قصص و روايات - قصص مخيفة :

رواية خادمتي اللذيذة للكاتبة ميمونة كاليسي الفصل التاسع

رواية خادمتي اللذيذة للكاتبة ميمونة كاليسي الفصل التاسع

رواية خادمتي اللذيذة للكاتبة ميمونة كاليسي الفصل التاسع

جحظت عينا إلينا بالذهول و الصدمة، تمهل عينيها علينا من غير أن تطرف، أو حتى أن يكون بها قدى..
تحاول أن تبتلع دموعها حتى لا تخدش كرامتها..
أخوها الكبير و الرجل الذي تحبه بشدة يتشاجران من أجل خادمة!
إعتراها غيظ، و عقبها جرح نزيف يتوسط قلبها..
تسللت دمعة حارقة لا يُطفئ نار الحقد الدي بدأ يأكل قلبها..
هرولت مسرعة، يقتاد خطواتها الى غرفتها، و تبعها يوري يتوغل في داخله ندم أو ربما خجل، و لكن لا أدري!

أنا كنت فقط قابعة وسط الغرفة، تملؤني الصدمة أو دهشة أو كليهما، و لا أدري! كنت أرتجف بشدة، أطرافي مرتعشة، تجثم أفكار سوداء على رأسي..
تمزقني و تحدث بي ثقوبا بنفسيتي المتشردة..
كم أنا حقيرة؟! لا أساوي شيئا! و لا أستحق الحياة! حتى أنفاسي الملوثة..
كيف سمحت لنفسي أن أكون مضغة يلعكها كل حصيات الطرق، فنلت منها القذارة و الحقارة و الشر، حتى وصلت بي أن أكون عشيقة رجلين، أحدهم يكون صهرا للآخر.

كيف أفرضت علي نفسي المتشردة أن أكون علاقة برجال المنزل، أنسيت أنني كنت خادمة، لا أبني سوى قصورا من الأحلام، أنا لست سوى خادمة، مجرد خادمة..
أو عاهرة، على الأقل هذا ما كانت تحاول أن تقول لي إلينا و هي تخرج راشقة نظرات الإزدراء تجاهي..

مسكينة أنا، إنهار أبراج العنفوان داخلي، و كل ما كنت أحافظ عليه من سنين تنهار في لحظة مروعة، لم يعد لدي شرف أحافظ أو أجادل لأجله بعد اليوم، فتلك الإشاعات التي كانوا يروجونها أعطيتها مصداقية تصديق في فوضى الدي أحدثتها بغرفتي الليلة..
سوف يتكلم عني الجميع غدا، و سأصبح مضغة لكل ماضغ في شرفي و كرامتي المنهارة..
لبرهة أمسكني إستيفن من بين دراعي ليوقفني برجلاي اللتان لا تزال تتلاعب دبيب الإرتعاش بها..

كلمات الشكر تنساب بين شفتاي بشكل بائس، نظرات اليأس تطفح على عيناي الباهتتان..
لاحظ علامات الإنهيار الداخلي البادية على ملامحي، إندفع نحوي و حضنني بتهور، و كنت من بين ذراعيه كالثلج أو كالجماد لا روح فيه..
أي روح أتكلم عنه؟! تلك التي بعتها لحظة خوف و جبن مني؟! أو تلك التي جعلتها مضغة في كل فم ساخر!
كيف سينظر إلي الجميع بعض اليوم؟!

بعد أن أيقظت صفوتهم بإحتكاكات بين رجلين في غرفتي، ستتواتر تلك الإشاعات بشدة دون صدأ! و من سيلام بذلك غيري.
أنا من أدخلت إستيفن غرفتي ذون أي حياء، أنا من كانت تقترب ليوري بتلميح أو رغبة داخلية، أنا السبب في كل شيء..
و ها هو يحتضنني الأن بكل جرأة و أنا واقفة جاثمة بين ذراعيه لا أفعل شيئا، حتى فمي كممتها بشريط لاصق إسمها الصمت..
خاطبته مشجعة أتركني الآن..
لم يعر إهتماما لكلامي..
دفعته بتهور..

أخاطبه بلهجة ثائرة أتركني، لم أعد أريدك بقربي بعد اليوم، لقد سببت لي المشاكل بما يكفي
هيا أخرج من غرفتي حالا
هكذا تكلمت بجرأة و بكل قوتي و نظراتي الجريحة تخترق جسده المتسمر في مكان دون أن يصدأ..
خاطبني بنبرات رخيمة هادئة ذات وقع على النفس
حبيبتي ماريا
حبيبتي، حبي، لن أسبب لك المشاكل و لن أسمح لأي أحد أن يمسح سمعتك على أرض.

إقترب بنعومة مني جعلني أرضخ لوقعاته و كلامه المعسول، كانت ملامحة تنم على الجدية و هو يخاطبني
هل تتزوجين بي يا ماريا
عقدت الدهشة لساني، فهناك مواسم للكلام الذي لا صوت له، فتحدث بلبلة في عقلك و تبدأ الأفكار و التساؤلات تترنح في داخلك، تظهر كل تفاصيل الدهشة في ملامح وجهك، هكذا طلب يدي ذون أي خاتم و لا حتى مقدمات، هكذا فجأة يتغلغل دهشة ممزوجة بشيء من السعادة ينساب في عروقي لحظة إستسلام مخيف..

بادرته بقولي نعم، نعم يا إستيفن، سأكون زوجتك!
و رميت نفسي في حضنه، تتدلى على شعره الذهبي الفواع تتعطر به أنفاسي لتعلوا الى السماء بلا قيود، يتلألأ ضوء القمر التي تخرج من الشرفة على عيناي كالألماس ليعكس وجه إستيفن بريق الإبتسامة و يخاطبني بإهتمام..
سنجعل خطبتنا حفل العائلي في هذا الأسبوع، حيث سيحضر جميع أفراد عائلتي، أبي، أمي، أقربائي، جميعهم سيكونون هناك..

أحسست بأنني أعيش لحظات حلم جميل قد ترتطم في أي وقت بأرض الواقع، نعم فأخته تكرهني، و لازالت أكافح العبودية من قيود يوري، و لكن كل هذا التشائم لم تمنعني أن أنسجم مع تلك اللحظات الحالمة، فقلبي الصغير يخفق نبضاته بحماس، أسمع لهاث أنفاسي تضارب أنفاسه..
أحدقه بكل إفتتان..
يأسرني عينيه الزرقاوين الحالمتين.
قسمات وجهه المنحوتة، دقنه المرتفع، شاربه الدي يدأ يخط أول ملامحه بين قسمات وجهه الآسرة..

أنا حقا أحبك يا إستيفن، بل أعشقك..
لقد أنقذتني حقا مما كنت غارقة فيه من بؤس ووحدة و شقاء بطلبك الصاعق..
كان سعادتي كبيرا، و أحسه ثقيلا في تفكيري الفطري البائس، ربما لأنني لم أعش لحظة أسعد من هذه الليلة..
أحس تماما أن هموم أيامي قد ولى، و أن أيام الأنس و المشاركة تلامسني كأمواج البحر تلامس نسمة الرياح..
وتسللت دمعة رغما عني، و شقت طريقها على قسمات وجهي..

بدأ يكفف إستيفن من خدي، و يرمقني بنظرات طويلة صامتة..
خاطبته مترددة أحقا ستخطبني حفلة هذا الأسبوع
إنحنى برأسه المثقل لتستقر على كتفي الهزيلة، و تنسدل شعره على ظهري، و هو يردد أنا أحبك، أنا أحبك ماريا، أنا حقا أحبك
رفع رأسه، كانت نظراته هائمة تفيض صمت عميق في داخلي، لم أشكك أبدا في كلامه..

خرج يودعني بقبلة دافئة في خدي، غاب عن أنظاري، ليتركني أسبح في خيالي المستقبلية حيث سأعيش زوجة إستيفن في غير هذا المكان البائس!
في شاطئ الحب، في شجر السديان أيام الربيع..
تأهبت للنوم، غيرت فوطة فراشي، أويت إليها، إرتميت، سرحت في أحلامي حتى غضت في نوم عميق..
سيذهب الليل بهدوء و صمت و يأتي الصباح بإشراقة جديدة، بيوم جديد يتجدد بها الأمل، و تتجدد معه نسمات الريح، أشعر بلهفة ما هو قادم لي!
...

إستيقظت الصباح بشروق جميل، ألج في عملي بسعادة، تملؤني اللهفة و التفائل حتى لو قام الجميع بتكبيلي بسلاسل الإزدراء و السخرية و الضحك حينما قلت لهم بأنني سأتزوج إستيفن، لم أستطع أن أنتظر حتى أجعلهم يصمتون من الدهول و أستعيد بعضا مما فقدته من شرفي أمس..
كبست عليهم بقصة حبنا..
لم تصدق هاني و ميرنا، أعقدهم الدهشة بعد ما إنتهوا من سخرياتهم و ضحكاتهم..
تخاطبني هاني بإعتراض
أنت تكذبين علينا
و أردفت ميرنا تقول.

لا أصدق، أنا و هيري نتواعد ما يقارب سنتين، حتى أنه لم يلمح لي بأني قد أستحق يوما أن أكون زوجته، كيف فعلت ما عجزت أنا بفعله، لا بد أنك دبرت مكيدة بليل أسود و هو وقع في فخك بكل غباء..
نظرت إليهم بشيء من الثقة و قلت هو الحب، الأمر بهذه السهولة، لا يحتاج الى مكيدة
و مضيت في عملي، بينما إنهمكوا في جدل و ثرثراتهم لا ضائل منها..
بعد ثوان بزغت ميرنا من المطبخ و لابد أنها ذهبت الى صديقتها لتفاجأها بالخبر..

ميرنا تلك الضئيلة، تحولت الى حاقدة نمامة، كونها لم يحالفها الحظ مع هيري و قد لف بها نصف زمن أنوثتها الثمينة في محطات الكذب، يوهمها أحيانا بكلامه المعسول الذي يتفوه بها حنكة و ذكاء حتى لا يفقد دمية الإشباع بغريزته الحيوانية، وحدها كانت تأنس و تبني قصور من أحلام مزيفة، و رومانسية عشق واهمة
و لهذا توغل الكراهية في داخلها، و تحاول بيأس أن تفرغ شحنات الحقد على ماريا لأن الحظ حالفها بدلا منها!

كانت متلهفة بشدة حتى تعكر صفوا الجميع، مثلما تعكر صفوها في لحظات..
تلقفت على الدرج، إجتزت الممر الطويل، إنعطفت يسارا ثم إندفعت في غرفة إلينا..

إقتادت عليها بالخبر كقصف عشوائي، تسرد بدقة ما حكت ماريا صباح اليوم، و تتمادى تارة بقليل من أكاذيب مقنعة لكي تتقاسم معها الحقد الأسود، أو يدبرا مكيدة حتى لا تمر خطبتهم بسلام، و لكن تسلل اليأس في وجه إلينا الباهتة وسط الذهول و فوضى الأفكار و اذا بحواسها تتعطل تماما يتوسطها صمت مطبق و هدوء أربك ميرنا..
تأملتها مذعورة، تهز كتفيها ما بك إلينا، ما بك!

ردت إلينا تتدعي الهدوء و قد إسترخت ملامحها ببط، و هي تراوغ حالة الرهيبة التي إنتابتها فجأة
لا شيء، أنا بخير
خاطبتها ميرنا مستنكرة
لست بخير! أنا أعرفك يا صديقتي و لا تستطيعين مراوغتي أبدا..
و استطردت يجب أن نفعل شيئا ألا تظن ذلك
ردت إلينا بشيء من اليأس و الحزن
و ماذا نستطيع أن نفعل! لقد إنتهى كل شيء..
خاطبتها ميرنا بلهجة ثائرة
كيف تتخلى عن حبك بهذه السهولة أيتها الغبية! حتى أنه لم يخطبها بعد.

كانت ميرنا كالإبليسة تماما تنفث حقدها في أذن إلينا، يزيدها إثارة و إشتعالا لتطفئ نار الحقد الذي يأكل قلبها..
إرتسم إبتسامة خبيثة على جانب فمها، أردفت تقول لدي فكرة!
أثارت الفضول في داخل إلينا..
قالت مستوضحة ما هو ميرنا، ما هي الفكرة
هتفت ميرنا بجدل طفولي..
، سوف نخبر أخته إيسبيلا بشأن الخطبة و أنا متأكدة بأنها ستفعل أي شيء حتى تمنع حدوثه..

لم تكن إلينا حينها تملك فجوة للهروب من حالة القنوط و اليأس التي داهمها و هيمنت عليها سوى أن تعلم خبر الخطبة لإيسبيلا و التي لا يمكن أن تكون مبسطة الى هذا الحد، فهي قد تقتل ماريا او تختطفها، و لكن يأس إلينا غلبها، يشبه ذلك اليأس الذي يسبق عندما يحاول الأطباء بإنقاذ جثة لا نبض له أصلا، و لكنهم يصرون عَلى إنقاذه بكل ما أوتي لهم. من نفس صناعي، دبابات كهربائي لإيقاظ قلبه، يصرون و يصرون، و لكن ذون جدوى!

تسللت إبتسامة في فم إلينا و لذا بادرت بشيء من الإهتمام
هذا صحيح! هي تكره ماريا كثيرا و لن ترضى أبدا أن تكون زوجة أخيها الوحيد..
إستدرجها هذه التفاصيل الى فكرة أن إيسبيلا حليفهم في النصر، بل هي الوحيدة التي تستطيع أن تفعل شيئا..
إقتادت خطوات إلينا الى مكتبة إيسبيلا، حيث تقضي في الصباح الباكر وحدها، تراجع بعض التقارير..

إندفعت نحو الباب بشيء من الخجل و الهدوء، و كانت إيسبيلا قابعة في زاوية المكتب، تجمع بعض أوراق وثائقية..
تاهت نظراتها في وجه إلينا الشاحبة، تشكك من حضورها المريب..
خاطبتها بشيء من الرقة التي لا تخفي معالم وجهها المتضايق..
ماذا تفعلين هنا يا عزيزتي إلينا
إتكأت إلينا بموافقتيها على حافة المكتبة، علامات الغموض بادية على ملامحها، جالت عينيها في الزوايا قبل أن تستطرد الحرف الأول
أريد أن أقول لك شيئا مهما.

إستثار فضول إيسبيلا، وضعت الأوراق جانبا تعطيها بكل إنتباهه و حواس التركيز..
أردفت إلينا قائلة
إستيفن يخطط أن يخطب ماريا يوم الحفلة.

لحظتها فقط كانت عدوى الحقد إنتقل من ميرنا الى إلينا و من ثم الى إيسبيلا و التي إستقبلت الخبر بالإنكار أعقبها شلل عجزت حتى عن الحركة بفعل صدمة الخبر التي لا تسبقها صفارات إندار ثم إلتبسها حقد خالص يشعل الكراهية سوداء و التي ستخلف داخلها الى رغبة في الإنتقام، كيف تجرؤ أن تتعرض لأخي بعدما تعرضت لزوجي من قبل..

دخلت الى عالم صراع داخلي و فوضى في ترتيب أفكارها، فهل ستذهب الى أخيها لتقنعها العكس، بأن لا يخطب ماريا! لن يكون إقناعه سهلا فهو عنيد متمرد يحب الممنوع دائما، أم ستقتل ماريا و تتخلص وضاعتها!
هنالك أيضا ذلك الوعد التي خلفتها في مجلس الإجتماع، بإحضار بشرية من فصائل النادرة الى المركز في الإسبوع القادم، أدركت أنها لا تستطيع أن تقتل ماريا!
لم يكن أمامها سوى الإختطاف..

تكلمت بسخرية مستترة سوف أختطافها و أحبسها في مكان حتى ذلك اليوم الذي سوف أتبرع بدمها و أرشح نفسي برئاسة العالم السفلي
أعمتها إلينا لحظة حماس فجرتها إيسبيلا بشرها اللاذغ، و ضحك الإثنان بشراسة، شاركهما فيما بعد إستيفن الذي بزغ في لحظة سريعة خلفهم ذون إن يدركى
كان في نوبة ضحك هستيري منسجم معهم حتى إختفت ضحكاتهم، و ساد المكان ضحكته الساخرة..

و أردف يقول حقا يا أختي أنت رائعة كالعادة، كيف خطرت لك فكرة كهذا، تختطفها، هذا رهيب حقا
حملقت بغباء تراوغه بمحاذاة أنوثتها المتعالي..
أما إلينا وقفت مندهشة حائرة أمام نظرات إستيفن
إقترب منها، و خاطبها بهمسة لا تخلوا من التهكم
إلينا كنت تلك الفتاة الطيبة و الحنونة، لم أكن أتوقع منك تصرفا كهذا.

شخت دمعة حارة من مقلتي عينيها الحائرتين، يطعنها سكين الحسرة، إنبثقت مخجلة من بينهم، يقدفها الندم الى مرمى الحزن!
...
وحدهما بقي في المكتبة، إستيفن و أخته الحاقدة بالفطرة، كانت تراوغه بصمتها..
خاطبها بنبرة تحد جاد
لا تحاول أن تفسد بيني و بينها و إلا ستندمين يا أختي
تكلمت بسخرية مستفزة
ما الذي يعجبك بتلك العاهرة، هل لأنها فقط تحمل دما مثل دمك!
رد بنبرة متهكم
أليس هذا سببا مقنعا في قرار الزواج بها.

ردت بإنفعال
بل إنها غباء يا أخي، تعرف كم ضحيت لأجل أن أبقيك حيّا الى هذا اليوم، كان المشاكل يطاردني فقط لأنك تحمل هذا الذم في عروقك
رمقته بشيء من الحنان الأخوي..
و استطردت أخي لن أستطيع أن أفرط بك، تلك الفتاة سوف تسبب لنا المشاكل و لا نستطيع أن نحميها..
قال بهدوء أعرف يا أختى ما قاسيت من أجلي لأنني ولدت هكذا، ولكن أنا كبرت الآن، أصبحت رجلا ناضجا و أستطيع أن أحمي نفسي و أحمي ماريا أيضا.

نظرت إليه بشيء من السخرية تتصفح في هيئته لكي ترى ما يقول أحمي نفسي فلم تجده، هجمته بسرعة تضع مخالبها في رقبته..
ثم أزفت تخاطبه بسخرية لادغة
أنت ضعيف جداً، ليس لديك قوة خارقة مثلنا يا صغيري، توقف عن العناد و أسمع اختك الكبيرة
أزاح يدها بشيء من الغرور متبجحة بالغضب
لن أتراجع عن قراري أبدا، لا ترهق نفسك أرجوك
و خرج تصيح خلفه بعصبية
إستيفن، إسمع أيها الغبي، سوف أخبر أمك و لن يعجبك الوضع حينها، هل تفهم!

عادت الى مكتبتها و هي تعرف تماما أنه لا جدوى من السعي خلفه، كونها تدري بأنه يمتلك رأس متصدع الجدران داخل دماغ عنيد، في اللحظة نفسها لم تقطع الرجاء عن تحقيق ما تريد، نعم سوف تخبر أمهم، و هي الوحيدة التي تستطيع أن تتحكم إستيفن و يرضخ لأوامرها بسهولة..

بمجرد تذكرها حتى عاد لها الذكريات الى وراء، عندما أنجبت أمها إستيفن، حاولت أن تقتله و تتخلص منه لأنه كان مختلفا، و كانت هذه حقيقة السوداء الذي يجهل منها إستيفن بذاته، هو كان فقط يشكوا من برودتها و قسوتها فتعوض أخته عّن حنان الأم كونها تكبر منه سبع سنين، كم واجهت لأجله المصاعب و التحديات لأجله، و الآن يسألها بإقتضاب عن شأنها في حياته، نعم سوف تخبر أمه و تجعله يندم على معاملتها معها بهذا الشكل..
...

هنالك أيضا تلك الندم المشوب بالحزن داخل زوبعة العشق يجثم على صدر إلينا، متربعة في فراشها بجو موبوء، السكون العميق، الإنارة الخافتة يضفيان على الغرفة بشيء من اليأس و الحزن..

ظلت في وحدتها و لم تنزل للفطور، و كانت تبكي بمرارة، تشعر في اللحظة ذاتها كم هي وحيدة و يتيمة، و الآمال الذي علقت به مع إستيفن لم يكن ما يتعبها بقدر ما يحزنها همسته تلك، و نظرات الإزدراء الذي صوبها نحوها يلجمها بالبكاء و الشفقة على نفسها الحمقاء حينما إقتادت الى مساومة دنيئة..
ساعتين مضت..

توجه يوري نحو غرفتها، أولج غرفتها، أزاح الفوطة عن وجهها التي كانت تحت سطوة البؤس و الشقاء، إرتبك من عينيها الغائرتين المليئتين بالدموع
جلست بجانبها في طرف السرير، يمسد راحته في شعرها
خاطبها بحنان أخوي
هل أنت مازلت حزينة عنما حدث البارحة!
أجابت بنبرة مبحوحة لا، لست كذلك
سألها يستوضح
هل هو بشأن إستيفن، أعرف كم تحبينه، و لكن هل إعترفت له مشاعرك
ردت بحزن
فات الأوان، هو لم يعد لي، سيزوج ماريا قريبا.

تأملها مذعورا و كأن الدنيا تدور معه
إستطردت إلينا..
و انت أيضا يا أخي فات الأوان، أعرف كم تحبها! بل إنني لم أراك تحب أي إمرأة بهذا الجنون في حياتك، لقد فات الأوان لكلينا
أحس المسكين يوري بزوبعة الصدمة، فالحب الجنوني يولد بشراسة الغيرة، كان حواسه متوهجة، و عواطفه القوية تجاه ماريا شفافة فاضحة وسط دبابات قوية لم يستطع أن يسطر عليها..
إنتفض من جلسته، يلتبسه الجنون في منتهى الإلتباس..

خطفته رجلاه كسرعة البرق
إجتاز الممر الطويل في القصر كومضة خفيفة في مرايا الليل..
توغل في المطبق..
سحبها من ذراعها بقوة، ركنها في زاوية..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة