قصص و روايات - قصص مخيفة :

رواية خادمتي اللذيذة للكاتبة ميمونة كاليسي الفصل السابع عشر

رواية خادمتي اللذيذة للكاتبة ميمونة كاليسي الفصل السابع عشر

رواية خادمتي اللذيذة للكاتبة ميمونة كاليسي الفصل السابع عشر

خرجت مصدومة، أخدها الدوار، و تجمد أحاسيسها، و أفكارها، و قضت بضعة أيام و هي على هذه الحالة..
حالتها تبكي الحجر، لا تكاد تاكل لقمة، أو تشرب الدماء، و بدا عليها الشحوب و الهزال
رق لها قلب هاني، و كانت تعلفها و تطيب خاطرها..
و هي أحد الخادمات، لديها إبن يتيم الأب تصرف عليه..
لم تكن هاني مقتنعة بتصرفات الجميع، فقط كانت تسايرهم، صونا لعملها، و خوفا من الطرد
ربت على كتف ماريا و مسحت رأسها بكفها اليمنى.

- طولي بالك يا أختي، كل يأخد قيمته، و يعمل بأصله، و ما من ظالم إلا سيبلى بأظلم..
كانت صامتة، و كان صمتها مرعبا، لقد صدمت المسكينة، و لا تكاد تعي مما يحدث شيئا!
خرجت هاني من غرفة ماريا المظلمة و هي تلعن و تشتم، حتى قابلتها ميرنا و هي في طريقهما الى المطبق
- لستم إنسان، ثعابين تحت التبن!
- احذرك يا هاني، لو سمعتك إيسبيلا و انت بجانب تلك الحثالة ستطردك شر طردة.

- و هل سأكون مذنبة إن كشفت حقيقتكم الشنيعة، أنتم كتلة سرطانية من الحقد و الكراهية و الجشع، ستنالون عقابكم يوما..
- لا تغلظي في حقي، أنا لا ذنب لي فيما حدث، تلك الفتاة غبية، لو عرفت مكانها مثلنا لما إنتهى بها الحال الى هذه الطريقة، حاولت أن تنظم في عالم أكبر منها..
و كأن جدالهما و جلستهما تلك كان ينقصها إيسبيلا.

إنبثقت أمامهما فجأة، لا تزال تحتفظ بقسوتها و سلاطة لسانها، تقدمت إليهم، و قد وضعت يديها فوق خاصرتها
- ماذا يحدث! لماذا تثرثرون!
- نتأسف يا سيدتي، نحن بحاجة الى خادمة ثالثة في البيت
- هذا صحيح! و لكني لا أستطيع بإتيان أخرى، أين ماريا، لماذا لم تبدأ عملها!
هاني
- آسفة يا سيدتي، إنها متعبة! سوف آخد مكانها!
- الى متى ستقوم عنها الأعمال..! الم تأخد إجازة بما يكفي، إن لم تنزل سوف أطردها!

- أرجوك يا سيدتي، ليس لديها مكان آخر تذهب إليها!
- هل أبدوا لك و كأنني أهتم!
خلال ثوان، أولجت إيسبيلا في غرفة ماريا و صياحها يتناوش في كل مكان، و يتصدر صداه في الأرجاء
و كانت ماريا متكورة في إحدى الزوايا المظلمة من غرفتها، ببطء إنحنت رأسها لتدفن بين فخديها
- ماذا تنتظرين يا هاني، أنا سيدة هذا البيت و عليك إطاعتي!
- و لكن يا سيدتي، أين ستذهب! ليس هناك غرفة أخرى!

- هناك حظيرة في حديقة القصر، تنام بها الأبقار، سأعطف عليها و أجعلها تنام هناك حتى تجد مكانا!
- لم افهم
- لا أريد ثرثرة، عليك إطاعة أوامري فقط! ألم تسمعني خدي أشيائها و أخرجيها حالا!
دنشت ميرنا لتنقد الموقف، ليس لانها تعطف على ماريا، انها فقط لا تريد تهتم جميع الاعمال وحدها فقط اذا طردت هاني ايضا بسبب ماريا
- هيا ماريا، من الأفضل لك و لنا أن تنفدي أوامر السيدة و لا تغضبها..

و لكن لا حياة لمن متنادي، فقد كانت شبحا بلا روح، متجمدة مثل التمثال، فأثار هذه البرودة غيظ ايسبيلا و حنقها
تقدمت لها و سحبت من شعرها بقسوة تجر وراءها..
- سأريك أيتها الحقيرة، معنى أن تتمرد علي!
دفعتها بقوة و هي كالميتة في فناء القصر، و طلبت عصى و ماءا، و نادت بحراس القصر!
استغاثات و توسلات هاني يتناوش في كل المكان
- ارجوك سامحيها يا سيدتي.

- اخرسي، انا سيدة هذا المنزل، و اذا لم تطيعيني سأطردك أنت أيضا!.

إخترقت الإستغاثات المتلاحقة رأس يوري كطلقات الرصاص، إنتزعته من أغلال نومه الثقيل، توهم انه يحلم، و لكن تواصل صرخات الإستنجاد..
قطع على شكوكه و أوهامه، و تيقن من صحوته..
أخد صراخ الفتاة يتحول في أعصابه الى صدمات كهربائة مؤلمة، فأنتفض واقفا، و هرع لإستطلاع ما يجري، بينما تعكر الصباح الرائق في عينيه، فكرة واحدة إستولى عليه، إنقاذ الفتاة، مهما كانت الأسباب، و بغض النظر عن النتائج.

رآ المشهد الفضيع، و لم يكن يتوقع أن تكون ماريا، فار الغضب و النخوة في رأسه
- أتركوني، يكفي، ساعدوني...
رد على كلمات ماريا الجريحة بصراخ و زعقات حيوانية شرسة، اندفع كالمجنون بسرعة البرق، و قد بانت أنيابه الحادة، و تحول لون عينيه الى بريق شيطاني أحمر..
أظهر مخالبه الطويلة و صاح مهددا...
- إبتعدوا عنها، و إلا سأنقض عليكم جميعا..

كانت إيسبيلا و عدد من شغيلة القصر، يتحملقون حول ماريا، أحدهم يدلق عليها بالماء، بعد أن جردوها من ثيابها تحت الشمس الحارق..
و آخر ينهال عل جسدها الطري المبلول ضربا مبرحا، بأنبوب ماء مطاطي، و ماريا تتوجع و تصرخ معولا
أزرق جسمها و أحمر من أثر الضرب الوحشي، و ترك النبريج آثارا شنيعا شنيعة على جسدها، لقد أكل من لحمها الطري بقسوة
وجهها محتقن بالألم، كادت تختنق و تموت رعبا..

و كان بقية أهل البيت من أبناء أعمامه و الخدم يتفرجون بلا مبالاة، و بعضهم يهوشون و يحمسون الحارس الذي يضربها للإستمرارية في تعذيبها و ضربها..
تساءل يوري عما إن كان هؤلاء إخوته، و هذه زوجته، يا للهو، يا للوحشية!
تحول الى حيوان مفترس، لمقاومة الدئاب و الضباع، و تخليص تلك الأرنب الصغير البائس من بين براثنها و أنيابها
و كان مقتنعا أن قوانين الغابة لا تزال ساربة مفعولة تحت جلد أبناء أترابه من مصاص الدماء!

و أنقض على الحارس بمخالبه الهشة، مزقه، و تطاير لحمه في الأرجاء مثل برميل متفجر..
و عندما شاهده الجميع في تلك الحالة، ذعروا، و فوجئوا، فتراجعوا و تجمدوا كالتماثيل، . إتسعت أحداقهم و فغرت أفواههم ذعرا و خوفا..
فقال بلهجة آمرة..
- لآآمركم بالتفرق، و الإبتعاد عنها! اليد التي ستمتد إليها سأقطعها..
حاول الحارس الآخر أن يتوسل، فزجره
- إخرس، أنت مطرود!.

تقدم إلى ماريا، و كانوا قد أوثقوا يديها الصغيرتين، و رجليها بشدة، و كانت ما تزال ترتعش، و تنتشج!
إطمئنها
- لا تخش أحدأ! ما دمت أنا معك، لن أدع أحد يؤديك!.
أول ما فعله أنه حملها ال غرفته، و حل وثاقها، بهدوء و رفق، ثم ألبسها قميصه، بعد أن جفف جسدها بعض الشيء، و ظلت صامتة لا تقوى على الكلام..
انبثقت ايسبيلا في الغرفة حانقة غاضبة
- ماذا تظن أنك تفعل! هل بدأت تفضل هذه الخادمة مني!

- إخرسي، سنتكلم فيما بعد! حتى أرى المشكلة!
رمت ايسبيلا في وجهه ثوبا قديما
- اعطيها هذا الثوب لتلبس..
- ما هذا! يبدوا قديما!
- ستحتاج اليه في الأيام القادمة للتنظيف و الغسيل و أشياء أخرى!
- تبا لك، ألا تكتفي عن إزعاجها!
- لا تخاطبني بهذه الطريقة! أم أنك نسيت أنني زوجتك..
أمسك معصمها بقوة، و جعلها تتأوه بألم، ثم همس في أذنها بقسوة..

- إسمعني، أنا سيد هذا المنزل و صاحب القرار، اذا لم تصغ إلي أقسم أنك ستتأذى بشدة! اتفهمين..
دفعها كالجرباء، لحظتها بزغ إستيفن، و أمسك بأخته قبل أن تميد على الأرض..
- كيف تجرؤ أن تعامل أختي بهذه الطريقة أيها الوقح!
لم ينتبه الى وجود ماريا، إلتقت أعينهما، فتهاوت ماريا تحت وطأة حزن، حاولت أن تخفي شبح وجهها، و آثار الضربة على كتفها!
إنساب دمعة سخية فحاولت أن تغلق جفونها مخافة أن يحس بها..
تكلم بصوت مرير..

- ماريا! ماذا حدث لك!
رد يوري عليه بحنق
- أخرج يا إستيفن! و أهتم أكثر بزوجتك، لا تحشر أنفك فيما لا يعنيك..
و بحركة غريبة حصل جدال حاد بين الأطراف الثلاثة و كل طرف تحول الى مدافع صلب، أما هي فقد أسندت حنكها تجمع كفيها، و راحت تنظر الى أشداقهم المتطاير منها التفل..
إعتصمت بالصمت، ثم زحفت بالقرب منهم، و ألتقطت الثوب القديم من الأرض، و مضيت مبتعدة..
إتسعت فرجتى عينى يوري
- إلى أين أنت ذاهبة؟!

- للتنظيف و الغسيل و أشياء أخرى!
ضحكت إيسبيلا ضحكا خرج من خياشيمها، و ربت يوري بكتفيها يهزها بحنق و هي تبتسم بدهاء و خبث!

هرع إستيفن خلف ماريا، و هي تمشي كالطيف لا روح فيها، لم يعد يزهر الياسمين في قلبها المترع بالأحزان و كأنها رضيت بقدرها، و أستسلمت لبؤسها!
تشعر بإعياء شديد، و قد حفر البؤس أخاديد عميقة فوق شاطئ روحها المتعبة!
صاح إستيفن..
- إنتظري يا ماريا! ليس عليك أن تقومي بأعمال منزلية! انت جزء من هذه العائلة!.
- لو أنني عرفت مكانتي من البدء، هل كان سيحدث لي مثل ما حدث!

- أعرف أنك منزعجة مما حدث ليلة البارحة! صدقني، كانت مكيدة و تلفيق..
قاطعته..
- لا داعي للتبرير، إذهب من هنا! سوف تغضب زوجتك عندما تراني معك!
- أرجوك، إسمعني!
- لا أريد سماعك، أنت غير موجود بالنسبة لي! صدقني لقد نسيت، ، نسيت كل يتعلق فيك، و كل ما جرى بيننا!
- لا يمكن أن يكون هذا صحيحا، أنت فقط منزعجة مني، منزعجة مما حدث..
إقترب منها أكثر..
- ماريا، حبيبتي..

إلتقطت بعصا، لا تدري كيف عثرت عليها، و دفعت نحوه كالمحنونة، مهددة..
- إبتعد عني، إبتعد أيها الوغد، إبتعد و إلا أنهلتك بهذا!
- إفعليها! لا يهم! إشفي غليلك مني، أنا أستحق ذلك!
دفعت العصا، و ركضت نحو الشرفة، خاف إستيفن و ذعر، خشي أن تعرض نفسها لمكروه، فهرول يصيح خلفها..
و هي تركض، تعدوا، تلهث..
- ماريا، أرجوك، إنزلي، ماريا.

إخترق الصياح المتلاحق رأس يوري كطلقات رصاص، إنتفض واقفا و هرع نحو الشرفة لإستطلاع ما يجري..
وقفت على حافة جدار الشرفة في أعلا الطابق..
صاح استيفن بصوت مرتجف
- ارجوك، انزلي!
- ان لم تبتعد عني، سوف ألقي نفسي من هذه الشرفة، أنا أحذرك..
بلغ الغضب في صوته الى حد الصراخ
- أنا احبك! سأموت بذونك، كيف استطيع الإبتعاد عنك!
- كذاب، انت لا تهتم الا نفسك..
دنش يوري في المكان، و دفع استيفن يخبره.

- من الأفضل أن تبتعد عنها هذه الأيام، سوف تنهار بهذه الحالة، انها ليست بخير
- حسنا! إهتم بها ارجوك!
انسحب بهدوء، و كانت ماريا قد شعرت بضيق و ارهاق فجائي، احست بالتعب فأمسك بها يوري قبل أن تميد على الأرض..
- أنت ضعيفة جداً، ستموتين ان لم تشربي الدم.

- من الأفضل أن أموت!
و كانت تتكلم بشكل متقطع من أثر الإرهاق و الجوع..
أمسك رأسها و أقربها نحو رقبته، لم تستطع أن تقاوم فغرزت أنيابها في عروقه الدافئة!

كان يوري يحاول أن يريحني من معاناتي و يخفف عني و يخرجني للنزهة، حاول بكل الطرق أن يقترب من قلبي الجريح الدي لم يبق له شيئا ليحب..
لقد كنت أمامه إنسانة ميتة المشاعر، متلبد الإحساس..
دعك أيضا مما أعانيه من ألم جسدي، تراودني في كل ساعة مرة واحدة..
كمدية تمزق أحشائي، فأملأ الدنيا صراخا و عويلا..
كان صراخي بدأ يتعالى من الألم عندما أتى يوري بضمادات و إبر..
لقد كانت عيناي تالفتين..

تبدوا علي بوضوح سوء التغدية!
كنت منكمشة مستلقية على زواية عندما دنى مني ليضع وجهي فوق رقبته
أغرز أنيابي ببطء
شرب الدم يريحني قليلا
و يخفف ألمي خفة ملموسة..
لكنه يعاوده دون قسوة بعد أن أنتهي، أو حين أسير و لو قليلا!
خرجنا معا، و كنت أضطر للتوقف دقيقة أو دقيقتين..
فيخفف الألم و أتابع السير..
أنظر حولي، الشمس، أطفال يلعبون، الحديقة، الأزهار
لا أدري لماذا لم أعد أرى للأشياء معنى كالسابق...

لقد مات الأشياء الجميلة من عيني، و غرقت في شاطئ اليأس..
و أصبح الحرمان شرابي الوحيد الذي إعتدت شربه..
حتى طعم ضربات إيسبيلا و إهانتها لم أعد أحس بمرارتها
لا شيء يحزنني بتاتا
كان الوقت مساءا، كنت معه في نزهة على غير هدى..
سرت الى جانبه، لا أحس بالفرح، لأن البهجة إعتادت أن تموت قبل أن تلد..
مشاهدة البلونات لم تعد تفرحني كالسابق، لأن اللون الأسود طغى على ناظري
حتى طعم المثلجات التي إشتراها..

أصبح كل شيء كالماء ليس له نكهة..
أصبح كل شيء كالهواء ليس له رائحة..
لا أعلم هل عالمي تغيرّ أم أنني تغيرت!
جلسنا على مقعد خشبي في الحديقة، و كان يداهمني إحساس بألم خفيف..
أمسك يدي، و تركته تغفوا طويلا بين يديه..
كان صامتا إلا صوت أنفاسه التي تصلني..
ببطء إقترب مني، و أراد أن يقول لي شيئا إلا أن ثورتي قلبت كل الموازين..
كيف أستطيع أن أخرج من تجربة حب فاشلة و أنا محتفطة الثقة من حولي!

لقد نزعت الحب من قلبي، و أقسمت لنفسي بأنني لن أعيش تلك التجربة مرة أخرى..
لن أعيش في عالم الأوهام لكي لا ينجرح قلبي!
طلبت منه أن نرجع الى القصر..
كان يعرف أن الحياة قد خدشتني بما فيه الكفاية لأرفض مزيدا من التخديش..
لم يعلق على برودتي، رغم تغير مزاجه كليا، لقد كان صدي له واضحا في كل ما يفعل!
عدنا الى القصر باكرا، بصمتي و صبره..
تركته وحيدا يفكر ما حدث اليوم..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة