قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية خطأ لا يمكن إصلاحه الجزء الأول للكاتبة منال سالم الفصل الحادي والأربعون

رواية خطأ لا يمكن إصلاحه الجزء 1 بقلم منال سالم

رواية خطأ لا يمكن إصلاحه ( رفقا بالقوارير ) الجزء الأول للكاتبة منال سالم الفصل الحادي والأربعون

كانت ندى ونيرة يراقبان فاطيما وهي تلعب.. في البداية كانت نيرة رافضة لأن تلعب أي شيء، ولكن حينما أدارت رأسها لمحت مروان وهو يتحدث مع مايا وتضع هي يديها على ذراعه، ثم اذ بها تبكي وهو يحاول أن يهون عليها، اشتعلت الغيرة في قلبها وقررت أن تثير حنقه وغيرته..
-نيرة بضيق: أنا.. انا هاروح ألعب شوية
-ندى باستغراب: الله مش انتي مكونتيش عاوزة تلعبي، وقولتي هتقفي معايا
-نيرة: لأ أنا زهقت من الواقفة وهاروح ألعب شوية في الألعاب دول
-ندى: طيب.. بس بلاش تهور
-نيرة: أها.. ان شاء الله.

ارتسمت ملامح الضيق على وجه نيرة، ولكنها حاولت أن تبدو غير مبالية، لذا قررت أن تتحرك من أمام مروان لتلفت نظره لها..
مرت نيرة من أمام مروان، ثم وضعت يديها في شعرها لتنفضه إلى الخلف بطريقة مثيرة جعلت مروان يسلط أنظاره عليها.. ظل متابعاً بعينيه نيرة وهي تتجه إلى أحد نوافذ حجز التذاكر لتقطع التذاكر الخاصة بلعبة ( المنخل ).

لعبة المنخل هي عبارة عن دائرة كبيرة واسعة وفارغة من المعدن، مثبت بها مقاعد دائرية على أطرافها، يجلس الأشخاص على تلك المقاعد المعدنية ثم يتمسكون بالمقعد من خلال المقابض الحديدية المثبتة في الخلف، ومن ثم يبدأ هذا المنخل في التحرك بحركات دائرية واهتزازية سريعة مما تجعل الجالسون يختل توازنهم ويسقطون فوق بعضهم البعض ويصطدمون ببعض في قوة وعنف – أي انه يتم ( نخلهم كما يحدث بالمنخل أو الغربال المنزلي عند تنقية الحبوب أو الدقيق )، لذا اطلق عليها ذلك الاسم...

لاحظت مايا أن مروان غير مهتم بحديثها وأنه ينظر بتركيز في اتجاه ما، فأدارت وجهها لتجده ينظر لنيرة و...
-مايا: انت مش مركز معايا مروان
-مروان غير مبالي لها: هــه.. لأ.. انا.. أنا مركز
-مايا وهي تدير رأسها: انت.. بتبص ع ايه كده؟ ممممم... ماشي
-مروان وهو يبتعد عنها: بقولك ايه يا مايا، انا هاروح اشوف حاجة كده ونبقى نتكلم بعدين، وانتي هدي نفسك واتبسطي في الرحلة.. سلام!.

أسرع مروان الخطى لكي يتمكن من اللحاق بنيرة...

كانت نيرة بالفعل قد حجزت لها مكاناً في تلك اللعبة وصعدت لتجلس مع الجالسين فوق، جن جنون مروان حينما رأها جالسة بأعلى اللعبة، اضطر مروان هو الأخر أن يقطع التذاكر الخاصة بتلك اللعبة، وحجز مقعداً له، ثم صعد على الفور للأعلى ليلحق بها...

جلس مروان بجوار نيرة وعلى وجهه علامات الحنق والغيظ ثم بدأ في توبيخها و...
-مروان بنبرة معادية: انتي اتجننتي؟ ازاي تطلعي ع اللعبة دي؟ انتي مش عارفة ايه اللي بيحصل فيها ايه؟
-نيرة غير مبالية: عادي يعني، لعبة زي أي لعبة
-مروان بحدة وهو ينهض من مكانه: لأ مش زي أي لعبة يا استاذة، ده الكل بيقع فيها على بعض وبتبقى مسخرة!
-نيرة وهي تشيح بوجهها الناحية الأخرى: مش مهم.

أثارت ردود نيرة حنق مروان أكثر، مما اضطره لجذبها من ذراعها لكي تنهض معه و..
-مروان: بت انتي ماتعصبنيش، قومي يالا انزلي معايا
-نيرة وهي تزيح يده بعيداً عنها بإصرار وتحدي: لأ مش هانزل، أنا عاوزة ألعب اللعبة دي بالذات
-مروان: متخلنيش أعمل حاجة تندمي عليها بعد كده.

وفجــأة سمع مروان صوت الصافرة الخاصة ببدء تشغيل اللعبة مما اضطره أن يجلس بجوار نيرة وهو ينظر لها بنظرات نارية قاتلة.. بينما كانت هي تبتسم له ابتسامة باردة...
تووووووت
-مروان بضيق: عاجبك كده
-نيرة: هــه، ولا يهمني
-مروان: طب امسكي ياختي كويس.

أدرات نيرة كلتا يديها للخلف لكي تتمسك بالمقبض الحديدي جيداً، وكذلك فعل مروان..
بدأ المنخل في الدوران رويداً رويداً إلى أن ازدادت سرعته وبدأت عملية الاهتزاز السريعة المصاحبة للدوران.. لم يستطع بعض الأفراد الصمود فسقطوا على الفور في المنتصف، في حين أفلت عدداً أخر يده وسقط فوق أناس أخرين..
كان مروان يخشى على نيرة من السقوط أو التصادم.. لذا حاول قدر الامكان أن يجعل جسده حائطاً لها ليحميها..
لم تتحمل نيرة السرعة الزائدة للمنخل فبدأت يدها بالانزلاق، فصاحت على الفور بــ...

-نيرة بخوف: مش قادرة..آآآه.. ايدي بتزفلط
-مروان: امسكي كويس
-نيرة: مش عارفة.. آآآه.

أفلت نيرة يدها، ولكن كان مروان منتبهاً له فأسرع بمد يده والامساك بها من ذراعها بقوة، ثم جذبها إليه..
-مروان: حاسبي يا نيرة
-نيرة: آآه، ماتسبنيش
كادت أن تفلت منه نيرة، ولكنه في خفة ومهارة عالية مد ذراعها حول خصرها، ورفعها إليه وأجلسها مكانه وطلب منها أن تتمسك به..
-مروان: امسكي فيا كويس
-نيرة: حـــ... حاضر.

ازدادت سرعة المنخل، وبدأ الجميع يتهاوون ويتساقطون على بعضهم البعض وسط ضحكات وصرخات البعض وسخرية الأخرين..
-أحد الأشخاص باستهزاء: زود السرعة يا عم
-فتاة ما بصوت حاد: عاااااا... كفاية
-شخص أخر ساخراً: أونطة.. أونطة
-فتاة ثانية بصريخ: عاوزة أنزززل.. عااااااا.

لم تكترث نيرة لمن حولها، وإنما حاولت أن تمنع نفسها من السقوط، فقامت بلف كلتا ذراعيها حول رقبة مروان الذي ضمها إلى صدره وأحكم ذراعه جيداً حولها، وبالذراع الأخر حاول تثبيت نفسه جيداً..
تمسكت نيرة بمروان جيداً، بل الأحرى أن نقول أنها التصقت به ثم أغلقت عينيها، وخبأت رأسها في صدره كي تحمي نفسها من السقطات الفجائية لمن حولها..
على الرغم من أن مروان كان متضايقاً في البداية من عِند نيرة واصرارها على الاشتراك بتلك اللعبة، إلا أنه كان يشعور بالنشوة العارمة لأنها بسبب تلك اللعبة كانت في أحضانه برضائها.. ارتسمت ابتسامة سعادة على وجهه وهو يتأملها، كان يشعر بأنفاسها المتلاحقة على صدره فتزيد من لهيب شوقه، أراد أن يظلا هكذا لفترة.. ولكن توقفت اللعبة عن الدوران.. وبدأ الجميع في النزول منها ما بين راضياً ومتزمراً..
ورغم توقف اللعبة تماماً عن الحركة إلا أن نيرة ظلت على وضعها هذا.. فبدأ مروان بمداعبتها بالكلام و...
-مروان: احم.. نيرة.. اللعبة وقفت
-نيرة وقد رفعت رأسها: هــه.

لقد كانت نيرة قريبة جداً من مروان.. بل إنها أقرب إليه من أي مرة سابقة، تأمل مروان كل ذرة في وجهها، كل ايماءة، حركة، رعشة، اهتزازة تصدر عنها.. أرادها له.. وسيفعل المستحيل ليظل دائماً إلى جوارها، وتظل هي في أحضانه..
-مروان مبتسماً وهو ينظر لها: أنا بقول نلعب دور كمان
-نيرة بارتكاب: آآآ... لـ.. آآ
-مروان: وربنا أنا حبيت اللعبة دي أوي..

أرخت نيرة ذراعيها عن رقبة مروان، ثم نهضت في خجل وهي تعبث بخصلات شعرها لتنزل من اللعبة، بينما نهض هو الأخر بعدها وهو يحاول أن...
-مروان: قومتي ليه بس، ده أنا كنت خلاص هاعمل اقامة دايمة هنا.

حاولت نيرة أن تخفي اضطرابها أمامه، وتبدو متماسكة، ولكن خانتها تعبيراتها وردود أفعالها...
-نيرة محاولة أن تبدو متماسكة: احم... أنا.. أنا عــ..عاوزة أجرب حاجة تانية
-مروان: هو في أحلى من كده
-نيرة: لو سمحت
-مروان: أقولك ع حاجة، أنا هاروح ألعب معاكي كل حاجة
-نيرة: يوووه، هو أنا مش هاخلص منك ولا من زنك ده
-مروان: لأ هاتخلصي مني
-نيرة بفرحة: امتى؟
-مروان: أما يتقفل علينا باب واحد
-نيرة: يوووه.

كانت ندى تراقب فاطيما المستمتعة بألعاب الأطفال.. أرادت فاطيما أن تذهب إلى لعبة ( بيت الكرات البلاستيكية ) فاصطحبتها ندى إلى هناك..
حجزت لها مكاناً ثم وقفت تنتظرها في الخارج، لمحها وهي تقف بمفردها ثلاثة شباب هيئتهم غير مريحة بالمرة.. وقرروا أن يتحرشوا بها..
-الشاب الأول وهو يشير برأسه: وله.. شايف الطلقة اللي واقفة ع شمالك دي.

-الشاب الثاني: اوووبا، حاجة مستوردة دي
-الشاب الثالث: عاوزة تتفرتك
-الشاب الأول غامزا: طب ما تياله نجرب معاها
-الشاب الثاني: اشطا.

-الشاب الأول من خلف ندى: الجميل واقف لوحده ليه؟
-الشاب الثاني: الظاهر ان البأف اللي مدياه معاد طنش ومجاش
-ندى وقد تملكها الرعب: مــ.. من فضلكم ابعدوا
-الشاب الثالث: نبعد ايه بس، ده احنا عاوزين نقرب حبة حبة ونزيد بينا المحبة.

-ندى: لو... لو مبعتدوش أنا.. أنا هاصوت
-الشاب الأول: يااااامه، خوفت.. لأ شرس ياض
-الشاب الثاني: تعالي معانا واحنا هنشوف مزاجك وآآآ...

لم يكمل الشاب الثاني جملته حيث وجد لكمة قوية موجهة إلى فكه من يوسف فجعلته يسقط على الفور
-يوسف بكل غضب ونظرات قاتلة: ابعد يا كلب منك ليه عن مراتي!
-الشاب الأول: مــ... مراتك!
-يوسف وقد هجم ع الشاب الأول ليفتك به: أنا هشرحكم النهاردة
-الشاب الثالث: لا مؤاخذة يا كابتن، مكوناش نعرف.

ساعد الشاب الثالث زميله الشاب الثاني في النهوض وابتعدوا عن يوسف.. فالتفت يوسف لندى المرتعدة، وسحبها من ذراعها خلفه و...
-يوسف بلهجة آمرة: تعالي معايا
-ندى مستسلمة له: بس.. بس فاطيما
-يوسف بصوت آجش: هنرجعلها بسرعة
-ندى: اوك.

اصطحب يوسف ندى إلى الحافلة وطلب منها أن تصعد معه إليها ليعطيها شيئاً ما..
أخرج يوسف الحقيبة البلاستيكية الذي كان يضع فيه الوشاح وسلمه لها.. تعجبت ندى من تلك الحقيبة، ورفضت أن تأخذه ولكنه أصر على أن تأخذه وتفتحه لترى ما فيه..
-يوسف باصرار: افتحيه يالا
-ندى: بس آآ...
-يوسف: من غير بسبسة، يالا بسرعة
-ندى: حــ.. حاضر.

فتحت ندى الحقيبة البلاستكية لتتفاجيء بالوشاح ذي اللون الأحمر القاني والنقوش البيضاء التي تزينه.. لقد آسر نظرها ذاك الوشاح..
-ندى بدهشة: ايه ده؟
-يوسف: ده عشانك.

أخرجت ندى الوشاح من الحقيبة البلاستيكية وتحسسته بأناملها.. لقد كان ملمسه ناعماً جداً ويبدو عليه أنه غالي الثمن..
تأمل يوسف ندى بتمعن وهي تتفحص ذلك الوشاح، شعر بالارتياح لأنه كان بادياً عليها من نظرات عينيها أنه لاق اعجابها.. فاطمئن قلبه
-يوسف في نفسه: الحمدلله انه عجبها.. ياااه، انا كنت خايف يطلع ذوقي وحش ومايعجبهاش.

ترددت ندى في قبول تلك الهدية، ولكنها حسمت قرارها سريعاً حيث أعادته ندى مرة أخرى لداخل الحقيبة البلاستيكية ثم مدت يدها بها إلى يوسف و...
-ندى: أنا أسفة مش هاقدر أخد ده منك
-يوسف بصدمة: نعم
-ندى: أنا ماينفعش أقبل حاجة منك
-يوسف بصوت هاديء مليء بالثقة والتحدي: لأ ينفع، لأنك هاتبقي مراتي، وأنا بهادي مراتي مش حد غريب.

جذب يوسف الحقيبة البلاستيكية من يد ندى بقوة، ثم فتحها وأخرج الوشاح منها وفرده أمامه ورفع يديه عالياً في الهواء، ثم أدار ذراعيه حول ندى لكي يلفها به..
تسمرت ندى في مكانها مما فعله يوسف، لم تكن تتوقع منه أن يفعل هذا.. اتنفض جسدها مع كل اقترابة أو حركة من يوسف، حتى شعرها تمرد وتبعثر حول وجهها.

غطى يوسف كتفي ندى بالوشاح، ثم بهدوء وتمهل غطى به صدرها وذراعيها، وأحكم غلقه عليها بيديه، وكأنه يخبيها من أعين الناس جميعاً.. وهمس لها بصوت يحمل من الشوق ما جعلها تضطر...
-يوسف هامساً: التي شيرت ده ماينفعش حد يشوفه ع مراتي، ده ليا أنا وبسسس.. مهما حاولتي تبعدي عني، أو تعملي فيها مش همك، برضوه مش هاسيبك، ولا هتهربي مني.. انتي ليا وبس...

مال يوسف قليلاً على ندى واقترب من أذنيها و...
-يوسف بصوت خافت: أنــــا.. بـــحبك!.

كانت كلمات يوسف تنزل على مسامع ندى كالسحر الذي هز قلبها وأوقظه، لامست كلماته أوتار قلبها وعقلها.. بل إن كل خلية في جسدها تستمتع الآن بذلك السحر العجيب.. لقد طمأن يوسف نفسها المضطربة.. هي تشعر الآن أنها في ايد أمينة، لا خوف يعتريها...

أمسك يوسف بخصلات شعر ندى الثائرة حول وجهها، وأزاحها خلف اذنها لتغريه وجنتها المكتسية بحمرة الخجل، فيميل أكثر عليها ويطبع قبلة صغيرة على وجنتها و..
-يوسف: مش هاتخلى عنك مهما حصل.

اقشعر جسد ندى على أثر تلك القبلة الساحرة، تجمدت أوصالها، حتى أنها عجزت عن أن تنطق بكلمة لتنهره فيها على ما فعل، أو حتى أن تحرك يدها لتصفعه.. هي كانت مصدومة، مشدوهة، مأخوذة بما فعل...

لاحظ يوسف الاضطراب الذي اعتلى ندى، فأراد ألا يزيد من حدة التوتر و..
-يوسف: كده كويس.. تقدري تنزلي الوقتي وترجعي لفاطيما.

نزل يوسف من الحافلة أولاً ثم تبعته ندى واتجها عائدين للملاهي مرة أخرى...

توجهت نيرة إلى لعبة ( التصادم بالسيارات )، وكان مروان خلفها.. حمد الله في نفسه أنها لم تختار لعبة أخرى متهورة، فقد كانت ذراعه تؤلمه من الضغط عليها في اللعبة السابقة و..
-نيرة لمسئول اللعبة وهي تشير بيدها: عاوزة ألعب لو سمحت دي
-مسئول اللعبة: ماشي.. هاتي الـ تيكت يا آنسة
-نيرة وهي تعطيه التذكرة: اتفضل
-مسئول اللعبة وهو يشير بيده: عدي يا آنسة، اركبي العربية اللي هناك دي
-نيرة: اوك.

دلفت نيرة إلى مضمار السيارات لتستقل أخر سيارة متاحة للعب، وحينما حان دور مروان للحاق بها اعتذر له مسئول اللعبة لعدم وجود سيارات شاغرة، مما أثار غضب مروان و...
-مروان بنرفزة: نعم؟ يعني ايه مافيش عربية فاضية؟
-مسئول اللعبة: خلاص العدد كده كمل، وانا هاشغل اللعبة
-مروان: لأ معلش أنا مش هاسيب خطيبتي تركب لوحدها وأنا أقف هنا أتفرج
-مسئول اللعبة ساخراً: خلاص اركب جمبها، هاقولك ايه يعني
-مروان معجباً بالاقتراح: تصدق انت بتكلم صح.. أنا هاروح أركب جمب خطيبتي، استنى وماتشغلش اللعبة.

انطلق مروان مسرعاً في اتجاه سيارة نيرة، كانت نيرة غير منتبهة إليه، تفاجئت به يقفز بداخل السيارة معها ويجلس إلى جوارها..
-نيرة بصدمة: انت جاي هنا ليه؟
-مروان: عشان أركب جمبك يا قمر
-نيرة: قوم من جمبي.

التصق مروان بنيرة أكثر، مما أزعجها، هو لا يفوت أي فرصة تتاح له لكي يزعجها
-مروان: لأ..
-نيرة: قوم أنا عاوزة ألعب لوحدي
-مروان: بس انا عاوز ألعب معاكي
-نيرة: اتاخر شوية، أنا مش عارف أقعد منك
-مروان: اموت أنا في جو الاتوبيسات ده
-نيرة وقد وقفت في مكانها: أووووف انا مش هاعرف اسوق منك كده
-مروان: مش مهم انتي تسوقي، أنا اللي هاسوق بيكي.

سُمع صوت صفير تشغيل اللعبة يدوي في المكان
تووووووت...
فاستغل مروان أن نيرة واقفة والتهائها بالصوت، وتحرك سريعاً مكانها لتتعثر هي في قدمه وتسقط على ركبتيه فيمسك هو بها ويجعلها تجلس فوق حجره، وينطلق بالسيارة و..
-نيرة: آآآآه
-مروان مبتسماً: مسكت
-نيرة وهي تحاول النهوض: اعوذو بالله
-مروان محاوطاً اياها: ايوه استعيذي بالله، لأحسن الشيطان ابن الكلب عمال يزن من الصبح في وداني وأنا حايش أمه بالعافية!.

كانت أطول ثلاث دقائق على نيرة وهي في حضن مروان للمرة الثانية على التوالي.. كانت بالنسبة له أسرع اللحظات، ولكن لها أطولها.. هو فعلياً لم يقد السيارة، وإنما اكتفى بالاحاطة بنيرة بكلا ذراعيه موهماً إياها أنه يمسك بمقود السيارة.

ويا حبذا لو صدمتهم احدى تلك السيارات الطائشة التي لا يعرف ركابها كيفية قيادتها، فترتد نيرة للخلف وتصطدم بصدره ويعبث شعرها بوجهه..
-مروان مازحاً: أنا بعد كده هاقصلك شعرك ده لأحسن مجنني
-نيرة وهي تنظر له محذرة: اياك تيجي جمبه
-مروان بغمزة: قمـــر!
-نيرة باحراج: اوووف...

توقفت السيارات عن الحركة فنهضت نيرة على الفور لتبتعد عن مروان الذي كان في كل مرة تكن هي فيها في أحضانه يزداد شوقاً ولهيباً إليها...

عاد يوسف وندى إلى فاطيما التي كانت مستمتعة كثيراً بالملاهي، ثم طلبت منهما أن يشاركها لعبة ( الفنجان ).. خشيت ندى أن تركبها حتى لا تصاب بالدوار، في حين اصر يوسف على أن تركب معهما
وبعد إلحاح ركب ثلاثتهم وبدأت اللعبة في الدوران..

في البداية كانت ندى خائفة، ولكن لعفوية فاطيما ولعبها الطفولي الجميل معها أزال ذلك الشعور عندها.. بل إنها اندمجت سريعاً مع اختها وشاركتها اللعب
كانت ضحكات ندى الممزوجة بالخوف عالية مما أثارت مشاعر الشوق واللهفة لدى يوسف..

كان يوسف يتأملها بتمعن شديد، هو يريد الاستمتاع بالنظر إلى كل تفصيلة بها وكل حركة تصدر عنها، كان يراقبها وهي تعدل بيدها الوشاح لتمنعه من الطيران، وكان يراقب شعرها المتطاير في الهواء فيثير جنونه أكثر.. ويراقب حركة يدها وهي تضم اختها الصغرى إلى صدرها وتقبلها بحنية شديدة.. كان يراقبها وهي تضغط على شفاهها حينما يدور (الفنجان) أكثر وأكثر، كم يتمنى أن يلمس تلك الشفاه الجميلة الممتلئة ويشعر بها وبحرارتها.. ظل يوسف يطلق تنهيدات لو كانت تنطق لعبرت عن أشواقه الحارة لها...

ضحكت ندى حتى ذرفت الدموع..
-يوسف: مبسوطين
-فاطيما بسعادة: اه، أوي.. أوي
-يوسف: وانتي يا ندى؟
-ندى مبتسمة: جداااا.. أنا ماتبسطش في حياتي أد النهاردة
-يوسف بنظرات رومانسية: يا رب دايماً تكوني مبسوطة على طول وانتي معايا..
-ندى بخجل: احم...

نزل الجميع من اللعبة، ثم احتضنت فاطيما يوسف بعفوية و
-فاطيما بعفوية: أنا بحبك أوي يا يوسف
-ندى: طمطم.. عيب كده
-يوسف ناظراً لندى: سيبيها، هي بتقول اللي في قلبها.. عقبال ناس تانية
-فاطيما: يالا نروح نجرب حاجة تانية
-ندى: لألألأ... كفاية عشان تعبت
-فاطيما: طب هاتيلي آيس كريم
-ندى: حاضر.

-يوسف: استنو أنا هاجيبلكم، بتحبيه بطعم ايه يا طمطم
-فاطيما وهي تضع اصبعها على طرف رأسها: مممم... آآآ... فراولة ومانجة وشيكولاته وفانيليا
-يوسف: وايه كمان؟
-فاطيما: ممم... بس كده
-يوسف: حاضر.. وانتي يا ندى؟
-ندى: لأ شكراً مش عاوزة
-يوسف مبتسماً بثقة: خلاص هاجيبلك حاجة ع ذوقي أنا...

توجهت نيرة إلى لعبة ( السجادة ) لكي تركبها، وكالعادة كان مروان ملازماً لها.. حجزت نيرة مكاناً لها على اللعبة ثم صعدت إليها... لحق مروان بها وهو يمني نفسه بأن يكون أقرب مرة أخرى إليها، ثم حجز هو الأخر في اللعبة وجلس بجوارها و..
-مروان: هو ليه كل الالعاب اللي بتختاريها عنيفة
-نيرة ساخرة: عنيفة! هما دول حاجة اصلا
-مروان: يا سلام..
-نيرة: دي السجادة يعني مش حاجة!
-مروان وهو ناظراً لها بتحدي: وماله، أهو نجرب فيها حظنا يمكن.. آآآ...

لعبة ( السجادة ) هي لعبة تشبه البساط السحري بها مقاعد حديدية متقابلة، يجلس الشخص عليها ثم يوضع حاجزاً حديدياً عليه ليمنعه من الانزلاق أثناء صعود اللعبة للأعلى والأسفل ولليسار واليمين، ومثبت في الأمام مقبض حديدي ليمسك به الجميع...

بدأت اللعبة في التحرك والاهتزاز، وتعالت معها صرخات الفتيات الموجودات بها.. كانت نيرة تضغط بكل قوة على المقبض الموجود أمامها بكلتا يديها، وتصرخ عالياً..
وضع مروان يده على كف يد نيرة وكأنها يريد أن يبث الطمأنية في نفسها..
وكلما مالت اللعبة لليسار أو اليمين مالت نيرة ناحية مروان واصطدمت بكتفه..
-مروان مازحاً: آآآي كتفي ورم
-نيرة: سوري! مقصدش
-مروان مبتسماً: و لا تقصدي.. أنا معنديش مانع!.

توقفت اللعبة وكانت نيرة تشعر أن معدتها متقلبة.. الاهتزاز الجامد سبب لها اضطراباً في المعدة، هي كانت قاب قوسين أو أدني من افراغ ما في معدتها، ولكنها حاولت أن تتحامل على نفسها..
نزلت نيرة من اللعبة وهي تضع يدها على فمها.. لاحظ مروان امتعاق وجه نيرة، حاول أن يعرف منها سبب تكشيرتها و..
-مروان: مالك؟ فيكي ايه
-نيرة على مضض: مافيش
-مروان: بس وشك اتقلب فجأة كده
-نيرة: قولتلك مافيش.

وفجأة ظهرت مايا من حيث لا يدري مروان، ووقفت أمامهم وهي تضع أحدى يديها في وسط خصرها وباليد الأخرى تلوح في وجه نيرة و...
-مايا: قولتلي بقى انك مش فاضي وعاوز تشوف حاجة، وانت أصلاً لازق للبت دي
-مروان: في ايه يا مايا؟ أنا حر اعمل اللي عاوزه، وبعدين احنا في رحلة
-مايا بتهكم: أه رحلة...مممم.. المفروض اننا طالعينها سوا عشان نكون مع بعض، لكن اللي أنا شايفاه غير كده، يوسف لازق للبت الشمال، وانت لازق لأختها وآآآآ...

لم تكمل مايا كلامها لأن نيرة أفرغت ما في معدتها في وجه مايا التي اشمئزت على الفور وصرخت مما حدث.. بينما وقف مروان مذهولاً مما حدث...
-نيرة وهي تفرغ معدتها: إعععع
-مايا بصريخ: لألألألأ... يععع، ايه القرف ده
-نيرة: آآآآه..
-مروان: اووووبا!

-مايا بعصبية: انتي.. انتي اتجننتي
-نيرة: الصراحة كنت ماسكة نفسي بالعافية، بس أما شوفت خلقتلك العكرة دي قولت مابدهاش..
-مايا بقرف: يععع.. أنا..أنا مش طايقة نفسي
-نيرة: ولا حد هيطيقك بعد كده.. آآآه.. الحمدلله أنا كده ارتحت.

ثم تركتها نيرة وابتعدت.. نظر مروان لمايا مشمئزاً وهو يضع يده على فمه وأنفه و..
-مروان: الريحة صعب أوي، حاولي تتصرفي لأن كده محدش هيطيقك في الباص!
-مايا: انت كمان؟
-مروان: اوووف، أنا ماشي لأحسن هرجع أنا كمان.

أسرع مروان خلف نيرة التي ذهبت للمرحاض لتغسل وجهها وفمها...

انتظرها مروان في الخارج، أسند ضهره للحائط، وكذلك ثني احدى ركبتيه وأسندها على الحائط، وما أن خرجت نيرة، حتى تفاجئت بوجوده و..
-نيرة بدهشة: انت برضوه ورايا ورايا
-مروان وقد اعتدل في وقفته: عاملة ايه الوقتي؟
-نيرة: الحمدلله
-مروان: مقولتليش ليه انك تعبانة؟
-نيرة: عادي يعني
-مروان: تحبي نروح لدكتور ولاحاجة
-نيرة: الموضوع مش مستاهل.

-مروان: بس تصدقي انتي جبارة، مكونتش أتخيل انك ممكن تعملي كده في مايا
-نيرة: تستاهل اللي حصلها، نصيبها إني أرجع عليها
-مروان: طب تعالي نروح الباص بقى ترتاحي
-نيرة: لأ طبعاً، أنا لسه ملعبتش
-مروان: كل ده وما لعبتيش؟ مممم... تلاقيكي مبسوطة اني جمبك
-نيرة: مغرور
-مروان: وانتي حبيبتي.

أسرعت نيرة من أمام مروان وهي مبتسمة من كلامه.. بينما انطلق هو ورائها واضعاً كلتا يديه في جيبه...

كانت اللعبة التالية التي اختارت نيرة أن تلعبها هي لعبة ( الاعصار )، توجس مروان خيفة منها، فهذه اللعبة عادة تسبب حالات الاغماء لذوي القلوب الضعيفة أو من يعانون من الضغط...

لعبة (الاعصار) هي لعبة تدور حول نفسها بالاضافة لدورانها حول مركزها.. يجلس فيها الشخص على أحد المقاعد ثم يتم تثبيته بحاجز حديدي قوي، وتتدلى قدميه من الأسفل، ترتفع اللعبة أعلى الأرض بمسافة كبيرة، وأثناء دورانها تنقلب رأساً على عقب لتجعل من يركبها يرى ما يوجد أسفله بالمقلوب وتقف.. ثم فجأة تدور وينزلق من بها ويعاني من تغيير الضغط...

صممت نيرة أن تركب تلك اللعبة رغم اعتراض مروان عليها، ولكنها رفضت أن تنصاع لطلبه و...
-نيرة بتصميم: أنا هاركبها يعني هاركبها
-مروان: يا بنتي أنا خايف عليكي، دي شكلها صعب أوي
-نيرة: مش مهم، أنا هجربها
-مروان: يا نيرة اعقلي!
-نيرة: لأ
-مروان: استني هنا.

دلفت نيرة سريعة إلى داخل اللعبة وحجزت لها مقعد، وما كان من مروان إلا أن يرضخ لها ويجلس بجوارها..
-مروان: دي أخر لعبة هتركبيها، انتي فاهمة!
-نيرة: ان شاء الله.

بدأت اللعبة في الدوران، والجميع يصرخ ويصيح من قوتها.. حتى مروان نفسه كان يشعر بأن تلك اللعبة ليست بالهينة.. كانت نيرة تصرخ بجواره عالياً، أمسكت بالحاجز الحديدي بكلتا يديها، كانت تخشى أن تنزلق خاصة حينما انقلبت اللعب رأساً على عقب.. شعرت أن الدماء تتدفق بقوة إلى رأسها
-نيرة: عاااااااااااااااااا
-مروان بحدة: قوتلك... من... الأول بلاش منها، وانتي.. مش.. بتسمعي... الكلام.

وفجـــأة استكانت نيرة ولم يعد يسمع لها مروان أي صوت...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة