قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الثاني والعشرون

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الثاني والعشرون

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الثاني والعشرون

سأقول لكِ احبك
عندما أبرأ من حاله الفصام التى تمزقنى،
و أعود شخصا واحدا،
سأقولها عندما تتصالح المدينه و الصحراء بداخلى.
نزار قبانى.

في قليل من الاوقات يشعر المرء انه في اقصى حالاته سعاده، تضحك عيناه دائما و تبتسم شفتيه تلقائيا و تتسارع نبضاته عنفوانا بمرح،
لحظات يتمنى ان تدوم ما دام حيا، لحظات نتعرف فيها على انفسنا حقيقه، تلك النفس التى لا تعشق الصمت بل لم تكن تجد وقتا للكلام، تلك النفس التى لا تعرف الدموع و لكنها لم تجد بديلا لها، تلك النفس التى لا تخاف الحب و لكنها لم تراه او تتعرف عليه.

و ان سألوه الان عن سبب سعادته فلن يتريث ثانيه واحده ليفكر بل ستنطق كل خلاياه باسم فلته،
فلته التى كرست حياتها، اهتمامها، حبها و شغفها له.
ود لو كان يستطيع حبها، لو كان يستطيع منحها حقها عليه، في ان تكون الاولى، في ان تكون الوحيده، في ان تكون هى فقط بقلبه و حياته.

اقترب بخطوات هادئه كعادته ليحاوط خصرها من الخلف في تلك الضمه التى تعنى لها الحياه و ما فيها، ضمه تخبرها انها وصلت لاعماق قلبه و ان لم يقول فما تشعر به بين يديه و من قلبه كفيل بالربت على قلبها.

همس بأذنها بكلمات غزل صريحه لتتعالى ضحكتها تزعزع تماسكه، داعب خصرها بيده لتتلوى هاربه قبل ان تستكين اخيرا و هو يمرر يده على طول ذراعها حتى امسك بيدها ليساعدها بتحضير طعامهم و هى هكذا بين ذراعيه و في قلبه و ان انكر.

لحظات عبثيه، مزاحات، ضحكات و مشاغبات يعشقها هو و تستمتع بها هى، حتى انتهت فأدراها لتنظر اليه ليعبر عن التساؤل الذى يشغل تفكيره منذ ان ابتعد بها عن الكل في هذا المكان الساحرى، بعيدا عن الاجواء المزدحمه فقط امامهم البحر بصوته، و هو و هى فقط، لتمنحه كل ما بها، و لا تنتظر منه مقابلا سوى اعتنائه بقلبها و لو قليلا ليتعجب امرأه بقوتها و استقلالها ان تكون بين ذراعيه و في حبه بمثل هذا الضعف: مبسوطه معايا يا هبه!

لينير كل وجهها ابتسامه منحته اجابتها قبل ان تنطق بها و امواجها تهدر بصدق شعورها: مفيش في العالم كله واحده اسعد منى.
لتضرب ضميره بسوط حاد بكم محبتها المخلصه له ليهمس بشبه اعتذار رغم خروجه كتساؤل: نفسك تسمعيها منى، صح؟
و سرعان ما فهمت ما يرمى اليه لتقبل وجنته بضحكه واسعه: و انت حاسس بيها.

ليرتسم على وجهه عده علامات استفهام لتتسع ضحكتها اكثر مضيفه اخر ما توقع ان يسمعه لتثبت له انها حقا استثناء عن كل من عرفهم سابقا حتى تلك التى لامست قلبه و مازال ضميره يؤنبه للتخلى عنها: الكلمه ملهاش اى معنى عندى لكن احساسك بيها هو اللى يهمنى.
ثم رست بكفها على موضع قلبه ليحتضنها بنبضاته الثائره لتزداد ابتسامتها و قد تيقنت انها بالفعل ملكت احساسه: و لما تحتاج مساعده، اسأله و هو هيقولك.

نظر لموضع كفها ليردد بلا تفكير و قد دفعه شعوره للتحدث و ربما يعرف معنى هذا الاندفاع للمره الاولى: هو عارف و متأكد ان مكانتك عنده كبيره قوى يا فله.
و هى ايضا تعرف، و قلبها يعرف و احساسها راضيا بما اقتنته،
فمن عاشت عمرها تدعو باسمه صار زوجها،
من كان يرتجف القلب فور رؤيته اليوم تناظره و تحدق به اينما شاءت و وقتما شاءت،
من كان يشاركها احلامها عنوه اليوم يشاركها حياتها،.

و هى متقينه تمام اليقين ان من احبه قلبها دائما يوما ما سيعشقها قلبه،
راهنت و لم تعتاد ابدا الخساره.

أحببتك جدا لدرجه انى ما زلت احاول فاشله قياس مساحه هذه ال جدا
غاده السمان
و في طوفان حزنها، صدمتها لكلام شقيقتها، غيرتها و ثوره قلبها، تشتت عقلها، كان صوته، وجوده، مزاحه و حنيته هو كل ما تحتاجه الان.

فعندما ارتفع رنين هاتفها مخبرا اياها انه ربما يشعر بها، حاولت ابداء صوتها في رونقه الطبيعى و لكن لم تستطع بالقدر المطلوب او ربما استطاعت و بمجرد ان فتحت الخط وصلها صوته: قلبى يحدثنى بأنك متلفى، روحك فداك، عرفتِ أم لم تعرفى، لم اقضى حق هواك و ان كنت الذى، لم اقضى فيه أسى و مثلى من يفى، ما للنوى ذنب و من اهوى معى ان غاب عن انسان عنى فهو فىّ.

لتبتسم تلقائيا مدركه انه سيخبرها مجددا عن ديوان شعر اشتراه شقيقه و ها هو يقرأ لها منه و قد كان و هو يخبرها بنبرته التى كان لها تأثير السحر على حزنها: بقرأ شعر بسببك يا حنين، انتِ و مازن بوظتوا اخلاقى.
لتزداد ضحكتها اتساعا و مازالت صامته ثم اكتنف روحها حبها له لتقول بمزاح: بتحبنى بقى، قدرك و نصيبك.

ليقهقه بالمقابل بصخب جعلها تغلق عينها تتشرب ضحكته بقلبها ليرتوى و هو يشاكسها بعبث: ايه يا بنتى الثقه دى!، اللى قالك كده ضحك عليكِ.
لتعود لصمتها مجددا و كلمات شقيقتها ترن بأذنها حتى كادت تصرخ من فرط وجعها، تجاوزت الامر طوال الفتره الماضيه، كانت تتناسى الامر و لكن ايقظته شقيقتها الان كأسوء من سابقه.
و عندما طال صمتها عقد هو حاجبيه متسائلا بحرص: مالك يا حنين؟

و لانه ابعد من يكون عن معرفه ما بها حاولت اخفاء الامر لتنجح بجداره و هو تجيبه بتوتر يدرك هو جيدا اصابتها به قبيل امتحاناتها: انت عارف عندى امتحان بعد يومين و قلقانه.
و كعادته يحاول تهدأتها، طمأنتها، و التخفيف عنها و الهروب بها من خضم توترها لاتساع مزاحه لينال بالاخير ضحكتها و هى تصرخ به: بس بقى يا فارس، و اقفل.
ليعاتبها بحزن مصطنع رغم ابتسامته التى ظهرت جليه في صوته: في وشى كده.

لتعاود ضحكتها الرنانه و هى تردف دون انتباه لما تفوهت به: اقفل يا فارس، اقفل يا حبيبى.
و رغم انها ليست عاده ان يتصيد كلامها لكن هذه المره تختلف ليردد هو خلفها بتسائل ماكر: يا ايه؟
لتعقد حاجبيها لحظه تحاول استيعاب ما قالت لتضرب جبينها بعدها مدركه انها تفوهت بما كانت تكويه بنار انتظاره، ليلقى على مسامعها سؤاله مره اخرى لتقرر منحه اياه بخبث و سرعه: يا حبيبى.

و قبل ان تنتهى الكلمه اتبعها على مسامعه صوت صفاره اغلاق الخط ليبعد الهاتف عن اذنه يطالعه بذهول لحظات قبل ان تتسع ابتسامته رويدا رويدا حتى قهقه بسعاده و تعجب من موقفها في ان واحد مستندا بيده على حرف الفراش محاولا تقليد صوتها مرددا: يا حبيبى.
ليضع يده على قلبه بعدها ملقيا جسده على الفراش ضاحكا صارخا بصوت مضطهد و حقا هو كذلك: هتجنن امى.

رغم حطام قلبك، يوما ما سيزهر الحب فيه و يرممه.
فيودور دوستويفسكى.

و على سور شرفتها تستند بمرفقيها تتابع عينها بوابه المنزل منذ متى لا تدرى حقا، و لكن تنتظر و ستظل حتى تطمئن لعودته و لم يطل انتظارها و دلف هو، لتركض على اطراف اصابعها لباب المنزل تستقبله، عقده حاجب منه، مع عبرات الاطمئنان منها، و قبل ان يسألها عن سبب استيقاظها وجدها تتأبط ذراعه متحركه معه باتجاه الدرج مضيفه باهتمام: صلى الفجر على ما اجهز لك حاجه تاكلها.

ليتوقف ناظرا اليها مجيبا بارهاق شديد بادٍ بوضوح اشد على وجهه: انا صليت في المسجد قبل ما اجى، و صراحه جعان نوم مش لازم اكل دلوقت.
و مع ملامحه الفاصله نهائيا لشحنها لم تماطل كثيرا و لكن لا بأس من القليل: طيب اجيب لك بلح بس.

و مع اصرارها على اطعامه شيئا ما فهو منذ رحل بالامس لم يأكل شيئا وافق و سبقها للاعلى، احضرت تمرات و ماء و في طريقها لغرفته لمحت الضوء بغرفتها فاتجهت اليه لتجده قد ابدل ملابسه و استلقى بفراشها لتجلس بجواره واضعه التمرات بينهما مبتسمه بود هاتفه: يالا كُل.

و ماذا ان كان مرهقا هل سيتخلى ابن الحصرى عن عبثه معها، لا و الله لا يحدث فردد بنفى قطعيا: هو انتِ فاكره انى ممكن ابهدل ايدى و اضطر اقوم اغسلها و انا اساسا مش قادر اتحرك، لا انسى، اتصرفى و اكلينى يا اما سبينى انام.
و امام طفوليته و التى تراها للمره الاولى و معها فقط فلم ترى تدلله هذا من قبل مع اى كان، اتسعت عينها بصدمه لحظيه فأعطاها ظهره هاتفا: خلاص على ما تفكرى هنام انا.

لتضع يدها على كتفه تعيده مسطحا امامها و ترتفع شفتيها بابتسامه منتشيه بسعاده و بدأت تنزع من كل تمره نواتها و هو يراقبها باستمتاع و هل هناك الذ من ذاك الشعور بالنسبه اليه، حتى انتهت لتحدق بنظرته العابثه قليلا قبل ان تتسع ابتسامتها قائله: اتفضل.
ليرفع احدى حاجبيه مجيبا و مازال عبثه مستمرا: انا قولت اكلينى.

لتتسع عينها اكثر مع ابتسامه لم تستطع منعها و هى في قمه اندهاشها ان الجالس امامها هو ذاته من كان يُرهبها يوما، فأعطاها ظهره مجددا يصيح و هو يشيح بيده: اووووه، هنفضل طول الليل نفكر بقى.

لتعيده مره اخرى و هى تحملق به بعدم استيعاب ثم بدأت باطعامه و هو يشاكسها بغلق فمه، بغمزه عابثه، بضحكه او بكلمه تخجلها حتى انهت التمرات و مع الاخيره و قبل ان تسحب يدها عن فمه طالها بأسنانه لتشهق بألم ممسكه باصبعها ليلتقط هو كوب الماء يرتشفه كاملا ليضحك عليها و هو يعطيها ظهره لينام متجاهلا تأوهاتها و تأفأفها، نهضت للمرحاض دقائق ثم عادت لتجده يغط في نوم عميق لتجلس بجواره تداعب خصلاته بهدوء شديد و رغم انه لم يكن قد نام بعد، حركه يدها مع ترديدها لايات قرآنيه بنبره شبه هامسه سرقه النوم رغم رغبته العارمه فألا يفعل.

رُب صدفه خير من الف ميعاد، طالما كانت ترددها والدته كلما صادف حياتهم شيئا جيدا،.

و رُب صدفته بمقابلتها أخير امور حياته، منذ رأها يوم زفاف شقيقته و شقيقها و هى لا تفارقه، لن ينكر انه انبهر بجمالها الاوروبى في بادئ الامر و لكن ان يتصاعد الامر بداخله لان يقرأ عوضا عن كتاب عشر و يتابع بدلا من مقطعا عشرون و يبحث عن عشرات المواقع حتى يستطيع تعلم لغتها، ليستطيع التواصل معها، اذا فالامر ليس مجرد اعجاب بجمال نادر بل يرغب هو فيما هو اكثر.

وقف ينتظرها ببدايه الممر الذى يقع به مكتبها في الشركه كما يفعل كل يوم، تأخرت اليوم 3 دقائق عن موعدها و لكنه سينتظرها و ان تأخرت يوما كاملا،
يدندن بكلمات اغنيه هادئه حتى رأها تتقدم باتجاهه بوجه معتم و من ثم رأته ليشرق وجهها بابتسامه بسيطه و هو يقول بابتسامه واسعه: صباح الخير.

و بهدوء محافظه على دفء و بساطه ابتسامتها اجابته ثم تركته متجهه لمكتبها، ليتابعها هو ثم يضرب قلبه مستغفرا راحلا و هو مدركا انه لن يتوب عن ذنب انتظارها، رؤيتها و الاستمتاع بضحكتها.
نادى على انسه سلمى من مكتبها.

تمتم بها اكرم و هو يتحدث مع سكرتيرته عبر الهاتف الداخلى و فورا و بعد دقائق معدوده وقفت سلمى امامه منتظره ما سيخبرها به، ليتابع هو هدوئها الغريب كليا على شخصها فترك عباءه المدير جانبا ليتحدث بود كأخ كبير متسائلا عن سبب تغيرها المفاجئ هذا فهو يُفضل كثيرا طبعها العنفوانى: مالك يا سلمى؟

و لسابق معاملته معها بعناد يفوق عنادها و تمرد يعادل او يتجاوز تمردها اجابت بضيق فهى ابعد ما يكون عن التحدث بتملق الان: احنا في الشركه يا بشمهندس و انا جايه هنا اشتغل، ممكن تقولى حضرتك عاوزنى في ايه؟

نظر لوجهها قليلا ثم فتح ملف امامه مشيرا على المقعد لتجلس ففعلت و اخذ يوضح هو تفاصيل عملها الجديد و الذى ستعمل عليه مباشره حتى انتهى من شرح ما يتوجب عليها فعله فأغلق الملف و قبل ان تنهض تسائل مجددا: مالك يا سلمى؟

لترفع عينها بغضب اليه كأنها تجبره على الصمت و عدم سؤالها و لكن يبدو انها لم تتعرف على اكرم بعد رغم ما صار بينهما من مواقف، ليحتوى هو نظرتها باحترافيه و عقلانيه مردفا بابتسامه هادئه روضت غضبها: احنا اه في الشركه و جايين هنا نشتغل بس غصب عني و عنك انتِ بنت عمتي قبل اي حاجه، يعني اختي، يعني لما اشوفك مضايقه من حقى اسألك عن السبب، فاهمه يا سلمى!

و امام دفء حديثه، اهتمامه و صحه ما قاله لم تعاند او تجادل وأومأت موافقه متحدثه بهدوء: متشكره على اهتمامك يا بشمهندس.
ليبتسم ضاغطا على باطن وجنته مضيفا: اكرم بس يا سلمى.
لتتحدث مجددا برسميه: معلش احنا في مكان شغل و بعدين المقامات محفوظه و مهما كان مقدرش انسي انك هنا مديري و انا موظفه.

ليزفر بنفاذ صبر هاتفا ببعض الجديه و قد سأم من هدوئها هذا: اسمعي انا مابحبش التعقيد، انتِ هنا في شركتك و بلاش كلام كبير علشان انا ابسط من كده بكتير، اتفقنا.
و اجابتها اماءه بسيطه مجددا لتستأذن بعدها تاركه اياه ليبتسم هو و احساسه بالمسئوليه تجاهها كونها فرد من عائلته يمنحه شعور رائعا، فكم كانت والدته محقه باقناعه بالعوده و يا ليته عاد منذ زمن.

فتح عينه يظن انه سيبدأ صباحه ككل يوما و لكن خاب ظنه عندما نهض عن فراشها ليجدها تقف اعلى مقعد صغير تحمل احدى المفكات بيدها و الاخر خلف اذنها تعبث بذلك المصباح الصغير فوق طاوله زينتها ليستند على الفراش بمرفقيه يتابعها قليلا قبل ان ينهض ملقيا تحيه الصباح واقفا امامها رافعا احدى حاجبيه بتعجب متمتما: بتعملى ايه!

لتشهق بحده و هى تكاد ترتد للخلف اثر مفاجأته لها ليثبتها بيده لتعتدل واقفه مجددا تحنى رأسها تجيبه: اللمبه اتحرقت فبحاول اغيرها.
عقد ذراعيه امام صدره و ابتسامه جانبيه ترتسم على وجهه مردفا بسخريه: في حاجه اسمها كهربائى اعتقد بيشتغل في الحاجات دى!
لترفع يدها معترضه امام وجهه هاتفه بجديه متفاخره: لاااا، كهربائى ايه؟، انا شاطره جدا في الحاجات دى،.

لتضحك بسخافه تظهر مدى سذاجتها مضيفه بتعالٍ غامزه اياه بمشاكسه: اصل انا متعوده.
اتسعت ضحكته و هو يتابع ملامح وجهها الضاحكه، رفع يده يحاوط خصرها ثم حملها ليضعها ارضا لتقف امامه و اوشكت على الاعتراض ليتركها و لكنه جذب ذاك المفك خلف اذنها ليضعه امام وجهها متسائلا بضحكه مستمتعه: و دا بيعمل ايه هنا؟
و بتلقائيه اجابته كأنه سؤال بديهى لا يحتاج لتفكير و تساؤل: علشان افك المسمار.

ليدفع كتفها بظهر يده يبعدها ساخرا: طب وسعى كده.
لحظات و انتهى من تغير ذلك المصباح و لكن أيُمرر الامر ببساطه لا ليست من عاداته فكتم ضحكه كادت تفارق شفتيه و هو يخبرها باشعال الضوء و بمجرد ان ضغطت ذلك الزر حتى صرخ هو متأوها و سقط جالسا على المقعد متألما لتتسع عينها بفزع مقتربه منه تمسد ظهره بخوف و هى تتسائل بحذر: انت، انت كويس؟
و مع رؤيته للهفتها تمتم بخبث بصوت طفوليا: اتكهربت، كنت هموت.

و كان وقع الكلمه على سمعها كبيرا اكبر مما توقع هو ليجدها تضم رأسه لصدرها بقوه و يدها تتمسك بملابسه بارتجافه بسيطه مع ترديدها بالحمد بسرعه ليتنهد بهدوء مرخيا اجفانه بين ذراعيها قليلا قبل ان يبتعد عنها لتميل على وجهها متمتمه باهتمام حقيقى: حاسس بحاجه؟
و احال خبثه لجديه و اشار لقلبه مجيبا اياها: هنا، في حاجه مش مظبوطه.
لتعقد حاجبيها تضيف بتعجب قلق: قلبك بيوجعك!

و هنا انطلقت ضحكته تزيل عقده حاجبيها قلقا و تأتى محلها بعقده تفكير، ادراك ثم غضب و هو يصرخ هاتفا: اااه، يا وجع قلبك يا عاصم.
لتضع يدها على خصرها تناظره قليلا قبل ان تكز اسنانها هامسه: انت بتضحك على ايه؟
لينهض واقفا، ينهدم ملابسه، ثم يميل عليها بغمزه مشاغبه و بنبره رجوليه لعوبه قال: هو اللى يعرف جنه مراتى يعرف ميضحكش! دا انتِ تاخدى جائزه افضل مهرج في بيتنا.

لتفرغ فاها قبل ان تصرخ بغيظ و هى ترمقه بنظره مشتعله: انا مهرج يا عاصم!
و الاجابه قبله عابثه على وجنتها متمتما: احلى مهرج شوفته في حياتى،
ثم وضع المفك خلف اذنها مجددا مضيفا بضحكه واسعه و هو يداعب وجنتها بخصلاتها:
واحلى كهربائى شوفته و هشوفه طول حياتى.

و قهقه بعدها تاركا اياها تجذب المفك بحده مغتاظه تضرب بقدمها الارض ضجرا من تصرفاته الغير عاديه اطلاقا، قبل ان تهدأ قليلا ليبدأ غضبها بالتلاشى و تجد ابتسامتها طريقا لشفتيها و هى تراقب الباب بعد خروجه و قد ايقنت انها تستحق فرصه كهذه، فرصه لتضحك، لتسعد و لينير هو عالمها،
كانت شمس حياتها غائبه و الان فقط اشرقت، اشرقت به، معه و له، نقطه.

ان كنت شجاعا بما يكفى لتقول وداعا فستكافئك الحياه بمرحبا جديده.
باولو كويلو
و قالت هى وداعا خالصه لمشاعر سكنتها او ربما هكذا تعتقد، ضجه من حولها، ترتدى ملابس رقيقه، تحاشت التعامل مع شقيقتها، في انتظار العريس المنتظر و الذى لا تعرف عنه سوى بضعه تفاصيل لا طائل منها، انتظار و انتظار ثم حان وقت المقابله.

تسير بتردد، عين الجميع متعلقه بها، تحمل بعض كاسات المشروب بيدها، و لغرابه الجميع تورد وجنتيها مفصحا عن خجلها و الذى نادرا ما يحدث، ترحيب و استقبال حافل، حديث عابر و مزاح، تشعر انها بالكاد تسمعهم من فرط توترها و الذى كاد يصيبها بالجنون فما بالها تفعل الان، لم تنظر لاحد و لا قابليه لها لتفعل فعانقت نظراتها االاقدام امامها صامته.
طيب نسيب امجد يقعد مع عروسته لوحدهم شويه.

و الكلمه المعتاده و الذى صرح بها والد امجد بضحكه استفزتها اكثر، و عقلها تتلاعب به الكلمات و الافكار عما ستقوله او ربما ستسمعه بالجلوس معه، لحظات و كانت بالفعل بجواره ليصلها صوته الهادئ: ازيك يا بشمهندسه؟
و اجابته بهدوء حتى كاد يبتسم متذكرا دخولها كالاعصار الغير مسبق بانذار على اجتماعهم في المشفى و اضاف: اعتقد كفايه بص للارض كده و بصى لى يمكن معجبكيش!

رفعت رأسها لتجوب بعينها الغرفه يمينا و يسارا دون ان تنظر اليه و حقا لم تكن تدرى لماذا تتجنب رؤيته حتى هتف بصوت عالى: بصى لى يا سلمى.
و هنا اتسعت عينها و لمعت بتمردها و غرورها المعتاد لتستدير له ببعض الحده، و قبل ان تتحدث تجمدت ملامحها و هى تحملق به، لم يكن وسيما، فقط بشره برونزية، ذقن منمقه، خصلات قصيره مرتبه، و عينان بلون السماء في اقصى درجاتها صفاءا، كلا لم يكن وسيما ابدا.

و مع تحديقها به قضم شفتيه بابتسامه جانبيه متمتما بعبث: واضح كده انى عجبتك!
حمحمت بخجل و هى تخفض عينها عنه مجددا ليهتف بنفاذ صبر: يا صبر، يا بنتى بصى لى.
لترفع عينها اليه مجددا و قد استفزتها نبرته العاليه و حديثه الغير رسمى لتصيح و قد حاولت بشده تمالك انفاسها المتسارعه و نبضاتها المتوتره: ايه الاسلوب دا حضرتك انا..
ليرفع يديه كمن يستسلم موقفا اياها مانعا جدال بينهما ضاحكا: اوبا احنا هنبدأها خناق،.

ثم اضاف بضحكه اوسع مع رفعه حاجب مشاكسه: لا مليش في العنف انا.
لتبتسم هى و قد اخفض معيار غضبها للعجب و مع ابتسامتها تمتم هو و قد عاد لهدوءه الجدى: طالما ابتسمتِ نبدأ من الاول بقى.

تعريف سريع عن نفسه كانت قد قامت والدتها به من قبل ثم اضاف بتوضيح اكثر عن حياته: مدام مروه تبقى مراه ابويا مش والدتى، والدتى توفت من فتره طويله، و عايش معاهم بس لو لينا نصيب و اتجوزنا هيبقى لينا بيتنا الخاص بعيدا عن بيت العيله.
و كالعاده و لانها تحب تفاصيل التفاصيل تمسكت بأكثر تفصيل لم يتحدث عنه هو و تسائلت بفضول لم تقتله: علاقتك بمدام مروه عامله ايه؟

ليبتسم و لم تتغير ملامحه من البشاشه لتطفلها و لكنه الجمها بهدوء شديد تعجبته: اوعدك لو في نصيب هجاوب على كل اسألتك.
و مع صدمه ملامحها لرفضه المنمق اتسعت ابتسامته و هو يردف: كلمينى عن نفسك بقى.
و بدأت هى بسرد تفاصيل يعرفها اى من يتقدم لخطبتها ليضيق عينه متمتما: انا عارف كل ده، عرفينى عليكِ اكثر بتفاصيل اكثر.
لترفع احدى حاجبيها بتحدى لتبيعه كلامه: اوعدك لو في نصيب هعرفك عنى تفاصيل اكثر.

ليضحك عاليا و قد راقه عنادها لتتابع هى ضحكته قليلا مبتسمه حتى قال مستنتجا: واضح انك عناديه،
لتنفى بغيظ ليردف: و شكلك مابتتقبليش النقد،
لتتسع عينها لتنفى مره اخرى بغيظ اشد ليضيف مجددا: و تقريبا سهل الواحد يستفزك.

توقفت عن النفى المبالغ فيه لتتطالعه بتعجب من التعامل معها كأنها قطعه نحو مطالب هو باستخراج معطياتها لتضحك بعدها وقد داعب انوثتها تصرفه و الفارق لحظه لتجده قد توقف عن الضحك ملتقطا جديته من جديد متسائلا: عرفت من مامتك انك بتشتغلى، بتحبى شغلك؟
لتعبس هى قبل ان تجيب باندفاع: اكيد و جدا كمان.
ليلاحقها: لو في نصيب، هتشتغلى بعد الجواز!
اومأت موافقه بتأكيد شديد ليشبك هو اصابعه مردفا: ليه بتحبى شغلك!

نظرت اليه لحظات لتجده يحاوطها بنظراته الهادئه منتظرا اجابتها لتأخذ نفسا عميقا متحدثه بصدق توضح شغفها بعملها: انا مش بس بحب شغلى، انا بحب مجال دراستى، شغفى بالرسم و التصميم، مدركه تماما انى موهوبه و مميزه و لو عاوزه اوصل لحاجه هوصلها، هبنى لنفسى كيان خاص، اه هبقى مسئوله من راجل بعد جوازى بس دا ميمنعش ان يبقى ليا كيان مستقل، علشاني اولا، علشانه ثانيا، علشان ولادى ثالثا، بحب شغلى لانه بيخلينى فخوره بنفسى.

اومأ برأسه باحترام لرأيها و اعجابا بثقتها بنفسها و بمجهودها و تحدث بتأكيد: لو في نصيب، انا عمرى ما ههد طموحك، و اتمنى اقدر اساعدك و انا متأكد انى هبقى دائما فخور بيكِ، بس بشرط ان شغلك ميأثرش على بيتك، ميشغلكيش عنى، و مايخلكيش تقصرى في حق ولادنا.
و بحماس كبير مع شعورها بحديثه عن حياتهما معا اضافت مسرعه: بس انا كمان عندى شرط،.

اومأ معبرا عن استماعه اليها: انا عارفه ان الدكاتره وقتهم مش في ايديهم بس انا مش عاوزه شغلك يأثر على وجودك في البيت، و زى ما انت مش عاوزنى اقصر في حقك انت كمان متقصرش في حقى.
و حاوطها هو بسماء عينه الواسعه بغمزه عابثه: بما انك مقولتيش لو في نصيب ، اعتبر ان دى موافقه مبدأيه؟!
حدقت به تستوعب قبل ان تبتسم بخجل مشيحه بوجهها عنه ليهمس بضحكه: واضح كمان ان الواحد سهل يكسفك.

و اجابتها الاخيره ضحكه رأها الجميع، سأل الوالد و على استحياء طلبت وقت تفكر و ان كانت قد اتخذت قرارها.
ممكن ندخل؟
قالتها جنه بضحكه و هى تدلف للغرفه مع حنين لتستقبلهم سلمى بابتسامه واسعه، و فور رؤيتها لحنين بملامحها العابسه تذكرت على الفور ما حدث، ما فعلت و ما قالت، و عندما حاولت الاعتذار اوقفتها حنين بصرامه قائله: مش كل مره الاعتذار هيمحى كلامك يا سلمى.

صمتت تتلقى منها كلماتها اللاذعه و هى مدركه تماما انها محقه في غضبها حتى عقدت حنين حاجبيها بابتسامه جانبيه ساخره متسائله و هى لا تنتظر الاجابه: هسألك سؤال واحد يا سلمى،
تأهبت سلمى باستعداد حتى اردفت حنين: انتِ دلوقت بتقولى انك بتحبى فارس، مش عارفه تنسيه و دائما بتفكرى فيه، صح!

و عندما حاولت الدفاع عن نفسها، الاعتذار او حتى الاندفاع للهروب من هكذا موقف اوقفتها حنين بيدها و اكملت: ممكن تقوليلى فكرتِ فيه كام مره و انتِ قاعده من عريسك!، زعلتِ لانك بتتكلمى مع واحد تانى عنك و عن حياتكم سوا!، فكرتِ ان اختك خطفت منك الراجل اللى كان نفسك فيه!، فكرتِ في فارس و انك مش عاوزه تخسريه؟

و كان وقع الاسئله على سلمى كدلو ماء مثلج جعلها تحملق بحنين ذاهله و اجابتها على كل هذه الاسئله سلبيه، لم تفكر فيه و لم تحزن و لم يخطر للحظه واحده على عقلها، بل على النقيض تماما، جالسه مع امجد في قمه سعادتها، فرحت بمداعبته لانوثتها، تحمست لحياه تجمعها به فمن اين لفارس ان يكون بين كتله مشاعرها تلك؟!
لتضحك حنين باستهزاء: فكرى يا سلمى، فكرى و جاوبى لنفسك مش لازم ليا.

و تركتها و خرجت لتربت جنه على كتفها بابتسامه مأزره و خرجت، لتدرك سلمى ان ما كنته من مشاعر لفارس ما كان سوى رغبه منها بتكوينها، ما احسته برؤيته كان لانها ارادت ان تشعر به، ما تمنته بجواره كان لانها اختارت ان تتمنى، و في الحب الحقيقى لا يوجد رغبه، اراده او اختيار و كان هذا الاثبات الثالث و المؤكد بان مشاعرها تجاه فارس لم تكن حقيقيه بل مؤقته و متى ما رغبت، ارادت و اختارت سوف تتخلى عنها كما كونتها.

ضجه، فستان زفاف، تصفيق و الحان صاخبه، اجتمعت عائله مازن هناك لاجل عقد القران على ابنه خاله، عقد قران فقط في حضره الجميع و لا حفل زفاف بعد هذا لماذا لان والدها لا يريد.
و جلست العروس بغرفتها تعبر عن مدى حزنها لما يفعله ابيها، لتواسيها والدتها و تخبرها ان هذا امر محتم بعدما صار منها او معها لا فارق.
تتزوج، شخص لا تعرفه جيدا و لا تتذكر حتى ملامحه و لكن والدها وافق و انتهى الامر.

طرقات على باب الغرفه، والدها و معه المأذون الذى اخذ توقيعها على عقد القران، يزداد الجمع حولها تهنيئا ثم يقل تدريجيا حتى لم يبقى سوى حنين و والدتها، لتحاول حنين اضفاء نوعا من المرح بكلمات عابثه لتضحك حياه و ان كانت لا تريد.
طرق استئذانا ثم طل مازن برأسه منتظرا سماحهم له بالدخول لتنهض حنين واقفه امامه مانعه دخوله ترتكز بذراعيها على خصرها هاتفه بشغب: تدفع كام و ادخلك!

ليستند هو على الجدار بجواره مفكرا قليلا قبل ان يغمزها بمشاكسه متمتما: هنادى لك فارس.
لتضحك بملأ صوتها مضيفه بمرح اكبر: و هيعمل ايه فارس بقى؟
ليهمس لها ضاحكا: شوفى انتِ بقى، و على فكره كان مستنيكِ في الاوضه التانيه.
لتتحرك من امامه مسرعه تتجاوزه هاتفه: طب مش تقول من بدرى.

ليتابعها بضحكه واسعه ثم يتقدم بهدوء لداخل الغرفه لترحب به والده زوجته قبل ان تتركهم راحله لتبدأ ابتسامته بالتلاشى رويدا قبل ان يلقى بقنبلته الموقوته و التى احرقته و حان الوقت لتحرقها معه: جوزك الاولانى طلقك ليه؟

- جوزك الاولانى طلقك ليه؟
رفعت عينها اليه بذهول من بدايه حديثه معها بقسوه هكذا و مع صمتها و الذى قدره هو مضيفا: اظن من حقي اسمع منك، رغم انه كان المفروض اعرف قبل ما اجى مش جوزك المصون اقصد طليقك هو اللي يعرفنى و لما اواجه خالى ماينكرش.
امتلئت عينها بدموعها خزيا لتهمس بأسى ساخر: شادى اللى قالك!
ليعقد حاجبيه بسخريه اكبر: هو اسمه شادي!

و مع سخريته و نظراته القاسيه تساقطت دموعها رغما عنها لا خزيا هذا المره و لكن خوفا ف رق قلبه لها آخذا نفسا عميقا مردفا بهدوء نسبى: اسمعى يا حياه، انا مايخصنيش اللي اتقال لا من سي شادي ده و لا من والدك انا عايز اسمع منك انتِ.
اغمضت عينها لحظات ثم رفعت يدها تزيل دموعها ناظره اليه بتوجس متسائله: هتصدقني و لا هتتهمني زي الكل!

اقترب بمقعده منها لينظر بعمق عينها قائلا بصدق: انا لو هتهم مكنتش سألت، خصوصا بعد ما اكتشفت ان مراتى كانت مطلقه من طليقها مش منها و لا من اهلى.
ارتجفت اصابعها لتهمس برجاء فلا طاقه لها على انهيار ها هنا او ربما ضربا مبرحا من يد اخرى: ممكن لما نوصل بيتك.

اومأ موافقا و هو يتذكر ما حدث اثناء مجيئه لهنا، عندما اوشك على الوصول للمنزل فوجئ بشخص لا يعرفه يقف امام سيارته ليضغط على المكابح بسرعه مهوله كادت تفقده السيطره و قبل ان يترجل ليرى اوقفته والدته ليتعجب منعها له و لكنه اصر و ترجل ليجد مفاجأه تنتظره و حقا كانت اخر ما يتوقع.
كلمات قصيره في جمله واحده جعلت دماؤه تغلى ربه الصون و العفاف اللي رايح تتجوزها مُستعمله و مش من جوزها لا دي كانت ملكيه عامه.

كان رده لكمه ليمنعه فارس من الاسترسال و عندما وصل لمنزل خاله علم ببقيه المفاجأه اولا زواجها السابق و الذى لا يعرف عنه شيئا و ثانيا مسأله الخوض في شرفها.
ثار فارس على والديه لاخفائهم مثل هذا الامر و الذى كان سيعرفه مازن ان آجلا او عاجلا و للعجب كان مازن من هدأه و وافق على اتمام الزواج و قرر تحمل مسئوليه الامر كامله.
لا تعرف كيف مضى الوقت لتجد نفسها معه امام باب منزلهم الجديد،.

صمت شملهم طوال الطريق، ملامحه لا تمنحها اى تخمين لما سيفعله، هدوءه يخيفها و لكنها متيقنه انه لن يسمح لها بالصمت و سيجبرها حتما على الافصاح عن كل شئ فأبسط حقوقه الان هو ان يعرف ماضى تلك التى اصبحت زوجته.
دلفت و مع كل خطوه تتسائل، ما ذنبها لتعيش ما تعيشه الان؟
ماذا فعلت لتُطعن بمثل ذاك السكين البارد الذى اودعه الجميع بجسدها كلا على حده؟

تعرف انه سيسألها عن الحقيقه و سينتظرها كامله و هي لن تكذب، و هو لن يرحم، و ان كان لا ذنب لها فلقد صدق الجميع ما قيل فيها فمن هو ليختلف عنهم؟
رفعت عينها تحدق بالمكان حولها، منزلها الجديد او ربما سجن جديد اخرجها من سجنها القديم بقيد الابوه لقيد الزوج و الذى ربما سيكون اشد قسوه.

اغلقت عينها تتنهد بعمق و عندما افترق جفنيها رأته امامها يطالبها بالجلوس و بمجرد ان اقترب منها خطوه تراجعت هى بعنف تصرخ: و الله معملتش حاجه، انا مليش دعوه و الله معملتش حاجه..
لتندفع دموعها تباعا على وجهها ليتراجع هو ذهولا بانتفاضتها يتابع حالتها الهائجه و هى تبرر براءتها من امر لا يعرفه قبل ان يتمالك دهشته متمتما بمحاوله لتهدئتها: اهدى يا حياه، انا بس عاوز اسمعك.

لترتجف عينها ناظره اليه بتوجس و هى تضم يديها لصدرها: و بعدها؟
اشاح مازن وجهه جانبا يتحكم في انفعالاته التى بعثرتها هى فا للمره الاولى يُوضع بمثل هذا الموضع ثم تحدث بهدوء يحاول جذبها لمنطقه الهدوء معه: انا وعدتك اني هسمعك و بعدين ه..
لتقاطعه صارخه و هى تتراجع عنه مجددا: هتضربنى!

اتسعت عين مازن و هم بالتحدث مدافعا عن نفسه فما الذى تهذى به هذه و عن اى ضرب تتحدث لقد جُنت و لكن همسها الخافت بحرقه بعدها اوضح: زيهم.
و تابعت التراجع عنه بتألم و كأنها تتوجع و لقد كانت بالفعل تتذكر كل ضربه تركت اثارها بجسدها من يد والدها عندما سألها بهدوء هو الاخر عما حدث لتنال ما نالته بعد الاجابه.

و لكنه ادركها ممسكا بيدها لتصاب بحاله غير طبيعيه من هيستريا محاوله التهرب مع توسلها ان يتركها مردده: بالله عليك سيبني انا مغلطتش، هو اللي اذاني، والله معملتش حاجه و الله.
ضرب، وجع، كدمات او صراخ!
لم تجد...
لا يوجد سوى دفء، احتواء، همس، احتضان و نبضات قلب.
قلبه!
وعت اخيرا انه يضمها مقيدا حركتها بذراعيه بقوه هامسا بكلمات لتهدأتها بحنان جارف شعرت به يحتوى انتفاضتها،.

لحظات و ابعدها عنه بعدما شعر بمقاومتها تنتهى ليدفعها بهدوء يُجلسها مانحا اياها كوب ماء بارد ثم جلس امامها ينظر لوجهها المتوتر قبل ان يميل عليها ممسكا بيدها مبتسما، ناظرا لوجهها الذي يطالع الارض و مازالت دموعها تنساب ثم قال بلين يحاول جعلها تتحكم في انفعالاتها مدركا ان الامر اكبر مما توقع: انا لو هأذيكِ مكنتش اتجوزتك، لكن الكلام اللي قاله انا لازم افهم معناه منك، و اقسم بالله لو ليكِ حق هجيبهولك، و لو غلطانه فعلا،.

صمت متعمدا لترفع هي وجهها بنظره راجيه فهمس امام عينها بنبره مطمئنه و ابتسامه حنونه و شعوره بواجبه تجاهها يزداد: يبقى غلط و انتهي و هندور ازاى نصلحه سوا.
يكذب..
هو فقط يستدرجها لتتحدث و ستفعل و لكنها متيقنه من ان حديثها سيؤذى كرامته و لن تجد ذلك الرجل الهادئ امامها الان.
اخذت نفسا عميقا و هى تسرد ما صار معها من بدايه الامر حتى نهايته.

لما جبت مجموع في ثانوى كنت فرحانه جدا انى هدخل طب زى خالتى نهال بس بابا رفض و قالى دراسه كتير لا حاولت معاه بس كان رفض قاطع، استسلمت لرغبته و قدمت في كليه ألسن بس طلبت من بابا اني ادرس بره الصعيد و لحسن حظى وافق، مع مرور الايام حبيت الكليه و بدأت ارسم مستقبلى، ازاى انجح، ابقي مترجمه مشهوره، اسافر بلاد كتير و اعمل دراسات بره و كنت مصممه اني احقق حلمى، لحد ما صادف في سنه دخل ليا دكتور صغير في السن كنا كلنا تقريبا معجبين بيه و بنستني محاضراته.

صمتت و نظرت اليه لتري ملامحه لعلها تتوقف و لكن لم يكن هناك اي تعبير ضائق او غاضب على وجهه فقط نظره مطمئنه و مترقبه لما بعد هذا.

كان حصل بينى و بينه كذا موقف و بدأت احس باهتمامه و كنت مبسوطه بيه جدا، طول السنه و انا بحس ان نظراته عليا بس انا كنت بتجنبه تماما، لحد اخر يوم في السنه وقفنى واعترف ليا بحبه على قد ما كنت فرحانه على قد ما كنت خايفه، اقسم لى انه ناوى يتقدم و انه مش بيلعب بس عايز يعرف رأيى علشان يتقدم بقلب جامد، و انا وقتها كنت حاسه انى فرحانه و وافقت و قال انه هيجي يتقدم و انا رجعت بلدنا و استنيته.

صمتت مجددا و عينها تلمع بالدموع و لعجبها وجدته محافظا على هدوئه لم يبد اى رد فعل او انفعال يخبرها ما الذى ينتظرها منه.

قبل ما الاجازه تنتهي بابا جه في يوم و قالى في عريس متقدم ليكِ، طبعا انا فرحت جدا و لانى كنت عارفه هو مين ادلعت زى البنات و قولت بلاش اسأله و اعمل ملهوفه، و قولتله لو حضرتك شايف انه كويس فانا معنديش مانع و حتى قولتله انا موافقه على قرارك و مرضتش اقابل العريس، بابا حدد معاه ميعاد الخطوبه و يوم خطوبتى اتفاجأت ان العريس مش عادل - الدكتور - لا دا شادى، حسيت وقتها ان دمى اتجمد في عروقى، و بكل شجاعه طلبت من بابا اكلمه على انفراد الاول، و من غبائى حكيت له كل حاجه و قولتله انه اكيد هيجى يتقدم و كان رده وقتها قلم فوقنى، قلم قالى ان محدش هيصدقك و محدش هيفهمك، و كان كذلك و اول سؤال سأله ليا اذا كنت غلطت معاه؟

تحشرج صوتها و دموعها تتساقط بهدوء على وجنتها، هدوء يتنافى تماما مع براكين الالم داخلها، كز اسنانه بضيق محاولا تجاهل كلمتها الاخيره ليحافظ على جموده، و يمتنع عن تخمين صدمتها بشك والدها بها و الذى لا يدرى كيف جال بخاطره حتى،
قاطع تفكيره و تحديقه المتمعن بها صوتها الهادئ مجددا و هى تكمل،.

طبعا بعد سؤاله ده قرر قرار مهم جدا، و هو ان اليوم ده مش هيبقى خطوبتى دا هيبقى كتب كتابي و انا طبعا مكنش ليا حق الاعتراض، و فعلا اتجوزت و سلمت للامر الواقع، اتعاملت مع شادى و حبيته، حبيته جدا و مكنتش ابدا اتخيل ان انا ممكن احب حد بالصوره دى، كان الامان اللى عمرى ما لقيته في بابا، كان اول حد و بقى اهم حد في حياتي، و فهمت وقتها ان تعلقي بعادل مكنش حب و فهمت معني انى احب فعلا او دا اللى انا اتوقعته، كنت سعيده جدا و كل يوم اشكر ربنا انه بابا غصبني على الجواز منه، و بعد ما رجعت الكليه كانت اخر سنه و بستعد بقي لفرحي قابلت دكتور عادل ارتبكت شويه و حاولت اتجاهله لكن هو اصر انه يتكلم معايا، اعتذر مني و قالى ان والدته توفت و مقدرش يجى و حلف انه ناوى يتقدم ليا في الاجازه الجايه بس انا بكل ثقه و فرحه رفعت ايدي له و قولت له انى اتجوزت، سكت ثوانى و بعدين ابتسم بهدوء و قالى جمله واحده - اتمنى من ربنا يسعدك دائما - و مقابلتوش تانى و سمعت بعدها انه سافر بره، خلصت السنه و كنت بجهز اخر ترتيبات الفرح و انا اسعد بنت في الدنيا و اتجمعت العيله و القرايب عندنا و قبل فرحى ب 3 ايام، كنت مع شادى بنجيب فستان الفرح كان بيعاملنى بأسلوب مختلف و لما سألته قالي مفيش، طلب منى اروح معاه اشوف شقتنا علشان اتأكد انها جاهزه، رفضت، هو واقفني و معترضش و احنا مروحين،.

صمتت بملامح منكمشه وهى تتذكر ما فعله، قاله و ما عانته بدايه من ذلك اليوم حتى هذا اليوم بل هذه الساعه و هى تقص ما حدث لزوجها الجديد،
عقد حاجبيه يتابع ملامحها و تنفسها الغير منتظم و هى تحرك عينيها يمينا و يسارا عده مرات حتى اغلقتها لتتساقط دموعها ببطء على وجنتيها و هى تردف بحسره،.

و احنا مروحين وقف في شارع مقطوع و نزلنى من العربيه بعنف لاول مره اشوفه فيه، و حاول يعتدى عليا و انا بكل قوتى بحاول ابعده عنى، بس صدمنى اللى قاله اكتر من اللى بيعمله و هو بيصرخ و يضربنى ازاى تخونينى استغربت ليه قال كده؟! و ليه بيعمل كده؟! لحد ما ضربته بحجر جنبي و هربت منه، رجعت بيتنا و انا ماسكه هدومي و طبعا بلدنا كلها كانت بتتفرج عليا و لما دخلت البيت قبل ما انطق بحرف لقيت بابا نازل فيا ضرب بدون رحمه، ماما حاولت تمنعه لكن مقدرتش وهو كان بيقول كمان جمله واحده - جبتيلي العار - انتهي بيا الوضع في المستشفي، فقدت الوعي ايام و اتمنيت انى مفوقش ابدا، طبعا شادي طلقني و بابا حابسني في البيت ومنعني اكمل تحقيق حلمى بأنى اشتغل و اسافر، و كل تفكيره اني بعت شرفى و شرفه، و اول واحد جه على باله هو الدكتور اللي انا كنت عايزاه وهو موافقش على جوازنا، علشان كده عجل بجوازي منك و بدون فرح علشان شايف اني فضيحه لازم حد يتستر عليها، و من يومها لحد النهارده مش مصدقني، وانا لحد النهارده معرفش ليه ده كله حصل!

انهت كلامها و هى تبكى خزيا، خوفا و قهرا على ما تعيشه بلا ذنب منها، و مع حركته ناهضا ليقترب منها اعتدلت تغطى وجهها و تضم جسدها خوفا من بطشه بها كما فعل من قبله و تصرخ بذعر: و الله مغلطتش، و الله محدش قرب منى، و ال...
قاطعها محتويا اياها بذراعيه لتشهق و هى تنتفض قبل ان تبدأ بالارتخاء و هي تشعر بدفء حضنه مجددا و هذه المره بقوه اكبر كأنه يخبرها انه لا حاجه لها ان تخاف،.

هي لم تعرف هذا الدفء من قبل، دفء اشبه بقطرات مطر على ارض شديده الجفاف،
و رغم انها لم تراه من مده طويله و تعاملهم لم يكن معتاد الا انها لسببا ما لم تكن خجلى،
ربما لان بعض الاحضان رغم غربتها وطن و هكذ كان حضنه،
اشبه بوطن للاجئ لا يعرف ارضا له، وطنا لمهاجر شعر بالخزى بوطنه الاصلى، وطنا لقلبها الذى طالما تلوى قهرا بغربه حضن ابيها.

ورغم دموعها المنهمره اتسعت شفتاها بابتسامه احس بها هو فأبعدها محاوطا وجهها بكفه هامسا بنبره ادخلت على قلبها السكينه مخبره اياها انه ربما يكون الامان الذى طالما بحثت عنه: مش عايزك تشيلى هم حاجه، انا جنبك و هفضل جنبك، و اوعدك اني اساعدك تاخدي حقك،
صمت لحظات يراقب ما ارتسم بعينها من فرط امتنانها ثم ابتسم بهدوء مردفا بثقه و قد عقد النيه على تنفيذ ما ينتويه: و تحققى حلمك.

صدقها و لم يجد بقلبه او عقله ادنى شك بها،
هو لا يراها كزوجه له و لكنه تيقن انها بحاجه له كوتد يعيد لها حياتها او ربما يساعدها فقط.
جلس ممسكا بيدها ليصرح بما يكنه و كما كانت معه بكامل صدقها سيفعل هو المثل، و ترجم تفكيره بكلمات قليله: طالما بدأنا علاقتنا بالصراحه انا لازم اعرفك حاجه تخصنى...

اومأت فتنهد لحظه اردف بوضوح بعدها: انا كنت بحب واحده بس اراده ربنا كانت غير ارادتى، صدقينى انا هحاول اقدم ليكِ كل اللى اقدر عليه الا انى اح...
قاطعته و على ما يبدو ان كلامه اراحها على عكس ما توقع: انا مش عاوزه حب، انا محتاجه أمان، ثقه، محتاجه احترام و بس يا مازن، ثم ان صراحتك معايا كفايه و صدقنى لو قلبك حب تانى انا متأكده انك تستاهل واحده احسن منى كتير، واحده تقدر تقدملك الحب.

و مع ردها اطمئن قلبه فابتسم و بدالته هى اياها بابتسامه اوسع، فربما لا تربطهم الان عاطفه زوج و زوجه، و لكن يربطهما بالتأكيد عاطفه احتياج.
رفض كلا منهما الحب و لكن ربما يكن كلاهما الحياه لقلب الاخر، من يدرى؟!

و انتِ يا حيلتى و حياتى و محاولاتى لا استطيع الا ان احبك.
اقتباس
ابتسامه صغيره، تركيز تام و حواس موجهه تماما تجاه ما يمنحها اياه هذا الكتاب من احساس، طرقات خفيفه، اخرجتها من شرودها، دخوله، مشاكسته المعتاده، ضحكتها ثم امسك بيدها جاذبا اياها خلفه و هو يقول: عندى ليكِ مفاجأه.
لتتوقف جنه مسرعه و تعتدل لتقابله و عينها تلمع بفرحه طفوليه و هى تتسائل: ايه هى؟!

و لم يجبها بل اردف بأمر اخر: و في المقابل هتسيبى نفسك ليا النهارده؟
عقده حاجب، تحديق للحظات ثم استفسار خالف توقعه بالرفض: اعتبر ان دا شرط؟
و راقه تجاوزها للامر ليقترب منها هامسا ببحه رجوليه لها تأثيرها الخاص على قلبها: لا، أمر.
لتعض هى باطن وجنتها آخذه نفسا عميقا تهتف بحنق: ماتعرفش تكمل حاجه حلوه للاخر ابدا!
لتتسع ابتسامته غامزا بمكر متسائلا: لو ما بتحبيش كده بلاش منه،.

لتقاطعه متخذه موضعه بالمراوغه و هى تنظر للاعلى تحرك عينها يمينا و يسارا مدعيه التفكير قبل ان تهمهم مضيفه بهمس: لا بحب.
و رغما عنه او ربما برغبته تاه مجددا بابريقها العسلى، تلك الملكه التي تربعت على عرش قلبه الذي لم يعرف و لن يعرف الحب إلى بها و معها!
و مع محاوطتها بحصونه السوداء فقدت كل دفاعها لتتحدث عينها برغم صمتها فأى كلام يُقال الان لتصف احساسها و خاصه به،.

احساس بدأ بخوف ليتملكها بعدها امان لا تعرفه الا معه و ربما هذا ما تخافه،
احساس بدأ بكرهها له لينتفض قلبها بحب لم تكن تتوقع ان تعرفه يوما و من المحتمل ان هذا ما يصيب قلبها بذعر لا تستطيع التخلى عنه،
احساس بدأ بشعورها كجاريه له و انتهي بها ملكه متوجه على عرش قلبه و من المؤكد ان هذا ما يبعدها عنه،
هو كل ما تتمني، بكل ما فيه، غضبه، حنانه، قسوته، حبه و حتى تجاهله،.

تحبه بل تكاد تجزم انها لا تستطيع العيش بدونه،
قلبها يريده و عقلها يعاتبها عقد لسانها عن قول ما يرغب بسامعه و ترغب هى بقوله.
تعلم انه يحبها و بجنون و كيف يمكن ان يكون عشق ابن الحصري ان لم يكن جنون!
و لكنها ايضا تعلم ان ما يمنعه عنها، هي نفسها،
ما فعلته في الماضي و ما القته بوجهه من كلمات تغضبه، تعلم تمام العلم انه لم ينساها و لن يفعل،.

و تعلم انها لو ظلت على صمتها لن يتحدث هو ابدا، و لن يُقبل على الاقتراب مجددا،
هو بالتأكيد يعشقها و لكن كبريائه يمنعه الاقتراب، الاعتراف، و المطالبه.
و هي من وضعت كبريائه بينهما.
توقف بها امام باب غرفتها قبل ان يفتحها بهدوء لتنظر هى للداخل قبل ان تصرخ بسعاده: داده زهره.

و نال ما رغب به عندما منحته نظره ممتنه و ان لم تتحدث، نظره اخبرتها انه للمره التى لا تذكر عددها اسعدها ليغلق الباب اخيرا تاركا اياها مع والدتها الثانيه.
حديث طويل، اطمئنان، تعبير مطلق على السعاده، قبل ان تترك زهره المرح جانبا لتحاول معرفه كيف تعيش الصغيره في وضعها الجديد و التى اخبرتها من قبل انه وضع اجبارى لم ترغبه و لم تختاره،.

طال الحديث و طال العتاب لتحاول جنه رؤيه الامور بالمنظور التى دفعتها اليه زهره و لكنها استصعبته،
و لم يهدئها الحديث بل زادها حيره و تشتت عندما رأت الصوره كامله،
هو من يفعل، هو من يُقدم، هو من يحاول، فقط هو، اما هي فلا شئ يُذكر!

و لتتمكن زهره من توضيح جُل ما بخاطرها، بدأت بسرد علاقتها بزوجها الراحل، كيف كان يحبها، يسعدها، يغدقها بحنانه و اهتمامه اللامشروط، اما هى فكانت فقط و فقط زوجه، و انهت حديثها بما قاله لها يوم وفاته و هو طريح الفراش اتمنيت اوصل لقلبك زى ما انتِ ملكتِ قلبى بس للاسف عمرى مش كفايه لقلبك الغالى يا زهرتى، انتِ كنتِ ليا زوجه بس و انا كان كل ما فيا ليكِ.

و صمتت و سريعا ما اتجهت بحوارها بعيدا و لكن ما زالت جنه عالقه هناك و يبدو انها ستظل طويلا،
انتهى اليوم و حان وقت رحيل زهره و قبل ان تغادر استندت بكفها على كتف عاصم لتهمس باصرار: اللى بيحب الجنه بيعافر علشان يوصلها، قلبها ضعيف و خايف بس انا متأكده انك هتقدر توصله او يمكن قدرت فعلا.
و تركته دون توضيح ليتردد حديثها بأذنه عده مرات قبل ان يعود لطبيعته و جنه تهتف امامه بابتسامه واسعه: موافقه.

ليرفع احدى حاجبيه متسائلا عن مقصدها لتردف ببساطه لا تدرك تأثيرها على قلبه: شبيك لبيك تحت امرك و بين ايدك.
و ضحكه مدلله جعلته يطالعها قليلا قبل ان يطالبها بالتجهز للخروج معا.

و يبدو ان مفاجأته لم تنتهى، انطلق بها في طريق سفر، لم تدرى وجهتهم و في الواقع لم تأبه بل كانت فقط تفكر في كيف تتخلى عن حذرها معه لتمنحه نفسها، عقلها، قلبها و حبها كاملا و هى تدرك تمام الادراك ان فعل هذا مع ابن الحصرى سيكون اصعب ما تواجهه بحياتها.
و اخيرا توقف لتتطلع حولها لتشهق معاوده النظر اليه صارخه: المزرعه!
ثم تراجع حماسها قليلا و هى تخمن ما ينتويه: احنا هنعمل ايه هنا؟

و استشف من صوتها قلقها، و لم يكن بالعصيب عليه ان يخمن ما خمنته هى فابتسم متجاهلا ما انتابه من غضب و هو يرى استمراريه اصرارها على رفضه مترجلا من السياره ليخرج ما احضره من اغراض معه لا تدرى هى متى جهزها كما لو كان متيقن من قبولها عرضه.

دلف و تبعته هى متوجسه خفيه من ان يكون اليوم هو الحد الفاصل لعلاقتهم السابقه المهمشه و التى لم تستطيع منحها اسم يليق بها، و علاقه جديده تجمع ابن الحصرى بحرمه بوضوح و صراحه و غلق تام لدفاتر ماضٍ يؤذيها اكثر مما تتحمل، و صدقا تراقص قلبها شغفا لكونه جعل الامور اسهل بكثير مما كانت تتوقع،
توقف اامام غرفه و تمتم بابتسامه هادئه تحمل بعض الخبث الذى ميزته في ابتسامته و ان لم تفهم سببه: غيرى هدومك.

وافقته و فعلت و بعض ان انتهت من ارتداء ما احضره نظرت لنفسها لتتسع عينها بذهول و هى تنتفض مع طرقاته على باب الغرفه لتهتف بحرج: انا مش هعرف اخرج كده.
و مستندا على بابها داعب جانب فمه باستمتاع، فهو تعمد اختيار ثوبا يروقه هو لا يناسبها هى و قال بنبره يدري تأثيرها عليها: ليه يا جنتى؟
و صوتها اكثر ترددا كان الاجابه: كده.
و مع حركه المقبض استندت بكامل جسدها تمنع دخوله صارخه: لا،.

ليصلها صوت ضحكته و هو يدفع الباب الذي تعترضه بجسدها ليفتحه قليلا: اسمعى الكلام بس،
صرخت مجددا و هي تحاول منعه من دفع الباب بكل ما اوتيت من قوه: لا يا عاصم،
تعالت ضحكته لتضرب هى جبينها بخجل اشعل وجنتيها، و بقوه نسبيه دفع الباب و مد يده ممسكا يدها ليجذبها للخارج ليطالعها من اعلى لاسفل بنظره متفحصه زادت خجلها قبل ان يتلاعب بسلساله على عنقها متمتما: ما احنا حلوين اهه، مش عاوزه تخرجى ليه بقى!

تركها و دلف للغرفه لحظات ثم عاد و قام بجمع خصلاتها البندقيه رافعا اياها لاعلى ليثبتها بمشبك ليتضح له عنقها بصوره افضل قبل ان يلامس جيدها مجددا متتبعا سلسالها و كم كان يتمنى لو كانت شفتيه محل انامله الان و لكن لا لم يحن الوقت بعد.

و لم تدرى ما اوقفه و لكنه جذبها معه للمطبخ مشيرا على بعض الاعراض التى وضعها اعلى الطاوله الرخاميه و تمتم بعنجهيه تناسب كلماته: انا جعان، و لاول مره في حياتي كلها هتنازل و هقف معاكِ و انتِ بتحضرى الاكل.
لتتسع عينها قليلا مع نظره يملأها الغيظ و هى تهتف بمرح ساخر: جاى على نفسك قوى، دا شرف كبير ليا يا سياده النقيب.
ابتسم بغرور هاتفا بصرامه تليق بابن الحصري: بس اتمني يكون الاكل عند حسن ظنى و الا..

لتضع يدها بخصرها تميل في وقفتها قليلا بتحدٍ رافعه احدي حاجبيها مردده خلفه و ابتسامه صغيره تلون جانب شفتيها: و الا؟
نظر اليها قليلا و هو يجد بنظراتها ثقه قله ما يراها ثم مال بجذعه عليها و همس محدقا بابريقها العسلى وثقته تفوق ثقتها كثيرا: هاكلك انتِ.

ارتجفت عينها للرد قبل ان تضحك ضحكه قصيره و هى تبتعد عنه ليقفز هو جالسا على الطاوله الرخاميه، بدأت تعد الطعام، حركه هنا و هناك و هو وظيفته الوحيده مشاغبتها و ربما، مراقبتها و الاستمتاع.
ترك الملعقه بعد انتهائه من تناول الطعام و لن ينكر انها كانت عند حسن ظنه و اكثر فوجدها تشير على الطعام و تسائلت و على وجهها ابتسامه ساخطه و كأنها تتعمد اثاره غضبه و استفزازه: اتمنى يكون سمو الملك راضى عن الخدمه؟

و لم تجد اجابه سوى ضحكات عاليه لتتعالى ضحكتها معه و هى تخفى عينها عنه فنهض ممسكا يدها دافعا اياهاا للغرفه مره اخرى: هتلاقى فستان على السرير، البسيه و تعالى.

و لم يمنحها الفرصه للاعتراض و تركها و خرج، لترتدى ما احضره لها و تخرج ليراقب جمالها قليلا قبل ان يجذبها لصاله المنزل، ليتركها لحظات و يعود و قد ارتفع صوت موسيقى كلاسيكيه في المكان ليمد يده لها بابتسامه خاطفه لقلبها الذى لا يصدق انها تعيش ما تعيشه الان كما لو كانت تحلم: تسمحي لى بالرقصه دى؟
حدقت بيده لا تصدق ثم عيناه التى تنتظر موافقتها لتترك كفها براحه بين يده ليجذبها بخفه لصدره معانقا خصرها،.

و كالعاده الصمت يلف كلاهما،
ما الذى يساويه الكون كله مقابل وجودها بين يديه، ما الذى تتمناه اكثر من اندماج انفاسهم معا، اى كلام يعبر و قلبها قريب من قلبه و اى سعاده تطلب و عينها تراه.
ضحكه ساخره باعماق قلبه، هو يحبها، نقطه و انتهى كل شئ،
هى صارت معه، له، جزء منه بل هى كله،
هو مريض بها مرضا لن يُكتب له الشفاء منه ابدا،.

فان كانت كل النساء مياه فوحدها اميرته زمزم و ان كان كل الرجال ظمآي فوحده بحبها - و ان كان ناقصا - المرتوى.
استندت بأنفها على مقدمه كتفه تتسائل بهمس: تعتقد ان ممكن الانسان يلاقى فرحه تقدر تنسيه اى حزن عاشه قبل كده.
لينظر للفراغ قليلا قبل ان يجيبها بثبات و ثقه: لا معتقدش، انا متأكد، لان محدش بيعرف معنى الفرح الا لو عرف معنى الحزن.

و تحاول هى اخباره بما يثقل عليها اردفت و هى تقترب بجسدها منه اكثر: و لو الانسان دا خايف من الفرحه؟
و ادرك انها تتحدث عن ذاتها و خوفها منه و ربما عدم رغبتها و اسفا ادراكه لم يكن بمحله اغلق عينه و هو يجيبها ببساطه اصابتها بالذهول: يبقى مايستحقش.
لتضغط بيدها لااراديا على عنقه فأردف و قد اخبره قلبه بحاجتها للاطمئنان و ان كان منه: و ممكن يخسر،.

و صمت لحظه و اضاف متنهدا: و ممكن يفوز بفرحه اكبر لو دافع عنها،
و ابعدها عنه ينظر لعينها مبتسما متجاوزا كل ما يجول بقلبه: ليست المطالب بالتمنى.

طالعت عينه و التى اخبرتها انه بالفعل يرغب منها بالمزيد و لكن حيرته بين قلبه و الذى اعترف منذ زمن بحبه، يعترف كل يوم و سيعترف كل دقيقه، و بين عقله الذى منعه التقدم، مبادئه التى حالت بينه و بين قلبها، و الاسوء كبريائه الذى يذكره بنفورها منه، بكرهها للمساته، بكلماتها التى قللت من شأنه، كبريائه الذى لن يتنازل عنه حتى من اجل قلبه او قلبها.

ابتسم بتكلف منهيا ساحريه الليله بعدما كان على وشك التقدم عوضا عن الخطوه خطوات: يلا نتحرك الوقت اتأخر و اللى في البيت هيقلقوا...
و قد كان.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة