قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الثالث والعشرون

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الثالث والعشرون

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الثالث والعشرون

راهنت عليه بكل ما تملك و اغلى ما تملك، و ربحت.
حذرها الجميع، شقيقها، مازن و اكرم مدعين معرفتهم بزوجها و كم تشاء ان تعود فقط لتخبرهم انهم لم يعرفوه يوما.
ما الذى قد تتمناه المرأه اكثر مما يمنحها اياه معتز.
دلال، اهتمام، احترام، سعاده و حب.
افاقها من شرودها به صوته الخافت يطالبها: يلا نرجع انا بردت.

حدقت به قليلا قبل ان تتسائل و هى ترى الاعياء باديا على ملامحه و كأنه يجاهد ليبقى عينيه مفتوحه: مالك يا معتز؟
و لم يجب فقط حاول النهوض مستندا عليها ليعودا للشاليه الخاص بالعائله، تسطح على الفراش و جسده يأن ارهاقا، وضعت يدها على جبينه لتصدمها حرارته المرتفعه لتهتف بقلق وضح جليا عليها: انا لازم اتصل بالدكتور.
امسك يدها متمتما: انا كويس هنام و هبقي كويس متقلقيش.

همت بالكلام معترضه و لكنه اغلق عينه مستكينا و هو يهمس: ماتتعبنيش اكتر يا هبه.
حاولت بقدر ما تستطيع اخفاض حرارته بكل السبل المتاحه و التى تعرفها و لكنها فشلت، فلم تجد بد و خرجت تبحث عن حل ربما في صيدليه مجاوره، اعطته ما نصحها به من دواء و انتظرت بجواره حتى يفيق، قلقه.

غفت على كتفه و لكن هذيانه الخفيض ايقظها فتحت عينها بسرعه وهي تحاول فهم كلماته المبعثره و لم تستطع تبين سوى كلمه واحده او بالاحرى اسم واحد: سالى.
عقدت حاجبيها باستغراب يصاحبه ضيق خفى و غيرة تنهش قلبها و عقلها يتوه في تساؤلاته.

من هذه ليهذي باسمها اثناء مرضه؟، ربما احدى مغامراته القديمه؟، و اذ ربما كانت حب حياته؟، و رغم كثره التساؤلات فالاجابه واضحه فعلى ابسط و اقل تقدير هى فتاه من ماضيه التى ظنت للحظه انها استطاعت محوه...
نفضت رأسها بقوه علها تخمد تساؤلاته التي باتت تؤرقها و تجعل قلبها يأن وجعا، و للاسف خوفا.
خوفا من انتهاء هذا الحلم بواقع مرير، خوفا من ان يكون تعلقه بها مجرد غطاء لوجع حب قديم، و هذا ما لن تتحمله ابدا.

رضيت هي بنصف حب و نصف احساس، لكنها ابدا لن ترضى بنصف قلب.
اما ان يكون لها و اما لا، لكن ان تشاركها غيرها في قلبه لن تتقبل هذا مهما حدث.
مرت الساعات عليها ينهشها عقلها تفكيرا و قلبها ألما و لكنها تناست كل هذا بمجرد ان بدأ بالاستيقاظ و قد انخفضت حرارته قليلا، ليجدها تشابك يدها بيده في حنان افتقدته حد اللاحدود ليشرق وجهه بابتسامه و هى تهتف باهتمام: حبيبى عامل ايه، احسن دلوقتى؟

ثم تمتمت بقلق حقيقى: كنت هموت من قلقى عليك.
نهض جالسا رافعا يدها مقبلا اياها بابتسامه خفيفه مجيبا اياها و قد قدر لها حقا اهتمامها: حقك عليا، انا تمام و زى الفل جدا، متقلقيش.

نهضت لتحضر له بعض ما يستطيع تناوله حتى انتهى مستمتعا بما تفعله من اجله و الذى لن يبالغ ان قال انه لم يشعر به من سنوات، حتى وجدها تنظر لساعه الغرفه لتقول و هى تنهض عنه تعبث بعده اغراض لتعود جالسه بجواره لتهتف بصرامه: و دلوقت جه وقت الدواء.
عقد حاجبيه متحدثا بتساؤل: دواء ايه؟ و جبتيه منين؟
تعجبت حده نبرته و لكنها اجابت ببساطه: من الصيدليه.

اعتدل اكثر دافعا الطعام من امامه و قد علت نبرته قليلا و هو يهتف و قد اخبرتها نبرته انها على وشك محاداه معه: احنا رجعنا تقريبا بعد نص الليل، عاوزه تقولى لى انك خرجتِ، قرب الفجر، لوحدك، في مكان متعرفيهوش، علشان تدورى على صيدليه و اللى مؤكد هيبقى فيها راجل في الوقت ده علشان تجيبى دواء؟
و مازالت تجيبه ببساطه اشعلت غضبه من لامبالاتها: اه عملت كده، و جبت الدواء و جيت.

و اردفت و قد لاحظت ان عقده حاجبيه تزداد: عملت كمادات و حاجه دافئه تشربها و حاولت اعمل كل اللى اعرفه بس حرارتك منزلتش و كان لازم اتصرف، ثم انى مش فاه...
قاطعها و هو يصرخ بها: مكنتش هموت لو استنيت للصبح، لكن واضح انك كنتِ عاوزه تخرجى نص الليل و ما صدقتِ بقى.

احتدت عينها هى الاخرى و هى تجيبه على وقاحته في الحديث معها كما تراها: اولا صوتك ميعلاش عليا كده تانى ابدا، ثاينا لازم تاخد بالك انت بتكلمنى ازاى و شغل التلميحات و القرف ده مش معايا انا يا معتز، فاهمنى!
و تركته و غابت عن نظره ربما لتتجنب عراك اطول معه و هى التى تشتعل غضبا و غيره ممن هلوس باسمها في مرضه و ها هو المعتوه يغار عليها من طبيب قصدته لقلقها عليه او هكذا اعتقدت.

بينما استند هو على الفراش و هو يزفر بعنف و قد ظهرت عروقه من فرط عصبيته، و لكن سرعان ما تهدل كتفيه و عقد حاجبيه يحاول فهم ما حدث،
غضب، عصبيه غير مبرره، انزعاج و صوت عالى و ما السبب حقا حقا لا يدرى.
ربما هو يقلق لاجلها و لكن شعوره يشمل امرا اقوى و اغرب و هو شعوره بغيرة!
عند هذا الخاطر عبث بخصلاته يتسائل أيغار عليها؟
يقولون دائما ان الغيرة محبه، فضحك بسخريه و هو ينفى الامر بداخله.

هو احب مره واحده و مازال يحبها و لكنه كان اضعف من الفوز بها، ما زال يشتاقها، يذكرها، يميل ليوم كان فيه امامه، لعينها، لحديثها، لما عاشه معها، فما شأنه الان بالحب، هراء!
هبه بالنسبه اليه غيوم يُخفى خلفها الشمس التى طالما انارت قلبه و مازالت.

و رغم ذلك لن ينكر انه يقدرها، يحترمها، ينبهر بقوتها و ضعفها بين يديه، يحتاج اليها، و لكنه ابدا لا يحبها و خاصه انه يصدق انه غير قادر على الشعور بمثل تلك المشاعر مجددا.
استند برأسه على حافه الفراش مغلقا عينه و تلقائيا وجد نفسه يتذكر اليوم الاول الذى رأى فيه زوجته الحبيبه، يليها اول شعور برغبته بها، و اول قرار يتخذه بشأنها و كل لحظه كانت بها.

و ما يميزها بقلبه انها ام برداء زوجه، انها صوره رائعه من الجمال، الحنان و الانوثه ضغت على كل معاني الجمال لديه.

تعبها لاجله، اهتمامها به، سعادتها بمشاكسته، خجلها بين ذراعيها، قوتها التي يغلفها حب تصرخ به عينها، قدرتها الغريبه على ازاله قلقه و خوفه و الاهم مكانتها و التى شملت جزء لا يستطيع التغاضى عنه ابدا في حياته و ربما لهذا يغار لانها ملكه، تخصه و لن يسمح لها بالابتعاد لانه يريدها و حسب بدون ذكر سببا لذلك.

و مع تعهده لنفسه انه ابدا لن يتركها كانت هى تخشى لاول مره بحياتها، فما ظنته سهلا اصبح اكثر مما يمكنها تحمله،.

امرأه باستقلالها، وضوحها، صراحتها و قوه عقلها و تفكيرها لن تتحمل مزيدا من انتهاك قلبها و لن ترضى ابدا باستنزاف افكارها و خاصه انها للمره الاولى تخشى ان تخسر بل المره الاولى التى تضع بطريقها احتمال الفشل و لا تدرى لماذا و لكنها تشعر به وشيكا و تحديدا بعد ان شتت ذلك الهذيان تفكيرها، و لن تهدأ حتى تعرف من هى سالى و لكنها تدرك انها لن تخاطر بسؤاله ربما لانها بالفعل تخشى الاجابه.

- قولت مليون مره بلاش تمشى من الطريق ده بالليل يا سلمى.
صرخت بها ليلى و هى تهاتف سلمى اثناء عودتها من الشركه لتضحك سلمى بالمقابل و هى تسخر هاتفه: مش هيطلع لى عفريت يا ماما، المهم اعدى عليكِ نروح سوا و لا اسبقك على البيت؟
طرقات خافته ثم استئذان بالدخول، جلس امجد بانتظار ليلى لانهاء مكالمتها بينما اردفت ليلى لتلك العنيده: لا روحى انتِ، انا لسه قدامى شويه.

انقطاع الصوت، شهقه حاده و صوت توقف السياره و الذى جعل ليلى تصرخ بفزع: سلمى انتِ كويسه، الو الو
اعتدلت سلمى لتنظر لتلك السياره التى توقفت امامها مباشره و اجابت بتوتر: كويسه، بس في...

لتصمت مترقبه ذلك الرجل الذى ترجل مقتربا منها، طرقات على زجاج السياره، و عندما حاولت التحدث لوالدتها التى ظلت تصرخ باسمها صرخه عاليه منعتها و هو يكسر الزجاج، لتنحنى سلمى محاوله الابتعاد ليصلها صوت امجد هذا المره لتهتف قبل ان يسقط الهاتف منها: الحقنى يا امجد،.

اقترب الرجل ممسكا اياها من حجابها مقربا وجنتها لاحدى قطع الزجاج العالقه لتصرخ بألم و هو يهمس بصوت قوى: دكتور امجد، هتفركشى معاه و الجوازه مش هتم، ايه السبب؟ انى مش هسمح لك تعيشى حياتك، و ايه السبب برده؟ مايشغلكيش انا عبد المأمور، المره دى هكتفى بتحذير المره الجايه، الله اعلم.

استمع امجد لما قيل، فأخذ نفسا عميقا ناظره لليلى متسائلا عن مكان سلمى لتخبره ليخرج من المشفى محاولا الوصول اليها بأسرع ما يمكنه و بيده هاتف ليلى يسمع كل ما يقال و يقتله صوت صراخها، بكائها و توسلها لتركها.

قرب وجهها من الزجاج اكثر لتسيل الدماء على زجاج سيارتها مع انقطاع انفاسها من شده صراخها و توترها و هو يردف بضحكه ساخره: عندى فضول اعرف السبب ليه عائلتك بالذات اللى عليهم توصيه جامده كده، محبوبين قوى، بس للاسف مش هعرف، يلا مش مهم.
ضغط وجهها اكثر مضيفا: انسى فكره الجواز و اقعدى في بيتكم لو لسه باقيه على روحك، وجود راجل في حياتك هيقرفنى، فاهمه؟

و ضغط اقوى ثم دفع برأسها للداخل راحلا لسيارته و لحظات و لم تراه امامها، درات عينها يمينا و يسارا بارتجافه و لم تدرى ما حدث بعد ذلك.

فتحت عينها بهدوء، لترى ليلى امامها تبكى خوفا، نهضت جالسه لتضع يدها على وجنتها تشعر بخدر لا تعلم سببه، ومضات اضاءت لها ما واجهته مأخرا لتبدأ دموعها بالانهمار رغما عنها لتحتضنها ليلى محاوله تهدأتها فيما بالخارج جلس كلا من عز و عاصم و امجد يحاولون فهم ما حدث و ما سببه و من يجرأ على فعل هذا و لم الان و ما الهدف و خاصه بعد ان استمع الجميع للمكالمه التى سُجلت على هاتف ليلى.

تهديد صريح و واضح للعائله بأكملها، و هذا ما سبب لعز نوعا من القلق على ابنتيه و زوجته خاصه.
تحفز امجد و هو يرى قلق عز مقررا مشاركته به: انا مش هتخلى عن سلمى مهما حصل.
ابتسم عز و قد ادرك لاول مره ان طفلتيه حقا نقاط ضعفه، مقدرا لامجد موقفه و لكنه تمتم: انا مقدر جدا اهتمامك يا امجد بس الموضوع له ابعاد تانيه اه دى اول مره بس من الواضح انها مش هتبقى الاخيره و علشان كده انت من حقك..

قاطعه امجد هاتفا بحسم و ثقه: انا اسف على المقاطعه بس انا مش هبعد عن الانسانه اللى اخترتها شريكه لحياتى لمجرد تهديد عبيط، ثم انه قال ان وجود راجل في حياتها هيقرفه معنى كده ان وجودى نوعا ما حمايه ليها.
هم عاصم بالانفعال فلقد طال صمته و هذا ليس من طباعه اطلاقا: دا على اساس انى مش هقدر احمى اختى مثلا!

التفت اليه امجد مردفا بهدوء يميزه دائما: لا انا و لا انت قدرنا نحميها النهارده يا عاصم بس اللى انا عاوز اوصله ان من يوم ما اخترت سلمى و دخلت البيت ده و قولت انا عاوز الانسانه دى تبقى مراتى و تشاركنى حياتى انا اخدت عهد على نفسى انى ابقى جنبها مهما حصل و انى هكون سندها و حمايتها لو تطلب الامر، مش بقلل منك او من والدها لكن انا حاسس انى مسئول عنها و من واجبى انى ابقى معاها.

و بغير العاده الرد اعجبه بل و رأى فيه نفسه عندما احس سابقا بمسئوليته تجاه جنه رغم انها كانت بنظره مجرد خادمه لشقيقته، وللعجب صمت منتظرا رد والده.
تابع عز الحوار و عاود حديثه: احنا مانعرفش مين اللى بيعمل كده و لا ايه السبب، هل اعداء لعاصم علشان شغله و لا ليا علشان الشركه بس من الواضح انه قاصد اللى بيقوله كويس، خد وقتك في التفكير و قرارك كلنا هنحترمه.

ليحدق امجد بعينه بقوه مردفا: انا مش محتاج افكر، الاحساس اللى حسيته لما شوفت سلمى في الوضع ده مش هتحمله تانى، و اى كان الشخص ده انا هقف جنب خطيبتى و مش هتنازل عن ده ابدا.
ثم صمت قليلا مضيفا: و لو تسمح لينا، انا بتمنى توافقنى اننا نكتب الكتاب انا عارف انه بدرى قوى على طلب زى ده بس حضرتك عارف انى مش هقدر ابقى جنبها فعلا غير كده واتمنى كمان الفرح يبقى مع فرح اختها لو مش هيعترضوا طبعا.

ضحك عز من انفعاله الواضح جليا على وجهه، لحظات صمت، تفكير قاسى، ثم قرار مؤقت: مبدأيا انا معنديش مشكله، انا واثق فيك و بثق في رأى ليلى و حكمها على الناس جدا و علشان كده انا هعرض الموضوع على سلمى و ابلغك بقرارنا الاخير.

و كان اقناعها اشبه بمحاوله انتحار و لكنها وافقت و ها هى الان تجلس بجواره بعد ان تم عقد قرانهم لتجده يهمس بأذنها يقطع شرودها: مبروك عليا انتِ.
نظرت اليه ليقرأ هو عينها ببساطه فما تلقته من تهديد جعلها ترتعد و لكن ما وجوده بحياتها ان لم يطمئنها!
مد يده ممسكا يدها باحتواء جعلها تنظر اليه تاركه خوفها يشمل نظراتها تماما لتهمس: ليه بتعرض لنفسك لحاجه انت في غني عنها؟

تطلع لعينها قليلا مرسلا اليها امواج عاليه من مكنونات قلبه و استقبلت هي بحر عينه الهائج بها بتعجب فأكد هو تعجبها بتعجبه المماثل: انا مقضتش معاكِ وقت كافى يخلينى اقول انى بحبك بس تقدرى تقولي تعلق، تمسك، احساس قوى بانك جزء مني و شعور اقوى انى مستعد لاى حاجه غير انى ابعد عنك، مش عارف بالظبط!

ضغط كفها بكفه يزيدها اطمئنانا و اردف بثقه اثارت اعجابها بتمسكه بها: انا عمري ما كنت هعجل جوازنا لو مش متأكد انك انتِ اللي بدور عليها، انا مش صغير يا سلمى و مش لسه طايش و بختار بعشوائيه، و خطوه الجواز انا مدرك تماما انها مش سهله و مش كلمتين حلوين و شويه ورد، بس كمان مدرك كويس جدا انا محتاج ايه في شريكه حياتى و دا انا لقيته فيكِ، ازاى و امتى ماعرفش كل اللى اعرفه و شاكر ليه جدا ان الظروف جت في صفى.

و مازال الحوار من طرف واحد و لكنها كانت في اسعد لحظات حياتها و هى ترى مدى رغبته، تمسكه، و اصراره عليها و كأنها اول و اخر من اراد.
و لكن رغما عنها تخاف، جدا.
ان اصابه اى شئ بسببها لن تكون قادره على مسامحه نفسها اطلاقا.
اخذت نفس عميق ثم ابتلعت ريقها ببطء و اردفت بتساؤل خافت: مش هيجى يوم و تلومنى و تقول يا ريت؟

ابتسم باشراقه لم تُخفي عنها و همس امام عينها مباشره: انا اتعودت من صغرى اتحمل نتيجه قرارتى علشان كده عمري ما ندمت على حاجه عملتها حتى لو غلط، القرار انا اخدته و الاختيار كان ب ايدى و الفعل انا اللى عملته ف هندم ليه؟، و لو نفترض حصل و لومتك، عايزك بكل قوتك تقفي و تقولى لي هو كان حد ضربك على ايدك.
انطلقت ضحكتها ليخفق قلبه بشعور طالما انتظره و انتظره و ها هو يتملكه الان.

و سبحان من جعله يراها انثى بكل النساء، بعنفوانها، حبها للحياه، اشراقتها، و عنادها.
وواثق انها ستكون مميزه في عشقها و احتلالها لقلبه سيكون اسوء و اجمل احتلال.
في جانب القاعه تقف نجلاء التي بمجرد ان علمت عن اتمام الزيجه حتى اتت مهروله، هاتفت ذلك الاحمق الذي اكتفي بمجرد جرح بوجنتها، لماذا لم يجعله بعنقها، بل لماذا لم ينهي حياتها!
و الان تكاد هى تموت غضبا لسعادتها.

ولكن لهنا و كفى عبثا، لن تسمح بأن تضيع كل خططتها،
ابنتها البكماء تبدو السعاده واضحه على وجهها، و ابنها المصون اخذ زوجته لتقضي بالخارج شهر عسلها، كلٌ يعيش بسعاده و هذا ما لن تتحمله.
و الان ستمحي الحب و السعاده التى غلفت قلوب الجميع، مهما كلفها الامر، و حقا تعنى كل ما تحمله الكلمه من معنى.

كفي انتظارا و كفي تمهلا، من الان ستفعل كل ما بوسعها لتمحي الحاضر كما محت الماضي و كما ستمحي المستقبل، و كما لم يُكتب عليها ان تعيش بسعاده في ظل حبها، لن تدع احدهم يفعل،
ابتسامه جانبيه، توعد بأن تنهي كل هذا، و لن تتوقف الا بعد ان تخسر كل سندريلا اميرها،
ف بيدها الان ستكسر ذلك الحذاء الذى من شأنه جمعهم.

كما يأتى الحزن على حين غفله، احيانا يفاجئنا القدر بفرحه ربنا ظللنا طوال العمر ننتظرها،
فرحه توقعنا يوميا اننا لا نستحقها او ربما لسنا بمحظوظين كفايه لننالها،
و شئنا ام آبينا، كلاهما قدر و سنعيشه.

و ربما لم تكن تدرك ان اليوم هو يوم فرحتها، انهت عملها بالمكتب، استعدت للرحيل، خرجت و بمجرد ان تجاوزت عتبه غرفتها و جدت محمود يقف في منتصف الممر بيده ورده و على وجهه ابتسامه جعلتها تحملق به باستنكار و دهشه قبل ان تبتسم ببلاهه و هى تراه يقترب منها.
وقف امامها و اتسعت ابتسامته و هى يعاتبها بنبره مراوغه: كل ده شغل بقالى ساعه واقف هنا مستنيكِ.

تراجعت مها عنه خطوه و هى توضح بعينها استغرابها و الذى بدأ يتخذ مجرى القلق قليلاا، و لكن سرعان ما شهقت بصدمه و هى تراه ينخفض على ركبتيه و رفع يديه بالورده امامها متمتما بنبره داعب وتر احساسها و انوثتها لينتشى قلبها فرحا: مش عارف امتى و ازاى و ليه حصل، بس من يوم ما شوفتك و انا مش عارف ايه حصل، ليا، بستنى اشوفك، بتشاركينى احلامى، عرفتينى يعنى ايه حب، باختصار خطفتِ قلبى يا مها.

ابتلعت مها ريقها لا تستوعب ما يقوله و بأكثر الوجوه اشراقا و اكثر العيون نطقا بالاعجاب همس بشجن مس قلبها: مها انا بحبك، و نفسى تبقى جنبى طول العمر، تقبلى تتجوزينى؟
و الرد صمت، تعجب، و نبضات قلب تتراقص فرحا، قلقا و خوفا من مستقبل معا او ربما فشل هذا المستقبل.
و رغم انها رأت ما فعله مراهقه دراميه، الا انه ادهاشها، اسعدها و ايقظ ثقتها بأنوثتها.

و مع عجزها عن التحدث عبرت عينها عن الحزن لذلك، التقى هو مباشره ما يؤرقها فهتف في حزم: بدون كلام كتير انا عارف كل حاجه عنك، و راضي بيها و بحبها كمان،
ثم اضاف بمرح: و بعدين اذا كان اكثر حاجه بتكرها الرجاله في الستات مش عندك يبقى انتِ تستاهلي الحب و بس.
و رغم قوله اياها بنبره مرحه الا انها لا تدرى لما اصابت قلبها بغصه مؤلمه.

فهو بصنعه لطافه يخبرها انها ناقصه، راضيه هى بقضاء ربها و لكنها تخشي ان يأتي يوما و يندم على قراره و ندمه هذا سيذبحها ذبحا.
ايه اللي بيحصل هنا؟
انتفضت مها و هى ترى اكرم يتقدم منهم بخطوات شبه غاضبه مع سؤاله الحاد لتنتبه اخيرا ان الرواق فارغا الا منهما، لتسقط نظراتها ارضا خجلا.
بينما نهض محمود مبتسما بارتباك قائلا بسذاجه محاولا تفادى الامر بهدوء: غرضى شريف و الله يا بشمهندس.

نقل اكرم نظره بينهم حتى استقرت على مها و التى ارتبكت رافعه رأسها اليه لتتفاجئ بالغضب البادى بوضوح على وجهه لتتحرك مسرعه مغادره المكان، فيما التفت اكرم لمحمود هاتفا بحده: اعتقد لو حابب تتقدم لها يبقى تدخل بيت اهلها و الاولى انك تطلبها من ولى امرها.
تنحنح محمود قائلا بحرج و قد ضايقه تدخل اكرم الذى يفترض لا يعنيه الامر: انا كنت حابب اعرف رأيها الاول.

لتشتد حده اكرم و هو يرى في الامر اساءه لمها و عائلتها: يبقى تعرفه في بيتها مش في ممر فاضي من الموظفين في ساعه نهايه الشغل يا سياده المحامى، و احمد ربنا ان انا بس اللى شفت الكلام ده و الا كانت بقت سيرتها على كل لسان في الشركه.
اطرق محمود برأسه و ها هو يتعجب تصيد اكرم لاخطائه و التى يفعلها حقا دون قصد سابقا لهبه و الان لمها و تمتم و قد شعر ببعض الندم: انا اسف مكنتش اقصد كل ده.

و مازالت حدته لم تهدأ و رفع سبابته محذرا بحزم: مكان الشغل للشغل و بس، غير كده يبقى في بيتها قدام اهلها، بكرامتك و بكرامتها، بلاش شغل مراهقين.
و هم بالرحيل و لكنه استدار لمحمود مجددا متسائلا و قد تذكر حديث سابق له مع جنه: هي مش مها اكبر منك؟
نظر اليه محمود بدهشه لحظات ثم هتف بعدم استيعاب: اكبر منى! ازاي يعنى؟

عقد اكرم حاجبيه مردفا: اعتقد جنه كانت قالت مره ان مها في سن عاصم و طبيعى بما انها اخت معتز الكبيره.
بدهشه اكبر ردد: اخته الكبيره؟
مال اكرم عليه واضعا يده على كتفه و قد ادرك للتو ان محمود اهتم برأيها و لكنه غفل عن معرفه كل ما يخصها اولا: اتأكد من الموضوع ده لانه لو كده هيقابلك مشاكل كتير يا بطل.

السلطه، النفوذ، المال، امور اشبه بالممنوعات لخطوره ادمانها.
و هذا ما كانت تعانيه كوثر الان بعد ان هدم عاصم بنفوذه كل ما بنت و كل ما ارادت ان تبنيه.
تعيش حاله من الغضب الاعمى و الرغبه في الانتقام و استرجاع ما خسرته بسببه.

لم تعد حالتها الماديه تكفيها فاضطرت لارسال طفلتيها لابيهما بعد ان كانت تكره مجرد التفكير في ذلك، لم تعد حالتها الاجتماعيه تسمح بأن تعمل و تتعامل، و لم تعد حالتها النفسيه تمنحها الامان و الاطمئنان و التى طالما عاشت بهما.
و الان كل ما يعنيها هو العوده لسابق عهدها، قوتها، جبروتها، سلطتها و مالها.
اى كان الثمن و اى كان المقابل.
فلن تسمح ان تكون النهايه فوز تلك الفتاه بكل شئ، وخسارتها هي بالمقابل كل شئ.

و طالما تلك الضعيفه في عرين الاسد، ان حاولت هي الاقتراب لن تسلم من هجومه القاتل عليها.
رفعت يدها تتلمس جانب شفتها التي احتفظت بندبه اثر صفعته القاسية، لن تنسي له ما دامت حيه صفعته على وجهها، و ستردها اضعاف.
فقط ستنتظر متي يضعف، كيف، و ما الذي قد يضعفه!

اخذ الامر منه الكثير من الوقت ليراضيها، يعتذر و يحملها على مسامحته و بالطبع نجح فهى فلته.
استيقظ ليعتدل ناظرا اليها نائمه بجواره، يداعب وجنتها بعبث و على وجهه ابتسامه انتشاء.
لن يستطيع انكار انه اكثر من محظوظ لدخولها حياته، و كم يتمني ان تظل جواره لا تفارقه يوما، ان يظل حبها له يموج بعينها، و ان يظل قلبها ملكيه خاصه له.
امرأه بقوتها، و حنانها،
امرأه بشجاعتها، و خوفها،.

امرأه برقى عقلها، و رحمه قلبها،
بمعني ادق و اشمل هي امرأه فريده من نوعها.
امرأه يدرك تماما انها تستطيع ان تطرده من حياتها كما ادخلته بها.
و لكنه يعلم انها بأي ظرف كان لن تفعل،
فهي تعشقه عشق لا يطمس، تحبه حب لامشروط، تحيى به و تموت فيه،
فكيف لمن يحمل قلبها كل هذا الحب ان تفرط به يوما؟
هو متيقن تماما انه امتلك قلبها، عقلها و كل ما بها، و مدرك تماما انها لن تتركه ابدا الا بانتهاء حياتها.

اتسعت ابتسامته و هى تتملص من اصابعه التى ارقت نومها لتنهض ضاحكه مبتعده عن مرمى يده، و كعادته، مشاكسه، عبث و كلمات ملتويه و ضحكات عاليه بدأت يومها.
اتكأت على كتفه و هى تهمس باطمئنان: النهارده احسن؟
اومأ موافقا و هو يقبل رأسها لتعتدل هى مبعثره خصلاته دافعه اياه عن الفراش هاتفه: قوم خد شاور و فوق كده على ما احضر الفطار.
زمجر بطفوليه محببه اليها: انتِ عارفه اني بحب احضر الفطار معاكِ،.

ثم قربها اليه بمكر و هو يردف و فمه ينهل منها: بحب المطبخ، و اللى بتقف في المطبخ و اللى بعمله معاها في المطبخ.
صدعت ضحكتها تملأ الغرفه و هى تتملص من بين يديه هاربه ليبتعد بضحكه و هو يقول: 3 دقايق و هتلاقيني جنبك، استنينى.
ابتسمت بسخريه و هي تراه يركض ليأخذ ملابسه: معتز و 3 دقايق بس، دا انا بحس اوقات انك بتنام جوه.
قهقه عاليا صارخا و هو يتجه للمرحاض ركضا: انا و الدُش بينا قصه عشق متفهميهاش انتِ.

اغلق الباب بينما صرخت هي خلفه: لو اتأخرت هعمل الاكل و هاكل من غيرك كمان.
ثم استدارت ترتب الغرفه لحين خروجه، فهذا الرجل بكل ما يحمله من نواقص هو اكمل الرجال بعينها.
ارتفع رنين هاتفه لتنظر اليه لترى اسم والدته ينير الشاشه فابتسمت و فتحت الخط و بمجرد ان تحدثت هتفت نجلاء بحده: انتِ بتردى على تليفون معتز ليه، هو فين؟
تمالكت هبه غيظها و اجابتها: معتز مش جنبى دلوقت تحبى اقوله حاجه؟

زفره ضيق سرعان ما تحولت لضحكه خبيثه و قد جال بخاطرها فكره رائعه ستجعل فرحه عروس ابنها المبجله اسوء كوابيسها: ماشى يا عروسه لما يبقى جنبك خليه يكلمنى.
و اغلقت الخط بوجهها مما جعل هبه تزفر في غضب فحقا لم تعد تتحمل تلك المرأه، لقد طفح الكيل.

القت الهاتف على الفراش و همت بالخروج من الغرفه و لكن تفاجئت باتصال اخر و هذه المره من رقم غير مسجل، فتحت الخط وصلها صوت انثوى جعلها تعجز عن اخراج صوتها: ميزو، انت فين يا راجل مش ظاهر كده؟
تشنجت عضلات وجهها و وضعت يدها على قلبها كأنها تمنع ألم او ربما غضب، فعاد الصوت الانثوي يردد: ايه مش بترد ليه؟! اوعي تكون نسيت صوتى؟

جمعت هبه كل قوتها مستمعه لنداء عقلها لتعرف من هذه لتجد امامها الان فرصه لمعرفه مدي علاقاته و لا تدري لسوء ام لحسن حظها انها اتت اليها على طبق من فضه!
و متجاهله تماما نداء قلبها باغلاق الهاتف حتى لا تسمع ما يُوجعها، هاتفه بحده: انتِ مين؟
تعجب و استنكار من الصوت المقابل: اوووه، انتِ اللي مين! و تليفون معتز بيعمل ايه معاكِ؟

همت هبه بالصراخ في وجهها فتلك الشمطاء تسألها عن زوجها، و لكن هتاف الفتاه الخبيث اوقف كلامها بل و اوقف دقات قلبها ايضا و هى تهتف بفجر اصاب هبه بالجمود: اااه فهمت، انتِ الجو الجديد اللى شاغله عننا، بس غريبه مكنش بيفضل جنب واحده للصبح، واضح انك مميزه، عموما good luck و ابقى وصلى له سلامى.
اضطربت نبضاتها بقسوه و قلبها يترنح كذبيح بين ضلوعها.

لم يكن يظل للصباح اي ان سهراته كانت مساءً، و لا حاجه للتخيل عن ماذا كانت!
ابعدت الهاتف عن اذنها قاذفه اياه ارضا و رفعت يدها لتعتصر قلبها بألم طغي على كل ملامح وجهها.
لم تكن اول من يلمسها، لم تكن اول من يشاكسها، لم تكن اول ما غازلها بكلماته، و الان ادركت انها لم تكن الاولى بأى شئ كان.
وضعت يدها على رأسها تمنع استرسال عقلها في افكاره المهلكه و لكنه آبى.
ما كان فيه لم يكن استهتارا فقط، بل فُجر ومجون،.

هو لم يكن ضائعا، بل القي نفسه طواعيه بالضياع،
هو لم يحتوي نفسه، بل جعل من احضان النساء له بيوتا،
هي لا ينقصها قلبه فقط، بل كل ما فيه،
هى لا تحارب ضعفه فقط، بل تحاربه هو،
اختناق اصابها و قلبها يؤلمها، مع تساقط دموعها دون ان تتغير ملامحها المصدومه، و عقلها يلقيها على حافه الجنون.
هل كل مره كانت بين ذراعيه يرميها بكلمات غزل كان يكرر صور من الماضى!

هل كل مره احتضنته، قبلته و اخبرته بحبها كان يتذكر انه فعلها مع غيرها!
ابتسمت بسخريه لاذعه و دموعها تزداد انهمارا و هى تتخيل ان يأتى يوما لتقف امامها احداهن لتخبرها عما كان يفعله زوجها بل عمن يكون.
و عند هذا الخاطر أنت وجعا، و اى وجع!
فما تشعر به الان اصعب بكثير ما ان تصفه كلمات،
قهر، وجع، الم، خيانه، حقاره، نفور، كره، تشتت، ضياع و اخرها تماما اصرارا و قوه.

قاطع افكارها صوته المرح يهتف و هو يقترب منها: متأخرتش اهه يا فلتى.
رفعت رأسها اليه ليتعجب دموعها و فورا لاحظ هاتفه المُلقي على الارض فانخفض و امسكه يقلبه بيده باستغراب قبل ان يسألها مترقبا: مالك يا هبه؟

كانت تنظر اليه بنظرات ثاقبه غامضه، تتخيله يمرغ وجهه في عنق امرأه ما، تتخيل علامات احمر شفاه على جسده هنا و هناك، تتخيل امرأه ماجنه تتحرك بين يديه دلالاً و هو يغمرها بقبلاته، تتخيل ابتسامته المنتشيه وهو يراقب جسد احداهن.
تعجب نظراتها المتفحصه و ما زاده تعجبا نظراتها النافره المشمئزه قبل ان تنطلق منها الكلمات كسياط حاده لا ادرى على من منهما كانت اكثر صدمه و وجعا: كام واحده نامت في حضنك قبلى يا معتز؟

العائله هى الكنز الحقيقى الذى لا يفنى.
كارن أرمسترونغ.

دخوله للمنزل بعد جهده المبذول بالشركه اكثر ما يمنحه الراحه، وجد مازن والدته تجلس ارضا بيدها كتاب الله تقرأ فيه بهدوء نفسى و سكينه، حمحم كى لا يفزعها ثم جلس بجوارها يقبل يدها و دون كلمه القى برأسه على فخذها الايمن مغلقا عينه متيقنا ان كل ما يحمله من طاقه سلبيه مرهقه اسفل نعومه اصابعها على خصلاته ستختفى و قد كان، تنهد بحراره و هو يهمس بصدق: نفسى نرجع اطفال تانى.

ضحكه صغيره منها رسمت الضحكه على شفتيه ففرق جفنيه ناظرا اليها غامزا بمرح: ما تكلمينى عن طفولتى المتشرده شويه يا ماما.
ليأتيه الرد من الخلف و قد دلف فارس و والده للتو، حيث ركض فارس ليلقى بجسده خلاف اخيه ملقيا برأسه على فخذها الايسر فيما طوقها محمد بذراعيه من الخلف يضم كتفها لصدره و فارس يصرخ بشغف طفولى: ايوه ايوه، انا كمان عاوز اسمع.

وضعت كلتا يديها على صدرهما لترتوى بنبضات قلبيهما بينما استندت برأسها على كتف زوجها لتشعر في تلك اللحظه انها امتلكت سعاده الدنيا بل كل ما فيها.

ترقرقت الدموع بعينها لتتساقط تحتضن وجهها و هي تهمس بعاطفه لن يجدوها ابدا سوى معها، و في حضنها و الذى يشملهما بحنان ورثه كلاهما عنها: فارس كان فرحه عمرى، كان هادئ و مسالم دائما، يرجع كل يوم من المدرسه مضروب و اقوله مين بيعمل كده قولي و انا هشتكيه، يقولي حرام ماتشتكيش لاهله، كان يدخل من الباب يقعد جنبه يكتب واجبه كله وبعدين يقوم يغير هدومه و يصلي و يقعد يلعب بقي، و رغم انه كان هادئ بس كان بيطلع عينى.

قهقه فارس بشجن بينما اردف محمد: و ياما كان سبب الخناق بينى و بينها.
اعتدل فارس ناظرا اليه بفضول متسائلا و قد توقع الاجابه نوعا ما: ليه؟
ليهتف محمد بحنق و هو يتذكر انشغالها عنه بفارس و غيرته المفرطه منه: كنت بتصمم تنام جنبها احاول معاك يمين شمال علشان تنام لوحدك، ابدا, و هي كانت مابتصدق.

قهقه الجميع بينما اخفضت نهال وجهها خجلا، رغم ضحكاتهم الان كان الامر اشبه بخلاف حاد سابقا، و هنا تحدث مازن بمرح: اكيد انا كنت بظبطك!
هتف محمد بسخط و هو يضرب كتفه بغيظ: انت من يوم ما شرفت و انا مبعرفش اشوفها حتى.

ارتفعت ضحكاتهم مجددا و نهال تردف و هو تتذكر مدى شقاوه صغيرها المدلل: انت كنت شقى قوى يا مازن و كان مكان نومك المفضل تحت مكتب اخوك، كنا نحاول نخرجك تفضل تصرخ و تعيط كنت بضطر اسيبك لحد ما تنام و بعدين انقلك على سريرك، دا غير انك كنت بتعشق اللعب بالاقلام و الالوان على المفارش و خصوصا لو نظيفه و يا سلام لو ليله عيد،.

الناس كلها كانت تاكل البلح وانت كنت بتحب النوى، اقنع فيك ما اقنع فيك مفيش فايده تفضل تاكل فيه لحد ما تكسر سنانك.
انحنى ضاغطا بطنه من فرط ضحكته و التى امتزجت مع ضحكاتهم في لحظه من اهم و اقرب و افضل اللحظات على الاطلاق بينهما.

كانت هى اول من توقفت عن الضحك متابعه اياهم بابتسامه هادئه قبل ان تستقر يدها على قلب طفليها مجددا و تتشابك عينها مع زوجها لتهتف و قد شعرت برغبه عارمه لفعل هذا تجتاحها: كل اللى بتمناه من ربنا انا افضل شيفاكم في احسن حال و دائما في فرحه،
انتبه ثلاثتهم له فرفعت كفها الايسر تمسح على خصلات فارس و عينها تطوف ملامحه في حنان: حافظ على مراتك و خد بالك منها، خليك راجلها و في ظهرها طول حياتها.

ثم نظرت لمازن لتحتضن وجنته بيدها اليمنى و اردفت: حياه مظلومه انا متأكده، اوعي تظلمها او تقصر في حقها، افتح قلبك لها او على الاقل حاول لانها تستاهل.
ثم القت برأسها على كتف زوجها ناظره لعينه التى شملتها بحب لم و لن ينتهى: و طبعا مش محتاجه اوصيك على صحتك، المرض ملوش كبير و انت بستهتر و بتنسى علاجك، خد بالك من نفسك علشان خاطرنا.

ثم اعتدلت دافعه ثلاثتهم عنها و هتفت بمزاح: و محدش يسألنى بقول كده دلوقتى ليه علشان معرفش.
احتضنها الثلاثه دون اى سؤال، فقط شعور غريب بانها تودعهم اودع بقلب كلا منهم قلق غير مبرر.
و خارج الغرفه وقفت حياه تتابع الموقف و دموعها لا تتوقف،
هذا هو معني العائله اذا!
تلك هي الصوره التي طالما تمنت ان تراها، هذا هو الحب الذي طالما حلمت ان تعيشه،
ربما لم يكتب لها ان تعيشه و لكن يكفيها ان تري غيرها يعيشه،.

ربما لن يكتب لها ان تُلقي بنفسها بين ذراعى والدتها و لكن ربما يأتي يوم لتفعل هذا مع عمتها، او هكذا تتمنى.
ويكفي لها من الدنيا اب و اخ و سند و لكن بنكهه زوج،
زوجها،
رجل بكل ما تحمله الكلمه من معنى،
رجل حتى و ان لم تفوز بحبه يكفى ان تعيش بجواره لتنعم بحنانه اللامتناهى،
و ربما للقدر رأي اخر، من يدرى؟

كيف يمكننى أن اربح المعركه،
و انا رجل واحد..
و انتِ قبيله من النساء؟!
نزار قبانى
لكل عن ضريبه،
و ضريبه ذنبه ان انكاره للماضى حاصره في حاضره،
انتهى من صلاته جالسا مكانه ينظر ارضا بضيق شمل روحه من مطاردة الماضى له بل و بأسوء ما فيه.
لم تمنحه فرصه الرد او لحظه ليدافع عن نفسه ليخبرها انه لم يفعل ما اشارت له،.

ليخبرها انه كان دنيئا، متجاوزا لحرمات الله، مستهترا و ابعد ما يكون عن خالقه و لكنه لم يفعل ما اُتهم به للتو.
يخبرها انه لم يصل لهذه الدرجه من الانحطاط.
اجل غازل هذه، حادث تلك، و صادق اخرى و لكنه لم يتجاوز ذلك.
لم تسأله هى فقط اتهمت و لن يلمها ان رفضت تصديقه و لكنه بحاجه لتصدقه،
بحاجه لتستمع اليه و تؤمن انه لم يكن بمثل هذه البشاعه، بحاجه لتسامحه، هو فقط باختصار في اشد الحاجه لها.

قطع افكاره صوت الباب يُفتح، اغلق عينه لحظات صاحبها صمتها ثم نهض متنهدا و استدار لها ليهاله من رأها عليه، وجه شحوب، عينان غرقت بأمواجها، خوف غريب سطر نفسه على ملامحها، ليقترب منها سريعا ممسكا يدها و لدهشته لم تمانعه فأجلسها على الفراش امامه جالسا امامها، حملق بعينيها قليلا قبل ان يزدرد ريقه و قد قرر تجريد نفسه لها تماما مهمهما بخفوت: انا اه كلمت بنات، صاحبت و عرفت و قضيت نص حياتى تقريبا بعمل كده، بس صدقينى كان اخرى سلام بس،.

اخفض عينه خجلا منها و اردف و قد قرر ان يكون صادقا لابعد الحدود: لا مش سلام بس،
لتحدق بعينيه بعدم تصديق و قد تكاثرت دموعها رغما عنها و كلماته تقتلها حرفيا فأسرع مردفا و كأنه يحاول تصحيح الوضع: بس و الله ما وصلت للى في دماغك ده خالص، و الله يا هبه ما حصل.
حافظت على صمتها قليلا قبل ان تهمس بصوت متحشرج: بس البنت اللى كلمتك مبتقولش كده يا معتز، و صعب قوى اصدقك.

ضم يديها لصدره بقوه و كأنه يخشى ان ينجرف بهما الحديث لامر هو ليس بقادر عليه: و الله ما اعرفها و لا اعرف ليه قالت كده و لا عاوزه منى ايه،
ثم اضاف و قد صدق بكل كلمه قالها و قد شعرت هى بذلك: انا من يوم ما شوفتك و قبل ما افكر في جوازنا و انا بعيد عن حياتى القديمه تماما و من يوم ما قررت انى محتاج ليكِ نسيت كل حاجه و كل حد عرفته و اخترت ابقى معاكِ و بس، انا اتغيرت علشانك يا هبه.

تاهت عينها عنه قليلا، عقلها يخبرها بالواجب فعله و الذى لا يحتاج لهكذا نقاش و لكن قلبها سقط ذليلا في محراب عشقها له يرجوها تصديقه، مسامحته و العوده لجمال حلمها معه و حياتها بوجوده و قد كانت راضخه تماما له و هى تتطالعه بحبها له و قد اختفت نظرتها النافره ليقبل هو يدها و قد ظهر خوفه من خسارتها جليا و تمتم بشبه ضياع: انا كل حاجه كانت ممكن تساعدنى ابقى انسان كويس ضاعت منى سواء بارادتى او غصب عنى، امي و انتِ اكيد شايفه تصرفاتها، ابويا من يوم ولادتى و انا معرفش عنه حاجه، اختي بشوفها كل 10 سنين مره، خسرت نفسي، دراستى، حتى دينى، لكن انتِ..

غامت عينه في شتات نفسه لثانيه قبل ان يجد بر امان بين امواج حبه اللامعه بعينها و التى عاهدته الف عهد بالبقاء به على شط الحياه فأردف و هو يشعر بقلبه يتحدث: انتِ رجعتينى لكل حاجه غاليه، رجعتِ ثقتى، رجعتينى لربنا، و رجعتِ ليا نفسى يا هبه،
و للمره الاولى منذ شهور ترى بعينه جم احتياجه، صدقه، مشاعره و حبه لها ليهمس اخيرا بكل يقين: انا مقدرش اخسرك و مينفعش اخسرك.

وقد لامس صدقه قلبها لتتسائل و قد شملتها حيره من تذبذبه الغريب هذا: بس انت مابتحبنيش؟

و قد كانت الاجابه ابتسامه صافيه لاول مره يشعر هو بها و قد املى عليه قلبه ما يجيبها به لانه بالفعل لا يحبها بل يعشقها: اذا كان اللي انا عايش بيه معاكِ دا احترام يبقى انا عمرى ما احترمت حد، ، و اذا كان اللي انا حاسس بيه و انا معاكِ دى السعاده يبقى انا عمرى ما فرحت، ، و اذا كان اللي عرفته معاكِ دا الحب يبقى انا عمرى ما حبيت حد، ، و اذا كنت و انا جنبك بلاقى نفسى بجد يبقى انا بحبك، بحبك قوى يا هبه.

اتسعت عينها و ذلك النابض خلف ضلوعها ينتفض فرحا ليُعلن ان القابع امامه هو مالكه، كان و مازال و سيظل دائما.

طوقت عنقه بقوه لتتساقط دموعها براحه على كتفيه و قد افرغ ثقل قلبها بصدق قلبه ليضمها هو بقوه اكبر هامسا ينهى حديثه موضحا: يشهد ربنا انى مش بقولك كده دلوقت علشان انسيكِ الموقف اللي حصل، لا، انتِ من حقك تعملى و تقولى كل اللى انتِ عاوزاه بس عاوزك بس تعرفى انى عمرى ما هسمح في يوم انى اخسرك يا هبه، ابدا.

لا احد يعرف ما معنى ان تختارك فتاه لتحتمى بك و تواجه بك الدنيا، فتخذلها.
و هى خُذلت من قبل والدها، فانحنى عنق والدتها و لم تستطع مساندتها لتلجأ لذلك شادى الذى رأت فيه كل ما تريده و اكثر فتعلقت، احبت و سلمت قلبها، عقلها بل كامل كيانها ساكنه مطمئنه ليكن الخذلان مبلغها.
كسرتُ، و الان تخاف، تخاف و لا طاقه لها على خذلان جديد.
و لكن هل مازن خذلان!
و هذا ما قررت معرفه اجابته، ..

كوب قهوه، معزوفه هادئه، ضوء خافت، و ديوان شعر لاحد الشعراء القدماء و الذى دائما ما يصف احساسه لا بقلمه فقط بل و بقلبه ايضا.
و هذا افضل ما يُفضل مازن في وقت راحته، استمتاعه و انسجامه مع ما يفيض امامه من مشاعر مكبوته، غاضبه، ثائره، حره، رثائيه و مُحبه.

قطع اندماجه مع سيل الكلمات امامه طرقات خافته على باب الغرفه، تنحنح معتدلا مغلقا ما بيده مستقبلا الطارق و التى طلت برأسها تستأذنه الدخول، فابتسم سامحا لها لتتقدم جالسه امامه دون ان تنبس بكلمه فاقترب منها متسائلا بخفوت و هو يشعر بها تخفى امرا هى في اشد الحاجه للتحدث عنه فمنذ ان رأها تراقبهم ذلك اليوم عندما اجتمع و عائلته و هى تتجنب الجميع و للاسف تتجنب نفسها و المواجهه بما يؤلمها: انتِ كويسه يا حياه؟

و لا تدرى هى لما اتت لتحادثه الان او ما الذى ترغب بقوله و لكنها فقط شعرت برغبه قاتله في البوح له عما يخالج روحها و لكنها تغافلت عن كل هذا فقط تمتمت بابتسامه باهته: اه.
و كأنها باثباتها تتوسله التمادى في سؤالها و الضغط عليها ليعلم انها تود النفى و لانه دائما ما يتبع ما يشعر به حقق رغبتها و ان لم يقصد عندما رفع احدى حاجبيه محدقا بمقليتها و عاود تساؤله و هو موقن ان الاجابه الان ستختلف: متأكده؟

و تاركه لنفسها العنان لمعت عينها بدموعها هامسه بتحشرج: لا، لا مش كويسه.
رفع وجهها اليه عاقدا حاجبيه و هو يتعجب اولا حزنها ثانيا كبتها له بلا مبرر و عبر عن ذلك بسؤاله: فيكِ ايه يا حياه؟ في حاجه حصلت و انا مش موجود!

تساقطت دموعها و هى تهتف بعجز و كلماتها تتقطع رغما عنها: كل حاجه حصلت و انت مش موجود، انا نفسى ارجع لحياتى القديمه يا مازن، ابويا اخد منى كل حاجه و انا تعبت ادفع ثمن حاجات انا معملتهاش، اخد منى حتى عيلتى.
و هنا ادرك ما يؤلمها، فرغم ما سمعه من والدته عن مدى قوه و جساره شخصيتها سابقا قبل ما اصابها على يد زوجها و ابيها، الا انها هشه ضعيفه.

تشبه الماس في قوتها و لكنها اضعف من الزجاج، سهله الكسر و قد كُسرت.
تفتقد عائلتها ليس كأشخاص بل كاحساس يبدأ بالامان و ينتهى بالدفئ.
تفتقد حضن أم يسعها التحدث معها عما تشاء وقتما تشاء، نصيحه أب تمهد لها كل طريق جديد في الحياه و تفتقد احتواء أخ يمنعها السقوط و يمنحها الصمود امام كل ما ييقابلها و هذا ما سيمنحها اياه،.

ضم كلتا يديها بكفيه لينظر لعينها التى غامت بدموعها و قد قتلها هوان نفسها و تحدث بحنانه المعتاد معها: انا مش عاوزك تشيلى هم اى حاجه، اى حاجه نفسك فيها انا مسئول عنها و وعد منى ابقى دائما ظهرك و حمايتك و صدقينى بشويه قوه منك حياتك هترجع و احسن من الاول كمان،.

و ابتسم ضاغطا يدها اكثر كأنه يمنحها ما احتاجت من ثقه بنفسها و به: مش كل ضربه بتموت و انا واثق فيكِ و متأكد انك هتقدرى تعدى كل ده و تعيشى زى ما كنتِ بتتمنى.
ثم دفعها يشاكسها مداعبا وجنتها بأصابعه هاتفا بمرح: ثم ازاى تقولى انك خسرتِ عيلتك، نونا لو سمعتك بتقولى كده في رقاب هتطير.

فابتسمت ليبادلها ابتسامتها بأخرى اوسع و هو يصرح بيقين شعوره: انتِ ابنه و اخت في العيله دى اكتر من اى حاجه تانيه و انتِ عارفه و متأكده من ده، و اوعى تتجنبى دا مره تانيه او اسمعك بتقولى مليش عيله تانى، انتِ فاهمه!
و كانت اجابتها تحديقها به لحظات لا بحب او باعجاب بقدر ما كانت بلجوء، تلاها ضمه، اختباء رأسها بصدره و ضغط ذراعيها على جسده منحته شعورا تمناه و يخشاه.

شعورا لا بمجرد امرأه بين يديه بل بكونها امرأه تحتمى به، تلجأ اليه و تستند بأنوثتها و ضعفها بالكامل على رجولته و انه شأن لو تعلمون عظيم.

اعلنت الجوناء الذهبيه عن بدأ يوم جديد و معه استيقظت صاحبه العيون الفيروزيه بابتسامه سعاده لونت وجهها بفرحتها و هى تستعيد ذكريات عرض الزواج الذى تلقته قبل عده ايام.
و الذى اخبرها ان معيبه مثلها ربما قادره على المضى نحو حياه طبيعيه خاليه من شعورها بالنقصان، الذى طمأنها ان قلبها ما زال يملك الفرصه ليحب بل و الافضل ليُحب.

لم يكن العرض الاول و لكنها تتمنى ان يكون الاخير، و اقصى ما تتمناه الا تكون نهايته كما سبق فلا قدره لها على ان تعيش نفس الرفض، البعد و النفور منها مجددا.
و هنا اعتدلت جالسه و دوامه افكارها تعبث بها مرارا و تكرارا، لعل ما يعيشه محمود تجاهها مجرد انبهار بجمالها الذى بدأت تعده نقمتها في الحياه، و لعله في يوما ما يتملكه الندم على كونه بجوار بكماء عاجزه عن مصارحته حتى بمشاعرها.

سبق لها الاعجاب، التعلق، الخطبه، الحب و اسفا الفراق، لن تبالغ الان ان كان قلبها بقدر فرحته خائف، و ان كان عقلها بقدر رغبته رافض.
لم تخبر احد سوا عاصم ربما لانها متيقنه ان لا احد سواه قادر على نصحها، اخبرها بالتفكير مليا و فعلت و لكنها اسفا بقدر موافقتها تمتنع و ما الحل، لا تدرى.

زفرت بقوه ناهضه عن فراشها و في نيتها حسم قرارها هذه الليله و بمجرد ان لامست قدمها الارض اننتفضت مكانها اثر اصطدام باب غرفتها بالحائط بعدما دلفت نجلاء بكل غضب الدنيا بعينيها مقتربه منها لتحتجز خصلاتها بين اصابعها لتتلوى مها بين ذراعيها صارخه، لتبادرها نجلاء بصراخ اعلى: بتتفقى على جوازك بدون مشورتى يا مها؟

حدقت بها مها متعجبه كيف علمت و لحظات لتجد الاجابه امامها و عاصم يجذبها من بين يدى والدتها بعنف لتختبئ خلفه و هو يصيح بالمقابل بوجه والدتها و قد غضب اشد الغضب من نفسه لاخبارها دون معرفه مها: انا قولت في عريس متقدم لها، ماقولتش انها وافقت.

اجتمع الجميع على صوتهم المرتفع و عندما حاولت مها التعبير عن تعجبها، صدمتها و غضبها و بدأت تشير بيدها تجمدت الدماء بعروقها عندما انطلقت ضحكات نجلاء تسخر منها و لم تُقصر فاسترسلت في سخريتها مضيفه بلامبالاه: انا مش فاهمه عاوزه تتجوزى ازاى و انتِ اصلا ماتنفعيش لاى حاجه، عاوزه تضيفى واحد جديد لقائمه اللى رفضوكِ قبل كده.

ثم اقتربت منها خطوه ناظره لعينها التي تجمدت لتنهال دموعها بصمت و همست بصوت قاسى: انتِ واحده عاجزه، خرساء، وجمالك مش هيشفعلك، اوعي تنسي ده.

و كان الرد صفعه مدويه استقرت على وجنه نجلاء جعلتها تصيح بألم و هى تلتف لعز خلفها، لتدور عينها في المكان الفتيات في حاله اندهاش، عاصم و ليلى يرمقوها بغضب و تشفى و عز يكاد يحرقها بنظراته لتعود بعينها لمها التى ابتسمت بهدوء ترمقها بعدم تصديق لتهتف بغيظ وضح جليا بنبرتها: بتضربني يا عز، بتضربني علشان دى؟

ومع كلمتها و اشارتها المستهزئه على مها اتسعت ابتسامه مها و انفاسها تضطرب، ليهتف عز بحده: مها بنتى يا نجلاء و انا قولت ليكِ قبل كده كله الا بناتى، سامعاني! كله الا بناتى يا نجلاء.
و طبيعتها الساديه ترفض ما حدث لتنظر للجميع بغضب و توعد و دون المزيد تحركت مندفعه للخارج و جنه تراقب ما يحدث بذهول،
فليقنعها احد الان ان تلك المرأه أم،
اذا فليقنعها احد ان مها ابنه لتلك المرأه،.

لا، لا يحاول احد اقناعها فما رأته غير قابل للاقناع اطلاقا.
قاطع ذهولها اندفاع مها في الضحك بصوره هستيريه و لكن سرعان ما اختفى ضحكها لتتعالى صرخاتها المبحوحه و بكائها ليحاول عاصم تهدئتها و لكنه فشل و بالنهايه لم يهدأها سوا احدى المسكنات القويه التى تحتفظ بها ليلى بحقيبه عملها لتسقط مغشيا عليها، لينطلق بعدها عاصم كالمجنون للخارج فلقد ضغطت نجلاء على اقصى نقاط ضعفه ضعف.

لحقت به جنه و هى تنوى المساعده، دلف لغرفه مكتبه ضاربا المقعد امامه بقدمه، لتتراجع هى خطوه للخلف خائفه و قد عاودها احساسها القديم بضروره الابتعاد عنه، و لكنها جمعت ما بقى فيها من قوه و اقتربت منه واضعه يدها على كتفه و قد همت بالتحدث، ليدفع هو يدها عنه بعنف ليهتف بها: اخرجى و سبينى لوحدى.

ازدردت ريقها تحاول مجددا رغم ان نبضات قلبها المتعاليه تصرخ بها لتتركه و مع خطوتها الاخرى تجاهه عنفها بقوه اجفلتها: انا قولت اطلعى برا.
و لم تنتظر حتى ان تنظر لوجهه تراجعت و عادت ادراجها تختبئ بغرفتها و هى متيقنه ان قربها منه لا يكون في متناولها ابدا الا اذا سمح لها و يبدو انه لن يسمح سوا عندما يرغب بذلك.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة