قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية دمية على مسرح الحياة للكاتبة نورا عبدالعزيز الفصل الأول

رواية دمية على مسرح الحياة للكاتبة نورا عبدالعزيز الفصل الأول

رواية دمية على مسرح الحياة للكاتبة نورا عبدالعزيز الفصل الأول

صوت القرآن يمليء القصر بأكمله في هدوء تام ونساء بالملابس السوداء والرجال بالزى الرسمي البدلة معظمهم دخلت ريما ركضًا نحو والدتها ثم همست بأذنها تخبرها شيء وقبل أن تنتهى من الحديث وقف الجميع بصدمة تمتلك ملامحهم وأتسعت عيناهم حين ولجت من باب القصر مُرتدية ملابس سوداء عبارة عن جيب أسود يصل لركبتيها وقميص نسائي بكم فضفاض قليلاً تدخله بالجيب من الأسفل وحذاء كعب عالى لونه أسود وشعرها الأسود مسدول على ظهرها بطريقة أنيقة وعيناها الزرقاء تبث لهم نظرات ثابتة خالية من المشاعر بينما ملامح وجهها هادئة تمامًا ممزوجة ببرود جاف قليلًا رغم أنها امرأة في بداية العمر حاملة بيدها اليسرى حقيبتها الشخصية ذات اللون الأسود، بجوارها فتاة في بداية شباب عمرها ملامحها تختلف كثيرًا عن تلك المرأة لا تملك منها شيء سوا عيناها الزرقاء ببشرة فاتحة أكثر بياضًا كما أنها قصيرة بعض الشيء ونحيفة تشبه بعض نساء الغرب أما شعرها البرتقالى اللون تميله على الجانب الأيمن بأكمله وعلى ظهرها مُرتدية بنطلون جينز ضيق وتيشرت نسائي ذات اللون الأبيض منقوش عليها كتابة باللون الأسود يصل لنصف بطنها ويظهر خصرها النحيل بينما حول خصرها تعقد سترتها القطنية أما بقدمها مُرتدية حذاء جلدي يصل لأسفل ركبتها أسود اللون بوط حاملة على كتفها الأيسر حقيبتها الظهرية السودة...

نظروا جميعًا عليهما بصدمة ألجمتهم من ظهورها مُجددا مرة آخرى بحياتهم بعد أكثر من عشرين عام مضي، كادت مروة أن تقترب منهما حتى أستوقف قدمها عن المضى حين وصل أمامهما مروان وخلفه عاصم ف كزت على أسنانها بأغتياظ من ظهور تلك المرأة ساعية خلف تدمير حياتهم كما فعلت سابقًا.

أبتسمت لها بأنتصار حين رأت نظرتها لها بينما رفعت حاجبها الأيسر لها بمكر وخبث سافر، أستدارت مروة تعطيها ظهرها غاضبة بينما نطقت اسمها بحذر شديد ممزوج بغضب كبير هامسة: -
- فريدة
نظرت ل مروان ببرود جاف ومدت يدها له لتصافحه بينما تهتف بهدوء: -
- البقاء لله
صافحها بتكلف وقال بجدية وصوت رجولى: -
- ونعم بالله أتفضلى يا عمتى، عاصم خليهم يطلعوا شنط عمتى للأوضة.

أفصح لها الطريق لكى تدخل نحو النساء بينما ذهب هو إلى مكانه مع الرجال، دلفت نحوهم بخطوات ثابتة واثقة وخلفها تلك الفتاة ثم جلسوا بصمت لم تتفوه بكلمة واحدة، وبأقل من ربع ساعة كان قد ذهب الجميع فهى تعمدت الظهور بآخر اليوم، جلسوا أفراد العائلة معًا وبدأ مروان بالحديث مُقدمًا لها أفراد العائلة واحد تلو الآخر: -
- مدام مروة مرات أبويا حضرتك أول مرة تشوفيها وبنتها ريما.

تصنعت الجهل رغم معرفتها بما يحدث في القصر منذ أن غادرت فهتفت بتهكم: -
- أبوك أتجوز على ليلى.
- اه، مليكة أختى الصغيرة أمى كانت حامل فيها لما حضرتك سافرتى
رمقتها بنظرها فتاة شابة تبدو أنها بسن الفتاة المصاحبة لها بشعر أسود اللون وعيناها العسليتين ببشرة متوسطة البياض مُرتدية فستان أسود بكم يصل لركبتيها، قالت بثابت: -
- أزيك يا مليكة؟
- بخير ياعمته.

قالتها بهدوء دون أن تتحرك من مكانها أو ترحب بها، فقطعهم صوت تلك الفتاة الغريبة تقول: -
- Can we go home mum
تجاهلت سؤال أبنتها ورمقت الجميع بنظرة كبرياء ثم هتفت بغرور: -
- أعرفكم مريم بنتى
- nice to meet you
قالتها بهدوء تام بينما تقف من مقعدها لتستعد للذهاب من هذا المنزل، علم مروان بأنها تفهم العربية ولكن لا تتحدثها فقال بحزم: -
- دا بيتكم يا أنسة مريم
رمقته بنظرة أشمئزاز ثم نظرت لوالدتها وقالت: -.

- I m going
كادت فريدة أن تجيب عليها ولكن قطعتها ريما بصوت مهموس سمعته هي وأبنتها تقول: -
- داهية تأخدكم هي المشرحة ناقصة
أبتسمت مريم بغرور وقالت بعاند: -
- Where is my room I want to sleep because I am tired of traveling
وقف مروان من مكانه وقال بجدية وهو يهندم من ملابسه: -
- وصلى عمتك وبنتها للأوض يا مليكة
- ميرو أستنى أنا عاوزك في كلمة.

قالتها ريما بينما تقف لكى تذهب خلفه، وقفت مروة تتفحص مريم من القدم للرأس وقالت بسخرية: -
- وأنتِ ياحبيبتى أمك معلمتكيش أن لما تروحى عزاء تلبسي أسود ومحتشم، حد يروح عزاء ونص بطنه برا أيه رايحة تشقطى عريس.

تبسمت فريدة لها بينما وضعت يدها حول كتف طفلتها وأخذتها بعيدًا لكى تصعد للأعلى مُتجاهلة حديثها تمامًا فركضت خلفهم مليكة وقالت بنبرة هادئة: -
- أنا مبسوطة أنى شوفت حضرتك ياعمته بابا دايما كان بيتكلم عن حضرتك وقصصكم وأنتوا صغيرين حبيتك من كلامه عن حضرتك.

أجابتها بحنان وهدوء بينما تصعد معاها: -
- وأنا كمان مبسوطة أنى شوفتك يا مليكة، على فكرة أسمك دا أنا اللى أخترته أول ما عرفنا أنك بنت.

- عشان كدة بحبه جداً
قالتها بينما تنظر ل مريم وهي تصعد خلفهم وتتفحص المكان بنظرها يمينًا ويسارًا، فمدت يدها لها لكى تصافحها بلطف مُبتسمة بخفة ورحب وهمهمت قائلة: -
- Malika and I hope we will be friends and sisters
تبسمت لها وقالت بعفوية مُرحبة بها: -
- me too
سألتها فريدة بفضول سافر: -
- مامتك فين، وعمك ومراته مشوفتهمش في العزاء
نظرت للأسفل بحزن بينما تجمعت الدموع في عيناها وقالت بأستياء: -.

- مامى من ساعة ما سمعت خبر وفأة بابا وهي قافلة على نفسها الأوضة، وعمه مسافر أيطاليا من شهر عنده شغل ومعاه مراته وبنته بيتفسحه أما زين ابنه في الجونة مع أصحابه مروان كلمه وتليفون مقفول.

أومأت برأسها بإيجاب وتفهم ثم ولجت إلى الجناح الخاص بيها ومعاها طفلتها، أستدارت مليكة لكي تخرج وتتركهم لكن أستوقفها صوت فريدة تقول بتحذير: -
- مليكة، أنا ومريم مابنتعشاش ياريت محدش يخبط علينا عشان هنام
أومأت لها بالموافقة وخرجت تاركتهم خلفها...

نزلت صباحًا من الأعلى ووجدت سُمية أعدت لها كوب من الشاى بالنعناع المعتاد، جلست بالصالون ترتشفه وبصقت ما بفمها قبل أن تزدردت حين رأت مريم تنزل الدرج ركضًا بسعادة وشعرها يتطاير مع حركاتها السريعة مُرتدية شورت جينز قصير وتيشرت نسائي فضفاض قصير يصل لمنتصف خصرها، وصلت أمام ذلك الشاب الذي دلف من باب القصر الآن وتعلقت برقبته تعانقه بسعادة.

لم تكن مروة الوحيدة التي رأت ذلك بل كان هو الآخر يقف أمام باب غرفة المكتب مُتسمر مكانه من هذا التصرف يحدق بهما بذهول لكنه سريعًا ما تفاهم مع الأمر فهى فتاة ولدت بالخارج وتربت على عادات وتقاليد الغرب فقط، أبتعدت عنه بسعادة في حين قالت: -
- You are late why I ll not find you at the airport waiting for me
- Sorry, there is a lot of work, where is your mother.

قالها بينما يربت على كتفها، فقطع حديثهم صوت فريدة وهي تنزل الدرج قائلة: -
- أنا هنا يا سليم، تعال
ذهب نحوها بينما قال برحب بلهجة رسمية: -
- حمد الله بالسلامة يامدام فريدة
- تعال أنا عاوزك، مريم جهزى الفطار
قالتها فريدة بينما تتجه للخارج إلى الحديقة، وقفت مروة من مكانها بذهول من الموقف وقالت بتهكم وصوت مرتفع: -
- عيشنا وشوفنا أحضان وقلة أدب في العلن كدة من غير حياء ولا خجل، ولسه ياما هنشوف من بلاد برا.

- البنت بتطلع لأمها ياماما، وما شاء الله الأم مطرودة من هنا بفضيحة زى ما سمعت
قالتها ريما بسخرية وهي تنزل الدرج، كاد أن يصرخ بهم لكن أستوقفه ما لا يتوقعه حين أستدارت لهم وقالت بكبرياء وثقة: -
- وياترى ياطنط خاله أتجوزك في العلن ولا معرفة ديسكوهات، يا زين ما أختار والله وفعلاً البنت بتطلع لأمها دى حقيقة
قالتها وهي تحدق ب ريما من القدم للرأس ساخرة منها، رمقتها مروة بصدمة وقالت بتلعثم: -.

- ب ب ب بتتكلمى عربي
ضحكت ساخرة منهم وقالت في حين تلتف تعطيهم ظهرها بأنتصار: -
- عربي وأنجليزى وفرنساوى وكوري وحياتى ههههه
دلفت إلى المطبخ مُبتسمة على أحراجهم، أبتسم بخفة على تلك الصغيرة التي سخروا منها فجعلتهم دُمي بحديثها ودلف إلى مكتبه يتحدث في الهاتف: -.

- عمتى وصلت بس عمى لسه راجع الأسبوع الجاية، مفيش مشكلة نأجل فتح الوصية لما عمى يرجع رغبة بابا أن الوصية تتفتح في وجود الكل، تمام مع ألف سلامة ياأستاذ كرم.

- عملت أيه؟
سألته فريدة وهي تمشي بجواره في الحديقة، فأجابها بثقة: -
- ورق مريم أتنقل الجامعة الأمريكية هنا وكمان أشتراك النادى والجيم وفرتلها كل حاجة على أعلى مستوى متقلقيش حضرتك، وكمان الشركة تمام هنا محتاجين شوية توقيعات من حضرتك عشان الشغل، موزع القماش من تركي وصل مصر من يومين والمفروض يقابل حضرتك بكرة في الشركة تتفقوا على المطلوب والأسعار وغيره.

- تمام عاوزك تشوفلى حارس قوي لمريم وشغالة تشرف بنفسها على أكل مريم وشربها، أنا مأمنش عليها هنا وسط الذئاب دول
قالتها بتفكير عميق بينما تتذكر الماضي الذي عاشته هي في هذا القصر منذ عشرين عام، أردف بثقة: -
- حضرتك متقلقيش مريم فاهمة دا كويس وهي شاككة بطبعها مش هتأمن بسهولة لحد فيهم دا وخصوصًا أعداء حضرتك، وعمومًا بكرة الصبح يكون هنا اللى حضرتك طلبتى.

تذمرت على حديثه الرسمي فقالت: -
- حضرتك حضرتك، سليم إحنا لوحدى كفاية حضرتك بتجيبلى مغث
ضحك بخفة عليها بينما جاءت سُمية تخبرها بموعد الفطار، ذهبت معه إلى الخارج ووجدت مريم ترتب السفرة بنفسها جلست فريدة بمقدمة السفرة وكاد أن يجلس بجوارها فأسرعت مريم له تقول: -
- سليم تعال أقعد هنا please
جلس بجوارها مُبتسمًا، تبسمت فريدة عليهم.

نزلت مليكة الدرج تساند والدتها الحزينة على فراق زوجها فوقف الجميع ينظروا عليها، أقتربت من فريدة تتفحصها بعيناها وقالت: -
- كبرتى يا فريدة
- أزيك يا ليلى
قالتها بوقار وهدوء فتبسمت رغم حزنها وقالت: -
- كبرتى عقلاً وسنًا الطفلة اللى كنت بتجري هنا وهناك مبقتاش موجودة
- لازم تكبر، مريم بنتى
قالتها وهي تشير على طفلتها التي لا تملك منها سوى زوج من العيون، تبسمت لها وهي تفتح لها ذراعيها بحب مُحدثها: -.

- تعالى يا مريم
مدت مريم يدها لكى تصافحها رافضة عناقها فأشارت لها والدتها بأن تفعل، تنحنحت بأحراج وعانقتها فطوقتها بذراعيها بحنان ودفء و مريم في ذهول من هذه المرأة التي في بداية الستينات من عمرها، أبتعدت عنها فقالت فريدة بهدوء: -
- سليم مدير أعمالى وسكرتاري الخاص
- تشرفنا يافندم.

قالها بجدية ثم أستأذن للرحيل، خرج مروان من مكتبه مُرتدي بدلته السوداء والقميص الأسود رافعًا شعره الأسود الكثيف للأعلى خلفًا بلحيته القليلة السوداء التي تزيد من وسامته وجذابيته بجسد رياضي وعريض المنكبين عيناه العسليتين كأخته الصغري وبشرته حنطية واضعًا يده بجيبه وقال بحزم: -
- أمى أنا رايح الشركة
- أنا كمان هجى معاك
قالتها مروة بثقة فنظر لها بدهشة يسألها: -
- تيجي معايا فين؟

- الشركة مش حقي زى زيكم وليا فيه أنا بنتى ولا فاكرين أنى ممكن أسيب حقي لحد فيكم دا لما تطبق السماء على الأرض
قالتها بأغتياظ منهم، صاح بوجهها هي والجميع: -.

- لحد ما نفتح الوصية مفيش حق، واللى قاعد هنا عشان الفلوس يكتب الرقم اللى عاوزه والصبح يبقي في حسابه بس دا لو طلع عليه صبح مفهوم والشركة دى كلكم أجمعين محدش يحلم مجرد حلم في منامه أنه يدخلها المركب اللى ليها ريسين بتغرق وأنا معنديش أستعداد أشوف تعب أبويا وتعبي بيغرق بسبب حد فيكم اللى محتاج حاجة يطلبها من عاصم وهو هيجبهاله.

أستدار تاركهم جميعًا خلفه ثم رحل، أنفجرت مريم ضاحكة عليهم تغيظهم فرمقتها مروة بأغتياظ وصعدت إلى غرفتها، نظرت فريدة لطفلتها بحزم فتوقفت عن الضحك وخرجت للحديقة تبحث عن سليم.

دلفت ريما إلى غرفة والدتها ووجدتها تدور بالغرفة ذاهبًا وإيابًا تشتاط غضبًا منهم وتحدث نفسها بلهجة وليجة: -
- بقي أنا أعمل كل دا وفي الآخر يتقالى كدة لا أنا لازم أفكر مينفعش أسكت لمروان وكلامه ليه.

- هنعمل أيه يا مروة، هنسيبهم كدة والولية اللى بيقولوا عليها عمتى دى جاية على الجاهز تكوش على كل حاجة.

عضت على شفتيها بأنفعال وقالت بغيظ ومكر: -
- فريدة، راجعة بعد كل دا وجايبالى معاها عرسة صغيرة تطول لسانها عليها، أن ما قطعت لها لسانها مبقاش مروة. بقي بعد ما عملت المستحيل عشان أقطع رجل فريدة من هنا ترجع تانى.

- ايه اللى رجعها بعد عشرين سنة، وشوفتى مرات أبويا فرحانة أزاى بوجودها
قالتها ريما بينما تجلس على الفراش، ضربت كف على الآخر وقالت بخبث: -
- فريدة هي أول جذر لازم أقطعه من هنا وميتقطعهاش غير السحيلة اللى سحباها معاها، وبعدها نشوف مرات أبوكى دى هنعمل فيها أيه...

سحبت هاتفها وأجرت أتصل منه بحذر شديد تخبره بالمطلوب وخطتها ثم قالت بالنهاية: -
- عاوزها تترحم على بنتها مفهوم...

وصلت فريدة إلى المقابر ثم نزلت من سيارتها ومعاها طفلتها.
توقفت مريم بعيدًا بينما أقتربت فريدة من المدفن والدموع تنهمر من عيناها بحسرة على فراق أخاها فوضعت باقة الورد له ثم وقفت تتحدث معه شاردة به...

شعرت مريم بأحد خلفها فأستدارت لكى ترى ماذا يحدث فوجدت رجل مُلثم خلفها مباشرة ويضع على فمها منديل مبلل بالمخدر حاولت مقاومته لكن سرعًا ما بدأ مفعول المخدر وسقطت يدها بجانبها بعدما أغلقت عيناها وسقط الهاتف وشنطتها منها أرضًا ثم حملها على كتفه وفر هاربًا بها...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة