قصص و روايات - قصص بوليسية :

رواية حي الورد للكاتب علي اليوسفي الفصل الرابع والثلاثون

رواية حي الورد للكاتب علي اليوسفي الفصل الرابع والثلاثون

رواية حي الورد للكاتب علي اليوسفي الفصل الرابع والثلاثون

(((الهوى جارحٌ كالشوك، مكلل بالخوف والحيرة، مجبول بالوجع ومُعتقٌ بالألم، لكن قلبي كالأبله يهوى رائحة الأنين ))).

دعوة صباحية على الإفطار كان الهدف منها أن تكون أولى جلسات العلاج، تلقفها أويس بصدر رحب، خاصة وأنّ المكان الذي انتقاه مازن المطلّ على الرصيف البحري هادئ رغم صخب الأمواج، نسمات البحر الباردة تنعكس دفئاً في قلوب المتعبين، رحل النادل بعدما رصّ الأطباق المتنوعة فوق الطاولة فحمل مازن رغيف خبز ليناوله لشقيقه الشارد قائلاً بلطف مازح: هيا لتتناول طعامك أيها المُحبّ الهائم، ثم اسرحْ في منظر البحر كما تشاء.

انتبه على صوت أخيه ليبتسم بوداعةٍ لا تظهر كثيراً، تناول الرغيف من يده مطالعاً الطاولة التي امتلأت عن آخرها فهتف باستنكار: ومن سيتناول كل هذا يا مازن؟ هذا اسمه تبذير بالمناسبة.
منحه مازن نظرة غير راضية قائلاً بامتعاض: وماشأنك؟ من سيدفع الفاتورة أنا أم أنت؟
بدهاء أجاب: أنت بالطبع.
تناول طعامك بفم مقفل إذاً.

قالها مازن بمزاح ليضحك الآخر بخفة وهو يحرك رأسه بيأس هامساً دون وعيّ منه: يبدو أنها عَدَتكَ أنت أيضاً؟
تلقفت أذناه ماقال أخاه ولم يكن ليُفوّت زلّته تلك دون الاستفادة منها فتساءل بمكر: من تقصد أويس؟ مياس؟

أوقف يده قبل أن تمتدّ إلى طبق الزيتون أمامه وقد تجهمت ملامحه بحزن، رمى قطعة الخبز على الطاولة أثناء إيماءةٍ مقتضبة، زفر بتثاقل وهو يولي أنظاره صوب البحر الهائج، لم يرغب مازن بتركه صامتاً فحاول دفعه للحديث حين عقب: ألم تتحدث معها من جديد؟

استغرق بضع لحظات ليجيب باندفاع أثناء التفاتته نحوه: هي لاتعطيني الفرصة لأتحدث يامازن، تخيل؟ لا تسمح لي بمحادثتها في حين أصبحت وطارق صديقان رغم أنه شكّ بها مثلنا تماماً؟
استغرب انزعاجه من طارق فقال بنظرة ماكرة: لكن طارق لم يؤذها بقدرك، صحيح؟
كأنه ضغط على جرحه فنفخ وهو يطوي ذراعيه أمامه محنيّ الرأس، حرك رأسه بالإيجاب بتعب: ربما...

رفع رأسه إليه مجددا ليضيف بغضب مكبوت: لكن هذا لايمنحه الحق بأن يسلبني مكاني لديها، هذا الأبله لن يساعدها بقدري أنا، أنا أذكى منه وأقوى جسدياً.
لم يكن ليُفسر تعابيره واندفاعه سوى أنها غيرة، لكنه حاول استيضاح الأمر منه بشكل جيد فقال: دعني أفهم أمراً أويس، هل تقول بأنّ طارق يحاول الإيقاع بينك وبين مياس؟

أماء إيجاباً فابتسم الآخر بذهول أثناء إسناده لظهره الى الخلف، هز رأسه الى الجانبين بعدم تصديق فأضاف: أويس، طارق لم يسلبكَ مكانتك، بل أنت من خسرها من الأساس، أم أنك نسيت؟
رصّ شفتيه ببعضها قبل أن يعقب بغباء نزق: لا لم أنسى، لكن لماذا يدخل ذلك الأحمق على الخط؟ أيعتقد أنها قد تحبه؟
رفع مازن حاجبيه قائلاً بخبث: لربما أحبته لولا أنه خاطب، أم أنك نسيت يا أحمق؟
طارق فسخ خطبته.

قالها بلا مبالاة انعكست دهشة على وجه الآخر فأردف بحاجبين منعقدين: حقاً؟ مالسبب؟
بحماس غاضب قال: لا أدري مازن ولا أريد معرفة السبب، مايهمني هو أن يبتعد عن مياس فقط.
استشفّ مازن نقمته الواضحة على طارق، بذات الوقت خشيَ عليه من التهوّر، كتف كلتا ذراعيه أمامه متحدثاً بتعقل: اسمعني أويس، أنت غاضب من طارق وهذا واضح من حديثك عنه.

حاول مقاطعته إلا أنه أردف بحزم جاد: دعني أكمل حديثي، إن أردتَ التخلص من مرضك فعلياً عليك أولاً السيطرة على المشاعر السلبية، يجب أن تسيطر على غضبك وتحجّمه، لا أن تجعله يسيطر عليك ويسوقك كيفما يريد، وقبل كل هذا لاتنسى أن طارق صديقك.
تنهد بتكاسل ساخراً: كلامك جميل جداً ويُحترم مازن، لكن هذا لن يمنعني عن صديقي الأحمق.
سقط فكه بذهول قبل أن يردف: لكن ليس هذا مااتفقنا عليه ياأويس...

قبل أن يتمّ مازن جملته عقب أويس بنبرة غلفها الخبث: لا تقلق، لن أستخدم العنف هذه المرة.
أمال رأسه إلى الجانب محاولاً الولوج إلى عقله علّه يقف على حقيقة مايفكر فيه، فيما تابع أويس بحاجبين يتراقصان مكراً: هذه المرة سأستعمل القوة الناعمة.

يعترف مازن بأن أويس كأحجية مستحيلة الحل، لم يدرك ولم يفهم مايفكر فيه حقا، لكن مابعث فيه بعض الراحة هو وعده بعدم اللجوء إلى العنف ولا الأذية بحق غيره أو نفسه مما جعله يلتزم الصمت المضطرب.
أقبل أويس على طعامه بنفس مفتوحة وهو يتخيّل ردة فعل طارق ومياس معاً فيما يحضّر لهما بعد قليل، وابتسامة عابثة زيّنت ثغره أثناء تصوّره نجاح الخطة...

لا حسّ ولا خبر!
منذ أسبوع والهدوء المريب مسيطر على الأجواء، عكس الوضع داخل عقلها الذي لم يكفّ عن البحث والتفكير، تذكر تحقيقها الذي أجرته مع بعض رجال الخفاش ممن أمسكت بهم خلال عملية المطعم المشهور، باستثناء واحدٍ منهم مازال في غيبوبة لكنها لم تقف منهم على شيء، تكاد أن تُجنّ كيف يتعامل مع هؤلاء إذن؟

لا اسم ولا رقم هاتف حتى، كل ماباحوا به أنهم كانوا يتلقون الأوامر من نبيل مدير المطعم، وأنهم لا يعرفون أكثر من هذا ولن يتحدثوا حتى لو قطعتهم أشلاء، يبدو أنه أحسن تدريبهم، أو تهديدهم بمعنى أدق. مايضايقها بشكل أساس شعورها بأنها مقيدة، حتى خطبة رائد على ردينة التي تمت ليلة أمس لم تتمكن من حضورها، خشية أن تكون مراقبة من الخفاش أو صلاح.

تأففت مياس بقوة وهي تُلقي بضع أوراقٍ من يدها، استقامت لتقابل النافذة الزجاجية واضعةً كلتا يديها في جيبي سروالها الخلفي وهي تتمتم بانزعاج واضح: هراء، كل مانفعله مجرد هراء لاقيمة له.
انتبه طارق الجالس قبالة طاولتها إلى همسها الناقم، فرمى الملف الذي كان يحمله في يده قائلاً بهدوء: تحلّي بالصبر مياس، يجب أن تبقي هادئة لتفكري بشكل سليم.

زفرت بقوة وهي تلتفت ناحيته هاتفة بغضب مكتوم: أكاد أفقد عقلي يا طارق، كأنه مجرد خيال؟ ماإن اقترب لأمسك به حتى يختفي تماماً كذرة غبار!
صمتت للحظة قبل أن تضيف ببسمة ساخطة: حتى صلاح لا استطيع الوصول إليه! لا أصدق هذا حقاً.

ترافقت عبارتها الأخيرة مع إلقائها لنفسها فوق كرسيها، أمسكت الأوراق مجدداً تحاول التركيز لكن عبثاً، عادت لتلقيها تتأفف بتذمر مجدداً فضحك طارق على منظرها الغاضب، رمقته بزاوية عينها قائلة من بين أسنانها: طاارق، لاتغضبني أكثر.
انفجر ضاحكاً على منظرها يحاول إخبارها من بين ضحكاته مشيراً لها: أكثر من هذا؟

امتازت غيظاً وبجنون راحت تبحث عن شيء ترميه به فلم تجد سوى الملف بين يديها وبالفعل رمته به، تحاشى الأوراق محاولاً كتم ضحكته بصعوبة مخبراً إياها بمزاح ساخر: يا آلهي مياس! أصبحتِ عنيفة أكثر من قبل!

نفخت بحنق من سخريته أثناء إلتفاتتها إلى الجانب الآخر، لكن مزاح طارق وهو يحاول إرضاءها أجبرها على التخلي عن قناع الغضب، كتفت يديها فوق الطاولة ثم ضحكت معه على نفسها وهي تحرك رأسها بخفة، في هذه اللحظة سمعا قرعاً على بابها فهتفت وماتزال محتفظة ببسمتها: ادخل.

انفرج اللوح الخشبي ليظهر أويس بوجهٍ جامد الملامح، غابت بسمتها وهي تخفض نظرها عنه كأنها لاتريد رؤيته، أصابه الضيق من تهربها منه في حين تطلع طارق إليها بذهول ثم عاود النظر إلى أويس قائلا بدهشة واضحة: أويس..

بنظرة مغتاظة شمله أويس وقد تنامى الضيق في صدره فعلى مايبدو أنهما يقضيان وقتاً ممتعاً! خاصة وأن صوت ضحكهم كان مسموعاً، تصنعت مياس عدم المبالاة أثناء سؤال طارق له بصوت عادي: مالأمر أويس؟ هل أردتَ شيئاً؟
ابتسامة صفراء ارتسمت على محياه مجيباً بسخرية واضحة: أبداً، فقط كان صوت الضحك واصلاً لآخر الممر، فأحببتُ أن أعرف السبب.

أعادت ظهرها إلى الخلف مانحةً إياه نظرة غير مكترثة، بحاجب مرفوع ونبرة باردة سألته: وماشأنك أنت؟
تعالى صوت زفيره واحتدت نظراته تزامناً مع تعاملها الجاف معه، أهداها ذات الابتسامة الساخرة حين قال بتهكم: يعني، ظننتُ أنكما توصلتما إلى مكان الخفاش، أو صلاح ربما!
لم تتبدل تعابيرها الباردة وهي تجيبه باستهزاء بائن: لا تقلق، حين نصل إلى أحدهما ستكون أول من يعرف، في النهاية سنحتاج إلى سائق.

بزاوية عينه لمح ابتسامة طارق وإن حاول إخفائها بيده، نار حارقة اشتعلت في صدره انعكست شرراً يتطاير من عينيه كنتيجة طبيعية على جوابها، ربما تتغير مياس لكن امتهانها لأسلوب قصف الجبهات معه هو بالذات لن يتغير، لكن لا بأس فهو قد حضّر لها مفاجأة، لهما بمعنى أصح.

شهق نفساً عميقاً ملأ به صدره ثم ابتسم بخبث وهو يحرك رأسه بتوعد، شدّ ظهره وفرد كتفيه ليبدو أكثر ضخامة ثم تحدث بصوت حاول جاهدا أن يبدو عادياً: لا بأس، أنا فقط كنتُ أودّ أن أُعرفكما إلى شخص مهم.
تنحنح طارق أثناء محاولته وأد سخريته من أويس، اعتدل في جلسته مشيراً بيده: نعم بالتأكيد، من هو؟
لم يزلْ مثبتاً ناظريه عليها حين قال ببرود مُعتدّ: خطيبتي.

ربما لم تنتفض صارخةً بعدم تصديق، لكنه يجزم أنه رآى الصدمة في الحمرة التي غزت ملامحها الجامدة، في اللمعة الداكنة داخل مقلتيها السود وعينها اليسرى التي اهتزت لثانية قبل أن تستعيد ثباتها مجددا، في قبضتها التي اشتدت دون وعيٍّ منها على الكرسي الجالسة فوقه، بصوت زفيرها غير المنتظم، كلها علامات أكدت لأويس أنه أصاب هدفه وبدقة متناهية.

أدركت أنه يحاول فقط إغاظتها لذا لم ترفض ولم تقبل أيضاً، انحنت لتكتف ذراعيها أمامها متصنعة اللا مبالاة، تخفي بذلك ناراً شبت بين أضلعها مع سابق معرفتها بأن الأمر مجرد خدعة، هي في الحقيقة لم تعرف لهذا الشعور مسمىً، ولم تدرك مياس أنّ الوخز الذي داعب قلبها يسمى غيرة الأنثى.

أما طارق فلم يبذل جهداً في إخفاء صدمته، إلا أنه سيطر عليها سريعا خاصة حين التفت ناحية مياس فوجدها تعود لوضعها الأول، توقع من مياس الرفض الصريح لكن ردة فعلها كانت مفاجئة له، عاد يتطلع ناحية أويس مردفاً ببسمة دبلوماسية: طبعاً أويس، هل نعرفها؟
بملامح الثعلب المكار نقل أنظاره ناحية طارق، لمعت عيناه بوميض خبيث أثناء رده عليه بنبرة ذات معنى: بالتأكيد، أساسا لا أحد يعرفها مثلك ياطارق.

حاول الأخير تفسير كلماته وقبل أن يفكك شيفرة حديثه، تنحى أويس إلى الجانب لتظهر من خلفه آخر إنسانةٍ توقعها، غزت الصدمة المذهولة تقاسيمه أثناء استقامته ببطء، طالعها بدهشة لتقابله بنظرات واثقة، جفّ ريقه محاولاً لفظ اسمها بشكل مسموع: داليا!؟
رفعت رأسها إليه كالملسوعة قبل أن تديرها ناحية تلك التي وقفت بجانب أويس، فتحت عيناها عن آخرها بصدمة مارأت، أيعقل أن تصل به الدناءة إلى هنا؟

حوّلت نظرها صوبه لتجد تلك الابتسامة اللعوب، صدق حدسها بالفعل وهو فقط يرغب بإغاظتها، لكنها تعترف لم تتوقع أن يصلْ به ذكاؤه لضرب عصفورين بحجر واحد، ياله من خبيث ماكر!

بتكبر موروث طالعت داليا كليهما، وفي مقلتيها وميض النصر الذي جَنَتْه ماإن لمحت نظرة الخيبة في مقلتيه، بالكاد استطاع طارق لملمة نفسه فمنح داليا نظرة قرف، رفع رأسه بإباء متحدثاً بصوتٍ خالٍ من المشاعر: هنيئاً لكما إذاً.
عاد ليجلس مكانه ممسكاً بالأوراق ذاتها التي كان يفحصها قبل لحظات، لكنّ أويس سارع ليقاطعه: بالمناسبة طارق، أريد محادثتك في أمر مهم لو سمحت.

هذا التهذيب المفاجئ غريب على أويس، ناظره طارق بمقلٍ ضيقة لكنه لم يستشفّ مقصده الحقيقي منها، التفت ناحية مياس فأشارت له بعينيها، حينها فقط ربّت أويس على كتف داليا برفق قائلاً بحب كاذب: اعذريني عزيزتي، لديّ بعض الأعمال الهامة.
أتقنت داليا التفاعل المزيف معه مجيبة: كن على راحتك عزيزي.

، وقف طارق من محله فقط يريد الهرب من الجو الخانق، لتتقدم داليا بدلال مصطنع حتى مرت من أمامه لتجلس على مقعده بالذات، متحدثةً أثناء تحركها برقة غريبة عليها: وأنا سأجلس أتجاذب أطراف الحديث وأتعرف إلى سيادة النقيب، إن لم يكن لديها مانع بالطبع؟

نطقت آخر كلماتها موجهةً حديثها إلى مياس التي أرجعت ظهرها للخلف، شابكةً كفيها أمام بطنها وارتفع صدرها بنفس عميق، ثم انفرج ثغرها عن ابتسامة ثعلبية لتردف بمكر: طبعا لا مانع آنسة داليا.

خرج طارق بخطوات راكضة فبدى حرفياً كالهارب، منحها أويس نظرة أخيرة قبل أن يغادر لكنها لم تبادله، لم يشعر بالراحة حيال قبولها الحديث مع داليا، فمن منطلق معرفته بها توقع أن ترفض وبشدة وسيضطر للتحايل عليها حتى يجمعهما لوحدهما، لكنها قبلت وهذا بحدّ ذاته مريب، أغلق الباب ليلحق بطارق وفي نفسه أمنية، فقط أن تجيد داليا دورها وتتمكن من خداعها، لم يدرك أويس أنه كان حرفياً كمن يودع كنزه الثمين عند السارق، ولم يوقن بعد أن من يلهو بالنار سيحرق أصابعه، وأنّ من يلاعب الذئب سيتحمل خربشاتها!


تصنعت داليا الابتسام الرقيق وهي ترفع إحدى قدميها فوق الأخرى، ثم قالت بنبرة متصنعة:
في الحقيقة سيادة النقيب، تقصدتُ أن نبقى لوحدنا لأعتذر لكِ عمّا بدر مني قبل أسبوع.
لم تزلْ مياس على وضعها الأول تراقب حركات داليا كما لو أنها تدرسها، شعرت بشيء مريب منذ أن بدأت الأخرى الحديث فاعتزمت كشف أمرها، فيما عقبت داليا بلطافة مبالغٍ فيها: أعني أن لقاءنا الاول لم يكن لائقاً، وصراحة أنا كنتُ ساذجة. للغاية.

قطعت جملتها بضحكة قصيرة ثم عادت تضيف بلباقة لزجة: تعلمين؟ كنتُ أظنّ نفسي أحب طارق بل وأغار عليه أيضاً، لكني بعد لقائي بأويس اكتشفتُ أنّ مشاعري تجاه طارق كانت مجرد أحاسيس مراهقة.
يالغبائها! كشفت نفسها باكراً جداً.

حدثت مياس نفسها بتلك العبارة مع ابتسامة انتصار ارتسمت على ثغرها، لم تعِ داليا هذا حين ادّعت الشرود لتكمل بهيام زائف: مع أويس كل شيءٍ مختلف، وكل ماكنت أتصوره عن الحب كان مناقضاً تماماً لما اختبرته معه...

أغمضت داليا عينيها للحظات كأنها غابت في سماء العشق فعلاً، تأوهت بتلذذ كاذب قبل أن تدعي الإحراج ففتحت عينيها قائلة لمياس بخجل مكتوم: آسفة حقاً يبدو أني شردتُ للحظة، اعذريني أرجوك، لكن هكذا هو الشعور بالحب، عندما تحبين مستقبلاً ستدركين صحة حديثي.

بمكر بالغ ألقت عبارتها الأخيرة ولم يخفَ ذلك عن مياس والتي قررت أنْ تردّ لهما الصاع صاعين، تصنعت ابتسامة لطيفة وهي تحلّ كفيها المتشابكين لتتكئ على الطاولة، رسمت ملامح عادية على محياها ثم قالت بودٍّ زائف: لاتقلقي عزيزتي، وتعلمين؟ أسعدني حديثك فعلاً، يبدو أن أويس في النهاية قرر ترك الانحراف والعودة إلى الطريق المستقيم.

أصاب التخبط عقل داليا في محاولةٍ منه لتحليل حديث مياس، بان عدم الفهم على وجهها أثناء تساؤلها المستغرب: لم أفهم حضرة النقيب، ماذا تقصدين؟
تصنعت التردد والصدمة وهي تتلعثم قائلة: ماذا؟ ألم تكوني تعرفين؟ أنا أسفة لم أقصد، اعتبري أنكِ لم تسمعي مني شيئاً أرجوك.

لم تنتبه داليا إلى الخبث الذي غلف نبرتها، ولم تدرك أنّ مياس لعبت على أوتار فضولها حين ابتلعت الطعم فقالت بتلهف متطفل: لا حضرة النقيب أخبريني لو سمحت، ماالذي قصدته؟
مثّلت الإحراج وهي تتهرب منها: لا لا، لا تحرجيني آنسة داليا، انسي ماقلته فقط...

تعاظم فضولها لمعرفة ماقصدته مياس من كلماتٍ متوارية، وفي ظنّها أنّ الاولى ابتلعت الطعم وصدقت تمثيليتها المكشوفة، لكن تطفلها وخوفها من أمرٍ جلل يخفيه أويس جعلها تقاطعها بحزم راجي: لو سمحت ياحضرة النقيب، لن أخبر أويس أعدك فقط أفهميني ماقصدته.
لم تخيب داليا نظرتها أبداً، وهذا مااعتمدت عليه مياس وهي تخبرها تالياً ماجعل مقلتيها تتوسع حتى كادت تخرج من محجريها...

ادّعى أنه يريد معرفة ماتوصلا إليه بعد التحقيق الذي اجرته مياس مع منتسبي منظمة الخفاش من طارق، ولكن بدى عليه عدم التركيز جلياً أثناء حديثه مع رفيقيه في مكتبهم المشترك، لم يكن خوفه من فشل تمثيليته قدر ماكان خشيةً من ردة فعل مياس، دائما ماكانت تخالف ظنونه وتصرفاتها غير متوقعة، رويداً رويداً ابتدأ الندم يتسلل إلى نفس أويس، مالبث أن وقف فجأة وسط نقاش إيهاب ليحادث طارق الواجم: يكفي إلى هذا الحد، تعال طارق.

طالعه الأخير باستغراب جمْ في حين هتف إيهاب بدهشة: إلى أين أويس؟ لم أنتهِ بعد.
بلا مبالاة أجابه مسرعاً: لا بأس سأعود، عليّ أن أوصل داليا إلى منزلها، هيا طارق تعال.
قال الأخيرة وهو يحثّ خطاه إلى الخارج، فلم ينتبه إلى لمعة الأسى في مقلتيّ طارق حين صدق أن داليا قد تخلت عنه فعلاً، وأكثر مايؤلمه أنها لم تتردد في قبول خطبة رفيقه، أصلا متى التقيا وتعارفا وخطبا؟ لم يفهم حقاً..

استقام بتكاسلٍ خلف أويس الذي كان يجري حرفياً حتى وصل مكتبها، طرق مرة واحدة ثم فتح الباب فوراً ليجد الوضع مازال آمناً، مازالت داليا تجلس مكان طارق ومياس خلف المكتب، إذاً لا إصابات حتى الآن..
أجلى حلقه ومسح على رقبته من الخلف بحرج حين التفتت نحوه، ثم قال بكذب: لقد قارب الدوام على الانتهاء، ففكرتُ بأخذ داليا إلى منزلها.

لم تهتمّ بتخاريفه ولم تعقب، أعادت ظهرها تسنده إلى الخلف وعلى محياها نظرة ذئب ماكر، تطلعت ناحية داليا قائلة بنبرة حنون استغربتها ذات نفسها: بانتظار زيارتك مرة أخرى آنسة داليا.

بالكاد وجدت الأخيرة في نفسها الطاقة لتشير بطاعة، استقامت بجمود وصدمة سيطرت عليها منذ أن سمعت مقال مياس الصاعق، مرّت بجوار طارق فمنحته نظرة نادمة، إلا أن الأخير قابلها بجفاء وأدار وجهه للناحية الثانية، أما أويس فلم يشعرْ بالراحة من نظرات مياس وبسمتها الخبيثة، أحسّ بأنها لم تبتلع الطعم و اقتصّت منه لكنه لم يعرف بعد كيف، فقط يدرك من نظراتها أنها لم تمرّر الأمر على خير...

استقرّ خلف مقود السيارة ثم أدارها لتتحرك فوق الطريق، بزاوية عينه لاحظ مراقبة داليا له وقد بان التردد واضحاً على محياها، التفت نحوها فأدارت وجهها للناحية الثانية بسرعة، تلاقى حاجبيه بعدم فهم و حين تطلع إلى الطريق عادت تراقبه بفضول، ضاق ذرعاً بحركاتها ولا يدري لمَ قفز وجه مياس ببسمتها الماكرة ليرتسم أمامه، زفر بغيظ وهو يوقف السيارة إلى جانب الطريق، استدار ناحية داليا بجسده سائلاً بحزم: ما الأمر داليا؟

ابتلعت ريقها بوجل مجيبة بتوتر مبحوح: لا أبداً، لا شيء.
كان التردد واضحاً في تهربها من نظراته فعاد يسألها بجد واثق: بلى، هناك شيء ما لكنك لاتريدين قوله، صحيح؟
بخوف واضح ظلت تطالعه دون رد، فهتف بصوت أعلى حين نفذ صبره: تحدثي داليا مالأمر؟
فتحت فمها لتسأله لكنها لم تعرف ماتقول، فخرج حديثها مجرد كلمات متقطعة: أنت، يعني، لماذا ماتزال...

نفخ بامتعاض وهو يقابلها بتحذير شديد فاستجمعت نفسها لتسأله: لماذا لم تتزوج حتى الآن؟
بدى السؤال بحد ذاته غريباً خاصة في ظل مايعايشه كلاهما، قطب جبينه وهو يردف باستغراب: وماشأنُ هذا بما تخفينه عني؟
تماما كما أخبرتها مياس سيحاول التهرب، لكنها أصرّت عليه قائلة: أخبرني أولاً، لماذا لازلتَ عازباً لغاية الآن؟
فتح عينيه بدهشة غير مستوعبٍ لإصرارها لذا أجابها بنزق: لم يأتِ النصيب.

بدت غير مقتنعة فأردفت ورأسها تميل بحذر: لم يأتِ النصيب أم أنك...
لم تتابع حين استشفّت غضبه من نظرة عينيه، لكن صبره نفذ حقاً فقال بغضب يكتمه تحت أسنانه: أم أنني ماذا؟
قررت رمي مافي جعبتها دفعةً واحدة فقالت بسرعة: أم أنك تهوى الرجال فقط دوناً عن النساء.

للثواني الأولى لم يدرك أويس ماتقصده، مرّت لحظات قبل أن تكون الصدمة من نصيبه هو، توسعت عيناه ونطقت شرراً في حين انكمشت داليا على نفسها خوفاً، بغضبٍ مبحوح سألها: من أين جلبتي هذا الكلام داليا؟
ابتلعت ريقها الناشف بوجل لتجيب بهمس متردد: م مياس، مياس أخبرتني.

ببطء أدار رأسه إلى الأمام ومازالت الدهشة تغلف نظراته، كان حرياً به أن يغضب، أن يصرخ غلّاً وقهراً ويعود ليقلب المكتب فوق رأسها، فما ادّعته يمسّ برجولته أولاً وشرفه ثانياً، لكنه وجد نفسه يبتسم بذهول تحوّل بعد هنيهة إلى ضحكة عالية، فيما داليا تراقبه بقلق خائفةً من ردة فعله، ضحك أويس حتى أدمعتْ عيناه حينها فقط قطع ضحكته، أدرك من فعلتها أنها تغار، إنها بالفعل تغار عليه، وهذا له معنىً واحد لاغير، رغم كل ماتدعيه لكنها تحبه...

ضمّت داليا حقيبتها إلى صدرها بحماية وهي تعتقد أنّ أويس قد جنّ لامحالة، عقب أويس بابتسامة بعد لحظة وهو يدير مفتاح سيارته: هيا لأوصلكِ إلى المنزل.
راقبته داليا بدهشة من الملامح المرتاحة التي غَزت محياه، أيعقل أنه...؟
و لا، ماقالته ليس صحيحاً.
كمن سمع سؤالها الباطني أجاب أويس دفعة واحدة ونظره مصوّب على الطريق، تغضن جبينها بعدم فهم فعقبت: إذاً لماذا...
قاطعها مجددا: لأنها كشفتْ أمرك، فأحبّت أن تردّها لك.

سكت لثانية قبل أن يعقب وقد اتسعت ابتسامته: ولي أيضاً.
استغربت داليا ثقته فيما يقول، ورغم أنه حذرها مراراً منها لكنها لم تتوقع أن تفعل هذا.
هزّ رأسه بعدم تصديق من فعلتها، لكن هذه هي مياس، تتخطى المتوقع دائماً، ارتفع صدره بتنهيدة مرتاحة وهي لاتدرك أنها منحته السعادة الأبدية، فلتنكر ولتجافي كما تشاء، لكنه بات متيقناً من حبها قدر ما كذبت...

استلقى كمال على سريره عقب يوم متعبٍ آخر، تأوه بصوت مسموع وهو يريح ظهره إلى مقدمة السرير الخشبية، وأسدل جفنيه بتعبٍ جمّ، خرجت سعاد لتوّها من الحمام بعد أخذها لحمامٍ ساخن أراحت به جسدها المتعب، ارتدت ثوبها المنزلي السميك لفّت منديلاً قطنياً كبيراً حول رأسها، لكنها توقفت عند باب الحمام ويبدو أنها تفاجأت بتواجد كمال هنا، لاحظها الأخير فطالعها باستغراب سائلاً بصوت رخيم: ما بك يا سعاد؟

أجفلت بخفة حين سمعت سؤاله فهزت رأسها بالنفي، ثم توجهت بخطىً مرتجفة صوب مرآتها تحت أنظار كمال المشتاقة، شاهدها وهي تجلس على المقعد لتفرد شعرها الطويل، جففته بمنديلها ثم تناولت مشطها تريد تسريحه، تلاقت عيناها بمقلتيّ كمال التي تنطق باللهفة والغرام، إلا أنها لم ترَ هذا ولم تشعر به، توهمت أنها ترى الشفقة تبزغ من عينيه ولا تدري لماذا فكرت بهذه الطريقة لكنها مشوشة، راحت تسرح شعرها المبتلّ وكمال يُمني نفسه بليلة حالمة بعد فراق، لكنها أطالت وأطالت، لم تتعمد سعاد هذا بل كانت شاردة في انعكاس كمال، لماذا لم يعد يعاملها كما السابق؟

لم تدرك أنها استغرقت وقتاً طويلاً إلا حين زفر كمال بثقل ثم انسلّ تحت لحافه قائلاً بصوت أرهقته الأقدار: تصبحين على خير.

طالعته بعيون متسعة فاعتقدت أنه يتهرّب منها، بينما في الحقيقة حين لاحظ كمال تعمدها إطالة تسريح شعرها ظنّها تعتذر إليه، وقد عذرها رغم شوقه إليها فما مرت به خلال الفترة الماضية من إرهاق نفسي وجسدي ليس هيّناً البتة، أما هي ولقصر إدراكها ظنّته لايريد وصالها، رفعت رأسها بإباء وقد التمع الدمع داخل مقلتيها فلملمت شعرها بعبث، وضعت فوق رأسها غطاء ثم خرجت من الغرفة بأكملها حين شعرت باختناقها، رغبت في إخراج كل مايعتري صدرها من حسرة وألم، غير عابئةٍ بالبرد القارس ولا شعرها المبتلّ، ظلمته وظلمها حين قرر كلاهما حبس الكلمات في جوفه، لو أنهما يتعاتبان فقط لاستراح كلاهما...

مع تمام شفاء سعاد واطمئنانه على صحتها قبل أسبوع، عاد كمال إلى عمله بإصلاح مخزنه الذي احترق، والذي لم يعرف إلى الآن من حرقه، تقرير الشرطة الأوليّ خلص إلى كونه ناجم عن ماسّ كهربي، رغم أنه لم يصدق لكنه أخذ حسبه الله ونعم الوكيل واكتفى.

انغمس في ترتيبات البناء من جديد والأمور الأخرى حتى نسيها تقريباً، يكتفي كل ليلة بإلقاء تحية المساء، يتناول عشاءه وبسؤال عابر يسأل عن صحتها، يطمئن أنها تناولت دواءها ثم يتوسد فراشه وينام، هكذا مرّ الأسبوع على سعاد وهي تقضي ليلها تجابه مخاوفاً لايعلم كمال عنها شيئاً، تشعر بأنه بعيد بُعدَ السماء عنها رغم أنّ مايفصلهما لايتعدّى الشبرين، جفاءه غير المقصود عزّز داخلها الإحساس بالنقص، لم تعذر هي تعبه ولم يلحظ كمال بؤسها وكآبتها، يتراءى لها أنه يبتعد عنها خطوة كل ليلة، لم يعدْ يغازلها كما السابق، يتجاذب معها أطراف الحديث، يستمع إلى حديثها الممل والأخرق في بعض الأحيان، لقد تغير كمال تماماً بعد العملية، يبدو أنه بات يقرف من منظرها الجديد؟

لمحدودية تفكيرها لم تخلص سوى لهذه النتيجة، لم يدرك كمال دخولها في حالة نفسية وقلة الثقة بالنفس، فسّر كآبتها وأنزواءها بالتعب من الحمل ربما، لذا لم يكن يضغط عليها، هي لم تتحدث وهو لم يسأل.

قبل أيامٍ ثلاث.
كان كمال قد اعتاد على أخذ غريب إلى المستشفى ليقوم حسام بالتغيير على جراح وجهه ويديه يومياً، لكنه هذا اليوم تأخر عن موعده فطلبت أروى رقمه لتذكره، ضرب كمال على جبينه بخفة قائلاً: لقد نسيتُ أمره يا أروى، انغماسي في العمل أنساني أمر غريب.
تبسمت الثانية بلطف معقبةً: أعانكَ الله ياحبيبي، أعلمُ أنّ أشغالك كثيرة لكن يجب أن تتغير الأربطة يومياً في موعدها.

نفخ كمال بانزعاج من نفسه لنسيانه أمر الشاب الذي تعهد برعايته، خلّل شعره بيده ليردف بامتعاض: المشكلة أن جميع عمالي منشغلون، حتى حازم ليس موجوداً وإلا لكنتُ أرسلته لأخذ غريب.
تنهدت أروى بقلة حيلة وهي تقلب شفتيها بتبرم، في حين لمعت خاطرة في رأس كمال نسيها في خضمّ كل مايعاني، فسألها بانتباه: أروى، أنتِ تبدلين على جراح والدتك كل يوم، صحيح؟

على الفور أتته إجابتها الرقيقة: بلى ياأبي، كل يوم أغير لها في الموعد المحدد، أم أنك نسيتْ أنّ ابنتك ستصبح طبيبة قريباً؟
أطلقت ضحكة قصيرة قبل أن يتنهد كمال براحة معقباً: إذاً هذا هو الحل، بإمكانك ان تغيري لغريب الضمادات الطبية أليس كذلك؟
بدى التردد جلياً على وجهها وفي نبرتها حين نطقت: ولكن يا أبي أنا لا أستطيع...

قاطعها حين أدرك ترددها: لا داعي للخوف ياابنتي وكوني واثقةً من نفسك، من ثمّ أنتِ تغيرين على جراح أمكِ فما الفرق إذاً؟
زفرا بقلة حيلة مقتنعةً بحديث أبيها، فماالفرق بين ضمادات غريب وجراح والدتها؟

وافقت أروى لتغلق مع أبيها متجهةً إلى غرفة غريب بعد أن أخذت حقيبة الإسعافات الأولية المتواجدة في منزلهم، ومذ يومها وهي تغير لغريب ضمادات وجهه وكفيه، يتجاذب معها أحاديث قصيرة، ورغم أنها لم تخرج عن إطار الرسمية والتهذيب، إلا أن كان لها الأثر البالغ داخلها...

عادت أروى من ذكراها تلك وهي ساهمةٌ في نقطة فارغة، تمسك بإحدى خصلاتها تلعب بها بشرود تام،
حكاية هذا الغريب عجيبة، أحاديثها القصيرة معه أكدت لها أنه شاب متعلم، مثقف، كلماته ينتقيها بعناية ويعرف متى يلتزم حدوده معها، حتى الآن لم ترَ منه أروى سوى كلّ خير، ترى من هو هذا الشاب؟ وأين عائلته؟

نفضت أروى رأسها حين لاحظت تفكيرها فيه، تغضن جبينها بضيق وهي تعتدل في جلستها محاولةً التركيز على الكتاب الذي تدرسه بين يديها، في الفترة الماضية قصّرت في دراستها وهي قطعاً لاتريد أن تسقط هذه السنة، عزمت أن تخرج إلى الممر أمام غرفتها بعد خلود الجميع إلى الفراش علّها تركز.

في الممر المضيء تحركت أروى ذهاباً وإياباً تدرس بجد قبل أن تسمع صوت إغلاق بابٍ من الأسفل، تدلت من الحاجز الخشبي بعدم اكتراث لكنها جمدت حين رأت والدتها تخرج لتجلس بجانب بركة الماء وسط الصالة، راقبتها أروى باهتمامٍ حتى دفنت سعاد رأسها بين كفيها باكيةً بحرقة، فانتفضت أروى بقلقٍ تملّكها لتجري صوب والدتها، ألقت كتابها على مقعدٍ قريب ثم جلست على حافة البركة وهي تتساءل بلهفة: أمي، مالذي جرى؟

لم تجبها بداية فرفعت أروى رأسها لتحتضنه بين ذراعيها متسائلةً بوجل: أرجوك أمي أخبريني مالأمر؟ هل يؤلمك الجرح؟
هزت سعاد رأسها بنفي فتملكت الحيرة أروى التي اردفت بضياع: إذاً مالأمر؟ أخبريني أرجوك..
حقا كانت بحاجة لحضن دافئ، لكتف لايميل تستند عليه فتفرغ همومها، همست سعاد بنشيج: أنا أتألم.
بان الذعر واضحاً على أروى وهي تتساءل بوجل: الجرح؟

نفت سعاد برأسها مجدداً لتعقب وهي تشير إلى مكان قلبها: هذا يؤلمني، أنا أموت ببطء ياأروى..
انخرطت في نوبة بكاء حادة لتضمّها أروى إلى صدرها، هذا تماماً ماكانت تحتاجه سعاد، بكت وبكت حتى تعبت، فيما أروى تضمها بقوة وهي تشعر بحرقة قلب أمها، لم تعرف بالضبط مالذي حدث إلا أنها أحسّت بما يعتري قلب سعاد من هموم وخواطر مؤذية...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة