قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية خطأ لا يمكن إصلاحه الجزء الثاني للكاتبة منال سالم الفصل الخامس والعشرون

رواية خطأ لا يمكن إصلاحه الجزء 2 بقلم منال سالم

رواية خطأ لا يمكن إصلاحه ( رفقا بالقوارير ) الجزء الثاني للكاتبة منال سالم الفصل الخامس والعشرون

في مطار دبي الدولي
حطت الطائرة على مدرج المطار الدولي بدبي.. وبدأ الركــاب في النزول من الطائرة..
حاول يوسف إفاقة زوجته ندى بكل رفق، وضع يده على وجنتها، ثم اخذ يضربها بكل رقة لكي تستيقظ.. بدأت ندى تتجاوب معه وتحرك رأسها قليلاً... ثم بدأت تتململ في مقعدها..
-يوسف بصوت هاديء: ندى... سمعاني يا ندى.. اصحي يا حبيبتي.

جاءت المضيفة إليه تسأله إن كان يحتاج إلى مساعدة ما و..
-المضيفة بابتسامة: حضرتك محتاج مساعدة
-يوسف: لأ.. شكراً.. انا بحاول أوفقها
-المضيفة وهي تشير بيدها: طيب أنا موجودة هنا لو احتاجت لحاجة
-يوسف: تمام.

حل يوسف حزام المقعد، فأصبحت ندى حركة الحركة.. ثم قام بنثر قطرات المياه على وجهها.. شهقت ندى ثم بدأت تفتح عينيها.. لم تكن الرؤية واضحة لها في البداية، ولكنها حاولت أن تنهض من مكانها.. هي لم تستعيد وعيها بالكامل، كانت تبدو كمن تم تخديرها و تحاول أن تفيق منه...
-يوسف بصوت خافت: ندى، انتي كويسة
-ندى وهي تترنح: اهــا.

أمسكها يوسف من ذراعها لكي يسندها وخاصة وهم يدلفان خارج الطائرة..
ابتسمت لهما المضيفة أثناء خروجهما.. فبادلها يوسف الابتسامة وهو ممسك بندى كي لا تسقط منه...

حاول يوسف قدر الامكان ان يجعل ندى تسير مستقيمة، فهي كانت مصابة بالدوار، وتمسك رأسها بيدها و..
-ندى بصوت خافت: الدنيا بتلف كده ليه
-يوسف: معلش شوية وهنبقى في الفندق.

توجه يوسف إلى المنطقة المخصصة لانهاء اجراءات السفر بالمطار، وانتهى بالفعل من اتمامها، وحينما كان يستفسر أحدٌ ما عما أصاب ندى كان يجيبهم بالرد المعتاد أنها كانت تعاني من رهــاب الطائرات، وتم اعطائها مهدئاً، ثم ينقل الحوار إلى كونهما زوجــان حديثان العهد بالزواج.. فينال التبريكات والتهنئات من الجميع...

حصل يوسف على حقائب السفر الخاصة به وبزوجته، ثم وضعهم على الحامل المخصص لهم ودفعه بيده إلى الأمام حيث تنتظرهم سيارة خاصة بهما في منطقة الانتظار بالمطار.. كان يحاول يوسف قدر استطاعته أن يوازن بين جره لحامل الحقائب، وبين اسناد زوجته.. وبفضل الله تمكن بصعوبة من عمل هذا...

كانت يقف بجوار السيارة التي ستقلهم للفندق رجلاً يرتدي حلة بيضاء ويحمل لافتة في يده مدون عليها أسمائهما..
لمحه يوسف فأشار له بيده، ثم أراه هويته الشخصية، فرحب السائق به، أعطاه يوسف الحقائب لكي يضعها في صندوق السيارة و...
-يوسف: هستأذنك تفتحلي الباب لأحسن المدام تعبانة
-السائق: لا بأس
-يوسف: شكراً.

أجلس يوسف زوجته على المقعد الخلفي، ثم أسند رأسها على الجانب، وطلب منها أن..
-يوسف بصوت خافت: ارتاحي يا ندى، ومتشليش هم..
-ندى وهي توميء برأسها: أهــا.

أغلق يوسف باب السيارة الخلفي، ثم توجه إلى المقعد الأمامي وأشار إلى السائق و...
-يوسف: يالا بينا احنا
-السائق: حسناً.

انطلق السائق بالسيارة إلى أحد الفنادق الشهيرة بدبي..
ظل السائق طوال الطريق يتحدث بلطف عن دبي وعن أشهر المعالم السياحية بها، وعن طيبة أهلها وتسامحهم.. كان يستمع يوسف له بكل إنصات...

بعد فترة قليلة، وصل السائق إلى باحة الفندق، ثم أوقف سيارته أمام مدخل البوابة الرئيسية للفندق، ترجل يوسف من السيارة، ثم اتجه للباب الخلفي وفتحه، و أسند زوجته ندى لكي تقف، ولكنها كانت غافلة تماماً.. فإستندت برأسها على كتفه.. وظل هو ممسكاً بها..
نظر يوسف حوله، واحتار ماذا يفعل، طلب من السائق أن يحضر الحقائب إلى داخل الفندق، ثم وضع يده في جيبه وأخرج له حسابه، بل بالعكس أعطاه ( بقشيشاً ) زائداً لأنه كان لطيفاً معه للغاية...

انحنى يوسف قليلاً للأسفل، ثم حمل ندى بين ذراعيه، ودلف بها إلى داخل الفندق...

في ردهة الفندق
فتح أحد العاملين الواقفين بجوار بوابة الدخول الباب ليوسف وزوجته، ابتسم له يوسف ودلف للداخل وهو يحمل زوجته.. بحث بعينيه عن أقرب أريكة ثم اجلسها عليه وتوجه ناحية الاستقبال و..
-يوسف مبتسماً: مساء الخير
-الموظف مبتسماً: مسالخير، حمدلله على السلامة
-يوسف بصوت هاديء: كان في حجز باسم يوسف الكومي وزوجته
-الموظف: لحظة
-يوسف: اتفضل.

اطلع الموظف على بعض البيانات المسجلة أمامه عبر شاشة الحاسوب، ثم أحضر عدة أوراق ووضعها أمام يوسف و...
-الموظف: موجود هالحجز، برجاء تملى هيدي الأوراق
-يوسف: حاضر
-الموظف: مشكور.

انتهى يوسف من مليء استمارات تسجيل الدخول بالفندق، ثم أعطاه الموظف المفتاح الالكتروني الخاص بغرفته و..
-الموظف: اقامة سعيدة
-يوسف: شكراً
-الموظف: راح يجي بعدك الناتور ومعه الحقائب
-يوسف: مافيش مشكلة.

توجه يوسف إلى حيث تجلس زوجته، ثم أسندها برفق على كتفه، وضع يده خلف ظهرها وأسندها وسار بها نحو المصعد...

استقل المصعد إلى حيث توجد غرفتهما، لحق بهما حامل الحقائب ومعه حقائبهما، سمح له يوسف بالمرور أولاً.. وقف يوسف بجوار الباب وهو مازال ممسكاً بزوجته.. عدل من وضعية شعرها المتناثر على وجهها، وأزاحه للخلف... كان حامل الحقائب يقف منتظراً السماح له بالدخول للغرفة...

أمال يوسف جسده قليلاً على الباب، ثم فتحه بالمفتاح الالكتروني الذي كان بحوزته، أفسح المجال لحامل الحقائب لكي يمر، وظل هو ممسكاً بندى وحاضناً إياها...
دلف حامل الحقائب لداخل الغرفة ليضع الحقائب بها، ثم وضع يوسف يده في جيبه ليخرج بعض النقود منه، ثم أعطى لحامل الحقائب ( بقشيشاً ) في يده، ابتسم له حامل الحقائب وانصرف على الفور...

انحنى يوسف قليلاً، ثم حمل زوجته ندى بين ذراعيه ودلف بها إلى داخل الغرفة، ودفع الباب بقدمه لكي ينغلق...

توجه ناحية الفراش ووضع ندى برفق عليه ودثرها جيداً.. لم يرد أن يوقظها حتى لا تنزعج أو تفزع حينما تراه أمامها...

طلب يوسف من الاستقبال أن يرسل لهما الطعام في الغرفة، وشدد على ألا يزعجهما أي أحد...
ثم دلف هو إلى المرحاض لكي يغتسل من عناء السفر ومشقته...

انتهى يوسف من الاغتسال وبدل ملابسه بأخرى نظيفة، أخرج هاتفه المحمول وجد عدة مكالمات فائتة من والدته، زفر في ضيق، وقرر أن يتجاهلها تماماً ويغلق الهاتف نهائياً، فلا داعي لأي ازعـــاج و...

-يوسف في نفسه: أنا مش ناقص أسمع كلمتين بايخين، كفاية اوي النكد والعكننة اللي احنا فيها من يوم ما اتجوزنا.. خلوني أعرف افكر ازاي هعوض ندى عن اللي فات ده كله

في منزل مروان بالتجمع الخامس
كان مروان راقداً على الفراش، مسنداً ظهره للخلف و يتأمل حبيبته نيرة وهي جالسة إلى جواره والابتسامة لا تفارق شفتيه، كان يعبث بخصلات شعرها في حنية شديدة، أحياناً يدغدغها في خصرها بيده التي تحيطها وتضمها إليه، وأحياناً يقبل يديها.. كانت تشعر بالسعادة العارمة معه..

أسندت نيرة رأسها على صدره لتستمع إلى دقات قلبه، كانت تداعب بأصابعها الناعمة صدره.. وبين الحين والأخر ترفع رأسها قليلاً لترى وجهه عن كثب
ظنت نيرة أن هذا هو الوقت المناسب لكي...
-نيرة بصوت رقيق: مارووو حبيبي
-مروان: ايه يا بيبي.

-نيرة بصوت خافت: هو أنا ممكن أطلب منك طلب يا حبيبي
-مروان وهو يقبل يدها: أؤمرني يا عمري كله
-نيرة بتردد: أنا.. أنا كنت عاوزة آآآ...
-مروان: ها..
-نيرة: أنا كنت عاوزة أكمل دراستي في دبي.

نزل وقع الكلمات على مروان كالصاعقة، مما جعلته يكف عما يفعل، وتتجمد ملامحه، وتختفي ابتسامته، ويقفهر وجهه..
اعتدلت نيرة في جلستها حينما وجدت مروان على هذا الشكل و..
-نيرة: في ايه؟ هو انا قولت حاجة غلط؟
-مروان: لأ.. بس مين قالك انك هتسافري دبي
-نيرة بنبرة سريعة: مش دراستي.

-مروان بضيق: وايه يعني، كمليها هنا
-نيرة بنبرة حادة: هو ايه اللي أكملها هنا، أنا مستقبلي هناك..
-مروان: وانا جوزك وحياتك معايا هنا
-نيرة وهي تعقد ساعديها أمام صدرها: خلاص يبقى تيجي معايا هناك
-مروان: وأعطل بقى مصالحي عشان خاطر سيادتك.

-نيرة: مصالح ايه بالظبط؟ طب ما هي ندى سافرت مع يوسف دبي وهيقعد معاها هناك
-مروان: هما مش هيطولوا، دي فترة وراجعين
-نيرة: بس سافروا سوا، وهو مقالهاش لأ
-مروان: أيوه مقالهاش لأ عشان عارف إن أنا موجود هنا مكانه بخلص كل حاجة
-نيرة بتهكم: وفيها ايه لما نسافر احنا كمان، وأي حد يبقى يخلص الشغل ده، مش لازم انت بالذات يعني.

-مروان بحدة: نيرة ده شغلي وتعبي أنا ويوسف من سنين، مش لعب عيال عشان نديه لأي حد يخلصه، ده مسئوليات كبيرة ومصالح مهمة، ومش معقول هنضيعه عشان انتي عاوزة تكملي تعليمك هناك في حين ان انتي تقدري تكمليه في أحسن جامعة هنا وعلى مستوى عالي
-نيرة بإصرار: بس أنا مش عاوزة هنا، انا عاوزة أعيش في دبي، أنا مش بحب الحياة هنا
-مروان بنفاذ صبر: وانا هاعيش هنا، وانتي هتعيشي معايا، فاهمة
-نيرة: يا مروان اسمعني الأول.

-مروان: أنا متجوز عشان ألاقي راحتي في بيتي، مراتي تبقى جمبي، أكلي جاهز، البيت متروق، ونكون مستقبلنا ونجيب عيال
-نيرة: وأنا فين من ده كله
-مروان: انتي معايا في كل ده، بس لما مراتي تفكر تسيبي وتروح تقعد مع نفسها في بلد غريب يبقى لازم أخد موقف
-نيرة: بلد غريب اييه؟ ده أنا هابقى مع بابا وماما
-مروان: وأنا مش متجوز بابا وبابا.

-نيرة بعصبية: قول بقى انك كنت عاوز خدامة فاتجوزتني
-مروان: متحوريش في الكلام يا نيرة
-نيرة: لأ انا فهماك كويس.. انت عاوز تلغوش عشان معندكش حجة مقنعة
-مروان بنبرة جــادة: بصي الموضوع انتهى.. مات الكلام فيه.

نهض مروان عن الفراش، ثم توجه إلى المرحاض ووجهه محتقن من الغضب، ولكنه حاول أن يتحكم في أعصابه، وألا يتهور بكلمة أو بفعل مع نيرة، دلف إلى داخل المرحاض واغلق الباب خلفه في قوة...

ظلت نيرة هي الأخرى تزفر في ضيق، نهضت من مكانها ووقفت تهز قدميها في عصبية، وقعت عينيها على مزهرية صغيرة، فمدت يدها إليها، وألقت بتلك المزهرية الموضوعة بجوارها فوق الكومود على الأرض و..
طاااااااااااخ
-نيرة: اوووووف.. أنا مش طايقة اقعد هنا، حاجة تقرف!.

في الفندق الشهير بدبي
وصل الطعام إلى الغرفة، فاستلمه يوسف ووضعه على طاولة سغيرة موجودة بالغرفة، ثم جلس على الأريكة في مواجهة ندى، ثم خطر بباله فكرة...
-يوسف في نفسه: مممم.. ندى مش معقول هتفضل متكتفة بالهدوم اللي لابساها دي، الجو حر أوي هنا، وهي بقالها مدة لابساهم... ممم.. احسن حاجة اعملها اني أخليها تلبس هدوم تانية مريحة بدل ما هي متقيدة كده.. بالظبط.

قام يوسف بفتح حقيبة ندى، ثم نظر بعينيه عن شيء مريح بداخلها لكي تبدل فيه ندى ملابسها.. وبالفعل وجد منامة حريرية ذات لون أحمر قاتم مطعمة بنقوش ذهبية موجودة بالداخل و...
-يوسف بصوت خافت: دي شكلها حلو.. وبيتهيألي هترتاح فيها...

أخرج يوسف المنامة من الحقيبة، ثم توجه ناحية الفراش الذي ترقد به ندى، ثم جلس على طرفه بجوارها.. كانت هي لا تزال نائمة.. مد يده ولمس ذراعها، ارتعش جسدها قليلاً إثر لمسته، ولكنها كانت غير واعية لما يحدث حولها...

أسند يوسف المنامة إلى جواره، ثم مد كلا ذراعيه إلى ندى، مرر أحدهما أسفل ظهرها، والأخرى أحاطها من الأمام، ثم رفعها إليه ببطء لتستقر في أحضانه، ثم قام بفك أزرار كنزتها ببطء، وقام بنزعها عنها بهدوء، لاحظ أثار اعتدائه عليها بالضرب، وضع يده على فمه محاولاً كتم أنفاسه الحارقة التي اشتعلت غضباً، فهو من فعل بها هذا.. هو من تسبب في جرحها وايذائها، ولم يتردد في ضربها بوحشية.. ذرفت منه عبرة أسف، مسحها بطرف إصبعه.. ثم ألبس ندى سترة منامتها واحكم غلقها، وفعل المثل مع بنطالها، وما إن انتهى حتى دثرها في الفراش جيداً، وتمدد هو إلى جوارها بعد أن وضع ذراعه أسفل رأسها...

ظل يفكر فيما فعله بها، ويسترجع ذكريات تعديه بالضرب عليها، هو كان مغيباً، لم يكن يدري ماذا يفعل، فشيطانه هيأ له السبل لفعل هذا بها دون رحمة.. وحينما ظهرت برائتها عجز حتى عن التهوين عليها وتخفيف آلامها.. فآلام الجسد يمكن أن تشفى، ولكن ماذا عن الروح التي تمزقت؟.

في منزل مروان بالتجمع الخامس
خرج مروان من المرحاض ومازال غاضباً من طلب نيرة الأخير، لمح بقايا المزهرية المحطمة و الملقاة على الأرض ورغم هذا لم يتحدث معها أو يعلق على ما فعلت.. ظل صامتاً وتوجه إلى الفراش لكي ينام.. تابعته نيرة بعينيها إلى أن تمدد إلى جوارها.. ثم بدأت هي بالحديث و...

-نيرة بلهجة غاضبة: انت هتسيبني وتنام؟
-مروان: يعني عاوزاني أعملك ايه
-نيرة: تقوم تكلمني
-مروان: انا قولتلك الكلام في الموضوع ده خلص خلاص
-نيرة: لأ مخلصش، أنا عاوزة أرجع دبي وأكمل تعليمي
-مروان: وهو أنا منعتك؟ ما أنا بقولك كمليه بس هنا
-نيرة: لأ مش ممكن.

-مروان: يبقى خلاص بناقص من دي شهادة، يعني هاتخدي نوبل يا خي
-نيرة بضيق: انت بتتريق؟
-مروان: لأ مش بتريق، ركزي في بيتك أحسنلك
-نيرة وهي تزم شفتيها في ضيق بالغ: يووووه
-مروان: نيرة بقولك ايه! أنا مش ناقص عكننة ع أخر الليل
-نيرة بعصبية: قصدك تقول اني بعكنن عليك
-مروان: والله انتي أدرى
-نيرة: طالما أنا بقى بعكنن عليك يبقى هابعد عن وشك، وهاروح أنام مع أختي
-مروان: تبقي ريحتي واستريحتي
-نيرة: ماشي يا مروان.

نهضت نيرة من على الفراش والضيق يعتريها، كانت على وشك الخروج من الغرفة، ظنت في نفسها أن مروان سيأتي خلفها ليصالحها، فتباطئت في مشيتها، ولكن دون جدوى.. فالتفتت برأسها لتجد مروان مغمض العينين، ممدد على الفراش، ويتجاهلها تماماً، فاحتقن وجهها من الغيظ، فعادت إلى داخل الغرفة واقتربت من الفراش وأمسكت بالوسادة وألقتها بعنف فوق رأس مروان، الذي انتفض فزعاً من حركتها تلك و...

-مروان بفزع: اييييه.. في ايه
-نيرة وهي تجز على أسنانها: متغاظة منك ومن عمايلك
-مروان وهو يدفع بالوسادة بعيداً عنه: قومي آبت من جمبي
-نيرة: لأ.. وأنا هاعمل اللي انا عاوزاه وهسافر
-مروان: مش هايحصل يا نيرة
-نيرة: لأ هايحصل
-مروان محذراً: طب غوري من وشي بدل ما أقوملك، وأعكنن عليكي العكننة اللي هي.

نهضت نيرة من على الفراش، ثم ركضت مسرعة خارج الغرفة، بينما سحب مروان الوسادة أسفل رأسه وعدّل من وضعيتها ووضع رأسه عليها، ونـــام... وقد انتوى أن يربي نيرة على طريقته.. فهي مازالت تعتقد أنها طفلة صغيرة لا مسئوليات عليها، ونسيت تماماً أنها مسئولة عن أسرة ومنزل وعليها واجبات تجاههما...

توجهت نيرة إلى غرفة الأطفال وهي تزفر في ضيق، فقد تعمد مروان تجاهلها تماماً، تسحبت ببطء حيث لا تزال اختها الصغرى نائمة، هي لا تريد ايقاظها، ثم صعدت إلى الفراش المجاور لها وتمددت عليه، ظلت تراقب الباب بأعينها على أمل أن يأتي مروان إليها ويصالحها.. ولكنه لم يفعل... انتظرت لمدة طويلة لا تدري ما هي، ولكنها في النهاية يئست من مجيئه، فأغلقت عينيها لتغفو والعبرات تتساقط من عينيها...

في الفندق الشهير بدبي
بدأت ندى تستعيد وعيها، وتململت في الفراش.. فتحت عينيها ببطء، لتجد نفسها في مكان غريب عليها، انتفضت من على الفراش لتجد يوسف نائما بجوارها، نظرت إليه نظرات ضيق وغضب، ثم نهضت من على الفراش، نظرت إلى نفسها فوجدت ملابس اخرى عليها غير تلك التي كانت ترتديها و..
-ندى بضيق: انت يا أخ انت عملت ايه فيا؟
-يوسف بنصف عين مفتوحة: هـــه
-ندى بنبرة عالية: انت رد عليا عملت ايه فيا؟ وانا جيت هنا ازاي؟.

اعتدل يوسف في الفراش، ثم وضع كلتا يديه خلف رأسه، ورسم ابتسامة عريضة على وجهه و..
-يوسف: صباح الخير على عيونك
-ندى: الصباح الزفت، انت عملت فيا ايه؟
-يوسف: ولا حاجة؟

-ندى: أنا... انا فاكرة اني كنت في الطيارة وانت.. وانت كنت مانعني اني أنزل بعدها
-يوسف مبتسماً: تمام
-ندى بلهجة حادة آمرة: عملت فيا ايه انطق؟
-يوسف بهدوء: ولا حاجة يا حبيبتي، انتي نمتي، فشيلتك وجيبتك ع الفندق
-ندى باستغراب: بس ده مش الفندق اللي كنا فيه؟
-يوسف: أها.. ده فندق تاني في بلد تانية.

نظرت ندى حولها، وادركت أنها قد وصلت بالفعل إلى دبي حينما لمحت برج العرب من زجاج الشرفة و...
-ندى: وانت ازاي أصلاً تعمل كده؟
-يوسف مبتسماً: مش ده اللي موجود في برنامج رحلتنا
-ندى: رحلة ايه؟

-يوسف بسعادة: شهر عسلنا
-ندى بتهكم: قولتلي بقى! لأ الكلام الأهبل ده تنساه نهائي، انت تطلقني بالذوق، يا إما قسماً بالله هارفع قضية خلع عليك وهاكسبها
-يوسف محاولاً التحكم في أعصابه: استغفر الله العظيم يا رب
-ندى: الوقتي افتكرت ربنا، لكن قبل كده لأ.. اتهمتني بأبشع التهم، وطعنت في شرفي وفي عيلتي، وده كان بالنسبالك عادي؟
-يوسف بصوت خافت: والله غصبن عني، أنا مكونتش أقصد
-ندى: انت كسرت قلبي ودمرتني، حرام عليك اللي عملته فيا
-يوسف بنبرة حزن نادمة: أنا أسف، سامحيني، والله هاعوضك عن ده كله
-ندى بحدة: مش عاوزة منك حاجة، طلقني!.

أطرق يوسف رأسه وصمت.. لم يرد أن يوتر الأجواء اكثر من هذا، ولكن استمرت ندى في صراخها بـ...
-ندى بنبرة عالية: ده انا فضلت أقولك أنا بريئة، أنا مظلومة لكن انت مسمعتنيش حتى وفضلت نازل ضرب وطحن فيا، شايف وشي، شايف صوابعك معلمة لسه فيه ازاي؟ أسامحك ازاي؟ قولي؟ اسامح ع كسرة نفسي، ولا على كسرة قلبي؟ ولا على ايه بالظبط؟.

نظر لها يوسف بأعين نادمة أسفة على ما حدث، فهو لن يستطيع أن ينكر تهوره معها واندفاعه العنيف تجاهها...

-ندى مكملة: ومش بس كده ده.. ده الست الفاضلة والدتك خلاص حكمت عليا إني واحدة من الشارع، فيا ريت نفضنا سيرة من الموضوع ده كله، وننهيه لحد كده.

-يوسف: أنا.. أنا أسف مش هاقدر
-ندى: وأنا مش هاستنى لحظة معاك.
قامت ندى بسحب حقيبة ملابسها وكانت على وشك الخروج من الغرفة، ولكن أسرع يوسف بامساكها من مرفقها وجذبها إليه بقوة، ونظر إليها نظرات حادة و...
-يوسف بنظرات حــادة: هتخرجي كده؟

-ندى وهي تدفع يده: وانت مالك
-يوسف: ندى انتي لابسة بيجاما مش لبس خروج
-ندى: ولو حتى عريانة، ده مايخصكش! فاهم..
-يوسف: طب ده مش عشاني، ده عشانك انتي، متخليش ضيقك أو غضبك مني انك تعملي حاجة انتي مش عاوزاها بس عشان تعاندي معايا
-ندى بنظرات ضيق: اوووف.

نظرت ندى له نظرات اشمئزاز ثم فتحت حقيبتها، واخرجت منها عباءة مطرزة وارتدتها فوق منامتها الحريرية، وجرت حقيبتها خلفها، ودلفت خارج الغرفة و..
-ندى بنبرة باردة قاسية: ورقتي توصلني، وإلا هخلي الموضوع يوصل للسفارة هنا..! أنا لسه معملتش محضر باللي حصل، بس سهل أوي اشتكيك هنا، وأظن ضربك وصوابعك لسه معلمة فيا لو كنت نستيت.

ثم أزاحت العباءة قليلاً لتريه أثار ما فعل بها على رقبتها وكتفها، بالاضافة إلى وجهها...
-ندى مكملة بنبرة جادة: قدامك ساعة، تتطلقني في السفارة!

انطلقت ندى خارج الغرفة مسرعة وتوجهت ناحية المصعد... بينما تابعها يوسف بنظراته، وقبل أن ينغلق باب المصعد، صاحت ندى بـ..
-ندى بصوت قاسي:.. أه... انسى انك كنت تعرف واحدة اسمها ندى.. ماشي!
ضغطت ندى بكل قسوة على زر اغلاق باب المصعد، وهي تنظر نظرات احتقارية أخيرة ليوسف...

تسمر يوسف في مكانه غير مصدقاً لما حدث للتو.. ثم عاد إلى الغرفة، وتوجه إلى الفراش، وجلس على طرفه، ثم أطرق رأسه ووضعها بين كفي يده متأسفاً نادماً على ما فعل...
-يوسف بأعين دامعة: أنا السبب، بوظت كل حاجة، دمرت كل حاجة بغبائي وتسرعي...!.

دلفت ندى خارج الفندق الشهير وهي باكية محطمة الفؤاد.. تجر أذيال الانكسار خلفها، هي عقدت العزم أن تترك الماضي بما فيه وراء ظهرها، وتنسى من أحبه قلبها بسهولة، فلم يعد له مكان في حياتها، بعد أن قتل بيده حبهما قبل أن يولد...

استقلت ندى سيارة الأجرة، وطلبت من السائق أن يتوجه بها نحو السفارة المصرية بدبي، كانت تنظر للطريق بأعين هائمة ضائعة، ولكن لا مفر من مواجهة مصيرهـــا...

جمع يوسف هو الأخر متعلقاته من الفندق، وقرر أن يتركه، فلم يعد هناك مجالاً للبقاء فيه، فندى قد قطعت كل السبل للوصول إليها من جديد.. هي معها حق، هو لم يتهاون معها، فكيف يتوقع منها أن تتهاون هي معه.. وربما الانفصال الآن هو أسلم الطرق حتى لا يخسرها للأبـــد...

في منزل مروان بالتجمع الخامس
استيقظ مروان مبكراً، ثم فتح دلفة الدولاب بعد أن دلف للمرحاض واغتسل، وانتقى لنفسه حلة ذات لون أزرق داكن وارتدائها، ثم بحث عن جواربه وحذائه وقام بارتدائهما...

دلف خارج الغرفة، نظر بعينيه نحو غرفة الأطفال، فنيرة منذ الأمس نائمة بها مع اختها..
طرق الباب عليهما، وانتظر أن يسمع أي صوت..

في داخل غرفة الأطفال
كانت فاطيما قد بدأت تستفيق، تأملت الغرفة من حولها، وتذكرت ما حدث بالأمس، ارتعدت قليلاً، ولكن لوجود اختها في الفراش المجاور لها طمأنها قليلاً...

سمعت فاطيما صوت الطرقات على باب الغرفة، فنهضت عن الفراش، وتوجهت ناحيته، ثم فتحت الباب لتجد مروان يقف بخارجه و..
-مروان بصوت هامس: صباح الخير يا طمطم
-فاطيما وهي تدعك عينيها: صباح النور
-مروان وهو ينظر بعينيه داخل الغرفة: هي نيرة لسه نايمة؟
-فاطيما: أها..
-مروان: طيب عاوزك تغسلي وشك.. وتظبطي نفسك عشان حابب أتكلم معاكيش شوية
-فاطيما وهي توميء رأسها بايجاب: حاضر...

عدلت فاطيما من هندامها، ومشطت شعرها، ثم دلفت خارج الغرفة...
كانت نيرة لا تزال نائمة، فهي قد غفت قبل شروق الشمس بقليل، وبالتالي غطت في نوم عميق...

في المطبخ
أعد مروان فطوراً شهياً لفاطيما، ثم وضعه في صينية وأسنده على الطاولة المستديرة الموضوعة بالمطبخ..
جاءت فاطيما إليه وهي تبتسم.. قدم مروان لها كوباً من العصير الطازج، ثم أعطاها صينية الافطار لتتناول ما بها..

كانت فاطيما جائعة فبدأت بالتهام الشطائر التي أعدها لها واحدة تلو الأخرى، نظر لها مروان بنظرات حانية ثم بدأ بالحديث معها عما حدث بالأمس.. حاول ألا يتطرق بأسلوب فظ لما قالته والدتها عن موضوع ختان النساء حتى لا يفسد شهيتها، وإنما...
-مروان بصوت هاديء: مامتك يا طمطم غلطت لما فكرت تعمل حاجة من غير ما تسأل حد متخصص، بس ده مايمنعش انها كانت بتفكر في مصلحتك.

توقفت فاطيما عن تناول الشطائر ونظرت إليه بقلق و..
-مروان مكملاً: الحمدلله انه كان مجرد تفكير، لكن والدك رفض تماماً الفكرة، واحنا معاكي ومش موافقين على ده، ومحدش هيقدر يجربك مهما كان ع انك تعملي حاجة انتي مش عاوزاها
-فاطيما بأعين قلقة: آآآ...
-مروان: كمان في دكتور نفسي شاطر جدااا حابب انه يتكلم معاكي
-فاطيما بعدم فهم: هو أنا مجنونة.

ضحك مروان على عبارة فاطيما الأخيرة و..
-مروان ضاحكاً: ههههههههه.. لا والله مش انتي، اختك اللي غطسانة في النوم جوا دي هي اللي مجنونة وجنتني معاها
-فاطيما: نيرة
-مروان: ايوه.. ربنا يهديها، وانا بأمر الله ناوي أعقلها شوية بدل أمور الجنان اللي هي بتعملها معايا
-فاطيما: أها..

-مروان: المهم يعني يا طمطم، الدكتور ده مهمته انه يسمع كل حاجة مضيقاكي مخوفاكي، مش مخلياكي تحسي بالراحة ويساعدك ع انك تتجاوزيها من غير أي صعوبة
-فاطيما: يعني... أنا.. أنا هاروح السرايا الصفرا؟
-مروان: لألألألأ.. سرايا صفرا ايه وخضرة ايه، وبعدين دي اسمها العباسية.

ابتسمت فاطيما قليلاً، فأكمل مروان لها موضحاً دور الطبيب النفسي في محاولة علاج المشكلات النفسية التي يتعرض لها الفرد في حياته، وكيفية تجاوز الأزمات وبث الثقة في النفس من جديد
كانت فاطيما غير مستوعبة لمعظم ما يقوله لها، ولكنها كانت في طيات نفسها تثق به، فهو دائماً وأبداً موجود في صفها داعماً لها...

وما إن انتهت فاطيما من تناول الطعام، حتى طلب منها مروان أن تغسل يدها، وتستعد للذهاب معه إلى منزلهما، ووعدها أنه سيأتي بنفسه لكي يوصلها إلى الطبيب النفسي وينتظرها في كل مرة...

في منزل صلاح الدسوقي
أوصل مروان فاطيما إلى منزلها، استقبلتها والدتها بالترحاب والقبلات الحارة والدموع النادمة، لم تتوقع فاطيما هذا الاستقبال من والدتها، فهي مازالت تخشاها..
ولكن بكاء والدتها أثر فيها خاصة حينما...

-زينب بأعين دامعة وهي تقبل ابنتها: حمدلله ع سلامتك يا حتة من قلبي، حقك عليا يا بنتي ان كنت فكرت أذيكي من غير ما تحسي
-فاطيما باستغراب: هــاه
-زينب: اوعي تخافي مني يا حبيبتي، أنا مش هاعملك حاجة خالص، ده انتي أغلى عندي من أي حاجة في الدنيا.

شكر صلاح مروان كثيراً على ما بذله من جهد مع ابنته، وأبلغه مروان بأمر حجز الطبيب النفسي كي يتابع حالة فاطيما، ووافق صلاح على هذا، وقرر أن...
-صلاح: أه هانروحله طبعاً، اومال ايه، دي بنتي، وصحتها عندي بالدنيا
-مروان: يا ريت يا عم صلاح، لأحسن لو اتأخرنا عن متابعتها ممكن تتعقد البنت ويجيلها بلاوي سودة واكتئاب
-صلاح: لأ اطمن، أنا هاخدها ونروحله.

-مروان: أنا كمان هابقى اجي معاكو عشان أطمن
-صلاح: بأمر الله، وأنا نويت إني أخلي السفر يتأجل شوية
-مروان مندهشاً: يعني مش هاترجع دبي الوقتي
-صلاح: لألألأ.. كفاية ندى ويوسف هناك، أطمن ع البت طمطم وبعدين ربنا يسهلها
-مروان: طب بالمناسبة يا عمي، نيرة كانت عاوزة تسيب بيتها، عشان تكمل دراستها هناك.

تعجب صلاح مما يقوله مروان بشأن نيرة ابنته و...
-صلاح متعجباً: نعم؟
-مروان: زي ما حضرتك سمعت
-صلاح: هي البت اتهبلت ولا ايه، هي ناسية انها متجوزة، لأ تكمله هنا، فرق ايه هنا عن هناك
-مروان: يعني أنا مش غلطان لما بقولها تكمله هنا
-صلاح: لأ يا بني ده حقك،وبعدين انت جوزها وبتفكر في مصلحتها.

-مروان: اه بفكر في مصلحتها، بس هي عنادية معايا
-صلاح: أم دماغها الناشفة دي
-مروان: يعني اتصرف معاها زي ما أنا عاوز؟
-صلاح: براحتك يا بني، وربنا يعينك عليها
-مروان بتوعد: اه والنبي ادعيلي.. لأحسن داخلين ع أيام فل...!.

في السفارة المصرية بدبي
توجه يوسف إلى السفارة المصرية بدبي، ثم وجد ندى تجلس في الردهة بملامح متجمدة باردة، دلف إلى الداخل وجلس في مقابلتها، مر الوقت كالدهر عليه، ولكن لم يعد هناك بديل، فالأمر بات حتمياً ولم يعد هناك مجالاً للعودة..
جلس الاثنين متجاورين في المكان، بعيدين عن بعضهما في الروح.

حضر أحد الموظفين، ومعه بعض الوثائق والأوراق الرسمية، ثم وضعها أمامهما وبدأ يتحدث، ولكن لا آذان تصغي، ولا قلوب تسمع.. فقط الندم والحزن هما المسيطران..
ثم قــام يوسف بإنهاء اجراءات الانفصال هناك وكأنه يكتب شهادة وفاته بنفسه... لكن هو من تسبب هذا، هو من جنى على نفسه وارتكب خطأ أدرك تواً أنه ( خطأ لا يمكن إصلاحه )...

وقفت ندى بعد أن وقعت على وثيقة الانفصال بكل ثقة، حاولت أن تخدع نفسها وتوهمها أنها ربحت المعركة رغم انكسار روحها.. ثم رمقت يوسف بنظرة عتاب أخيرة.. و انطلقت مسرعة الخطى من أمامه حتى لا ينكشف أمرها وتفضحها عيناها، لتختفي بسرعة البرق من حياته تاركة اياه يعاني من آلام الفراق ولوعة الاشتياق...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة