قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية دمية مطرزة بالحب الجزء الاول للكاتبة ياسمين عادل الفصل الخامس عشر

رواية دمية مطرزة بالحب الجزء الاول للكاتبة ياسمين عادل الفصل الخامس عشر

رواية دمية مطرزة بالحب الجزء الاول للكاتبة ياسمين عادل الفصل الخامس عشر

أحيانًا تكون النيران أهون من بعض الحيوات التي لا نرغبها.
جرجرها محمد على السُلم القديم والمُتهالك في بناية قديمة بها طابق واحد وآخر مكون من سطح ملحق به غرفة. كانت تصرخ وتستغيث ولكن لم يسمع صوتها أحد، فقط يستلذ بسماع صرخاتها التي تُثير رغبته في الإنتقام منها أكثر وأكثر بعدما تجرأت وتعدت على رجولته كما يقول.

صعد بها محمد للسطح متمسكًا بذراعها كأنه سيكسره بين قبضتهِ. حاولت التملص وهي تصرخ فيه ضاربه بكفها كتفهِ: - سيبني ياظالم، خلي عندك نخوة أنا مش عايزة أعيش معاك.

فتح باب الغرفة المبنية بالسطح وسحبها عنوة. أدخلها الغرفة قذفًا وأغلق الباب خلفه، لهثت وهي تنظر للغرفة الخاوية من أي فراش. فارغة تمامًا، ثم عادت تنظر إليه وهو يبتسم ابتسامة واسعة ثقيلة على تقبلها وأردف: - إيه رأيك في بيتك الجديد؟ أوعي تكوني فكراني هرجعك للنعيم اللي كنتي فيه، انتي هتعيشي هنا مذلولة لحد ما انا أقرر تخرجي أمتى.

كادت تنقض عليه، لكنه كان أسبق ب قدمه التي ضربت ساقها ضربة مبرحة أسقطتها أرضًا من فرط الوجع وهي تصرخ متآويه. وقال متشفيًا فيها: - أبقي خلي بالك المرة الجاية
وابتسم وهو يشير بأصابعهِ: - هروح اشوفلك ميا تشربيها، أصل مفيش ليكي أكل هنا.

أقفل الباب عليها من الخارج، وتركها تصرخ وتصيح متأثرة بالألم الشديد الذي أكل قلبها قبل جسمها، ضمت ساقها لجسمها وصرخت من بين نشيج بكائها: - آآه. يارب مبقاش فيا طاقة، هتعذب لحد أمتى؟ مبقتش قادرة اتحمل ولا قادرة أعافر. آآآآآه.

كان يونس في مكان متواري عن الأنظار بعدما صفّ سيارته بعيدًا كي لا يكون مُلفتًا. عيناه متربصة بذلك المبنى القديم الذي دخله ذلك اللعين منذ قليل، نظر يونس ل إشعارات هاتفهِ فلم يجد جديد بعدما تابع عيسى بالموقع الذي يتواجد فيه.

نفخ يونس ب إنزعاج وهو يشعر بنفسهِ مُقيدًا غير قادر على استعادتها من يديه بقوة وإخفاءها عنه. خاصة بعدما أبلغه أحد أصدقائهِ بالمباحث العامة إنه لا يملك حق قانوني لإبقاء إبنة عمهِ معه. حتى وإن كانت تعاني من اضطهاد زوجها وعنفهِ.
أهتز هاتفهِ بصمت ف أجاب على الفور وبصوت بدا منخفضًا: - أيوة ياعيسى، أنت فين؟

تحرك يونس ل يجلبه من المكان الذي علق فيه، حيث توقفت إشارة الموقع ولم يستطع الوصول إلى مكان يونس تحديدًا.
- جانب آخر -.

كان محمد يصعد متباهيًا على الدرج وهو يمسك بزجاجة المياه، وقد منّى نفسه بقضاء ليلة حميمية معها لن تنساها من فرط ما ستراه منه، سترى حيوانًا بربريًا لم تره من قبل. سيعاقبها بأسوأ عقاب قد تعيشه امرأة في الدنيا، هكذا انتوى أن يفعل معها. وقد بيّت لها تلك النيّة منذ ما فعلته معه، أن يذيقها من العذاب أشكالهِ.

فتح باب الغرفة التي أوصدها عليها وهو يغني بصوت بغيض لا تطيق الآذان سماعه، دخل فلم يراها، توقف صوته عن الغناء وهو ينظر حوله. ف إذ بها تخرج من خلف الباب فجأة وهي تقفز عليه حتى أسقطته وسقطت معهُ. وبأسنانها كانت تعض كل مكان تصادفه، وبأظافرها كانت تهبش فيه وتخدشهِ خدوش غائرة خاصة في وجهه وأسفل عيناه. حاول تلجيم ذراعيها وهو يصيح ولكنها كانت في أوج هياجها العصبي والحركي كأن دفعة الأدرينالين قد تدفقت للتو في شرايينها مُحدثة طاقة عدوانية هائلة. وما انفكت أن تركته وفتحت الباب، ركضت لاهثة گالمجنونة عاجزة عن التقاط أنفاسها، حاولت فتح الباب الخشبي المهترئ الذي يقود للدرج. ولكنه كان قد أقفله بحرص، مسحت وجهها بأصابع مرتعشة. كل جسدها يرتجف، تكاد تتبول على نفسها من فرط الذعر الذي تعيشه. بل إنها فقدت السيطرة على نفسها بالفعل وتسرب البول من بين ساقيها ملتصقًا ببنطالها. حقًا أُهدرت، أُهدرت بشكل لا يقبله أي بشري.

تركت نفسها تهوى على الأرض الصلبة وقد فقدت الإيمان بمعجزة تنقذها من هنا قائلة بصوت ممشوج بالألم: - ليه كده يارب! ليه أنا بالذات.

اختنقت أنفاسها في اللحظة التي لمحت فيها ظلهِ وهو ينهض عن مكانه حيث تركته سابحًا في آلامهِ. ف انتفضت من مكانها، حاولت عبثًا أن تفتح الباب الموصد، ولكن لا فائدة. ف نظرت للسور، لا مكان آخر تلجأ إليه سوى الهاوية. توقف فيض دموعها وقد لمعت عيناها وترسخت فكرة التخلص من تلك الحياة في عقلها وحواسها أيضًا، حيث أوفضت نحو السور، لحظة واحدة وكانت تصعد بساقها اليمنى منتوية نيّة صادقة بالإنتحار. خرج محمد ليراها بعين واحدة، والأخرى كانت مُصابة بخدوشها. ذُعر مع رؤيتها على السور، وصرخ فيها: - إياكي ياملك، إياكي تعملي كده.

في نفس اللحظة التي كان يستعد فيها يونس للصعود إليها. كان يستمع لصوتهم العالي وشجارهم وهي تصرخ فيه، فرفع بصره ليراها هكذا بينها وبين السقوط أقل من خطوة.
انقبض قلبه وهو ينادي عليها: - ملك، أوعي تعملي كده
نصف التفاته تنظر بها للأسفل لتراه، بينما تابع: - أنا هنا وهاخدك معايا، أرجوكي متعمليش كده
أشارت بيدها لزوجها الذي كان يقترب منها وصرخت فيه: - متقربش مني، أبعد بعيد
- طب انزلي، أنزلي وخلينا نتفاهم.

وصوت يونس من الأسفل يناشدها: - أرجوكي بلاش جنان، أنا هعملك اللي انتي عايزاه كله. وعد
لكز عيسى الذي كان يتابع بأعصاب مرتعشة وأمره ب: - أطلع بسرعة، أعمل أي حاجه وانا هلهيها من هنا.

على الفور كان عيسى يلتهم الدرج كي يصعد غير متوقع إنه سيجد الباب العلوى المؤدي للسطح مغلق. في حين نظرت ملك للأسفل كانت ترى الحياة التي عايشتها وكأنها تبتعد. كأنها ستتخلص منها فور التجرؤ على تنفيذ الخطوة التي أقدمت عليها، شعره واحدة تفصل بينها وبين ما تسميهِ عذابها. نظرت ل يونس الذي يستجديها كي تتراجع، ثم همست: - أنت سيبتني أمشي، وأنا هسيب نفسي ترتاح من كل اللي شافته وبتشوفه.

وقفزت من أعلى السطح مُغمضة عيناها تاركة نفسها للهواء، وتاركة خلفها لحظات لن تسمح بأن تعيشها مرة أخرى. الموت أفضل، الموت راحة عن العودة لذلك الطريق المحفوف بالعذاب والألم.
سئم يزيد من محاولاته اليائسة للوصول إلى شقيقهِ الذي لم يجب على اتصالاتهم وفي النهاية أغلق هاتفه نهائيًا. جلس بقلة حيلة هكذا بينما كان إبراهيم يعاني من نوبة ألم شديد في صدره ولكنه يعافر من أجل البقاء. كي يطمئن إنها عادت لهم.

تنفس إبراهيم بصعوبة ووضع يده على قلبه، ف لحق يزيد به وأحضر كأس من الماء بجانب أدويتهِ المُسكنّة كي يتناولهم.
ترك إبراهيم كأس الماء و: - وبعدين يايزيد، مفيش خبر والساعة عدت 1 بعد نص الليل
- مش عارف ياعمي! مش عارف
نظر يزيد للهاتف وعاود الإتصال به ولكن الجواب لم يتغير. بينما كان يونس في مكان آخر وفي مصيبة أعظم من قدرتهم على التخيل والتفكير.

سحب يونس سرير نقال صغير من المشفى وركض به للخارج وركض من خلفه المساعدين والممرضين وهم يصيحون بعدم صحة فعلته: - ياأستاذ استنى رايح فين!
أوقفه أمام السيارة وفتح بابها الخلفي كي يحملها، بينما وقف صفّ الممرضات ينظرن لتلك التي يخرجها من السيارة، ف تدخلت إحداهن: - طب خلينا نساعدك ونشيلها احنا صح عشان لو في كسور
لم يصغى، وضعها على الفراش وصرخ فيهم: - دكتور بسرعة، حد يشوفها حالًا.

ركض المسعفين وهم يسحبون الفراش لداخل المشفى وقال أحدهم: - خلي دكتور شريف قسم الطوارئ ييجي بسرعة
ف ذهب الأخير لتلبية الأمر.

سار يونس من خلفهم وهو ينظر نحوها بعيون تعاتب نفسها، حمّل حالهِ المسؤولية كاملة ومرتين، مرة لإنه أحضرها إلى منزل أبيها بدون حذر وبدون أن يعلم ما المخاطر التي تنتظرها، ومرة لإنه تركها له. ولكنه لم يكن يملك أحقية التكلم وسط القوة القانونية والشرعية التي يملكها محمد. خاصة وإنه فكّر في طريقة للتخلص منه بدون أن يسبب متاعب مقدمًا.

وقف متوترًا في الخارج والطبيب يفحصها، إن أصابها مكروه بالتأكيد لن يسامحه عمه الذي ترك الأمانة بين يديه. ضرب يونس على رأسه مرتين و: - إزاي أغلط غلطة زي دي! إزاي
خرج الطبيب وهو يرفع قناعة المعقم عن فمه ونظر له قائلًا بجدية: - لازم تدخل عمليات
ف ارتجف يونس وهو يتسائل: - ليه! إيه اللي حصلها بالظبط؟

- كسر مفتت في دراعها الشمال لازمله تركيب شرايح ومسامير مش هينفع يتجبس. بجانب تكوّن دموى في دماغها لازم يتفتت ويُستأصل عشان ميأثرش على المُخ نتيجة اصطدام قوي بحاجة صلبة. كمان كان في خلع في رجلها اليمين وده تم ردهُ مع العلاج هتتحسن، باقي الكدمات والخدوش أمرها سهل
أومأ برأسه عدة مرات متتالية و: - أعمل اللازم
- مقدرش، لازم حضرتك تمضي على مسؤوليتك الأول والمحضر يتعمل.

ثم أشار: - الظابط واقف هناك في انتظارك عشان المحضر
تحرك يونس على الفور وراح يتحدث بدون مقدمات: - عايز أعمل محضر إثبات حالة عشان بنت عمي تدخل العمليات فورًا
- أتفضل معايا
رافقه يونس بينما كان الضابط يتسائل: - إيه اللي حصل؟
لم يفكر يونس كثيرًا، كانت الفكرة بائتة في رأسه منذ البداية وشرع في تنفيذها: - جوزها حدفها من فوق السطح
التفت الظابط ينظر له محدقًا وكأنه يريد السماع مرة أخرى: - نعم!

- زي ما سمعت، خناقة بينها وبين جوزها وصلت إنه حاول يقتلها ويخلص منها وأنا شاهد على اللي حصل.

خرج إبراهيم من بنايته متلهفًا في تمام الساعة السابعة صباحًا بعدما أخبرهم يونس أخيرًا بما حدث، بمعنى أدق بعدما اطمئن إنها خرجت من غرفة العمليات بصحة سليمة. خرج وهو يلتقط أنفاسه ب صعوبة حيث استبقه يزيد لجلب السيارة، ف رأته نغم وهي بتلك الحالة المزرية. أوفضت نحوه وقد اعتراها القلق و: - أنت كويس ياعمو؟ حصل حاجه!
فلم يستطع إبراهيم أن يخبئ الأمر وقال: - ملك في المستشفى ولازم اروحلها.

ف ارتعدت نغم تاركة شهقة مذعورة وهي تردف: - ليه إيه اللي حصل؟
- معرفش
دنت سيارة يزيد منهم، حيث رآها تقف بجوار عمه، ف تأفف و: - أصل هي كانت ناقصة أشوفك على الصبح!
في حين كانت نغم ترجوه قائلة: - هاجي معاك ياعمو أرجوك
فتح إبراهيم بابيّ السيارة و: - تعالي يانغم، أركبي ورا يابنتي.

نظر له يزيد شزرًا ولم ينطق، في حين استقرت الأخيرة بالخلف وقد تمكن الذعر منها وهي تتسائل بقلق: - طب مين معاها؟ محدش يعرف حاجه خالص؟
نظر لها يزيد بسخط من المرآة الأمامية، في حين أجاب إبراهيم : - إبن عمها، يارب استرها يارب.

قامت نغم بالتواصل مع إحدى صديقاتها بالجامعة وهي تبكي كي تبلغها بعدم استطاعتها الحضور اليوم، كان صوتها باكي حزين وهي تردف: - لأ مش هقدر، هبقى أكلمك آخد منك اللي خدتوه، صحبتي في المستشفى لازم اكون معاها.

وتابعت بكائها، ف تأفف يزيد وهو يحاول التخلص من الزحام المروري في ظل أن الجميع يحاول اللحاق بعمله صباحًا. وعندما أنتهت من مكالمتها تابعت بكائها بصوت خافت، ف صاح بها يزيد: - ياستي ما كفاية زفت عياط إحنا مش ناقصين
ف كتمت صوتها بعدما أطلقت كلمة خافته سمعها هو: - معندكش شعور
التفت ينظر إليها بنظرة حامية ف تدخل إبراهيم و: - بص قدامك خلينا نوصل بقا يايزيد.

ف نظر الأخير أمامه وهو يغلق النوافذ كي يقوم بتشغيل مُكيف الهواء، عسى أن تبرد أعصابه ببرودة جسده بعدما أثارتها هي.
كان يونس يجلس برفقة عيسى بالردهة، حيث أن غرفتها تجاوره، ولكنها ما زالت نائمة بتأثير المخدر. نظر يونس في ساعة يده حينما كان عيسى يُنهي حديثه: - بس كده، الشرطة استلمته وهيتعرض على النيابة النهاردة بعد ما قدمت إفادة إنه حاول قتلها.

أومأ يونس برأسه فقط. كانت حواسه بالكامل غائبة، عيناه مُظلمة لدرجة لا تفهمها، وعبوس وجهه ينمّ عن مصيبة. امتعاضهِ الذي يحاول أن يواريه خلف ستار الهدوء الذي انفك بالأمس، عندما سقطت ملك من الأعلى وحاول هو أن يكون معها صارخًا ب إسمها. حتى إنه قبل أن تسقط عليه ويتلقى هو ثقلها أهون من ارتطامها بالأرض، ولكن نصف جسدها وقع ملامسًا الأرض بالفعل. لم يهتم هو بعضلاته التي تكدست بعضها على بعض وعظامه التي تؤلمه أثر سقوط نصفها عليه وهو يحاول حمايتها، حتى إنه اعتبر نفسه مُقصرًا رغم محاولاته التي وهب فيها نفسهِ للأذى في سبيل سلامتها هي، ليكن فداء لها.

أتكأ إبراهيم على ساعد يزيد وهو يخطو نحوهم مناديًا: - يونس، بنتي فين؟
وقف يونس كي يستقبله و: - متقلقش ياعمي، خدت مسكن ونامت عشان الوجع بتاع العملية
فسألته نغم بصوتها المبحوح: - هي حصلها إيه قولي والنبي
فأجاب يونس: - جوزها رماها من فوق السطح.

شهقت وهي تضع يدها على فمها. بينما تبددت القوة المتبقية في إبراهيم وكاد يسقط لولا الشقيقين اللذان أمسكاه وأجلساه وهو يتمتم: - حسبي الله ونعم الوكيل فيك يامحمد، ربنا ينتقم منك يا ×××××.

فلم تجد نغم سوى لوم إبراهيم متجاهلة آلامه وحزنه: - كله بسببك ياعمو، ياما قولتلك تدخل بينهم وتطلقهم. في كل مرة ملك كانت بتجيلك فيها معيطة ومضروبة وبتتحايل عليك تخلصها وانت تقولها ده جوزك وده حقه عليكي
نفخ يزيد ب إنزعاج من ثرثرتها واتهامها ل عمهِ وسارع يدافع عنه وإن كان مخطئًا: - الحق عليه يعني كان عايزها تحافظ على بيتها، هو يعرف منين إنه مختل عقلي.

ف رمقته نغم بنظرات حازمة محتقرة وهي ترد ب: - ملكش انت دعوة متدخلش، أنا معرفكش ولا حتى ملك تعرفك عشان تتكلم عنها وعن حياتها وانت متعرفش حاجه
كاد يدخل معها في مناقشة حازمة تاركًا لسانه السليط كي يتمكن منها ولكن يونس اجتذبه وهمس له: - بس بقى، ما تضربها أحسن بدل ما تاكلها بعينك كده!
فأجاب يزيد وهو ينظر نحوها بغيظ: - ياريت أكسر دماغها دي اللي مش فالحة غير في المكرونة البشاميل!

ف قطب يونس جبينه و: - انت بتقول إيه!
لم يرد، حيث تابع كلاهما ما بقى من حوار نغم وعتابها الذي لم ينتهي: - حتى لما دخلت المستشفى مرتين وكانت هتموت مفكرتش تنجدها منه! ودلوقتي حبستها بعيد عنك. هي دي الأبوة!

كان الحديث بمثابة حلّ بعض الشفرات ل يونس الذي علم الخطوط العريضة عن علاقة الزوجين وكيف كان يعاملها زوجها. كأنه حطّ بيده على أساس الموضوع والبقيّة لدى ملك. استغرب يونس تلك الفتاة التي تتحدث وكأنها من العائلة، فسأل شقيقه بفضول: - مين البت دي؟
ف أشاح يزيد بوجهه و: - صحبتها ومتربيين مع بعض، أسمها نغم.

لم يحيد يونس بصره عنها وهي تتحدث ل إبراهيم الذي أحس بصدق ما تقوله ولم يكن قوي الحُجة ليرد عليها. حتى خرجت الممرضة من غرفة ملك وهي تحمل أشياء كثيرة من قطن وشاش ومُطهرات ودهان الكدمات، إلى آخره.
تركهم يونس وذهب نحوها موفضًا و: - إيه آخر الأوضاع؟
- شوية وهتصحى، أديتها حقنة مسكنة ومضاد حيوي عشان لما تصحى الوجع هيشد عليها
- طب ينفع أدخل دقيقتين بس؟
- مينفعش.

أخرج يونس بضع ورقات نقدية ودسّها في جيب الممرضة وهو يقول: - أنا مش هتأخر، هشوفها وأخرج
نظرت الممرضة نحو البقيّة فأردف يونس قبل أن تفكر هي: - محدش هيدخل معايا
- متتأخرش عشان ميحصلش مشكلة
- حاضر
اقتربت منه نغم التي كانت تتابع بنظرات مقتنصة و توسلته: - خليني أشوفها بالله عليك
كاد إبراهيم يدخل إليها في غفلة من الجميع، ولكن يونس استوقفه و: - عمي، من فضلك. أنا لازم أشوفها قبل ما الشرطة تيجي تاخد أقوالها.

- يابني مش قادر اتحمل، هموت قبل مااشوفها
ف ربت عليه وهو يشير ل يزيد: - بعد الشر متقولش كده، أقعد وانا هدخلك. خليه يقعد يايزيد
ثم نظر ل نغم التي فاضت عيناها بالدموع و: - هدخلك بس من فضلك استني.

تركهم ودلف. أغلق الباب وهو ينظر نحوها، كانت رأسها ملفوفة بالشاش ورغم ذلك تباينت كدمة زرقاء أسفل عيناها، ذراعها مُقيدة بالجبيرة وساقها أيضًا. تأن بصوت مكتوم وكأنها تشعر بالألم الذي يضرب بقوتهِ عظامها المفتتة المكسورة. فمها مفتوح كأنها تتنفس منه غير قادرة على استخدام أنفها، وحالة لون بشرتها الشاحبة شحوب أزرق تُخيف الناظر.

رفع المقعد الموجود بجوار الباب واقترب منها ليجلس قبالتها، أمسك بيدها فإذا بها گقطعة من الثلج. ف نفخ فيها ب أنفاسهِ يُدفئها وهو يفركها بلطف أصابعه الدافئة، ثم رفع بصره الحزين نحوها وهمس: - أنا آسف، أنا السبب.

وعاد ينفخ في أصابعها من جديد. نظر حوله، شمل الأدوات الموجودة على الكومود، فرأى بقايا قطن نظيف وبعض زجاجات المطهرات. انتقى من بينهم كحول صافي وقام بالتقطير على قطعة من القطن، ثم مسح بها حول أنفها مُثيرًا حاسة الشمّ لديها وهو ينادي بهمسٍ: - ملك، أصحي.

ثم كرر فعلته مع معصم يدها على عروقها النابضة وأوردتها، حيث مسح عليهم بالكحول كون هذه المنطقة حساسة للغاية ضد المثيرات. وعاد ينظر إليها واقترب منها مناديًا: - ملك، لازم تسمعيني، في كلام لازم أقولهولك. ملك.!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة