قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية خطأ لا يمكن إصلاحه الجزء الثاني للكاتبة منال سالم الفصل الحادي والعشرون

رواية خطأ لا يمكن إصلاحه الجزء 2 بقلم منال سالم

رواية خطأ لا يمكن إصلاحه ( رفقا بالقوارير ) الجزء الثاني للكاتبة منال سالم الفصل الحادي والعشرون

وقفت فاطيما أسفل إحدى لوحات الاعلانات تلتقط أنفاسها، ثم أخرجت هاتفها المحمول لتطلب أحد ما ينجدها... لم تعرف ماذا تفعل وهي بمفردها، تنظر إلى وجوه الأخرين من حولها في رعب.. تتخيل والدتها في وجه كل سيدة تمر بجوارها وهي ممسكة بسكين لتقبض روحــها...
كانت مرتعدة خائفة.. لكن ألهمها الله أن تتصل بأختها نيرة.. فهي من ستنجدها حالياً، فندى مشغولة مع عريسها، لكن نيرة ربما تكون الأقرب إليها الآن...

بحثت في قائمة الأسماء المسجلة على هاتفها المحمول إلى أن وجدت رقمها، فطلبته وأصابعها ترتعش من الخوف...

في نفس الوقت كانت نيرة نائمة في فراشها تغط في نوم عميق خاصة بعد ليلة البارحة المرهقة، ومزاح مروان معها طيلة الليل مما جعلها شبه فاقدة للوعي من التعب...

رن هاتفها برقم اختها الصغرى فاطيما ولكنها لم تسمع رنينه..
ظلت فاطيما تتصل بها مراراً وتكراراً ولكن دون اجابة منها...

في شركة Two Brothers
كان مروان قد وصل مبكراً للشركة، فهو عليه الحمل الآن وتحمل المسئولية كاملة خلال تلك الفترة، وخاصة لغياب يوسف وسفره مع زوجته ندى إلى دبي...

أمسك مروان بعدد من الأوراق يتابع ما فيها، سمع طرقات على باب مكتبه، فسمح للطارق بالدخول..
لقد كانت الطارقة هي علياء.. وما إن رأها مروان حتى اقفهر وجهه وامتعض...

اقتربت علياء منه وهي تتعمد أن تتمايل بشدة في مشيتها لتثيره، ولكنه تجاهل ما تفعله، ونظر إليها ببرود و..
-مروان بنظرات باردة: خير في حاجة يا آنسة
-علياء بصوت أنثوي مميز: اه يا مروان بيه، البوسطــــة
-مروان بحدة: طيب.. سيبيها هنا، وتاني مرة متجيش ع المكتب بنفسك، سلمي أي حاجة للمدام ريهام وهي اللي هتجيبهالي.

-علياء بدلع: ما أنا كنت بعمل كده.. بس آآ.. بس هي مش موجودة، والورق ده مهم ومحتاج إمضت ساعتك.. ومش معقول هاعطل الشغل عشان مدام ريهام مش موجودة
-مروان باقتضاب: شكراً.. اتفضلي
-علياء بدلال: مش عاوز حاجة اعملهالك بنفسي؟
-مروان وهو يشير برأسه: أه... خدي الباب في ايدك..!.

امتعض وجه علياء وهي تجد تلك الردود الجافة منه.. فانصرفت من المكتب على الفور.

-مروان في نفسه بعد أن خرجت: اعوذو بالله.. البت دي شكلها مش سهل، و شكل وراها مصيبة، لازم أخد بالي كويس منها واعرف مين اللي وراها ومسلطها علينا.

عادت علياء إلى مكتبها وجلست عليه، فرأتها السكرتيرة ريهام وهي تدلف خارج مكتب رب عملها السيد مروان النقيب، فنهضت عن مكتبها وتوجهت إليها و...
-ريهام مستفهمة: انتي كنتي عندك مروان بيه
-علياء بتأفف: أها
-ريهام: ليه؟
-علياء: عادي يعني
-ريهام: لأ مش عادي.

-علياء: في ايه يا مدام ريهام، الاستاذ مروان طلب البوسطة وانتي مكونتش موجودة فأنا دخلتهاله وخرجت
-ريهام: تاني مرة متعمليش كده.. أي حاجة تخص الأستاذ مروان أنا المسئولة عنها
-علياء على مضض: طيب.. طيب، أنا هاقوم أعمل لنفسي نسكافيه، تحبي أعملك واحد معايا؟
-ريهام: لأ شكراً..
-علياء: اوك.

عادت ريهام إلى مكتبها مرة أخرى، ثم سحبت مقعدها لتجلس عليه وهي تنظر لعلياء نظرات قلق و..
-ريهام في نفسها: واضح اني اتسرعت لما وافقت ع اختيارك يا علياء!.

في أحد الطرق العامة
وقفت فاطيما وهي في حيرة من أمرها.. نيرة لا تجيب على اتصالاتها، وهي خائفة لا تعرف كيف ستتصرف..
قررت أن تطلبها مرة أخرى لعلها ترى اتصالها وتجيب عليه...

وبالفعل اتصلت بها مرات متتالية، ولم ترفع اصبعها عن زر الاتصال...

في منزل مروان بالتجمع الخامس
انتبهت نيرة أن هناك شيء ما يهتز من أسفلها ويحدث صوتاً مزعجاً.. تململت في الفراش، وغطت رأسها بالوسادة، ولكن ظل ذلك الصوت والاهتزاز يعلوان أكثر وأكثر..
مدت نيرة يدها أسفل الوسادة لتمسك بهاتفها المحمول، وبنصف عين مفتوحة، نظرت إلى الشاشة فوجدت المتصلة هي اختها فاطيما.. تزمرت في ضيق و..
-نيرة في نفسها: عاوزة ايه البت دي ع الصبح، هي مش مريحة نفسها خالص، اووووف.

في النهاية قررت نيرة أن تجيب على اتصالها و..
-نيرة بصوت ناعس: ايوه يا زفتة
-فاطيما بصوت متحشرج خائف: نــ... نيرة.. إلحقيني.

اعتدلت نيرة في جلستها على الفراش، وأصغت لصوت اختها المرتعد و..
-نيرة بقلق: في ايه يا توتا؟ في حاجة حصلت؟
-فاطيما: إلحقيني.. أنا.. أنا.. هـ.. هيدبحوني.

أصغت نيرة واستمعت لصوت ضوضاء بجوارها فسألتها بـ...
-نيرة مستفسرة: انتي فين؟
-فاطيما: مش.. مش عارفة
-نيرة: لأ اهدي كده وفهميني انتي فين بالظبط وايه اللي حصل
-فاطيما برعب: أنا.. أنا خايفة أوي.. أنا هربت من البيت.

-نيرة: طب قوليلي انتي فين بالظبط عشان أجيلك
-فاطيما: أنا.. مش عارفة أنا فين.. أنا واقفة في الشارع لوحدي
-نيرة: طب خليكي مطرح ما انتي واقفة، وأنا هاتصرف، وردي عليا على طول
-فاطيما: حـ.. حاضر.

أنهت نيرة المكالمة الهاتفية مع أختها، ثم نهضت ع الفراش مسرعة، وأخذت تبحث في قائمة الأسماء المسجلة على هاتفها عن رقم زوجها مروان لتتصل به فوراً...

في مطعم الفندق
كانت عبير تجلس إلى طاولة الطعام وهي تهز ساقها بعصبية، كانت ملامح الضيق تعلو وجهها خاصة بعد المعاملة الجافة من ابنها.. هي تريد أن تعرف السر وراء ما حدث لندى، ولكنها عجزت عن الوصول لأي تفسير سوى...

-عبير بضيق: الموضوع ده مايتسكتش عليه، يوسف مخبي حاجة وده كان باين اوي
-سليم: يا ستي هو حر مع مراته
-عبير: الله اعلم البنت دي عملت ايه فيه، انت ماشوفتش منظره ولا منظرها
-سليم: ريحي نفسك شوية يا عبير
-عبير: أنا حاسة ان الموضوع يخص موضوع عذريتها.

نهض سليم عن طاولة الطعام ثم وقف يتحدث مع عبير بعصبية و...
-سليم بحدة: عبـــير! كفاية كلام في الموضوع ده، أنا زهقت.. ويالا بينا خلينا نرجع بيتنا، أعدتنا هنا مش هاتفيد
-عبير: لأ انا مش هامشي من هنا قبل ما أعرف في ايه
-سليم: يبقى مش هاتعرفي حاجة خالص، لأن ابنك قدامه كام ساعة وهيسافر مع مراته!
-عبير وهي تزفر في ضيق: اوووف.. أنا من الأول مش مستريحة للجوازة دي.

في شركة Two Brothers
كان مروان مشغولاً بمراجعة بعض الأوراق حينما دق هاتفه المحمول، أمسك به بيده، ثم نظر إلى الشاشة، فوجد المتصل هي زوجته نيرة..
اعتلت الدهشة وجهه، فنيرة ليست من الفتيات اللائي يستيقظن مبكراً تحت أي ظرف، لذا ظن أن هناك خطبٌ ما فأجاب على اتصالها على الفور و..
-مروان هاتفياً: صباح الفل عليكي يا نيرووو
-نيرة بلهفة ونبرة قلقة: الحقنا يا مروان
-مروان بقلق: في ايه يا نيرة؟.

سردت نيرة على عجالة ما أبلغته بها أختها فاطيما قبل قليل، نهض هو عن مكتبه بسرعة، ثم طلب منها رقم هاتف اختها، فأعطته له على الفور ودونه في ورقة أمامه، ثم أنهى الاتصال مع زوجته واتصل بفاطيما...

وجدت فاطيما هاتفها المحمول يرن برقم غريب غير مسجل لديها، فأجابت على الاتصال دون تردد و...
-فاطيما بصوت خافت ومرعوب: آ... ألو
-مروان: ألوو.. ايوه يا طمطم، أنا مروان
-فاطيما ببكاء: مروان، الحقني في مصيبة هاتحصل، هيدبحوني، أنا مش عاوزة ده، أنا هاموت لو عملوا فيا كده.

-مروان محاولاً تهدئتها: اهدي يا طمطم، محدش هيعملك حاجة، اوصفيلي بس انتي فين بالظبط
-فاطيما: أنا معرفش أنا فين
-مروان: بصي حواليكي كده شوفي اسم اي محل موجود، ولو في كشك حلويات جمبك ولا أي محل اسألي صاحبه عن اسم الشارع اللي انتي فيه
-فاطيما: أنا خايفة
-مروان: متخافيش، أنا معاكي ع التليفون
-فاطيما: حــ... حاضر.

لم يرد مروان أن يوتر فاطيما أكثر بسؤالها عن السبب الذي أرعبها لتلك الدرجة، هو فقط يريد أن يصل إليها أولاً.. وسيتولى المهمة بعد ذلك...

ثم ركض مروان خارج مكتبه بسرعة رهيبة، استغربت كلاً من ريهام وعلياء من خروجه بتلك الطريقة ودون أن يبلغهما بأي شيء
-ريهام بتعجب: هوفي ايه؟
-علياء: ماله مروان بيه؟.

سألت فاطيما أحد أصحاب المحال القريبة منها عن اسم الشارع الذي توجد هي به حالياً، فأخبرها عنه صاحب المحل، ثم وضعت الهاتف على أذنها مرة أخرى لتبلغ مروان به واذي كان قد استمع إلى ما قاله ذاك الرجل..
-مروان هاتفياً: خليكي واقفة جمب المحل ده يا طمطم، أنا خلاص جايلك
-فاطيما: حـ... حاضر
-مروان: متتحركيش من عندك، ومتخافيش من حاجة
-فاطيما: طـ... طيب.

توجه مروان إلى سيارته المصفوفة بجوار الشركة، ثم ركب خلف مقعد القيادة، وضغط بأقصى سرعته على دواسة البنزين لينطلق بالسيارة نحو المكان الذي توجد به فاطيما...

كانت نيرة هي الأخرى تكاد تموت رعباً على اختها الصغيرة، هي لا تعرف ما الذي أصابها لكي تهرب من المنزل، وخافت أن تتصل بوالدتها قبل أن تطمئن أولاً عليها وتعرف منها الأسباب التي دفعتها لفعل هذا
ظلت تتحرك في الغرفة كالمجنونة، طلبت مروان عدة مرات لكنها كانت توضع على الوضعية ( انتظار ).. وحينما تطلب اختها تجد هاتفها ( مشغول )..
-نيرة: استر يا رب، عديها على خير.. يا رب استررر ومايحصلش لتوتا حاجة وحشة.

في جناح العرائس بالفندق
كانت ندى تتململ في الفراش، بدأت تستعيد وعيها تدريجياً.. شعرت أن هناك ثقلاً ما في رأسها، جسدها الضعيف مازال يؤلمها، شعرت بآلام ووخزات في قسمات وجهها.. لقد بدأت تتذكر ما حدث معها في الليلة السابقة، فتحت عينيها لتجد ذراع شخص ما يحيطها..

بلى إنه ذاك الوحش الكاسر الذي قتل روحها بلا رحمة، وظن بها الظنون وحكم عليها بالموت دون رحمــة..
انتفضت في فزع من مكانها، وابتعدت عنه، ووقفت بعيداً عن الفراش، نظرت إليه بكل رعب.. تذكرت كيف عاملها بوحشية، كيف لم يرفق بها رغم توسلاتها له بانها بريئة لم ترتكب أي ذنب لتحاسب عليه بتلك الشراسة والحدة...

أفاق يوسف هو الأخر من نومه على أثر انتفاضتها المفاجئة، اعتدل في جلسته على الفراش، ولم يفتح فمه بكلمة واحدة.. فقط يريد أن يعرف ردة فعلها...

نظرت ندى حولها، وتأملت الغرفة.. بلى انها تلك الغرفة التي شهدت اغتيال حلمها، وجدت فستانها ملقى على الأرض، وحقائب السفر بجواره، فركضت ناحية حقائبها، هي تريد أن تفر من ذلك المكان وتهرب منه إلى الأبد.

أمعن يوسف النظر إليها، وحينما وجدها تركض ناحية حقائبها لتأخذها، قفز من على الفراش وتوجه ناحيتها، فتراجعت هي للخلف في فزع..
-يوسف: نــ...ندى
-ندى: ابعد عني، أنا مش طايقاك
-يوسف: ندى، اهدي، متخافيش.. أنا مش هاعملك حاجة
-ندى: أنا عاوزة أمشي من هنا، فين ورقة طلاقي؟

-يوسف: ندى اسمعيني بس الأول
-ندى: انا مش عاوزة أسمع حاجة منك.. انت واحد ظالم ومفتري، أنا بكرهك، مش طايقاك
-يوسف: أنا أسف يا ندى، سامحيني ع اللي حصل، غصب عني، أنا مجاش في بالي خالص انك آآ...
-ندى: اخرررررس.. انت طعنتني في شرفي وفي شرف عيلتي، انت خسارة ان الواحد يتكلم معاك أصلاً
-يوسف: حقك عليا، أنا غلطان
-ندى: طلقني الوقتي
-يوسف: ندى.

اقترب يوسف من ندى، ولكنها ابتعدت من أمامه، هي لم تطيق الوجود بقربه، حاول قد استطاعته أن يهدئها لكنها كانت تثور في وجهه
-ندى بصريخ: ابعد عني.. انت مش بني آدم..
-يوسف بصوت هاديء: ندى أرجوكي افهميني، اي حد لو كان مكاني كان ممكن يعمل ايه؟
-ندى بنبرة معادية مريرة: مش عاوزة أسمع حاجة، مش عاوزة، طلقني، كل حاجة بينا انتهت خلاص، انت معدتش ليك وجود في حياتي، ابعد عني يا أخي و.. طلقني.. طلقنـــــــــي...!

-يوسف مشيراً بيده: حاضر هابعد عنك، بس لازم تعرفي حاجة اني لو طلقتك دلوقتي هايطلع كلام عليكي يأذيكي أكتر
-ندى: مش مهم عندي، أنا عاوزة أخلص منك
-يوسف: يا ندى افهميني، انتي مش هاتسلمي من كلام الناس، ولا حتى أهلي
-ندى: ملكش دعوة بيهم، أنا هاتصرف، ويغور الناس ويغور أي حد.. أنا مش عاوزة حاجة من حد.. كفاية أوي كده، انت.. انت جرحتني في قلبي، انت طعنتي في حبي، انا بكرهك.. فاهم يعني بكرهك!
-يوسف: خلاص أنا هاعمل اللي انتي عاوزاه، بس مش هنا
-ندى: يعني ايه؟

-يوسف: أنا ميرضنيش انه يطلع عليكي سمعة انتي أو عيلتك لو طلقتك الوقتي، ع الأقل ننتظر شوية
-ندى: مش هافضل ثانية واحدة على ذمتك
-يوسف: هو شهر واحد بس وهانطلق
-ندى بغضب عارم: لألألألأ
-يوسف: يا ندى لازم نبان قصاد الناس اننا طبيعين
-ندى: يولعوا الناس، أنا معنتش عاوزة حاجة، أنا مش طايقاك، انت ليه مش بتحس؟.

كان يوسف يشعر مع كل كلمة تلقيها ندى على مسامعه أنه ظلمها ظلماً بيّناً.. ويستحق ما تفعله هي به الآن...
-يوسف: يا ندى اسمعيني، امي واحدة من الناس ما هتصدق تعرف باللي حصل ده، وبالطلاق وهتطلع أقلام وروايات عنك وعن ابوكي ومش بعيد يتأذى في شغله
-ندى: ملكش دعوة بينا
-يوسف: أنا خايف عليكي والله و... وبحبك.

-ندى: متقولش خايف عليا، انت واحد مش بتحب إلا نفسك وبس.. انت عمرك ما حبتني، انت أكبر كداب عرفته في حياتي.. الوقتي بتقول بتحبني بعد ما اطمنت اني شريفة مش خاطية زي ما كنت مفكر
-يوسف وهو مطرق الرأس: أنا أسف..
-ندى: اسفك ده هايصلح ايه وايه؟ انت كسرتني من جوايا، انت جبت سكينة وبكل برود دبحت قلبي.. حسبي الله ونعم الوكيل فيك، طلقني بقى وارحمني.. أنا معنتش عاوزاك
-يوسف: حاضر.. هاطلقك.. بس زي ما قولتلك مش هنا
-ندى: اومال فين
-يوسف: في دبي...!

في منزل صلاح الدسوقي
تعجبت زينب من تأخر استيقاظ فاطيما، فهي دائما ما تكون أول من يستيقظ في المنزل، هي شعلة النشاط والحركة به.. ومنذ الصباح الباكر لم تراها أو تسمع لها صوت...

توجهت زينب إلى غرفة البنات، طرقت الباب أولاً، فلم تسمع صوتاً، ففتحته ونظرت بعينيها إلى داخل الغرفة، ولكنها لم تجد أي أحد بالداخل.. استغربت زينب من خلو الغرفة من فاطيما، فظنت أنها ربما تكون بالمرحاض، فأسرعت إلى هناك.. ولم تجدها أيضاً..
-زينب بقلق: راحت البت دي فين؟ دي لا في اوضتها ولا في الحمام؟ تكونش واقفة في البلكونة؟

دلفت زينب إلى الشرفة الملحقة بالصالة ولم تجد بها ابنتها، فقلقت من هذا، أسرعت إلى غرفة نوم زوجها و...
-زينب بصوت مرتفع: يا حاااج.. يا حـــاج صلاح
-صلاح: في ايه يا زينب؟
-زينب: إلحق يا حاج، البت توتا مش موجودة في أوضتها
-صلاح: يمكن بعتيها تجيب حاجة من تحت
-زينب: لأ يا حاج، محصلش
-صلاح: طب اطلبيها كده ع الموبايل
-زينب: ايوه صح، أنا هاطلبها...

بالفعل بحثت زينب عن هاتفها المحمول لتطلب ابنتها فاطيما، قامت بالاتصال بها، ولكن وجدت الخط مشغول..
-زينب: البت تليفونها مشغول
-صلاح: طب حاولي تاني لحد ما ترد
-زينب: حاضر يا حاج.

طلبت زينب فاطيما عدة مرات، ولكن كان الخط مازال مشغولاً...

بجوار أحد المحال التجارية
كانت فاطيما تتحدث هاتفياً مع مروان الذي قاد سيارته بأقصى سرعة ليصل إليها، وبالفعل لمحها وهي تقف في الشارع، فأغلق الهاتف وتوجه بسيارته نحوها، ثم ضغط المكابح لكي صفها على جانب الطريق، وترجل من السيارة وتوجه إليها و...
-مروان بصوت عالي: طمطم
-فاطيما وقد انتبهت لصوته: هــاه.

أسرع مروان إليها فوجدها تقف مرتعدة باكية وحالتها مزرية.. ضمها إلى صدره بحنية، ثم اصطحبها من يدها وتوجه بها نحو سيارته، فتح لها الباب الأمامي لكي تجلس بجواره، وما إن اطمئن أنها صعدت للسيارة، حتى دار حولها ليصعد إلى مقعده، ثم انطلق بالسيارة نحو منزله...

ظلت فاطيما طوال الطريق تبكي وتشهق، حاول مروان تهدئتها ومعرفة ما بها و..
-مروان: اهدي يا طمطم، مافيش حاجة خلاص
-فاطيما ببكاء: اهـــيء... اهيء
-مروان: متخافيش، محدش هيعملك حاجة.

نظرت فاطيما له برجاء وكأنها تتوسل له أن يكون بجانبها ويحميها..
-مروان مكملاً: اطمني يا طمطم، أنا موجود جمبك، ومحدش هيستجرى يعملك حاجة.

اومأت فاطيما رأسها وكأنها اقتنعت بما يقول... حاول بطريقته أن يعرف منها ما الذي دفعها لترك المنزل والهروب منه و...
-مروان: في حد جه جمبك
-فاطيما وهي تهز رأسها بالنفي: لأ
-مروان: طب في حد جه لمسك غصب عنك؟
-فاطيما: لأ
-مروان: طب مين اللي عاوز يدبحك؟
-فاطيما بصوت خافت مليء بالحزن: مـ... ماما
-مروان: مامتك؟ طب ليه.

أخذت فاطيما تشهق بصوت مرتفع، وأغمضت عينيها في رعب، وكأنها تخشى البوح بما تنتوي والدتها فعله معها.

لاحظ مروان اضطراب فاطيما وبكائها المتصل، فلم يرد أن يزيد الطين بلة و..
-مروان محاولاً بث الثقة والطمأنينة فيها: اطمني.. محدش هيقدر يقرب منك طول ما انا موجود حتى لو كانت مامتك.. انتي الوقتي هتروحي معايا عند نيرة أختك، وهتقعدي معانا.. ماشي؟.

اومــأت فاطيما رأسها بالايجاب ولم تجبه.. أعطاها مروان بعض المناديل الورقية لتجفف دموعها، أخذتها منه وظلت صامتة لا تتحدث عن شيء..
ثم قاد مروان السيارة ناحية منزله...

في الجناح الخاص بالعرائس بالفندق
صدمت ندى مما قاله يوسف لها، هو رافض لفكرة الانفصــال هنا، ومصمم على أن يتم هذا في دبي...
-يوسف: لو عاوزة تطلقي يبقى هناك مش هنا
-ندى بعناد: لأ.. مش ممكن، أنا استحالة اروح معاك لأي مكان
-يوسف باصرار: وأنا مش هاعمل اللي انتي عاوزاه إلا هناك..!

وضعت ندى كلتا يديها على وجهها، هي تشعر بالحنق مما يقوله يوسف، هي تريد الابتعاد عنه نهائياً، تريد أن تمحو ذكراه من حياتها للأبد.. وليس هناك سبيل لهذا إلا عن طريق السفر سوياً.. فهو قد ضيق عليها السبل في كل شيء...

-يوسف: يا ندى أنا عاوز مصلحتك ومصلحة عيلتك، مش هاينفع نطلق في صباحيتنا، الناس هاتقول ايه عنك؟ طب فكري في اخواتك وفي ابوكي وأمك؟ ممكن يجرالهم حاجة لو عرفوا بده
-ندى: حرام عليك.. انت عاوز تموتني مليون مرة في اليوم
-يوسف: لا والله أبدااااا...
-ندى بنبرة غاضبة: وجودك في نفس المكان معايا بيقتلني، النفس اللي انت بتطلعه بيسممني، ابعد عني وسيبني لحالي ولمصيري
-يوسف: طيب.. بس آآآآ...

لم يكمل يوسف جملته الأخيرة، حيث سمع طرقاً على باب الجناح.. فأسرع ناحيته ليرى من الطارق من العين السحرية المزودة بالباب، فوجد أن من يقف خارج الغرفة هي والدته..
اضطرب يوسف على الفور.. أسرع ناحية ندى وأمسكها من ذراعيها بيديه، انتفض جسد ندى على الفور، حاولت أن تفلت من قبضته، ولكنه أصر على الامساك بها و..
-يوسف بتوتر: ندى.. ارجوكي، ماما برا وأنا مش عاوزها تعرف حاجة
-ندى وهي تتلوى بين يديه: ابعد عني، ماتلمسنيش
-يوسف: اهدي بس..
-ندى: ابعد عني وإلا هاصوت وأفضحك.

ترك يوسف ذراعي ندى، ثم مد إحدى يديه ووضعها على فم ندى ليكممها، وباليد الأخرى أحاطها من ظهرها وضمها إليه، ثم نظر لها مباشرة في عينيها بنظرات راجية متوسلة و..
-يوسف بنظرات متوسلة: ششششش... اسمعيني يا ندى، أنا هاعمل كل اللي انتي عاوزاه، بس بلاش تفضحي نفسك من غير ذنب.. أنا مش هاستحمل حد يقول عنك حاجة.

حاولت ندى أن تتحرر من قبضته، كانت تدفعه بكل قوة، ولكنه كان محكماً قبضته عليها و..
-ندى: ممم... ممممممم
-يوسف: انا هاسيبك، وهافتح الباب، وانتي الله يكرمك، لو خايفة ع أهلك وعلى نفسك ماتكلميش.

ترك يوسف ندى، وابتعد عنها، بينما دلفت هي إلى المرحاض وأغلقت الباب خلفها...

توجه يوسف إلى باب الغرفة ليفتحه.. وجد والدته تقف وعلى وجهها علامات الضيق و..
-عبير بضيق: هاتخليني أدخل، ولا هتطردني من هنا
-يوسف بتوتر: آآ.. ليه يا.. يا ماما بتقولي كده.. اتـ... اتفضلي
-عبير: أنا مش هاعطلك كتير، أنا جاية اطمن عليك وأسلم على عروستك قبل ما تسافروا
-يوسف بلهفة: الله يسلمك يا ماما.

بحثت عبير بعينيها عن ندى في داخل الجناح، ولكنها لم تجدها و..
-عبير: اومال فين عروستك؟ لسه نايمة؟
-يوسف: هــه...
-عبير: تلاقيها مش عاوزة تطلع تسلم عليا
-يوسف: لأ يا ماما مش كده.

دلفت ندى إلى الخارج بعد أن وضعت طبقات من مساحيق التجميل على وجهها لكي ترحب بالسيدة عبير و...
-ندى بنبرة حزينة: أهلا يا طنط.

نظرت عبير إلى ندى، هي تشعر أن هناك خطب ما بها، ليست هذه ملامح عروس سعيدة بزواجها وخاصة في صباحيتها...
تشعر أن وجهها منطفيء، هناك حزن ما بعينيها، بصوتها، بحركاتها..
-يوسف: أهي ندى صحيت
-عبير: آآآ... أنا مش هاضيع وقتكم، خلوا بالكم من بعض، ومش هوصيكي يا ندى على يوسف، تحطيه في عينيكي.

-ندى وهي تنظر له بنظرات باردة: أهــا
-عبير: طيب يا جوو.. هامشي أنا واسيبكم مع بعض
-يوسف: ماشي يا ماما، سلمي ع بابا أوي
-عبير: حاضر يا حبيبي، وأما توصل ابقى طمني
-يوسف: حاضر.

أوصل يوسف والدته إلى خارج الغرفة، ثم أغلق الباب، والتفت ليجد ندى تجمع أشيائها بسرعة، فتوجه ناحيتها و..
-يوسف: انتي بتعملي ايه؟
-ندى: انا ماشية من هنا
-يوسف: طب استني، احنا هنمشي مع بعض
-ندى بحدة: لألألأ..

-يوسف: يا ندى اعقلي، ماينفعش اللي بتعمليه ده
-ندى: انت اللي ما ينفعش تفضل معايا، أنا بكرهك، ليه مش عاوز تفهم ده، انت ولا حاجة بالنسبالي، حياتي معاك انتهت.. ولو مطلقتنيش بالذوق، أنا هارفع قضية خلع عليك...!
-يوسف بنظرات حــادة: نــــدى..! قولتلك هاطلقك مافيش داعي للفضايح.. نوصل دبي وبعد كده هنطلق!.

ما لم يدركه يوسف أن عبير كانت تقف خلف باب الغرفة ولم تمشي.. لقد استمعت تقريباً إلى كل ما قاله الاثنين.. اعتلت الصدمة وجهها.. لم تتوقع هذا أبداً...
كانت تشك أن هناك خطب ما بين الاثنين.. طرقت الباب مرة أخرى عليهما..
طق... طق... طق
-عبير بنبرة عالية: افتح الباب يا يوسف.. افتح.

صدم يوسف حينما أدرك أن والدته كانت لاتزال متواجدة خارج الغرفة، لم يعرف ماذا يفعل، كيف سيتصرف.. لقد بات الآن أمام معضلة حقيقية.. فوالدته على وشك أن تعرف كل شيء
-عبير باصرار: أنا سمعت كل حاجة يا يوسف، افتــــــح الباب بقولك.

اضطر يوسف أن يفتح الباب لوالدته مرة أخرى.. دلفت هي للداخل مسرعة و..
-عبير: ايه اللي حصل؟ انطقوا؟
-يوسف: محصلش حاجة يا ماما.

توجهت عبير إلى ندى وأمسكتها من ذراعها بحدة و...
-عبير بحدة: انطقي عملتي في ابني ايه؟
-ندى وهي تنفض يدها: معملتش فيه حاجة
-عبير بغيظ: أنا كنت شاكة من الأول انك مش مظبوطة و ماشية على حل شعرك
-ندى: اييييه؟
-يوسف: ماما!
-عبير وهي ترمقها بنظرات مشمئزة: بلا ماما، بلا بابا.. الحكاية باينة زي الشمس
-ندى وهي تشير بإصبعها في وجهها محذرة: أنا مسمحلكيش.

طاااااااااااااخ
-عبير وهي تصفعها: اخرررررسي.. وكمان ليكي عين تتكلمي يا سافلة.

صفعت عبير ندى بكل قوة على وجهها، مما أصابها بالصدمة والدهشة، وقف يوسف مشدوهاً بما حدث، وضعت ندى يدها على وجنتها متآلمة من الصفعة.

أزاح يوسف ندى خلفه ووقف في مواجهة والدته يعاتبها على ما فعلت للتو و..
-يوسف: ماما ازاي تعملي كده
-عبير: هي تستاهل الحرق بنت الـ...آآآ...
-يوسف بنبرة قوية: مامــــــــــا... دي مراتي
-عبير: طلقها
-يوسف بحدة: لألأ.

لم تقف ندى طويلاً، أو حتى تستمع إلى حوارهما، حيث قامت بجر حقيبة سفرها، ودلفت إلى خارج الغرفة..
ترك يوسف والدته واقفة في مكانها، ولم يكمل حديثه معها، وإنما سحب هو الأخر حقيبته وأسرع خلف ندى ليلحق بها...

وقفت عبير مشدوهة مما يفعله ابنها، كيف يبقي تلك الفتاة على ذمته بعد ما تأكدت من أن شكوكها صارت حقيقة...

وصلت ندى إلى المصعد وهي تجر أذيال الحزن والانكسار والذل والخيبة ورائها، وقفت تنتظر وصول المصعد والدموع لا تفارقها.. لحق بها يوسف ووقف خلفها و..
-يوسف: أنا اسف يا ندى على اللي ماما عملته
-ندى بنبرة حزينة: يا ريت تسمع كلام والدتك وتطلقني
-يوسف: لأ مش هايحصل.

وصل المصعد وفتحت أبوابه، فدلفت ندى لداخله، بينما وقف هو في مكانه...
-يوسف: ندى أنا عارف ان انتي مالكيش ذنب، بس صدقيني كل حاجة هاتتصلح وهتبقى أحسن
-ندى وهي تنظر له بنظرات نادمة: انت بتحلم، في غلطات ماينفعش تتصلح يا.. يا استاذ يوسف...!
-يوسف فاغراً فاه: هـــاه
-ندى بلهجة آمــرة: طلقني أو هاخلعك...!.

ضغطت ندى على زر اغلاق باب المصعد، ليتحرك بها نحو بهو الفندق..
تسمر يوسف في مكانه، لا يدري ماذا يفعل، فالمهمة صعبة الآن مع زوجته، هي مصرة على الطلاق، ووالدته ظنت السوء بها.. بل إنها تؤكد لنفسها أنها ارتكبت خطيئة ما.. فكيف سيحل تلك المعضلة الخطيرة؟.

استقلت ندى سيارة الآجرة، وطلبت من السائق أن يقلها إلى المطار فوراً.. هي لم تعد راغبة في البقاء في نفس المكان معه.. لقد هــان عليها، وهانت هي عليه.. لم يعد له مكاناً في حياتها.. لقد ذبحت بيده، وأكملت والدته بقية الذبح بنفس السكين.. فكيف ستضمد جراح قلبها وروحها الممزقة...

في منزل مروان بالتجمع الخامس
وصل مروان بسيارته إلى البناية التي يطقن بها، صف السيارة في الجراح الملحق بها، ثم ترجل من السيارة، وفتح الباب لفاطيما لكي تنزل هي الأخرى منها.. أمسك بها من يدها، وجدها ترتعش بشدة، وضع يده على كتفها، وانطلق بها ناحية المصعد..
-مروان: نيرة اختك فوق مستنياكي
-فاطيما وهي توميء برأسها: أها.

وصل مروان إلى باب منزله، ثم فتح الباب وأشار لفاطيما بالدخول.. كانت نيرة تقف في الصالة حينما رأت اختها الصغيرة بصحبة زوجها تدلف للمنزل.

ركضت فاطيما ناحية اختها لتحتضنها، فتحت نيرة لها ذراعيها لتضمها..
-فاطيما بأعين تترقرق بها الدموع: نـ... ناروووو
-نيرة: توتاااااا.

ضمت نيرة اختها بكلتا ذراعيها، وفجــأة اختل توازن فاطيما وارتخى جسدها بين أحضان اختها، حاولت نيرة الامساك بها وصرخت في مروان بـ...
-نيرة بخوف: مـ... مروان.. إلحق تو... توتا قاطعة النفس...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة