوظاتها: - غيري الإسكارف ده ياخديجة، هاتي النبيتي أجمل وأشيك مع لون بشرتها
ثم دنت منها كاريمان ومسحت على بشرتها بلطف وهي تقول: - روحي هاتي علبة الميك أب بتاعتي من أوضتي
ثم وجهت حديثها ل ملك: - مش هنحط ميك أب كامل، هنعمل رتوش صباحية خفيفة ومش هتبان عشان وشك باين عليه التعب.

ف أومأت ب انصياع. وتركت نفسها بالكامل لها، بداية من اختيار ثيابها الجديدة وحتى أصغر التفاصيل، من حذاء ووشاح وهكذا.
بالأسفل
دعس يزيد سيجارته في المنفضة وراح يقف بجوار شقيقهِ الذي كان ينظر عبر النافذة المُطلة على الحديقة يُدخن سيجارتهِ هو الآخر، وقال: - النهاردة نخلص من الموضوع ده ونجهز للسفر بكرة الصبح
- إن شاء الله، متقلقش الإتفاقية دي في جيبي
ف تنهد يزيد بقلق و: - ياريت يايونس.

ثم سأله متبرمًا: - برضو مش موافق تسيبلي الأسهم اللي عايزها منك؟
- تؤ
استمع لصوت جلبة بالخارج. ف عقد حاجبيه وخرج، كانت ملك تقف على رأس الدرج مستندة على عكازها بيدها السليمة، بينما تحاول نغم مساعدتها.
يبدو إنها عاجزة عن نزول السلم، ف احتوى يونس الوضع وهو يقول: - هاتلي كرسي من جوا يايزيد
- كرسي!
ف رمقه بغلظة وهو يؤكد: - آه، كرسي.

ثم صعد للأعلى ملتهمًا الدرج، وأشار لصديقتها كي تبتعد: - سيبيها تقف، هي قادرة تعمل ده لوحدها
ف ابتعدت عنها قليلًا بينما كانت ملك تكافح بالفعل كي تبقى صامدة واقفة على ساقيها متحملة تلك الآلام التي تنحرها. صعد يزيد وهو يحمل المقعد الذي لم يفكر في سبب أتيانهِ به، ف تناوله يونس منه ووضعه أمام ملك و: - أقعدي ياملك
استطاعت تخمين ما سيفعل، وأظهرت بوادر اعتراض على ذلك: - ليه؟

ف أشارت لها كاريمان ل تُطيعه: - أسمعي الكلام ياملك، Hadi bebe?im. هيا ياعزيزتي
ف اتسعت عينا نغم وهي تتسائل متحمسة: - الله، أنتي بتتكلمي تركي
ثم ارتبكت وهي تُصحح: - أقصد حضرتك يعني
ف انبعجت شفتي كاريمان وهي تجيب بلغتها الأم: - Evet نعم
- Cok güzel. رائع جدًا
قالتها نغم وهي تضم كفيها سويًا ف وزع يزيد نظراته الحانقة بينهن و: - آدي التفاهه بقى!

ثم صاح ليُسمعهن: - في نيابة وتحقيق مش هيستنى الكلام الفارغ ده على فكرة
ثم أشار ل يونس: - يلا ياعم نينة لسه هتديها أول سيشن في الكورس التركي الماسخ ده
ف ضربته كاريمان بطرف عكازها وصاحت به: - Kes sesini أخرس
صعد يزيد درجتين، وانحنى نحو ملك وهو يردف بنبرة هادئة: - سوري يابنت عمي، مُضطر.

وبعينهِ أشار لشقيقه الذي انحنى هو الآخر وفي وقت واحد حملن المقعد من الإتجاهين. ذُعرت ملك وشهقت بصوت مرتفع، وبذراعها السليم كانت تتشبث ب يونس الذي جاهد للحفاظ على توازنه وتوازن المقعد حتى هبطا بها للأسفل ومن خلفهم كاريمان و نغم.

خرجوا بها حتى باب السيارة بنفس الشكل محمولة على المقعد. ثم تركوها أمام السيارة، وناولتها نغم العكاز كي تقف، وبهدوء بطئ كانت تستقر في المقعد الأمامي بسيارة يونس. وفي الخلف جلست نغم.
استقر يونس في مكانه ونظر نحوها وهو يسأل ب اهتمام: - مرتاحة؟
كذبت وهي تقول: - آه
ف رمقها بنظرة ماكرة قبل أن يقول: - كذابة
ثم حرك المقعد ليكون منبسطًا أكثر فترتاح أكثر و: - هحاول أسوق براحة، رغم إن دي حاجه بكرهها جدًا.

وبدأ يقود بها، ليكون ذلك اللقاء الأخير ب محمد. وللأبد.
بعدما أدلى يونس بشهادتهِ التي كانت في صالح ملك مائة بالمائة، وكذلك انتهت نغم. بقيت هي بالداخل حتى ينتهي التحقيق برفقة المحامي الخاص بها. واحد فقط هو الذي لم يستطع الحضور للإدلاء بشهادتهِ. إبراهيم، وقد برر يونس ذلك بسفرهِ للخارج وإنه سيحضر خلال أيام.

وقف يونس بالخارج قلقًا عليها، حتى يزيد لاحظ تلك الحالة المتوترة التي يبدو عليها شقيقه. ف دنى منه واقترب من أذنه يقول: - في إيه يايونس، ده تحقيق صغير وانت ضامن إنه في صالحنا. ليه كل القلق ده!
ف زفر و: - مش هرتاح غير لما نخرج من هنا وملك تنسى كل حاجه حصلت
رفع إحدى حاجبيه وهو ينظر لشقيقهِ بعبث وقال مُعقبًا: - غريبة! آخر مرة شوفتك مهتم بحاجه أوي كده كان من فترة طويلة يعني.

ف استدار ينظر إليه بنظرة محذرة، ل يبادر يزيد: - خلاص خلاص! متعصبش نفسك. هسكت أهو
- ياريت
انفتح الباب وخرج منه المحامي أولًا، ثم التفت ينظر ل ملك كي يطمئن إنها تتحرك ب يُسر. أسرع يونس نحوها وأمسك عنها العكاز كي تستند عليه بدلًا عن ذلك و: - على مهلك
ف رمقته بذهول من تناقضه و: - مش قولت أمشي لوحدك؟

ف نظر حوله شاعرًا بالغبطة عليها لئلا يراها أحد وهي تتكئ بضعف على عصاها وبرر: - أمشي لوحدك في البيت، في الجنينة، إنما هنا لأ
سحبها جانبًا ثم سأل المحامي: - ها يامتر؟
فأجاب: - مدام ملك اتنازلت عن القضية والمتهم هيتم إخلاء سبيله بضمان محل إقامته بعد شوية إجراءات
ف نظر يونس نحوها وقد علت ابتسامة غريبة محياه غير متوقع إنها ستقوم بالتنازل بعد تعنتها ليلة أمس: - غريبة!

ف عقبت على ذلك هي الأخرى: - مينفعش أحطك في موقف صعب بعد كل اللي عملته عشاني
ف وزع يزيد نظراته عليهم وتدخل في الحوار: - وإيه كمان!
ف تجهم وجه يونس وهو يحذره: - يزيد!
ف نظر يزيد ب اتجاه المحامي و: - أنا بسأل المحامي، إيه كمان حصل يعني!

وقبل أن يُجيب المحامي، كان العسكري يخرج وهو يسحب محمد خلفه. رمقها بنظرة حانقة حملت الضغينة، ثم انتقل ببصره ل يونس. ذاك غريب الأطوار الذي فعل به ما لم يفعله أحد سابقًا، وقبل أن يمر من جوارهم استوقفته ملك منادية: - محمد
نظر نحوها بحقد بيّن، ف تركت ملك العصا لدى يونس وخطت نحوه بتعرج حتى أصبحت المسافة بينهم مقبولة، نظرت إليه بنظرة محتقرة: - كان ممكن كل ده ميحصلش، لو كنت طلقتني من أول مرة بهدوء.

ثم نظرت لحال ذراعه وتابعت بشماته دون أن تعلم سبب ما حدث له: - أو حتى كنت تستسلم ومتحاولش ترجعني ليك غصب. أنا عمري ما حبيتك ولا شوفتك جوزي. أنت كنت مجرد حيوان مرّ في حياتي، متعرفش أي حاجه عن المودة والرحمة. ولا سيبتني أعيش معاك في ود، ولا خلتني أسيبك وامشي برحمة، اللي حصلك ده كان قليل على كل اللي شوفته منك.

ولاحت ابتسامة صغيرة على مبسمها وهي تختم: - أنا سيبتك تخرج بس مش عشانك. عشان إبن عمي اللي اتصدر في الموضوع بس، لكن أنا. أنا مش مسامحاك ولا هسامحك عمري كله
وبلمح البصر رفعت ذراعها الأيمن وهوت على صدغهِ بصفعة دفعت فيها كل شعور الغل الذي تشعره تجاهه. صفعة مهينة مؤلمة. شده الجميع وحملقوا غير مصدقين ما أقدمت عليه، في حين أصدر يزيد إعجابه الشديد بها
وبقوتها اللحظية تلك مرددًا: - Wow!.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة