قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الحادي والعشرون

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الحادي والعشرون

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الحادي والعشرون

لست اخاف من امرأه شريره لان شرها يجعلنى احتشد لها بكل اسلحتى، اما المرأه الفاضله فانى اخافها و ارتعد منها لان فضيلتها تجعلنى القى بكل سلاحى و اضع روحى بين كفيها بلا تحفظ.
مصطفى محمود
عاطفتها تجاهه دائما تغلبها، مشاعرها غالبا ما تجرفها في التعامل معه، فتجد نفسها تتقبل و تعتاد و تحاول معه آلاف المرات مؤمنه تماما انه سيتغير، قلبها يخبرها انه حتما سيتغير.

حادت بعينها عنه بعدما كانت تتأمل ملامحه التى ابدا لن تمل منها لتتابع ضحكته العاليه و هو يتابع احد البرامج الكوميديه معها، تعد كوب من العصير تعطيه اليه فيبتسم لها شاكرا قبل ان يعاود اندماجه بالعرض امامه حتى استفزته احد مشاهد الدراما الكوميديه ليغرق في نوبه ضحك طويله قبل ان يبدأ في سب الممثل امامه بألقاب تعتبر خادشه للحياء و خاصه لهبه التى لم تعتاد سماعها.

لتنتفض ناظره اليه باستياء واضح ان ينطق بهكذا كلمات لتصيح ببعض الحده رغما عنها: معتز، ايه اللى انت بتقوله ده، مينفعش كده.
لينظر اليها بطرف عينه و لم يمنح لحدتها اهميه و هو يجيبها بعدم اكتراث: ليه يا حبيبتى، هى عيب و لا حاجه!
لتعتدل غاضبه من لامبالاته هاتفه بنبره اشد حده و حملت بعد الاشمئزاز في طياتها: لا مش عيب، دى قله ادب يا معتز.

و ببطء استدار لها متمتما بتسائل: قله ادب! ما ياما قولتها قبل كده و البنات كانت بتسمعها عادى.

و ضغط و بقوه على عرق تحملها لتصيح و هى تغرقه ببحر غضبها الذى تحاول دائما التحكم فيه، ستتحمل ان له ماضٍ عكر لكنها ابدا لن تتحمل ان يذكره في حاضرها بل و يتفتخر بالامر كأنه انجاز: الكلام دا كان قبل كده، لكن انا مش زى البنات اللى انت عرفتهم يا معتز، و ياريت تاخد بالك كويس انك بتتكلم مع مراتك مش واحده قاعد معاها في الشارع.

و ارتفاع صوتها، حدتها و طريقه حديثها اثارت غضبه ليعتدل بجديه هو الاخر صائحا: بصى بقى انا زهقت من دول الابله و التلميذ ده، هبه هانم شايفه كل حاجه بعملها غلط و هى بس اللى صح، كفايه بقى انا قرفت،
ثم اشاح بيده بحده مضيفا: انا كده يا هبه، عجبك اهلا و سهلا مش عجبك اشربى من مايه البحر،
ثم نهض دافعا بجهاز التحكم جانبا ضاربا الطاوله امامه بعنف: لازم كل مره بنضحك تقلبيها نكد كده، عيشه تقرف.

زفرت بعنف و هى تستمع لصوت باب غرفتهم يُغلق بقوه، لتبتسم بتهكم فان كان هذا وضعها في الاسبوع الاول من زواجهم فكيف سيكون بعد عده سنوات،
صدق شقيقها عندما اخبرها انها ستعانى، صدق عندما حذرها من حياتها معه، صدق و لكنها ابدا لن تستلم.
لم تعتاد الخضوع للامر الواقع و لن تفعل تحديدا هذه المره،.

يصرخ عليها، ستتحمل، يغضب منها، ستعذره، و لكنها ابدا لن تتركه لشيطان نفسه و لن تسمح له بالعيش بقيه عمره في استهتاره هذا.
القى جسده على الفراش دفعه واحده يتنهد بقوه، هى محقه ما قاله لم يكن بلائق ابدا امامها، اعتاد الامر و لكن لعاداته حدود ها هنا، امرأته مميزه و لابد ان يحترم هذا.
لماذا صرخ؟ ربما لانه يرى في شخصيتها قوه يحاول التغلب عليها بصراخه.

لماذا تركها؟ ربما لانه اذ جلس دقيقتين امام امواجها الهادره بحبه سيوافق على كل ما تقول.
لماذا يعاتب نفسه الان؟ ربما لانه يدرك انها الان تفكر حزينه فيما آلت اليه امورها و خاصه في اول ايام زواجها.
ضرب رأسه بعنف يتعجب افكاره بل يتعجب مبدأ انه يفكر و الاسوء انه يفكر بأخر بل بأخرى، و ربما تشتته الغريب بسببها هو ما يجعله يخرج عن الحدود قليلا.

تقوم بكل ما أراده يوما، اهتمامها بما يحب، حفاظها على خصوصيته، اعتنائها به و بأشيائه، دلالها، انوثتها التى تتركها له متى شاء، عقلها و عزيمتها في اصلاحه و حبها الذى توقع ان يقل ليجده دائما في زياده.
ماذا يتمنى هو في حياته و معه امرأه تغنيه عن العالم اجمع!
صدع رنين جرس المنزل ليتنهد بضيق لقد ملّ حقا من كثره الزيارات، و سرعان ما وجدها تركض للغرفه لتصيح بعفويه: شوف مين؟!

و مرواغه منه تمتم باعتراض: ما تشوفى انتِ.
نظرت لنفسها من اعلى لاسفل لتدفعه لينظر معها مدركا انها ليست بوضع يسمح لها بالظهور امام احد و لكنها اضافت بجديه بعدما ادركت استيعابه لهذا الامر: و بعدين طول ما انت موجود اعتقد المفروض انت تقابل الضيوف.
زفر موافقا و نهض يتركها تستعد لزياره اخرى، و بمجرد ان فتح الباب دلفت والدته بغضب تتهكم بصوت عالى: ايه سنه على ما تفتح الباب!

دفعته متجاوزه اياه دون السؤال عنه، الترحيب به، تقبيله، احتضانه او حتى جمله بسيطه مضمونها كيف الحال و اردفت: كنت نايم و لا ايه يا عين امك؟
و بنظره خاطفه على غرفه النوم اضافت: و فين السنيوره مراتك و لا ملهاش نفس تقابلنى!
ليجيبها بضجر و قد سأم طريقتها الهجوميه حقا: و هى يعنى كانت تعرف انك جايه؟
لتنظر اليه بنظره احتقار و هى تقلل منه هاتفه: دافع عنها يا اخويا دافع، ما هى قدرت تلمك في جيبها.

ليستهزء هو الاخر بضيق: دا على اساس انى شويه لب و لا باكو لبان...
ثم تنهد و اضاف: خير يا امى، جايه ليه الساعه دى؟
ايه يا معتز السؤال دا، ماما تنور البيت في اى وقت.
قالتها هبه بابتسامه واسعه و هى تدلف مرحبه بحماتها المصون و التى فاجأتها برد فعلها الغير متوقع: ايوه طبعا انا اجى في اى وقت دا بيتي قبل ما يكون بيتك.

فابتسمت هى بتكلف و قد عجزت عن الرد امام جبروت المعامله لتفاجأها بطلب اخر او بالاحرى امر اخر: انتِ واقفه ليه كده ادخلى حضرى العشا انا جعانه.
اتسعت عين هبه لبرهه و قبل ان تنطق اقترب معتز منها يضم كتفها اليه مبتسما: معلش يا ماما، احنا خارجين هنتعشى بره.

لتشملهم نجلاء بنظره من اعلى لاسفل و قد بدأ طبعها السادى بالسيطره عليها و خاصه و هى ترى لمعه السعاده في عين كلا منهما و تمتمت بسخط: ليه يا حبيبى هو انت فاكر نفسك هتفضل عايش في العسل طول العمر.
ليرتدى معتز قناع استهتاره رغم ان يده التى ضغطت كتف هبه اكثر وضحت لها كم تعانى روحه و هتف بضحكه لامباليه: هو انا لسه عشت في العسل دا شهر العسل بتاعنا هيبدأ لسه، من دلوقتى.

عقدت ما بين حاجبيها بغضب صائحه به و قد اخذت وضعيه الهجوم مجددا: افهم من كده انك بتطردنى يا معتز!
دفعت هبه يده عنها و اقتربت منها خطوه و اجابت مسرعه كأنها تعتذر: لا طبعا يا ماما زي ما تحبي انتِ.
ثم نظرت لمعتز معتذره بهدوء لكسر كلمته و تمتمت: خلينا نأجل احنا خروجنا يا معتز، الايام قدامنا كتير.

و ابتسامه بتكلف مره اخرى و تركتهم دالفه للمطبخ و قد بلغ تحملها اقصاه بينما ضحكت نجلاء: اهو ده اخرها خدامه تخدمك و تخدمني و بس.
و هنا صاح هو بها رغم حرصه على الا يصل صوته لزوجته بالداخل: هبه مراتى، لا هى خدامه ليكِ و لا حتى ليا، و واجب عليا انا و انتِ نشيلها على دماغنا من فوق.

لتصيح مقابله و لم تهتم هى بأن يصل صوتها او لا و قد افقدها عقلها ان تجده يجابهها هكذا: في ايه يا معتز هى البت دي عامله لك سحر، دول هما يومين ثلاثه اللي قضتهم معاها!
ليُجيب هو الاخر و قد فقد حرصه و لسبب لا يدرى مصدره اصابه غضب جعله لا يتقبل كلمه بحقها: اسمها هبه يا ماما و انا مش هسمح ابدا بأى تجاوز في حقها و طول ما انتِ في البيت هنا يا ماما لازم تحترمى صاحبته،.

ثم بأعلي ما يملك من صوت صاح باسمها: هبه تعالى.
لتأتيه مسرعه و قد وصلها صوتهم العالى و تبينت بعض كلماتهم و لكنها ادعت عكس ذلك لتجد معتز يطالعها بحده متمتما: ماما افتكرت ان عندها مشوار ضرورى و هتمشي ماتتعبيش نفسك علشان هنخرج، مش كده يا ماما برده؟!

احتدت عينها و هى ترمقه بنظره متوعده و قد دفعها بقوته الجديده دفعا تجاه غضبها عليه و نهضت هاتفه بحده تعجبت هبه ان تراها في عين أم: ماشى يا عريس افرح براحتك خالص.
و بمجرد ان خرجت استدار معتز ناظرا لهبه باعتذار يحتضن وجهها بكفيه و قبل ان يتحدث رفعت هى ذراعيها تحتضنه بقوه ليس لانها تريد و لكن لانها مدركه انه في أمس الحاجه اليها الان و ان اخفى هذا.

و بالفعل تنهيده بسيطه فارقت شفتيه قبل ان يدفن وجهه في تجويف عنقها لحظات ثم مسد رأسها بحنان و هو اكثر من يفتقده و ابتعد مقبلا جبينها فأنارت ضحكتها وجهها ليبتسم لها تلقائيا فغمزته بخبث متسائله: اوعى تكون ضحكت عليا و مش هتخرجنى!

فأمسك بيدها و اجلسها و جلس بجوارها ليعطيها وعدا خرج بعد اقتناع تام منه ان تلك حقا هبه حياته الذى لن يبخسها حقها ابدا: هنخرج و مش النهارده بس لا، هنسافر نقضى شهر العسل بتاعنا في المكان اللى تحبيه.
ثم اضاف بمكر و ان كان يمازحها: اعتقد اننا محتاجين يومين بعيد عن الناس كلها، انا و انت و بس يا جميل.
لتضحك بملأ صوتها و قد هدرت امواجها بسعادتها باهتمامه و هتفت: و انا معاك مكان ما تودينى، كفايه انك جنبى.

لينظر اليها قليلا قبل ان يتمتم بشعور حقيقى بالذنب: انا اسف.
لتنفى برأسها اعتذاره تخبره انه ليس بحاجه ان يفعل ابدا و لكنه اضاف موضحا: انا اسف لانى زعقت فيكِ، لانى غلط و كابرت و صرخت عليكِ.
لتمسك يده مسرعه تقبل باطنها بحب خالص لتهمس بعشقها السرمدى: انا مابقدرش ازعل منك يا معتز، انا عارفه انى بضغط عليك بس انا و الله مش بقصد اضايقك انا بس حابه نبقى احسن سوا، انا و انت، احنا الاتنين محتاجين نتغير.

ثم ضحكت بحماس مضيفه: ايه رأيك نتفق اتفاق!
همهم مستمعا لها و هو ينظر لعينها الضاحكه بتيه غريب لتردف هى: انا كنت مؤدبه قوى يا معتز لدرجه ممله، كنت دايما ساكته و مبهزرش كتير و عمليه زياده عن اللزوم و الخ الخ، و من الواضح ان انت كنت العكس، كنت قليل الادب قوى قوى يعنى،
ليقاطعها مقهقها بملأ صوته لتشاركه ضحكته قليلا قبل ان تتزمر هاتفه: سيبنى اكمل.

وضع يده على فمه و اومأ برأسه موافقا مشيرا لها بيده لتُردف ففعلت: كنت بتتكلم كتير و تضحك و تهزر طبعا و تكلم دي و دي و مش عملى اطلاقا و ال..
ليقاطعها مجددا مقلدا صوتها: و الخ الخ، تبعها بضحكه طويله مستمتعا بعفويتها في الحديث بعيدا عن نصائحها بأسلوب عملى بحت.

ضم كتفها لصدره الذى اخذت تضربه عده مرات بنزق لتستند بالاخير عليه ليردف هو ما ارادت قوله: انتِ بقى عاوزه نبقى مكس، انتِ تخلينى محترم شويه، و انا اساعدك تنحرفى شويه،
و بأوضاعها الغريبه و تقلباتها الغير معتاده فاجأته بترك عفويتها لتتلبس دور الميوعه مستنده بكفها على صدره رافعه رأسها اليه بدلال لتهمس بنبره مغويه: بالظبط كده انا عاوزه انحرف.

احتضنها بقوه اكبر و قد لامست وتر رجولته ببراعه ليهمس بالمقابل مستفزا اياها اكثر: و انا اللي كنت فاكرك مؤدبه طلع عندك استعداد للانحراف بس محتاجه اللى يوجهك،
لتضيف بخبث و قد اتقنت دورها باحترافيه لتدهشه اكثر: و اعتقد مش هلاقى افضل منك يوجهنى.
ليقترب ببطء كهجوم اسد على فريسته و الفريسه الان غزاله جامحه: دا انتِ جيتِ في ملعبى.

ضحكه خفيه، نظره راغبه ثم لقاء شفاه وضح ما يريد كلاهما قوله بصمت، و رغم قوه و جموح مشاعرهم الظاهره كان كلا منهما يخاف القادم.
هو سعيد معها و هذا يقلقه، احترامها اللامتناهى له، ودها، حنانها، اعتزازها به و اشعارها له انه اغلى و انجح و افضل من بحياتها.
احساسه الدائم بحبها، و خوفها عليه، كل هذا جديد عليه، لا يعرفه و لم يختبره من قبل و يخاف ان يفقده، و عقدته تربكه فماذا ان تعلق بها و فقدها!

ماذا ان اعتاد على وجودها و تركته!
ماذا ان احبها و تخلت عنه!
ماذا ان فعلت كما فعل اقرب الاقربين اليه من قبل!
و بينما هى كانت تستقبل جرعات خوفه متكامله كان هو يستقبل من حنانها و احتوائها ما أثار قلقه اكثر رغم رغبتها في منحه طمأنينه وجودها بجواره للابد.
على الرغم من قلقها هى الاخرى، الى متى سيستمع اليها!
الى متى سيتقبل تحكماتها و نصائحها و رغبتها باصلاح احواله!

و كل يوم تكشتف ان اخراجه من ظلام افكاره ليس بأمرا يسيرا.
و الان حضن طويل اطمئن فيه كلاهما غير واعٍ بما سيحدث غدا.

اجتمعت الفتيات بمنزل المزرعه كلا منهما شارده في امر حياتها، و كلٌ يبكى على ليلاه و هذا وضع لا تتحمله سلمى ابدا، فصاحت بغيظ: وحدووووووووووه.
فردد الجميع خلفها بابتسامه: لا اله الا الله.
فجلست بحماس تحاول جذب انتباه الجميع و بالفعل اعتدلت الفتيات بانتباه لها: بما ان عاصم مش موجود، و احنا بنات في بعضينا ايه رأيكم ننحرف بسرعه قبل ما يرجع و يعلقنا؟

و كان اول من استجاب لها شذى التى نهضت موافقه بحماس و فور ان فعلت نهضت سلمى هى الاخرى تجبر البقيه على النهوض،
دقائق بعدها في الغرفه، اعتراض و اجبار، كسوف و مشاكسه ثم النتيجه، خمسه فتيات في ثوب الانحراف، تنظر كلا منهما لما ترتديه الاخرى باحراج و ضحكه.

جلسن بصمت مجددا قبل ان تطلق سلمى ماردها المجنون متغاضيه عن حزن كلا منهن بما فيهم هى، ثم حمحمت قليلا لجذب الانتباه قبل ان تمتم بصوت اجش مقلده المغنيه الاصليه: بتناديني تاني ليه!
لتنظر كلا منهما للاخرى بابتسامه بلهاء لتكن حنين اول من تدفع بحزنها جانبا في لحظه هوجاء تردف: انتِ عاوزه مني ايه!

لتتبعهم مها و تسحب مقعد خشبى جانبى و تبدأ بالطرق عليه بنغمه الاغنيه لتعود سلمى للبدايه مجددا: بتناديني تاني ليه!
لتقول حنين مجددا: انتِ عاوزه مني ايه!
ثم تتوقف كلتاهما موجهه نظرها لجنه التى حدقت بما يرتدوه من ملابس شبه فاضحه، يفعلوه ثم اتسعت ابتسامتها تدريجيا لتشاركهم بحماس: ما انتِ خلاص حبيتِ غيرى!
لتتعالى نبره سلمى تكمل: روحي للي حبتيه!

دلفت سياره عاصم للمزرعه و بجواره فارس الذى قرر انهاء الخلاف بينه و بين حنينه و عقابها على ما قالت بل و عتابها على كيف اهداها تفكيرها لامرا كهذا، ترجل عاصم فعاجله فارس: هستنى هنا، شوف الوضع فوق انت و ابعت لى حنين.

اومأ عاصم موافقا و تحرك للاعلى غير مدرك اطلاقا لما ستراه عينه بل و تسمعه اذنه بعد قليل، و بمجرد ان تجاوز الباب الداخلى استمع لطرقات عشوائيه و صوت نشاذ بل و ضحكات ماجنه فتقدم بهدوء و فضول لتتسع عينه بدهشه حقيقيه محملقا بما تفعله شقيقاته المبجلات و الاكثر عجبا زوجته الخجول، و الان يبدو كأنه دلف لمنزل عاهرات بالخطأ و يا ليته خطأ.

انتهت فقره الضحك الهستيرى التى اصابتهم جميعا لتعاود سلمى الغناء مجددا و تُناسق مها معها بالطرق: انسي غدرك و القسيه! و لا حبي اللي راح ضحيه!
اسرعت مها بوتيره الطرق لتندفع شذى للمنتصف تحرك خصرها بدلال مع حركات عشوائيه بيدها و خصلاتها تتطاير معها لتنفجر الفتيات ضحكا بينما يفرغ عاصم فاه بصدمه و هو يرى الجانب المختل منهم ليستند على حرف الباب يتابعهم،.

ليتحشرج صوت حنين بالضحك قبل ان تردف: و لا الغريب اللي بدلتيه عليا، و لا الشوال اللي حبتيه عليا، هنبهدل في بعضينا ليه، يلا روحى للى حبتيه.
تراجعت مها عن الطرق السريع و توقفت شذى عن الرقص لتردف جنه بهدوء و ابتسامتها تنير وجهها: ياسلام منك يا سلام، خلتيني ماعرفش أنام، يا سلام منك يا سلام، خلتينى ماعرفش انام،.

لتُحرك سلمى كتفها مأزره و تزداد سرعه مها في الطرق مجددا لتتمايل شذى مره اخرى و تصفق حنين برنين لتردف جنه بضحكه صاخبه: دورتيني ورا الايام، دورتينى ورا الايام، قال عينك في عينه و بتلاغيه، شوف البت،
و صمتت تضحك بانفعال بينما اندفعت سلمى لجوار شذى تتمايل معها برعونه و هى تردف بغنج زائد: يلااا، روحى للى حبيته، روحى.
اللهم صلى على النبى، قلبتوا البيت كباريه!

صاح بها عاصم لتنتفض الفتيات بجزع و كلا منهما تحاول اخفاء ما يمكن اخفاؤه و بدأت كلا منهما تختبئ خلف الاخرى و بالتأكيد كانت مها في مواجهته و جنه في الخلف.
ليعاود هو صياحه بحده اكبر: ايه اللى انتم بتهببوه ده!
ثم اشار بسبابته على ملابسهم من اعلى لاسفل بسخط متهكما: و ايه اللى عملينه في نفسكم ده!
و حاد بعينه عنهم لشذى ليردف: دا منظر طفله في ابتدائى!

ليشيح بيده منهيا كلامه اخيرا بغضب: دا انتم تفتحوا بيت دعاره بقى.
تراجعت مها بهدوء من امامه لتقف خلف سلمى و التى كانت تليها في طابور التأديب لتحمحم سلمى محاوله التحدث و لكنها تعرف انه لن يسمعها و خاصه انه مازال متخذا موقفا منها لعدم مشورته بأمر العمل و لكنها جمعت كل تمردها لتهتف مقابله: يا عاصم احن...

ليرفع سبابته في وجهها لتبتر كلمتها ليستخف بهم مجددا: عاصم ايه بقى يا مهندسه يا محترمه، لما المتعلمين يعملوا كده الجهله يعملوا ايه!
و هنا شعرت جنه بدلو ماء بارد يُسكب عليها، و لنقصها اعتقدت انه يقصدها باهانته فتحركت متقدمه منه لتعقد ذراعيها امام صدرها واقفه امامه هاتفه بحزن: تقصد اللى زيى، صح!

نظر اليها من اعلى لاسفل ليضغط باطن وجنته يحاول تمالك ما اصابه و اشار اليه بعينه هامسا: ايه اللى انتِ لبساه ده؟
و اختفت لمعه الحزن ليحل محلها اتساع عين باستيعاب، احمرار وجنتيها بخجل قاسى، و سرعه في الاداء هربا من امامه و لكن يده كانت لها بالمرصاد ليوقفها بابتسامه جانبيه مشاغبه، لترتجف اجفانها بتوتر بالغ، بينما نظر هو لحنين يخبرها: جوزك مستنى تحت.

ثم لا تعرف ماذا حدث لتجد نفسها في غرفته و يغلق هو بابها عليهم، هو الان معها، بمفردهم، هو و هى، هو في اقصى درجات استمتاعه و هى شبه عاريه،.

قميص اسود قصير، خصلاتها البندقيه مرفوعه بعشوائيه بمشبك صغير، كحل لامع يحاوط ابريقها العسلى ليمنحه لمعان خاص لقلبه، و شفتاها ملونه بلمعه شيكولاته منحتها جاذبيه مهلكه و لكن ما جذب انتباهه حقا سلساله الفضى الذى زين عنقها ليستقر قمره بين عظمتى الترقوه ليجعله يعض شفتيه بعنف متمنيا و ما اجمل امنتيه و ما اصعبها!

و مع صمته، تأمله، و تعبيرات وجهه كادت تفقد وعيها خجلا و هى تحاول ضم جسدها بيدها مرتبكه مما زادها فتنه بعينه ليقترب منها بجديه متمتما: انا مش قولت قبل كده انى مش هسمح ليكِ تقللى من نفسك تانى لاى سبب!،
ثم اضاف متذكرا الوضع الذى رآهم به: ثم انك كان المفروض تمنعيهم مش تعملى زيهم.

لتكن اجابتها متردده رغم انها محقه و هو يحاوطها باستماته داخل حصونه السوداء التى لمعت بوضوح معبره عن مشاعره: احنا معملناش حاجه غلط، و انت مكنتش موجود، كنا بنضحك و بنهزر و بنحاول نبعد شويه عن جو الزعل اللى في حياتنا، لكن لو فرحتنا تضايقك دى فيها كلام تانى.
اقترب منها خطوه اخرى يزيد من حصاره لها ليجيب بصدق مشاعره الان: انا مش عاوز اى حاجه غير فرحتكم،.

و بحركه مفاجئه تملك خصرها لتشهق و هو يصدمها بصدره لترفع عينها تقابل حصونه المتطلبه و انفاسه تندمج بأنفاسها ليهمس بعدها: انتِ جاهله فعلا،.

لترمش عينها بتيه و يدها تتمسك بقميصه لااراديا لترتفع يده تلامس قلب سلساله على عنقها لتغلق هى عينها و نبضاتها تكاد تتوقف من فرط ما يعتل قلبها الان من شعور من اروع ما يكون و اقسى ما يكون لتحط شفتاه محل يده قبل ان يستند بذقنه على كتفها ليهمس و نبرته تحمل بحه رجوليه بعثرت انوثتها: جاهله بيا انا يا جنتى.

و ابتعد في حركه سريعه يبغى السكون بين شفتيها و لكن كان للطارق رأى اخر لتنتفض هى بين ذراعيه مبتعده عنه تلتقط انفاسها التى احتكرها بأنفاسه بينما هو تأفأف بصوت عاالى و هو يتحرك بغضب تجاه الباب ليفتحه صارخا: اييه؟
ليجد حنين تناظره بتعجب قبل ان توضح بهدوء: فارس عازمنى على الغدا قولت اقولك علشان متقلقش.
احتضن وجهها بكفيه صائحا و هو يكز على اسنانه: مش هقلق يا حنين، دى تانى مره يا حبيبتى، تانى مره.

لتعقد حاجبيها ببلاهه متعجبه و قبل ان تتسائل دفعها عاصم لتغادر هاتفا: امشى يا حنين، امشى.
و بمجرد ان استدار عاصم تحركت جنه مسرعه تنادى باسم حنين لترمقه بنظره خاطفه قبل ان تتركه يتلوى بنار لهفته للقاء حار معها ليدفع هو الباب خلفها بعنف.

عيناكي وحدهما هما شراعيتي
و مراكبي و صديقتي و مساري
إن كان لي وطنا فوجهك موطني
أو كان لي دارا فحبك داري
يا أنتِ يا سلطانتي و مليكتي
يا كوكبي البحرية يا عشتاري
أنى احبكِ دون أي تحفظا
أعيش فيكِ ولادتي و دماري
أني اقترفتكِ عامدا متعمدا
وان كنتِ عارا
يا لروعة عاري
ماذا أخاف و من أخاف.
نزار قبانى
هتفضلى ساكته كده!

تمتم بها فارس و هو يحدق بتلك التى نكست وجهها ندما على ما تفوهت به و رأه هو بوضوح ليقرر اعفائها من العقاب و لكن لابد من العتاب و عندما لم تجيبه اردف: ممكن تقولى اسفه، متزعلش منى، انت عندى بالدنيا و حقك عليا،
ثم مال عليها بعبث مكملا: بحبك..
رفعت عينها اليه ليرسل اليها غمزه سريعه قبل ان يهمس: يمكن افكر اسامحك.
لتعاجله و قد اوشكت دموعها على التساقط: فارس اانا..

ليقطع حديثها متحدثا هو بجديه و صدق: انتِ حبيبتى يا حنين، و لاخر نفس فيا هفضل جنبك و مفيش قوه تقدر تبعدنى عنك، عاوزك تفهمى ده كويس.
فرت دموعها و ندمها يكاد يفتك بها فضغط يدها بكفه يمنعها ثم اضاف ممازحا: بسببك اضطريت اعمل زعلان و مكلمكيش طول اليوم، ينفع كده!

نفت برأسها ليبتسم مغيرا مجرى الحديث، يسألها عن احوالها، ماذا فعلت، يشاكسها و ينول ضحكتها اخيرا، و يمطرها بكلمات غزل اخجلتها حتى نهض قائلا: استنينى ثوانى.
و قبل ان تتسائل تركها و رحل ليعود بعدها بدقائق و بيده ورقه ما، جلس جوارها يراوغها قليلا قبل ان يُعطيها اياها، تفتحها ببطء لتجدها رسمه لفنان مشهور تضم اب و ام و طفلين،.

ترتدى العائله زى واحد بنفس اللون، الام جالسه و ينام الاب على فخذها يد تعبث بخصلاته و يد تحاوط صغيرها الذى احاط عنقها من الخلف ليميل برأسه مقبلا وجنتها، و تجلس صغيرتها على صدر والدها، و عينه معلقه بنظره عشق خالصه بزوجته لتقابله هى بأخرى مثلها.
ضحكت حنين بسعاده فهو لامس احب الاشياء لقلبها و قبل ان تعلق اشار هو على الرجل متمتما بفخر: دا انا.
لتتسع ضحكتها قبل ان يشير على الزوجه مضيفا: و دى انتِ.

تعلقت عينها بوجهه و هو يبتسم بحماس موضحا بابتسامه مشاكسه: و دول، محمد و عائشه.
عقدت حاجبيها لحظه قبل ان تبتسم بعشق ممسكه بيده الذى كان يجوب بها الرسمه، ليضم كفها بكفه متمتما: انتِ كنتِ حلم عمرى، بس انا حلمى مش هيكمل غير بطفل منك يا حنين.
لتنظر للصوره قليلا ثم تعيش معه في خياله بمستقبلهم معا مكمله: طفل نصه انا و نصه انت.

و صمت كلاهما لحظات ليحلو بينهم الصمت و كلا منهما مدركا ان الاخر يفكر به و يعيش في خياله معه ليعود فارس يفكر بصوت مسموع: بنوته شبهك، اشم فيها رائحتك، اشوفك في لمعه عينها، تلبس زيك، و احبها قدك،
مع اتساع ابتسامتها اضاف: و راجل يبقى ظهرك في غيابى، يغير عليكِ، يهتم بيكِ، و يحبك..

صمت لحظه مما جعلها ترفع رأسها اليه لتلمع رماديه عينها بسخاء حبها له لتهدر كل خلاياه بحبها قبل ان يعبر عنها صريحه: بس انا متأكد انه عمره ما هيحبك قدى.
و هل هناك شعور اجمل من معرفه ماذا يعنيه وجودك بحياه احدهم!
ارادت التصريح عن مشاعرها، ارادت الافصاح عن كم ما تحمله له من حب.

كانت تعتقد ان التعبيرعن حبها له امرا يسيرا و لكن يشهد لسانها ان الحروف على طرفه تتبعثر و كل كلمات اللغه تتراجع عندما تحاول فقط ان تصف كلمه عشق واحده.
و مع صمتها اردف و هو يرى بعينها ما عجز لسانها عن قوله، يشعر بأنفاسها و يكاد يرى اضطراب نبضاتها: نفسى اشوف معاكِ عيلتى الصغيره دى، عيله بيكِ و معاكِ و ليكِ.

و انهى كلامه بطلب هو كل ما تتمناه نفسه: اوعدينى يا حنين ماتفكريش تبعدى عنى تانى ابدا، اوعدينى تفضلى معايا و نبنى حياتنا و بيتنا سوا، اوعدينى نحقق احلامنا يا حنين.
و بكل ذره حب وعدته وعد لن تخلفه ابدا و ان كلفها الامر حياتها، ليطمئن كلا منهما بوعد الاخر، و يتكأ كلا منهما على كتف الاخر و حب كلاهما اكبر من اى شئ و كل شئ، و لكن هل للقدر رأى آخر؟!

مهما تجاوز الجميع حزنك، بل و مهما وقف الجميع خلفك كان او معك يبقى حضن الام و حديثها طمأنينه من نوع اخر.
جلست على فراشه تطوى ملابسه و ترتبها و ان جئنا للحق فهى كانت تنتظره، تجاوزت الساعه منتصف الليل و مازال لم يأتى، نام والده و كذلك شقيقه و بقيت هى بانتظاره قلقه.

حتى غفت مكانها رغما عنها و لم تفق سوى على يده يحرك كتفها بهدوء، نهضت بفزع و بمجرد ان رأته اعتدلت جالسه لتُمسك بيده تجلسه امامها و قبل ان تفعل شيئا تمدد هو على الفراش ملقيا رأسه على صدرها لتضمه بقوه مدركه ان صغيرها المدلل فقد شيئا كان يرغبه بقوه، لتتسائل بهمس حانى: مالك يا حبيبى! ايه اللى مضايقك كده؟
و كعادته يترك اقنعته امام حنانها رفع يده مشيرا على قلبه متمتما بحزن: هنا، في هنا وجع يا ماما.

لتدرك والدته ان الامر مسأله قلب فابتسمت بهدوء لكى لا تثير غضبه او ربما اعتقاده انها تسخر منه و اخذت تعبث بخصلاته متحدثه كصديقه لا كأم: و هى فين؟
اغلق عينه يلتهم كل جرعات حنانها و اجابها ساخطا: اتجوزت.
لتتسع ابتسامتها و هى تجذب خصلاته بلطف مازحه: و هو انت هتسمع كلام شاديه و لا ايه!

فتح عينه محملقا بها قليلا يسألها بنظراته و عقده ما بين حاجبيه عن مقصدها لتغنى ضاحكه: ان راح منك يا عين هيروح من قلبى فين..
ليضحك بصخب غير متوقعا رد هكذا من والدته ليردف موضحا احساس قلبه حقا: دا القلب يحب مره ميحبش مرتين.
لتأتيه اجابتها سريعه و هى تضربه بخفه على موضع قلبه: هيحب يا مازن.

لتختفى ضحكته تدريجيا و هى تكمل: مش كل حاسه بنحسها حقيقه، اوقات بنحس اننا متعلقين بأشخاص و بعد فتره بنفهم انه كان مجرد اعجاب، انبهار بشخصيه او ردود افعال و كلام منمق، لكن ده ميبررش ابدا انك تتعب قلبك كده يا حبيبى.
صمتت قليلا تحاول اتخاذ القرار المناسب فيما تفكر بفعله و قبل ان تتراجع او تتردد هتفت: ساعد نفسك و انسى يا مازن.
ليتهكم هو بضحه هازئه: انسى ازاى؟
و تأتى المفاجأه منها قويه: تتجوز.

لينهض بحركه سريعه محدقا بها ببلاهه قليلا ثم ان يردد خلفها بعدم استيعاب: اتجوز!
لتضم كفه بود موضحه مجددا: الحياه مابتقفش عند حد، انت راجل الف مين تتمناك، ناجح في حياتك و تقدر تفتح بيت، ليه متديش لقلبك فرصه تانيه؟
و صمتت تاركه اياه يفكر و قد كان يفعل بالفعل، والدته محقه،
حياته لن تقف لمجرد انه تمنى احداهن و فقدها،.

محقه والدته و لن يفكر اكثر فابتسم مانحا اياه الجواب مباشره مما دفعها للدهشه قليلا: انا موافق يا ماما، شوفى العروسه اللى تعجبك و انا موافق.

حدقت به تتبين صدقه و عندما تأكدت تهللت اساريرها و قد توقعت ان الامر اكثر صعوبه و لكنها و جدت العكس تماما و رغم علمها انه يهرب، لم يفكر و لم يزن الامر بل و متأكده انه مازال لا يستوعب حقا ما هى مسئوليه الزواج، قررت ان تخاطر لاجل ما ترغب بفعله فحمحمت قائله بحذر: العروسه موجوده.

ليرفع احدى حاجبيه من سرعتها في الاختيار و كأنها كانت تنتظر موافقته ليدرك انها كانت ترتب للامر منذ زمن فتسائل و قد اعتدل يناظرها بتمعن: مين!
و اجابتها صريحه: بنت خالك، حياه.
ليصمت قليلا يتذكرها فمنذ ان سافر لينهى دراسته في الخارج و لم يراها يتذكر انها كانت طفوليه مندفعه و اطلق عليها دائما لقب المصيبه فعبر عن دهشته بضحكه صغيره متمتما: بس حياه لسه صغيره!

لتربت والدته على كتفه مبتسمه لابتسامته موضحه بغمزه: مش صغيره و لا حاجه حياه عندها 22 سنه.
و مر بعض الوقت لتسرد له تفاصيل عن دراستها و شخصيتها و احلامها الذى وقف والدها امامها ليهتف مازن في النهايه مستسلما لرغبه والدته فهى او غيرها لا فارق فلن تمثل احداهن اى فارق بعد هبه او ربما هكذا كان يظن.

و بعد مرور يومين في هدوء بعيدا عن كل ما يحدث، عادوا للمنزل ليعود كلا منهما لحياته مضطرا لمواجهه ما يمر بها.
استيقظت جنه من غفوتها القصيره على صوت طرقات على باب غرفتها لتنهض مسرعه لتجد عاصم مستندا على الباب بابتسامه جانبيه تزين شفتيه و قبل ان تسأله او يبرر جذب يدها ليتحرك معها باتجاه غرفه المكتبه ليدفعها و يدلف خلفها.

استدارت ناظره اليه بتعجب لتتسع ابتسامته مع البلاهه التى كست ملامحها ليتحدث بهدوء مشيرا على المكان من حوله: من النهارده تقدرى تدخلى المكتبه وقت ما تحبى و تقرأى براحتك بس اهم حاجه تحافظى على الكتب، اتفقنا!
لحظات تحاول فيها استيعاب ما قال لتسترجع سريعا ما قال من قبل بعد ان رأها هنا اول مره لتعقد ذراعيها امام صدرها ناظره اليه متسائله بعتاب: و دا علشان مابقتش خدامه.

ليحاوطها بحصونه السوداء قليلا قبل ان يقترب منها خطوه منحيا بجذعه امامها ليتخبط ابريقها العسلى و تتراجع عن استكمال حديثها متمتمه بتهرب: اتفقنا.
فاعتدل واضعا يديه بجيب بنطاله و قد اعجبه تراجعها، ماذا يفعل فطبيعه ابن الحصرى المربكه لن تتغير، حوار قصير و توضيح سريع عن ترتيبه لكتبه، ثم تركها و خرج مانحا اياها فرصه التحرك كيفما تشاء و لاول مره يترك لاحدهم فرصه العبث بأغراضه و للعجب مستمتعا بهذا.

و مهما حاولت وصف مدى سعادتها الان و قد عادت لعادتها السابقه و التى لا يوجد في حياتها ما يضاهيها اهميه لن تستطيع، بحماس كبير انطلقت تبحث عما يجذب انتباهها و قد فعلت، ابتسامه لا تفارق وجهها، المقعد امام مكتبه، لتبدأ في قرائتها، قبل ان تنتبه لمجلد منمق موضوع على جانب المكتب يعلوه اسم عاصم بخط مزخرف لتحاول تجاهله و لكن فضولها كان له الغلبه.

نظرات متوتره لباب الغرفه المغلق، تردد و رجفه يد ثم تتابع الصفحات امام عينها لتقرأ ما يكمن بقلب زوجها الذى اتقن الاخفاء، كلمات خطتها يده عن مكنون نفسه، احرف تعبر عن وجود شخص اخر خلف الواجهه القاسيه له، شخص اخر يهتم، يفكر، و الاسوء يعشق.
لتستقر يدها على احد الصفحات و تمر عينها على كلماته،.

شعور ان تجد روح اخرى تُكمل ما فيك من نواقص، شعور ان تعشق وجودها داخلك و ان كان يؤلم، شعور اختبره للمره الاولى بمثل هذا العنف و هذه اللذه
لتتسع عينها متعجبه ان تكن تلك كلماته هو لتداعب يدها الصفحات مجددا لتستقر على اخرى لتتحرك عينها بنهم متابعه سطورها،.

معى و بين يدى بل و كُتبت على اسمى و لكنها بعيده بأميال، اقتربت ما اقتربت و حاولت قدر ما حاولت و لكن كلما اتفائل الوصول اجدنى راكضا خلف سراب، فحقا كم واعر هو الطريق لقلبك.

سأتذكر دائما انكِ الاستثناء الوحيد بحياتى، لم اشهد مثلك قط، و لم يصل احد لاقصى العمق بداخلى سواكِ، و انى مهما رأيت و مهما حاولت لن اجدك في غيرك بل سأكون غبيا ان حاولت ذلك، سأظل احبك دائما في داخلى، ربما علاقتى معك سيئه و ربما يحاوطها فشل و لكنى سأظل احبك حتى و ان كنت لا اعرف كيف افعل، اعتذر كثيرا لانى لا اعرف حتى كيف احبك.

و اخرى و اخرى و هى تتعجب كم ما اظهره من مشاعر مدركه تماما انه لا يحق لها قرائتها و لكن فضولها منعها ادراك ذلك و رغم شكها من اسلوبه و تلميحاته انها هى المقصوده كذبت، حتى رصدت عينها تلك الكلمات و التى كانت اكثر من واضحه لقلبها،
جنه،
جنتى الصغيره، لا يوجد عاقل يرفض دخول الجنه و لكن ما بال من رفضت الجنه دخوله!

حُرمت علىّ و كأنها مسجد مقدس و انا سكير، و ان جاءنا للحق فأنا سكير بحبها و مدنس بخطايا عشقى لها،
و هى انقى من ان يلطخها قاسى، متحجر القلب مثلى بخطيئه حبه و ان كنت صادقا و الله يشهد انى صادقا
اغلقت المجلد بأصابع مرتجفه و عينها تلمع بدموع تعجبها، خوفها بل تجاوز الحد لفزعها.
ماذا تشعر تجاهه، لا تعلم تحديدا!
ما الذى يرغبه قلبها، ايضا لا تعلم!
و لكن ما تعرفه جيدا انها تحتاجه كما لا يفعل احد.

نهضت عن مكتبه هاربه لغرفتها و قلبها يختبر انتفاضه و نبضات يعرفها لاول مره،
انتفاضه احيت كل هواجسها دفعه واحده و متى ستُخمد، ايضا لا تدرى!

فوجئ مازن في اليوم التالى بوالدته تخبره ان ميعاد عقد قرانه قد حُدد، ليثور متعجبا و خاصه ان ميعاده قريبا بل قريبا جدا فما الذى يعينه اسبوع من الوقت.
و بعد محاوله نقاش مع العائله وجد والدته متمسكه بالامر كما لم تفعل في اى امور حياتهم و والده يوافقها باستماته و امام كلمه كبير العائله خضع مازن للامر الواقع، لزواج بعد اسبوع واحد على فتاه لم يقابلها منذ سنوات.

جلس فارس بجوار اخيه الذى صُدم من مدى سرعه الامر الغير معقوله و ربت على كتفه متسائلا: بتهرب بجوازه يا مازن، هى دى بقى حياتك اللى مش عاوز حد يتدخل فيها؟
ليستهزأ مازن دافعا يد فارس عنه: و هو انا كنت اعرف منين انى هتنيل بالسرعه دى!
ليعاجله فارس بشبه غضب فهو مدرك تماما لسبب تخبط شقيقه: و لما انت مش عارف كنت بتوافق على الجواز ليه اساسا! ثم ان ماما قالتلك و وضحت كويس قوى ان الموضوع هيتم بسرعه.

لينهض مازن بعنف صائحا: سرعه عن سرعه تفرق، انا كنت متوقع الموضوع هياخد سنه او اتنين.
لينهض فارس بالمقابل واقفا في مواجهته متكلما بتحذير او ربما تنبيه: واضح ان بابا اخد قراره في الموضوع ده، استعد يا بشمهندس بس خد بالك كويس قوى انك ممكن تظلم نفسك و تظلمها.

و تركه و رحل و هو يتعجب قرار والديه المفاجئ بل و بهذه السرعه، رغم ان العلاقات بين العائلتين ليست بمثل هذه المتانه فهو لا يعرف في اى عمر هى ابنه خاله و الان و بعد اسبوع واحد ستكون زوجه شقيقه، يا لسخريه القدر.

موافقه.
صرحت بها سلمى بعد تفكير طويل، ليكون امر زواجها كأى انثى عاديه.
رأها احدهم، اعجب بها، قرر ان تشاركه حياته، تقدم لطلب يدها، رحبت عائلتها، بمجرد عودتها من المزرعه فاتحتها والدتها في الامر، منحوها فرصه التفكير كم ما تريد من ايام و لكنها اختصرت الامر عليهم و عليها و وافقت.

استشارت قلبها رفض و اخبرها ان له ساكن اخر و ان لم يكن يناسبه، و عندما استمعت لعقلها اقنعها ان الزواج الان هو الحل الانسب فقالت قرارها رغم عدم معرفتها من المتقدم لها حتى.
اقتحمت حنين و جنه الغرفه بغضب بعدما تركت سلمى الجميع بالاسفل عقب ابداءها الموافقه لتصرخ حنين بها مستنكره: اللى بتعمليه ده غلط، ازاى توافقى على انسان انتِ ماتعرفيهوش!

لتجيبها سلمى بهدوء نسبى يكمن خلفه براكين ثائره مصدرها قلبها: انا موافقتش على حد، انا وافقت على المبدأ، اقابله و اعرفه و ان حصل نصيب ايه المشكله!

و لان حنين مدركه لحقيقه ما تفعله شقيقتها و ان اخفت عن الجميع عاودت مهاجمتها لتمنع سلمى من تمردها و اندفعها و خاصه في مثل هذا الامر: ادى لنفسك فرصه تفكرى يا سلمى، دا جواز، لازم تكونى مستعده و بلاش قرارك يتبنى على حاجه تانيه و انتِ اكيد فاهمه قصدى كويس، انتِ حتى مسألتيش هو مين او اسمه ايه؟

ليؤلمها غرورها فتستدير لشقيقتها الصغرى بانفعال و قد اشتعل عرق عنفوانها لتصرخ بلامبالاه بما تقوله: فاهمه يا دكتوره، بس اللى مش فاهماه انتِ عاوزه ايه! عاوزانى ارفض العريس و افضل احب فارس يعنى،.

اتسعت عين حنين بدهشه من مدى جرأتها بينما اردفت سلمى و قد ضغطت حنين على عقد صمتها فانفرط بعشوائيه اصابت كلتاهما في مقتل: ردى عاوزانى ارفض و افضل عايشه على امل ان في يوم ابقى مراته، اتفرج عليكم بتتجوزوا و اتخيل نفسى مكانك، و لا اعيش باحساس انك سرقتيه منى، عاوزانى اعمل ايه!، اخرب عليكِ و احاول اغرى جوزك مثلا، عاوزانى افكر و ارفض الجواز ليه يا حنين!

و صمت اطبق عليهم لا يُسمع سوى صوت انفاسهم المتسارعه، سلمى كالعاده تندم على اندفعها و لكنها لن تتراجع بخجل، و حنين تحدق بها بصدمه زلزلت كيانها و شعورها فاق شعور بالغيره، شعور أنّ له قلبها، فيما تتابع جنه الحوار و شهقه خاطفه فارقت شفتيها فور استماعها لحديث سلمى الذى تجاوز كل حدود المسموح لتضيف سلمى بعدها و كأنها لم تبعثر الاجواء منذ لحظات: انا دلوقتى بشتغل، وصلت لسن مناسب، و هتجوز زى اى بنت عاديه مش لازم اعيش قصه حب يعنى، عاوزه افهم بقى فين المشكله!

و لم يكن ثلاثتهم فقط المنصدم بل فُتح الباب بعنف لتدلف ليلى بغضب حارق اخبرهم انها استمعت لكل كلمه قيلت لتغلق سلمى عينها و قد زاد خجلها و ان حاولت اخفاءه و قبل ان تجد الفرصه لرفع رأسها لمواجهه نقاش اخر اكثر حده شهقت و يد ليلى تسقط بعنف قاسٍ على وجهها فجحظت عينها بصدمه بينما ركضت حنين من الغرفه بعدما تساقطت دموعها عجزا فيما ارتبكت جنه لحظات قبل ان تنسحب بهدوء هى الاخرى مدركه ان ليلى ستتولى الامر بأفضل ما يكون.

و بقت ليلى على غضبها بل و اطلقت حمم مشتعله لتحرق قلب سلمى علها تدرك مدى كبر ما تفوهت به: كنت فاكره انى عرفت أربى بناتى بس من الواضح انى كنت غلطانه.
ثم امسكت بيدها لتجعلها تنظر لها و قد تملكها جنون الخوف على ما قد يحل بأطفالها: انتِ يا سلمى، انتِ تتكلمى بالاسلوب الوقح ده و عن مين عن اختك و جوزها، انتِ يا كبيره يا عاقله!

و عندما تملك سلمى تمردها و لمعت عينها لا تدرى حقا ان كان وجعا او عنفوانا كادت تطلقه في وجه والدتها و لكن لم تمنحها ليلى الفرصه و اضافت مسرعه: مش عاوزه اسمع نفسك،.

لتكتم سلمى احرفها و هى مدركه تمام الادراك ان والدتها محقه و خاصه عندما اضافت: المفروض انك تقفى في ضهرها، تقويها و تساعديها تقدر تواجه المشاكل اللى هتحصل في حياتها، المفروض انتِ تبقى اقرب واحده ليها علشان وقت ما تحتاج لحد تلجأ ليكِ، تقدرى تقوليلى اختك لو احتاجتك دلوقتى هتثق فيكِ ازاى يا سلمى!
و ازدادت لذوعه كلماتها مردفه: هتثق فيكِ ازاى و هى عارفه انك بتتمنى حياتها تتخرب!

نظرت اليها سلمى بذهول قبل ان تصرخ نافيه: انتِ بتتكلمى ازاى يا ماما، انا عمرى ما اتمنيت ان بيت اختى يتخرب بس...
لتعاجلها ليلى و قد شعرت بانهاك روحها من غضبها الذى لم يستطع مهما حاولت اخفاء خوفها عليهم: بس ايه يا سلمى، هتقوليلى حب و غصب عنى و القلب و ما يريد،
لتشيح بيدها بعدها مع صمت سلمى صارخه: دا جوز اختك يا سلمى، فاهمه يعنى ايه!

نظرت سلمى اليها لترى بوضوح لمعه الدموع التى طغت عينها لتخبرها ان والدتها تخاف الفجوه التى تبنيها مشاعرها بينهما!
تخشى سد الكره و البغض الذى انشأ رواسخه بين قلب الاختين، بل و تخشى انه ربما تتمنى كلا منهما السوء للاخرى.

و مع ما رأت من ظنون بعين والدتها للمره الاولى تهون نفسها عليها لتتساقط دموعها تباعا ليس ألما لوجع قلبها، و لا يأسا لفقدانها، و لا حسره على ما حدث و لكن لما تشعر به والدتها، لما تظن والدتها انها فاعلته، هانت عليها نفسها لانها ب لحظه حطمت كل جدران الثقه بينها و بين شقيقتها.
لتحتضنها ليلى بقوه و قد رق قلبها لتضرب كتفها ببعض العنف هاتفه بحنان: بتتعبى قلبك ليه يا سلمى!

و لم تجد سلمى بد من الصمت ففعلت و ظلت ساكنه للحظات حضن والدتها،
ذلك الحضن الذى تستمد منه قوتها مهما كانت هى ذاتها قويه، تستمد منه دعم قلبها، روحها و نفسها، ذلك الحضن الذى تشعر فيه امها بألمها دون حديث.
فوالدتها بحر مشاعر فياضه تغرق به و ما اجمله من غرق، فهي السند و القوه لهم وقت حزنهم رغم انه اكثر اوقاتها ضعفا، فحضنها الثرى مع ابتسامه شفيتها ترسم مثلها على شفتى صغيرتها.

ابتعدت سلمى عنها بعد دقائق و قد اخذت قرارها النهائى معبره عنه ببعض الخجل و ان اخفت معظمه: انا بتمنى لحنين السعاده من قلبى يا ماما، زعلانه عليها هى و فارس، نفسى الامور تتصلح و حياتهم تستقر بس غصب عنى بفتكر اللى كنت بتمناه انا دائما،
لتقاطعها والدتها بحذر متسائله: علشان كده كنت بترفضى العرسان، و لنفس السبب برده وافقتِ المره دى!

اومأت سلمى موافقه فربتت ليلى على ركبتها بود و اضافت بحزم: و ناويه على ايه دلوقت!
اخذت نفسا عميقا تفكر لحظات ثم هتفت بثقه و قد عاودها تمردها و قوتها: انا موافقه اقابل العريس يا ماما، و اللى فيه الخير يقدمه ربنا.
لتبتسم ليلى لتمنحها بعضا من الراحه لتتابع حديثها: مش هتسألينى مين؟
فهزت كتفيها بلا معنى فأجابت ليلى: دكتور امجد.
مين امجد ده!

صدرت منها بتعجب صريح فابتسمت ليلى و هى تجيبها موضحه، دكتور مخ و اعصاب، يعمل مع والدتها بالمشفى، يكبرها بعده اعوام، ناجح و مثابر و محب لعمله، رأها يوم دلفت لمكتب والدتها بلا استئذان، اثارت اعجابه، تحدث مع والدتها، طلبت منه بعض الوقت حتى تستقر ابنتها فيما ستفعله بحياتها، حادثت زوجها و ابنها الاكبر، تحريات مكثفه عنه، سمعه طيبه، سيره حسنه و اخلاق عاليه، فعرض عليها و الان عليها الموافقه.

تعجبت سلمى، و لكن احساس الانثى بمثل هذا الامر اسعد قلبها هى ايضا و كان ذلك الاثبات الاول انها لا تحب فارس، فضول اثارها لرؤيته و هذا كان الاثبات الثانى، فموافقه نالتها والدتها و في القريب العاجل سيتم الاتفاق و في مثل هذه الامور خير البر عاجله .

أحبك، لا ادرى حدود محبتى، طباعى اعاصير، عواطفى سيل و اعرف انى مُتعب يا صديقتى، و اعرف انى اهوج، و اننى طفل، احب بأعصابى، أحب بريشى، احب بكلى، لا اعتدال و لا عقل.
نزار قبانى.

غادرت غرفه المكتب دون ان تنتظره، لم يستطع التحدث معها فيما قرأته، لم يستطع الاستمتاع بلهفتها في لحظات عدم ادراكها، و يتعجب خروجها السريع، و اثناء تفكيره بهذا في شرفه غرفته لمحها تجلس بجوار حنين و يبدو انها تواسيها، بكاء الاخيره، احتضان جنه لها، حديث بينهم، فنهوض منه، اسراع اليهم فتهرب من شقيقته مبرره انها تبكى قلقا لمستقبلها، ليشاركهم بعدها حوار مرح، انتزع منها ضحكتها فيه، مطمئنا اياها انه معها دائما، ثم قبض بيده على معصم جنته متحركا بها لاعلى ليغلق بالاخير باب غرفتها عليهم، يتسائل رحليها السريع، ويرى بوضوح تهربها، انكارها، و تلعثمها، يحاوطها كعادته و تتهرب كعادتها ثم انسحب هو من هذا الحوار هادفا لاخر و لكن وجوده معها بمفردهم مع نظراتها البلهاء نسى ما ارادها فيه و قرر خوض حوار اخر، فاقترب منها ليجذب يدها مقربا اياها منه بشغف تجاوز حده من الكتمان ليحتويها بين ذراعيه هاويا بطواعيه في ابريقها العسلى لتشهق هى قبل ان تضطرب انفاسها حتى كادت تشعر باختناق ادار رأسها قليلا بل كثيرا لتستمع بعدها لصوته و كم بدا لها بعيدا: كفايه قوى لحد كده، انتِ مراتى بمزاجك او غصب عنك.

و قبل ان يلاحظ عدم اتزانها هوى بشفتيه على خاصتها لينتهى انتظاره و معه انتهى شحن قواها و خاصه مع دفع جسده لجسدها حتى سقطت على الفراش و هو بجوارها يخبرها بقبلته عن مقدار ما يكنه لها من مشاعر، عن انتظاره و لهفته، و يا ليتها كانت تعى.

ابتعد، يحدثها لا تجيب، يحركها لا تجيب فجمده جمودها، رد فعل سريع و غريب و حقا ادهشه و لانه لا يدرك ما مرت به من ضغوطات اليوم، اهمالها طعامها منذ ان خرجت من غرفته، شجار شقيقتيه، و بالنهايه اقتحامه القوى افقدها توازنها.
حاول مرات و مرات حتى استجابت لضرباته الخفيفه على وجهها لتهمس بدهشه فور استيقاظها: ايه اللى حصل؟

ليطالعها بخبث قليلا لتتذكر رويدا اخر ما سمعته منه و رغم تهاويها الا انها كانت شبه مدركه لما فعله فاندفعت الدماء لرأسها فجأه و خاصه و هو يعبث معها مستندا على مرفقيه بجوارها: كل مره بتهربى بس انه يغمى عليكِ، جديده قوى دى.
اخفت وجهها بكفيها لتجده يمتلك كفها جاذبا اياها لتقف لتتلاشى رؤيتها لحظيا فور وقوفها لتجد يده لها بالمرصاد قبل ان يتجنب التحدث فيما صار بينهم قبل قليل عائدا لاصل موضوعه: انا هسافر،.

رفعت رأسها اليه لحظه لتتسائل بعدها بجديه قلقه: هتسافر! بس انت لسه اجازه يومين؟
ثم ابتعدت خطوه للخلف تناظره بتفحص ثم انهمرت اسئلتها متتاليه: هتسافر فين؟ و بعدين الوقت اتأخر هتسافر ازاى بالليل كده!، و هتيجى امتى! و ليه دلوقت! و ب...

ليقربها هو الخطوه التى ابتعدتها لتفاجئه هى بعقد ذراعيها حول خصره تضم اياه ليبتسم بهدوء فأحيانا كثيره يشعر انها تعامله كوالدها، فربت على خصلاتها مطمئنا اياها فلقد بات يلاحظ ذعرها الغريب كما ابتعد عنها: مش هتأخر، مشوار ضرورى لازم اخلصه، متقلقيش عليا.
ابتعدت ناظره اليه و حقا كم قلقت على خروجه بمثل هذا الليل و لكنها مدركه تماما انها لن تثنيه فطلبت بتوسل لتربت على قلبها بمواساه: ابقى طمنى عليك كل شويه.

اومأ موافقا قبل ان يطبع قبله على جبينها تاركا اياها بعدها متجها لوجهته، بينما هى تدخل في حاله من الحيره مجددا بين قلب يرغب و عقل يخاف،
و مع كل دقيقه معه حيرتها تزداد ما بين حلم تخشى اكتماله و واقع تهابه،
اقترب منها اليوم، همس بشئ او ربما فعل شئ و كم تلعن حظها الانعر الذى منعها معايشه هذا و الاحساس به،
و ها هى تعترف انها ناقصه بدونه،.

و لهنا و كفى، هربت بما يكفى، جرحت بما يكفى و الان لابد ان تعشق بما يكفى بل و يفيض.

بيقولوا مشاكل على اراضيهم في البلد و الا ايه اللى هيخليهم يسافروا الصعيد بالسرعه دى!
تمتم بها فارس جالسا مع شقيقه في شرفه غرفته يتسامرون كما اعتادوا دائما و ان اختلف مجرى التسامر قليلا، ثم اعتدل ممعنا النظر فيه لبرهه قبل ان يتحدث بجديه: سيبك من جدك بقى و قولى ناوى على ايه مع حياه!

ابتسم مازن فالجميع يرى منه جانبه المرح و لكن لم يعتاده احد عاقلا، صريحا و مدرك متى و اين و كيف يتصرف و كأنه طفل صغير و لكن لا بأس فليروا الان اذا: حياه امانه يا فارس، انا عارف انى مش هحبها بس عمرى ما هظلمها لانها هتبقى مراتى يعنى جزء منى و واجب عليا اشيلها في عنيا.

ابتسامه واسعه، ثم ضمه يد اخبره بها عن فخره به ثم اردف: طالما ناوى تبدأ حياتك صح انا متأكد انك مش هتندم، و الله اعلم يمكن تقدر تسكن قلبك و تنسيك اى وهم عيشته لنفسك.
ليقهقه مازن ساخطا مما قاله مازحا ببعض الجديه: لا يا عم، جبرت انا مش هدور على حب تانى.

ليربت فارس على كتفه ثم يشرد مبتسما ليدرك مازن جيدا انه شرد في تلك التى ملكت قلبه ليتحدث فارس بعدها بهدوء حالم: مش احنا اللى بندور عليه يا مازن، هو بيجى لوحده و يوم ما يقرر يدخل قلبك هيدخل بدون استئذان،
ثم استدار غامزا اياه بعبث مضيفا: و اللى واهم نفسه زى سيادتك كده مش بس هيحب لا دا بيعشق و بجنون.

ليتبع مازن فضوله متسائلا بانصات قوى لسماع الاجابه: ليه بتحبها قوى كده يا فارس؟ شايف ايه في مراتك يخليك متعلق بيها بالشكل ده؟
ليرفع فارس يده امام عينه ناظرا لدبلته التي تحمل اسمها و قد اتسعت ابتسامته مجيبا اياه دون تفكير ليجعل احساسه المتكلم لا لسانه: لانها معنى الحب، ربنا خلقها علشان تتحب و خلقنى علشان احبها.
و دون ان يدرى فارس، فتح بصيص امل جديد امام عين شقيقه المدلل.

ما يكنه لهبه بقلبه ما هو الا افتتان بها، امرأه قويه، مثابره، فاتنه، و شخصيتها تجذب الانظار اليها و كما اطلق عليها من قبل هى اشبه بالمرأه الحديديه .

ربما يتمنى في الكثير من الاوقات رؤيتها، ربما تزعجه نبضاته كلما جالت بخاطره، و ربما تتحشرج انفاسه لدى مصادفته لامواج عينها و لكن تلك النظره بعين شقيقه لم تسكن عينه بعد، تلك النبره التى يتحدث بها لم يختبرها بعد و تلك الابتسامه الساذجه التى كست وجهه لم تداعب شفتيه بعد و لكن لربما تفعل يوما مااا و ربما تكون حياه هى حياه قلبه من جديد، و من يدرى!

تتبع الماضى ليس بأمرا جيد و لكن ابن الحصرى قرر ان يفعل اى كانت النتيجه و اى كان العائد عليه، سيفهم كل شئ، يسعى لربت كل ما حدث و يحدث، و سيفعل و حتى يفعل لن يستكين.

نفسا عميقا ثم طرقات سريعه على الباب اامامه لحظات ثم خرج عبد المنعم له، تعجب ثم ترحيب، حوار طويل و اسئله كثيره، ليفهم بوضوح سبب زواج خاله، كيف انقطع الاتصال بهم بعد سفرهم، ماذا كان ماجد عليه، ليتوقف عاصم قليلا قبل ان يتسائل و قد سيطرت عليه مهنته عندما استمع لاحداث االحادث: و ازاى حادثه زى دى ميتعملش فيها محضر؟
ليجيبه بتوضيح للملابسات: اتعمل محضر بس مكنش في طرف تانى في القضيه علشان التحقيقات تكمل؟

ليعتدل عاصم بتركيز متسائلا بحرص و كل كلمه تمر اولا على فلاتر عقليته الاجراميه: يعنى ايه مفيش طرف تانى! و سواق العربيه التانيه فين و ازاى متحققش معاه؟

ليشيح عبد المنعم بيده في جديه و قد اثار هذا الامر تفكيره سابقا: مكنش فيه حد في موقع الحادثه غير خالك و جنه و لما عملت تحريات عن رقم العربيه التانيه عرفنا انها مسروقه في نفس اليوم يعنى اللى كان سايقها وقت الحادثه مش صاحبها و طبعا ثم استدعاء صاحبها و اتحقق معاه و اثبتوا انه ملوش علاقه بالموضوع.

مال عليه مضيقا عينه مستفسرا: ازاى مفيش حد تانى وانت بتقول ان العربيتين اتدمروا يعنى المفروض يكون على الاقل اتصاب؟
ثم تنازل عن الحصول عن اجابه تساؤله لينال اجابه لاخر: طيب و فحص العربيه اثبت ايه!
ليتنهد عبد المنعم بضيق مرددا: عربيه خالك مكنش فيها فرامل،
ليقاطعه عاصم بعنف و هو ينهض من مكانه غاضبا: كمان يعنى واضح بنسبه 100% انها مدبره و برده مفيش اى اجراءات قانونيه؟

ليهتف عبد المنعم بالمقابل و هو يعبر عن عجزه ذاك الوقت ليفعل اى شئ: ازاى هيبقى في محضر و مفيش لا مشتكى و لا متهم! مراه خالك اتنازلت و الظابط اللى كان مسئول عن الحادثه قال ان قضيه و غيره دلوقت ملوش لازمه و هى وافقته كنت عاوزنى اعمل ايه وقتها؟
لتحتد عين عاصم و هو يؤكد ظنونه بحديثه هذا، لم تكن الحادثه عن طريق الخطأ، لم تكن صدفه بل كانت مدبره و بذكاء شديد.

و لكنه لن يسمح بمرور الامر مرور الكرام فتمتم بثقه و قد اخذ قراره بالتقدم عله يصل لنتيجه ترضيه بالاخير: عاوز رقم الظابط اللى كان مسئول عن الحادثه.
و وافق عبد المنعم على السعى معه وراء حقيقه هذا الامر و لعل ما اُخفىّ بجداره قبل عده اعوام يظهر الان جليا واضحا ليسترد كل زى حق حقه.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة