رواية حورية وشيطان للكاتبة رحاب إبراهيم الفصل العاشر
كان قلبها يدق بعنف وصوته يقترب منها، فاذا توترت وصوته فقط من يقترب فما إذا لامست يده يدها وقال لها هذه الكلمات بهذه الطريقة امام الجميع؟
هو خطفها بالفعل من بين الجميع ولكن كيف تكن ردت فعلها، ستبتسم أم تهرب منه؟، وكيف حاله أيضا بعد تذكر ذلك الوجه الذي اصبح باعجوبة اقرب شيء لعيناه؟!
يبدو أن عيناه تاهت بوجهها ذو القسمات الانثوية المثيرة بخفاء. رغمًا عنه كان يردد كلمات المقطوعة الآخيرة. (احبك بجنون)، يبدو أن القلب أراد أن يُقلع على متن سحابة العشق وأشار للعقل بعدم النطق. ويبدو أن يداه تشبثت بيدها وهو لا يعلم لما لم يبتعد وهو يرى ذلك الغضب بعيناها السوداء بأهداب طويلة تشعل الشرر أكثر...
وتابع بكلمة واحدة هامسا بشرود وتيهة: -
قمر.
كيف لو علمت بما يريد أن يفعله الآن؟! ولكنها لم تغرق مثله بالفكر كثيرا بل دفعته عنها كلفظ النواة. كأنها تزيل عنها شيء يؤذيها، تسارعت انفاسها وقد لمعت بعينيها ليس من الغضب وانما لتمسك قلبها بالتروي قليلا والانتظار ولكن العقل يرفض وكيف يحق له أن يلمس يدها ومن اعطاه الحق في ذلك!، توقف كل شيء حولهم واتسع انظار الجميع عليهم، حتى الفرقة الموسيقية توقفت ببطء، أشارت له هاتفة: -.
أاااانت حيواااان ومش محترم، أزاااي تمسك ايدي و...
لم تكمل جملتها وقد شعرت بشيء غاص بعمق قلبها واكتفت بهطول الشرر من عينيها عليه، ظل ينظر لها مضيقا عينيه عليها بحيرة. كيف فقد السيطرة هكذا؟ يقسم بداخله أنه فقد تركيزه مع الجميع سواها! كيف اتت الى هنا والاغرب كيف اصبحت بدور زميلته داليا؟!
كاد أن يجيبها بدفاع عن نفسه وقد عادت سيطرته قليلا على نفسه ولكنها لم تنتظره كثيرا، تلقى صفعة على وجهه وصدم وهو يتحسس مكان الصفعة على وجهه...
شهق جميع من بالحفل حتى ركضت نسرين اليها وحاولت أن تجذب قمر من الحفل لمكان ٍ بعيد لتهتف قمر مجددًا: -
لازم اعلمه الادب ده واحد مش محترم، ولا احسنله يروح لفلاحين الغيطان اللي كان بيتريق عليهم يعلموه التربية لانه مش متربي اصلا...
وضعت نسرين يدها على فمها بصدمة ثم استطاعت أن تجذب قمر للخارج لكي لا تثار عاصفة بينهم...
زم شفتيه بشراسة وهو يقف على الاستيدج حتى صعد تميم اليه وحمل المايك قائلا باعتذار: -.
آسف يا جماعة على اللي حصل، بس هو سوء تفاهم لأن داليا مشيت وطبعا زي ما قالتلكم كانت هتختار واحدة من الحفلة ومالحقناش نقول للماجيك لأنه خرج على الاستيدج على طول ومايعرفش أن زميلته مشيت، داليا للاسف حطت التاج على راس البنت اللي زعقت من شوية ومش عارف طالما هي مش حابة تطلع وتاخد الدور بتطلع ليه!
هتف سامح بحدة: -
خلاص يا تميم، الموضوع خلص أنا همشي
هتف المدعوين باعتذار له حتى قالت احداهن: -.
طب واحنا ذنبنا اااايه في سوء الفهم اللي حصل!، لو سمحت كمل
لم يعيرهنّ سامح اهتمام وهبط الدرجات الخنس للاستيدج وبيده جيتاره الخاص ومر بين الحضور مغادرا المكان بملامح جامدة تضج غضبا داخليا...
وقفت نسرين أمام المسبح وبيده قمر التي كانت تنتفض من الغضب وقالت نسرين بلوم: -
ليه كدا يا قمر، كان ممكن تمشي من غير ما تشتميه كدا
تسارعت انفاس قمر من هول غضبها مما حدث: -.
ده مسك ايدي وشدني ليه يا نسرين. ده قليل الادب والله لو ماكنت في بيتك لكنت قلعت الجزمة وضربته بيها
ربتت نسرين على كتفيها حتى تهدأ وقالت: -
يابنتي اللي حصل اصلا مش مقصود. في بنت من الفرقة هي اللي المفروض كانت تبقى مكانك بس اعتذرت وقالت هتختار حد من البنات وتلبسه التاج اللي على راسك ده...
كيف ذهب عن فكرها امر التاج وهو لا زال متوسدا رأسها! تحسسته بأناملها حتى أزالته والقته على الارض بغضب، تابعت نسرين: -
يا قمر افهمي اللي حصل، انا مش عارفة انتوا بقيتوا اعداء بالطريقة دي ليه؟!، هو شكله افتكر انك طلعتي على الاستيدج بمزاجك والنور كان مطفي اصلا مش شافك ولا عرفك...
جمعت قمر هذا الحديث برأسها ولم يهدأ غضبها ولكن غضب لم تفهمه يخص تلك الفتاة المجهولة الذي كان سيتوجها بدلا منها، قالت مدافعة عن نفسها: -
وانا ما اعرفش اللي حصل فطبيعي يكون ده رد فعلي، ولا يمسك ايدي واسكتله!
ابتسمت نسرين رغما واردفت بمرح ومكر: -
بس تصدقي كان شكلكوا حلو اااااوي، للحظة اتمنيت انكم تكملوا العرض ده، لايقين على بعض جدًا
نظرت قمر بحدة لصديقتها وقالت: -.
انتي بتهزري صح!، أنا هتجنن وانتي بتغيظيني!
نفت نسرين الامر وقالت بلطف: -
لا والله بس بجد المرادي مظلوم فعلا، اؤكدلك انه مايعرفش اصلا انك في الحفلة، عشان خاطري اهدي بقى
ظهرت اسمهان وهي تترقب انفعال قمر وقالت باعتذار: -.
حبيبتي ما تزعليش، أنا اللي غلطانة مش نسرين بس والله ما كنت أعرف ان ده كله هيحصل، أنا جبت الفرقة دي بالذات عشان عارفة أن نسرين بتحبها وهتفرح لما يجوا عيد ميلادها بس والله ما كنت أعرف ان هيحصل كدا، حقك عليا انا
هزت قمر رأسها سريعا واقتربت من اسمهان قائلا بلطف: -.
لا يا طنط ما تعتذريش حضرتك زي ولدتي، انا مش زعلانة غير من الحيوان ده انتوا مالكوش ذنب. وانا اسفة اني سببتلكم مشكلة وبوظت عيد الميلاد، أنا همشي بكرا وارجع سكن الطلبة يمكن حد يكون معاه المفتاح ويديهولي...
نظرت نسرين لوالدتها بحزن وقالت اسمهان بعتاب: -
يبقى انتي زعلانة مننا
ربتت قمر على كتف اسمهان وقالت: -.
لا والله يا طنط بس أنا مش قادرة اسامح نفسي على اللي حصل، وكمان أنا بسبب موضوع اختي متوترة وعصبية طول الوقت
هتفت نسرين: -
لا مش هتنشي يا قمر وتقعدي لوحدك في سكن الطلبة، ولا نسيتي الشباب اللي في الشقة اللي فوقيكم وكانوا بيدايقوكي انتي والبنات، ازاي بقى هبقى مطمنة عليكي وانتي لوحدك؟!
تنهدت قمر بابتسامة تخفي بعض القلق: -
ما تقلقيش عليا محدش يقدر يقربلي وانتي عارفة
قالت اسمهان بحدة لا تقبل المناقشة: -.
ننهي الموضوع ده دلوقتي ونتكلم فيه بعدين على رواقة، أنا هروح دلوقتي احاول اصلح اللي حصل...
ذهبت اسمهان من امامهم ولم تحاول قمر فتح هذا النقاش مجددا فقالت: -
انا هروح اغير هدومي...
تركت قمر نسرين تقف متذمرة الملامح وذهبت للأعلى...
بمحافظة الغربية...
ارتجفت اصلاح وقد اتاها خبر وصول حماها في الصباح الباكر بعد سفره لعدة ايام، قالت برعب: -.
حمايا جاي والدنيا مقلوبة على قمر اللي هربت، ده لما يعرف احتمال لو شافها يقتلها، عملتي كدا ليه يا قمر بس وجبتلنا كلنا بلوة يا عالم هتوصل بينا لفين...
هتفت حسنية (زوجة كامل والد قمر) عليها حتى اجابت اخلاص ونهض من على الاريكة: -
حاضر يا مرات عمي جاااية
ركضت اخلاص لغرفة هذه السيدة وفتحت الباب لتجدها تجلس على الفراش بامتعاض وقالت: -
فين العشا يابت ولا هتعمليلنا جنازة عشان المحروقة اللي اسمها قمر؟!
نظرت لها اخلاص ورمتها بنظرة تحمل الكثير من المعانِ فقالت: -
ماهو لولا كلامك لحمايا ماكنش صمم يجوز قمر الجوازة السودا دي ولا كانت هربت...
نهضت حسنية من فراشها بغضب واشارت لأخلاص بتحذير: -
اكتمي ومش عايزة اسمع منك حرف، كبير العيلة هيوصل بكرا وانا اللي هقوله عليها ولو ماجبهاش في كفن مش هرتاح...
فغرت اخلاص فاها بذهول وقالت بغضب: -.
يعني بعد كل اللي كنتي بتعمليه فيها عايزة حمايا كمان يقتلها! لو دي بنتك مش بنت ضرتك كنتي هتقولي كدا؟!
صرخت حسنية بوجه اخلاص: -
اخرسي خاااالص وماسمعكيش تتكلمي عن الغجر دول، أنا لو ليا بنت عمرها ما كانت هتحط راسي في الطين وتعمل العاملة السودا دي
ردت اخلاص بجرأة لم تعتاد عليها مع هذه المرأة القاسية: -.
لو ليكي بنت عمرك ما كنتي هترضي تجوزيها واحد اد ابوها، ما تحمليش قمر كرهك لأمها لأنها اتحملته منك طول عمرها.
اقترب حسنية بنظرة شرسة واردفت: -
لو فضلتي تتكلمي معايا كدا هفضل ورا جوزك لحد ما يطلقك وانتي عارفة ومتأكدة أني اقدر اعملها، انا ساكته عليكي يا اخلاص عشان خاطر امك لكن مش هسكت عليكي كتير، غوري من وشي السعادي مش عايزة اطفح.
لم تصدم اخلاص في سوداوية هذه المرأة فذهبت من أمامها بنظرة تفصح عن كرهها لها، اغلقت الباب خلفها لتقل حسنية في غيظ: -
هروقلك يا اخلاص بعدين المهم دلوقتي قمر واللي هيحصل فيها بعد اللي عملته، كان نفسي تبقى امها عايشة وتتعذب زي ما عذبتني وخلت ابن عمي اللي ما رضيتش اتجوز غيره يفضل يحبها حتى بعد ما ماتت! هديله، ا نصيب امها في الانتقام.