قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حورية بين يدي شيطان للكاتبة رحمة سيد الفصل الرابع والعشرون

رواية حورية بين يدي شيطان للكاتبة رحمة سيد الفصل الرابع والعشرون

رواية حورية بين يدي شيطان للكاتبة رحمة سيد الفصل الرابع والعشرون

مرت دقيقة تقريبًا وهي متجمدة مكانها، جبل من جليد يعيق سير دقاتها الممسوسة باهتزاز روحها من الأساس...!
بدأت قدماها تعود للخلف بتلقائية، الدموع متحجرة في عيناها ولكنها ترفض الخضوع لسطوة الانهيار..
وبالفعل وصلت لغرفتها وهنا سمحت لكل شيء يثور داخلها، يهيج ويضرب جدار روحها بعنف أن ينفجر...
بينما في الاسفل...
نظر عاصي متعنًا في والدته وهو يسألها:
-ماذا إن احببتها يا أمي؟
همست بتلقائية مغموسة بالألم:.

-سأموت وانا حية يا عاصي
اسفًا، تلقى ردًا لم يكن يتمناه ابدًا، رغم أنه يعلمه ولكنه كان يحاول حجبه عن طريقه، ولكن بنطق والدته بها أصبحت كالجدار في طريق ذلك العشق الدفين!..
ولكن رغم ذلك سألها:
-لمَ يا امي؟ ألا تودين أن يعيش أبنك حياة سعيدة مع مَن يحبها
حينها أغمضت عيناها باستكانة غريبة، وكأنها تسبح وسط احزانها وهي تجيب:.

-وهل يجوز ألا أتمنى يا ولدي؟! أود ذلك ربما اكثر منك، ولكني ايضًا لا أستطع أن أراها يوميًا باقي عمري، لا استطع أن اتعامل معها كأبنتي، لا استطع أن احب أطفالك منها، لا أستطع أن احبها يا عاصي!
ثم رفعت عيناها الدامعة له وهي تستطرد بنبرة متحشرجة:
-سامحني بني، ليس بيدي اقسم لك، أنا ام، ام حُرمت من طفلان لها وليس واحد حتى!
احتضن كفاها معًا بين كفاه وهو يقبلهما بحنانه الفطري متمتمًا:
-اعلم، اعلم يا امي، اعلم!

رفعت رأسه بيداها برفق وهي تخبره بنبرة صادقة مُذبذبة:
-هل تظن أنني تقبلتها لأني لم اعد أوجه لها اهانة؟! ولكني حسبانًا لانقاذها لي ولما مرت به فقط احاول تجنبها، رغم أنني في احيان اخرى اود قتلها ليشعروا كما شعرت انا بفقدان ولداي
تنهد عاصي بعمق، تنهيدة تصدر عن أعماق أعماق تلك الضجة التي تهتاج اكثر داخله شيءً فشيء...!
ليسألها فجأةً بصوت هادئ خشن:
-وأسيل؟ هل ستتقبلين عشقها ل علي؟

عضت على شفتاها بأسى وهي تخبره:
-وهذا ما يشعرني أنني بين نارين عاصي، احيانًا أشعر بالذهول من حبها ذاك، كيف لها أن تحب قاتل شقيقها؟! ثم اعود لأخبر نفسي أن قلبها نجح في هزيمة عقلها
شدد عاصي على يداها وهو يخبرها:
-غير أنها امرأة، ليست مثلي وليست ام فقدت اولادها مثلك، وعلي، علي اكمل النواقص التي كانت كالثغور في روحها!
اومأت والدته وهي تهز رأسها بقلة حيلة مرددة بصوت شارد:.

-لذا لا أريد أن أكسر قلبها ذاك يا عاصي، أسيل كُسرت مرة مع ثامر ولن تتحمل الثانية
ثم ضربت على صدره عدة مرات وقالت بزهو:
-ولكنك أسد، أسد يحمل قلبًا كالجبل يا عاصي لا يمكنه أن يُكسر!
كز على أسنانه بصمت ولم يعلق، بدأ يشعر أن ذلك الجبل يهتز وسينهار قريبًا، قريبًا جدًا!
وفجأة سمعوا صياح يأتي من غرفة حور وصوت تهشيم اشياء فركض عاصي للأعلى مسرعًا ووالدته نهضت تركض خلفه بتلقائية...

اخرج مفتاحه وفتح باب الغرفة بلهفة ليجد ما توقعه، حور تدمر كل شيء أمامها، حتى المرآة حطمتها، ركض نحوها بسرعة وهو يحاول الإمساك بها صارخًا بذهول مرتعد:
-حور، حور ماذا تفعلين عودي لوعيك
حينها زمجرت به في المقابل وكأن تلك القطة داخلها استعادت وعيها ومخالبها بالفعل:
-عودت لوعيي وعقلي يا عاصي، عدت لدرجة أنني أشمئز من لمستك لذراعي هذه!

ومع اخر حرف لها كانت تنفض ذراعه عنها بعنف، لمحت بطرف عيناها والدته التي كانت تتابع الموقف بصمت لتتجه لها بكل هدوء، وقفت أمامها ثم بدأت تصفق فجأة وهي تضحك بشكل هيستيري مرددة:
-مبارك، مبارك يا، يا حماتي! مبارك تحقق ما سعيتي له أنتِ وأبنك هذا، أرأيتي؟ ها أنا انهار...
ثم امسكت يداها بعنف تضعها على قلبها وهي تصرخ:
-أرأيتي، أرأيتي قلبي يرتجف من الألم وروحي تتلوى داخله...

ثم تعمقت النظر لعيناها المتحجرة بالدموع وأكملت صراخها الذي يحمل لونًا واضحًا من الألم والسخط خلفه:
-عيناي جامدة تخفي الانهيار خلفها، أحبس دموعي بصعوبة وأشعر، أشعر، آآ...
ثم تركت يداها فجأة وهي تضحك متابعة:
-لا، انا لم اعد اشعر بشيء!
كانت حماتها صامتة، تحدق بها بشفقة حقيقية والحزن يستوطنها بتلقائية على تلك المسكينة...

هزت رأسها وهي تغادر بسرعة دون أن تنطق بحرف، بينما حور هبطت نحو الارض تمسك قطعة زجاج مهشمة من المرآة، كانت تحدق في الفراغ وعيناها تنطق بألف كلمة وكلمة...
وفجأة سمعت صوت عاصي خلفها تمامًا وهو يهتف بصوت خالي من التعابير:
-هذا تمامًا ما شعرت به انا ووالدتي حين قتلوا اشقائي، مثلك تمامًا الان.

حينها إلتفتت له بعيناها الحمراء، حينها فقط أن جرحها غائر، غائر اكثر مما توقع، شعر أنه يرى قناع جديد، قناع من القسوة يخفي كل بواطن الروح، قناع كان يمتقعه هو دائمًا، قبل ان يعشقها...
فأدرك في نفس اللحظة، أنه بالفعل انتقم!
وفجأة وجدها تشق قميصه بتلقائية ليظهر صدره الاسمر اللامع، امسكت بقطعة الزجاج جيدا ثم بدأت تجرحه بها مكان قلبه تماما، تغرزها عن عمد وهي تسير لتشكل خط عريض من الدماء!

حينها رفعت عيناها لملامحه المتألمة وهي تخبره هامسة بصوت جامد:
-هذا بالظبط ما أشعر به حاليًا سيد عاصي، اشعر بشيء ك تلك يصيبني ولكن داخليًا...!
وما إن انتهت حتى رمت تلك القطعة التي تلوثت بالدماء، دون أن تنظر له ابدًا...
بينما هو جرحه ينزف وهو يضغط عليه مغمضًا عيناه لا يصدر آآه حتى...
توجهت نحو المرحاض ولكن قبل أن تدلف قالت:.

-سأدلف لأستحم، عندما اخرج لا اود رؤيتك رجاءًا لأني حينها لن اتمالك نفسي وسأتقيئ بوجهك!
ثم دلفت وهي تصفع الباب خلفها، بينما هو انظاره جامدة، ولكنها مهزوزة وهو يدرك أسفًا، أنها لم تعد تلك الحورية، وأن الألم جعلها نسخة اخرى من الشيطان!

وصل كلاً من ريم وظافر مقر قسم الشرطة، كان الحماس يقفز من حدقتا ريم وهي تُمني نفسها باللحظة التي سترى فيها أطياف تُعاقب على كل خطاياها...
وبالفعل دلفوا فتقدم ظافر من الضابط وهو يُحيه، جلس ظافر وريم امامه ليبدأ ظافر الحديث بسؤاله الهادئ:
-كنت اود سؤالك كم المدة التي ستتقضاها اطياف؟
تنهد الضابط وهو يخبره بهدوء:.

-من سنة الى ثلاثة، ولكن القضية لم تُغلق بعد، بالاضافة الى كونها تنكر ذلك والفحص الطبي لم يفيدنا لانه مر اكثر من اربعة وعشرون ساعة
هز ظافر رأسه موافقًا:
-حسنًا، اعلم
ثم سأله بجدية:
-هل يمكنني رؤيتها؟
اومأ الضابط مؤكدًا وهو يخبره:
-ولكن لا تتأخر سيد ظافر
اومأ ظافر مؤكدًا وهو يشد على يد ريم لينهض وهي معه، دلفا معًا وما إن رأتهم أطياف حتى اهتاجت اكثر وهي تصرخ:.

-ظافر، اخبرهم انني لم افعلها، انا لم افعلها يا ظافر لم افعلها
تنفس ظافر بصوت مسموع وهو يقول ساخرًا:
-وما ادراني؟! الذي جعلك تخونيني اول مرة يجعلك تفعلينها مرة واثنان
ثم ضحك بسخرية وأردف:
-المرة الماضية لم استطع اثبات أي شيء ضدك، ولكن هذه المرة لن اتنازل حتى اراكِ تقضين فترة جيدة بين تلك القضبان...
حينها بدأت تهز رأسها نافية وهي تتوسله:.

-اتوسل إليك لا تفعل، إن بقيت هنا يوم آخر سأجن، اتوسل اليك ارحمني وسأغادر تلك البلاد وأترك عمار لك ولن تراني مرة اخرى اقسم لك
شعرت ريم بالشفقة عليها رغم كل شيء، لتستغل أطياف ذلك وهي تنظر لها بسرعة مغمغمة بشكل هيسيتري:
-ريم، ارجوكِ اقنعيه يا ريم، اخبريه انتِ، لن اعود ولكن لا اريد أن اظل بذلك السجن ريم!
نظرت ريم للجهة الاخرى وهي تهمس لظافر:
-هيا ظافر اريد أن اغادر.

اومأ ظافر مؤكدًا وهو يسحبها معه ليغادرا بالفعل...
طوال الطريق ولم ينطق كلاهما بحرف، ولكن ريم نظرت له متساءلة بصوت شارد:
-لمَ احضرتني لأراها بذلك الوضع ظافر؟
فلم يتردد وهو يجيبها بوضوح قاسي:
-لأنكِ رأيتيني في وضع اسوء يا ريم، رأيتيني رجل مسكين يعاني مرارة الخسارة التي جعلت رجولتي بالأرض!
حينها لم تنطق بشيء اخر، وعندما وصلوا امام منزلها توقف ظافر وهو يخبرها دون ان ينظر لها:.

-سأذهب للشركة هناك بعض الاعمال التي تحتاجني لأعوض الخسارة الشنيعة التي سببها لي ذلك اللعين
اومأت ريم موافقة ثم اقتربت منه بخفة لتطبع قبلة رقيقة على وجنتها هامسة بنعومة:
-انتبه جيدًا لنفسك وعد سريعًا لي
ابتسم ظافر رغم التشتت الذي يفرق ثناياه...
وبالفعل بعد فترة وصل الشركة وصعد لمكتبه مباشرةً ليغرق بين اوراقه يحاول إلهاء نفسه عن التفكير، عن ضميره الذي يخبره أنها ام طفله...!

انتبه لرنين هاتفه فامسكه متأففًا يجيب:
-نعم؟!
اتاه صوت ذاك الحقير وهو يردد ببرود قاتل:
-اعددت مفاجأة لك ظافر...
عقد ظافر ما بين حاجباه وهو يسأله:
-ماذا؟
سمع ضحكات ذلك اللعين وفجأة فُتح الباب واحد الموظفين يصرخ بفزع:
-حريقة، الشركة تحترق من كل الانحاء سيد ظافر!
اتسعت حدقتا ظافر بعدم تصديق تزامنًا مع ضحكات الرجل التي ازدادت بانتشاء مريض!..

مساءًا...
دلفت أسيل مع علي لمنزلهم، نظرت له بابتسامة حانية فقد جاؤوا من عند الطبيب الذي أخبرهم أن علي ليس لديه أي كسور، تحسست جانب وجهه بحنان وهي تخبره هامسة:
-انتبه لنفسك جيدًا حبيبي ولا تذهب للعمل تلك الايام، حسنًا؟
اومأ مؤكدًا بابتسامة حانية رجولية تصرخ بالعشق ليُقبل باطن يدها وهو يقول:.

-حسنًا اسولتي ولكن هيا اصعدي ونادي حور لأراها قبل ان يأتي (هتلر) شقيقك ويكمل ما بدأه حينها لن أذهب للعمل بس سأذهب لقبري!
ضحكت اسيل بخفوت ثم اومأت مؤكدة وهي تصعد بالفعل لتنادي حور ولكن اوقفتها والدتها وهي تناديها بهدوء:
-أسيل اود الحديث معك
كادت أسيل تعترض وهي تشير لها:
-حسنًا امي ولكن...
ولكن والدتها أشارت لها أن تأتي بحزم:
-يجب ان اتحدث معكِ أسيل، والان!

اومأت اسيل وهي تسير معها حتى جلسا على الاريكة بهدوء فبدأت والدتها الحديث بجدية حادة:
-يوجد بعض الاشياء التي يجب أن تعلميها إن اردتي أن تكملي حياتك مع ذلك القاتل
قاطعتها أسيل قبل أن تكمل:
-انا حامل يا امي، يجب ان تضعي ذلك في حسبانك!

بينما في الأعلى كانت حور تفرش بعض الافرشة لها لتنام على الارضية، اقسمت داخلها ألا تمس ذلك الفراش مرة اخرى، وألا تشاركه أي شيء!
أقسمت ونزيف روحها يصك ذلك القسم بدماءه الباردة!..
دلف عاصي إلى الغرفة فلم تعطه اهتمام، اقترب منها ليمسك يدها هامسًا:
-حور...
فصرخت فيه بانفعال وهي تدفعه بعيدًا عنها:
-اللعنة عليك وعلى حور، ألم اخبرك ألا تظهر امامي ابدًا؟!

زفر عاصي بصوت مسموع، يحاول احكام قبضته على اعصابه حتى لا تنفجر، وفي الوقت ذاته يعلم أنه سيعاني حتى ينال غفرانها!
اقترب منها ثم تابع بخفوت ولأول مرة يتوسل:
-حور، يجب أن نتحدث، ارجوكِ! انا لم افعل لكِ اي شيء يزيد ثورانك بهذا الشكل
نظرت له بحدة لتنطق من بين أسنانها:
-مجرد رؤيتك اصبحت تزيد ثوراني سيد عاصي
ما إن انهت كلمتها حتى دثرت نفسها بالغطاء جيدًا وهي تعطيه ظهرها وكأنه هواء!

ليجلس هو على الفراش متنهدًا بعمق وهو يسألها مستنكرًا:
-ألا يوجد امل لأنال ذلك الغفران؟
سمع كلمتها التي كانت كسهم قاسي انطلق ليصيب قلبه الذي يتلاطم بين امواج عشقها وقسوتها الغير معهودة اطلاقًا:
-ابدًا...

صباحًا...
استيقظ على صوت رنين هاتفه فعقد حاجباه بانزعاج وهو يلتقطه ليرد بهدوء وصوت خشن:
-من يتحدث؟
جاءه نفس الصوت المتوتر قائلاً:
-سيد عاصي هذا انا، المريض النفسي الذي أتاك يومها...
نهض عاصي يعطيه اهتمامه فماج عقله بذكرى حارس منزله وهو يخبره أنه لم يستطع معرفة اي شيء عنهم سوى انهم اخ واخوه فقط وانه بالفعل مريض ولكن بالانفصام بالشخصية...
انتبه له وهو يقول بجدية:
-اريد ان اخبرك بشيء لأريح ضميري.

سأله عاصي:
-تفضل ما هو؟
-انا مصاب بالأنفصام بالشخصية، وانا الذي قتلت شقيقك بعدما تركه علي الجبوري مصاب ولكنه كان على قيد الحياه فقتلته انا لأني مريض كما اخبرتك ولم اشعر الا بعد ان انتهى كل شيء!
بينما عاصي كان متجمد، مصدوم، مذهول، يشعر أن دلو من الثلج سكب عليه...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة