رواية خادمة الشيطان للكاتبة شروق حسن الفصل السادس والعشرون
وصلت رضوي إلى المكان المتُفق عليه من قِبل والدتها، والتي يظهر بأنها كانت تخطط لكل شئ من أمدٍ بعيد، تنهدت بحرارة وهي تستكمل خطوتها القادمة، لتدخل فيلا يظهر على أثرها الغناء والترف من قِبل صاحبيها، ولجت للداخل فوجدت ترحيب شديد من الخدم، الذين أفسحوا لها الطريق بحفاوة لتتبعها إحداهم وهي ترشدها إلى الغرفة المقصودة، ولجت للداخل لتجد والدتها جالسة على مقعد وثير، تضع قدم فوق الأخري بكبرياء مع فستانها والذي يُظهر نصف قدمها وأحمر شفاهها القاتم، مظهرها كان لا يمُت لعمرها بِصلة، تلك الثياب العارية لم تعطيها سوا نفورًا منها، نظرت بجانبها لتجد شاب وسيم، بعضلات بطنه البارزة أسفل قميصه الأسود الداكن، وخصلات شعره المسترسلة، ولكن عيناه ماكرتان، لم تشعر بالراحة تجاهه، بجانبه رجل يظهر الشيب على ملامحه، كنسخة مُصغرة من الشاب، يبدو بأنه والده.
تحدثت ميمونة برقة مقصودة وهي تشير لها بالدخول عندما أطالت تحديقها بهم: تعالي يا حبيبة مامي واقفة عندك كدا ليه!
لوت فمها بسخرية وهي تستمع لنبرة صوتها المتصنعة، بالكاد تحكمت بذاتها ثم أكملت خطواتها حتى وقفت أمامهم، أشارت ميمونة تجاه الرجل الذي يغزو الشيب رأسه وهي تقول: دا حاتم بيه، من أكبر تجار المقالات في مصر وعنده شركات خارج وداخل مصر.
ابتسمت رضوي بإستفزاز وهي تقول ببرود ونظرها يجول المكان بأكمله: اهلًا يا اونكل. بس هي شركات المقاولات تعمل الفلوس دي كلها!
صُدمت ميمونة من ردها لتنغزها في جانبها بقوة فكتمت رضوي تأوهها، ليبتسم حاتم بهدوء وهو يجيبها: دي شركات ورثتها ابًا عن جد، وانا طورتها بمجهودي وعلاقاتي.
لم تجبه بل ظلت تحدق ببرود، فحمحت ميمونة بحرج ثم أكملت وهي تشير تجاه الشاب: ودا رائف. ابن حاتم بيه.
مد لها رائف يده ليقوم بتحيتها، لكنها تجاهلتها ثم جلست على الأريكة وهي تهتف ببرود: اهلا ياخويا.
ولثاني مرة تُصدم ميمونة من وقاحة إبنتها، لتشعر بالإرتباك من نظرات الآخران التي كانتا يحدقا بها بغضب، عندما أطالوا الصمت أشارت لهم رضوي وهي تقول بود زائف: ما تتفضلوا إقعدوا يا جماعة، دا حتى بيتكوا ومطرحكوا.
تلك المرة خرج حاتم عن هدوءه فقال بعصبية وهي يطالع تلك الوقحة التي تبادله النظرات ببرود: ما تقولي حاجة يا ميمونة هانم، إنتي جاية هنا تهزقينا!
أجابته ميمونة بسرعة وإرتباك وهي تلعن بسرها أفعال إبنتها الحمقاء: والله أبدًا يا حاتم بيه، انت عارف إن من ساعة ما مرتضي عرفني عليك إنت وإبن حضرتك أُعجبت بيه وبأخلاقه، أنا أسفة مرة تانية.
تابعت رضوي حديثهم وهي تزفر بحنق، لتجز والدتها على أسنانها بغيظ، ولكنها بالطبع لم تغفل عن نظرات هذا الماكث أمامها، يُطالعها بخبث وحيوانية، وكأن خلف تلك النظرات حيوان شرس يريد أن يلتهمها حية، رغم أنها شعرت بالخوف تمنت وجوده بجانبها، ساهر بطلها الأول والأخير، محبوبها وعاشقها، أغمضت عينها بألم ولم تنتبه للحديث الدائر بينهم إلا عندما أعادت والدتها الحديث مرة أخري وهي تنظر لها محذرة بعيناها: ها إيه رأيك يا رضوي؟
قطبت جبينها بتعجب وهي تسألها بإستغراب: رأيي في إيه مش فاهمة.
كادت أن ترد عليها ولكن جاء الرد هذه المرة من رائف وهو يقول بمكر: بنقول بما إننا متفقين على كل حاجة، نكتب الكتاب النهاردة، وخير البر عاجله.
دا عند أمك.
صاحت بها بإنفعال وهي تقف بعصبية فأكلمت وهي تلوح بيدها في الهواء: ولاااا. بقولك إيه أنا أصلًا مش مرتحالك، شكلك كدا ميديش على راجل ولا نص كم حتي، لسه شايفاك من سبع دقايق وتقولي كتب كتاب؟ ليه كنت أخويا في الرضاعة وأنا معرفش!
وقف رائف بإنفعال قبالتها وهو يقول بعصبية مفرطة: لا دي هبت منك عالأخر.
جك أنبوبة تنطس في وشك وتخلصنا منك يا معفن يا بتاع الحواري، انت مفكرني مش هعرف أرد عليك يلااا ولا إيه، لا بقولك إيه فوق بدل ما واللي خلقني وخلقك أهد المكان دا على نفوخك.
صرخت والدتها بإنفعال وهي تستمع إلى لغتها الجديدة والتي تحولت كليًا من لغة فتاة رقيقة ذات شأن مرموق إلى لغة فتاة تربت في حي شعبي فقير: بنت! إنتي إتجننتي ولا إيه، كتب الكتاب هيتكتب دلوقتي غصبًا عنك، وإلا، إنتي عارفة إتفقنا إيه.
أجابتها بحدة وهي تستمع إلى حديثها المبطن بالتهديد لتقول بلامبالاة وصوت عالي: بلا إتفاق بلا زفت، أنا متفقتش على حاجة، إنتي اللي قاعدة تخططي ولا كأني عبدة عندك مش بنتك، إنتي إييييه يا شيخة!
لم تعطي والدتها لحديثها أي أهمية بل إقتربت منها وهي تقول بشر وعيون تقدح غل وقسوة: هتعملي اللي هقولك عليه من غير ولا نفس، مش هخسر كل اللي عملته بسبب واحدة تافهة زيك.
تألم قلبها مما تسمع، والدتها تفضل المال والجاه عنها وعن حياتها! يا الله. ما هذا الألم الذي ينهش قلبها الآن! تكونت طبقة رقيقة من الدموع بحدقتيها وهي تري رجل كبير وقور يظهر على ثيابه بأنه هو المأذون الذي سيتمم ذبحها.
هزت رأسها بالنفي وهي تري والدتها تجذبها بعنف ثم أجلستها قِصرًا على المقعد وجلست هي بجانبها، ولم تغفل بالطبع عن زوج العيون الشامتة التي تتابعها وداخله يتوعد لها عن تلك الإهانات، بدأ المأذون في ترديد كلماته المعروفة وهي بعالم آخر، عقلها يعطي لها الإشارة بأن كل ما تفعله خاطئ، وقلبها يأن بالهروب الآن قبل أن تصبح أسيرة لزوج لا تعلم عنه شيئًا، إستفاقت على سؤال المأذون وهي يردف: موافقة يا بنتي على الزواج من رائف حاتم البلتاجي؟
أغمضت عيناها تهمس بوجع هل من منقذ؟ أين هو الآن، ألم يخبرها بأنه سيظل بجانبها للأبد! ألم يخبرها بأنه سيقوم بإنقاذها؟ إذن أين هو الآن!
فتحت فمها وكادت أن تجيبه، لكنها وجدت قوة كبيرة من الضباط يقطعون عقد قرانها، فتحدث واحدًا منهم موجهًا حديثه تجاه رائف المنصدم: أستاذ رائف حاتم البلتاجي، مطلوب القبض عليك لإجبار مدام رضوي مدحت الراوي من الزواج قَصرًا وهي على ذمة زوجها ساهر الجابري.
صدح صوت الطلقات العالي يفزع من بالقصر، أنهي هذا القاتل مهمته ووظيفته التي كُلف بها، ليبتسم بإنتصار عند إستماعه لصرخات الطرف الآخر، لوي شفتيه بسخرية وهو يري جميع الحراس يتأهبون للهجوم على المجهول، قام بفتح هاتفه متشدقًا بجملة واحدة فقط، لكن تحمل الكثير: لقد انتهي نصف الإتفاق أيها الزعيم، تبقي النصف الآخر فقط.
اغلق الهاتف وجهز عُدته ثم حملها على كتفه وذهب كيفما جاء.
أما بالداخل.
استمعوا جميعًا لتلك الطلقة التي صدحت يعقبها صرخة أنثوية متألمة، ثم يليها صراخ فريدة بفزع وهبوط جميع من بالقصر حيث مكان الصوت، كان يزن وضحي واقفان أمام تلك الملقية على الأرض والغارقة بدمائها، يبدو من ملامح وجهها الشاحبة بأنها فارقت الحياة، تمسكت ضحي في ثيابه بفزع ولم تقدر قدماها الهلاميتين على حملها، ليسرع يزن في إسنادها ونظره مثبت على القابعة أسفله، لتهتف ضحي بهمس وخوف شديدين: نادية ماتت يا يزن.
مسد على ظهرها بحنان وهو ينظر لجثتها بقسوة ودون شفقة، يبدو ما كان سيفعله هو قام أحدهم بفعله، تلك الخائنة المتفقة مع عدوه، تقوم بتسريب جميع ما يحدث بالقصر له، وسرقة أوراق صفقات من مكتبه ظنًا منها بأنه يجهل ذلك، لكنه كان يعلم كل كبيرة وصغيرة تدور داخل القصر، هز رأسه بيأس بعدما زفر بهدوء، لا يوجد ما عليه فعله الآن سوا الترحم عليها، فهي الآن تقابل وجه رب كريم.
وقف عمر يتحدث بصدمة وهو يبتلع ريقه بخوف على عائلته، وبشفقة تجاه تلك المسكينة التي قُتلت بوجهة نظره، حاول بث الثبات لذاته ليقوم بالإتصال على القوات حتى تأتي وتحقق في وقع الجريمة.
لم يختلف الأمر كثيرًا لدي مراد، شكوكه وخوفه تجاه عائلته جعله مرتعب من فكرة فقدانه لأحد، ماذا لو كانت تلك الرصاصة أصابت شخصًا آخر! زفر على مهل يحاول إخفاض ضربات قلبه التي تطرق بشدة، ذهب إلى آيات التي تبكي بصمت ومازالت الصدمة تلجمها، وضع يده على حجابها وهو يتحدث بحنان: قدر الله وما شاء فعل، اهدي يا يوتا عشان خاطري.
نظرت له بأعين دامعة وإمارات الخوف بادية على وجهها لتقول بهمس وتحشرج: قتلوها. قتلوها يا مراد وممكن يقتلوا يزن كمان.
شششش، يزن مش هيحصلوا حاجة صدقيني، لو طولت أفديه بروحي هعملها ومش هتردد ثانية واحدة.
هزت رأسها بنفي وهي تقول بترجي: لا لا بالله عليك يا مراد، انا مش عايزة اخسر حد فيكوا، انتوا الاثنين غاليين عليا ومش هتحمل خسارة حد فيكوا عشان خاطري متقولش كدا تاني.
كانت تتحدث وهي تبكي بعنف من فكرة خسارة إحداهما، ليهدهدها بهدوء وحنان، فقام مسح دموعها وظل واقفًا بجانبها حتى هدأت كليًا.
ابتسم بخفة محاولًا إعطائها الأمان ليقول بتساؤل: أحسن دلوقتي؟
هزت رأسها بخفة وهي تنظر له نظرة إمتنان ليبادلها بأخري ولكنها كانت تحمل في طياتها الحب.
جاءت قوات الشرطة للتحري وقاموا بأخذ أقوال الجميع بما فيهم الخدم، الجميع كان مذعورًا مما حدث، قاموا بأخذ بصمات الجميع والكشف حول القصر بالكامل وأخذ تسجيلات الكاميرات لمراجعتها.
ووسط كل هذا كان يزن يقف شاردًا بتفكيره، بعيد كل البعد عنهم، يعلم بأن تلك الطلقة الغادرة ما هي إلا فقط لتخويفه وتحذيره بأن القادم لن يكُن بالهين، ولكن هم لا يعلمون قدرة الشيطان الذي قاموا بصنعه، من الممكن أن يقتل الجميع مقابل أمان عائلته، حسنًا هم من بدأوا تلك المرة، ستكون آخر ضربة لهم وستقضي عليهم بالكامل.
جلس بجانب ضحي وظل يهدهدها ببعض الكلمات حتى هدأت تمامًا، زفرت على مهل ناظرة له ثم تحدثت بهدوء: مين دول وعايزين إيه يا يزن!
لم يرد إدخالها بكل تلك المشاكل ليجيبها بجمود: مش عارف الشرطة لسه هتحقق.
بادلته نظرة الجمود ولم تعلق على حديثه، تعلم كل العلم بأنه يخفي شئ كبير خلف نظراته تلك، لذلك تركته يجلس مكانه ثم صعدت لغرفتها تحتمي بها، زفر يزن بعنف وهو يلعن جميع من قاموا بتخويفها، ألا يكفي ما عايشته معه! حسنًا فلينتهي كل هذا ويبدأ صفحة بيضاء نظيفة بعيدة عن هذا العالم القذر.
وتكون أكثر أنواع القرابة ألمًا هي الخيانة، عاش طيلة حياته في وكر ملئ بالمحرمات وسط والد ليس بوالده وحياة ليست له، وبعد كل تلك السنوات يكتشف بأنه إبنًا لعمه؟ ما تلك العائلة التي وقع بها! أرجع مصطفي رأسه للخلف بألم، رغم أن جرحه الجسدي قد شُفي تمامًا، إلا أن جراحه النفسية لم تشفي بعد، وكيف سيجد لها دواء والألم يأتي من عائلته! والده كان يظنه عمه، وعمه أصبح والده، ووالدته عاشقة لعمه وتخون أبيه، كم هي وقحة تلك العائلة بحق!
نزلت دمعة متحسرة من عيناه تلتها شهقات متألمة خانته رغمًا عنه، قلبه يطالبه بالتنفيس قليلًا حتى لا يفقد نبضاته، وكم تمني بأن يفقدها بدلًا من العيش بوحل عائلته، زادت شهقاته ليضع يده على قلبه يدلكه برفق عله يخفف من الألم المبرح به، لكن كان دون فائدة، ظل على هذا الحال حوالي النصف ساعة تقريبًا حتى هدأ قليلًا، ليرتمي على الفراش خلفه وهو ينظر لسقف الغرفة بجمود، كأنه أصبح جسد بلا روح.
فاق من شروده على صوت هاتفه الذي يصدح برنينه بصوت عالي، تجاهله في البداية ولكن مع إصرار رنينه أجاب بتأفف دون النظر إلى إسم المتصل: ألو.
جاء صوته الساخر وهو يردف بتحذير: مالك زهقان علينا ياخويا، ما تظبط يلا.
نظر مصطفي لشاشة هاتفه ليري إسم يزن الراوي ينير بها، ليجيب بهدوء وصوت متحشرج أثر البكاء: أيوا يا يزن.
علم يزن ما يمر به، فلو كان شخصًا أخر محله، لم يكن ليستوعب الصدمة، لذلك لم يريد أن يجادله بل أردف بهدوء: عايزك تجيلي، كمان ساعة بالظبط وتكون قدامي هنا في القصر، واه خلي بالك ليكون حد مراقبك وأمن نفسك كويس. سلام.
أغلق الهاتف دون حتى أن يستمع لكلمة واحدة من الآخر، ليتحدث مصطفي بسخط وهو يلوي شفتيه بتهكم: سلام! لا كتر خيرك يا راجل والله، حنين بزيادة صحيح.
وضع هاتفه ثم دخل المرحاض ليأخذ حمامًا ساخنًا يخفف علة التفكير لديه، خرج وهو يرتدي سروالًا قصيرًا أسود اللون وجزعه العلوي عاري، وبيده منشفة صغيرة يجفف بها خصلاته الطويلة المبتلة، فزع من فتح الباب فجأة، إذ وجد تلك الفتاة التي تُدعي هدير تقول: مصطفي بيه. مر...
قطعت حديثها وهي تراه عاري الجزع أمامها، ظنها ستخجل وتقوم بالخروج، لكنها وقفت تطالعه بواقحة، لم تكتفي بذلك بل إقتربت منه ببطئ متشدقة بعبث: مصطفي بيه مش عايز أي مساعدة؟
إندهش من وقاحتها ليصرخ بها بصوت عالي أفزعها: إنتِ إتجننتي! اطلعي برا دلوقتي حالًا وإياكي تدخلي الأوضة دي من غير ما تخبطي وإلا قسمًا بالله هرميكِ زي الكلبة برا.
ابتلعت ريقها بذعر ثم اومات بخوف وهي تهرول للخارج بفزع، لقد ظنته مثل أبيه، رجل عابث يعشق النساء ويحب قضاء الليالي معهم، لكنها أخطأت التفكير.
أما هو بالداخل ظل يلعن ويسب كل من يعمل بذلك القصر اللعين، جميعهم منافقون، جميعهم لا يصلحون للعيش على قيد الحياة، لقد تيقن بأن إختياره أن يعمل مع يزن الراوي صحيح، حسنًا هي فقط بضعة أيام وسينتهي كل هذا.
أكمل إرتداء ملابسه ثم خرج من غرفته وجدها تقف أمامه، ليحدقها بإستحقار جعلها تستشيط غضبًا وحقدًا منه، ليكمل هر طريقه للخارج متجهًا إلى وجهته.
كان الجميع ينظر لبعضه بصدمة ممزوجة بالغضب، بينما رضوي قلبها يتراقص فرحًا، اتسعت إبتسامتها وهي تستمع إلى صوت الضابط آمرًا: حط في إيده الكلبشات يابني.
صاح رائف بعنف وهو يصرخ بغضب: إنت بتقول إيه، انت مش عارف انام مين!
حدجه الضابط ببرود وهو يشير للشرطي لفعل ما أمره به متشدقًا: والله ميهمنيش، أنا بنفذ القانون.
إهتاج حاتم هو الآخر وهو ينظر لميمونة بشر، قائلًا بفحيح: أنتِ السبب. أنا هعرفك مين حاتم البلتاجي، إنت وبنتك ال...
قاطعته رضوي وهي تقول بتحذير وعيون تقدح شرار: هاااا. إنطق وهرميك في السجن مع إبنك بتهمة سب وقذف يا، يا حاتم باشا هق.
قالت الأخيرة بسخرية لازعة جعلتهم يستشيطون غضبًا منها رامين إياها بأسهم من أعينهم تكاد أن تحرقها، بينما هي قابلتها ببرود وإبتسامة مستفزة.
قام الضابط بسحب رائف إلى سيارة الشرطة وخلفه أبيه المتهجم، الذي بدأ بمهاتفة معارفه من الطبقات العليا لحل تلك المعضلة.
بعد ذهابهم، نظرت ميمونة لرضوي بغل بعيد كل البعد عن كونها أم، لتمسكها من ذراعها بعنف وهي تصرخ بها بغضب: ودتيني في داهية يا تربية أبوكي، انا هوريكي إزاي تتحديني وتعصي أوامري، بقا راحة تتجوزيلي شحات! بنتي انا تتجوز عيل زي دا!
أبعد رضوي يدها عنها بعنف وهي تنظر لها بغضب لتصرخ بها: كفاية بقااا. إنتي إيه مبتزهقيش!
رفعت والدتها يدها على آخر وكادت أن تهبط يدها على وجنتها حتى وجدت من يمسكها بعنف دافعًا إياها بعنف وهو يقول بنبرة جعلها هادئة قدر الإمكان: مراتي محدش يمد إيده عليها طول ما أنا عايش، ولولا إنك في سن ولدتي أنا كان هيبقي ليا تصرف تاني معاكي.
رمته بنظرات كارهة، ثم نقلت بصرها لها أيضًا وذهبت بغضب وهي تتمتم ببعض الكلمات الغاضبة والمتوعدة.
بينما رضوي نظرت لساهر ودموعها تنهمر على وجنتيها بأسي من حديث والدتها، ليحدجها بحنان وامتدت يده لمسح دموعها وهو يقول برفق: بتعيطي ليه دلوقتي! مش كل حاجة بقت تمام.
احتضنته بشدة دافنة وجهها بعنقه وهي تقول بعشق جارف تخلل إلى أوردتها: بحبك أوي، بحبك أوي يا ساهر.
وساهر بيعشقك وبيموت فيكي يا رضوتي.
اتنحنح ياخويا، اتنحنح كمان.
قالها مراد بتهكم وهو يري إحتضانهم وحديثهم الممرض بالنسبة له.
ليلف ساهر ذراعه حول كتف رضوي التي ضحكت على معالم وجهه المغتاظة فلفت هي الأخري ذراعها حول خصره من الخلف، حدقهم مراد بإشمئزاز وهو يتمتم بحسرة: اتجوزوا انتوا وأنا متسوح، لحد ما الاقي حد يجي يتقدم للبت اللي حيلتي.
قهقه ساهر ورضوي على حديثه، يظهر بأنه كان يفكر بصوت عالي، ليغمز له ساهر بعبث: طب ما تتلحلح إنت بدل ما انت زي خبيتها كدا.
نظر له بقرف ثم قال بحدة قبل أن يذهب: تصدق إن أنا غلطان إني ساعدتك إنت والبتاعة اللي جنبك دي.
تركهم وذهب بينما رضوي نظرت لساهر بحزن وهي تسأله بعتاب: أنا بتاعة يا ساهر؟
وأحلي بتاعة خدت قلبي وخلتني عاشق لتفاصيلها.
وصل مصطفي إلى قصر الراوي، ليجد الحارس يستقبله بإهتمام، ولج للداخل ليقابل بطريقه آيات التي كانت منشغلة بالبحث عن مراد، نظر إليها بنظرات مسالمة غير تلك الخبيثة التي كان يناظرها بها، أما هي صدمت من وجوده وكادت أن تصرخ حتى وجدته يسألها بإهتمام وبإعجاب واضح في عينه: عاملة إيه يا آيات!
آيات أحسن مني ومنك يا مصطفي باشا.
نظر كلاهما حيث مصدر الصوت ليجدوا مراد يحدجه بغضب وعينان تقدحان شرار، ليكمل بعدها وهو يشير له إلى غرفة مكتب يزن: مكتب يزن هناك اهو، اتفضل انت.
اومأ له بهدوء وهو يلاحظ علامات الضيق بادية على وجهه بشدة، يبدو أنه عاشق ولهان يغار على محبوبته، ذهب هو من أمامه بعدما شعر بالحرج وخاصة منها بعد فعلته البذيئة معها، ليقرر الإعتذار منها في وقت لاحق، بعد ذهابه نظر مراد بغضب لآيات وهو يقول بإنفعال: إيه اللي موقفك معاه!
اجابته بتلعثم وهي تري غضبه الشديد لأول مرة: انا. انا مكنتش واقفة معاه، انا كنت بدور عليك والله.
وكان بكلماتها تلك طيبت خاطر قلبه ليتحول وجهه من التهجم إلى البشاشة والإبتسام، ليتسائل بحب: كنتِ بتدوري عليا ليه يا يوتا.
نظرت أرضًا بخجل وهي تري عشقه الواضح بعيناه: ي. يعني كنت عايزاك تيجي معايا اشتري هدوم خروج جديدة زي دي عشان مش عندي.
ابتسم بسعادة وهو يستمع لحديثها، هي تريده أن يشاركها وقتها والقضاء معه بعض الوقت مثله تمامًا، وها هي أمنيته المستحيلة قد تحققت، معشوقته تبادله العشق، كم هو لذيذ ذلك الشعور، ليجيبها بعبث بعدما لاحظ إحمرار وجهها من الخجل: طيب مختيش حد من البنات معاكي ليه.
اجابته كاذبة قبل أن تهرب من أمامه: مش فاضيين يا مراد.
هرولت من أمامه، ليضع يده على قلبه متنهدًا بهيام: ياختي عليا وعلى اسمي اللي زي السكر.
اخوها لو سمعك هيعمل من فخادك شاورما ياختي.
انتفض فزعًا عندما إستمع لصوت منتصر الساخر والمازح بنفس الوقت، ليضحك مراد بخفة وهو يحتضنه بود: اهلًا يا منتصر، حمدالله عالسلامة يا باشا.
الله يسلمك يا صحبي. متعرفش يزن عايزنا ليه؟
هز كتفه بجهل وهو يقول بسخط: ومن امتي يزن الراوي بيعرف حد حاجة، تعالي خلينا ندخل.
دخل كلاهما غرفة مكتبه فوجدوا كلًا من مصطفي وعمر ينتظران بنفاذ صبر، ليسألهم مراد بتعجب: أومال يزن فين!
اجابه عمر بسخط: هيكون فين يعني! فالح بس كل شوية خمس دقايق والاقيك هنا ونلاقيه داخل بعدنا بساعة.
جلس منتصر بجانبه مربتًا على قدمه وهو يقول بتحذير: طيب وطي صوتك بدل ما يسمعك ويعلقك على باب القصر.
ابتلع ريقه بتوتر ثم حمحم قائلًا بقوة هاربة: على فكرة عادي مبخفش.
حدجه الجميع بنظرات مستنكرة، ليبادلهم هو بضيق ثم يردف لمصطفي وهو يضع يده على جرح وجهه الذي لم يشفي بعد من ضربات يزن له: انت بالذات ملكش عين تبص كدا، دا حتى إيديه معلمة على وشك لسه.
تأوه مصطفي بعنف وهو يضع يده على وجهه الوسيم مردفًا بحسرة: منه لله اللي كان السبب، كان فاضله تكة ويضيع مستقبلي.
انفجر الجميع ضاحكًا على ملامح وجهه المتحسرة لينظر لهم بسخط وما هي إلا ثواني حتى شاركهم في الضحك هو أيضًا.
ضحكوني معاكم يا شباب.
هتف بها يزن وهو يدلف للداخل واضعًا يديه في جيب بنطاله ببرود، ليتوقف الجميع عن الضحك فنظر لهم بسخرية ثم جلس قبالتهم على الأريكة مردفًا بجملة جعلتهم ينصتون لهم بكافة إنتباههم: اخر مهمة وهتبقي القاضية للزعيم واللي مشغلهم.
ظل يروي تفاصيل ما سيقومون بفعله، والجميع ينظر له بإنتباه، يأمر كل واحدًا منهم بعمله والذي لا يقل أهمية عن الآخر، ليردف بتحذير وهو يشير لهم: أي غلطة ولو صغير هتبقي بموتنا كلنا.
اومأو له جميعًا ليتسائل مصطفي بتردد: طيب و. ومرتضي الرفاعي هرب. ازاي هننفذ.
ارجع ظهره للخلف وهو يبتسم بمكر قائلًا بخبث: مرتضي الرفاعي عرفت مكانه وزمان هديتي وصلته دلوقتي.
كان مرتضي جالسًا في شقة في أحد الأحياء الراقية، ليسمع صوت رنين جرس منزله ليتوتر ويبتلع ريقه بخوف، ذهب بتردد ناحية الباب ثم نظر من العين السحرية ليجد بواب العمارة التي يقطن بها، فتح الباب بهدوء ليتحدث الآخر: مرتضي بيه في واحد جه وعطاني الجواب دا لحضرتك.
قطب جبينه بتعجب لكنه أخذه منه وأغلق باب منزله بعد ذهاب الآخر مباشرة، ليفتح المظروف والذي كان اسمه يكتب عليه من الخارج، فتحه ببطئ ليجد نتيجة التحاليل الذي قام بفعلها من عدة أيام، كان يقرأها وعيناه تتسمع بصدمة، تحجرت عيناه وشحب وجهه، لتتحول عيناه في ثواني إلى جمرات مشتعلة من الحقد والغل وهو يري بقية الجواب والذي كان مصحوبًا لصور زوجته بوضع خادش للحياء بصحبة شقيقه ليردف هامسًا بعد تصديق: مصطفي ابني! ومراتي بتخوني مع اخويا! يعني كلام يزن الراوي صح؟
قام بفتح هاتفه ثم اتصل على أحد الأرقام، وبعد ثواني جاءه الرد ليردف للطرف الآخر بهسيس أفعي تستعد لبث سمها: سالم الرفاعي، عايز أسمع خبره النهاردة قبل بكرا.
متأخرتش زي ما وعدتكوا، نزلتلكوا بارت إمبارح وأدي كمان بارت أهو مش حارماكوا من حاجة، اتمني ألاقي تفاعل بقا.
واه البارت اللي فات التفاعل عليه مزعلني جدًا، ففضلًا إلى معملش فوت يرجع يعمل لأن دا بيشجعني جدًا.