قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية دمية مطرزة بالحب الجزء الاول للكاتبة ياسمين عادل الفصل الخامس

رواية دمية مطرزة بالحب الجزء الاول للكاتبة ياسمين عادل الفصل الخامس

رواية دمية مطرزة بالحب الجزء الاول للكاتبة ياسمين عادل الفصل الخامس

دائمًا يكون القرار الأصعب هو الأصح، فقط تجرأ على التحرك نحو الصعب.
شعرها الأسود الفاحم والمُتناغم مع اكتحالها بالأسود القاتم، بجانب ثوبها الفريد التي تميز بكونهِ أسود.
كانت تدل على رُقي الطبقة التي تنتمي إليها بين سيدات المجتمع من الطبقة المخملية.
جلست بشموخ كأنها تجلس بين أملاكها، ونظرت حولها بنظرات مُنفرّة قبل أن تردف قائلة: - لو فاكر إني مصدقاك تبقى غلطان يايزيد.

جلس قبالتها بعدما ارتدى قميص قطني مريح وتحدث إليها بنفس نبرتها المتعجرفة: - ميهمنيش، أنتي سألتي سؤال وأخدتي أجابته، دلوقتي حقي أطردك من بيتي
انقبضت تعابيرها الحانقة أكثر وهي تذكر فعلة يونس التي وصلت بها لتلك الحالة المنفعلة: - الفرسة اللي سرقها أخوك من الاسطبل بتاعي مش هسيبها له لو السما اطربقت على الأرض.

تأفف يزيد بضجر ونهض عن جلسته وقد سئم حديثها المتكرر الكي تردده منذ أن أتت: - دي مشاكلكم حلوها مع بعض بعيد عني، أنا مفياش خلق للحواديت البايخة دي
خطى نحو الباب وهو يزجر حارسها بنظرة حامية، وفتح الباب قائلًا: - نورتيني، سلام
وقفت عن جلستها واقتربت منه. ووقفت أمامه ترمقه بحزم: - وصله رسالتي وسيبلي بقيت الحدوتة أنا أتصرف فيها.

أشار لها نحو الخارج بدون أن ينطق كلمة واحدة، ف ضحكت مثيرة استفزازه الذي ينشط بأقل مجهود قبل تخرج. ف صفق الباب من خلفها صفقة أرجفت اللوح الزجاجي المُصمم بين دفتّي الباب، وغمغم بصوت خافت: - حيزبونة فعلًا
هبطت چين التي كانت تتطلع لما يحدث بتشوق زائد، وقالت بحماسة أثارت تعجب يزيد: - This lady is very strong.
Why is she threatening you
-هذه السيدة قوية جدًا
لماذا تهددك؟

فقال بغير اكتراث: - Don t worry. Let s go before you miss your flight.
- لا تهتمي، هيا لنذهب قبل أن يفوت موعد طائرتك
تركت ملك فنجان الشاي المُخمر على الطاولة أمام زوجها الذي كان يجلس للتو وأردفت: - عايز تتغدا إيه النهاردة؟
تناول مشروبه الساخن وهو يجيب: - عايز طاجن بامية باللحمة.

جلست على المقعد المقابل له ونظراتها الغريبة تصاحبه. بينما ترك هو فنجان الشاي حينما عادت تقول: - أنا هروح لبابا النهاردة بعد الضهر
تنهد ب انزعاج ورمقها ب استنكار قائلًا: - ماهو كان هنا امبارح! لحق يوحشك؟
أجفلت متهربة من نظراته التي قد تفضح أمرها وبررت سبب رغبتها ب: - امبارح كان ماشي وهو قلقان عليا، عشان كده هزوره واعزمه ييجي يتغدا معانا يوم بمناسبة إنه صالحنا على بعض.

تلوت شفتيه ب استخفاف وهو يقف عن جلسته و: - ماشي، أنا هنزل
ف استوقفته بقلق و: - آ. محمد، مش هتسيبلي المفتاح بقا عشان اعرف أنزل؟
نظر إليها بعقل منشغل وقد تذكر السجن الذي حكم به عليها قبل أيام. وقبل أن ينطق بجوابه كانت تقول: - انت قولتلي ماشي! عشان خاطري كفاية حبسه
أخرج ميدالية المفاتيح خاصته وشرع في إخراج أحد نسخ المفاتيح، ف تهللت أساريرها وهي تتناوله منه و: - شكرًا ربنا يخليك يارب.

ف شدد عليها قائلًا: - لو أتأخرتي برا مش هيحصل طيب
- حاضر متخافش
وانسحب من أمامها كي ينصرف.
سرعان ما ولجت ملك لغرفتها وقد دبت الحماسة في صدرها وهي تُقدم على أهم خطوة وأقوى قرار ستقوم بتنفيذه في حياتها كلها. ستكون العواقب والتوابع وخيمة، لكنها أبدًا لن تستسلم هذه المرة لوالدها وزوجها.

أخرجت ملك حقيبة من أسفل الفراش وبدأت تجمع بعض الحوائج الهامة التي ستحتاجها عندما تخرج من هُنا، وكل أدواتها الشخصية وملابسها الأساسية التي لا غنى عنها. ملأت الحقيبة حتى آخرها، ثم أغلقتها وبدأت ترتدي ثيابها استعدادًا لمغادرة هذا المحبس الذي طالت إقامتها به. و للأبد.

وقف محمد وسط الردهه يوزع المهام على العاملين بالمتجر خاصته ويشير بأصابعه آمرًا: - حد يشيل علب التونة دي ويرصها على أول رف، مش عايزها جمب المربى
فبادر أحدهم قائلًا: - التونة كانت في اليمّه الناحية التانية مع السلمون والسردين المعلب ياريس، ليه هنحطها هنا؟
- مش عايزها هناك، أنا حرّ ياعم انت شريكي!
- ياريس تحت أمرك، أنا بقول رأيي بس.

فأجاب بفظاظة كعادته: - وفر رأيك لنفسك يااخويا، ويلا خلصونا مش هنقعد طول اليوم في شوية بضاعة
أخرج محمد هاتفه بعدما ألح المُتصل في طلبه، ثم أجاب و: - أيوة يارضا، خير؟
امتعض وجهه فجأة ووصلت الدماء إلى رأسه من فرط الغضب وهي يسأل بصوت منخفض: - يعني إيه نزلت ومعاها شنطة؟ وانت جاي تقولي بعد ما مشيت يابجم؟ أقفل ده انا هسود ليلتك
وأسرع في خطاه وهو يصيح ب: - أنا هغيب ساعة وراجع.

وخرج مسرعًا من متجر المواد الغذائية الذي يملكه وهو منتويًا لها على نيّة غير مُبشرة إن حدث ما يفكر به: - ماشي ياملك، ماشي. مش هعديها لك المرة دي
لم يكن إبراهيم متوقعًا زيارة گتلك الآن تحديدًا. ولكنه تفاجأ بالعامل الذي يدير متجر الملابس خاصته يتصل به ويخبره بوجود محمد، مما اضطره للذهاب إلى متجره مستوفضًا. وما أن دخل حتى وجد محمد يسأله بصوت جهوري استمعه كُل رواد المكان والعمال: - بنتك فين ياعمي!

نظر إبراهيم حوله بحرج ثم عاد ينظر إليه بتوتر وهو يدنو منه وسحبه نحو المكتب القديم المتواجد في زاوية بعيدة قليلًا عن الأعين: - في إيه يامحمد! مالها ملك؟
فلم يتراجع محمد عن رفع صوته كأنه متعمدًا أن يجعل المسألة جليّة للعيان وتحت مرأى ومسمع من الجميع: - بنتك خدت شنطة هدومها وسابت البيت وهي مفهماني الصبح إنها جايالك! يعني استغفلتني وادتني على قفايا.

ف صاح به إبراهيم بعدم اكتراث: - بتزعق ليه يامحمد! أوعى معاملتي الطيبة تخليك تفكر إني مش قادر أهزقك، ده انا ممكن اخليك عبرة دلوقتي لو معدلتش كلامك معايا وكلامك عن بنتي
ف ضحك محمد من زاوية فمه وهو يقول بسخرية: - بنتك! وهي فين المصونة بنتك دلوقتي!؟ بقولك خدت شنطتها وفيها نص هدومها وحاجتها وسابت البيت والبواب شايفها بعينه!
أشاح إبراهيم ببصره عنه وهو يهمس: - يعني إيه الكلام ده! ملك هربت!

توقفت سيارته ذات الطراز القديم نوعًا ما أمام المخفر، حيث يقف العديد من العساكر المجندين أمامه.
نظر هادي نظرة شمولية على المكان، ثم راح ينظر إليها وسأل: - هتعرفي تدخلي لوحدك؟
كانت الرهبه تتملكها وهي تنظر لهذا الكيان العسكري الذي ستطئه لأول مرة، ثم سحبت شهيقًا عميقًا لصدرها و: - أنا خايفة أوي ياهادي، حاسه إن محمد مش هيعديها بعد اللي هعمله. ده ممكن يعمل فيا حاجه.

تنغض جبينه ب استنكار لمخاوفها التي تسيطر عليها وتجعل منها سجينة لرجل گهذا وأردف ب: - انتي ازاي خايفة بالشكل ده منه! مجرد ما تعملي اللي اتفقنا عليه مش هيقدر يعمل حاجه، ده كمان هيمضي على تعهد بعدم التعرض ليكي
ازدردت ريقها بينما كان يستكمل هو ضغطه عليها: - أدخلي اتخلصي من التعاسة والقهر، وانا هكون مستنيكي هنا عشان نبدأ حياة جديدة. حياة مفيهاش غيرنا.

والتقط كفها برفق بالغ، قبّل ظاهرهُ وابتسم لها: - يلا ياملك
استجمعت قوتها وترجلت عن السيارة وهي تمسك بحقيبتها الصغيرة. أدلت بسبب حضورها قبل أن تدخل ثم صاحبها أحد العساكر للداخل ثم قادها نحو مكتب موجود أقصى اليمين وأشار لها لتدخل. رفع ضابط الشُرطة بصره نحوها شملها ثم سأل: - نعم.

كانت متوترة، ربكتها جليّة وهي تفرك في أصابعها بقلق، وفجأة قالت دفعة واحدة كي تُخلص عاتقها من تلك الجملة: - أنا عايزة أعمل محضر ضد جوزي
أغلقت نغم الباب بعجلة، وراحت تخطو نحوها بقلق وهي تنظر لتلك الحقيبة الكبيرة و: - عمو إبراهيم وجوزك قالبين الدنيا عليكي ياملك! دول حتى جم هنا وعمو فتش الشقة فكرني مخبياكي. انتي كنتي فين من الصبح؟

أطرقت ملك رأسها وهي تجيب: - كنت عند هادي في العيادة، مستنية لما الدنيا تليل عشان أعرف أجيلك
ف رمقتها نغم باستهجان وهي تُعنفها: - غلط ياملك غلط، صحيح أنا مش طايقة جوزك وبكرهه لكن مش هشجع وجودك مع راجل تاني وانتي ست متجوزة
هزت ملك رأسها بتشنج وهي تنفي عن نفسها تلك التهمة: - لأ لأ، أوعي تفهميني غلط يانغم. والله ما حصل حاجه ومش هيحصل. أنا بس ماليش حد أروحله ف فضلت هناك لحد مااعرف اجيلك.

وكأن لمعة حزينة في عينيها تنذر ببوادر بكاء، ف تراجعت نغم عن لومها فورًا وراحت تُآزرها: - أنا مقصدش أتهمك والله، أنا بس بنصحك
أجفلت وهي تترك دمعة تترقرق على وجنتها، ثم أردفت: - عارفه، أنا مش زعلانة منك. أنا زعلانة على نفسي
جذبتها لتُجلسها و: - طب تعالي أقعدي، أرتاحي وانا هحضر العشا لينا عشان ناكل سوا وبعدين تدخلي تنامي
ف رفضت رفضًا قاطعًا و: - لأ مش هقدر آكل، أنا عايزة أنام.

ف حملت نغم حقيبتها وصحبتها لغرفة والدتها: - خلاص تعالي نامي في أوضة ماما الله يرحمها، وبعدين نكمل كلامنا
لم يزور النوم جفنه في تلك الليلة بتاتًا حتى أصبح عليهم الصباح، ليس فقط شعور الغضب منها. وإنما نمى بداخله رغبة جامحة في تقطيعها أربًا أربًا إن تطالها يداه.

فهي لم تكذب فقط، بل خدعته أيضًا. العديد من السيناريوهات دارت ب خُلده، تُرى إلى أين ذهبت ولمن؟ كيف تجرؤ على فعلة گهذه وهي التي لا تستطيع حتى السفر لمحافظة أخرى بمفردها!
جلس محمد بعدما زرع المكان ذهابًا وإيابًا، والمكان يكاد يتحول لكُتلة محترقة من فرط الإنفعال والغضب الذي سيأكل الأخضر واليابس. ولم يقل والدها عنه، وإنما زاد عليه القلق والخوف، قد يكون مكروهًا أصابها وهو لا يعلم!

ضرب محمد كفًا بكف و: - وبعدين! هنفضل قاعدين زي خيبتها كده وبنتك هربانة من امبارح!
ثم نفخ وتابع: - مش فاهم إزاي ملكوش حد هنا ولا هنا تروحله!
ف أجفل إبراهيم و: - نصيبنا كده، جدرنا مقطوع والحمد لله. حتى عيال عمها متعرفش طريقهم عشان تروحلهم
وكأن عقله أضاء فجأة و: - عيال عمها!
- إيه؟

أخرج إبراهيم هاتفه وبدأ يتصل ب يزيد على الفور محاولًا التوصل لأي أمل في إيجادها وإن كان أملًا ضئيلًا. فأجابه الأخير بعد قليل من الوقت: - ألو
نهض إبراهيم و: - يزيد، أزيك يابني
كان يزيد قد خرج توًا من المغطس الكبير ومن حوله انتشرت الأبخرة التي تساعد على الإسترخاء وأجابه: - الحمد لله ياعمي، أنت إيه أخبارك؟
فتنهد إبراهيم و: - مش بخير يابني، أنا عايز أسألك تعرف حاجه عن ملك؟ يعني حاولت تتصل بيك أو تجيلك؟

تنغض جبينه ب استغراب و: - ملك!؟ لأ خالص. وهي هتوصلي إزاي، دي مش معاها حتى رقمي!
ف أطرق إبراهيم رأسه بخيبة أمل و: - ماشي يابني، خلاص أنا هتصرف
- هي إيه الحكاية ياعمي فهمني!
تردد إبراهيم قليلًا في إخباره وفي النهاية قرر أن لا يبوح بشئ الآن على الأقل: - مفيش، هي اتأخرت برا بس وانت عارف إني بقلق
فلم يصدق يزيد تلك الكذبة و: - لأ، في حاجه تانية.

رنّ جرس الباب، ف أسرع إبراهيم بإنهاء المكالمة على عجل و: - أهي جت، تقريبا هي. هقفل وأكلمك تاني
أسرع محمد بفتح الباب معتقدًا إنها هي وقد عادت به. ولكنه تفاجأ بذلك الرجل الغريب وهو يسأل: - منزل محمد التهامي؟
- أيوة أنا، في إيه؟
ناوله المُحضر إخطار و: - أمضي بالاستلام
- في إيه ياأخ ما تفهمني الأول؟
فأجاب المحضر على مضض: - مراتك مبلغه فيك في القسم والبلاغ هيتحول للنيابة، تسمح تمضي بالإستلام.

اتسعت عينا إبراهيم غير مصدقًا ما سمع، هل يعقل أن تفعل ابنته فعله گتلك؟ هل تجرؤ؟
ظل متسمرًا إلى أن أغلق محمد الباب ونظر للإخطار وقد اكتشف من خلاله تقديم ملك لدليل قاطع يُثبت تعرضها للضرب وللعنف الجسدي الذي كاد يودي بحياتها. لم يستوعب عقله، ولم يصدق إنها استطاعت فعل ذلك. إنها توقّع على صكّ موتها وهي لا تعلم، لن يتركها هكذا، ولن يكون لها بذلك السبيل خلاص..!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة