قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية دمية مطرزة بالحب الجزء الاول للكاتبة ياسمين عادل الفصل الرابع

رواية دمية مطرزة بالحب الجزء الاول للكاتبة ياسمين عادل الفصل الرابع

رواية دمية مطرزة بالحب الجزء الاول للكاتبة ياسمين عادل الفصل الرابع

وكأن عذابي عهد، أقسم بأن يُوفيه.
سعل إبراهيم سعالًا موجعًا آلم صدره، بصق في منديل ورقي ثم ألقاه في سلة المهملات. وعاد يباشر تدخين سيجارته اللعينة التي تسببت في كل ذلك الوجع.
وضع لفافة من النقود في درج مكتبة الخشبي القديم حينما حضر أحد عمال المتجر خاصته وتحدث ب: - الحج عوض اتصل بيك الصبح ياعم إبراهيم وبيقولك البضاعة الجديدة جاهزة عشان تستلمها.

أغلق إبراهيم الدرج ورفع بصره إليه ب اهتمام و: - معقولة لحقت توصل؟ ده احنا لسه مدخلناش على الشتا
- كل سنة وانت طيب ياعم إبراهيم، الناس كلها نزلت اللبس الشتوي في المحلات خلاص ولازم احنا كمان ننزل التشكيلة الجديدة
أومأ إبراهيم برأسه و: - بعد العصر هديك مبلغ تروح توصله للحج عوض وتستلم منه الجديد وتيجي
- عيوني.

عاد العامل يباشر عمله، ف سحب إبراهيم هاتفه ليعاود الإتصال ب ابنته للمرة السادسة على التوالي ولم يستطع الوصول إليها بأي شكل، كان غيابها مُقلقًا غريبًا. خاصة وإنها لا تغلق هاتفها أبدًا، نفخ إبراهيم بضجر مصاحبًا نفخته سعالًا جافًا. ثم بدأ يحاول الإتصال ب زوجها محمد، عسى أن يصل إليها عبره، ولكنه لا يجيب أيضًا. ترك الهاتف والقلق يعتريه، علق بصره في الفراغ، وعقله معها لا يتوانى عن التفكير فيما يخصها. حتى سئم من جلسته الغير مفيدة تلك، وقرر أن يسعى ليعلم ماذا حلّ بها لتغيب عنه هكذا.

كانت هائمة، تشاهد التلفاز وعيناها گأنها ستشع بالقلوب الحمراء من فرط الإندماج مع المسلسل التركي الذي تشاهده وتعيش تفاصيله مشهدًا مشهد.
ارتشفت نغم رشفة من مشروبها الغازي وهي تتابع المسلسل بشغف شديد، وفجأة عقبت ب تحمس شديد: - أعترف بقا، أعترف إنك بتحبها وخلصنا. هو انت إيه؟ حجر!

تركت الكوب وهي تستعد لمتابعة مشهد مقابلة بطليّ المسلسل، وإذ بصوت الهاتف يقطع اندماجها. ف عبست فورًا وهي تنظر للشاشة و: - يعني هو ده وقته يعني؟ مين الرذل اللي بيتصل!
وانحنت قليلًا نحو الطاولة المقابلة لها لتتمكن من رؤية هوية المتصل، تنغض جبينها و: - عمو إبراهيم!
أخفضت مستوى صوت التلفاز وأجابت عليه: - ألو، أزيك ياعمو عامل إيه.

فأتاها صوته المنزعج: - نحمد الله يابنتي، قوليلي انتي اتصلتي بملك امبارح ولا النهاردة؟
- لأ، ليه في حاجه حصلت ولا إيه؟
ف ازداد قلقه كونها لا تغيب عن صديقة عمرها وجارتها منذ الصغر وأعلن لها ذلك صراحةً: - بقالي كذا يوم مش عارف اوصلها ولا هي ولا جوزها. أنا قلقان يكون حصل حاجه ولا دخلت البيت المستشفى تاني وانا معرفش.

وقفت نغم عن جلستها و: - بعد الشر ان شاء الله خير، أنا هلبس وأعدي عليك في المحل ونروح نشوفها
- طب متتأخريش عليا يانغم، أحسن الفار بيلعب في عبي ومش مستحمل القعدة الخايبة دي
- حاضر متقلقش، سلام
وراحت تدخل غرفتها لتبديل ملابسها وهي تحاول الإتصال بها، ولكن دون جدوى. مما أثار العديد من الشكوك لديها هي الأخرى، وجعلها تستوفض كي تذهب متعجلة إليها.

كان الوضع جادي في المقر الرئيسي لشركات الوطنية منذ صبيحة اليوم بعد إعلان إلغاء أحد أهم الإجتماعات السنوية التي يحضرها مشرفون أجانب بناء على أمر من يزيد وبدون مراجعة الشركاء الآخرين. مما أثار امتعاض معتصم وذهب متعجلًا لمواجهته. ولكنه اصطدم بمفاجأة أخرى.

دخل معتصم غرفته ليجدها فارغة، لا يوجد مكتبه الفخم ولا طاولة الإجتماعات الصغيرة الملحقة بالغرفة ولا أي شئ من حوائجه. ويقف في منتصف الغرفة رجل وفتاة، ف صاح بصوت أفزعهم ودبّ الرعب بنفوسهم: - انتوا بتعملوا إيه هنا! أنتوا مين؟
انتفض الرجل بفزع والتفت ليراه وهو يجيب: - أنا مهندس الديكور اللي بشرف على تغيير ديكورات المكاتب يافندم.

فلم يخمد غضبه بل تفاقم أكثر وهو يردف ب: - ومين قالك عايز أغير حاجه! مين أدالك الأمر ده!
فقال بتلقائية بدون أن يعيّ خطورة الموقف: - مستر يزيد
كأن جمود أصابهُ وهو يتلقى ذاك الأسم الذي يبغضه، متوقع ومع ذلك فاجئه، وفي اللحظة التي قرر فيها أن يغادر ويذهب إليه لعراك جديد. كانت رغدة تقف في طريقه تسده عليه وهي تقول: - مش هتروح عنده يامعتصم، هو عايز ده. عايز يستفزك.

كزّ معتصم على أسنانه بغيظ لم يعد قادرًا على دفنهِ أكثر: - أنا خلاص مش متحمل، والله العظيم هاين عليا أطربق الشركة كلها فوق دماغه ودماغ أهله
أمسكت بذراعه وهي تحاول تهدئته و: - أهدا ياحبيبي، هو عمل كده مخصوص عشان يمنع وجودنا هنا. احنا مش هنحققله اللي عايزه، لكن مش بالشكل ده
استدار معتصم برأسهِ لينظر إلى غرفته نظرة أخيرة غاضبة، ثم عاد لينصرف على الأقل الآن.

بين تلك الجُدران الأربع اللاتي تضمني ببرودتها القارصة، والأبواب والنوافذ التي لم تشهد سوى على التعاسة والقهر اللذان تلقيتهم هنا. جلستُ أُعيد في ذهني عشرون عامًا مضوا، متى فعلت أثمًا استحققت عليه ما آراه وأعيشه الآن؟
لم أملك شيئًا تمنيته حتى اليوم، وكأن هذا لا يكفي لأقضي سنوات شبابي مع هذا المُعقد السادي، الذي لا يفقه عن الإنسانية والرحمة شيئًا. لقد استُنزفت ياالله.

نظرت ملك بقهر لقصقوصات شعرها الذي احتفظت به بداخل كيس بلاستيكي شفاف، ثم تحسست رأسها التي غطتها ب وشاح صغير إيشارب كي لا ترى شعرها أو تشعر بقصره. تعالت شهقاتها وهي تدسه بين ملابسها، وسحبت تلك الورقة التي كانت تُخبئها لحين الحاجه، يبدو أن وقتها قد آن. نظرت للورقة المطوية وكأنها بيان الخلاص لها من هذا المحبس، توقفت عن البكاء وهي تنظر إليها بنظرات غير مفهومة، وكل ما جلّ بخاطرها هو كيفية التخلص من هنا. كيف تخرج من منزله بهذه الورقة التي ستقضي على زيجتهم. الورقة الرابحة الوحيدة التي إن علم هو بها قد يقتلها كي لا تغادر منزله بها، طال صمتها عن استخدام ذلك الحق، ولكنها طمعت في أن يكون إنسان يترك لها الحرية في اختيار التطليق منه.

دقات على باب المنزل أرجفتها وجعلتها تضم تلك الورقة لصدرها بخوف فطري، ثم تنفست بصعوبة وهي تدسها من جديد. وخرجت مسرعة كي ترى من الذي يضرب على الباب بهذا العنف. نظرت عبر العدسة المُكبرة بالباب فلمحت والدها، ف عادت تبكي من جديد وهي تصيح مستغيثة: - بابا الحقني، محمد حابسني هنا يابابا وقافل عليا كل حاجه حتى الموبايل بتاعي أخده.

تنفس إبراهيم أخيرًا وكأن غاز الأكسچين يدخل لصدره أول مرة بحرية منذ وقت بعدما اطمئن على سلامتها. ثم سأل بعدما ارتاح قليلًا كونها بخير: - ليه ياملك عملتي إيه؟
- والله ما عملت حاجه
ف تسائلت نغم بنبرة قلقة: - انتي كويسة ياملك؟ أوعي يكون عمل فيكي حاجه؟

أطبقت جفونها تستعيد تلك اللحظة المؤسفة التي عُوقبت فيها بقصّ شعرها، وأردفت بصوت خافت كأنه لا يستطيع الخروج من فوهة شفتيها: - قفل كل الشبابيك بالخشب وغير كالون الباب، و، ضربني
واستندت على الباب بذراعيها وهي تستعطف والدها كي يخرجها من هنا: - أبوس إيدك يابابا تخرجني من هنا، أنقذني
ضاق صدره وهو يخفض صوته متسائلًا بشك: - مش معقول يكون عمل كده من نفسه، فهميني حصل إيه بينكم وصلوا لكده!

تعالت شهقاتها وتملكتها حالة هيسترية من البكاء، لم تقوَ على تفسير ما حدث من فرط الثقل الذي جثى على قلبها. وتركت نفسها لتُفترش على الأرضية وقالت بهمس لا يسمعه أحد: - معملتش حاجه!
كادت نغم تبكي هي الأخرى حزنًا على نبرة صوتها الضعيفة وكأنها تأن. واقترحت على إبراهيم سبيلًا لإنقاذها: - طب نجيب حد يكسر الباب ياعمو، مش ممكن نسيبها كده!
- باب مين اللي عايزين تكسروه!

حانت من رأسيهما التفاته مفاجئة أثر صوت محمد الحازم وهو يسأل بنظرات حادة متابعًا: - انتوا بتعملوا إيه هنا!
وقفت ملك جابرة نفسها على الصمود وراحت تستمع لما يقال بالخارج وهي تضع أذنها على الباب،.

في حين كان إبراهيم قد انزعج وبشدة من أسلوبه الحواري الركيك والغير مُهذب في آنٍ. تطلع إليه بنظرات حانقة وأردف: - بتكلم كده ليه يامحمد! أنا جاي اشوف بنتي اللي مش عارف عنها حاجه بقالي أيام وانت مش مكلف نفسك ترد على مكالماتي حتى.

تجاوزهم وعيناه الوقحة تتطلع إليهما ب استخفاف، ثم زرع المفتاح في قرص الباب وراح يفتحه. تراجعت ملك على الفور وراحت تمسح دموعها وهي تتنفس بمعدل سريع حتى رأت والدها. وبدون تفكير وبفطرة احتياجية بحتة كانت تلقي بنفسها بين أحضان والدها گطفلة تائهة للتو وجدت جدار يحميها، تعالت شهقاتها وهي تتشبث به وهتفت بصوت متقطع: - خدني من هنا أبوس إيدك يابابا.

ربتت نغم على كتفها بشفقة عليها، بينما رمق إبراهيم زوجها بنظرات ممتعضة قبل أن يسألها: - في إيه ياملك؟
ف ابتعدت ملك عنه فجأة وراحت تنزع وشاح رأسها بانفعال جلي ليظهر شكل شعرها وصرخت قائلة: - بص بنفسك في إيه
شهقت نغم بصوت مسموع وكتمت فمها بيدها بينما تابعت ملك: - ده اللي انا فيه ومحدش حاسس بيا
ف صاح فيها محمد وهو يجذب ذراعها بعنف ضاغطًا عليه: - متعليش صوتك الباب مفتوح.

ف تدخل إبراهيم وهو يحاول جذبها برفق من بين يده: - أنا واقف يامحمد اعمل احترام ليا
وما أن أفلتها حتى أردف إبراهيم: - أدخلي جوا يانغم وخدي ملك معاكي وانا هكلم مع محمد كلمتين
ف اعترض محمد بفظاظة معتادة منه: - البنت دي مش هتدخل بيتي
وأشار نحو عتبة المنزل: - أخرها باب شقتي، خطوة زيادة مفيش.

أصفرّ وجهها وشحب بإحراج على الفور، في حين تدخلت ملك لإنقاذ رفيقتها من هذا المأزق: - إيه اللي بتقوله ده! دي صحبتي وهتدخل معايا
- عيب كده يابني، بنت الناس جاية معايا انا
ف انسحبت نغم فورًا كي لا تضع نفسها موضع حرج أكثر من ذلك، يكفي إنها تم طردها بشكل غير مباشر: - أنا هستنى تحت ياعمو، عن أذنك
حاولت ملك أن تستوقفها و: - أستني يانغم آ..

ولكن الأخيرة لم تنتظر وغادرت على الفور، ف أطلقت عبرة مختنقة من عيناها وهي تلتفت لتواجهه بمقت شديد: - أنا مبقتش طايقة تصرفاتك ولا عايزة أقعد هنا معاك أكتر من كده
أغلق إبراهيم الباب ووقف بينهما قبل أن يشتد الحوار: - أدخلي ياملك دلوقتي
ف صرخت ملك وهي تصرح لوالدها برغبتها التي لم تقبل التخلّي عنها: - طلقني منه يابابا، أنا مش عايزة أعيش معاه.

كأنها أشعلت فتيل النيران من جديد بتلك الرغبة التي عادت تنطقها، ف جنّ جنونه وهو يُقدم على التهجّم عليها وصوته الجهوري قد أرعبها: - تاني بتكرريها، ده انتي عايزاني أدخل فيكي السجن بقا!
ف دفعه إبراهيم عنها و: - بس بقا يامحمد، بس. وانتي ادخلي جوا قولتلك
سارت ب اندفاع للداخل وعينا محمد المستشيطة ترغب في الإنقضاض عليها والفتك بها، وعندما أصبحا منفردين كان إبراهيم حازمًا قويًا معه لأول مرة أثناء تحادثهم.

كان يزيد يُمشط شعرهِ المُبتل أمام المرآه بداخل دورة المياة الصغيرة المُلحقة بغرفة مكتبه. ترك سترته على (الشماعة) الخشبية وخرج وقد نسى أزرار قميصه المفتوح وأكمامه المرفوعة في نفس اللحظة التي اقتحمت فيها رغدة الغرفة بدون أن تقرع على بابها، رمقها بنظرات مشدوهه فاترة قبل أن يتفوه بلهجة جادة: - اطلعي برا.

ارتكزت عيناها عليه ب اندهاش وقد ألجم لسانها الذي حفظ الكثير من الكلام كي تضربه في وجهه، ف تحولت ملامحه في لحظة واحدة وتبسّم بسماجة قائلًا: - بهزر خليكي فرفوشة
وعبس من جديد كأنه اختلق العديد من الشخصيات خلال دقيقة واحدة وسأل: - خير، إيه سبب تشريفك لمكتبي؟
فقالت بجملة واحدة: - العِند بيولّد الكُفر يايزيد، وآخر عِندك مع معتصم هيدمرنا كلنا.

فهز رأسه بالسلب و: - تؤ تؤ تؤ، هيدمركم انتم. انتوا اللي حاطين نفسكوا في مكان مش بتاعكم، أخرجوا منها بشياكة وانا هحاول أعمل نفسي نسيت اللي حصل
أظلمت نظراته، وراح يخطو نحوها خطوات مُهددة وهو يتابع: - انتي ضربتيني في ضهري، وانا مش هعدي ده بسهولة. حاجه واحدة بس ممكن تشفعلك
كانت قدماها مُتسمرة كأنها لا تستطيع التحرك، بينما أصبح هو على بُعد سنتيمترات منها وهو يتابع: - إنك تصلحي غلطتك في حقي.

مسج بأنامله على وجنتها التي أصبحت گقطعة من جليد، وكأنه سيقدم على فعلة جريئة. ف دفعته دفعة قوية لم تكن مؤثرة معه وابتعدت على الفور وهي تصيح: - انت اتجننت! انا جاية أشوف حل لكل المشاكل اللي بينكم وانت بتقولي كلام فاضي!
فلم يتراجع عن اقترابه منها وهو يستطرد: - أنا مشكلتي مش معاكي، أخرجي انتي منها عشان انا مش هسيب معتصم غير بعد ما اصفيه
تطلعت إليه بنظرات محتقرة وهي تردف: - أنت حقيقي إنسان آ..

كادت تتلفظ بما لن يعجبه، بجانب نظراتها التي أججت بصدره رغبة جامحة في معاقبتها. ف قطع عليها سبيل استكمال إهانته وفجأة كان يُطبق بشفاهه على شفتيها وقد قيّد ذراعها الأيمن خلف ظهرها، بينما ذراعها الأيسر والضعيف لم يستطع سوى تسديد ضربات لم تُجدي معه. كأنها قُبلة عنيفة، لم تحمل معنى غريزي عاطفي بتاتًا. ولكنه قصد إيلامها قليلًا، وأخيرًا ترك شفتيها المُحمرتين وتركها هي، ف رفعت كفها منتوية صفعهِ صفعة تُهينهُ. لولا إنه أمسك بكفها واعتصر مرفقها وهو يردف بنبرة محذرة يشوبها الغلّ الشديد: - عملتيها قبل كده، مش هسمحلك تعمليها تاني.

تشنجت وهي تُخلص مرفقها منه، ثم تراجعت للخلف خطوة و: - أنا بكرهك، بكرهك من كل قلبي
فقالها بصدقّ بيّن: - مش أكتر مني
استدرات مسرعة لتغادر تلك الغرفة التي لن تطئها ثانيةً، حينما برقت عيناه بلمعة مُرعبة، وعضلات أصابعه قد أصابها الوجع من قوة قبضته عليها.

استمع لصوت هاتفه، ف حمحم وهو يلتفت ليرى هوية المُتصل. ثم سحب شهيقًا زفرهُ ببطء مستعيدًا ثباتهِ الإنفعالي قبيل أن يرد: - ألو، أيوة يا يونس. أنا في المكتب لسه
صمت لحظات قاطبًا جبينه و: - ليه إيه اللي حصل؟ انت فين دلوقتي؟ طيب، هكلمك بالليل تكون وصلت بالسلامة، سلام
وألقى بهاتفه وهو يهمس بمضض: - وبعدين معاك يايونس!

وقفت عبرة على طرف أهدابها السُفلية، لم تتحرك لتنزلق، ولم تهتز قيد أنملة. نظرت لوالدها نظرات معاتبة مؤلمة، غير مصدقة موقفه ورأيه بعد ما حدث معها. نظرات أشعرته بالضيق ولكنه يتجاهل شعوره ذلك وتجاهل أيضًا ضميره الذي يدفعه لأن يُخلصها من براثنهِ المتوحشة.
أطبقت جفونها ف تسربت تلك الدمعة حاملة شهادة موثقة على تلك الأيام القاسية التي عاشت فيها، وأردفت بصوت ضعيف: - يعني مش هتخلصني منه!

فأجاب ملتزمًا بالصرامة المزيفة تلك التي يرسمها: - معنديش بنات تطلق ياملك، عايزة الناس تاكل وشنا! ده انتي مكلمتيش سنتين. وكمان جوازة من غير عيال، عايزة الناس تقول عليكي معيوبة!
فقالت وصوتها منبح من فرط الصراخ والبكاء: - بس انا بموت كل يوم هنا، انت مش حاسس بيا وبالعذاب اللي عيشاه. ليه بتعمل معايا كده!
نهضت فجأة وصرخت مرددة: - ليه!

ف نهض هو الآخر وقد انفعل جراء أنفعالها: - أنا بحميكي وبحافظ عليكي، ولو على محمد أنا حذرته وقولتله معندناش بنات تضرب. وهو عرف غلطه
ف تحسست شعرها بقهر وقد ارتجف صوتها: - غلطهُ!
تنهد إبراهيم شاعرًا بالضجر والتعب في آنٍ: - أنا ماشي، جوزك هيدخل يصالحك بعد ما اخرج من هنا، بلاش تصديه. محمد شاريكي ياملك، متخربيش البيت بأيدك عشان انا مش هسمح بكده. سلام.

وخرج من غرفتها قاطعًا عليها أي سبيل للخلاص، هدم آخر أمل لها فيه، وترك روح تُعصف بين أفكارها المُشتتة وروحها الملتاعة في ألم وحزن وقهر، تلوذُ ب اشتياق لحُب وُلد في مكان خاطئ ووقت أكثر خطئًا.
ولكنها أحست بطاقة تدفعها لأن تُكمل الجنون الذي بدأتهُ، أن تنتقم من زوجها أشد انتقام وتترك من خلفها رجلًا تتحدث عنه الألسُن إن لم يحقق لها مبتغاها، لن تيأس، ولن تستسلم لخطأ بدأ بأيادي والدها.

دخل محمد بخطى لم تشعر بها. وبيداه كان يطوق خصرها ويقول بصوت خافت: - ماانتي لو مكنتيش عصبتيني مكنتيش شوفتي كل ده مني
وألصق ظهرها بصدره بينما كانت هي غائبة بين زوايا عقلها تُدبر لما ستفعل في بكور الغد الذي سيكون آخر صباح لهما. وعيناها عالقة بالفراغ لا تُدركه وتدرك أفعاله، ألصق شفاهه التي لا تعرف اللطف بنحرها، ثم همس: - ده انتي وحشاني أوي.

كان يزيد يشاهد أحد التحليلات الرياضية عقب مباراة عالمية بين قًطبي كرة القدم في العالم. ولكنه لم يكن في أشد تركيزهِ.
ممددًا على فراشه بنصفه العلوي العاري، وبيده كأس فرغ من محتواه النبيذي المُسكر. خرجت تلك الشقراء الأجنبية من دورة المياه وتسائلت بصوت ناعم ونبرة تميل للعربية: - يزيد، أمتى تيجي روسيا، انا مش هقدر أنزل مصر تاني!
استقام في جلسته وراح يتفقد هاتفه المحمول قائلًا: - مش وقته يا چين.

جلست بجواره ووضعت كفيها على كتفيه وراحت تداعبهم بلطف يُحبذه: - أنا مش أقصد أضغط عليك حبيبي لكن I miss being in Russia. أشتقت لوجودك في روسيا
- When the opportunity allows, I ll come to you.
عندما تسمح الفرصة سآتي أليكِ
تنهدت بضيق وتركت مداعبته، ف التفت لها وهو يترك هاتفه و: - Please don t be sad.
I m in a lot of trouble.
من فضلك لا تحزني، أنا بداخل مشاكل كثيرة.

ثم نفخ بإنزعاج وهو يفرك رأسه متابعًا: - I don t know when it s going to end.
لا أعلم متى ستنتهي
وقف عن جلسته وأشار لها: - أنا نازل أجيب اللاب توب بتاعي
تلوت شفتيه بعدما تذكّر إنها لا تفهم أغلب الحديث العربي، وأعاد صياغة عبارته: - أقصد I ll get my computer.
- Okey.

هبط يزيد من الطابق العلوي لفيلا الجبالي بدون أن يرتدي شيئًا أعلى سرواله، التقط حاسوبه من أعلى الطاولة وكاد يصعد، لولا إنه استمع لصوت قرع عنيف على باب الفيلا الزجاجي جعله يمتعض قليلًا.
ترك الحاسوب وهو يغمغم: - ده انت ليلتك سودا ياللي بتخبط.

وفتح الباب فجأة وعلى وجهه نذير غير مُبشر، حتى وقعت عيناه على تلك السيدة وحارسها الشخصي. ف ارتخت تعابير وجهه قليلًا وقوسّ شفتيه مرددًا ب استخفاف: - خير يامدام غالية! جاية كده كأنك هاجمة على الفيلا
- هو هجوم فعلًا
قالتها بأسلوب متعند وهي تدلف للداخل، مشطت الساحة بعيناها أولًا، ثم سألت ب اقتضاب: - يونس فين يايزيد؟

وكأن يزيد يعلم سبب زيارتها وعما تبحث جيدًا، وينتظر حضورها منذ الصباح، ولكنها أتت بالشكل الذي لم يكن يتوقعهُ..!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة