قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية خطأ لا يمكن إصلاحه الجزء الثاني للكاتبة منال سالم الفصل الرابع والعشرون

رواية خطأ لا يمكن إصلاحه الجزء 2 بقلم منال سالم

رواية خطأ لا يمكن إصلاحه ( رفقا بالقوارير ) الجزء الثاني للكاتبة منال سالم الفصل الرابع والعشرون

في الطائرة
كان يوسف يتابع ندى الغافلة بأعين مشتاقة نادمة على ما فعل بها، هو تسرع وأخطأ في حقها.. لم يمهلها الفرصة لتدافع عن نفسها، شك بها شكاً قاتلاً لإانهى عن عمد حياتهما قبل أن تبدأ..ليست المهمة سهلة لاستعادة حبها وثقتها، ولكنه عقد العزم على ألا يكف عن المحاولة مهما كلفه الأمر...

مالت ندى برأسها ناحيته، فرفع رأسه قليلاً ناحيتها، وقبل جبينها.. مرت المضيفة من جوارهما وهي مبتسمة وتمنت له السعادة.. ثم حضر إليه قائد الطائرة، خلع قبعته، ثم مال عليه قليلاً ليحدثه بصوت خافت و..
-الكابتن بصوت خافت: مساء الخير عليكم
-يوسف: مساء النور يا كابتن
-الكابتن: الأول، ألف مبروك ليكم، وزواج مبارك ان شاء الله..

-يوسف: الله يبارك فيك يا كابتن
-الكابتن: المدام أخبرها ايه الوقتي
-يوسف: الحمدلله أحسن
-الكابتن: طبعاً أنا بعتذر اننا اضطرينا نجبر المدام ع انها تاخد مهديء مؤقت عشان نقدر نكمل الرحلة بهدوء
-يوسف: مافيش مشكلة يا كابتن
-الكابتن مبتسماً: وظيفتك بقى يا عريس تعوضها عن اللي حصل ده وتطمنها
-يوسف بابتسامة مصطنعة: اكييد طبعاً
-الكابتن: ومرة تانية ألف مبروك ليكو
-يوسف: شكراً يا كابتن.

انصرف قائد الطائرة وعاد إلى قمرته مرة أخرى.. بينما ظل يوسف مسلطاً نظره على ندى...
مد يده ليتحسس وجنتها بأطراف أصابعه، كم كان يشتاق للمسة بشرتها الناعمة.. يا لها من لحظات مرت كالدهر عليه وهو على وشك أن يخسرهــا.. انه الندم، إنه الخطأ الذي تسرع في ارتكابه... كيف يمكن أن يصلحه؟ كيف يعوضها عما فات. ظل ينظر إليها محاولاً أن يصل لطريقة ما تمكنه من تقريب الوصــال بينهما.. هي الآن الأقرب إليه بجسدها، لكن الأبعد عنه بروحها وقلبها...

كانت ندى قد بدأت تفيق تدريجياً، هي لم تستعيد وعيها كاملاً بعد، ولكنها تنظر إلى ما حولها بأعين زائغة.. ترى أشباه أشخاص ما يتحركون حولها، وشبح شخص ما جالس بجوارها.. كانت تفتح عينيها مرة وتغلقها مرة أخرى.. لكنها في النهاية لم تعد تريد المقاومة.. أرادت أن تستريح قليلاً، فمازال الطريق أمامها طويل لكي تكمله بمفردها...

أعلنت المضيفة من خلال المذياع الداخلي الموجود بالطائرة عن قرب الوصول إلى مطار دبي الدولي و...
-المضيفة بصوت مسموع للجميع عبر ميكروفون داخلي: نرحب بالسادة الركاب، ونتمنى لهم سلامة الوصول، لقد اقتربت الطائرة الآن من مطار دبي الدولي، وزمن الوصول إلى هناك هو 10 دقائق فقط، لذا برجاء ربط الأحزمة ووضع المتعلقات الشخصية جانباً، وعلى الركاب الواقفين أو المترجلين العودة إلى مقاعدهم فوراً.

اعتدل يوسف في جلسته، ثم تأكد من عدم وجود أي شيء بجوار ندى يمكن أن يؤذيها وهي نائمة... أراد أن يجعلها تفيق، ولكنه خشي أن تثير فضيحة أخرى، لذا فكر أن يتمهل إلى أن تصل الطائرة إلى المطار، وينزل معظم الركاب منها، فيتمكن وقتها من ايقاظها...

في منزل صلاح الدسوقي
لم يمرر صلاح ما حدث مع فاطيما مرور الكرام، وإنما عاتب زوجته زينب عتاباً حاداً و...
-صلاح محذراً: اياه يا زينب الموضوع ده يتفتح تاني، لا من قريب ولا من بعيد
-زينب: حاضر يا حاج
-صلاح وهو يشير بيده: والولية آمال دي مهما قالت ولا عادت ماتسمعيلهاش تاني
-زينب: طيب
-صلاح: كفاية ان كل معرفتنا بيها بتنتهي ببلاوي سودة
-زينب: عندك حق والله يا حاج.

سمعت زينب صوت طرقات على باب المنزل، فتوجهت إليه لترى من الطارق، ثم فتحت الباب لتجد قبالتها الجارة آمــال...
نظرت لها زينب نظرات كلها ضيق و...
-زينب على مضض: ست آمــال.. خير؟.

بمجرد أن سمع صلاح من داخل منزله اسم تلك الجارة حتى أسرع خطاه ناحية الباب، وفتحه على مصرعيه، كان على وشك الاشتباك معها ولكنه لاحظ ارتدائها لملابس سوداء، ومطرقة لرأسها في حزن و...
صلاح بنبرة غاضبة: عاوزة ايه تاني يا آآآآ...

كانت آمال تمسح دموعها بطرف طرحتها السوداء، كانت تشهق وتحاول كتم بكائها، وفي النهاية تحدثت بصوت شبه مبحوح بــ...
-آمال ببكاء: البت راحت مننا يا حاجة زينب
-زينب بعدم فهم: بت مين؟
-آمال بدموع منهمرة: البت هنا.. مـ.. ماتت!
-زينب بأعين مصدومة: يا لهوي؟ ايه
-صلاح: لا حول ولا قوة إلا بالله، إنا لله وإنا إليه راجعون
-زينب: وده حصل إزاي يا ست آمــال؟
-آمال بقلب معتصر من الحزن: هـ... هاقولك...

Flash Back  لما حدث مع الطفلة هنا
 في إحدى القرى الريفية
وصلت الجارة آمال ومعها حفيدتها الطفلة هنا وابنها حسن إلى القرية التي كانوا يقطنون بها قبل مجيئهم للقاهرة منذ أعوام مضت...

رحب بهم اهالي القرية الطيبين، ثم توجه حسن ووالدته الجارة آمــال إلى منزلهم بالقرية.

 دلفت الجارة آمال إلى الداخل وهي ممسكة بحفيدتها في يدها إلى المنزل.. بينما انصرف ابنها لمقهى قريب من المنزل ليمكث فيه ريثما تنتهي والدته مما جاءت لفعله...

 كانت هنا سعيدة للغاية لأنها تزور تلك القرية الجميلة التي احبتها، كانت هنا ممسكة بدميتها الصغيرة في يدها الأخرى وتحتضنها بذراعها الصغير و..
-هنا وهي تنظر لجدتها ببراءة: تيتة أنا عاوزة أعمل سعرى دفيرا
-آمال مبتسمة: حاضر يا قلب تيتة هاعملك ضفرتين حلوين زيك كده
-هنا: لأ زي علوستي
-آمال: ماشي زي عروستك.

 نظرت هنا أمامها فوجدت عدة سيدات أشكالهن مخيفة بالنسبة لها، فهن ينظرون لها بنظرات كلها توعد، كما كن جالسات على بعض المقاعد الخشبية.. ارتعدت هنا من هيئتهن وتمسكت بطرف جلباب جدتها.. ولم تنطق بكلمة.

رحبت تلك السيدات بالجارة آمال و...
-سيدة ما: يا مرحب بالست آمال، دي البلد نورت
-آمال: منورة بيكو
-سيدة أخرى وهي تشير برأسها لهنا: هي دي
-آمال وهي تضع يدها على رأس حفيدتها: اه هي..
-سيدة ما: ما تقلقيش احنا هنقوم بالواجب معاها
-آمال: مش هوصيكوا عليها.. دي حتة من قلبي
-سيدة ما: اطمني.. دي شكة دبوس.

 كانت الطفلة هنا تنظر إليهم بأعينها الصغيرة الخائفة، هي تشعر أن هناك خطب ما بتلك السيدات، ولكنها لم تنطق.. ظلت متشبثة أكثر بجلباب جدتها.

اقتربت منها سيدة ضخمة البنيان ذو بشرة سمراء، وأعين باردة قاسية واسعة و...
-السيدة الضخمة وهي تتصنع الابتسام: تعالي يا كتكوتة معايا
-هنا بأعين مرتعدة: لأ
-السيدة الضخمة: انتي خايفة مني؟ ده أنا هاجيبلك حلاوة
-هنا: مس عاوزة.

تمسكت هنا بجلباب جدتها أكثر وأكثر، احتضنت ساقي جدتها بذراعيها الصغيرتين و..
-هنا وهي تتمسك بجدتها: أنا عاوزة أقعد مع تيتة
-آمال وهي تربت على كتفها: روحي معاهم يا هنونة، دول هايجبولك حاجات حلوة
-هنا ببكاء وهي تنظر لجدتها: لأ.. أنا عاوزة أفضل هنا معاكي.

اقتربت تلك السيدة من هنا أكثر، ثم بدأت تنهرها بحدة وهي تحاول جذبها من ذراعها و..
-السيدة الضخمة وهي تنهرها: يالا يا بت، بلاش دلع مريء.

 بكت هنا بصوت مرتفع راجية جدتها أن تظل معها وألا تأخذها تلك السيدة، ولكن الجارة آمال قامت بنزع ذراعي هنا المتمسكة بساقيها بكل قوة ووبختها بعنف و...
-آمال بحدة: خلاص بقى يا هنا، روحي معاها وانا هستناكي هنا
-هنا بصريخ: لألألأ.. أنا مس عاوزة ألوح معاها، والنبي يا تيتة خلينى معاكي، أنا مس هاعمل حاجة تزعلك بس مس تخليني ألوح معاها.

بدأت السيدة في التزمر من تصرفات الطفلة هنا و...
-السيدة الضخمة: يا ست آمال احنا كده مش هانخلص، عاوزين نعمل الحكاية دي بسرعة
-هنا برعب: عاااااا...
-آمال بنبرة آمرة: بس بقى يا هنا، ويالا مع طنط.. خديها.

 قامت السيدة الضخمة بحمل الطفلة هنا من خصرها عنوة، حاولت هنا أن تقاومها، ظلت تركل بقدميها الصغيرة في الهواء وتصرخ في جدتها ألا تتركها، ولكن آمال وقفت تنظر إليها ببرود وقلب متحجر.

مدت الطفلة هنا كلتا ذراعيها في الهواء وكأنها تحاول أن تستعطف جدتها لكي تأخذها مرة ثانية بين أحضانها، سقطت دميتها الصغيرة من ذراعها، ولكنها لم تعبء بها، كل ما كانت تريده الآن الطفلة هنا هو أن تمسك بجدتها لكي تنقذها.. و لكن الجارة آمال أدارت لها ظهرها ببرود تاركة إياها تواجه مصيرها المجهول بمفردها...

لمحت الطفلة هنا احدى السيدات تُحمي شيئاً ما حادًا على لهيب النيران أثناء دلوفها إلى الغرفة المجاورة، فظلت تصرخ بطريقة هيسترية مرعبة وتنادي على والدتها...
-هنا برعب: عاااااااااااااا، مامااااا.. عااااااااا.

 في داخل الغرفة ذات الاضاءة الباهتة
كانت الغرفة الموجودة بها الطفلة هنا تمثل زنزانة الرعب بالنسبة لها، المقصلة التي ستموت فزعاً منها وعليها، كانت تنظر بأعين زائغة حولها.. هي غرفة قديمة وصغيرة، بها عدداً من الأسرة الصغيرة، وطاولة خشبية قديمة ومقاعد متهالكة.. طلاء الغرفة كئيب، وسقفها شبه متهالك..
لقد كانت الغرفة نفسها تمثل دار العذاب للطفلة بكآبتها وقتامتها...

دلفت سيدتين اخرتين إلى داخل الغرفة، ثم أغلقت إحداهما الباب خلفها بدون أن توصده بالمفتاح... ووضعت الأخرى بعض الأشياء على الطاولة القديمة.

 تركت السيدة الضخمة الطفلة هنا على الأرض، فحاولت أن تهرب من الغرفة ولكن لحقت بها ثم أحكمت السيدة الضخمة قبضتها عليها وأمسكت بها من شعر رأسها مرة أخرى وجذبتها بعنف نحو أحد الأَسرّة البالية بالغرفة.. ظلت الطفلة هنا تصرخ متآلمة منها.. ثم أمرت احداهما أن توصد الباب جيداً بالمفتاح...

قامت تلك السيدة الضخمة بصفع الطفلة هنا على وجنتها بعنف لكي تصمت..
طااااااااااخ
-هنا بصريخ: عااااا.. آآآآه... ماما.. أنا عاوزة ماما.

 نظرت السيدة الضخمة إلى السيدتين الأخرتين نظرات قاسية وباردة ثم نطقت بلهجة مخيفة بـ...
-السيدة الضخمة بصوت مرعب آمــر: يالا يا ولية انتي وهي شوفوا شغلكم..!.

 كتفت احدى السيدات الطفلة هنا من ذراعيها جيداً وثبتتها حتى لا تتحرك، بينما قامت سيدة أخرى بتقييد حركة قدميها... كان جسد الطفلة هنا ضعيف جدا لكي تقاومهن، لقد كانت ضئيلة للغاية أمامهن.. ولم يكن أمامها إلا الصراخ لعل إحداهن قلبها يرق وتجعلهن يتوقفن عما يفعلن...

جحظت عيني الطفلة هنا من الرعب حينما رأت السيدة الضخمة تقترب منها وتشير برأسها للسيدتين الأخرتين وتحمل في يدها مشرطاً
-السيدة الضخمة بلهجة آمرة وصوت مرعب مخيف: افتحي رجليها، وانتي امسكي ايدها كويس، اوعي يا ولية تفلت منك
-سيدة ما: حاضر.

قامت السيدة الأخرى بإبعاد ساقي الطفلة هنا عن بعضهما البعض مسافة كافية لتتمكن السيدة الضخمة من رؤية جسد الطفلة هنا بوضوح...

 كانت هنا تصرخ بكل رعب لكي تكف تلك السيدة عما تفعل، ولكن هيهات، هي عقدت النية على اتمام مهمتها ولن يمنعها صراخ طفلة بريئة من اغتيال براءتها...

 بدأت تلك السيدة بعملية ذبح الفتاة بلا تردد أو رحمة، ومع كل حركة تقوم بها، تتعالى صراخات وتوسلات الطفلة هنا لكي تتوقف، ولكن كيف تسمع من ماتت أذانها، ومن تحجر قلبها...

 وفجــأة صمتت الطفلة هنا.. شحب لون وجهها، واختفى بريق عينيها، سكنت حركتها تماماً، وجحظت عيناها وهي ناظرة لسقف الغرفة المتهالك.. وفغرت شفتيها في رعب... بلــــى.. لقد فارقت روحها البريئة الطاهرة الحياة!.

شعرت إحداهن أن هناك خطبٌ ما بالفتاة الصغيرة، فتسائلت عن...
-سيدة ما متسائلة: هي البت سكتت ليه؟
-سيدة اخرى: يمكن من الخضة
-السيدة الضخمة بقسوة: ياختي خلينا نكمل بدل ما كانت قرفانا بصويتها.

-سيدة ما: بس انا مش مطمنة، البت شكلها قطع النفس خالص، بصي كده ع وشها
-السيدة الضخمة ببرود: ادلقي مياه ع وشها هتلاقيها فاقت وبقت بتنطط زي القردة قصادك
-سيدة اخرى باضطراب: ده البت وشها ازرق
-السيدة الضخمة: يا ولية منك ليها جمدوا قلبكم، هي دي أول مرة نطاهر فيها بت، ده احنا بقالنا سنين بنعمل الحكاية دي.

 لمحت إحداهن الدماء تتدفق بغزارة من جسد الطفلة هنا، فانتفضت على الفور و..
-سيدة ما بفزع: يا ساتر يا رب، بصي يا ولية، شوفي الدم اللي نازل ده منها
-السيدة الضخمة: ده انا مجزرتش جامد يعني
-سيدة اخرى: طب وقفي الدم ده بسرعة بدل ما تحصل نصيبة
-السيدة الضخمة: قومي هاتلي شوية بن من برة نكتم بيه الجرح
-سيدة ما بسرعة: طيب... طيب.

نهضت أحداهن من مكانها بسرعة وتوجهت إلى باب الغرفة، وقامت بفتحه وتوجهت الخارج...

في خارج الغرفة
خرجت إحدى السيدات من الغرفة وهي تركض مسرعة ناحية المطبخ لتحضر بعضاً من البن..
وقفت آمال تنظر لها باستغراب، وما زادها حيرة هو أن حفيدتها لم يعد لها أي صوت.. وقبل أن تدلف تلك السيدة للداخل، أوقفتها آمال لكي تسألها عن...
-آمال بقلق: البت اخبارها ايه؟
-سيدة ما بتردد: آآآ... كــ... كويسة.. اطمني يا ست آمال
-آمال: اومال مش سمعالها حس ليه؟
-سيدة ما: مـ... ما تخفيش، آآآ... احنا... احنا قربنا نخلص.

دلفت السيدة إلى الداخل بسرعة حتى لا تجعل الجارة آمــال تلاحظ توترها واضطرابها.. بينما ظلت الجارة آمــال في الخارج تتوجس خيفة مما يحدث بتلك الغرفة
-آمال: استرها يا رب، وعديها ع خير.

في نفس الوقت داخل تلك الغرفة الكئيبة
كانت السيدة الضخمة تتعامل ببرود وقسوة قلب مع الطفلة هنا...
-السيدة الضخمة: هاتي البن.

لاحظت السيدة الأخرى شحوب وجه الطفلة هنا، وفمها المفتوح، فاقتربت منها ووضعت اذنيها بالقرب من فمها لتسمع أصوات أنفاسها ولكن لم تجد شيئاً، فلطمت على صدرها في فزع و...
-سيدة أخرى وهي تلطم: يادي النصيبة، البت قطعت النفس
-السيدة الضخمة: انا قولتلك هي مغمى عليها.

-سيدة أخرى بأعين مرعوبة: لألألأ.. ده.. ده مش شكل واحدة مغمى عليها.. دي... دي باينها مـ... ماتت
-السيدة الضخمة: ماتت ايه بس، هو في حد بيموت من الطهارة؟
-سيدة أخرى: بصي كويس..
-السيدة الضخمة: أنا غلطانة اني جبتكم معايا، نسوان عاوزة الحرق.. مالها البت يعني.

اقتربت السيدة الضخمة من وجه الطفلة هنا لتتأكد بنفسها أنها بخير وليس بها شيء، ولكنها أدركت من العلامات البادية على وجهها أنها بالفعل فارقت الحياة...

اضطربت السيدة الضخمة وأصيبت بالتوتر و..
-السيدة الضخمة: دي.. دي ماتت.

شهقت السيدة الأخرى حينما تأكدت أن مخاوفها باتت صحيحة و...
-سيدة اخرى: ياااااالهوي، طب... طب والعمل؟
-السيدة الضخمة: مش عارفة.. بس.. بس احنا مالناش ذنب.. احنا متعودين نعمل كده في البنات، وكلهم بيقوموا منها صاغ سليم.

 اعترى السيدة الاخرى القلق والاضطراب خاصة بعد أن تأكدت من وفاة الطفلة هنا و..
-سيدة أخرى: يا لهوي رحنا في داهية، ده أهلها مش هسيبونا، ده يمكن يموتونا
-السيدة الضخمة: هااااه.

-سيدة أخرى: أنا... أنا معملتش حاجة، ده انا يدوب مسكت رجلها بس، أنا ماليش ذنب
-السيدة الضخمة بحدة: يا ولية اكتمي شوية، انتي ايه؟
-سيدة اخرى: أنا ماليش دعوة
-السيدة الضخمة: بقولك ايه أنا مش هالبس في الليلة دي لوحدى، وخليني أفكرلنا في حل للنصيبة السودة دي.

وضعت السيدة الأخرى كلتا يديها على فمها و..
-سيدة اخرى بتوتر: طيب هاكتم نفسي اهوو، بس شوفيلنا حل بسرعة
-السيدة الضخمة: ولا داهية ولا حاجة، احنا.. احنا نطلع نقولهم ان البت صاغ سليم وزي الفل، والحكاية عدت ع خير بس البت محتاجة ترتاح شوية، ونسيبهالهم، وهما بعدين بقى يبقوا يكتشفوا حكاية موتها.

-سيدة اخرى: يااااا نصيبتي!
-السيدة الضخمة: ده أسلم حل، وانتي يا ولية تطلعي قصادهم عادي والضحكة من هنا لهنا بدل ما نتكشف
-سيدة أخرى: لألألأ... مقدرش
-السيدة الضخمة: طب اياكي تعملي عكس اللي بقولك عليه..شششش.. لأحسن الباب هيتفتح.

 فُتح باب الغرفة لتدلف السيدة الأولى للداخل والرعب يعتريها.. أغلقت الباب خلفها ثم ادارت ظهرها لتجد زميلتيها تقفان بعيداً عن الطفلة ويتهامسان..
-سيدة ما: في ايه
-سيدة أخرى بأعين مرتعدة: البت ماتت.

سقطت علبة البن من يد السيدة الأولى لتتبعثر محتوياتها على الأرضية، وكادت أن تصرخ لولا تدخل السيدة الضخمة وكتمها لأنفاسها بيدها و..
-السيدة الضخمة وهي تكممها: اكتمي يا ولية هتفضحينا
-سيدة ما بخوف: يعني.. يعني آآآآ...

-السيدة الضخمة بلهجة قاسية آمــرة: بقولك ايه يا ولية منك ليها، احنا مش ناقصين بلوى تتحدف علينا، انتو هتعملوا اللي هاقولكم عليه بالنص
-سيدة ما بقلق وهي توميء برأسها ايجابياً: حــ... حاضر
-سيدة اخرى: طيب.

-السيدة الضخمة: احنا هنطلع من هنا بنزغرط وفرحانين ان العملية عدت ع خير والت كويسة بس عاوزة ترتاح، وهناخد منهم الحلاوة كمان
-سيدة ما بنبرة خائفة: أنا.. أنا مقدرش أعمل كده
-السيدة الضخمة: لأ هاتعملي كده بدل ما تروحي في داهية، ويالا لموا العدة والحاجة كلها من هنا، ونفضوا المكان كويس..
-سيدة اخرى: طب.. طب والبت؟
-السيدة الضخمة: انا هظبطها..!.

 توجهت السيدة الضخمة إلى الفراش المسجي عليه جثة الطفلة هنا، وبكل قسوة وتحجر قلب، قامت بتعديل وضع الطفلة.. ضمت ساقيها، وأنامتها على جانبها، ثم أغلقت عينيها الجاحظة، وحاولت اغلاق فمها.. وقامت بسحب الملاءة الملوثة بالدماء من أسلفها، وألقتها لزميلتيها..
-السيدة الضخمة: خدوا الملاية دي معاكو
-سيدة ما: مــ.. ماشي.

ثم قامت السيدة الضخمة بأخذ ملاءة اخرى من على الفراش المجاور، ثم دثرتها بها، وكشفت فقط وجهها وكأنها غارقة في النوم..
-السيدة الضخمة: كده تمام
-سيدة ما: ربـ... ربنا يستر
-السيدة الضخمة: ماتنسوش تنفذوا اللي قولتلكم عليه، وإلا مش هايحصلكم طيب
-سيدة اخرى: مــ.. ماشي.

 قامت السيدة الأخرى بإطلاق الزغاريد العالية، ثم فتحت باب الغرفة ولم تنسى أن ترسم الابتسامة العريضة على ثغرها و...
-السيدة الضخمة: لوووووولوووولي، مبروك يا ست آمــال.. طهور عروستنا الصغيرة
-آمال بفرحة: الحمدلله، البت كويسة.

نظرت السيدات إلى بعضهن في توجس، ولكن أكمل السيدة الضخمة كلامها بكل جحود و...
-السيدة الضخمة: زي الفل جوا، بس هي نايمة من التعب، ما أنتي عارفة بقى
-آمال بقلق: اوعي يكون آآآ...
-السيدة الضخمة: متخافيش، ده أنا ايدي كانت حنينة عليها، يدوب بس شممتها المشرط
-آمال بارتياح: الحمدلله
-السيدة الضخمة: اومال يا ست آمـــال مش هاتحلي بؤنا، ده احنا عاوزين الحلاوة ومش هنتنازل عنها، ولا ايه يا نسوان
-سيدة ما وهي توميء برأسها في رعب: أها..
-سيدة أخرى بقلق: أيوه.

 وضعت الجارة آمال يدها في صدرها، ثم أخرجت بعض النقود، وأدارت لها ظهرها، ثم التفتت لتعطيها للسيدة الضخمة التي تحدثت بكل بجاحة بـ..
-السيدة الضخمة بوقاحة: ايه ده يا ست آمال، دول قليلين، ده احنا تعبنا معاها جوا
-آمال وهي تعطيها باقي النقود: خدي دول كمان، مش خسارة فيكي
-السيدة الضخمة: ياخد عدوينك، واحنا في الخدمة، لوووولووولي.. ما تزغرطي يا ولية منك ليها
-سيدة ما: لوولولي
-سيدة أخرى: لوووولووولي...

ثم انطلقن مسرعين خارج المنزل قبل أن ينكشف أمرهــن...

ورغم هذا كانت آمال تشعر بأن قلبها مقبوضاً.. لذا دلفت إلى الغرفة التي توجد بها الطفلة الصغيرة، ونظرت إليها من بعيد، وجدتها ساكنة في مكانها، لا تتحرك، فأغلقت الباب في هدوء ظنا منها أنها تستريح...

عاد حسن من الخارج ليستفسر من والدته عما جرى مع ابنته هنا، فطمأنته آمال عنها و...
-آمال: البت كويسة، وكله تمام
-حسن: طب أنا هاخش أشوفها
-آمال: سيبها تنام شوية
-حسن: معلش ياما، قلبي واكلني عليها، ما انتي عارفة أنا بحبها أد ايه
-آمال: ربنا اللي عالم أنا كمان متعلقة بيها أد ايه...

دلف حسن إلى داخل الغرفة، ثم أشعل مصباح الغرفة، نظر إلى ابنته فوجدها ساكنة لا تتحرك.. توجه ناحيتها، جلس إلى جوارها، تحدث معها بصوت أبوي حاني، ثم رفع الغطاء قليلاً عن وجهها فوجده شاحب اللون يبدو غريباً.. وضع يده عليه وجده بارداً..
حاول ايقاظها، ولكنها لم تستجب، ظل يصرخ بها أن تفيق، ولكن لا حياة لمن فارقت الحياة..
-حسن برعب: بت يا هنا، قومي يا بت، ردي عليا
-آمال: في ايه يا بني
-حسن: البت مش بترد عليا
-آمال: يا نصيبتي، يكونش جرالها حاجة.

أسرع والدها بحملها، كانت الدماء تغرق الفراش من أسفلها، اعتلى الخوف والرعب ملامحه، ثم ركض بها إلى الوحدة الصحية..
وهناك كانت المفاجأة التي نزلت عليه كالصاعقة بعد الكشف عليها
-الطبيب بحدة: البنت جت ميتة، انتو ازاي تعملوا فيها كده؟
-حسن بدموع منهمرة: ايييييه، ماتت؟ لألألألأ.

لم يصدق حسن أذنيه حينما سمع من الطبيب ان ابنته الصغرى فلذة كبده فارقت الحياة.. خارت قواه وسقط على الأرض باكياً نادماً على ما فعل، لم يستوعب ما حدث، ظل يبكي بحرقة، نادماً على ما اقترفته يداه، نظر إلى يديه بأعين محترقة من الندم.. فهو بيده أخطأ في حق ابنته الصغرى ( خطأ لا يمكن إصلاحه )...

لقد ماتت ابنته مرتين إحداهما رعباً والأخرى ذبحاً... وهو وقف شاهداً فقط لما فعله غيره بها...

أمر الطبيب الممرض الموجود معه بكتابة التقرير الطبي الخاص بالطفلة هنا...
-الطبيب للممرض: اكتب في التقرير ان البنت ماتت بأزمة قلبية مفاجئة نتيجة التعرض لصدمة حادة..
-الممرض: حاضر يا دكتور، طب وبالنسبة للنزيف؟
-الطبيب: ده سبب تاني لو كنا لحقناها وأنقذناها من الأزمة القلبية مكوناش هنلحقها من النزيف المستمر اللي كان عندها...
-الممرض: لا حول ولا قوة إلا بالله

-الطبيب: للأسف الجهل بتاع ناس كتير بيخليهم يعملوا في بناتهم بلاوي سودة تخليهم يموتوا بدون ذنب وهما مفكرين انهم بيحموهم وبيعملوا الصح ليهم
-الممرض: ربنا يصبره بقى
-الطبيب: انا مش هاسكت عن الجريمة دي، وهبلغ المركز
-الممرض وهو ينظر لحسن: بس آآآ...
-الطبيب: مافيش بس، أنا مش هاسمح لنفسي أكون شريك في الجريمة دي..!.

عودة للوقت الحالي
في منزل صلاح الدسوقي
ذرفت آمال أنهاراً من الدموع وهي تسرد ما حدث مع حفيدتها، تلك الملاك الصغير التي ذبحت بلا ذنب.. بكت زينب هي الأخرى على رحيلها، هي لم تقابلها إلا مرة واحدة ولكنها تتذكر براءتها وعفويتها و...
-زينب بصوت باكي: ربنا يرحمها برحمته الواسعة، دي كانت ملاك والله
-صلاح: البقاء لله يا ست آمال
-آمال بندم وآسى: أنا.. أنا كنت جاية اقولك اوعي تغلطي زي ما انت غلطت مع هنا، اوعي تعملي زيي.. في غلطات لو عملناها ماينفعش نصلحها مهما حاولنا..!.

نظرت زينب إلى زوجها صلاح بنظرات كلها آسى وحزن، بينما أكملت اجارة آمــال حديثها بـ...
-آمال: الواحد بجهله ممكن يضيع عياله، ويرميهم في النار وهو مش دريان...

صمتت آمــال قليلاً ثم بكت بحرقة.. بكت كما لم تبكي من قبل حينما تذكرت...
-آمال ببكاء مرير: آآآآه.. لو... لو تشوفي شكلها يا حاجة زينب وهي بتسترجاني وتعيط عشان اخليها في حضني وما تروحش معاهم.. آآآآه... كأنها يا قلبي كانت حاسة بروحها.. وأنا اللي غبية ومفهمتش وصممت انها تروح معاهم.. يا ريتني كنت موت قبل ما اعمل فيها كده، يا رتني!.

انهارت الجارة آمــال، ولم تعد تقوى على الوقوف على قدميها..أسرعت زينب بإسنادها، وساعدها زوجها صلاح في إحضار مقعد قريب من الداخل لتجلس عليه و..
-صلاح: اجمدي يا ست آمــال
-آمال بمرارة: بعد الضنا مافيش حاجة تتعوض!.

تأملت زينب حال الجارة آمال، وحمدت الله في نفسها أنها لم تتهور وتفعل مثلها وتخطيء في حق قرة عينها ( خطــأ لا يمكن إصـــلاحه )...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة