قصص و روايات - قصص بوليسية :

رواية حي الورد للكاتب علي اليوسفي الفصل الثالث والثلاثون

رواية حي الورد للكاتب علي اليوسفي الفصل الثالث والثلاثون

رواية حي الورد للكاتب علي اليوسفي الفصل الثالث والثلاثون

((( الحب في شريعتي كخرافةٍ قديمة، يستحيل تصديقها لكنك أيضاً لاتملك تكذيبها، فتبقى جذوة الشوق مشتعلة حتى وإن تلاشت المشاعر والذكريات))).

كالذئبة الأسيرة مازالت في مكتبها، تعاين ملفاً قد سبق لطارق أن جمعه لها قبلاً في بداية تكليفها بإدارة الفريق، حوى بين دفتيه الكثير من المعلومات غير النافعة عن مجرمين منتمين لمنظمة الخفاش، نفخت مياس بضيق عظيم وهي تعيد ظهرها الى الخلف، أخرجت آهاً حارة من صدرها أثناء إسدالها لجفنيها، تشعر برأسها يكاد ينفجر من فرط التفكير، المعضلة الكبرى انها للآن لاتملك ولو رأس خيطٍ قد تتبعه لتصل إلى الخفاش أو حتى صلاح.

مسّدت على رقبتها من الخلف حين أحسّت بتيبسها نتيجة جلوسها لفترة طويلة على وضع واحد، صاح ظهرها مشاركاً آلمه هو الآخر فقررت مياس تحريك جسدها، خرجت من مكتبها متوجهةً إلى الصالة الرياضية فرآها طارق الجالس قبالة الباب المفتوح، رغب بالحديث معها بشأن ماحدث قبلاً فهبّ منتفضاً ليتبعها، لم يلحظ وهو يحثّ خطاه خلفها حين تبعه أويس، والذي لم يرها حين خرجت، فقط أراد الاستفراد برفيقه الأبله والتحدث معه، طبعا لن يعتذر منه مثلا!، لكن تلبسته الصدمة حين رآها تتدرب وحدها على الكيس الرملي وقد تخلت عن سترتها الجلدية، وطارق واقفٌ يراقبها في زاوية معتمة ولوهلة تسرب إلى نفس أويس الشك بنوايا طارق، أيعقل أنه...؟

نفض رأسه للجانبين بعدم تصديق، لكنه وحين أعاد في رأسه عدة مشاهد لهما سوياً تعززت شكوكه، مثلا طارق دافع عنها يوم اتهام صلاح، كذلك لم يرغب بمعرفته بشأن عودتها يوم أمس.
النذل الجبان!
تلفظ أويس بها من بين أسنانه المتلاقية بكمد، بالكاد تحكم بانفعالاته حتى لايجري إلى طارق فيغير ترتيب وجهه، اختبأ بدوره يراقب كليهما علّ يحصل على مايكذب تخميناته السالفة.

ركز أنظاره عليها وهي تضرب الكيس بقوة كأنها تفرغ فيه شحنات غضب مدفونة، رغماً عنه شرد في مظهرها وشعرها يتطاير خلفها مشكلاً هالةً جميلة حولها، هذه المياس غريبة بشكل رائع، مغرورة بشكل متواضع، تجمع الشيء ونقيضه، حزمةٌ مشتعلة كالشمس تماماً، نورها يضيء حوله ونارها تحرق أحشاءه، خافقها لؤلؤةٌ نادرة تحتاج إلى صياد ماهر، ولا أمهر منه هو في الصيد.

( النساء فخ نصبته الطبيعة بكل إخلاص وأمانة)، يذكر أنه قرأ تلك المقولة في كتاب ما، وللحق لم يؤمن بها قبلاً، لكنه الآن مدرك لمدى دقتها.

أُنهكت مياس بعد جولةٍ عنيفة من الضربات، أحسّت بتخلصها من الكثير من الغضب غير المفسر فقررت أخذ قسط من الراحة، حلّت الخيط العريض الذي كان يحاوط كفيها بحماية أثناء توجهها للجلوس على المقعد خارج الحلبة، تمالكت أنفاسها المتعبة ولم تحرك ساكناً حين شعرت بطارق يهبط جالساً بقربها، محافظاً على مسافة جيدة بينهما ويبدو أنها شعرت به منذ البداية، مرت لحظات عدة لم يتحدث خلالها أياً منهما، في حين تحفز أويس في وقفته مرهفاً السمع لما سيقولانه، وعلى وجهه ملامح لاتُفسر سوى أنها غيرة، وما أدراك ماغيرة الرجال!

تنهد طارق بصوت مسموع ليهمس متحدثاً: أنا آسف مياس، بكل صدق أعتذر منك على شكّي بكِ تلك الليلة.
لم يبدُ عليها أي تأثرٍ فيما تابع طارق بإسهاب: أعلم اعتذاري لن ينفع وربما يزيدك حقداً عليّ، ولكِ كل الحق في الانتقام منا بكل الطرق ولكن...

قطع عبارته مدهوشاً بقهقهتها الساخرة فتطلع ناحيتها باستغراب، جزّ أويس على فكه بغيظ فهو لم يسمع ماهمس به طارق ليجعلها تنفجر ضاحكة بهذا الشكل المريب، تقدم بضع خطوات محاولاً عدم إصدار أي صوت رغبة في معرفة مايقولانه، لم يعِ طارق حقاً سبب ضحكها هذا فرمقها كأنه يعاين مجنونة ما، هذا حتى قطعت ضحكها وهي تصرّ على فكها ببسمة حانقة، حركت رأسها إلى الجانبين بخيبة يبدو أنّ الجميع تعوّد على سوء الظن بها، استغرب طارق سكونها فجأة هكذا فسألها مباشرة: هل قلتُ ما أضحككِ مياس؟

منحته نظرة عابرة ثم عادت تتطلع أمامها قائلةً باستخفاف: بل اسأل مالذي قلته لم يكن مضحكاً.
انعقدت ملامحه بعدم فهم لتردف: أتعلم مالمشكلة الرئيسية في تشكيلة فريقنا طارق؟
لم يجبها فاستدارت إليه معقبةً بصوت قاتم: قلة الثقة، نحن لانثق ببعضنا أبداً.
فهم طارق ماترمي إليه فأجابها ببساطة: حتى أنتِ لم تثقي بنا مياس، ودليلي على هذا كل غاراتكِ ضد الخفاش لم نكن نعلم شيئا عنها، باستثناء أويس صحيح؟

عادت تنظر أمامها أثناء إجابتها الفاترة: حتى هو لم يكن محطّ ثقة لديّ في البداية.
عقب طارق مسرعاً: لكنه حصل عليها في النهاية أليس كذلك؟
قابلته بعنف بتعقيب حاد: لكنه خانها ليجعلني أندم على منحه ثقةً لم يستحقها.

نظراتها كانت تنطق بالحزن عكس قسماتها المشدودة فالتزم طارق الصمت، زفرت بقوة وهي تحاوط وجهها بكفيها فشعر طارق بما يعتري صدرها من صدمة الخذلان بأويس، خاصة وأنه كان الشاهد الوحيد على شرارة المشاعر و لم يدركها كلاهما مثله، سكت قليلاً حتى سمعت تعقيبه الهادئ: لا عليكِ مياس، هذا هو أويس، أخرق لا يعرف قيمة ماكان لديه.

رمقته بحواجب منعقدة ليردف بمرح: لكني لستُ مثله صدقيني، فأنا لطيف ووسيم ولديّ شخصية لطيفة، انظري إليّ هكذا ألا أشبه الممثلين الأجانب؟
قال عبارته الأخيرة وهو يرفع ياقة قميصه ويتلاعب بعينيه بحركات استعراضية، وقد عرف كيف يخرجها من بؤرة البؤس تلك فابتسمت بداية، لتتحول فيما بعد الى ضحكة خافتة فصفق طارق بصخب هاتفاً بسعادة: الله أكبر، لقد ضحكت مياس أخيراً.

بساطته ومرحه أضحكاها حتى أدمعت فتناست بعضاً من حزنها وضيقها، مسحت عبرة صغيرة علقت على طرف أهدابها وهي تتمتم: شكرا لك طارق، أضحكتني حقا..
نصب ظهره وفرد كتفيه بدرامية ليردف أثناء مسحه على صدره: ابتسمي واضحكي صديقتي، فالدنيا بالية.

بطريقةٍ ما أعجبها ذاك اللقب الذي أطلقه عليها، دفء أحرفه أشعلت قلبها بوميض لذيذ، الأمان الذي تمنحه تلك الكلمة رقيق ينعش الفؤاد، التفتت ناحيته فقرأ طارق لمعة التعاسة داخل مقلتيها، ربما هو لايدري ماحدث معها من أحداث متعاقبة لكنه يكاد يجزم أنها كبرت في أسبوع أكثر مما تكبره في أعوام، ملامح الكَدَر التي تغطي وجهها لاتنتمي إلا لعجوز تجاوزت التسعين شهدت مقتل كل أولادها أمام ناظريها، ربت طارق على كتفها متحدثاً بانسيابية داعمة: لاتهلكي عقلك في التفكير الكثير مياس، ماحصل ولّى ومضى.

فهمت تلميحه المتواري فاختفت بسمتها الممتنة، لم يسمح لها طارق بالعودة إلى حال التجهم فرفع كفه أمامها مردفاً بسؤال: إذاً؟ أصدقاء؟
لثانية تطلعت إلى يده الممدودة فرفعت كفها بالمقابل لتعانق يده قائلة بلطف: أصدقاء.

اتسعت بسمة طارق وكم شعر بالسعادة لتجاوبها معه، سيسعى سعيه لنيل ثقتها من جديد ولن يخذلها مرة أخرى وهذا عهد عليه، استقام تالياً ليخرج كليهما دون أن يشعرا بتواجد أويس الذي اختفى مختبأً في ركن مظلم، وحقده يتنامى حتى شكل شعاعاً يلاحق طارق فيخنقه، هل سيأخذ محله لدى مياس؟لا مستحيل، على جثته أن يحصل هذا..

هبط كلاهما إلى الأسفل وقد انتويا الرحيل، حاول طارق بكل مايستطيع إضحاك مياس لتتخلص من تلك الكآبة المسيطرة عليها، فقال طارق أثناء سيرهما: هل تريدين أن تسمعي دعابة مياس؟
رفعت حاجبيها متسائلة بدهشة متعبة: وهل تعرف كيف تحكي الدعابات؟
سخر بمرح: لماذا ينقصني يد أم قدم مثلاً؟ اسمعي اسمعي.

همهمت مبتسمة بملل حين تابع هو بنبرة مضحكة: هناك زوجة قالت لزوجها البخيل برومانسية أن عيد زواجهما قد اقترب وتريد هدية تدمع لها العين، فجلب لها كيس بصل.
قهقهت مياس بخفة ليعقب طارق: اسمعي هذه أفضل، ما أكثر أمر مؤلم أثناء تقديم الامتحانات؟
وجدت نفسها رغماً عنها تشاركه تفاهته فتساءلت: ماذا؟
تابع بحماس: أن تري جميع الطلاب يغشون والمراقب يقف فوق رأسك وحدك.

ضحكت هذه المرة بصوت أعلى قليلا حين أصبحا على الدرج فأضاف طارق: اسمعي هذه أجمل من سابقتيها.
أردفت تسأل أثناء هبوطها الدرجات: اسمعني.
زادت حماسته فتابع: رجل أمسك هاتف زوجته فوجد ثلاثين مكالمة هاتفية من شخص اسمه الدب القطبي، ساوره الشك في الاسم فاتصل بالرقم فرن هاتفه.

كانت الدعابة لطيفة وطريقة طارق أثناء سردها مضحكة جعلت مياس تنخرط بوصلة ضحك مسموعة حتى أدمعت عينيها، وطارق يتحرك بجانبها وعلى محياه تعابير سعيدة لاستجابتها له حتى أصبحا عند نهاية الدرج، حينها فقط لاحظ داليا وهي تعارك الحارسين على الباب تريد الدخول، انعقدت ملامحه بضيق وتأفف بصوت مسموع، في حين استغربت مياس تواجد تلك الفتاة هنا خاصة وأن هيئتها تدلّ على علوّ شأنها، وحين لاحظت ضيق طارق همست وهي تشير إلى داليا بعينيها: هل تعرفها؟

زفر بقوة أثناء إشارته لها إيجاباً، ثم تحرك رفقة مياس حتى خرجا، أشار طارق بيده إلى أحد الحارسين الذي كان يحاول منع داليا من الدخول، بينما كانت داليا ترمق مياس بنظرات شاملة قبل أن تنطق بهجوم موجهة حديثها إلى طارق، مشيرة الى مياس باستحقار: أهذه هي مشاغلك التي تلهيك عن محادثتي يا سيادة النقيب؟

احمرّ وجهه من إهانتها الواضحة لمياس، أما الأخيرة فبنظرة واحدة عرفت أي نوع من الفتيات هي داليا، مدللة تافهة، رمقتها ببسمة مستهزئة ثم تجاوزتها لتغادر بكل سلاسة دون أن تعقب على حديثها حرفاً، لاحقتها الأخرى بعينين مصدومتين فمياس لم تعرها اهتماماً مما زاد من غضبها، عادت تتطلع إلى طارق الذي انتظر حتى غادرت مياس بسيارتها، وقبل أن ينطق بحرف تابعت داليا هجومها الأهوج: ومن هذه أيضاً طارق؟ لقد رأيتك قبل لحظات كيف كنت تضحك معها وكم كنت سعيداً حبيبي.

نطقت أخر جملة بطريقة ساخرة لم يعبأ لها طارق إنما همس بصوت خفيض: تعالي معي داليا.
حاول أن يسحبها من ذراعها لكنها نفضت يده وقد أعمتها غيرتها، صرخت في وجهه دون وعي: لن أتحرك معك إلى مكان قبل أن تخبرني ماذا قصدتَ من مكالمتنا الأخيرة؟ ومن تلك الفتاة التي كنتَ تضحك معها الآن؟

حاول قدر الإمكان التمسك بهدوء أعصابه فقال بصبر وعيناه تجول على الحارسين اللذين كانا يشاهدان بعين الفضول: لو سمحتِ داليا اهدئي، ودعينا نذهب إلى مكان آخر لنتحدث فيه.
كان يزجرها بعينيه إلا أنها لم تأبه بل ضربته في صدره صارخةً بقلة احترام: أخبرتك طارق لن أذهب معك إلى أي مكان قبل أن أفهم لماذا لم تعد تحادثني كما السابق، لماذا تغيرت معاملتك معي هكذا؟ منذ متى وأنت تنشغل بعملك وتنساني بهذه الطريقة؟

ضاق ذرعاً بقلة احترامها وعدم اهتمامها إلا بما تريد فنزع قناع الهدوء لينتفض صارخاً في وجهها: يكفي داليا يكفي، تريدين معرفة ماذا قصدت؟ سأخبرك، لقد مللتْ، أنا مللتُ من تفاهتك وعدم تقديرك واحترامك لي، أنتِ لاتهتمين سوى بنفسك داليا، أما أنا فلا يهمكِ ماأشعر به ولا تهتمين لأمري أصلاً.

ألجمتها صدمةَ توبيخه لها فطالعته بعينين متسعتين، بينما تابع طارق بغضب: حتى عندما نتحدث لا تسألين كيف حالي أو إن كنتُ أتعب في عملي مثلا، أو أتعرض إلى مخاطر أو ماشابه...
قاطعته باندفاع أبله: لقد طلبتُ منك مراراً ترك هذا العمل لأنه لا يعجبني لكنك لا تريد..
هتف يقاطعها بدوره بسخط: أرأيتِ؟ هذا ماقصدته تماما، لا تعجبكِ مهنتي إذاً يجب أن أتركها، أما أنا فلا يهمّ ماأريد ولأذهب إلى الجحيم أليس كذلك؟

شددت على شفتيها قبل أن تنطق بحماقة: لقد تغيرتَ كثيراً طارق، هذا ليس أسلوبك أنت، أم أنك وجدتَ البديل فقررت تركي؟
فتح عينيه على وسعهما مع اتهامها الغبيّ وكم تمنى لو أنها فقط تصمت، لكنها تابعت بإدانة أهانت كبرياء طارق: بالتأكيد هذا ما تريده صحيح؟ هيا اعترف طارق، أنت لم تحبني أصلا، أحببتَ مكانة عائلتي ونفوذهم ولكن يبدو أنك الآن تبحث عن مهرب لك، فتتعذر بحجج فارغة لتخفي نذالتك ليس إلا.

صدمته بها شلّت جسده كاملاً، سقطت كلماتها عليه كالصاري الذي انكسر فتمزق الشراع وتوقفت السفينة في منتصف المحيط، هذه المرة وقاحتها تعدت حدود المعقول بكثير، تراجع طارق عنها قائلاً بخيبة أمل واضحة على محياه: لقد تجاوزتِ حدّكِ بالفعل داليا، ولأنه لكل شيء نهاية فقصتنا وصلت إلى نهايتها.

لم تصدق ماالتقطته أذناها فراقبته بذهول وهو يخلع خاتم خطبته من أصبعه، أمسك بكفها ليفتحه ويستقر الخاتم فيه مضيفاً بصوت جاد: هذه المرة أنا من سيفسخ الخطبة داليا، وكما قلتِ أنتِ من قبل الثالثة ثابتة.

اغرورقت مقلتيها بالدمع وهي تتطلع الى الخاتم غير مصدقةٍ أنه يفعلها، عادة هي من كانت تفتعل المشاكل لتتركه فيأتيها مترجياً، كانت دائماً تراهن على حبه لها لكن يبدو أنها هذه المرة رفعت السقف كثيرا، رفعت عيناها لتراقبه وهو يغادر فعلياً فهتفت بضعف: طارق لا ترحل.
لم يستمع لها بل تابع هبوطه على الدرج الخارجي فصرخت بقوة أكبر: عدْ إلى هنا طارق لا تتركني هكذا..

استقرّ خلف مقوده لينطلق بسرعة، تاركاً إياها تسقط على الأرض باكيةً بحرقة، غير آبهةٍ بثيابها غالية الثمن والتي اتسخت، تلك المرة الأولى حيث تتذوق فيها داليا طعم الهجر، لقد تمادت كثيراً فاستحقتْ ماحدث، ظلٌّ طويل طغى عليها فرفعت رأسها إلى أويس الذي سألها بجفاء: هل أنتِ بخير؟

رمقته بعينيها الدامعة لثانية ثم بكت بصوت عالٍ، حاول تهدئتها لكن صراخها كان يتزايد، تراجع أويس عنها وقد قرر تركها لشأنها بعد ما رآى ماحدث بينهما، وللحق لم يعجبه الأمر البتة فترك طارق لخطيبته في ذات التوقيت حين يحاول التقرب من مياس ينذر بخطر وشيك، لكن هتاف داليا من خلفه جعله يتوقف مستمعاً لها تندب: سأنتقم منك أيها الأحمق، سأُخطب لمن هو أفضل منك وأغيظك يا أبله.

مع كلماتها التي كانت فقط لحفظ ماء كرامتها لمعت في رأسه فكرة ظريفة، فليعترف رغم أنه لم يرتحْ لها لكنها مكسبٌ جيد له، بل كلاهما تجمعهما الرغبة بالانتقام من ذلك المخبول، ابتسامة ماكرة ارتسمت على محياه، ولمَ لا؟

عادت هويدا من عملها منهكة القوى، تسحب قدميها قسراً أثناء دخولها إلى القصر، وكم تمنّت داخلها ألا تجدها فلا طاقة بها لحرق الدم كالعادة، تسللتْ إلى الداخل كلصٍ يحاول سرقة منزل في منتصف النهار، حين أطلّت سُكينة بكتلتها الضخمة من العدم لتقف أمامها قائلة بلهجتها القروية المحببة: لماذا تتسللين كاللصوص يا طبيبة يامحترمة،؟

وضعت هويدا يدها على صدرها وتنفست براحة من أثر إرعاب سُكينة، طالعتها بلوم قائلة بهمس: اصمتي سُكينة بالله عليك، لا أريد أن تراني.
اتسعت ابتسامتها وهي تخبرها بمرح: أتقصدين الساحرة السوداء شمقرين.؟
سارعت هويدا لتعلق فم تلك الثرثارة قبل أن تضيع نفسها قائلة بسخط: هششش اصمتي قبل أن تسمعك.
أزالت سُكينة كفها عن فمها لتعقب ببسمةٍ سمجة: لاتقلقي لقد غادرتْ لزيارة شقيقتها في المدينة المجاورة، ولن تعود قبل أسبوع.

تنهدت هويدا براحة حالما سمعت مقالها، من الجيد ابتعادها الآن فما تعايشه هويدا من ضغوط لايسمح لها باحتمال مشاحنات مع حماتها، لم تلحظ توتر سُكينة كأنها تريد إخفاء أمرٍ ما، فتابعت مسيرها لتصعد إلى الأعلى قائلةّ بصوت متعب: جيد، أرجوكِ سُكينة فقط أريد أن أنام فلا توقظيني لأي سبب كان.
توقفت في منتصف الدرج لتسألها بتذكر: بالمناسبة سُكينة أين همام؟هل تناول طعامه ونام؟

ارتبكت سُكينة للحظة سرعان مااستعادت ثباتها لتشير برأسها قائلةً بحذر: لقد أخذته السيدة كاريمان معها.
تخشب جسدها ماإن سمعت مقالها مالبثت أن صرخت بصدمة: ماذا قلتِ؟ كيف تأخذه ياسُكينة دون معرفتي؟ كيف تسمحين لها بهذا؟
بلعت الأخرى ريقها بوجل فأردفت بقلة حيلة: لا ذنب لي ياابنتي، هي من استقبلته حين عاد من روضته وطلبت مني تجهيزه لتأخذه معها، وكما تعلمين لاأستطيع أن أقف في وجهها.

أدمعت عينا هويدا بحزن فتمتمت بخوف: ماذا إن أبعدته عني للأبد؟
سارعت سُكينة لتصعد إليها بجسدها المترهل حتى باتت بجانبها، مسحت على ذراعها بدعم قائلة: لا تخافي حبيبتي، كاريمان ليست من هذا النوع.
رمقتها هويدا بعدم تصديق فعقبت: أي نعم هي متكبرة وحاولت كثيراً أقناعك بأن تأخذه منك مقابل المال، لكن لا أظنُّ أنها قد تسرقه منك بهذه الطريقة، هي أذكى من ذلك بكثير.

ربما كانت سُكينة صادقة لكنها لاتستطيع الثقة بها، تلك الارستقراطية وال( شمقرين ) كما تلقبها الأخرى لا يؤتمن جانبها، كمن يودع غنمته عند الذئب ليحرسها، جزت على فكها بحنق يتمادى في صدرها وقبل أن تنطق بحرف فُتح باب القصر الكبير لتدلف داليا، بهيئتها المبعثرة كمتشردةٍ تسحب قدميها بتعب، شملتها كلتاهما بنظرات مستغربة لحالها، حتى حين مرت بجوارهما تجاوزتهما دون أن تنبس بحرف، استرابت هويدا بمنظرها فهتفت تسألها بذهول: داليا؟ ماالأمر؟

توقفت الأخيرة ناظرة إليها بلا مبالاة فتابعت هويدا: مالذي حدث معك؟ هيئتكِ ليست طبيعية!
بمقلٍ خاوية قابلتها، وبصوت أجوف أجابتها: لقد فسخ طارق خطبتنا.

ألقت جملتها المقتضبة ثم تابعت مسيرها الى الاعلى، تاركةً هويدا تلاحقها بصدمة وكأن السقف سقط فوق رأسها، وهو ليس قولاً مجازياً بالمرة، الآن سيصبح لكاريمان عذرٌ بالتعمق في إهانتها والحجة طبعا طارق وما فعله، فعلاً إنه رجل أحمق كيف لجربوع مثله أن يفسخ خطبته من ابنة الذوات؟

طرقت هذه العبارة رأسها بصوت كاريمان و نبرتها المتعالية، وقد ارتسم أمامها وجه كاريمان بملامحها الارستقراطية المقيتة وفرحتها الخبيثة وهي تمعن في إذلالها وتحقيرها، مادت بها الأرض حتى كادت تسقط لولا ذراع سُكينة الحانية، ترى مالذي يخبئه القدر لكِ بعد ياهويدا؟

انتصف الليل وربما تجاوز الانتصاف بقليل، غفت العيون واستيقظت أشواق المنفيين في الحب، لكنّ أروى ورغم أنها لم تكن منهم فقد هجرها السُّهاد وكثافة التفكير حرمت عينيها النوم، وقفت أمام نافذتها ناافخة بتبرم، يتسلل الحزن الى قلبها الرهيف لأجل أمها الحبيبة، ربما لم تجرب إحساس الأمومة لكنها تدرك كم ستؤثر عملية الاستئصال عليها كأنثى.

زفرت مجدداً بثقل وإحساس بالضيق يعتريها، ضاقت عليها غرفتها فاشتاقت لأزهارها، لم يمنعها الليل الحالك والبرد المحيط من تناول غطاء سترت به خصيلاتها الهفهافة، وشال صوفيّ باللون الوردي اللطيف ألقته على كتفيها، ثم هبطت إلى الأسفل تستدلّ بضوء القمر الخافت حتى قطعت الصالة الكبيرة المكشوفة وسط المنزل، تأكدت أنّ أهلها نيامٌ جميعاً، تناولت مرشة مياه صغيرة كانت مسنودةً قرب باب المطبخ، توجهت لتملأها من البركة الصغيرة وسط الصالة، ثم تابعت مسيرها حتى فتحت باباً يطلّ على حديقتها الصغيرة بتمهل، شعرت بنسمات الليل الباردة تلفح وجهها الرقيق فشدت أروى طرفي وشاحها الصوفي بيدٍ واحدة لتحصل على بعض الدفء، تبسمت برقة أثناء تهاديها في مشيتها كالغزالة البرية حين وقعت عيناها على حاكورة أزهارها الصغيرة، نظرة حَذِرة ألقتها ناحية غرفة غريب فوجدت الضوء مُطفأً، فرجحت كونه غطّ في النوم هو الآخر، وهذا أمر جيد فبذلك ستأخذ راحتها تماماً في الحديث مع نباتاتها.

انخفضت لتروي النبات من مرشتها، أسندتها عقبها على الأرض وعلى حجرٍ صغير جلست أروى أمام حاكورة الإقحوان، مازالت محتفظةً ببسمتها اللطيفة وهي تُلقي التحية عليها، مستعينةً بالضوء الكاشف المعلق في الحائط العالي من ناحية المنزل.

جلب له كمال طعام العشاء وأدويته، لكنه لم يعد للآن ليأخذ الأواني الفارغة رغم انتصاف الليل، فكر غريب مرات عدة بالخروج وإعاة الأطباق لكنه لم يجسر، خشي أن يزعج أهل البيت خاصة بعد تحذير كمال الواضح.

أصابه الأرق وهو متوسدٌ فراشه يتقلب عليه كمن يتقلب على الجمر، تسلل البرد إلى عظامه فسحب الغطاء على نفسه فأصابته الحكة في وجهه وكفيه، وتلك الأربطة الطبية التي تحاوطهما تزعجه بشدة، تأفف أثناء نفضه الغطاء السميك عن نفسه ليعتدل جالساً، تطلع من النافذة المجاورة لفراشه يطالع الحديقة الصغيرة، مع أضواء الكشافات المسلطة فوقها اتخذت منظراً بهياً للغاية.

تنهّد بزفير طويل ومنظر الخضرة أمامه تبعث على الراحة في النفس رغم الظلام الذي احتضن غرفته، قطب جبينه فجأة وقد لاحظ ظلاً يتحرك قادماً من المنزل، استنفرت حواسّه فالوقت متأخر للغاية على خروج أحدهم للاستجمام فخشي أن يكون سارقاً ما، كاد ينتفض خارجاً ليواجه ذلك اللص لكنه تجمد مكانه حين عرف هويتها.
هذه، هذه أروى!

تمتم بها باستغراب جمّ، بقي يراقبها وهي تخطو بدلال عفويّ وغنج فطريّ، تحمل في يدها مرشةَ مياه صغيرة، انخفض مختبئاً لئلا تراه حين رفعت عينيها الى غرفته، ثوان قليلة ثم عاد يرفع رأسه ببطءٍ حتى تأكد من عدم ملاحظتها له، سرح غريب في هيئتها وهي تسقي الزهور وعلى محياها بسمة صغيرة، هالة البدر التي تحاوطها سلبت لبّه، تماماً كما فعلت حين فتح عيناه لأول مرة بعد غيبوبة ليكون محياها البهيّ أول ماتلتقطه عيناه، شاهدها تجلس على الحجر الصغير قبالة أزهار تشابهت أشكالها وتناقضت ألوانها، تذكر وعده لكمال فزجر نفسه ليستلقي على فراشه مجدداً، مثّل النوم لكنه فشل، سحب الغطاء ليغطي رأسه كاملاً لكنه لم يستطع كبح فضوله، مالذي يدفع فتاةً مثلها لترك سريرها الدافئ والمخاطرة بخروجها في هذا الوقت المتأخر جداً من الليل، رفع رأسه ببطء ليشاهدها مازالت تجلس مكانها، تلقائياً ابتسم حين لمح لتوّه غطاء رأسها واحتشامها رغم كونها وحيدة، ذبذبات كدبيب النمل تخبره أن يرفع النافذة قليلاً فقط ليُمتع نظره برؤية تلك الفاتنة البريئة.

كانت أروى غافلةً تماماً عن رؤيته لها، كوّرت كفيها في حِجرها لتهمس تحادث أزهارها: مساء الخير أقحواناتي العزيزة، هل اشتقتنّ إليّ؟
سمعها تتهامس مع النبات فتملكته الدهشة، في حين تابعت هي بهمسٍ عطوف: أعلم أنني أهملتكنّ خلال الأيام الماضية، لكن بالتأكيد ستسامحنني حين تعلمنَ مالذي حدث معي.

خُيّل إليها أنّ الزهور تعاتبها لغيابها، تنهدت أروى بعمق ثم شرعت تتحدث بإسهاب كأنها تحادث شخصاً عاقلاً: لا أعرف من أين أبدأ حكايتي، فأمي قررت أن تخطب لوالدي وتزوجه بنفسها، كانت تحادث جدتي بهذا الأمر لكنها سقطت بين يدينا فجأة، نقلناها الى المشفى لتخبرنا الطبيبة هناك أنها حامل.
تجهمت قسماتها وهي تضيف بحزن: لكنها أيضاً صدمتنا بخبر آخر، أمي مصابة بسرطان في صدرها.

تلألأت الدموع في عينيها وتلقائياً تأثر غريب حين لاحظ الاختناق الذي غزى صوتها العذب، أردفت أروى ببكاء حزين: كان عليها أن تختار حلاً من اثنين، إما أن تُسقط الجنين لتباشر العلاج الكيماوي، وإما أن تقوم باستئصال جزءٍ منها، أتعلمين ماكان اختيارها؟
سألت أزهارها لتبتسم بخفة كأنها سمعت جواباً منها: كما قلتِ، اختارت أن تخسر جزءاً من جسدها على أن تقتل الجنين في بطنها، أرأيتِ يازهوري كم هي عظيمة غريزة الأم؟

سكتت لثانية لتشدّ طرفي الوشاح وقد شعرت بالبرد يلفح ظهرها، ثم تابعت ومازالت عبراتها تسيل فوق خديها: خضعت أمي للعملية لكننا كدنا نفقدها لولا رحمة الله.
تلاقى حاجبيها بضيق وبللت شفتيها لتضيف بنبرة باكية: لا أستطيع تخيل حياتي دونها يازهوري أتعلمين؟ بعد وفاة ورد أشعر أن ظهري صار مكشوفاً، أساساً الكثير تغير بعد وفاته، كلنا تغيرنا بعده وأنا حزينة لحال عاائلتنا هذا.

قبضةٌ جليدية اعتصرت فؤاده وهو يسمع شكواها الباكية، في حين أردفت أروى بأنين: أريد استرجاع عائلتي القديمة، حين كانت البهجة لاتفارق جلستنا، عندما كنتُ أبكي من ضغط الامتحانات أجدُ الجميع حولي يساندونني، لكنهم الآن نسوني كأنني غدوتُ سراباً لهم.

أسدلت أجفانها تئنُ بنشيج وهي تفرغ كل مايعتمل في صدرها من حزن ومشاعر سلبية لنباتاتها كأنها بشري عاقل، تنهدت بآسىً لتضيف: مياس أيضاً تعرضت لحادث مؤلم، وتشاجرت مع عمتي حين اكتشفت عودة والدها ومحاولته التواصل مع عمتي عليا، لكن عمتي أخفتِ الأمر عنها ولا أدري لماذا.

تملكه الآسى وهو يشعر بأنه عاجز عن مساعدة تلك الحورية اللطيفة، إلا أنه ابتسم بهدوء عندما مسحت عبراتها ثم همست ببسمة صغيرة وحماسٍ طفيف: لكن تعرفين مالذي حدث أيضاً؟ لقد استفاق ذلك الشاب الذي وجده أبي في المخزن حين احترق.
قلبت شفتها السفلى كما الأطفال مضيفة بتبرم: لكنه فاقد للذاكرة، المسكين لايعرف اسمه ولاحتى عائلته، أتمنى أن تعود له ذاكرته قريبا ويعود لأهله، بالتأكيد والدته الآن حزينة بسبب فقدانه.

أنهت عبارتها بتنهيدة عميقة وشرودٍ لحظيّ، لكنها أجفلت واقفةً في لحظة حين تناهى إلى سمعها صوت رجولي هادئ: وأنا أتمنى ذلك أيضاً.
لا يعرف حقاً كيف بات خلفها كأنه منومٌ مغناطيسياً، ربما هو فقط نداء القلب سحبه من أذنه حتى وقف مكانه الآن خارج غرفته، بسرعة رفع يديه المضمدة أمامه قائلاً بلهفة: لاتفزعي آنسة أروى، هذا أنا غريب.
سكت لثانية قبل أن يحاول الابتسام مضيفاً: أعتذر لم أقصد التطفل عليكِ.

بغريزة دفاعية تلقائية ضمت طرفي شالها بحماية، ضغطت على شفتيها وهي تطالعه بتفحص مشكك وكمن قرأ نظراتها قال غريب مبتسماً بلطف: أعتذر لظهوري المفاجئ هكذا...
قاطعته بجفاء: لا مشكلة، أساساً كنتُ راحلة.
انحنت لتجذب مرشة المياه ثم التفتت بغية المغادرة، لكنه سارع ليقطع طريقها دون لمسها متابعاً بترجي: أرجوكِ آنسة أروى لا ترحلي.

بجبين متغضن ومقلٍ ثار ماؤها الراكد شملته، حاول إصلاح ماأفسده فخرج صوته بتلجلج: أنا، أنا..
زفرت بصوت مسموع فأدرك أنّ صبرها قد نفذ، أدرك أن الكذب لن ينفعه لذا قالها بصراحة: اعذريني ولكني أيضاً أشعر بالوحدة، وبحاجة إلى شخص لأتحدث معه.

تراجعت خطوة واحدة للخلف وهي تميل برأسها كأنها تتأكد مما سمعت، وهذا شجعه على المتابعة برفق: صدقيني آنسة أروى لا أقصد أي سوء، لكني لم أستطع أن أنام، ثم حضرتِ أنتِ وبدأتي...
قالها مشيراً بيده ثم قطع حديثه حين لم يعرف كيف يوصل مقصده بشكل صحيح، فابتسمت برقة لتكمل جملته: بدأتُ أحادث الأزهار؟

سرت بعض الراحة في أوردته حينما وجد منها قبولاً بحديثه فأماء موافقاً بملامح مرتخية، فيما تابعت أروى بتلقائية: لقد أهملتُها ولم أسقيها منذ بضعة أيام، فأحببتُ أن أطمئن عليها.
تملكته الدهشة الفعلية من حديثها كأن مافعلته أكثر شيء اعتيادي في العالم، رفع حاجبيه معقباً باستغراب: هل تحادثين أزهارك دائماً؟

وجهت أنظارها إلى الورد لتردف بنبرة متعبة وهي ترفع كتفيها بلا مبالاة: بلى، يكفي أنها تستمع لي دون أن تقاطعني بتعليقات سخيفة.
لا يعرف لماذا شعر بنخزة مُرهقة في يساره ونبرتها تتغلغل داخله كنغمة ناي هاربة من سيمفونية حب قديم، هذه الفتاة غريبة والأغرب هو مايشعر به نحوها، ربما هو لايذكر أي شيء، لكنه على ثقةٍ بأنه لم يشعر بهكذا شعور نحو أي مخلوق من قبل، فلو فعل لكان تذكر بلا ريب..

، انتبهت بعد قليل إلى اقتراب الفجر فودعته برقة، كذلك ودعت أزهارها على وعد بعودتها في الغد، ثم عادت إلى منزلها حاملة مرشتها والكثير من الأمل، ليلاحقها غريب بنظراته التي حملت مشاعر كثيرة، إعجاب وامتنان وأخرى لايعرف لها اسماً.

استلقى على فراشه سارحاً فيها، أروى وكمال والطبيب حسام هم كل من يعرفهم من عالمه الغريب د، وهي بالذات لها مكانة خاصة، يشعر كأنه خُلق على يديها من جديد حين كانت أول مايراه، حتى أنها من منحه اسمه الذي يحمله، لا يدري بحقيقة مايشعر حيالها الآن، لكنه ربما أشبه بحب الطفل لوالدته.

تبسم رغماً عنه مستذكراً حديثها مع تلك النباتات، إنها كتلة متناقضة من جسد فتاة بالغة بقلب وعقل طفلة، غطى عينيه بمرفقه محافظاً على خيال صورتها، وعلى محياه ابتسامة صغيرة حين نطق اسمها بتلذذ: أروى!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة