قصص و روايات - قصص مخيفة :

رواية خادمتي اللذيذة للكاتبة ميمونة كاليسي الفصل الأول

رواية خادمتي اللذيذة للكاتبة ميمونة كاليسي الفصل الأول

رواية خادمتي اللذيذة للكاتبة ميمونة كاليسي الفصل الأول

لقطات من دموعي تتساقط إلى بئر عميق تضلل أمثالي، إبتلعني ظلامها حين فقدت الرغبة في الحياة فانغمست بهاويتها و اختنق أنفاسي، ولم يعد نظراتي واضحة في هدا العالم الغدراء الكثيف أو هذا الزمن بلا طعم، تحول كل شيء إلى كتلة سواد،
كنت أهرب من الظلام الذي يعيق طريقي الى الحياة و لكني أجد في نفسي أنغمس في هاويتها مرة أخرى، و يتحول نظراتي الكئيبة الى حزن يتفاقم في صدري، و همُ يستغل و حدتي.

أصرخ من أعماق قلبي لعل هناك من ينقدني..! لعل هناك من يسمعني..! ألتفت يمينا ثم شمالا و لا شيء سوى ظلام تحجبني و حقد تتسرب في دماغي، و كم مرة طرأني بأفكار مجنونة وهي تنصحني بمغادرة الدنيا بل بمغادرة هذه العناء والعذاب وأنا انتحب من ألم و حسرة أحسه في صدري.

قررت أن أسجل بأخر لحظات حياتي، مسكت القلم بيد ترتجف تخط بأوراق الانتحار، كانت قصتي العاثرة تتمايل في سطور، و هي تحكي حياتي البالية قطعة بقطعة، لماذا أكتب حياتي و لم اعد أريدها، سوف اشنق نفسي بهذا الحبل عما قريب، أم سأنزع أحشائي بهذه السكين، لا يهمني كيف أموت المهم أنني سأموت،.

تبدأ معاناتي عندما مات والدي ومات معه ثرواته أو عندما أتيت إلى هده الغربة جنوب أميركا مع أخي وأمي أو لحظات فراغ أمي.

أو تلك الليالي التي كنت عائرة بين الطرقات المهدمة الزّري وبين الأكواخ القديمة وقد هلس المرض كاهلي و كزم البرد أصابعي، و انا ابحث دواء لأخي المريض.

وخرجت ليلة على الناس، أمشي ساكنة و أتساقط في الظلام، و قد صحبني الهم في بحث عن رغيف لروحي التي تخطو في أنفاسها، و لأخي الفاني الذي كان يكدح مند الصغر لقوتي، كان يبقيني بعيدا عن هدا العالم البارد يتحمل الأعمال الشاقة من اجلي فسببت له اعتلال في جسده، و ضعف في بصره.

حمل الصخور و بناء السكتة الحديدة أخد من حجمه، أما عمل الليل كمراسل ذهبت بنور عينيه، لم أفعل شيئا لأخفف عنه الحمل الذي أثقل كاهله، حتى تلاشى جسده.

لهذا خرجت أبحث عن شيئ يعيد له حيويته، أو ربما حيويتي..
أمضيت طريقي، تائهة في الظلام، ليس لي ودك و لا خبز غير غبار نعلي، أخطوا خطواتي الضعيفة واستند الى جدار خوفا من العثار، وكأن الجوع والمرض يستنزفان في كل دقيقة دم من خلايا جسدي،.

جلست في حجر صغير أنتظر موتي، و أنا لا أحس أن فيَّ حياة متماسكة لأمضي في طريقي، احتضنت مخدتي ودفنت رأسي فيها أبكي بين أحشائها، يا لهذه الغربة، يا لهذه الوحدة، لو كانت الأمنيات تتحقق، تمنيت أن يجري الزمن الى الوراء، قبل ست سنوات، حين كنت أعيش في بيت دافئ مع أمي و أبي، في وطني العربي..

و بينما أنا كذلك إذ ارتفع سواد مقبل، فتملكني رعب شديد، فإذا هو شاب مفتول العضلات يظهر بين الظلام كأنه يحاول أن يختطفني من بعيد، سحبت نفسي الى الوراء و أنا ارتجف من خوف و رعب يمتلك قلبي، لقد اوشكت نهاية وجودي في هذا العالم.

و لكن رغم الخوف البارد يرجف جسدي الهيار إلا أن إبتسامته الساحرة هدئت روعي، و أسكنت قلبي.

ثم قال بلكنته الأجنبية: هل أنتي خائفة يا صغيرتي، لا تقلقي لن ألتهمك ههههه.
.
أخرج منديل يمسح الغبرة من وجهي الكئيب، نظرت إليه بعينين ساهرتين، دموع يتلألأ في خدودي، أحبس أنفاسي و أحاول أن أكون هادئة، اااه كم كنت خائفة و كاد قلبي أن يخرج من مكانه، و لكني اشعر الان بأمان مفتقدة بين عينيه.

كان في يده قطعة من شوكولاتى، فأدرك أنني ألمح عيوني إليها، فبادرني عليه، لأكلها، و لم يكن ليشبع جوعي لو لم يبتدرني بأكلة أخرى الي كانت في كيسه.

إبتسم ذلك المجهول الرحيم ثم قال و في نظرته تعبيرا دقيقا من الحزن: يبدو أنك تائهة، اخبرني أين أهلك و بيتك ساخدك إليهم..

قلت و أنا اتعثر في كلامي و الخبز في فمي: في، نهاية، شارع جورج سي.

و أنطلقت معه، و نفسي راجعت الى الحياة، ثم أنشأنا نستقيم على الطريق حتى وصلت حيي، فتغيرَّ نظرات ذلك المجهول، و تغير ملامحه، لا ادري، ربما لأني من هذا الخي، حي الفقراء، حي أموات الأحياء، عرف أنني من أبناء الفقراء، و بنات الجوع و الهوان، حيُ إشهرت ليس فقط بالبؤس و الجوع بل بسوء سمعة أيضا، عند أصحاب طبقة الأغنياء و الوسطى..

تركني ذلك الشاب دون قبلة أو وداع، و تركته دون شكر أو سلام..

ولكني تفاجأت بجثة أخي ملقات على الأرض، مات أخي، وحيد عمري، مات دون أن يودعني، تركني وحدي، لماذا، الم تقل بأنك لن تتركني ابدا، لماذا كدبت على، أين ستتركني، من ستتركني..

مرت أيام و الشعور بالألم و الوحدة و الفقدان تراودني، لم أكن ابكي و كنت أتمنى البكاء ربما أخفف عن نفسي، و لكني قررت أن أبكي بصمت من داخلي رغم الألم الذي يحتل قلبي، رغم الأرق الذي لم أمر به في حياتي من قبل، أصبحت أخشى النوم بسبب الكوابيس، فأخاف من العتمة و الأموات التي تطاردني طوال الليل في حلمي، فانهض من النومي عدة مرات و انا في حالة من الدهول و التشتت و الصداع نتيجة حلم مزعج يتكرر و لا ينفك عني، أحلم بأخي هيكل عظمي يطلبني أن أغطيه ( يا اختنا إخجلي و غطي موتانا ) أحلم بأمي عارية و أبي عار يطلبان مني تغطيتهم و لكني أهرب.

أصبحت حياتي في حالة يرثى لها لا أكل و لا اشرب و لا أنام، و كنت مجنونة كفاية بأن أقف ذلك الكرسي الهزيل بعد أن كتبت تلك القصة و الجروح التي لا يصغي إليه أحد، و أضع رقبتي ذلك الحبل الذي أعددته يوم ممات أخي و لكني كنت مترددة ليس خوفا على الموت بل الخوف أن أعود وحيدة مرة أخرى في قبر مظلم لا يختلف عن حياتي المظلمة..

مرت لحطات من الخوف و الذعر و الحيرة و انا لازلت اقف فوق الكرسي و لازال الحبل في رقبتي، و أنا في وسط حرقة من الألم و بين إنهيار القلب، وسط لحظات الدموع و بين انطفاء النور، وقبل أن أقفز من مكاني، سمعت صوت يناديني...

يا مجنونة!
يا مجنونة!ّ.

إنه ذلك الشاب مرة أخرى، الدي تركني حين عرف بأنني من هذا الحي، المتشردين، إنه حلم، و لكن كيف يكون حلما و أنا أشعر شريان دمه التي تتدفق في جسمه تدفأني، لم أعد أفهم بين الحقيقة و الخيال و لكني كنت سعيدة و أنا بين دراعيه متمسكة به حتى لا يظهر لي انه حلم و يتلاشى أمامي.

أفقت من نومي لأجد نفسي في المستشفى وفي سرير بين الحياة و الموت و قد تخمر جسدي و أثار الحبل في عنقي و تمزيق الداخلي تفوح مني، و هناك بجانبي ذلك الشاب الغريب، تمتلئه قلق عجيب!

مع أني كنت أشعر أن عضلاتي يتمزق من الداخل إلا أني كنت سعيدة لوجوده معي، رغم أنه إنسان غريب لا يربطني أي علاقة معه، لاحظ وجهي السعيد فرضخ لكنة أرجنتينية لم أفهمها!
،
ثم نظر إلي على وجه ترتسمه علامة إستعجاب مصحوب بالتسائل، و كأنه يريد أن يسألني عن سبب فعلتي هذه هل الحياة سيئة الى هذه الدرجة لأنتحر، و لكن غيّر ملامحه بهدوء
فقال لي كيف تشعر!

ثم بدأنا نتبادل أحاديث تجري كالماء، لم أعرف عنه كثيرا سوى أنه يدعى يوري و لم يعرف عني شيئا سوى أنني فتاة عربية بائسة ووحيدة، أسمها مارية!
ثم رحل يوري حين قبَّ الظلام، و لم يعدني بأنه سيعود غدا لزيارتي، و لا أنا توقعت منه أن يعود، لا أدري، لأنني غريبة، أو لأنني لم أطلب منه أن أراه ثانية!

مرت ليالي الشتاء طويلة و موجعة في المستشفي، تصيبني رجفة برد أعجزعن إخمادها الا بتفكيري عنه، و تارة أطرد هاجسي الذي تتملك مخيلتي، ذلك الفتى لن أراه ثانية، يجب أن لا أفكر بشخص غريب قابلته مرة أو مرتين.

حتى دخل عليَّ مساء دون سابق إندار، شعرت بسعادة غريبة حين دقت نظراتي في وجهه.
دنا مني و أنفاسي متهالكة، إبتسم إبتسامة ناعمة جعلني أضطرب..
فقال يوري اّنستي، هل أنت مستعدة لتذهبي معي الى جزر جلاجابوس! هناك بلدتي، إنه جزيرة ساحرة!
قفزت مع إجابتي السريعة التي لم أفكر بها و لو قليلا نعم، نعم.

أن أذهب مع رجل غريب أجنبي لا أعرف عنه شيئا الى اخر الدنيا، لوصفني الناس ساذجة و غبية..

و لكني أحببت هذا الشاب الغامض، حبُ من أول نظرة! أهو موجود حقا في الأرض الواقع، أم أن ما أحس وهمُ لا أكثر، و لكنه إحتل قلبي ووجداني دون سابق إنذار، و بعث بداخلى أمل من جديد..

طلب مني أن أحزم حقيبتي، فذخلت الى شقتي التي كانت الحزن تلف جدرانها، لم استطع أن أتحمل النظرات الكئيبة التي ترتسم في وجهي عندما أتذكر طيف أخي، فخرجت لألتقي يوري في جهة اليسار من الشارع و هو في السيارة الأجرة، و كانت نفسي مبتهجة و هي تخاطب أحاسيسي المنتشية قائلة لي في دلال: بعد ساعات سوف أكون في بيت يوري، حبيبي يوري، روحي التي يحيا بها جسدي وفيها يعيش، وسوف اختطف منه بقارورة إغرائي...

مرت ساعات طوال و نحن في السيارة حتى وصلنا الى الميناء، لنأخد سفينة الى جزر جلاجابوس، التي لا أعرف عنها شيئا سوى أنه موطن يوري، و أنه سيغيّر حياتي قليلا، و لكني ما أتوقع كثير بالنسبة للحياة الواقعية..

و ما هي إلا بضعة أمتار حتى وصلنا الى الجزيزة، صدمني جمالها الطبيعي، أراضي خضراء، و أشجار متشابكة، و سفن الصيد جنب البحر، و السياحيون الكثر الدين أغرموا بجمال هذه الجزيرة الساحرة، ربما تكون هناك حقيقة مرعبة وراء هذا الجمال!
للآن لا أدرك مدى الخطر سوى شعوري ببهجة عجيبة، و الطمأنينة..

نزلنا من السفينة، و لم نمش إلا القليل حتى وصلنا الى قصر قوراء كقصور الملوك القديمة، بدت جدرانه عتيقة و قديمة، دخلنا و كان المدخل يزينه الأزهار الحمراء و الأشجار الكرز الورد، اما النوافد تلفها شجرتا بلح مذهلتا الجمال تلقيان ظلهما عى مياه نافورة رائعة...
قال يوري هذا هو المنزل، عاش فيها أجدادنا مند قرون
قلت أنت من عائلة عريقية.

قاطعني صوت متجهم ثقيل الظل، ثم ظهرت امرأة شرقاء جميلة، كثيرة الزينة، طويلة و رشيقة، ربطت ذراعيها بذراعي يوري.

يوري عفوا، عليَّ أن أعرفك أفراد عائلتي، هذه زوجتي إيسبيلا!

و لوهلة توقف قلبي عن الدقات، ثم شعرت بطعنة في صدري، كأنه شد عضلي من مكانه، و لكني مثلت فرحتي بإبتسامة مزيفة، وو أنا أخفي عذابي و حسرتي ولكن عيوني فضحتني بدمعتها الحزينة...

إن يوري متزوج، و لم أتماسك نفسي فعيوني فضحتني بدمعة مريرة، لكنه لم يعرف انه سبب وجعي و بكائي، لأن الحب من أول نظرة خيال لا واقع له،.

بدأ يتفقد بين أعضاء جسدي، و يقول: أين يألمك؟! هل يألمك هنا؟! ماذا حصل لك؟!، إنه لم يعرف أني أحببته من كل قلبي، و يسكن حبه بداخل جفوني، نعم أحبه كثيرا بل إنه أول رجل احببته في حياتي، و في لحظات ظنتت بأنني ملك له، دون أن أدري يأن هذا الإنسان ملك لغيري، و أن هناك زوجة في ذمته تنتظره في منزله، ها أنا عرفت الان فبدأ البكاء و الغيرة تتأجج الى قلبي...

يوري: صغيرتي إهدئي أخبرني ماذا حصل لك..
(.

نادت زوجته إيسبيلا خادمة عجوزة، فقالت بملامح باردة: هذه المسكينة متعبة، خدها الى غرفة نظيفة لترتاح، و غدا ستكب العمل معك
ثم نظرت إليَّ بنظرة مقت.
قال يوري و وجهه محتقن بالقلق ماريا إن إحتجتي شيئا، ارجوك لا تترددي في طلبها، هذه الخادمة ستريك غرفتك.

كانت امرأة عجوزة قصيرة دحداح، إسمها لارى، ترتدي زي الخادمات، فستان أزرق مع أشراط بيضاء مزين برقبة فستانها، و قالت لي بهمسة قاسية لا تحمل أي رأفة..
: هذه قصر إكوادرو، لا تستضيف أي أحد سوى أقربائه
أمسكت يدي و جردتني ورائها حتى وصلت الى غرفة فوق الشرفة، نظيف مرتب، فيه خزانة واحدة و سرير واحد، ثم إنصرفت تلك العجوزة ذات الرائحة الكريهه
.

و في الصباح التالي عادت تحمل فستان، كتلك التي تلبسها، و يلبسها جميع الخادمات، ثم رمت في وجهي بوقاحة و هي تقول: ، إلبسيها و قابليني في التحت حتى أخبرك عملك، فهمتي!
قلت بغضب عفوا، أنا لا آخد أمرا سوى من يوري
العجوز إنه ليس يوري، إنه سيدك من الآن، و إيسبيلا سيدتك! فهمتي أيتها الفتاة الغبية، إن كنتي تريدين أن تعيشي هنا يجب أن تعملي.

يا إلهي، كم هي وقحة، سوف أكلم يوري، و لكني أخاف أن أحرج نفسي! فلا يوجد شيء مجاني في هذا العالم، فأنا لست قريبتهم بالطبع، و لا أختلف الخادمات هنا، و لكن لم أعمل في حياتي، فكنت مذللة عائلتي الغنية حتى مات أبي و أخد أعمامي ميراثنا، و حتى بعد ذلك لم أعمل، ، ماذا يتوقعون مني، و لكن ماذا أفعل، هذه هي الحياة، فإن طردت هنا فأين سأذهب، فأنا عديمة الخبرة، و لا أعرف أحدا غير يوري الذي تعرفته قبل شهر.

لبست ذلك الفستان القبيح الأزرق ذات أشراط البيضاء، ثم نزلت في تحت لأنصدم أكوام من القمامات تطلب مني العجوزة الوقحة بتجميعها و أخدها الخارج...

همس في أذني بنبرة هادئة
اذهبي الى النوم.

تظاهرت بأنني لم اسمع كلامه
اذهبي الى النوم يا مارية.

تجاهلت كلامه مرة أخرى كأنني صماء، و قمت بإستمرار عملي
هو رجل لا يحب العناد، أمسك يدي بسرعة فاقت تفكيره و الغضب يأججه من الداخل إلا ان يدي كانت باردة كجسدي الدي يرتعش كله من برد، شعرت بدفء من يده و لكن صدرت. مني حركة تلقائية دفعت بها يده!

عرف بأني كدت أن أموت من البرد، ملا بسي مبللة في بحر من الصابون و الماء التي كنت أغسلها في المطبخ و الأطباق، و كانني خرجت لتو عن المستنقع..
لكنه اعادني و أحاطني بذراعيه و طواني تحت إبطه فشعرت بمزيد من الدفء و النشوة، شعرت بضعف شديد، انكمشت فبدوت في عينيه كطفلة تستحم، ثم حملني بذراعيه و انا أرتجف فأخذني الى غرفته ووضعني في السرير، ثم تركني.

شعرت بالتعب فغفوت و لم يغادرني هذا الشعور الرائع حتى في نومي، الدفء و الحنان. أتملل و أتصوره بجانبي في الفراش و ليس أكثر، فالبراءة و النقاء كانت غظائي لأنني لم أتجاوز الخامسة عشر من عمري، احلم أحيانا مظلة من الرومانسية التي تخفف من الحاح الجسد..

إستيقطت في ساعة من المتأخرة كما لو أني مخدرة أحس جسدي ثقيلا غاطسا في الفراش الوثير ليس فراشي، و رائحة الجميلة اتي تفوح من الغرفة، احتجت لدقائق كي أستوعب أين أنا، وما الذي حدث البارحةّ! فجأة انتفضت من الفراش، وقلبي يخفق بعنف و حالة من الدهول تلبسني، رائحة رجل تفوح من جسدي المنهك، و كنت في غرفة سيد يوري و سيدة ايسبيلا! تبا ما يحدث
تذكرت ليلة البارحة
في آخر ساعة من الليل.

حيث الجميع يغض في نوم عميق
كنت هناك في مطبخ وحيدة
أكمل تنظيف كل شيء بعد انتهاء مأدبة كبيرة كانت قد أقيمت في القصر أكوادور
الجميع قد رحلوا، و أهل البيت قد دخلوا في نوم عميق إلا أنا.

دخل سيد يوري في المطبق و عضلاته تبرز مفاتن صدره، فقفز قلبي بعنف حين رأيته، و لم أكن أملك إلا التطلع إليه على إستحياء لم أكن قادرة على رفع نظري إليه أو النطق و كنت أهمس في قلبي بكلمة واحدة أظل أرددها:
أحبك..
أحبك..
أحبك.

نظر إلى، وبدا قلقا، مسد براحته شعره الأسود و هو يحك بيده الأخرى على عيونه الرمادي بلطف كأنه استيقط من النوم، ثم إقترب بي بمشية جذابة و لفتات رجولية فتأمل في وجهي بدقائق،
و ساد بيننا لحظات صمت متوترة
كان قريبا مني، و كان يحدقني بإستمرار
و بصمت تزداد رهافة الإصغاء و تسمع أدق دبدبات المشاعر..

إقترب بشدة حتى شعرت بأنفاسه القوية اللتي كانت تأتيني من الخلف و أنا ما أزال واقفة أمام الحوض و اغسل الأطباق بشبه متوترة.

لم أكن أعرف ماذا يفعل لأنني لم أكن أنظر إليه، كان هادئا و لا مباليا، ثم خاط خطوتين أمامي يأخد قنينة شراب بينما كان يهمس في أذني و كنت أتجاهله حتى قبض يدي، كم كان قويا و شهما حين حملني بكل سهولة في كلتا يديه، أحسست بأنني في حماية تحت فارس قوي، وضعني على الفراش ثم تركني لينام على المخدة!

و لكن تبا! ماذا افعل بحق الجحيم في غرفة رجل متزوج، لو رأيتني تلك اللعينة زوجته ستأكلوني و أنا حيه! سترجع اليوم من سفرها تلك!

كنت متأخرة من عملي..
خرجت من غرفة سيد يوري كلاوس من الطابق الأعلى إلى الطابق الأسفل، الى غرف الخادمات المتعفنة و لبست زي الخدم الأسود كالعادة ودخلت الى المطبق لأجد سيدة اسبيلا تصرخ على الخدم و تشتم!
رجعت تلك اللعينة و كان قلبي يخفق بشدة، و كنت ادعوا الله انها لم تعرف شيئا!

عدت الى عملي و أنا في غاية من الخجل و الشعور بالعجز، أحسست معدتي خاوية و لكنني لا اشتهي الطعام و لا أرغب، تموت الرغبات في الأزمات، تنعدم الشهوة و تتعطل الشهية، و تنسحب الطاقة، .

حاولت أن أركز في عملي، فلم أستطع، ياه لقد انتهيت، سوف أتلقى عواقب جراء إقترابي لرجل متزوج، ستعرف حتما، يااه لقد انتهيت، أنا الان نصف ميتة و نصف حية، و أسوء من ذلك أنني لا أعرف لم كان قلبي مكدودا بالشوق إلي يوري طوال الوقت، ، دون توقف، و حين يغلبني الوجد و أشجاني الحنين أعطل عملي لأذهب الى رؤيته، نظرة واحدة، إنه يجلس في الحديقة كالعادة و يقرأ كتابا بتأمل شدييد.

يوري، يوري، يوري، لماذا!؟ لقد استحوذ قلبي و أفكاري تماما، و حين لا أراه أتصور بأنه يلاحقني كالطيف، أدعوا إليه بصوت خافت لا يسمع الا من هو بجواري، فألتفت و لا أرى أحد مثل ما لم يستجب أحد لندائي، طننت بأني قد جننت حقا..

حين كملت تجهيز الفطور أخدت الى الطاولة الطعام في غرفة المعيشة، رأيت سيد يوري جالس على الكرسي، شعرت بسعادة لا توصف، فكنت أتأمل إليه و أسنانه الناصعة حين يحكي و يضحك مع أفراد عائلته و البروز الخفيف الجميل في فك العلوى ااه، و طريقته في شرب القهوة، كنت أسحر بكل حركة تصدر عنه، فيسري في أعماقي سهم حارق من ألم المتعة، و أظنه لاحظ نظراتي الموهجة المتركزة عليه طوال الوقت، من اتساع عيني و أنا أحدق إليه بإفتتان، كما لو أن عيني تتحولان الى يدين للإمساك به...

دخلت زوجته ايسبيلا لتقطع خيالاتي وقع خطواتها البطيئة، أنظر الى وجهها المتجهم وجه عاجز عن الإبتسام، أبادرها بتحية الصباح، في معظم الأحيان لا ترد، فأحس بسخرية منها و لا أبالي.

إمرأة بادرة جملية رغم كبر سنها التي لا يبدو عليها، السبب في إحتفاط بأنوقها أنها إمرأة بلا عواطف، مما أتاح لها فرصة أن تتغلب على شباب يوري، قاسية بلا قلب، ترى كيف يتحملها، لم أرى أنه يصرخ او يغضب في زوجته و لو لليلة واحدة، ولم يوجه أبدا نقدا أو توبيخا و إنما يحبها حبا جما يمتدحها و يعلي من شأنها و لا يطيق الإبتعاد عنها، أما هي امرأة جشعة و طموحها كان أزيد من الحدود المسموح بها للمرأة في هده المجتمعات، فهي تأتي في المنزل وقت متأخر من الليل، و تسافر الى لندن في كثير من الأحيان فتغيب شهورا...

كما أن طبيعة عملها أن تقود فريقا من الرجال و أن تأمر فتطاع مما جعلها متغطرسة أكثر.
في كل صباح كعادتهم يجتمعان في الطاولة، و يأكلان الفطور دون أن يتبادلا أطراف الحديث، يا لروتينية حياة زوجية كئيبة، ثم يأخد كل شخص سيارته الى طريق عمله..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة