قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية خادمة الشيطان للكاتبة شروق حسن الفصل الثلاثون والأخير

رواية خادمة الشيطان للكاتبة شروق حسن الفصل الثلاثون والأخير

رواية خادمة الشيطان للكاتبة شروق حسن الفصل الثلاثون والأخير

لربما كانت الحياة غير ناصفة بالمرة، تتركنا غارقين في همومنا، لتتشكل غمامة من الحزن أمام أعيننا تمنعنا عن رؤية ملاذاتها، الحياة عبارة عن هاوية، فإما أن تعاود أدراجك لبناء مستقبل جديد، أو السقوط من أعلاها، لتقع وتتفتت إلى أشلاء، كحال قلبك المحطم.

شعر منتصر بتصلب عروق أخيه، بل وتصنم جسده أيضًا، وكلما فكر في الإشفاق عليه، تذكر ذلك المقطع المرئي وصرخات هؤلاء الجنود الأبرياء تتعالي تطلب النجدة والمساعدة، فيتلاشي الإشفاق ويحل محله الغضب الأعمي، فهو الآن قد خسر كل الإحترام والتبجيل الذي كان تجاهه، همس له منتصر بهسيس مرعب، وكأن الروح النازفة داخله تحررت لتقضي على كل من هو أمامه: الكلاب بتوعك باعوك، وهتبقي كلب ذليل محدش يعبرك.

تحولت نظرات كريم إلى الخبث كأنه لم يكن يرجوه منذ قليل، ليردف بتهكم وتهديد صريح: طيب نزل اللعبة اللي في إيدك دي علشان مخلصش يا منتصر.
انتهي من كلماته وانتهت في ذات الوقت مكانته في قلب الآخر، فالذي أمامه لم يكن سوي وحش بلا رحمة، ليردف هو الآخر بتهديد وازاه في الحدة: صدقتي هتندم، هخليك تتمني الموت ومتطلهوش يا حيواااان.

قال كلمته الأخيرة في نفس الوقت من تحريره مسددًا لكمة قوية في وجهه أدت إلى اختلال توازنه وسقوطه، وجد مجموعة أخري من الرجال الملثمين تتشكل حولهم، فباتوا جميعًا متحاصرين حول هؤلاء المجرمين، فما كان أمامهم سوا تنزيل أسلحتهم والإستسلام لذلك الحصار، والذي سينتهي للموت الحتمي بالتأكيد.

وقف كريم مرة أخري وهو يمسح جانب فمه ناظرًا لمنتصر بإستخفاف، مشيرًا لرجاله الموجودين بالمكان: شايف دول؟ بإشارة واحدة مني يخلصوا عليك وعلى اللي معاك.
ناظره منتصر من أعلاه لأسفله، قائلًا بإستحقار بائن في نبرته: ما انت بتتحامي في رجالتك ال.

نظر له كريم بإستهجان ولم يردف بكلمة واحدة، بينما ترك الرجل الآخر مصطفي عند شعوره بالأمان حين حاوطه أصدقائه، لينظر له كريم بغموض ومن ثَم رفع سلاحه تجاه رأسه، مُطلقًا رصاصة استقرت في رأسه، ليهوي على الأرض الصلبة صريعًا في الحال.
فتح منتصر عيناه على آخرهما، ليتأكد بأنه فقد أخيه للأبد ولا فرصة للعودة، خفق قلبه عندما استطرد الآخير حديثه: كلب وطلع خاين، يبقي لازم يتخلص عليه.

تلك المرة خرج عمر المذهول عن صمته، ليقترب من منتصر واقفًا بجانبه، موجهًا حديثه الساخر لكريم، صديقه السابق: قولتها بلسانك، الخاين لازم يتخلص عليه.

وجه كريم أنظاره لبئر أسراره سابقًا، والذي عَلِم مسبقًا بأنه عندما استمع لخبر وفاته، انهار كليًا، وتقاعس عن العمل لعدة أيام حِدادًا على روحه، أجابه كريم بعد ثواني من الصمت: معاك حق يا صحبي، بس للأسف مش هتعرفوا تعملوا حاجة، وهتطلعوا من هنا زي ما جيتوا، يا إمااا...

لوي عمر شفتيه وبعيناه تتشكل نظرة قاسية تجاهه: يا إما إيه! هتقتلناا؟ هنموت عادي وكل حاجة هتمشي زي ما كانت، بس انت هتكون مبسوط بدا! انا الحقيقة مش عارف إزاي ملحظتش عليك أي حاجة من وسا، يمكن عشان كنت بثق فيك أكتر من نفسي! بس للأسف طلعت حقير ومتستهلش أي حاجة.
رغم صعوبة الكلمات التي خرجت من فاهه، إلا أن الآخر استقبلها ببرود ظاهري، مردفًا بمقت: مكنش لازم تثق فيا، وزي ما قولت المصلحة بتحكم.

ناظراه كليهما بإشمئزاز واضح على محياهما، فتجاهلها الآخر، لينظر لرجاله وهو يقول بفخر: عاش يا رجالة.
ثم نظر للجنود الصامتين بشكل أصاب ريبته، وكأنهم ينسجون شباكًا لإيقاعهم، وهذا أكثر ما أصابه بالخوف، أنحي تفكيره جانبًا ليعاود النظر لرجاله آمرًا إياهم بغموض: انتوا عارفين الخطوة اللي بعد كدا، خلصوا ونضفوا، مش عاوزين عوق.

تلك المرة خرج صوت منتصر الساخر مردفًا بحقد: كان على عيني والله، بس للأسف مش هتلحق لا تخلص ولا تنضف عشان انت اللي هيخلص عليك دلوقتي.

وقبل أن يستعيب الآخر حديثه، وجد مجموعة من الجنود المسلحين تهاجمهم، بل وقاموا بإطلاق النيران على الرجال المجرمين مرة واحدة، ليسقطوا صرعي في الحال، دون حتى الدفاع عن أنفسهم، لم يتبقي منهم سوي كريم وعيناه الجاحظة من الصدمة، شحب وجهه وشعر بالبرودة تجتاحه، ليري وجه أخيه المبتسم بشماتة مرددًا: مش قولتلك مش هتلحق يا!

وقبل أن يجيبه باغته بلكمة قوية في أنفه وقع على أثرها فاعتلاه وهو يسدد له اللكمات الحاقدة، مما أدي إلى فقدان الآخير للوعي، قام من عليه وصدره يعلو ويهبط بعنف، ثم بصق عليه بغل، وكأن الذي أمامه ما هو إلا خرقة بالية لا داعي للحزن من أجله، أفسح الطريق للجنود لأخذ الفاقد للوعي إلى سيارة الشرطة، ونظراته تتابعه إلا أن اختفي عن أعينه، كم لعن نفسه لحزنه عليه وهو خائن!

وضع عمر يده على كتفه لمواساته، ليجد نظرات الآخر خالية تمامًا من الحزن كما كان يتوقع، تنهد براحة لرؤية معالم الراحة تتجسد على معالم وجهه، قبل أن يستمع لحديثه: صدقني يا عمر لو مكنتش قبضت عليه، كان ممكن أعيش العمر كله ندمان، بعد ما شوفت قذارته دي عرفت إن خسارة فيه حتى الزعل، واللي هيحصل فيه مش هكون زعلان عليه، بالعكس هكون مرتاح.

ربت عمر على كتفه مردفًا بتشجيع: خير ما عملت يا صحبي، وانا معاك وفي ضهرك وقت ما تحتاجني هتلاقيني ساندك.
عانقه منتصر بحب شديد، وكم حمد ربه كثيرًا على وجود صديق وأخ مثله ليهون عليه مصاعب الحياة، كان مصطفي يتابعهم بتأثر، وكم ودّ وبشدة الحصول على أصدقاء هكذا، دمعت عيناه من المشهد ومتحسرًا على حياته التعيسة، ليشرد ويقرر البدأ وحده دون الحاجة لغيره.

نظر له كلًا من منتصر وكريم معًا، ليشير أحدهما للآخر بمراوغة، ويذهبا معًا تجاه وقوفه، انتشله من تفكيره أجساد ضخمة ترتمي عليه لإحتضانه، ليصيح بألم من هجومهم الشرس: ابعد يا حيوان انت وهو عني.
تحدث عمر بمزاح وهو ما زال محتضنه من جانب، ومنتصر يحتضنه من الجانب الآخر: الحق علينا يا سي صاصا، لقيناك واقف لوحدك قولنا نونسك!
ليتابع منتصر بعتاب مصطنع: اخس عليك يا قاسي اخس، وابنك اللي في بطني!

صمت عم المكان، يحاول استيعاب ما يحدث، ليخرجا من عناقه، فوجدوه ينظر لهم ببلاهة، ثانية. ثانيتان وانفجر ثلاثتهم في الضحك، فرغم ما مروا به من صعوبات، لم يجدوا ما يهون عليهم سوي هم، رابط الصداقة رابط مقدس، فالصديق هو الذي ينتشلك من ظلامك ليقدمك للنور، شعر مصطفي بمشاعر جديدة تجتاحه، ألا وهي مشاعر الصداقة، نظر لهم بإمتنان حقيقي، ثم عاون إحتضانهم برفق، ليقول بحب حقيقي لهم: شكرًا. شكرًا بجد على وقوفكم جنبي رغم اللي عملتوا.

متقولش كدا يا درش، انت غلطت اه بس خدت جزائك.
قالها عمر بمزاح وهو يمرر يده على جروح مصطفي الظاهرة بعض الشئ، ليذكره بهجوم يزن الشرس عليه.
لوي شفتيه بضجر وهو يقول بسخط: بس متفكرنيش، دا كويس إني طلعت صاغ سليم.
استوسطهم عمر، ثم وضع ذراع على مصطفي وذراع على منتصر، ثم ذهبوا بعد أن أنهوا مهمتهم الشاقة، ليردف بغرور مصطنع: إحتفالًا بالإنجاز العظيم دا، أنا عازمكم على الغذا في بيت يزن.

في النفس الوقت. في منزل والد ضحي.
نظر حمدي للواقفة أمامه بصدمة جلية على وجهه، لم يخطر بباله وجودها أمامه مهما طال الزمن، فقد ظن بأنها ذهبت مع أولاده وتحررت من سجنه، ردد أسمها مرة أخري بذهول: كريمة!

ظهرت من خلفه، ابنته المتمردة منذ صغرها، والمحبوبة أيضًا! فقد كانت مدللتله وجزء من روحه كما كان يقول، ولكن جاء من جعله يزرع الشك بعائلته، ليهدم الود والوصال بينهم، ويحول بيده حياته إلى جحيم، خرج صوت ضحي الهادئ رغم خوفها: مش هتدخلنا يا بابا!

أفسح لها الطريق بهدوء عجيب، وملامحه تعكس الإستنكار، يبدو أنه تذكر ما حدث مرة أخري، ولكن رغم مقتها لمعاملته معها، إلا أنها كانت تستمع من والدتها في الفترة الأخيرة إلى قصة حبهم الأسطورية، وبالرغم كل ما حدث وهجره ومقته لهم، إلا أنه لم يرفع يده على والدتها ولو مرة واحدة، وهذا ما أشعرها بالفخر تجاه والدها، بالرغم من ضربه لها مرة ة في موجة غضبه، ولكن بالنهاية هو والدها، ويجب عليه أن يعلم ما حدث بالماضي.

جايين ليه!
هتف بها، لتجيبه تلك المرة كريمة وهي تنظر له بإمعان وهناك غصة تتشكل في حلقها: عشان تعرف الحقيقة اللي رفضت تسمعها زمان يا حمدي.
احتدت عيناه وقست تعابير وجهه، ليهدر عاليًا بغضب وتلك الذكري تحلق في ذهنه مرة أخري: مش عايز اسمع حاجة، مش عايز.
لازم تعرف وتفهم الحقيقة يا بابا، للأسف انت موثقتش في ماما زمان وسمعتها، وجه اليوم اللي تسمعها فيه.

صاح عاليًا وتلك الأحاديث المشككة في شرف زوجته بات يتذكرها مرة أخري: قولتلك مش عايز، الحقيقة انا عرفتها زمان و...
قاطعته كريمة بصراخ ودموعها تهبط على وجنتيها بقهر: كدب، كل اللي سمعته كدب ومحصلش.

صدره كان يهبط ويرتفع مدللًا على غضبه الشديد، لتستطرد حديثها مبررة، وشعور الظلم يتغلل داخلها بلا رحمة: كل اللي سمعته من واحد حقير كدب، انت. انت صدقته رغم إنك عارفني كويس، مستحيل اعمل حاجة غلط واخونك، بس انت صدقته، صدقت واحد الله يجحمه خرب عليا وعلى ولادي.

روت له كل ما حدث، ودموعها تتسابق على وجهها، كان قلبه يدق كما كان عند النظر لوجهها، لذلك كان يقضي معظم نهاره بالخارج، يشرب الكحولات لنسيان ما يؤرقه، فكان يعود فجرًا لينام محله، ورغم ذلك كانت صورتها تقتحم أحلامه، فيستيقظ من نومه غاضب بشدة، فلا يجد ما يفعله سوي الخروج مرة أخري، أفاق من شروده على شهقاتها التي تعلو كلما تذكرت الماضي الذي فرقهم، كان يستمع إليها بقلب ينزف، فهو برغم القسوة التي كان بها، لميستطيع كرهها، لم يستطيع التخلي عن عشق تمناه طوال فترة صباه ونضوجه، قلبه يجبره على التصديق، وعقله ينفي ما تقوله، أصبح في صراع رفض تبينه، لذلك وقف بجمود بعدما انتهت، ليردف بصوت جعله ثابت قدر الإمكان: شرفتوا.

نظرت له ضحي بأسي وهي تترجاه بعيناها: يا بابا عشان خاطري...
قاطعها بجمود وهو يذهب لفتح باب شقته: قولت شرفتوا.
ابتلعت كريمة غصة مؤلمة في حلقها، فبعد ما روته له ظنت إنه لا يصدقها، كُسر فؤادها مرات عدة، وها هو يُكسر تلك المرة بقوة أشد، جرت أحبال خيبتها لتخرج من المنزل، لتليها ضحي التي نكست رأسها للأسفل في أسي، ظنت بأنها ستعيد رباط الود بين والديها، ولكنها أخطأت بشأن ذلك.

أغلق حمدي الباب خلفهم بعنف، ثم ذهب لأساس المنزل ليقوم بهدمه بغضب شديد وهو يصرخ، لا يعلم أهو غضب أم حقد، أم ندم!

مرت ثلاثة أشهر تغيرت فيهما الأحوال كُليًا.
استطاع منتصر أن يمر من أزمته بمساعدة أصدقائه، وكم هو ممتنُ لهم.
اعترف عمر لرزان بحبه، وكم كانت مصدومة حينها، فقد اعتقدت بأنه حب من طرف واحد، لتُصيبها الخيبة ويخيم عليها الحزن، في ذلك اليوم دخل عليها أخيها غرفتها ليعلمها بمطلب صديقه للتقدم لها، حينها صرخت بحماس وهي تجيبه بسعادة: قول وكتاب الله كدا! اناااا موافقة طبعًا.
طيب اعملي نفسك حتى مكسوفة!

لم تجبه، وإنما كانت بعالمها الوردي، تحدد موعد زفافها ولون الفستان الذي سترتديه في خطبتها، وبالفعل تمت خطبتهم في التو، وكم كانت سعيدة بل ستطير فرحًا عندما صارحها بحبه لها.

قام مراد بعد عدة محاولات فاشلة بطلب يد آيات من أخيها، ولكنه كان يرفض بشدة رغم موافقة أبيه، متحججًا بأنها بهجة هذا المنزل ولن يستطيع التخلي عنها، وبعد محاولات أخري حاول إقناعه وافق على مضض، رغم إنه يعلم عشقه المخفي منذ البداية لشقيقته، ولكن كان يريد التأكد أكثر، حينها أقبل عليه مراد يقبله ويحتضنه بسعادة، ثم صاح صارخًا بأنه حصل على مراده أخيرًا، فقامت خطبتهم في نفس اليوم مع عمر ورزان.

ساوم منتصر عمر على خطبة شقيقته أية مقابل خطبته على رزان، لينظر له بإشمئزاز وهو يجيب عليه: تصدق إنك حقير!
جلس على المقعد، ثم وضع قدم على الأخري متشدقًا بغرور: والله دا شرطي.
جز على أسنانه بغيظ وهو يلعنه بداخله، ثم ذهب لشقيقته ليُعلمها بتقدم منتصر لها، حينها وافقت بخجل، ليحتضنها بحب، لتتم خطبتهم مع الخطبتان السابقتان.
(انا للقُراء: انا لسه هشرح! ).

توطدت العلاقة بين الشباب جميعًا يزن، منتصر، مصطفي، مراد، عمر، بيبرس ليكونوا المعني الحقيقي للصداقة، رغم نفور مراد من مصطفي في البداية، لكنه اكتشف معدنه الطيب، ليصبح من أصدقائه المفضلين.

أقام بيبرس هو وجيسيكا بمصر لفترة محدودة، بمنطقة قريبة من قصر الراوي، وقام بالزواج من جيسيكا، حيث كانت حفلة صغيرة بها يزن وأصدقائه، وتم الزواج بوجودهم بين فرحة عارمة من الجميع، ثم عادا إلى بلادهما هما الإثنان، على وعد اللقاء مجددًا.

تم القبض على الزعيم من قِبل شرطة سينغافورة، ومحاكمتهم جميعًا بالإعدام ومن قبلها الأعمال الشاقة، تمت محاكمة كريم العامري وكان النطق النهائي للحكم، هو الإعدام، هاج وماج وظل يترجي الجميع بفك أسره، لكن لم يستمع له أحد، فهو في النهاية قاتل.
تقدم مصطفي من فتاة أحبها وهي كذلك بادلته تلك المشاعر، ليقرر البدأ من جديد ويكون عائلة خاصة به، ترتبط في مشاغر الدفئ والحنان، لا الكره والبغض.

بعد خمسة أشهر، وسط سكون الليل، وهدوء المكان، تعالت صرخات ضحي المتألمة من معدتها، في البداية شعرت بوخز طفيف، لتستيقظ وهي تأن بصوت خفيض، جلست مكانها مغمضة عيناها بقوة للسيطرة على الألم، لكن تصاعدت الضربات بمعدتها، لتهبط بيدها على رأس يزن لإيقاظه وهي تصرخ بفزع وألم: قووووم قاامت قيامتك انا بولد.

اضطرب من مضجعه بفزع، ليجد شعرها مشعث، وثيابها واسعة، تفتح عيناها بقوة، فكان مظهرها أقرب لأبطال أفلام الرعب، وما زاد الطين بلة هو صراخها.
اقترب منها بهدوء مردفًا بتوتر عندما ازداد صراخها: مالك يا حبيبتي!
امسكت معدتها بألم، لتمسك بالوسادة وتعضها مغمضة عيناها، ازداد توتره وهو يستمع لصراخها المكتوم، ليقول ببلاهة: اجبلك مية!
امسكته من ياقة ملابسه وهي تصرخ به: بولد يا يزن، بولد.
اه. اه بتولدي، مبروك.

وجد الوسادة ترتمي على وجهه بعنف، ليستمع لطرق الباب، فوجد فريدة تقف أمامه بقلق: مالها ضحي يا يزن، عمالة تصرخ ليه.
هموت الله يخربيتكوا، ودا وقته!
شقهت فريدة بفزع وهي توجه حديثها ليزن المصدوم: شيل مراتك يا يزن وديها المستشفي دي بتولد.
أومأ لها بقلق ليقول وهو يتجه لخزانة ملابسه: طيب هلبس الأول.
دخلت فريدة خلفه وهي تنهره بشدة: بقولك مراتك بتولد تقولي هلبس! انت ايه اللي جرا لمخك يابني!

وكأنه لم يسمعها من الأساس، لذهب تجاه خزانة زوجته ثم يجعلها ترتدي ثيابها بمساعدة والدته، ليحملها بعدها على ذراعيه ويهبط بسرعة درجات السلم، ثم يصعد إلى سيارته منكلقًا بها بسرعة شديدة، وكأن عقله قد عاد إليه مرة أخري.

وصل للمشفي، ليلتقطها منه الأطباء، واضعين إياها على الترولي، ثم أدخلوها غرفة العمليات، بعد أن ابلغوه بأنها حالة ولادة رغم إنها ما زالت في الشهر السابع، جلس على المقعد أمام غرفة العمليات، والقلق ينهش بقلبه، ظل يردد اجميع الأدعية التي حفظها، وجد أفراد عائلته يدخلون من رواق المشفي، ليتجه عمر ناحيته وهو يربت على كتفه مرددًا بتشجيع: متقلقش هانت يا صحبي.

بادله ابتسامة باهتة وعقله مشغول بالتي تصرخ في الداخل، تخالطت صرخاتها مع صوت صرخات الصغير، يتحول قلقه إلى سعادة عندما استمع لصوت طفله البكري يصدح في الأرجاء، فإختفت صرخاتها، لتخرج ااممرضة وبيدها طفله ملتف بفراش صغير، فأعطته إياه وهي تقول بإبتسامة بشوشة: ولد زي القمر، يتربي في عزك.

اخذه منها وترتسم عليروجهه معالم سعادة والإنبهار بصغيره، وقفت فريدة وبجانبها زوجها عصام وهي تهتف بفرحة عارمة: ما شاء الله، الف مبروك يا حبيبي.
الله يبارك فيكي يا ماما.
أجابها وعيناه تتجولان على وجه الصغير، شعر بفؤادهينبض بشدة، وغامت عيناه بالسعادة الشديدة، ليقبله بحنان شديد من جبينه، وهو يردد بخفوت: نورت حضن أبوك يا حبيبي.
جاء إليه عمر ليتطلع للصغير بفرحة وهو يردد بزهو: أكيد هتسميه عمر، صح؟

طالعه يزن بإشمئزاز وهو يقول بنفور: ليه عايز ابني يطلع اهطل؟ غور يلا من هنا، قال عمر قال.
ثم تركه وذهب إلى غرفة زوجته وبيده الصغير ذو الملامح البريئة، والذي يشبهه إلى حدٍ كبير، بينما وقف عمر مكانه بصدمة وهو يردد ل: انا أهطل! احم. دا أكيد قال كدا من الصدمة وميقصدش.
دخل يزن إلى زوجته، ليجدها نائمة بإنهاك، ليضع طفله على ذراع، وباليد الاخري مسد على خصلاتها برقة، فتحت عيناها بوهن لتتحدث بضعف: فين ابني!

اعدل الصغير ليضعه بحذ على صدرها وهو يردد بحب: مبروك علينا يا حبيبتي.
ادمعت عيناها بسعادة، لتضع قبلة صغيرة على وجنته، مزامنة مع تربيتها على ظهره بخفة، ضجر يزن وهو يقول بحزن زائف: اي دا هو هياخد مكاني ولا إيه!
ضحكت بخفة، لتغمز له بمشاكسة: دا انت الحتة الشمال يا يزونتي.
عندي خبر ليكي حلو.
تنبهت حواسها لتسأله بإهتمام: ايه هو!
أجابها وعيناه تجول على ملامح وجهها: انا اتعالجت، يعني مفيش مخدرات تاني.

نظرت له بسعادة شديدة، وتلك المرة بكت فرحًا وهي تحتضنه بشدة، لتردف بعشق خالص: بحبك، بحبك أوي.
بادلها الضحك، ليقبل جبهتها وهو يقول براحة: وانا كمان بعشقك، حمدالله على سلامتك يا عيوني، نورتي مملكتي انتِ و سليم يزن الراوي.

مرت عشرة سنوات...
كان كل من بالقصر يعمل على قدم وساق، فاليوم هو عيد ميلاد حفيدهم البكري العاشر، زُين القصر بأبهي صورة، رغم أن الحفلة ستكون على الأقارب فقط، ولكن سلسلة الأقارب قد كبُرت، وكل عائلة بات لها أطفالها، جاء الليل، ليهبط الجميع للأسفل، مُلتفين حول الطاولة الكبيرة، وامامهم العكعة الكبيرة المزينة بالشموع الزاهية، وجميع أنواع المأكولات أيضًا.

أتي عمر ومعه زوجته رزان، وعلى ذراعه ابنه ذو الثلاثة أعوام يمسكه من أذنه رغم ضجر الآخر، ورزان تمسك بيدها ابنتها ذات الثماني أعوام.

ومن بعده هبط مراد ومعه آيات، ومعهما توأمهما ذو الخمسة أعوام، فقد أتوا بعد معاناة كبيرة من تأخر الإنجاب، وقفوا بجانب يزن واسرته، ليأتي من بعدهم ساهر وزوجته رضوي ومعه ثلاث فتيات من أعمار مختلفة، ومنتصر الذي دخل مؤخرًا مع أية وابنه ذو التسع أعوام وابنته ذات الخمسة أعوام، ودخل مصطفي مع فتاته الهادئة كوالدتها تمامًا، وأخيرًا جاء الغائب عن الجميع بيبرس، رحب به الجميع بحفاوة شديدة، وذهبت ضحي والفتيات لإحتضان جيسيكا، ليتجه إليها سليم وهو يهتف بمغازلة: حلاوتك يا رمان لما تستوي.

ضحكت جيسيكا بقوة، وهي تقوم بإحتضانه مردفة بيأس: مش هتبطل قلة أدب ابدًا!
أجابها وهو يوجه أنظاره لإبنتها روما والتي تأخذ جميع صفاتها: وحد يقول للكيوي لا.
سليم.
نداء والده الحاد أفزعه ليجيبه بخوف: جاي يا كبير حالًا.
ضحك عليه الجميع بشدة، ليبدأوا حفلة عيد الميلاد بجو من المرح والحب والألفة التي تجمع بين جميع أفراد العائلة، والإنسان لا يريد شئ سوي عائلة تحبه، وأصدقاء يساندونه، وحياة هادئة. ينعم بها بسلام.

أخذها على جانب صغير، ليحتضن يزن ضحي بحب وعشق يتزايد مع مرور السنوات، عشق ينضج حتى وصل إلى منتهاه، دفن وجهه في نتوء عنقها متشدقًا بإمتنان وصوت خافت: لولاكي مكنش زماني كدا، انتي النور اللي دخل حياتي، هتفضلي انتي الحاجة الوحيدة اللي بحمد ربناا عليها ليل نهار، الكلام مش هيوفيكي حقك، بس انا بحبك أوي.

استمعت إليه بأنفاس مضطربة، ورغم سماعها لتلك الكلمات من قبل، إلا أنه عند اعترافه لها، تُخيل لها بأنه يقولها لأول مرة، بادلته العناق بقوة أكبر وهي تردف بصوت مملوء بالحنين: وانا بعشقك يا يزن، وهفضل احمد ربنا على وجودك في حياتي.
وهناك على الجانب الآخر بعيد قليلًا، كان سليم ينظر لإبنة مصطفي بغموض، يبدوا بأن هناك قصة من نوع آخر على وشك البدأ.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة