قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل العشرون

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل العشرون

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل العشرون

غضب اعمى سيطر عليه و لاول مره تراه هى في هذه الحاله، فارس الهادئ، المتزن و المرح يملك بداخله اكوام من الغضب سيطرت و بوضوح في سرعه سيارته التى كانت تطير الان بهم في اتجاه مجهول و هى بجواره تبكى.
ألم، محتمل،
حزن، ربما،
و لكن المؤكد هو شعور الخوف و القلق الذى لامس قلبها.
تخسر نفسها لا فارق، تحزن هى لا بأس و لكن ان يصيبه هو مكروه هذا ما لا تتحمله ابدا.

زفره حاره تبعها بالتوقف بالسياره على جانب الطريق المجاور لمياه النيل و دون كلمه ترجل من السياره يستنشق هوءا نظيفا لربما هدأت اعصابه قليلا.
بهدوء تبعته لتقف بجواره بصمت قليلا قبل ان تشرد بذهنها مبتسمه ابتسامه حزينه: فاكر اول مره قولت لي انك بتحبنى؟

استدار ليقف معاكسا لها هى تنظر للماء و هو ينظر اليها و قد اصابته عدوى ابتسامتها البريئه و همهم موافقا فاتسعت ابتسامتها و اردفت: مكنتش وقتها فاهمه يعنى ايه؟ كل اللى كنت متأكده منه انى بحب افضل معاك، العب معاك، اسمعك، اشوفك بتضحك، بحب تكون اول واحد يقولى كل سنه و انتِ طيبه في عيد ميلادى و مابحبش ابدا اشوفك بتلعب مع حد غيرى.

اتسعت ابتسامته متذكرا مشاجره صغيره بينها و بين فتاه حاولت الاقتراب منهم للعب فقط و لكنها اقامت القيامه، حادت عينها عن المياه ناظره اليه لتراقب ابتسامته و تمتمت: كانت كل حاجه حلوه و كنا دائما مبسوطين.
اومأ موافقا اياها و هى تذكره بأسعد و اقرب الذكريات لقلبه، اشاحت بوجهها عنه ناظره للمياه مجددا و تجهم وجهها رويدا و هى تردف بنبره لم يطمئن لها: بس كنا عيال يا فارس.

اعتدل قليلا في وقفته ينصت لها منتظرا كماله حديثها و قد كان ما خافه عندما اكملت: و كبرنا، فهمت كلامك، اهتمامك، مشاعرك و فهمت احساسى و مشاعرى، كنت بالنسبه ليا الامير اللى كل سندريلا بتتمناه، عرفت يعنى ايه بحبك و يعنى ايه افضل طول الليل افتكر كل ذكرياتنا سوا، و اتمنى يبقى لينا ذكريات جديده، بس..

قطعت كلماتها و هى تستدير ليقابلها نظرته المستفسره لتمنحه عينها من مخاوف قلبها القليل اقترب منها ممسكا بيدها فابتسمت و لمعه عينها بدموعها تزداد هامسه: انا خايفه، خايفه قوى يا فارس، اه الكل قالى الموضوع مش سهل، هيبقى في مشاكل، هتتعبى، بس مكنتش اعرف ان الموضوع هيوصل لتهديد بقتل يا فارس، انا مش هقدر اتحمل اى اذى فيك، مش هقدر.

ابتسم ضاغطا يدها بقوه صائحا بتعجب كم برائتها: انتِ صدقتيهم! جدى و جدك ميقدروش يعلموا كده يا حنين، الاتنين كانوا زى الاخوات، قريبين من بعض جدا و لولا المشاكل الاخيره صدقينى كانوا هما اول اتنين هيقترحوا جوازنا و يقفوا معانا.
قاطعته: بس في مشاكل دلوقت يا فارس، في مشاكل بعدت العيلتين عن بعض و مش يوم او اتنين دى سنين، سنين كل واحد فيهم بيفكر ازاى يأذى التانى، كانوا لكن دلوقت لا.

ثم اضافت بحسم رغم نبرتها التى خانتها لتخرج متهدجه: مش كل حلم بيبقى حقيقه يا فارس.
ضيق عينه متسائلا و يحاول عدم توقع الاجابه و التى ان كانت كما يظن ستكون قاصمه: قصدك ايه يا حنين؟
نظرت لوجهه لحظات ثم اخفضت عينها عنه هامسه و قلبها يصفعها الاف الصفعات و لكن عقلها يوافقها: تعتقد ان الحل فعلا اننا نطلق يا فارس!

عاش من شافك يا ابنى، ايه الغيبه دى كلها! بقى الشغل ياخدك مننا كده.
عاتبت بها ليلى عندما ذهب اكرم لزيارتهم، فابتسم مصافحا اياها بود حقيقى: غصب عنى و الله، الشغل واخد كل وقتى و يا دوب بلاقى وقت انام، بس انا بكلم جنه دائما و ببعت سلامى للكل.
ربتت على كتفه ضاحكه: بيوصل يا بشمهندس بس ماينفعش بسلام من بعيد كده ابقى خلينا نشوفك.

ثم جذبت يده للداخل متمتمه بحب و هى ترى به اخيها الصغير و خاصه انه جمع من ملامحه الكثير: عامل ايه و شغلك، طمنى عليك؟
و استفاضه في الحديث، و كلا منهما يرى في الاخر شخص افتقده، حتى نهضت قائله: البنات في الحديقه بره اخرج لهم.
سبقته و لحق بها، و بمجرد ان دلف غطى فمه بيديه ضاحكا، يستمع لتلك المشاجره بين شذى و سلمى و التى صرخت بالصغيره و هى تجذب الكره من يدها: انتِ بتغشى، امشى مش هتلعبى معايا.

لتجذبها شذى بعنف و هى تجيبها بغضب: هلعب يا سلمى، انتِ اللى مابتعرفيش تلعبى اصلا، سيبى الكوره.

لتعترض سلمى بكلمات اخرى يتخللها بعض التوبيخ و تجيبها شذى و التى نجحت في جذب الكره من يدها لتتراجع خطوتين دافعه سلمى بها، لتصرخ سلمى بغضب ممسكه بالكره راكضه خلف شذى يمينا و يسارا ثم بحركه مفاجئه دفعت بالكره لتتفاداها شذى مسرعه لتكون الاصابه اسفل الحزام لذلك الذى مات ضحكا عليهما ليصرخ عاليا قبل ان يكتم تأوهه فهو يقف امام ثلاث فتيات و طفله بالاضافه لعمته التى صدعت ضحكتها و هى تواسيه كاتمه فمها مرغمه، بينما حرقت عيناه سلمى بنظراته و خاصه عندما انفجرت ضحكا تبعتها مها و جنه التى نهضت مسرعه مقتربه منه تطمئن و لكن لم تستطع التحكم في ضحكاتها فنالت نظره غاضبه اسكتتها مرغمه ايضا.

مسدت ليلى ظهره بابتسامه خفيفه و هى تمتم: تعيش و تاخد غيرها يا حبيبى.
ليتنفض ناظرا اليها صائحا و كم كان ينازع نفسه لكى لا يعبر عن ألمه امامهم: ربنا ما يقدر.
وضعت سلمى يدها على وجهها تمنع ضحكتها بأعجوبه و لكنها جمعت كل تمردها و شجاعتها مقتربه منه متمتمه بترفع رغم خطئها: انا ا...
قاطعها و هو يكاد يتقدم ليطبق على عنقها: انتِ مجنونه.
لتشع عينها غضبا و هى تحدق به بغيظ هاتفه: انت ازاى تت..

قاطعتها هذه المره شذى ضاحكه بملأ صوتها و هى تهتف باستفزاز: شوفتِ يا سلمى هانم، مش انا لوحدى اللى شايفاكِ مجنونه.
و كادت صفعتها تلامس وجه شذى لولا ركض الصغيره لتختبئ خلف والدتها حتى قالت جنه لفض الامر فسلمى لن تصمت و اكرم في وضع لن يجعله يصمت: خلاص يا جماعه حصل خير،
ثم ضحكت رغما عنها متسائله و هى تنظر لاكرم متمتمه: انت كويس!

ليرمقها بغيظ شديد لتنفجر ضاحكه مجددا بينما تتركهم سلمى لتتبعها مها و التى جاهدت لتكتم ضحكتها اثناء مرورها بجوار اكرم ملقيه التحيه بعينها التى لمعت بضحكتها رغما عنها مما دفع جنه للاستمرار بضحكها حتى رحل الجميع.
جلس و جلست جنه بجواره فهدر بها: ايه بنت المجانين دى، كل مره مصيبه؟
ربتت على ركبته بدفء ثم ضحكت مجددا لتنال لكزه بكتفها جعلتها تتأسف صامته قبل ان يسألها: و مين الملونه دى؟

ابتسمت مجيبه اياه: مها، بنت عمه عاصم و اخته في الرضاعه.
ثم ترددت قليلا قبل ان تضيف بحذر: هو بشمهندس مازن متكلمش معاك في اى حاجه؟
ليتسائل بهدوء لتردف: يعنى عن حد هيشتغل عندك في الشركه و كده!
نفى بهدوء مجددا فأخذت نفسا عميقا و قررت اخباره لكى لا يتفاجئ غدا: اصل سلمى، يعنى، المفروض هتيجى، يعنى تشتغل في الشركه، معاك، ق..

ليقاطعها بسرعه لتغلق هى عينها ضاحكه من عصبيته: نعم، نعم، هتيجى فين! هو انا فاتحها مستشفى مجانين!
ضحكت قليلا قبل ان تهتف مهدئه اياه: اهدى يا اكرم،
فصاح هو: اهدى ايه، دى كانت هتقطع لى الخلف، ثم هتيجى تشتغل اييه، اراجوز؟
لتتعالى ضحكاتها مره اخرى قبل ان توضح مادحه: سلمى مهندسه ديكور يا اكرم، و استاذه و رئيسه قسم في الرسم و التصميم، ممتازه بجد.

ليجيبها ساخرا: دى مهندسه عبط، استاذه هبل و رئيسه قسم في الجنان، و الله ما انا عارف بتفكر منين؟
و عاتبته جنه مانعه اياه من الاسترسال هاتفه: مايصحش كده، ثم ان هى و مها هيجوا و انت تشوف ورقهم و تحدد اذا كنت هتقبل او لا؟
و اجابه قصيره: لا.
لتنظر اليه بطرف عينها متمتمه بخبث: خليك حقانى يا بشمهندس.
و تسائل هو: هى مها كمان مهندسه ديكور؟
و اجابت بطريقته: لا، معمارى.

و ماطل بابتسامه: خلاص انا هوظف مها و سلمى لا.
و اكملت هى مسيره اقناع شقيقها الثلاثينى الصغير بجدال مرح، ثم حديث طويل عن الماضى و ذكرياتهم معا، حديث اطول عن سنوات عمره بالخارج و كيف كانت، ثم دار الحديث اليها، لتحاول شرح ما يضيق صدرها و يؤرقها لتنال بالمقابل نصائح شتى، لحياتها، بيتها و زوجها و انه امر لو تعلمون عظيم.

انتِ عاوزه تطلقى يا حنين؟
تمتم بها عاصم بجديه و هو يجلس بجوارها بعدما اخبرته والدته بما صار، امالت وجهها عنه تخفى اثر صفعه جدها و نفت برأسها باكيه، و عقلها باقٍ مع ذلك الذى جن جنونه فور ان عبرت عن مخاوفها و لكنه لم يحدثها، يعاتبها او حتى يوبخها فقط جذبها بعنف للسياره و اعادها لبيتها دون كلمه، هى مدركه انها اخطأت و لكنها حقا لا تعرف ما يجب عليها فعله.

استدار عاصم لوالدته متحدثا بهدوء: خلاص يا ست الكل، حنين رافضه يبقى الموضوع منتهى.

اخذت والدته نفسا عميقا تخبره عن قلقها و ان كبير العائله لن يمرر الامر بهذا الهدوء و لكن كالعاده تجاهل عاصم الامر موضحا ببساطه: اولا فارس مش صغير و قبل ما يتقدم لحنين عارف كويس ان الموضوع مش هيمر ببساطه، ثانيا بنتك اختارت و اعتقد انها ناضجه كفايه تتحمل اختيارها، ثالثا مع كامل احترامى لجدى بس انا مش هسمح لحد يغصب اختى على حاجه طول ما انا عايش و بتنفس.

اغلقت حنين عينها تحاول التمسك بما يمنحه لها من امان و لكنها بالاخير تعرف عقليه جدها الاكبر و حزم قراراته فهمست ببكاء: انا خايفه قوى يا عاصم، خايفه على فارس قوى.

ثم استدارت مسرعه لتلقى برأسها على صدره تحتمى به، و لم تغفل عينه عن الكدمه التى غطت وجنتها فأطبق بيده عليها تاركا اياها تعبر بدموعها عن خوفها، حزنها و وجعها مما يصير و خاصه مع من مثلها، تحب الهدوء، تعيش ببرائه و تبحث دائما عن السكينه و راحه البال، مسد ظهرها بهدوء يقاوم غضبه الذى سيطر عليه ليتمم مطمئنا اياها اكثر: فارس راجل يا حنين و انا لو عندى شك انه مش هيقدر يقف معاكِ و في ظهرك دائما مكنتش وافقت على الجوازه دى، ثم انا و بابا كمان مش هنسمح بأى حاجه تأذيكِ.

انهى كلمته و هو يبعدها عنه ممسكا اسفل ذقنها يُدير وجهها اليه ليرى بوضوح كدمتها و الجرح الصغير الذى اصاب جانب شفتيها لتغلى الدماء بعروقه اكثر، فعاصم اقسى من القسوه على نفسه ان يرى اذى بأحدى شقيقتيه و خاصه حنين تلك التى لا تستطيع المطالبه بما تريد حتى و ان كان حقا لها متسائلا و هو يضغط اسنانه بعنف و كان سؤاله اقرب لاجابه منه لسؤال: جدى، صح!
اه يا عاصم، جدك.

اخذ نفسا عميقا و هو يستدير لينظر لجده الذى غطت وجهه ملامح الغضب ايضا و هذا من اسوء ما يكون فعاصم لن يتراجع و كبير العائله بالطبع لن يهدأ.

لحظات جلس بها امين على الاريكه مقابلا لعاصم الذى اختبئت حنين في جسده اكثر لينظر اليها آمرا اليها بالصعود لغرفتها و سرعان ما فعلت فاستدار عاصم لجده مشبكا اصابعه بكل ما يملك من هدوء الان مجاهدا لينفذ تقاليد العائله من احترام و تقدير و طاعه لكبير العائله و لكنه يعرف جيدا انه لن يفعل: حنين بالذات عمرها ما اتضربت لا من بابا و لا منى، كانت اكثر واحده بتقول حاضر و نعم، مكنتش بتكسر كلمه لحد حتى لاختها و بتراعى خاطر اللى قدمها كويس قوى،.

صمت لحظه ثم اردف: اجى النهارده الاقى وشها بالمنظر ده و علشان ايه! علشان..
قاطعه جده و يا ليته لم يفعل فلقد ضغط على اخر اعصاب عاصم المتزنه: علشان جليله الربايه و انا هربيها من اول و جديد.

ضرب عاصم بيده على الطاوله امامه ناهضا من مكانه بغضب اعمى جعل قلب والدته يهوى ارضا: الكلام ده عندكم في الصعيد لكن هنا اختى برقبه الكل و اقسم بعزه و جلال الله لو حد فكر بس يرفع ايده في وشها تانى لكون جايب عاليها واطيها، ماشى يا كبير العيله.

احتدت عين امين لا يصدق كيف ارتفع صوت حفيده امامه و الاسوء عليه و الاكثر سوءا انه تهديدا و قبل ان ينطق كان عاصم قد غادر صاعدا للاعلى بينما هاج و ماج و جن جنونه بالاسفل يصرخ بليلى و التى تحملت الامر بثبات تردد الحمد ان زوجها ليس هنا و الا لساءت الامور اكثر.

ثوانى كان داخل الغرفه التى اجتمعت بها الفتيات، امرا قاطعا بالاستعداد لجميعهم، تعجب و استنكار منهم، استفهام، فتوضيح سريع ان الغايه استعاده اتزانه ما دام جده ها هنا، الابتعاد عن هذا التوتر، و الترفيه و الوسيله المكان الامثل مزرعه العائله .
القليل من الوقت و كان جميعهم بالاسفل و صادف خروجه دخول والده فأخبره مسرعا و رحل ليتلقى والده بسببه محاضره طويله، غاضبه، ممله و معتاده من كبير العائله.

طريق طويل، غضبه يقتله و لكن حذر بقيادته، جذب النوم الجميع ليبقى هو و جنته التى كانت تراقبه من وقت لاخر تطمئن انه هدأ قليلا، حتى قررت التحدث متسائله باحراج: ممكن اطلب منك طلب؟
اومأ سامحا لها و اه لو تعرف ان اقصى ما يرغبه الان هو حديث معها يخرجه من براثن افكاره فيما يتعلق بموضوع شقيقته المعقد، فمالت في مقعدها تنظر له طالبه بحذر: انا عاوزه الدبله بتاعتى.

ابتسامه جانبيه ساخره جعلتها تدرك انه سيتهكم و قد كان: و دول بيطلعوا الساعه كام؟
اردفت و كأنه لم يسخر: انا عارفه انه مكنش ينفع اشيلها من ايدى اصلا، فأنا دلوقتى عاوزاها ممكن؟
ليعاجلها: ليه خير؟
صمتت قليلا و قبل ان تجيبه اكمل هو و هو يمنحها خيارات محدوده ليصل لامرا ما سيتعبها يعرف و لكن سيريحه كثيرا: علشان انتِ متجوزه و لازم تلبسيها، ولا علشان انتِ عاوزه، ولا علشان منى و عليها اسمى!

و الكره في ملعبها الان، اجابه بسيطه و لكن في طياتها معانى شتى.
اجابه طال تفكيرها فيها و زاد انفعاله انتظارا.
و عندما قرر الصراخ بها لتجيب وصله همسها المتردد: كلهم.
و كانت اجابه غير مرضيه بالنسبه اليه فكانت رد الفعل غير مرضى بالنسبه اليها ايضا عندما رفع يده يجذب السلسال الذى يرتديه لترى دبلتها معلقه به بجوار ID الخاص به ليدفعها بلامبالاه اليها.

فتعجبت حركته و كادت تسأله ألن يلبسها اياها و كأنه فهم و اجابها بعدم اكتراث على سؤالها الصامت: انا عملتها مره و مش هكررها تانى، فا لو مستنيه انى البسها ليكِ تانى بلاش تستنى على الفاضى.
و استداره وجه، انعقاد حاجبين و زفره ساخطه كانت كافيه لتوضيح انتهاء الحديث في هذا الامر.
استندت برأسها على حافه المقعد تتابع الطريق من النافذه و الهواء يداعب وجهها بخفه.

حياتها قبل بضعه اشهر كانت مجرد بئر اسود، كلما حاولت الخروج منه فشلت و بقاءها داخل ظلمته مرهق.
رغبتها في المجازفه كانت منعدمه، قدرتها على التحرك كانت مستحيله و مجرد التفكير في احتمال اناره ظلمته بشعاااع نور و لو بسيطا كانت غير ممكنه تماما.

و لكنها منذ وضعت قدمها بمنزل عمتها، معرفه ابناء عمومتها، التعلق بهم، حبهم لها و بالمثل لهم و بالاخير زواجها، منحها اكثر من مجرد بصيص امل، انار ما يقرب من ثلاثه اربعاع بئرها، منحها القدره على الشعور، التحرك، التصرف و تنفيذ ما ترغب به و لكن...
و ما بعد لكن ما اسوءه!

مازال هناك خوف مجهول المصدر، فكره ان يتضرر احدهم بسببها تؤرق ليلها، خاطر انها لعنه كانت و مازالت و ستظل يبدد امنها، احتمال خسارتها لاى منهم يمزق قلبها.
تحاول تجاهل مخاوفها، التغلب على حيرتها، الثقه بحدوث الافضل و الشعور بكل ما يجب عليها الشعور به بأحلى و انقى و اجمل ما فيه، تحاول و جاهده و لكن..
و ما بعد لكن ما اقساه!

تبوء محاولتها بالفشل دائما، اعتادت على عمتها و بناتها، اعتادت على رعايتها لشذى و لا تضجر من ذلك، اعتادت على حياتها الجديده و لكن لم تعتاد بعد عليه هو عاصم ، على مشاعرها المتخبطه بين كل امر و ناقضه، لم تعتاد على احساسها الحالى بالامان امام حصونه السوداء، لم تعتاد على روحها الساكنه عندما تضم اصابعه اصابعها بقوه حانيه، لم تعتاد على تعلقها به و تخاف ان تعتاد.

ما اسوء انتقالها في مشاعرها معه من خوف مضنى لأمان تام، من هروب دائم منه لاختباء و احتماء به، من كره حقيقى لحب جديد.
حقا ما اسوءه!

منزل ريفى بسيط يتكون من عده غرف للنوم، غرفه استقبال متوسطه المساحه، مطبخ، مرحاض و شرفه كبيره حول المنزل بأكمله، يقع في منتصف ارض زراعيه كبيره في مكان لا يضم من المبانى السكانيه الكثير، لا يوجد ضجيج المدينه، و لا ازدحام السيارات و صوت الابواق المثير للاعصاب.

ترجل الجميع، استمتاع لحظى باختلاف الهواء و نقاءه، ثم ترحيب من عمال المزرعه و خاصه سيلم و الذى بدا انه مقرب من عاصم بشكل كبير، مزاح و حديث رجولى، ثم امر من عاصم برحيل الجميع ليظل بمفرده ها هنا مع شقيقاته لتعرف الراحه و السكون طريقا لهم.

جلس عاصم في الشرفه ينظر لذلك المكان الصغير بجوار المنزل و الذى يضم اعز و اقرب اصدقاءه لقلبه، لتقاطع مها خلوته مشيره بحماس على نفس المكان الذى كان يتابعه منذ قليل يلا نروح
ليبتسم غامزا اياها بشغف قبل ان يحتضن كفها لينهض معها، لتراهم جنه فتتسائل لتوضح سلمى بهدوء: اكيد هتركب الفرسة، مها بتحب الخيل جدا زى عاصم بالظبط و دا طقس لازم تعمله كل مره نيجى هنا.

ابتسامه غريبه زينت شفتيها مع شعور بالغيره يداعب روحها لتقول دون تفكير: عاوزه اتفرج عليهم.
فجذبتها سلمى للشرفه المطله على اسطبل الخيل الصغير، تتابعهم و بعينها نظره متمنيه ان تكون محلها، لا تحسدها و لا تضجر منها و لكن فقط تتمنى لو تكون على طبيعتها دون قلق، دون تفكير، دون خوف بين يديه، لتكون معه عندما يضحك كالان، ان تكون بجواره لتضحك هى مثلما تفعل مها، فقط تتمنى.

فرسة بيضاء ذات خصلات طويله، تصهل بقوه مرحبه بهم، تخفض عنقها اسفل يدى مها التى ضحكت بقوه محتضنه عنقها باشتياق واضح، ثم جوله مرحه من الصعود على ظهرها، الركض معها، الغبار المتناثر من خطواتها، ضحكه عاصم الواسعه و التى نادرا ما رأتها جنه لتتسائل بهدوء ينافى الطبول الراغبه التى تقرع بقلبها: انتم بتيجوا هنا كتير؟

ابتسمت سلمى عاقده ذراعيها امام صدرها تتابع جو الالفه بين اخيها و مها لتمتم موضحه: احنا لا، لكن عاصم بيجى كتير، بيحب المكان هنا جدا و دائما يقول انه بيرتاح لما يقضى وقت هنا.
لتهمس جنه بتأكيد: واضح.
ثم استدارت ناظره اليها متسائله بحذر: حنين نامت؟
لتجيبها سلمى بلامبالاه: اكيد مانمتش بس قافله على نفسها ومش عاوزه تقعد مع حد.

لتشملها جنه بنظرات ادركت سلمى على الفور معناها فابتسمت موضحه سؤال جنه قبل ان تفعل: ايه عاوزه تسألينى اذا كنت زعلانه علشانها و لا فرحانه؟
نظرت جنه ارضا قليلا قبل ان ترفع عينها بنظره وضحت انها بالفعل ترغب باجابه صريحه لهذا السؤال.

صمت لحظات ثم تنهدت سلمى بقوه مجيبه بشموخ تتعجبه بنفسها في مثل هذا الامر الذى اعتقدت انه سيفرحها و لكن كان العكس: مضايقه منها جدا يا جنه، مش عارفه ازاى ضعيفه و مستسلمه لهم كده، نفسى تقف و تتكلم و تواجه مش بس تقفل على روحها و تعيط.

صمتت جنه منتظره بقيه الحديث فاضافت سلمى بدون خجل: فارس انسان ممتاز، سواء شكل، عقل، اسلوب او شخصيه، لو حنين فضلت بسكوتها ده كأن الموضوع هيتحل لوحده صدقينى مش هيحصل اللى هى عاوزاه ابدا.
فتسائلت جنه و هى تطالعها بتفحص: يعنى افهم من كده انه معدش فارق معاكِ؟
لتضحك سلمى بصخب متمتمه بعجرفه و تمردها المعتاد يسيطر عليها: طبعا، من يوم ما بقى جوز اختى مبقاش فارق معايا خالص.

حدقت بها جنه قليلا لتشاغب سلمى بغمزه: انتِ مالك قلبتِ على عاصم كده!،
ثم دفعتها لتنظر بالاسفل هامسه: ركزى مع جوزك يا شابه.
ابتسامه بسيطه تابعها مرور بعض الوقت تراقبهم حتى كادت مها تسقط عن ظهر الفرسة ليحتضنها عاصم قبل ان تسقط ارضا ليضحك بملأ صوته قبل ان تتعلق هى بعنقه تضرب كتفه لضحكه عليها لتهمس جنه بغيره اصابتها رغما عنها: اللى يشوفهم مايقولش اخوات.

لتجيبها سلمى ضاحكه مدركه غيرتها: مها لو مكنتش اخته في الرضاعه انا ابصم بالعشره انه كان هيتجوزها وش، قريبه منه جدا يمكن اكتر مننا.
لتتسائل جنه و غيرتها تقودها: هو انا ماينفعش انزل عندهم.
لتعاجلها سلمى بمكر: مش هتخافى.
و بغيظ اردفت جنه: هو موجود.

لحظات اخرى و كانت تقف امام السياج الخارجى للاسطبل، تراقبهم عن قرب ليفاجأها الاحساس الذى شمل روحها بضحكته الصاخبه صوتا و صوره، لتهبط مها عن الفرسة معطيه ظهرها لجنه مشيره بابتسامه خبيثه هسيبك مع جنتك لوحدك، و على فكره انا اخدت بالى انك عينك عليها فوق من ساعتها و غمزه مشاكسه قابلها هو بدفعه بسيطه لها مبتسما، لتمر هى بجوار جنه ضاحكه مقبله اياها.

اشاره منه اليها بالتقدم، لتتقدم ببطئ و هو يتسائل: بتخافى منهم؟
لتجيبه بحذر و هى تنظر للفرسة المُمسك بلجامها: عمرى ما قربت منهم.
طمأنها بنظرته فاقتربت اكثر تنظر لعين الفرسة الكبيره باعجاب فمد عاصم يده لها و بعد تردد امسكت بها ليضعها هو بهدوء على عنق الفرسه متمتما: اسمها فجر ، بحسها شبه مها في جمالها،
ثم نظر اليها و هى تبتعد بخوف بجسدها ليردف مبتسما: بيحبوا الاهتمام و اهم حاجه تحس بحبك ليها.

لتهدأ رويدا رويدا و هى تداعب عنق فجر بانبهار لتجربه مثل هذا الامر لاول مره و هى تتسائل: ليه اسمها فجر ؟
و اجابه بسيطه: اتولدت مع اذان الفجر.
ثم اضاف: تحبى تشوفى الحصان بتاعى!
نظرت اليه قليلا و اومأت موافقه فجذب فجر ليدخلها و تحرك متمتما: استنى بره.

تعجبت ابتسامته و نظرته الماكره و لكنها استجابت لما قاله و بعد خروجها بثوانى ارتفع صوت صهيل ارعبها، ضربات قويه ارضا، ثم غبار كثيف يتبع خروج ذلك الجامح الذى اخذ يصهل بعنف رافعا قدمه لاعلى قبل ان يحرك رأسه يمينا و يسارا ليتوقف بعدها.
حصان اسود، بخصلات قصيره و عينان واسعه بلون الليل تشبه حصون زوجها العزيز، حصانه مثله تماما، قوى، جامح، يفرض سيطرته، حضوره الطاغى و خطواته الواثقه.

ظلت تتابع حركته العشوائيه قليلا حتى وصلها صوت عاصم بهمسه مشاغبه: اوعى تكونى خايفه؟
رمشت عده مرات و لن تنكر بالطبع خافت و لكنها وجدت نفسها تسأله بفضول: اسمه ايه؟
ابتسم و هو يقترب منه يداعب انفه بود ليصهل حصانه باستمتاع و هو يجاوبها: اسود
ضيقت عينها و ابتسامه ادراك ترتسم على وجهها و بفضول اكبر تسائلت رغم توقعها للاجابه: ليه اسود ! علشان لونه؟

نفى برأسه قبل ان يقول: لانه اسود في غضبه، حبه، صبره، عناده و جموحه، اسود في كل حاجه مش بس لونه.
و قبل ان تتسائل عن امر اخر، بحركه سريعه صار فوقه ليدور حولها عده مرات بسرعه حتى كادت تختنق من الغبار الذى يخلفه.
راقبته قليلا لتتفاجئ به يتوقف امامها مباشره لتتراجع خطوتين مسرعه للخلف ليبتسم هو مادا يده اليها متمتما بغمزه مستمتعه: تحبى تجربى؟
لتتراجع اكثر نافيه برأسها بقوه صارخه بها ايضا: لا، لا طبعا.

ليهبط عن جواده مقتربا منها ممسكا يدها بهدوء هامسا بشغب و حقا يشعر برغبه ليخوض مثل هذه التجربه معها و اه لو تعلم انها الوحيده التى ستعتلى اسود غيره: ماتبقيش جبانه، تعالى و انا معاكِ متخافيش.

عادت تنفى و لن تنكر خوفها ابدا و ادرك هو ذلك من ابريقها العسلى الغارق بخوفه و جذبها ليدها من بين يديه ببعض القوه و لكنه تمسك بها جيدا ليجذبها اليه اكثر لتنظر اليه تحاول اثناءه عن الامر و لكنه اصر و لا مفر من الامر، و رويدا استسلمت.

تحرك بها تجاه اسود الذى بمجرد ان صهل صرخت هى تركض بعيدا ليقهقه عاصم و هو يركض سريعا خلفها ممسكا بمعصمها ليوقفها، ليقربها مره اخرى فتقاوم قليلا قبل ان تستسلم مجددا و هذه المره جمعت كل ما تملك من شجاعه لتجاريه حتى لامست بالفعل انف الحصان لتتراجع قليلا و لكن يد عاصم التى اطبقت على يدها تداعب خصلات حصانه جعلتها تستمتع بالامرين معا - احساس مثل هذه التجربه و وجودها معه، يدها بين يده و صدره يحتوى ظهرها ليطمأنها - بدأت ابتسامتها تتسع تدريجيا حتى انطلقت ضحكاتها و اسود يلاعبهم برأسه حتى ما عادت تخاف صهيله بل باتت تستمتع به و اندمجت ضحكاتهم سويا بهذا الشكل للمره الاولى.

و حقا حقا ما اجملها اول مره!
تركها تداعبه قليلا في حين هيأ هو حصانه جيدا ليستقبل جنته اعلاه و بالطبع الكثير من الاعتراض، عده محاولات للهروب و تراجع تراجع حتى استسلمت لاصراره مره اخرى و ربما لانها لا ترغب بنهايه هذه اللحظه.

لتبدأ معاناه صعودها على ظهر حصانه، يدفع جسدها بينما هى تفقد التوازن و تسقط، تتعالى ضحكاته صخبا لتتزمر هى، يحاول مجددا لتسقط مجددا لترتفع ضحكتها هى هذه المره حتى استقرت اخيرا ليتنفس هو الصعداء ممازحا لتجيبه هى بضحكه اكثر سعاده.

بدأ يُحرك اسود بخطوات بطيئه لكى لا يرهبها، نبضات قلبها الصاخبه و ضحكتها المتقطعه جعلتها تدرك مدى سعادتها، تاره تنظر امامها و تاره اخرى تنظر له لتملى نظرها منه بابتسامته الهادئه تلك و هو يشاغبها من وقت لاخر.

و على حين غفله ترك اسود و تراجع خطوه ليتبين رد فعلها و الذى كان غير متوقعا عندما صرخت منحنيه بجسدها على عنق اسود تتمسك به بقوه، لينفجر هو ضحكا لتعقد هى حاجبيها متردده و تخاف السقوط، ترغب في التطلع عليه و لكن خوفها غلبها لتنادى اسمه عده مرات تستغيث به، ليتقدم منها مسرعا ليمتطى حصانه لتعتدل هى بتعجب و هى تشعر بيديه على طول ذراعيها حتى احتضن يدها ليجعلها تُمسك باللجام مقتربا منها حتى لاصقها تماما لتبتلع هى ريقها ببطء لتختبر حقا ما معنى قربه، ما تأثيره و ما مخاطره عليها، قلبها، روحها و عقلها.

لحظات تجمدت فيها تماما قبل ان تصرخ عاليا و اسود يتحرك بسرعه جنونيه بهما، لتستند بظهرها على صدره مرتعبه لتضغط يده على يديها اكثر و هو يقترب بوجهه مستندا على كتفها ممازحا لتضحك ضحكه جمعت من الخوف ما جمعت من الفرحه.
لتصرخ بعدها استمتاعا و خوفها يتلاشى تدريجيا و كيف يكون و هو معها، يحتويها، يحميها و الافضل من هذا كله يمازحها بل و يضحك ايضا.
تمنت و لكنها نالت اكثر مما تمنته بكثير.

ليسجل التاريخ هذه اللحظه لجنه كأسعد لحظات حياتها بلا منازع.
فلا تندمج ضحكاتهما فقط، بل يحتضن قلبه قلبها، تُأزر انفاسه انفاسها و يضم جسده جسدها.
فتناغمت نبضاتهما معا لتتراقص فرحتهما على سيفونيه صادقه عزفها حب كلا منهما دون اى حسابات كانت لتدمر اجمل ما في الامر.
و لكن الى متى!
بدأت خطوات اسود تتباطئ رويدا حتى توقف تماما ليهبط عاصم عنه دون انتظار.

و لاول مره بتاريخه كان هو يهرب، يهرب من مشاعره التى اشعرته انه سيضعف امامها، و ما اقسى رغبته في ضمها مجددا، الاستمتاع برائحتها، متابعه ضحكتها و الشعور بحبها الواضح له رغم مخاوفها و لكن كبرياؤه وقف حائل بينه و بين رغبته التى تركها تحرق داخله حرقا.
لتسأله عينها عن السبب و قد لون وجهها الحزن مجددا.

و الاجابه جاءت واضحه في حصونه السوداء التى شملت ابريقها العسلى مخبرا اياها ان ابن الحصرى يصدق، يؤمن، يقتنع ب نعم اريد حقا او لا اريد حقا لكن محتمل ، جائز و ربما لا محل لها من الاعراب عنده.
كان واضحا جدا معها و ينتظر منها الوضوح ايضا.

و انتهت اللحظه التى بدأت بضحكتهم بخوفها يتملكها، تفكيرها بالماضى و عقده، لتتركه و ترحل باتجاه المنزل دون ان تنظر خلفها، ليتحرك هو ب أسود دون النظر ايضا، حقه او لا، لا يعرف و لكنه ابدا لن يترك لها قلبه الا اذا بادلته بقلبها...
نقطه و انتهى الامر.

هناك من يحلم بالنجاح، و هناك من يستيقظ باكرا لتحقيقه.
ابراهيم الفقى
توقفت بالسياره امام الشركه تنظر الاولى بتفائل و لكن الرهبه كانت سيده الموقف بينما الاخرى بتمردها و جموحها تنظر اليها كأنها اولى و ابسط الخطوات باتجاه هدف حياتها.
بقوه صاحت: انزلى استنينى هركن و اجيلك.

اومأت مها موافقه و ترجلت تقف امام باب الشركه الزجاجى بانتظار مجئ سلمى، و اثناء اندماجها في تخيل مقابلتها توقف رجلين امامها ليقول الاول: حضرتك محتاجه مساعده؟
نظرت لوجهه بحذر قبل ان تتراجع خطوه نافيه برأسها ليتقدم الاخر هذه الخطوه متحدثا بسذاجه: لا و الله ما ينفع نسيبك واقفه كده.

لتتراجع مجددا و قد بدأ عجزها يؤلمها و ضعفها يظهر جليا في لمعه عينها المتوتره لتنفى برأسها مجددا و كم ودت الصراخ بهم و لكن من اين لها بصوت لتفعل.
ليهمس الاول بوقاحه و قد راقه جمالها الاوروبى: انتِ اكيد مش مصريه، صح؟
رجفت عينها بقله حيله و هى تبتعد بخطواتها عنهم عل و عسى يتركوها و شأنها و لكن تمادى الاثنين بالاقتراب ليهتف الثانى بغمزه: انتِ قلقانه ليه كده احنا بندردش بس،.

ثم اضاف بنظره جريئه اوجعت قلبها: ثم ان يعنى القمر...
في ايه بيحصل هنا؟
قالها محمود و هو يقترب لتشعر مها لوهله بأمان اكتنف روحها لتتراجع مختبئه خلف كتفه قليلا ليجيب الرجل الاول: ابدا يا حوده كنا بنحاول نساعد الانسه،
ثم نظر لمها بطرف عينه متسائلا بمكر: مش انسه برده؟
ليدفع محمود كتفه بغضب هاتفا بحده: اصطبح و قول يا صبح يا محمد و اتفضل.

ليضحك الاخر مجيبا و هو يتجاوز محمود ليقف خلف مها ضاحكا: و الله يا محمود كان بودى امشى بس الوضع هنا مغرى قوى.
و هم محمود بالاجابه غاضبا و لكن عاجله الاول متسائلا بنبره جعلت قلب مها يتمزق اربا: انا نفسى افهم بس هى مابتردش ليه؟ انتِ خرسا و لا حاجه!

لتفقد هى امانها رويدا لتبتعد عن محمود ايضا لتشير بيدها في عجز لتجعل افواه من امامها تكاد تقبل الارض دهشه و اولهم محمود الذى عجز عن الرد تماما ليضيف احدهم بسخريه: سبحان الله فعلا الحلو مابيكملش.

و ضحكه ساخره جعلت دموعها تهرب من مقلتيها مرغمه لتشهق بعدها و هى ترى ذلك الرجل ارضا اثر لكمه غاضبه اصابت وجهه لتستدير بفزع لترى مازن خلفها يصرخ بعنف بالرجلين امامها ليتحرك كلا منهما لداخل الشركه في نفس الوقت التى اقبلت سلمى عليهما لترى مها في شبه حاله انهيار و محمود متصلب امامها يطالعها بعقده حاجب مندهش اصابت بدايه احساسها باعجابه في مقتل.

اشار مازن لمها في احراج بالدخول بينما تسائلت سلمى عن سبب بكائها بلهفه و لم تجد اجابه سوا بكاء اكثر.
دقائق مرت كادت سلمى تجن بها في رغبه منها لمعرفه ما حدث، تحرك محمود باتجاه مكتبه دون ان يلقى بنظره عليها مجددا، لحق الموظفان مازن ليتقلى كلا منهما باستياء خبر فصله عن العمل، مجئ اكرم الذى تفاجئ بمها في مدخل الشركه تحاول التوقف عن البكاء و لكن عاجزه لم تستطع.

تقدم منهما يتسائل بهدوء ناظرا لمها موجها سؤاله لسلمى: خير يا سلمى في حاجه حصلت؟
توترت مها اثر نظرته التى سُلطت عليها بتعجب بينما اصدرت سلمى صوتا يعبر عن ضيقها لتدخله في الامر و لكنها اجابت بنبره حملت له من ضيقها الكثير: لا ابدا يا بشمهندس محصلش.

نظرت مها ارضا تحاول تمالك ما تبقى من اعصابها ثم رفعت رأسها ليطالعها وجه اكرم فابتسمت بارتباك فأدرك هو انها لا ترغب في حديثه فتمتم و هو يتحرك امامهم: اتفضلوا معايا.
مر الوقت بعدها ببطء على تلك التى فقدت كل ثقتها بنفسها،
لم يكن امر العمل بجديد عليها و لكن هنا الوضع يختلف،.

منذ ان وطأت قدمها ارض مصر الحبيبه و هى تواجه عجزها بعنف، كل ما يحدث يجبرها على تصديق حقيقه انها خُلقت بنقص و الذى سيظل دائما حاجزا بينها و بين كل ما تحلم به.
فليس للناقصات امثالها حق في الكمال حتى و ان كان جمالها كمال من نوع اخر.
ملفك يا انسه مها!

رمشت عده مرات قبل ان تستجيب لطلبه و هى تشير بتلقائيه على امرا ما هو لم يفهمه و لكن ما خمنه انها مازالت حزينه لذلك لا تتحدث، و لكن فور ان قامت سلمى بالتوضيح لتشير مها مجددا لتعاود سلمى التوضيح جعله يحدق بمها قليلا قبل ان يستوعب سريعا انها بكماء و على غير المتوقع في مثل هذا الموقف وجد نفسه يتجاوز الامر لكى لا يحرجها يقرأ ملفها بتركيز ليبهره حقا و وضح ذلك بضحكه حقيقه و نبره حملت من انبهاره الكثير: ممتاز، ممتاز، ممتاز، واضح انك ماسبتيش فرصه بدون ما تستغليها، اصرار معدش موجود انا متأكد ان وجودك في الشركه هيفيدها كتير.

و تعجب تبدل حالها لحال اخر، لمعه عينها بسعادتها، ابتسامتها الواسعه، حماسها و هى تشير انا بحب مجال دراستي جدا و فعلا مكنتش بسيب فرصه غير لما استفيد منها، اخدت كورسات كتير و زرت مواقع اشوف الشغل بيمشى ازاى، هوس.

تابع حركه يدها بجهل و لكن حافظ على ابتسامه اخبرتها انه ربما يفهمها و خاصه عندما حاولت سلمى توضيح ما قالت و لكن اوقفها اكرم بيده و اجاب متمنيا الا يخطئ: واضح انك بتحبى مجال درستك، و ده اهم حاجه عندى هنا، اهلا بيكِ في الشركه و اتمنى الاقى الحماس ده في الشغل.

ابتسمت سلمى و هى ترى سعاده مها و بداخلها حقا كانت شاكره لاكرم لتقبله الامر دون ابداء رد فعل تجرح مها و لكن فور ان استدار لها مبتسما ابتسامه جانبيه مشاكسه احتدت عينها و لمعت بعنفوانها و هو يطالبها بملفها لتمنحه اياه بثقه، ليتفحصه قليلا و لن ينكر انبهاره به ايضا و لكن جزاءاً للضرب تحت الحزام قرر رد الضربه فتمتم بعدم اكتراث: مش بطال.

لترفع احدى حاجبيها و قد بدأ تمردها يظهر جليا و هى تردد خلفه: مش بطال!، دا اللى ربنا قدرك عليه؟
لتحتد عينه بالمقابل مجيبا: اسلوب كلامك غير لائق في مكان عمل يا بشمهندسه،
ثم اضاف و هو يتابع ملفها مجددا و قد جذبته تصاميمها و لمساتها المميزه: اعتقد ان ممكن تضيفى للشركه لكن الاكيد ان الشركه هتضيف لكِ كتير.

و مع نبرته المتحديه تحدته بنظراتها متمتمه بثقه اثارت اعجابه و ان لم يبدى الامر: هيبقى شكل الشركه و صاحب الشركه وحش قوى لو كانت اضافتى اكثر.
فلتت ضحكه من مها و هى ترى روح كلا منهما تلمع بالتمرد و فور ان استدار الاثنين لها اختفت ابتسامتها تدريجيا معتذره بنظراتها.
شرح مفصل لبعض الامور، تفاصيل العمل الدقيقه، المطلوب منهما و المتاح لهما، ثم توقيع عقود و هنيئا لهما ببدايه عمل جديد و ربما حياه جديده.

من يقرأ الماضى بطريقه خاطئه سوف يرى الحاضر و المستقبل بطريقه خاطئه ايضا، و لذلك لابد ان نعرف ما حصل كى نتجنب وقوع الاخطاء مره اخرى، و من الغباء ان يدفع الانسان ثمن الخطأ الواحد مرتين.
عبد الرحمن منيف.

ارتفع رنين الهاتف يقطع تركيزه و هو يطالع عده ملفات امامه، زفره ضيق، ثم اجابه ليصله صوت عجوز يتحدث باللهجه الصعيديه الخالصه، حوار سريع ادرك منه ان المتصل جده لامه يخبره عن رغبته العاجله في مقابلته، يخبره عن معرفته لاسرار تتعلق بماضى عائلته، و يوضح ندمه لانه ساعد في ظلم والدته لتحتد عين اكرم غضبا و فضول.

ثم حديث عن شقيقته جنه، يطمئن عليها، يحذره و يأمره بحمايتها، يخبره ان هناك احد ما يتربص بهم و خاصه بشقيقته، مما جعل اكرم يتخذ قراره بضروره معرفه ما صار.
و دون التحدث بتفاصيل كثيره اغلق الاتصال على وعد باللقاء في اقرب وقت يتاح لاكرم السفر فيه.

ليتركه يتوه في دوامه من الحيره بين رغبته في معرفه اجابات علامات الاستفهام الخاصه بالماضى و بين رفضه للوقوع في بئر الماضى و هدم ما يبنيه الحاضر بل و ربما ينهى المستقبل قبل بدايته.

و لكن كل الاسئله بذهنه الان مرتبطه ارتباطا وثيقا بالماضى و ما صار به، سبب نفى والدته و والده، ما الظلم الذى عانت منه والدته، ما الحق الذى تخلى عنه والده، من السبب، و ما السبب، و الاسوء ما سر تلك التحذيرات المكثفه بشأن شقيقته، و الاجابه على كل هذا يبدأ برحله سفر للصعيد و التى حتما سيقوم بها مهما كلفه الامر.

يجلس عاصم بمكتبه و امامه رجل في اواخر الثلاثينات يعطيه من التفاصيل ما طلبه، اعاد عاصم حق جنه كاملا و لكنه ما زال يشعر ان هناك نقص ما، و لذلك لن يتخلى عن الامر حتى يصل لمراده و ها هو يفعل.
طرقات على الباب تبعها دخول فارس، و بعدها بدقائق رحل الرجل تاركا اياهم يتحدثون بجديه في العمل و الامور العالقه و رغم ما يعانيه فارس و ما يقلقه لم يتحدث كلمه واحده خارج اطار العمل.

صدع رنين الهاتف الداخلى لتخبره السكرتيره عن حضور كاميليا شاهين و بطلتها المعتاده دلفت بابتسامه لن يستطيع احد انكار جاذبيها، استند عاصم على المقعد يتابع خطواتها الواثقه و جلوسها الارستقراطى لترمى بنظره جريئه باتجاه كلا منهما استقبلها عاصم بضحكه جانبيه مدركه و كذلك فارس ثم تجاهل كلا منهما الامر.
شبكت اصابعها على المكتب امامها متحدثه برعونه: اخيرا يا سياده النقيب عرفنا نتقابل.

ليتحرك بضحكه خبيثه مستندا على المكتب هو الاخر متسائلا برفعه حاجب: كنتِ مستنيه بقالك كتير بقى!
اومأت موافقه لتضحك بثبات و رقه تليق بها متمتمه: فارس قالى انك كنت مشغول و طبعا مينفعش الاجتماع من غيرك.
عقد فارس حاجبيه تعجبا من لهجتها الوديه و محوها للالقاب سريعا و لكنه تجاهل الامر و تسائل: انا بقول نشوف الصفقه.

مر بعض الوقت في نقاش جدى و حاسم يتضمن ما تحمله الصفقه من شروط حتى انتهت كاميليا فهتفت بجديه متحديه: اظن ان شروطى مناسبه جدا، يا ترى بقى هتقدروا عليها و لا ايه؟
ثم اضافت بخبث: انا عارفه ان دي اول مره تندمج الشركتين سوا بعد المشاكل بينهم،
ضيق فارس عينه يتابع حديثها بينما اتسعت ابتسامه عاصم و هى تعتدل في جلستها مرجعه ظهرها للخلف مردفه: بس كمان عارفه انكم سوا هتعملوا شغل ممتاز،.

ليعاجلها عاصم باستهزاء: واضح انك عارفه عننا كتير.
لتنطلق ضحكتها بدلال متمتمه بفخر: انا business woman و طبيعي قبل ما اخد اى خطوه ادرسها كويس و خصوصا لو بتعامل مع قراصنه السوق، و لا ايه؟
ليبتسم فارس هذه المره مرددا و هو يشملها بنظره سريعه من اعلى لاسفل: خالفتِ توقعى خالص يا انسه كاميليا حقيقى كنت فاكر الموضوع لعب عيال.

لتشمله بنظرتها الجريئه و الواثقه قبل ان تجيبه بمثل ما قال: انا كمان كنت فاكره انكم لسه شباب طايش بس لقيت غير كده خالص خصوصا بعد ما عرفت بموضوع جوازكم.
ليداعب عاصم جانب فمه باستمتاع مع ليه شفاه ساخره: واضح ان يومين الاجازه كانوا بحث مكثف عننا.
استدارت ناظره له و اتسعت ابتسامتها الجذابه مجيبه: انا الاخبار هي اللي بتجيلي مش انا اللي بدور عليها،.

تبادلت نظرات التحدي معهم ثم نهضت قائله بجديه: فكروا في العرض كويس اقتنعتوا بيه يبقى هنتفق، ماقتنعتوش يبقى تمام غيركم هيقتنع، عن اذنكم.
و نظره اخيره لكلاهما ثم تهادت بخطواتها للخارج مغلقه الباب خلفها بهدوء، ليعلق فارس بزفره: واضح انها مش سهله.
فردد عاصم و مازال محافظا على ابتسامته: عجبتنى.
ليعقد فارس ما بين حاجبيه متسائلا في حذر: دا اللى هو ازاى!

و جاءت اجابه عاصم توضح مدى تعلق روحه بالتحديات القويه: واضح انها شايفه نفسها قوى بس كمان واضح انها ذكيه ف لو درست الموضوع و دخل دماغي هتبقي خطوه كويسه و لو مدخلش هستمتع جدا بكسر ثقتها الزايده دى.
حرك فارس رأسه يمينا و يسارا بمعنى لا فائده صائحا: هتفضل طول عمرك كده شغلك كله بالتحدي و الند بالند.
غمزه عاصم مجيبا: و ماتستناش منى اتغير علشان مش هيحصل.

ضحك كلاهما ثم تنهد فارس جالسا بيأس على المقعد امامه زافرا بضيق هامسا: اختك عاوزه تطلق.
استند عاصم على المقعد متنهدا هو الاخر ليردف فارس: مش فاهمه انى مهما حصل مش هسيبها.
قاطعه عاصم متسائلا بتعجب: ليه!، طالما هى عاوزه و طلبت و جبانه و مش عاوزه تتحمل مسئوليه.

لوهله تعجب فارس حديث عاصم عن شقيقته و لكنه ما لبث ان ادرك ان عاصم يتحدث عن جنته فابتسم مجيبا اياه: علشان بحبها، و مش هطلب منها تتحمل فوق طاقتها خصوصا انى عارف ان حنين طول عمرها ماشيه جنب الحيط و في حالها و مبتحبش المشاكل و لا بتعرف تتعامل معاها.
ثم صمت لحظات و اضاف: و اعتقد انك لازم تصبر زيى، مراتك تستحق منك مجهود اكبر.
احتدت عين عاصم و هو ينفعل صائحا: مجهود اكبر! اسكت يا فارس اسكت و النبى.

و لكن فارس لم يستجيب بل اكمل: طالما بتحبها استحملها، و انا و انت عارفين انها عانت بما فيه الكفايه، الصبر يا عاصم.
اشاح بيده في تجاهل و لكن قلبه لم يفعل، فمن اين له بالصبر الان؟
تبعثرت نبضات قلبه، شُتت عقله، و استولت بجداره على كامل تفكيره لتجعله يتسائل،؟
هل كل حب به وجع ام هذا حبه فقط!
هل كل قلب يُغرم يتمزق مرارا ام ذلك لقلبه فقط!
هل كل انثى تُعشق تكن السقم ام هكذا هي انثاه فقط!
حب، ضحكه ساخره.

ليته لم يُحب.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة