رواية خادمة الشيطان للكاتبة شروق حسن الفصل السابع والعشرون
اليوم أعلنتُ عليكِ العشق، عشقكِ الذي أهلكني، أصبحتِ كالدماء تسري في شرياني، لم أعد أستطيع التخلي عنكِ، شعلتي الصغيرة ذات اللسان السليط، أحبكِ.
كان يدون بتلك الكلمات في ورقة صغيرة ثم طواها ليضعها تحت وسادتها، تذكر عندما إستفاقت طالبة منه الزواج منها ثم ذهبت في سبات عميق مرة أخري، ضحك بخفة عند تذكره جملتها والتي أوقعته صريع في عشقها أكثر متي ستتزوجني يا أحمق، تنهد بحب وهو يطالع وجهها الصغير وشعرها الناري متشدقًا بهمس: لو كان بإستطاعي الزواج منكِ الآن لفعلتها شعلتي.
وما الذي يمنعك؟ هيا.
أجفل من حديثها المفاجئ ليضحك بعدها بعدم تصديق وهو يقول بدهشة: يا لكِ من منحرفة صغيرة.
ضربته بخفة على صدره العريض وهي تقول بضجر: أنت من قلت ذلك يا أحمق.
هز رأسه بيأس من حديثها السخيف، ثم اقترب منها يطبع قبلة رقيقة مطولة أعلي رأسها متحدثًا بهمس: كدتُ أن أموت خوفًا عليكِ، إشتقت لكِ كثيرًا.
أسبلت عيناها في عينه مباشرة، ليغرق في بحر عيناها الذي يشبه الأمواج الثائرة مثلها تمامًا لتخرجه من شروده مردفة بغيظ: أنت لم تقل لي أنك تحبني يا أحمق.
قلب عينه بضجر لقطعها شروده، ثم هتف يغيظ من هذا اللقب التي تناديه به دائمًا: كُفِ عن مناداتي بأحمق يا غبية.
ضحكت بشدة عند إستماعها لتذمره لتومأ بإستسلام مردفة: حسنًا حسنًا، لا تغضب هكذا.
بادلها الضحك ليدخل الطبيب ويقوم بفحصها ثم أعطاها الدواء، لتذهب في ثبات أثر مفعوله.
طالعها بعشق يتعمق أكثر مع مرور الوقت، فهو بعد حادثة عائلته أغلق قلبه وكان هدفه هو فقط الإنتقام، لكن جاءت هي لهدم حصون قلبه، وجد ذاته يفكر بها دون أدني مجهود منه، كانت صورتها تقفز أمام عينه فجأة، في البداية ظن أنه بسبب المهمة فقط، بعدها تيقن بوقوعه بعشقها، تلك الشعلة الحمراء المثيرة التي تفقده عقله، بدأ بنسج عالمه الوردي معها من شدة حبه لها، لكن مع شعوره بالخوف عليها، وشعوره بالإنقباض عند تخيله حدوث مكروهٍ لها، شعر بإنسحاب أنفاسه وخسارته لكل شئ كما حدث في الماضي.
أفاقه من شروده صوت رنين هاتفه ليجيب بهدوء بعدما إبتعد عن فراشها قليلًا حتى لا يزعجها، فجاءه الرد من الناحية الأخري وهو يقول بأمر: بيبرس لو كنت بخير أنت وجيسيكا تعال غدًا.
قطب بيبرس حاجبيه بإستغراب ليتسائل بريبة: ماذا هناك سيد يزن!؟
استشعر يزن قلقه وريبته لذلك قال بثبات حتى لا يقلقه: ليس هناك ما يقلقك بيبرس، فقط تعال سنتناقش بأمر هام.
ابلغه بيبرس موافقته ثم أغلق الهاتف ولكن قلقه لم يقل، بل كان يزداد خوفًا مما هو مقدم عليه.
اتجه ناحية فراش جيسيكا مرة أخري ليصعد بجانبها بحذر، ثم ضمها بحنان وعشق جارف شاردًا في ملامح وجهها التي آسرته جاعلة إياه عاشق يتحدي الكون لأجلها.
أحيانًا ينقلب السحر على الساحر وتنقلب جميع مخططاته ضده، الشر الذي يكمن في قلب البشر يجعل منهم وحوشًا ضارية تستبيح الحرام، ليصبح القتل شيئًا إعتياديًا حتى لو كان بالطريق الخطأ.
بعدما انتهي مرتضي من مهاتفة ذلك المجرم الذي سيقوم بقتل أخيه، اشتعلت عيناه بجمرات الغل والحقد على زوجته الخائنة، هل قامت حقًا بإتخاذ شقيقه معشوقًا لها! وماذا كان يظن هذا الأحمق! هل كان ينتظر منها الطاعة وهي في مستنقع ملئ بالقاذورات! بالطبع لا، فهي قد لوثت بقذارتهم المعهودة لتطال بالخيانة أيضًا.
اتجه إلى غرفتها بجمود مخيف، ليدلف إلى غرفتها ويجدها تجلس على فراشها ترتدي ملابس لا تستر من جسدها شيئًا، نظرت إليه ببرود سرعان ما تحولت نظراتها للفزع وهي تجده يقترب منها بسرعة وإمارات الغضب مشتعلة بوجهه، ابتعدت بذراعها إلى حافة الفراش متحدثة بهلع منه: مالك يا مرتضي في إيه!
سحبها من قدمها بعنف بعد نزاع ليس بالطويل، ليتحدث أمام وجهها بهسيس بعد أن أصبحت ضحية بين يديه: بقي واحدة و زيك تخوني أنا! ومع مين مع أخويا!
فتحت عيناها على آخرهما حتى أوشكت على الإستدارة، جف حلقها وشحب وجهها وتسارعت ضربات قلبها بعنف حتى شعرت بأنها ستفقد حياتها بأي لحظة الآن، نفت برأسها بعنف فأمسكها من خصلاتها بعنف لم تستطيع مواجهته وصوته يهز أركان الغرفة: وكمان لسه بتكدبي! ليكي عين يا خاينة يا حقيرة!
توقف عن الحديث وهو يتنفس بعنف ثم استرسل حديثه وهو يقول بخبث حاقد: بس على العموم مش هيبقي فيه حبيب القلب تاني، اعتبري من اللحظة دي إن سالم الرفاعي مات.
فتحت عيناها بفزع وهي تتخيل مقتله، ذلك الشخص الذي جاهدت أن تحصل عليه بأي ثمن، هو من أحبته حد النخاع ولم تجد طريقة للوصول إليه سوي بالزواج من مرتضي، تحدثت بتلعثم وخوف: لا، لا يا مرتضي، لا متعملش فيه حاجة.
ثارت ثائرته وانفجر الغضب الذي كان يخزنه بداخله ليمسك بها من رقبتها بشدة وحقد وهو يصرخ بها هادرًا: لسع بتدافعي عنه يا زبااالة، لسه بتدافعي عنه قدااامي! اقترب منها أكثر ويده تضغط بعنف أكثر على عروق رقبتها حتى شعرت بإنسحاب روحها، لم يرأف لحالتها بس استكمل حديثه قائلًا بحسرة وحقد: مش بس كدا لااا، اللي انتي خونتيني معاه دا هو نفسه اللي خطف ابنك وكتبه بإسمه هو ومراته، مصطفي سالم الرفاعي يبقي ابني أنا وانتِ يا حرمي المصون.
صدمت من حديثه وكان هذا الحديث المؤلم آخر ما تسمعه قبل أن تزهق روحها إلى السماء لتقابل وجه رب كريم، ولم ينفعها هناك سوي أعمالها التي حرصت كل الحرص أن تجعلها مليئة بالمعاصي والذنوب التي ستحرقها حية.
ابعد يده عن رقبتها متابعًا وجهها الذي تحول إلى اللون الأزرق وأثار يده الموجودة على رقبتها بإشمئزاز، بصق على جثتها لتأتي بمخيلته صورة أخيه وهو مسطح مثلها تمامًا.
ليبتسم بإنتصار قبل أن يقطع فرحته صوت هاتفه الهادر، أخرجه من جيب سترته ليستمع إلى الحارس الخاص بحراسته يبلغه بقدوم قوي من الضباط للقبض عليه، هرول إلى مخبأه السري ثم خرج من المنزل بأكمله وهو يتمتم بإنتصار: فاضل انت يابن الراوي وأكون خلصت من كابوس حياتي.
وصلت قوات الشرطة إلى منزله، ليقابلهم حرس مرتضى الرفاعي، ليتحدث الضابط بصرامة وجدية: افتح يابني البوابة دي.
امتثل الحارس لأوامره كما اخبره رئيسه منذ قليل، ليقوموا بتفتيش أركان المنزل بأكمله، ولكنهم للأسف لم يجدوه بالمكان، انتبه الضابط لصوت الشرطي العالي وهو يقول: يا حضرة الظابط في واحدة فوق وباين إنها ميتة.
هرول الضابط للأعلي ليدخل الغرفة المقصودة ويري جثة إمرأة تفتح عيناها على أخرهما ووجها أزرق بشدة ليتأكد من موتها، أمر الضابط الشرطي قائلًا بجدية وهو ينظر للجهة الأخري بعيدًا عن جسدها العاري: كلملي المعمل الجنائي خليه يجي حالًا.
أومأ الشرطي بخضوع ثم ذهب لتنفيذ ما كُلِف به والاخرين يستمرون بالبحث.
وصل مرتضي الرفاعي إلى شقة فاخرة ولكنها نائية عن المناطق السكنية بحد كبير، قام بالدخول إلى المرحاض لقضاء حاجته ثم خرج وهو يلف خصره بمنشفة كبيرة، جلس على المقعد الوثير ثم أشعل سيجاره ببرود وكأنه لم ينهي حياة شخصًا ما منذ قليل، فتح هاتفه ليأتي بخاطره صورة إبنه فيقرر مهاتفته، وبعد عدة محاولات لم يجد الرد من الطرف الآخر، نفخ بغيظ ثم قال بهمس: بكرا تكون تحت إيدي وتمسك مكاني يا مصطفي.
أجري إتصال آخر بمساعدته الشخصية ليأتيه الرد بسرعة فإسترسل حديثه قائلًا: هدير. تعاليلي على شقة...
أجابته بدلال: أوامرك يا مرتضي بيه.
بعد سويعات قليلة، وصلت هدير إلى العنوان الذي أملاه لها، ليفتح هو باب شقته وهو ينظر لها بنظرات مقززة وهي تستقبل تلك النظرات برحابة صدر.
افسح لها الطريق وهو يحدجها بخبث لتتمايل أمامه بدلال مقصود ثم إتجهت إلى غرفته، جلست على الفراش ثم خلعت عنها جاكيتها الطويل ليظهر من أسفله فستانها القصير، جلس بالقرب منها مردفًا بتذكر: الورق اللي طلبته منك الموجود عند مراد الرواي جبتيه معاكي!
تأففت بصوت مسموع ثم قالت بضجر: ايوا جبته.
ثم امسكت حقيبتها وأخرجته معطية تلك الأوراق له، أمسكها بين يديه وهو يمرر نظراته عليه ثم قال بحقد: إما خسرته اللي وراه واللي قدامه مبقاش أنا.
استكشف ضجرها منه ليمسكها من خصرها مقربًا إياها منه هاتفًا بمكر: وحشتني يا جميل.
وبعد يومٍ طويل شعر فيه بالإرهاق، صعد إلى ملاذه الأول والأخير، معشوقته المجنونة، عشقه وإدمانه، طفلته وزوجته، دخل بهدوء فوجدها تجلس أمام التلفاز بملل، وبالطبع لم تغفل عينه عن حزنها البادي له، ثم ليجلس بجانبها فلم تعره أي إهتمام، أمسك ذقنها بطرف يديه وهو يقول معاتبًا: ياااه للدرجادي زعلانة مني.
حدجته بصمت ثم أبعدت يده عنها ولم تجبه، وقف أمامها بحيرة وهو يسترجع أي شئ قد يكون فعله وهو غافلًا عنه، بعد وقت قليل من الصمت نفخ بضجر وهو يقول بنفاذ صبر: ما هو أنا معملتش حاجة تزعلك، قاعدة مقموصة وشايلة طاجن ستك ليه!
ابتلعت ريقها بحزن ثم نظرت للأسفل والدموع تتجمع بمقلاتها بأسي، أوقفها أمامه وهو يقول بإعتذار لا يعلم سببه: طيب أنا أسف حقك عليا، أنا عارف إني غلطان، مع إني مش عارف أنا غلطان في إيه بس إنتي معاكي حق.
ضمها بحنان ويده تسير على ظهرها صعودًا وهبوطًا ليستمع إلى حديثها الهامس وهي تقول: فضلت اقولك بلاش قلة ادب بس انت مسمعتش كلامي، أوري وشي للناس إزاي دلوقتي!
قطب جبينه بتعجب وهو لا يدري عما تتخدث عنه، ليردف بحيرة: ليه أنا عملت إيه طيب قوليلي!
وفي ثواني وكانت تلك العصفورة الجريحة تتحول إلى قطة شرسة تدفعه بعيدًا عنها بحدة وهي تقول بردح: طبعًا ما انت مش عارف عملت إيه. وانت هيفرق معاك في حاجة! لا طبعًا. سمعتي بس هي اللي هتضرر وهروح في داهية. منك لله، حسبي الله ونعم الوكيل. دمرتني وضحكت عليا وفي الآخر هتخلي بيا.
صدم من حديثها المرير وجف حلقه بشدة، ابتلع ريقه بصعوبة من سهام الإتهام الموجهة اليه، ومِن مَن! منها هي. عن أي خيانة تتحدث هي الآن، هو لم يفعل أي شئ يؤذيها قط، بالطبع هناك سوء فهم جعلها هكذا، تحدث بروية وهو يقول: خيانة إيه بس يا ضحايا، انا مش فاهم حاجة.
سقطت دموعها بأسي وهي تجيبه: انا. انا حامل يا يزن، حرام عليك هوري وشي للناس إزاي دلوقتي!
لحظة. إثنان. ثلاثة. يحاول إستيعاب ما قالته للتو، هل قالت إنها تحمل بأحشائها نطفة دليل على عشقهم! ولكن لحظة! عن أي فضيحة تتحدث تلك الحمقاء! ألهذا السبب كانت تبكي حقًا! إن كانت الإجابة بنعم فسيُريها الجحيم ألوانًا حقًا.
تنحي عن سعادته جانبًا الآن، فليحتفل بها بعد أن يري تلك المصيبة التي أمامه، أقترب منها بجمود وهو يردف بصوت خالي من المشاعر: وانتِ كنتِ بتعيطي علشان كدا!
عادت للخلف بحذر وهي تري ملامح وجهه الخطيرة لتومأ ببطئ ومازالت تعود للخلف، رأته يشمر عن ساعديه لتسأله ببلاهة: بتعمل ايه يا يزن.
قال وهو مازال يشمر عن ساعديه: هعلمك الأدب يا روح يزن.
حمحت بقلق وهي تري خطواته التي تقترب منها واسنانه التي تضغط على شفتيه بغيظ، ليكمل هو: بقا انا قولت عملت فيكي مصيبة ولا اعتديت عليكي دماغي عمالة توديني وتجبني وانتي في الآخر تكوني عاملة الدوشة دي كلها عشان حامل!
اصتدم ظهرها بالحائط ووقف أمامها فأغمضت عيناها بخوف من بطشه، لتسمعه يقول بصوت آمر صارم: افتحي عينك.
لم تجبه وهزت رأسها بالنفي وكانت معالم الخوف تظهر على وجهها ليبعد خصلاتها الشاردة بحنان ويتخلي عن صرامته حتى لا يخيفها أكثر من ذلك قائلًا بحب: افتحي عنيكي يا ضحايا.
فتحت عين واحدة تستكشف حالته لتجده يطالعها بعشق ففتحت الأخري ثم نظرت له بخجل من فعلتها، ولكن هو قد أخطأ نعم، اردف وهو ينظر إلى وجهها: خايفة مني!
هزت رأسها بالنفي ليسترسل حديثه قائلًا بتوتر: كنتِ بتعيطي عشان مش مبسوطة بالحمل!
انتظر إجابتها على أحر من الجمر ليزفر براحة عندما هزت رأسها بالنفي مرة أخري ليهتف: أومال إيه الكلام اللي قولتيه من شوية دا!
صعد صوتها وهي تقول بحزن: اه انت فضحتني، تقدر تقولي لو حد شافني حامل هيقول عليا إيه دلوقتي.
رافع حاجبيه بدهشة، ماذا تقول تلك القصيرة المغفلة! وما زاد دهشته حديثها الآخر وهي تقول: فضلت احذرك واقولك بلاش قلة أدب بس انت قلة الأدب بتجري في دمك.
هز رأسه بيأس منها ثم اقترب أكثر وهو يقول بعبث: هيقولوا إن جوزها بيحبها أوي وميقدرش يبعد عنها مثلًا!
مسحت دموعها بيدها وهي تطالعه بغضب ولكن تحولت ملامحها إلى اللين وهي تري يده تمتد إلى بطنها متحدثًا بحنان: مش متخيلة أنا فرحان إزاي إن فيه حتة مني جواكي دلوقتي.
أمسكت يده الموضوعة على بطنها بحنان وهي تردف بتساؤل: يعني انا كدا مش هتفضح متأكد!
الصبرررر يااا رب.
قال جملته بنفاذ صبر ثم دخل إلى المرحاض ليأخذ حمامًا يزيح عنه هموم اليوم وقلبه يرقص فرحًا لسماعه خبر حمل ضحاه.
وقفت هي مكانها تنظر لأثره بإستغراب مردفة بتعجب: ماله دا! هو اتعصب باين! بس بردو مجاوبنيش انا كدا هتفضح ولا لأ!
علي الناحية الأخري كان سالم يجلس بشركته إلى وقت متأخر من الليل يراجع بعض الأوراق المتعلقة بالمناقصة الأخيرة والتي ستغير مجري حياته كليًا، استند على ظهر المقعد بتعب ثم أراح رأسه للخلف بإنهاك وهو يدلك رأسه برفق يخفف من حدة الصداع الذي تلبسه.
أثار إنتباهه صوت يأتي من خارج المكتب، نظر للوقت بساعة يده ليجدها الواحدة صباحًا، هو يعلم بأن جميع من بالشركة ذهبوا ولم يبقي سوي الحراس، وقف محله ثم نظر من النافذة ليجد الحراس يقفون كالأصنام وعيناهم غافلة عما حولهم، ظل يشتم بسره من هؤلاء الحمقي ولكن إذا لم يكن هم من بالخارج إذًا من يصدر أصوات تلك الخطوات!
ذهب ببطئ تجاه الباب ثم فتحه بحذر ليقابله رجل ملثم يغطي جميع وجهه ما عدا عينه التي كانت تناظره ببرود، تحدث سالم بهلع عندما رأي تلك الألة الحادة: إنت مين! وعايز مني إيه.
ابتسم الرجل ابتسامة عريضة لتظهر أسنانه الصفراء ليقول بلامبالاة: مش انا اللي عايز، انا جاي اقدملك هدية بسيطة من أخوك مرتضي الرفاعي.
وقبل أن يستوعب ما قاله شعر بنصل حاد يخترق معدته بقوة، تلاها طعنة واخري وثالثة حتى سقط صريعًا في الحال.
نظر الرجل حوله فوجد المكان آمن ولكن قبل أن يذهب لقت إنتباهه خزنة الأموال الموجودة بالغرفة ومفاتيحها الموضوعة على سطح مكتبه، تمتم بسعادة وهو يقوم بفتحها: دي شكلها هتلعب ياض يا حمادة.
فتح الخزنة ليجد بها أموال طائلة لتلتمع عيناه بجشع ويسيل لعابه من منظر الأموال، فتح حقيبته ليضع بها المال بسرعة قبل أن يأتي أحدهم ويقوم بكشفه، إنتهي من وضع جميع ما في الخزنة ليهرب بالطريقة التي دخل بها إلى هنا ولم يلحظه أحد.
أفعالك السيئة سترد إليك، نيتك الخبيثة سيلهم الله أرواحًا للقضاء عليها، وسيلتك الباخثة للنهب والقتل ستعود عليك بالسلب، ودائمًا تذكروا يا بنو البشر جملة كما تَدينُ تُدان.
ابتعد مرتضي عن هدير عندما استمع إلى صوت هاتفه يصدح للمرة التي لا يعلم عددها ليحده ذلك الذي أمره بتنفيذ مقتل أخيه، أجاب بلهفة ليأتيه صوت الطرف الآخر متحدثًا بفخر: كله تمام يا مرتضي بيه وزي ما أمرت بالظبط.
أجابه مرتضي بسعادة وهو يرتدي ملابسه: عفارم عليك يا حمادة، النص التاني من المبلغ هيوصلك بكرا الصبح زي ما اتفقنا.
خيرك مغرقنا يا باشا. عن اذنك.
اغلق الهاتف وبسمة الإنتصار تزين ثغره لتسأله هدير عندما انتهت من ارتداء ملابسها هي الأخري: مين دا يا مرتضي! وحساب إيه اللي كان بيخلصهولك!
دا حساب أي حد يقف في طريق مرتضي الرفاعي.
قال جملته لينظر لها بخبث غامزًا بوقاحة: مش هنحتفل بالنصر بقا ولا إيه!
اقترب منها بشدة وكاد أن يقبلها حتى شعر بدوار شديد وشعور بالقيئ بدأ يراوده، وضع يده على رأسه لتتسائل الأخري بلهفة مصطنعة: مالك يا مرتضي!
اجابها بتلعثم والدوار يزداد حدة: مش. مش عارف. دا. دايخ أوي. وعايز ارجع.
وما كاد أن ينهي جملته حتى هرول إلى المرحاض يفرغ كل ما بمعدته، حتى أصبح وجهه شاحب بشدة، خرج من المرحاض وعلامات التعب والإنهاك مرتسمة على وجهه لتقترح عليه هدير قائلة بمكر: انت محتاج دكتور يا مرتضي ضروري.
هز رأسه بالإيجاب ثم تسطح على الفراش وهو يقول بأنفاس لاهثة: الصبح هبقي أروح لدكتور، دلوقتي أنا عايز ارتاح دماغي هتتفرتك مش قادر.
اومأت له ثم تسطحت بجانبه ثم شردت قليلًا في حياتها السابقة وحياتها الآن.
أشرقت الشمس بأشعتها الوهاجة تنشر البهجة بين الجميع وتحرق قلوب من تشتعل غيرتهم بالحقد، انتشر نبأ موت رجل الأعمال الشهير سالم الرفاعي وزوجة أخيه على يد معشوقها كما أراد مرتضي أن يوصل للجميع حتى لو كان على حساب رجولته!
وبالطبع وصل الخبر ليزن ليبتسم بخبث وهو يجد جميع مخططاته تسير كما كان يتوقع، لم يهتم مرتضي لصلة الدم بينه وبين اخيه وقتله بدم بارد كما كان يتوقع، وكيف يهتم وهو من ينهب ويسرق مال المساكين ويُسرفها على شهواته القذرة!
نظر بجانبه لتلك التي تتململ في نومتها لترتسم لا إردايًا إبتسامة عاشقة تتشكل عند رؤيتها فقط، فتحت عيناها ببطئ لتجده يطالعها بحب فأردفت بدلال: صباح الخير يا بوبي.
تشنج وجهه ناظرًا لها بإشمئزاز: بوبي! شايفاني بهوهو قدامك!
قطع لساني دا انا بدلعك يا حبيبي.
اعتدل في جلسته وهي كذلك ليقربها منه وهو يقول بمزاح: إذا كان كدا ماشي، على العموم صباح الورد يا قلب البوبي.
ضحكت عاليًا ليشاركها الضحك ثم ضمها إليه من خصرها مستندًا بظهره على الفراش، مسد بيده على خصلاتها الناعمة، واليد الأخري كانت تمر على بطنها، شعرت بعاطفة الأبوه تجاه طفلهم القادم لتسأله بفضول: هتسميه إيه!
نظر لها مطولًا ثم أجاب وهو يبتسم بحنان: لو ولد هسميه سليم، ولو بنت هسميها بيان.
كررت الأسماء بلقبه ولقب عائلته مردفة بإعجاب: سليم يزن الراوي، وبيان يزن الراوي.
انتفض قلبه وتسارعت دقاته عند الإستماع إلى أسماء أطفاله مشاركًا بإسمه، لتدمع عيناه قليلًا فحاول إخفاؤها ولكن لم يستطيع إخفاؤها عنها، امسكت وجهه بين يديه مردفة بحنان: مهما حاولت تداري عني يا يزن مش هتعرف، عارف ليه! لأن ببساطة أنا وانت بقينا روح واحدة.
وكم داوت خوفه وقلقه بكلماتها تلك، يبدو أن حديثها كان كالبلسم الملطف بالنسبة له، قبلها جبهتها بعمق لتسأله بإهتمام: مالك يا يزن! حاسة بحزن جواك، إحكيلي يمكن ترتاح.
قرر التنفيس عن مخاوفه عله يرتاح قليلًا، ليقول بخوف لا يعلم مصدره: خايف. خايف ابني أو بنتي اللي جايين يجوا الدنيا يلاقوا أبوهم مدمن، شيطان ملهوش ملامح، خايف أكون سبب في دمار عيلتي، خايف يتدمروا بسببي وبسبب عداوتي مع ناس ميعرفوش يعني إيه رحمة، حاسس إن الدنيا كلها بتضيق بيا ومش عايزاني افرح، انا مفرحتش غير لما دخلتي حياتي يا ضحي، بس كنت خايف اتعلق بيكي أخسرك إنتي كمان، بس معرفتش أمنع نفسي إني أحبك، كل اللي عايزه دلوقتي إني أصلح حياتي عشان خاطر ولادي اللي جايين على الدنيا، هما ملهمش ذنب يعيشوا حياة يكونوا حاسيين فيها بالخوف.
كانت تستمع له وقلبها يتألم لتألمه أيضًا، يبدو أنه يحمل بداخله الكثير والكثير من المخاوف، قد يظهر للجميع بأنه إنسان بلا مشاعر جامد لا يعرف معني الأحاسيس، لكنه لا يظهر ضعفه لأحد، لم تجد ما تقوله سوي إحتضانه، احتضنته بكل مشاعرها وهو استقبل عناقها برحابة صدر، ضمها إليه بشدة ليستمع إلى حديثها المواسي والمشجع له: انت مهما عملت يا يزن هفضل فخورة بيك، سواء انا أو اولادك الجايين، انت بالنسبالي هتفضل أعظم حاجة في حياتي، بالنسبة لإدمانك هنعالجه. سوا، هكون معاك خطوة بخطوة مش هسيبك أبدًا.
ضمها له أكثر وهمس بعشق وإمتنان: شكرًا. شكرًا على وجودك في حياتي.
شكرًا ليك إنت، ادتني حياة عمري ما كنت أحلم بيها.
قبل جبهتها ثم وجنتيها وهو يقول بمشاكسة: يلا ننزل نفطر، لازم تتغذي كويس عشان ابني يكون بطل زي ابوه.
ضحكت على حديثه وكم أسعدها وجهه المشرق بعد حديثها معه، تركها ودخل للمرحاض تاركًا إياها تنظر لأثره بحب، هي معها كل الحق لتعشقه، فكيف لرجل بكل هذا الحنان أن يكون قاسي عليها أو على أولادها، هذا الرجل الذي احتل وجدانها وعاطفتها، وقفت في الشرفة ونظرت للسماء بإمتنان، كأنها تشكر الله عز وجل على نعمته لها، رددت بكلمة واحدة كان لها تأثير كبير في نفسها: الحمد لله.
بعد وقت قليل، هبطوا معًا للأسفل ليجدوا المشهد الذي يتكرر كل يوم أمامهم، عائلته كلها تتجمع على طاولة الإفطار، تمني داخله أن تدوم هذه الفرحة والسعادة على الجميع، تقدموو منهم واخذوا أماكنهم لتسائل مدحت: فين رضوي!
نظر له الجميع بجهل ليأتيه الرد عندما دلفت رضوي للغرفة وساهر ممسك بيدها يطالعها بعشق، وقف الجميع مصدومًا ليتحدث عمر بحدة مصطنعة: لا دا مبقاش بين بقا. دا بقا كباريه.
حدجه يزن بحدة ليحمحم بقلق متراجعًا عن حديثه: نايت كلاب يمشي طيب!
رماه الجميع بنظرات مشمئزة ليتحدث عصام موجهًا الحديث لساهر ورضوي: ممكن أفهم اللي بيحصل هنا!
تحدث ساهر ببساطة وهي يهز كتفيه بلامبالاة: في ايه يا عمي، ماسك إيد مراتي عيب!
حدجه الجميع ببلاهة وكأن على رؤوسهم الطير، ليتحدث عصام بتهكم: مش مراتك كانت رايحة تتخطب امبارح ولا انا غلطان!
أشار ساهر ليزن الواقف يتابع الموقف بصمت وهو يقول: والله يزن قدامك ممكن تسأله في حضرتك انت عايزه.
حول الجميع انظارهم تجاهه ليجلس على طاولة الطعام وهو يشير للجميع ببرود مردفًا: اتفضلوا اقعدوا وانا افهمكم كل حاجة.
تجمع الجميع حوله مستمعين له بإنتباه، ثم بدا بقص ما حدث عندما دخلت عليه رضوي منهارة من البكاء.
Flash Back: -
عندما انتهت رضوي من مهاتفة والدتها بعد أن هددتها بقتل ساهر إذا لم توافق على الزيجة التي اختارتها هي، ذهبت إلى مكتب يزن منهارة في البكاء لتجده منكب على أوراقة لتتحدث برجاء وهي تبكي بشهقات متتالية: يزن، يزن ساعدني بالله عليك.
رفع نظره عن الأوراق ثم بدأ بتهدأتها فأعطاها كوبًا من الماء المثلج حتى تهدا قليلًا، وبعد مدة قصيرة، بدأت بقص ما حدث بينها وبين والدتها وتهديداتها المستمرة لها بقتل ساهر، جز يزن على أسنانه بغيظ وهو يقول بنفاذ صبر: امك دي مش هتجبها لبر ابدًا، انا مش عارف ايه اللي مسكتني عليها.
نظرت له بعدم فهم ليستكمل حديثه قائلًا: انا مش هأذي ميمونة هانم، مهما كانت في الأول والاخر مرات عمي، بس لازم نحطها في موقف نخليها تكره حياتها بعدين.
ازاي انا مش فاهمة حاجة.
نظر لها متحدثًا بجدية: انتِ بتحبي ساهر!
أومأت له بخجل مردفة: أيوا.
يبقي هتتجوزيه.
لم تعي حديثه إلا وهو يرفع سماعة هاتفه ويقوم بمهاتفة ساهر الذي أجابه على الفور، ليقول يزن بجدية لا تقبل النقاش: ساهر انت فين!
قطب الاخر جبينه بتعجب ليقول بإستغراب: انا دقيقة واحدة بالظبط وهكون في القصر.
تمام لما تيجي تعلالي على اوضة المكتب.
لم تفهم رضوي ما يرمي إليه لتسأله بعدم فهم: انت هتعمل ايه يا يزن فهمني!
اجابها يزن بنفاذ صبر: من الآخر كدا عشان نسكت أمك لازم تتجوزوا.
وصل ساهر في أقل من دقيقة، ثم ولج للداخل ليري رضوي بمكتب يزن ولكن انتفاخ عينها يوضح بأنها كانت تبكي وبشدة، توجه إليها مسرعًا متحدثًا بلهفة: رضوي مالك بتعيطي ليه.
أتاه صوت يزن الساخر وهو يقول بتهكم: اقعد يا نحنوح واسمعني الاول.
خجلت رضوي وتمنت أن تذهب من أمامهم الآن ولكن يزن بدأ بشرح كل ما حدث لساهر، ظنت بأنه سيثور ولكنها دهشت عندما استمعت لحديثه القائل بفرحة: فين الحاجة ميمونة ابوسها، يأخي مش كانت خططت تقتلني من زمان!
هز يزن رأسه بيأس وقام أيضًا بإخبار مدحت عن كل ما يدور، فهو سيكون وكيل ابنته بالتأكيد، رغم أنه كان يريد لها أن تكون عروسًا وتحتفل بتلك المناسبة، ولكن لا بأس فحساب زوجته اصبح عسيرًا عن ذي قبل.
Back: -.
انتهي من إخبارهم كل ما حدث، ليكمل حديثه: وطبعًا مكنش ينفع اقول لأي حد عشان كلنا كنا متراقبين.
انهي حديثه ثم بدأ بإطعام ضحي المنصدمة هي الأخري متجاهلًا الجميع الناظرون له ببلاهة.
قرر مرتضي الذهاب إلى الطبيب في أسرع وقت عندما اشتد عليه المرض، ليطلب منه فحصًا كاملًا وبالفعل قام بفعله وطلب من الطبيب أن تكون النتيجة سريعة حتى لو سيدفع الكثير من الأموال.
وافقه الطبيب وبعد ساعة ونصف أتت نتيجة التحاليل، كان مرتضي يطالع الطبيب بنظرات متوترة وقلبه يقرع من الخوف، بدت ملامح الحزن على ملامحه ليتحدث الطبيب بأسف: للأسف يا مرتضي بيه عندي أخبار مش كويسة.
جف حلقه وتسارعت دقاته ليقول بخوف وتردد: في ايه يا دكتور طمني.
تردد الطبيب في إخباره بطريقه مباشرة ولكنه حسم أمره قائلًا: للأسف إنت عندك مرض الإيدز، والمرض دا ملوش علاج.
تصنم محله وشُلت أطرافه وهو يقول بتلعثم: ي. يعني إيه! يعني هموت!
حاول الطبيب التخفيف من صدمته ليقول بمواساة: ممكن اكتبلك على أدوية تأخر من مفعول المرض لكن إنها تعالجه دا مستحيل.
شعر مرتضي بإنسحاب أنفاسه فأردف بتقطع: والمرض دا بيجي من إيه يا دكتور، أنا كل أكلي سليم وببعد عن أي حاجة ممكن تضرني.
شرح له الطبيب قائلًا وهو يتفحص الأورق أمامه: غالبًا المرض دا بينتقل من شخص للتاني وعلاجه صعب جدًا يكاد يكون مستحيل.