قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الرابع والعشرون

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الرابع والعشرون

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الرابع والعشرون

الليل بسكونه، السماء و نجومها المتراصه، القمر بضوئه الخافت، و هى و دموعها.
تجلس على ارضيه شرفتها، تفكر في حياتها كامله، ما لقته من سخريات في طفولتها حتى انتقلت للعيش مع والدها بالخارج، ثم صعوبات التأقلم على حياه جديده، طريقها الطويل و الذى لم يكن هينا على الاطلاق للوصول لما تبغاه، جمالها و الذى كانت تفتخر به و سرعان ما انقلب عليها.

طالما أمنت انها دميه معيبه لن تحظى أبد عمرها بطبيعيه في حياتها، ما الذى ارادت تغيره الان.
و لكن ما تعجز عن فهمه، استيعابه و تحمله هو كره والدتها الغير مبرر، عنفها، حقدها و بعدها النافر عنها، كره يجعلها تتسائل في اغلب الاوقات أهما حقا أم و ابنتها!
انتفضت اثر احساسها بيد على كتفها تمسد اياه بدفء، لتلتف ناظره لعاصم الذى لا تدرى متى دلف لغرفتها حتى ثم عادت بنظراتها للاشئ امامها.

اتخذ مكانه بجوارها ارضا آخذا نفسا عميق محاولا كبح جماح غضبه لمحاوله احتواءها، احتواء هى في اشد الحاجه اليه و ربما يحتاجه هو كذلك: مكنش المفروض اقولها بدون ما اسألك، انا اس...
قاطعته بيدها تمنع اياه من الاسترسال، تعلم انه لا يعترف بخطأه حتى ان كان جليا، انه لا يعتذر بسهوله، و تعلم انه يتألم اشد الالم لاجلها الان و لانها مفضلته و ركنه الخاص بسرد ضعفه منعته، فأخر ما ترغبه الان هو احساسه بالندم.

نظرت اليه ليقولها بعينه صريحه فابتسمت بهدوء و ألقت برأسها على كتفه تقرب جسدها منه متمسكه به بكل قوتها فهمس بهدوء: انتِ موافقه عليه؟
صمتت ثوانى و هى تجوابه بداخلها، نعم، و لا.
و أنىّ لهذه ان تكون اجابه؟
جزء منها يوافق لرغبته في البدأ بحياه جديده، و جزء اخر يرفض لخوفها من ذلك، او ربما لعجزها و ادراكها انها مجرد دميه معيبه و ستظل.

و لكن ان تعترف بذلك لعاصم خاصه، من اصعب ما يكون لا عليها بل عليه و لن تحمله اكثر مما يحمله من قلق، فأومأت برأسها موافقه، ربما استجابه لرغبتها، ربما لانها بالفعل تحبه، ربما لانها ترغب باثبات ان هناك من يحبها كما هى، و ربما فقط لتهرب من واقع يجمعها بتلك التى تسمى والدتها.
صمت لصمتها ثم ما لبث ان سألها: متأكده من قرارك!
و كل خلايها تجيبه بالرفض و لكنها اومأت موافقه.

رفعها عن كتفه ناظرا لوجهها متمعنا عله يجد غير ما تمنحه اياه و لكنها اخفت ما دون ذلك بجداره و اشارت تخبره انا كلمت بابا و قولتله
عقد حاجبيه منتظرا البقيه فابتسمت بسخط و عاودت الاشاره مضيفه قالى شوفى اللى يريحك و ابقى بلغينى قبل ميعاد الفرح و قالى مش هينزل حاليا خالص لانه مش حابب يشوف ماما.

احتدت عيناه زافرا لتتسع ابتسامتها و لم تستطع كبح تساؤلها لتُشيح بتعجب اكتنف روحها منذ اعوام مضت و من الواضح ستظل نفسى افهم بينه و بين ماما ايه علشان يكرهها كده!
و عندما هم بالاجابه قاطعته باشاره نافيه تخبره انها فقط تسأل و لا تتوقع اجابه.

حاوط كتفيها بذراعه ليضمها اليه مجيبا: انا اتفقت مع بابا و كلمت محمود و قريب قوى هيجى يتقدم، و كمان كلمت معتز اخوكِ و فهمته الحوار و هو معندوش اعتراض على محمود و قالى انه هيقدر يسعدك.
طالعته بدهشه فمتى حدث كل هذا، فابتسم مضيفا: يوم ما قولتِ لى عليه كان باين في عنيكِ الفرحه و انا ميفرقش معايا اى حاجه في الدنيا غير فرحتك، سيبى قلبك يفرح يا مها.

ربما لو كانت في وضع طبيعى لكانت رقصت فرحا الان و لكن كيف تخبره انها خائفه، متردده و بعد ما قال في هى تكاد تصرخ بالرفض.
هى تحب محمود لن تنكر، تحب حبه لها، اهتمامه بها و رغبته الواضحه بها.
تريده و لكنها لا تريده، ترغب بقربه و تسمو لابعاده عنها.
كيف تخبره انها لا تعرف ان كانت تلك الخطوه هى ما ترغب به حقا.
و لكن كفى في حياته متذبذبه واحده - جنه -، كثير عليه متذبذبه اخرى و خاصه هى.

ستترك القدر يخبرها أكان قرارها صائب ام اكثر اخطائها حماقه!

وإنى احبك
لكن اخاف التورط فيك
اخاف التوحد فيك
اخاف التقمص فيك
فقد علمتنى التجارب ان اتجنب عشق النساء،
و موج البحار،
انا لا اناقش حبك فهو نهارى،
و لست اناقش شمس النهار
انا لا اناقش حبك
فهو يقرر فأى يوم سيأتى و أى يوم سيذهب،
و هو يحدد وقت الحوار و شكل الحوار..
نزار قبانى
يأتى احيانا وقت ما يحادث الشخص به نفسه عما كان، اصبح و على ايهما سيظل،.

و كذلك هو انهى للتو اداء صلاه الجمعه بالمسجد، ليجد نفسه يرنو للخلو بحاله و افكاره امام شاطئ البحر، و مع تدافع الامواج تتدافع اليه الخواطر،.

معتز، ذلك الطفل الهادئ الذى دائما ما كان يحاول المضى قدما دون التوقف للتفكير في جوانب حياته، ام غائبه جزئيا عن حياته و اب غائب كليا، فمرت طفولته بهدوء سرعان ما تحول لعاصفه لا تعرف توقف لتمر مراهقته و شبابه بذاك العنفوان الذى فشلت كل التنبيهات و التحذيراات من ردعه عنها، ثم تبدأ مرحله جديده منذ ان تعرف على محمود و الذى جاهد ليحميه من براثن افكاره و تصرفاته الهائجه لينتهى امتناعه عن العوده لنقاء روحه بمقابلته لهبه و التى بدأ الامر معها كتحدى جديد، امرأه جديده و عنفوان جديد و لكن الاختلاف ان التحدى كان للفوز بها و العنفوان كان لاثبات انه يستحقها مما دفعه لفعل امور لم يعتاد عليها، ليحاول اثبات نفسه بما يناسبها و الذى كان يخالف ما يناسبه تماما، ليجد نفسه بالنهايه لا يفوز بها فقط و لكن يفوز بنفسه مجددا، تلك النفس الصغيره التى اعتادت الهدوء دائما.

قطع افكاره رنين هاتفه ليبتسم ثغره متوقعا المتصل فلقد تأخر عن موعد عودته ساعه كامله، قطع الاتصال و نهض عائدا اليها و روحه مستكينه بما يختبره معها، بها، لاجلها و لاجله.

و بمجرد ان فتح باب المنزل استقبلته رائحه الطعام ليتذكر على الفور انه طالبها بتلك الاكله تحديدا فاتسعت ابتسامته و هو يتقدم للداخل مسرعا ليجدها تجلس على الطاوله تعد محشى ورق عنب الذى يشتهيه منذ بدأت رحلتهم هذه، ليميل عليها محتضا كتفيها مقبلا وجنتها بسعاده حقيقه لا يدرى أ لانه سيأكل ما اشتهاهه اخيرا ام لانها قدرت رغبته بل و وضعتها قيد التنفيذ و انه لامر عظيم خاصه لمعتز، استدارت له تبادله قبلته و هى ترى فرحته تلك لتتجاوزها بمزاح قائله بغيظ: هتعمل معايا على فكره.

و الاجابه نظره استنكار و ورفعه حاجب و نبره ساخطه: اعمل معاكِ ايه؟
و ابتسامه ساذجه صاحبها ردها الواثق جدا: ورق العنب يا حبيبى.
و دفعته ليجلس بجوارها ليستجيب هو لحظيا فهى بالتأكيد تمزح، و لكنه وجدها تدفع ما امامها امامه قليلا لتهتف بنفس ثقتها الذى لا يدرى ما مصدرها: هتعمل زيى بالظبط اتفقنا.

و هنا هم بالنهوض و هو يتجاهل ما تقوله، تفعله و الاسوء تطالبه به و لكنها امسكت يده ملطخه اياها و نظرت اليه بملامح بريئه و رعشه اجفان مصطنعه متمتمه: مش كفايه انى عروسه و في شهر العسل بعمل لحضرتك محشى كمان مش عاوز تساعدنى!
نظر اليه بغيظ واضح لتواتيه الافكار قليلا قبل ان يبتسم بمكر نافيا بنبره كمن استيقظ ضميره: لا مقدرش طبعا، هغير هدومى و احصلك حالا.

و كما قال فعل و عاد يجلس بجوارها متمتما و على وجهه ابتسامه جاد صنعها و لكن عينيه التهمتها بخبث لا تُحمد عواقبه: يلا ابدأى و انا هقلدك بالظبط.

اتسعت ابتسامتها و بدأت تلف الورق امامه و تضعه بالطاجن امامها حتى قامت بوضع كميه لا بأس بها، ثم نظرت اليه ليبدأ هو فأومأ بابتسامه و راقبته هي بابتسامه اكبر حتى فوجأت به يضع يده بالطاجن ليُخرج ما وضعته ثم ينزع الورق و يُلقي بالارز امامها و يضع الورق بمكانه مجددا و على وجهه اكثر الابتسامات استمتاعا ليحتقن وجهها بغيظ لون عينيها و هى تحدق به بصدمه تملكتها ثم امسكت يده ليتوقف عما يفعله و صاحت: انت بتعمل ايه يا معتز؟

و هنا لمعت عينه ببراءتها منذ قليل و تحدث بخفوت كأنه يتعجب رد فعلها: بساعدك يا حبيبتى.
فتركت الورق من يدها بعنف و نظرت اليه نظره الاسد الذي سينقض على فريسته بعد ثوانٍ صارخه: انا ألفه و انت تفكه يا معتز! هي دي المساعدة؟!

و همت بالنهوض لتعنفه لا تدرى كيف حقا فهى كانت على وشك جذب السكينه بجوارها لتقتله لتستكين قليلا و لكنه قيد حركتها و صوت ضحكته يثير غيظها اكثر حتى سكنت ضاحكه هى الاخرى، و من ثم عادت تُنهى ما بدأته و بعثره هو بينما تحدث هو بجديه عن ضروره عودتهم للمنزل، بسبب خطوبه شقيقها و شقيقته و بهذا انتهى شهر عسلهما لتبدأ الايام الحقيقيه تباعا.

اقصى درجات السعاده هو ان نجد من يحبنا فعلا، يحبنا على ما نحن عليه او بمعنى أدق يحبنا برغم ما نحن عليه..
نجيب محفوظ
و هكذا كان شعورها الان كما لو كانت ترغب بشكره على قبوله بها، تلك المعيبه التى نفر منها الجميع سابقا، اختارها هو، احبها و اليوم اعلن للجميع ذلك بدبله و وعد بالبقاء بجوارها عمرا كاملا.
تلاشت جميع مخاوفها بمجرد رؤيه فرحته، لهفته و كأنه امتلك قطعه من السماء بل السماء بأكملها.

يمازحها و يدفع الابتسامه قسرا لوجهها حتى كادت تصرخ بفرحتها، و لرؤيتها هكذا اطمئن عاصم انها وجدت بدايه طريقها الجديد و تمنى ان يكون اخر الطرق فلا قدره لها على مفترق اخر.

و رغم ما واجه هو من صعوبه في اقناع والديه بالزواج منها، كونها لا تتحدث و الاسوء كونها اكبر منه بعده اعوام، ليقضى عده ايام يحاول معهم، محاولات هادئه و اخرى نقاشات شبه حاده، ثم خلاف قوى استكانت بعده والدته له و ها هو يجلس بجوارها رغم انف الجميع.
جلس محمود اخيرا بجوارها بعد طقوس الخطبه و استقبال المباركات، ليهمس بأذنها: انا مش مصدق نفسى.

لتخفى ضحكتها قدر استطاعتها و لكن فضحتها وجنتيها التى تلونت بخجلها لتمنحها اشراقه اكثر جمالا، ليزداد غزله لها قاصدا اخجالها و مع صمتها التام تمتم بحسره: طيب اعملى زى ما عبد الحليم قال،.

لترفع عينها اليه بتعجب ليردف بعدما حمحم قليلا بشكل درامى ليبدأ في الغناء بصوته الذى حرك مشاعرها تجاهه اول مره عندما سمعته في زفاف شقيقها مدندنا: ابعتلى سلام قول اى كلام من قلبك او من ورا قلبك، مش يبقى حرام اسهر و تنام و تسيبنى اقاسى نار حبك.
لتتسع ضحكتها و قد غمرها بالفرحه بشغفه اللامحدود بها،
هو انا لازم امسكك بفعل فاضح كل مره.

هتف بها اكرم بمرح فانتفضت مها على صوته و اعتدل محمود بحرج، رفعت مها عينها بخجل كاد يفتك بها و هى ترى التفاته اليها ليبارك لها بصوت هادئ كعادته، ثم اقترب واضعا يده على كتف محمود مانعا اياه من النهوض مشاكسا: مكنتش اقصد اقاطعك بس انت حظك معايا كده هعمل ايه!

و مع ذلك نهض محمود احتراما و هو يصافحه بحراره مستقبلا مباركته، مازحا كلا منهما مع الاخر ليخبره اكرم بذلك ان الشركه محل عمل و لكن خارجها لا حاجه لاى رسميات.
ليغادر بعدها تاركا كلا من مها و محمود بتعجبهما لكميه تناقض شخصيته،
فهو مزيج غريب من اشياء لا تجتمع سويا،
احيانا هادئ و وقور و اخرى مرح، حينا متزن صارم و اخر مجنون.
و لكن اتفق كلاهما على انه نعم الصديق.
ليهتف محمود بمرح بعدها: ها كنا بنقول ايه بقى؟

يلا بينا نقوم احنا كمان!
تمتم بها مازن لحياه لينهض كلاهما واقفا، و رغما عنه غلبته عيناه و هو يطالع هبه بشعور غريب بداخله و هو يراها تضحك بملأ صوتها سعاده، تشاكس معتز و تملع عينها بحبه و تفضحها نظراتها له.
غادر كلاهما بالفعل و و عندما اختلى بنفسه اعتلى روحه حزن غير مألوف،
هل لانها في يوم ما كانت حلم و هدف!
أم لانها مازالت كذلك!
أم لانه يرى انها تستحق افضل من معتز او ربما تستحقه هو!

و لكنه لم يسعد لسعادتها، لم يهتم برغبتها، و لم يرى سوا رغبته و هذا لا يُعد حباً.
فارس محق هو كان مفتون بها فقط و سيتجاوز الامر،
فهى ليست سوى نجمه في سماء قلبه و ستحل محلها اخرى، او ربما هى مجرد شهاب ما لبث ان ظهر فاختفى و لكنها حتما ليست شمس حياته فتلك لم تشرق بعد.
قصته معها لم تكن رسمه ينقصها الوان بل هى لوحه بلا رسمه حتى.

توقفت امام مدخل المشفى تدعو الا تراها والدتها فكلما ارادت رؤيه زوجها العزيز ادركتهم والدتها، طرقت باب غرفته عده مرات قبل ان تطل برأسها متمتمه بضحكه واسعه: فاضى يا دكتور، حاله طوارئ.
نهض امجد عن مقعده يستقبها بحفاوه لتتقدم للداخل، ترحيب و كلمات مشتاقه ثم هتفت بدلال و عنفوانها المعتاد يتغلب عليها: حالتى طارئه جدا يا دكتور كان لازم اشوفك ضرورى.

ليتحرك مقابلها لتتراجع هى قليلا و هو يهمس بصوت خبيث وصلها مغزاه كاملا: متقلقيش، هنطموا عليكِ حالا يا شابه.
ثم جذب يدها يمنعها التراجع يقربها اليه لتهتف و هى تحاول التملص منه: الباب مش مقفول يا امجد،
و اجابه مواربه متجاهله: و اذا،
وضعت يدها على يده تجاهد لمنعه من الامساك بها: ممكن حد يدخل، ماما مثلا.
ليزداد اقترابه و هو يتجاهل ما تقول مجددا: تتفضل.

حدقت به قليلا قبل ان تضحك متوقفه عن كل محاولتها للفكاك منه و لماذا تنكر فهى كانت لا تحاول جاهده، فقط قليلا.
و قبل ان يقدم على فعل اى شئ فاجأهم طرقات سريعه على الباب تبعها دخول احدهم دون انتظار لينتفض امجد غاضبا و هو على وشك الصراخ فيمن فعل ذلك و لكنه بمجرد ان رأها تجمد لحظات قبل ان يتمتم باسمها بتعجب: انجى!

دلفت الفتاه متجاهله سلمي تماما و اقتربت منه ممسكه بيده تصافحه بحراره واضحه: ازيك يا امجد، احنا لسه واصلين من ساعه و قلت لازم اجي اشوفك.
و مازالت ممسكه بكفه و لم يحاول هو الخلاص اردف مجيبا: حمدلله على السلامه.
تابعت سلمى الموقف لتشتعل غيرتها ثم سرعان ما اشتاطت غضبا و تلك التى امامها ترمقها بنظره جانبيه متمتمه بسخط و هى تشير عليها بطرف اصبعها: هو عادى المرضى بتوعك يقفوا يسمعوا حوارك مع ضيوفك؟

نظر امجد لسلمي و لاحظ تجهم وجهها و اشتعال عينها بغضبها فجذب يده الذى لاحظ للتو ان انجى مازالت تحتفظ بها، ليجد سلمى تبتسم فاخيرا زوجها المصون ادرك الوضع الذى اسقط نفسه و اسقطها به، حملقت بوجهه قليلا منتظره بما سيجيب تلك الانسه المجهوله التى اقتحمت عليهم لا الغرفه فقط و لكن يبدو ان ستقتحم حياتهم او ربما فعلت.

اقترب امجد من سلمى ممسكا يدها يقبلها كمن يعتذر و تمتم بفخر ربما اعتقد انه هكذا سيهدئها: دى سلمى مراتى.
رمقتها انجي بنظره شملتها من اعلي لاسفل مجددا متسائله باستنكار بدا لسلمى اهانه: دى مراتك؟

و هنا تركت سلمى يد امجد و تقدمت امام تلك المختله التى لا تعرف كيف تتحدث خطوه، اثنتان ثم شملتها بنظره ساخره من اعلى لاسفل تعيد نظرتها اليها بأسوء و همست باستهزاء واضح: هو عادي ان عامه الناس يدخلوا ليك كده بدون استئذان و لا حتى انتظار، يا قلبى؟

حملق امجد بها قليلا لا لاى شئ سوى لتلك الكلمه الاخيره التى قالتها، فليس من عادتها ابدا ان تفعل بل و ما لبثت تخبره انها لا تحب كل تلك الكلمات المائعه كما تقول، و هنا ادرك انه لن يسلم من جدال طويل، طويل، بل طويل جدا.

و انهت سلمى جملتها بابتسامه نصر بعدما حصدت الواقفه امامها ما زرعته من غضب، فتحرك امجد بها باتجاه مكتبه و اجلسها على كرسيه و استند على المكتب بجوارها و اشار لانجي بالتقدم لتجلس، ثم حمحم بهدوء متسائلا: مدام منار اخبارها ايه؟

ضمت سلمى اصابعها و غضبها يحرقها فذلك الاحمق لم يُعرفها من التى امامها حتى الان بينما ابتسمت انجي له متجاهله سلمي تماما و اجابته بسماجه كما رأتها سلمى: بتسلم عليك كتير و قالتلي اوصلك كده بالحرف وحشتني وحشتني وحشتنى .
ضربت سلمي على المكتب لا اراديا بقبضتها ليلتفت كلا منهما اليها فهتفت بغيظ لم تستطع التحكم به فمنذ متى و سلمى تفعل: هى اللى بتقول متأكده؟

ثم نهضت و قد فاق تحملها ان تجلس امام تلك دقيقه اخرى، ناظره لامجد بحده متمتمه بصيغه اشبه بالامر عله يفهم مقصدها: انا اتأخرت على الشغل و لازم امشى، ممكن تيجي توصلنى؟
فتعجب متسائلا و الابله لم يفهم ما قصدته: مش عربيتك تحت!

فدعست بقدمها على قدمه فتأوه بخفوت، اما انجى فقد لاحظت ما ارادته سلمى فلا يفهم الانثى سوى انثى مثلها، و ايضا لاحظت ان سلمى لديها مشكله مع غضبها فعلى ما يبدو انها تندفع بلا تفكير فنهضت واقفه واضعه يدها على كتف امجد متمتمه بدلع ماسخ، هكذا رأته سلمى: معلش يا سلمى انا محتاجه امجد في كلمتين، و طبعا منقدرش نعطلك عن شغلك، تقدرى انتِ تتفضلى.

دلالها لم تتقبله، يدها على كتف زوجها، و حرف نون شملها مع زوجها هى، كلا فالتى تتحكم بغضبها ها هنا لن تفعل.
امسكت سلمي يدها بعنف تدفعها بغضب صار جليا تماما، و صرخت بحده و هي تنقل بصرها بينهم: اذا مكنش عندك ذره احترام لنفسك فأنا هعلمك ازاى تحترمى ان انا، مراته واقفه، لكن واضح انك متعرفيش يعنى ايه احترام اصلا،.

ثم نظرت لامجد بقسوه فلن تكون تلك الفتاه بهذه الوقاحه الا اذا منحها هو الفرصه و قد رأت بوضوح انه فعل و يبدو انه كان دائما من قبل يفعل و هتفت و هى تضغط حروف كلماتها لتصل رسالتها: هسيبك انا مع ضيوفك يا دكتور، معلش ضيعت في وقتكم.
و تحركت مسرعه للخارج حاول امجد منعها و هو لا يدرى كيف صار كل هذا و لكنها نفضت يده عنها و انطلقت مغادره.

اعتدل امجد ناظرا لانجى و قد ادرك الان ان ما فعلته كان عن عمد و قصد و لكنه لا يفهم من اين واتتها الجرأه لتتحدث، تنظر و تلامسه هكذا، فاشاح بوجهه يدفنه في اوراقه منهيا وجودها بمكتبه: انا عندى شغل يا انجى، ياريت تتفضلى دلوقتى.
و بكل سرور غادرت، و قد عقدت العزم بل و بدأت، لن تخسر امجد ابدا و لن تسمح لغيرها بأن تفوز به ابدا و يبدو ان سلمى صيدا سهلا، و بينهم الايام.

و كعادته يقضى اجازته بالشركه، ملف يتلو اخر، توقيعات هنا، دراسه هناك، قرارات و احصاءات ثم اخيرا الفراغ لذلك الملف الذى يحتوى على تفاصيل اخر صفقاتهم، تلك الصفقه التى كفلتها تلك المغروره كاميليا ، تلك التى راقته قوتها و ثقتها لدرجه رغبته في قبول تحدى لهزيمتها امامه ثم امام نفسها.

تمعن، دراسه فائقه الدقه، تحليل و تفصيل، هنا و هناك حتى لاحظ تلك الثغره، و هنا عقده حاجب، حده عين و تدقيق شامل مجددا، ثغره لم يكن سيلاحظها لولا رغبته في التحدى، لولا رغبته في ايجاد ثغره و ها هو فعل.

و بعد تفكير و دراسه مجددا وجد ان تلك الثغره كان من الممكن ان تضع شركتهم في ضائقه ماليه، و لانه يعرف انه ان هدأ سيأذيها اكثر مما سيفعل و فتيل غضبه مشتعل، رفع هاتفه يطلب رقمها و بمجرد ان اجابته تمتم بهدوء: انسه كاميليا، منتظرك في مكتبى علشان نوقع العقد.

عقدت هى حاجبيها تعجبا من مختصر مكالمتهم فبعد انتهاء جملته اغلق الخط دون سماع ردها حتى، و سرعان ما هاتفت تلك التى كلفتها بالامر، لتخبرها بالوضع و مطالبه عاصم برؤيتها لتتحمس الاخرى مسرعه تدفعها دفعا للركض لتفعل.
خطوات مازالت رغم توترها ثابته، رأس مرفوعه، حتى جلست امامه مبتسمه بثقتها التى صبغت وجهها بها ربما تهدأ قليلا من فرط خوفها من كشفه لها.

حوار سريع ثم ابتسامه جانبيه و بنبرته الرجوليه البحته تسائل و هو يشملها بحصونه السوداء: ايه رأيك فيا يا كاميليا؟
و اساءت فهم مغزى سؤاله فزدادت ثقتها و هدأ توترها و هى تجيبه بصوت هادئ و لن ننكر مدى اغوائه: هاااايل.
عبث بدبلته قليلا لتتابعه هى بعينها متعجبه و مع حفاظه على هدوء نبرته و ابتسامته تسائل مجددا و لم تفارق عينه يديه: دا رأيك في شخصى و لا...

و قاطعته مسرعه و قد اساءت فهم نظراته ايضا: في كل حاجه يا عاصم، في شخصك، اسلوبك و حتى شغلك.
و هنا احتدت عينه رافعا اياها لتحمل لها ما يجيش بصدره من غضب و هو يتحدث بوتيره اكثر هدوئا و توضيحا: تعتقدى ان ممكن اسمح لحد يضحك عليا او يأذينى سواء شخصيا او...
و صمت لحظه و ادرف و هى يضع الملف الخاص بصفقتهم امامها: او في شغلى؟

و هنا عاودها اضطرابها اكثر و وضح له جليا ان تلك الثغره لم تكن غلطه غير مقصوده بل كانت متعمده فأخذ نفسا عميقا و مال تجاهها متحدثا بنبره لا تقبل النقاش: هسألك سؤال واحد و هتجاوبينى من غير لف و دوران و الا قسما بالله ما هتشوفى منى طيب.
اتسعت عينها تراقبه منتظره سؤاله و منحها اياه هو سريعا: جيبتِ الجرأه منين انك تعملى كده و ليه؟

تدافعت انفاسها تفضح ارتباكها و بدون تفكير او محاوله منها للنفى اجابت مسرعه و قد قلقت ان يتم فضح امرها و تعرف عائلتها فانسحابها مبكرا افضل الامور هنا: مش انا اللى جهزت الصفقه، انا مليش دعوه باى حاجه حصلت.
عقد حاجبيه و من فرط ارتباكها و خوفها مما قد يفعل بها اخبره انها صادقه اذا من؟! و عبر عن ذلك في التو: مين؟
صمتت لحظات، طالت فضرب بيده على مكتبه غاضبا صارخا بها: انطقى مين طلب منك تعملى كده؟

و جاءت الاجابه بعيدا عن توقعاته قليلا: كوثر، كوثر الحديدى.
و ببطء درات عيناه قليلا يستوعب ما كان على وشك الحدوث، ليرفع احدى حاجبيه غاضبا متوعدا اياها مدركا انها لم تتقبل تخليها على ثروتها و التى لم تكن من حقها و قررت اللعب معه و يا ليتها لم تفعل.

ارتفع رنين هاتفها من جديد، ترفض الاتصال مجددا، ثم تغلق هاتفها تماما تدفعه على الفراش و قد فاق غضبها حده،
و رغم انها بحاجه لتبرير و توضيح فعنادها منعها الانصات اليه، رأت ما رأت و فعل بها رد فعله ما فعل، لم تفهم و لم تستوعب و لكنها بتمرد اقسمت الا تعطيه الفرصه فليغضب كما غضبت.
طرقات جاده على باب الغرفه جعلتها تصيح بعنف: قولت مش عاوزه اشوف حد.

اجفلها عاصم بصوته الحاد يهتف بها، لتتحرك بضيق تفتح الباب لتجده يواجهها بنظرات منفعله: اتفضلى انزلى في ضيف مستنيكِ تحت.
ادركت هي على الفور من هو، فقالت بضيق مُدلل و هى تعقد ذراعيها امام صدرها: مش عايزه انزل، مش عايزه اكلمه و مش عايزه اشوفه، قوله يمشى.
اقترب خطوه منها يُمسك بذراعها بحده نسبيه و يضغط بوضوح على احرف كلماته: دا جوزك...

فاهمه و لا تحبى اوضح اكتر، دلعك عليه ده لما تبقى في بيته، لكن لما يبقى ضيف في بيتنا يبقى تحترمى نفسك، سامعه.
ترك يدها و اشار بعينه على الدرج امامهم متمتما و نبرته بعد ما قال لا تقبل اى كلمه بعدها: اتفضلى قدامى.
و بعد ترحيب الجميع به استأذن الجلوس معها بمفردهم و فعل...

استنفذ كل ما يملك من محاولات للتحدث معها، بهدوء، بانفعال، باستفزازها و بغضب حتى نفذت كل محاولاته و معها نفذ صبره و هى مازالت على سكوتها لا تأبه كأنه ليس بموجود،
قبض على ذراعها يجعلها تنظر اليه و قد خرج عن هدوئه المعتاد و سيطرته على اعصابه و هدر بها: ممكن افهم هتفضلى ساكته كده لحد امتى، غضبانه انتِ من ايه مش فاهم، هى اى واحده هتقرب منى هتضايقى و تاخدى موقف من لا شئ و تسكتِ؟

نفضت يده عنها و هى تعتدل و بتهميشه لما حدث قد اثار غضبها اكثر حتى خرجت عن سكوتها تصيح و لم تهتم ان كان صوتها يعلو ام لا: اخد موقف من لا شئ!؟
و برفعه حاجب ساخره و ليه شفاه تستنكر اكملت: انت شايف ان اللى حصل، لا شئ!، لما واحده تدخل تتكلم مع جوزى يمكن براحه اكثر منى يبقى لا شئ! لما تتدلع قدامه و تلمسه و تمسك ايده بكل اعتياديه يبقى لا شئ!

احتدت عينها اكثر و هى تردف متذكره تفاصيل ربما اعتقد انها غفلت عنها: لما حضرتك تتفاجئ لما تشوفها و نبرتك تتغير و انت بتتكلم معاها و احس انك اتهزيت و انت بتنطق اسمها، و اما احس انك اتلخبط لما شوفتها يا امجد يبقى لا شئ؟!
و بكل غضب و ملامح الاتهمام تلون وجهها هدرت بيه باستهزاء: تقدر تنكر دلوقت يا دكتور ان في حاجه ربطتك بالبنت دى قبلى؟

حدق بوجهها قليلا يتعجب إلمامها بتلك التفاصيل الصغيره التى ابدا لن ينكرها، تلك المندفعه المتمرده و رغم فرط غضبها منه يعرف لم تغفل عن ادنى ما شعر به في تلك اللحظات، ابتسم قليلا مما زاد من غضبها و هى تكاد تطبق على رقبته تقتله لرد الفعل هذا.

امسك يدها و لكنها ابعدته بانفعال تتراجع في مجلسها عنه قليلا و لكنه بهدوء قد عاد اليه اقترب منها و ابتسامته تزداد مما جعلها تصرخ به و هى على وشك النهوض: انت بتضحك على ايه، بطل ضحك.
ضم يديها بكفيه متجاهلا محاولاتها للابتعاد و تحدث ببطء يعرف انه يغضبها: دا انتِ بتغيرى عليا بقى.
و بذهول اكثر صاحت و هى تضحك بغضب رغما عنها: بعد كل اللى انا قولته، اللى ربنا قدرك عليه هو بتغيرى عليا؟ انت بتهزر صح!

اتسعت ابتسامته ثم بدأ بجديه توضيح، و بدأه بشكل جعلها تفقد اخر ابراج عقلها: كل اللى قولتيه معاكى حق فيه، فعلا في حاجات ربطتنى بيها قبل كده.
و هنا جذبت يدها بعنف فأردف هو: كنا مخطوبين.
عقده حاجب و اعتدلت بتركيز تنصت: انجى تبقى بنت اخت مدام مروه.
رددت بتساؤل: مامتك؟
صحح هو فلا هى تعتبره ابن لها و لا هو يعدها ام له: مراه ابويا.

و بهدوء سرد باختصار ما حدث: لو تفتكرى اول ما اتقدمتلك سألتينى عن حدود علاقتى بمدام مروه و انا وعدتك اقولك بعدين،.

اومأت فتابع: مدام مروه تبقى بنت عم بابا، المفروض كانت العيله متفقه انهم يتجوزوا لما يكبروا، هى عاشت بالحلم ده بس والدى لا، و اختار امى و اتجوزها و دا كان اكبر اسباب كره مروه لامى، و لما والدتى توفت كنت انا لسه صغير، و كانت مروه انفصلت في الوقت ده عن جوزها، فقرر بابا انه يتجوزها لمصلحتى، كان معتقد ان حبها ليه هيخليها تحبنى بس ادرك ان ده مش هيحصل متأخر شويه.

صمت لحظات ثم اردف: و لان مروه كان عندها بنت اصغر منى بحوالى سنتين ثلاثه، طلبت من بابا انه يسيبنى عند اهل امى او اهله و بابا كان مضطر لده بس بدل ما يعمل كده اشترى ليا الشقه اللى انا ساكن فيها و رفضت انا ارجع معاهم تانى، و بدأت اهتم بدراستى و اشتغل و ابنى مستقبلى و تقريبا كنت بتعامل كأن مليش عيله.

و صمت، صمتت سلمى عاجزه عن الرد، لتطيب جرحه، لمواساته، او ربما لتهنئته بما فعل، فمن تراه امامها ليس عاجزا او منكسرا بل هو في اعلى قمته نجاحا.
نظر اليها مبتسما و هو يعود لاصل حديثهم: طبعا عاوزه تقوليلى انا مليش دعوه بده كله، مين انجى، صح؟

ابتسمت فحقيقة هى ينتابها الفضول حول هذا الامر كثيرا و هو لم يروى فضولها بعد، اخذ نفسا عميقا و اردف: شوفت انجى، اعجبت بيها، و قررت انى اتقدملها، و فعلا قولت لوالدى و اقنعته و اتقدمنا لها، و رغم ان مروه حاولت تفركش الموضوع على قد ما تقدر بس معرفتش و اتخطبنا، اتعاملت مع انجى عن قرب و بدأت اشاركها حياتها و هى كذلك، و من هنا بدأت احس انى مش واثق تماما من قرارى، اختلافات كتير، تفكير ابعد ما يكون عن بعض، اسلوبها مش بيكملنى، و حصل مشاكل بقى و من هنا و من هناك و اتدخلت مروه تانى و المره دى نجحت و فركشنا الخطوبه.

اعتدل و نظر اليها بابتسامه و اردف و هو ممسك ليدها: اما بقى انى اتهزيت و اتلخبط و الكلام الكبير ده، مش هنكر ان ممكن يكون حصل بس دا بسبب انى من يوم من انفصلت عنها اللى هو تقريبا من 4 سنين مشوفتهاش، فا لما شوفتها اتفاجأت، و اعتقد يعنى دا رد فعل طبيعى و خصوصا انك جنبى و كمان مجتش فرصه انى اعرفك، بس كده.

نظر اليها ينتظر ردها، و لكنها صمتت تنظر بعينها للبعيد تعيد ترتيب كلماته برأسها، ثم تسائلت: طيب و ليه مقولتش ليا الكلام ده قبل كده؟
و بنفس هدوئه اجابها: لاننا اتفقنا ان اى حاجه عن حياتنا قبل كده متخصش التانى الا اذا كان الماضى دا هيأثر على حياتنا حاليا و دا اللى انا بعمله دلوقت، انا مش بس ببرر موقف انا بشاركك حاجه حصلت.
و مره اخرى تسائلت و كلماته تثير تفكيرها: معنى كده ان احنا كمان مم..

قاطعها و قد وصله معنى ما ترغب بقوله ليبتسم محاوطا عينها بسماء عينه الواسعه قائلا بثقه: ماتقارنيش، انا اه اخدت قرار ارتباطى بيكِ بسرعه و دا مش من عادتى لكن انا شوفت فيكِ أمى يا سلمى، عنفوانها، تمردها و في نفس الوقت بساطتها، يوم ما شوفتك لما جيتِ لمامتك، انا طلبتك يومها، يوم ما شوفتك،.

اخفض عينه عنها لحظه يتذكر كيف اندفع ذلك اليوم ليتحدث مع والدتها، فابتسم و عاد بنظره اليها و قد حُملت سماءه بنجوم اشعلتها هى و اردف بعاطفه صادقه لامست قلبها: مشاعرى ناحيتك اكتملت بسرعه، و مع الايام بتأكد ان قرارى مكنش غلط، اللى بينا مش حب قد ما هو اكتمال يا سلمى، انا فجأه كده حسيت انى اكتملت بيكِ، لقيت نصى التانى زى ما بيقولوا.

اتسعت ابتسامتها و هو يؤكد على نفى ما شعرت به: امجد بقى ملك لسلمى و لو شاف الف انجى تانيه هيفضل ملك لسلمى.
و لم تجد ما تقوله، اقنعها، تلاعب بمشاعرها لتعجز عن المجادله، استطاع خمد غضبها بايقاظ نبضات قلبها، و ربما فقط جرد مشاعره ليصلها صدق احساسه بها فكانت اجابتها اتكاء على صدره تخبره ان حضنه ملجأها الان و تتمنى ان يكون للابد.

و ما كنت ممن يدخل العشق قلبه، و لكن، من يبصر جفونك يعشق.
ابو الطيب المتنبى
مرت الايام و الاسابيع و الاشهر و ها قد انتهت امتحانات الصغيره و تجهيزات عرس الكبيره و الصغيره، غدا، هو اليوم الذى انتظره كلا منهما.
اليوم الذى سيتوج فيه حب الطفوله بعقد مقدس، و ستكتمل فيه قصه بأخر كلماتها،
كان الجميع يتحرك على كل قدم و ساق، ضحكات هنا، فرحه هناك، رقص، غناء و سعاده عارمه شملت المنزل بكل من فيه.

و رغم رهبه الحدث، - فتجمع العائلات الاربعه مجددا لن يكون هين، تزلزل المنزل يوم فراقهم فبأى حال يكون يوم جمعهم -، استمتع الجميع بالفرحه.
و اثناء اندماج الفتيات بالاعلى، دلفت ام على تنادى جنه تخبرها ان عاصم بانتظارها، لتنهض مسرعه و بمجرد ان اقتربت منه ابتسمت متسائله: خير يا عاصم؟

انخفض مقبلا وجنتها التى صُبغت بحمره دلت على انفعالها مع بقيه الفتيات فاتسعت ابتسامتها و هو يردف بعدها: وحشتينى، قولت اشوفك، فيه اعتراض!
لتنفى برأسها ضاحكه فتمتم بوضوح حتى لا تقلق: عندى شغل في المكتب ضرورى، ساعتين مش هتأخر،
عقدت حاجبيها بقلق متسائله: شغل ايه متأخر كده، مفيش مشكله صح، و بعدين هتمشى و لسه في ناس هنا كده!

امسك بيدها يقبلها و هو ينفى بتأكيد مجيبا اياها تلك الصغيره المحبه للقلق: انا جاى اقولك علشان متقلقيش لو اتأخرت، شغل عادى بس لازم اخلصه انتِ عارفه يومنا بكره طويل، نامى انتِ و متقلقيش، ثم الناس تقريبا مشيت و مفيش حد غريب يعنى.
اومأت موافقه و بجرأه طبعت قبله على وجنته و ركضت مسرعه بعدها، ابتسم و رحل، عادت للفتيات مجددا و دامت سهرتهم ما يتجاوز الساعتين ثم بدأ الجمع بالتفكك لتأخر الوقت،.

وقفت امام غرفتها على وشك الدخول و لكن لسببا ما نظرت حولها تتأكد عدم رؤيه احدهم لها و تحركت بخفوت باتجاه غرفته، انتابها رؤيتها، السبب، لا تعرف، فقط خاطرت و دلفت مغلقه الباب خلفها برهبه.

استدارت تنظر اليها ليواجهها شخصيه عاصم متمثله في كل ركن من اركان الغرفه، الوانها الهادئه و التى يغلب عليها اللون القاتم، الرسومات التي عند النظر اليها لا تعرف ما شعورك أهو الراحه أم الخوف مثله تماما، تنظيمه اياها بدقه جعلتها تخشى تحريك أى غرض، اتجهت لطاولته المرصوص فوقها عده زجاجات عطر، امسكت باحداها تستنشقها لتتذكر ذكرى ما جمعتها معه بها، و اخرى و اخرى لتنساب ذكرياتها معه تُوقظ حقيقه حبها، ذكريات اخرى تجلدها بسوط اهمالها، اخرى تعذبها بتذكر كلماته لها، و غيرها تمنحها شعورا بالامان.

تتذكر اول يوم دخلت لهذا المنزل كيف كانت تشعر بالارتجاف، اول مره رأته، تعاملت معه و تلقت قسوته كيف كان يرتعد قلبها بالخوف.
و الان تقف حائره كيف يسكن المكان في شخص في حين ان الشخص اولى ان يسكن في المكان، كيف بعدما ارتعدت ان تخرج محاطه بكل هذا الامان و كيف بعد ان كانت تكره تقع بكامل قواها العاشقه امامه!
ابتسمت و فيض مشاعرها يخبرها انها تأخرت، غابت عنه و كفى.

كفى بعدا لها و له، كفى عذابا لها و له، كفى خوفا لها و انتظارا له...
تحركت لتقف امام دولابه تنظر لملابسه حينا و تستمتع بعبق رائحته بها حينا اخر حتى استقرت يدها على احدى البذلات المعلقه لتأخذها و قد اشتعلت طفولتها ممتزجه بفتنتها لتتخذ القرار و تنفذه، وقفت امام المرأه مرتديه بذلته لتغطى وجهها و تنفجر ضحكا، على مظهرها الطفولى ربما، او اختفائها تماما داخلها، او ربما لانها تذكرته هو بها و قارنته بنفسها.

اخذت تبحث عن فرشاه شعره حتى وجدتها بمرحاضه، فوقفت ترفع خصلاتها للاعلى لرغبتها ببعض المظهر الرجولى و لكن هيهات.

في ذلك الوقت عاد عاصم للمنزل ليجد الهدوء يعم المكان الا من صوت ضحكات بغرفه شقيقتيه، اتجه لغرفته ليبدل ملابسه و لكنه عقد حاجبيه متعجبا ضوئها المشتعل، اقترب بهدوء ليفتحها لم يجد احد و لكنه تعجب ضوء المرحاض المضاء و ملابس نسائيه على طرف فراشه، حك جانب عنقه بهدوء يحاول تخمين ما يحدث و لكنه فشل حتى وجدها تخرج من المرحاض ليتحرك مسرعا متخفيا في ذلك الفراغ الصغير بين دولابه و الحائط و الذى يمنعها رؤيته.

و بمجرد ان خرجت عض شفتيه كاتما ضحكه كادت تفلت منه و هو يراها بمثل هذا المظهر تلك المستبده تلعب باعصابه حتى بملابسه،
وقفت امام المراه ترفع يديها لاعلى و تدور عده مرات حول نفسها و هى تمتم بتلذذ: مسسسسم، طيب و الله قمر.
ابتسم و هو يتابعها و استند على الحائط كمن يتابع عرض مسرحى و ما اشهاه و الطفه من عرض،.

حمحت قليلا محاوله رسم الجديه على ملامحها، و رفعت يدها تحك جانب فمها بحركته المعتاده متخذه منه هدفا تقلده، و حاولت جعل صوتها اكثر خشونه و ان كانت لن تستطيع اطلاقا الوصول لصوته، و تحدثت مستعيره اسلوبه بجديه و عنجهيه مفرطه: في بيتى هنا، مفيش صوت يعلى على صوت عاصم الحصرى، انتِ فاهمه!

كتمت ضحكتها و حمحمت مجددا و هي تتذكر بعض كلماته الغاضبه لتعقد حاجبيها و هى تردف: بلاش تخلينى اتجنن عليكِ علشان وقتها هتكرهى نفسك قبل ما تكرهينى.
كادت تضحك على هيئتها و لكنها تماسكت لتقلد حركته عندما يرفع يده ليعيد خصلاته للخلف بغضب و هي تقول بصراخ مقلده اياه: نفسى افهم انتِ عاوزه ايه، ردى عليا يا جنه؟!
ثم انفجرت ضاحكه و هي تعّدل من ياقه البذله هامسه بغرور: سياده النقيب عاصم الحصرى.

تماسكت و هى تكتم ضحكتها بعض شفتيها، لتضع بعدها يدها على خصرها تجذبه كأنها هو وهمست بعاطفه مقلده اياه ايضا: جنتى.
لتضحك بفرحه عارمه بعدها قبل ان تقفز عده مرات صارخه بسعاده لتتطاير خصلاتها معها،.

ثم توقفت تنزع جاكيت البذله لتفتح اول زرين من القميص و ترفع اكمام القميص لاعلى مرفقها ممسكه بفرشاه الشعر كأنه هاتف و صرخت و هو تدعى الغضب: انت سمعت انا قولت ايه، انا مبحبش اعيد كلامى كتير، انا اقول و انتِ تنفذى عالطول.

ثم تحركت تضرب الحائط بيدها مثلما يفعل عندما يعجز عن التخلص من غضبه، لتلقى بالفرشاه جانبا جالسه على طرف الفراش تحرك جسدها للامام و الخلف بغضب مثلما يفعل تماما، لترتفع ضحكاتها بعدها تلقى بجسدها على فراشه قبل ان تمسك بجاكيته تستنشق عطره.

ثم سرعان ما انتفضت ناهضه و قد ادركت انها قد تأخرت ها هنا و ان أتى لن يمر الامر بسلام، اخرجت البنطال و تحركت لتأتى بملابسها، و كل هذا و لم تدرى ما فعلته تصرفاتها بهذا الذى يتابعها،
بعثرته، لا تكفى،
شتت رجولته، ربما،
اهلكت قلبه، مؤكد
و بالطبع اشعلت رغبته بدلالها.
أوليس من حق المشتاق قرب و عناق، أوليس من حق العاشق قبلة و احتواء، أوليس من حقه، هى!

اقترب منها ببطء لتنتفض هى واقفه بعدما احست بوجوده لتقف امامه في وضع لا تحسد عليه،
ترتدى قميصه فقط، ساقيها العاريه، اول زرين و ما خلفهما ادى بأنفاسه للهلاك، خصلاتها التى تعانق وجهها، عنقها و ظهرها تبعث في نفسه مشاعر شتى بشتاتها، قطرات عرق متفرقه على جبينها و اخرى تسير بانسيابيه على عنقها تابعها بعينه قبل ان تفعل يداه.

تسمرت امامه عاجزه عن الحركه، فعينه تتفحصها بعين رجل لا يخطئ تقدير الجمال، قلبه يشعر بها بقلب رجل لم يعرف صدق الحب الا بها، و جسده يهفو اليها بجسد رجل لا يرغبها سوا حب و احتواء.
وبابتسامه جانبيه عابثه تملك خصرها يجذبها اليه لتشهق هى بتوتر بالغ و هو يردد بعاطفه الان يدعيها: كنت بقول ايه، اه، جنتى.
و على الفور تذكرت ما قلدته منذ دقائق، اللعنه لقد رأها.

أوليس من حق الخجلى ان تفقد وعيها!، أوليس من حقها ان تهرب!
ازدردت ريقها بصعوبه تحاول التملص و ان كانت واثقه انه الان لن يسمح لها مهما فعلت و هى حقا لا ترغب بأن يسمح: انا، كنت، كنت بس...
و تاهت باقى كلماتها بين شفتيه، ليتوه بعدها كلا منهما كليا في بحر مشاعر غرقا فيه طواعيه، و حلق قلبيهما في سماء عشق اندمجت بها دقاتهم العاليه، ليفوز العاصم اخيرا بجنته و تصبح الجنه له قلبا و قالبا.

اعرف ان الامل خيط رفيع و لكنى اؤمن انه ابدا و ابدا لن ينقطع، و مع شمس كل صباح اثق بما اؤمن به اكثر ففى الليله الماضيه نمت على امل الاستيقاظ و ها انا ذا افعل.

فرشت الشمس اشاعتها و لونت السماء بنورها و معها تململت صاحبه ابريق العسل متأفأفه قبل ان تستعيد ببطء ما حدث الليله الماضيه، لتبتسم بهدوء تخشى بقدر ما ترغب بالنهوض، تريد ان تراه بقدر ما تخجل ان تفعل، استجمعت شجاعتها و اعتدلت تستدير له ببطء و ابتسامتها تزين شفتيها لتتفاجئ بالفراغ جوارها، جلست تتطلع في ارجاء الغرفه عله نهض و لكن لا يوجد، نهضت ببطء و قد اختفت ابتسامتها، ألم يكن من حقها ان يكون هو اول من تراه اليوم؟!

ثم سرعان ما هدأت و هى تنظر لوجهها بالمرآه اليوم تستيقظ كزوجه حقيقيه له، طال تأملها لنفسها حتى اخفت وجهها ضاحكه، لتبدأ بعدها باعداد نفسها للنزول، و بعض القليل من الوقت خرجت لتجد المنزل بحاله من السعاده و الحركه المتعجله، لتندمج معهم محاوله السيطره على ابتسامتها التى تخونها احيانا لتتعجب الفتيات متسائلين، لتخجل و هكذا دواليك.

اما هو فلم تراه، اخبرتها مها انه مشغول مع الرجال بالاسفل لاعداد ما تبقى من امور و عذرته و ما بيدها لتفعل غير ذلك، مالك القلب و معذبه.
مرت الساعات سريعه حتى ارخى الليل سدوله و تلون المنزل بمصابيح مختلفه الالوان فاليوم بقدر ما هو فرحه بقدر ما هو حزن فليس بسهل على اب ان يمنح صغيرتيه معا ليخلو المنزل و معه يخلو من القلب بهجته،.

يقولون الزواج بدايه جديده لحياه جديده ربما تكون اجمل و اسعد مما سبقت و ربما اسوء و ربما لا يتغير اى شئ، و لكنه موقن ان شريكه حياته الجديده ستجعلها اجمل و ان اساء هو ستجعله اجمل ايضا.
لذا فقد قرر ان يراها قبل ان يفعل الجميع، ان يخبرها قبل المضى خطوه انه يحبها كما لم يفعل احد، يخبرها انه بها شخص اخر افضل بكثير منه بدونها.

طرقات، استظراف من صديقاتها الفتيات ثم السماح له اخيرا بالانفراد بها، وقف يحدق بها قليلا،
فستانها الابيض المنساب ببساطه على جسدها خلاف ما تختاره الاخريات من اشياء مبهرجه، وجهها الذى زاده ما وضعت جمالا ببساطته ايضا، و ابتسامتها التى تجئ و تختفى من فرط خجلها من نظرته، فماذا بامكانه ان يفعل امام كل هذا الجمال و كل هذه الفتنه؟

اقترب بخطوات متزنه بخلاف نبضاته التى لا تعرف معنى الاتزان امامها، ابتسم و هو يأخذ نفسا عميقا دلاله على غلبه بحبها: ناويه تعملى ايه في قلبى تانى يا حنين؟

اسبلت اجفانها و وجنتها تتورد اكثر فمن هو قلبها ان لم يكن فيه و ما حياتها الا به، ليضم هو وجنتيها بكفيه لترفع عينها اليه غارقه بدموع فرحتها التى اوشكت على التمام لترتفع قدمها قليلا تقبل جبينه لتتجاوزه لعينيه قبل وجنتيه ثم سلمت حياتها، قلبها و كافه مشاعرها فوق شفتيه لتترك ما تبقى منها في حضنه مرتكزه بطرف انفها على حافه عنقه تأخذ منه ما يتركها على قيد الحياه.

و مع احساس كل فعل مما فعلت اجابته على تساؤله فهى لن تفعل شئ لقلب هو لها رغما عنه، بسكوتها و حديث شفتيها على جسده قالت احبك الف الف مره و ان لم تنطقها ليسمعها قلبه و ان لم تفعل اذنيه.
تلك الفاتنه الذى يتذكر بعد كيف كان يعبث بجدائلها، يشاكسها و يتمتع بغيظها ها هى تترك لا فتنتها فقط بل قلبها، عقلها و نفسها بين ذراعيه فأى احمق هو ليترك.

تشبث بحضنها كما لو كان سيفقدها حتى قطع اتصالهم لا الجسدى فقط بل الروحى ايضا طرقات مشاغبه على الباب قبل ان تندفع شذى للداخل تمنعه من الاسترسال ليخرج بأمل و فرحه انها اليوم ستكون له، معه و بجواره من هنا و حتى اخر العمر.
تحرك ليخرج ثم عاد بمشاغبه يهمس امام عينها: ما تقوليلى واحده بحبك قبل ما اخرج.
و تركت هى خجلها جانبا مغيظه بدلال: ابدا،.

لترتفع ضحكته صائحا بعناد و تحدى: هخليكِ تصرخى بيها قدام الناس كلها قوليها دلوقتى و انقذى نفسك.
لتعاود غيظها نافيه برأسها يمنيا و يسارا بضحكه اكثر تحديا: بعينك، لو تقدر اعملها.
رفع احدى حاجبيه و قد راقه التحدى فتمتم متوعدا: ماشى يا عروسه اما نشوف،.

و قبله سريعه، صغيره و عابثه منه لوجنتها ثم خرج لتتنهد بسعاده تدور بفستانها امام المرآه الكبيره عده مرات تضع يدها بعدها على قلبها الراقص خلف ضلوعها متشوقه و يلفها الحماس من رأسها لاخمص قدمها و هى تمضى في خطواتها لمشاركته حياته و منحه قلبها حتى تزهق انفاسها.

بدأت الليله، جلس كلا من العريسين ممسكا بيد عروسته و الفرحه تقفز قفزا من ملقتيهما، لم يجد امجد ما يستطيع قوله امام سعادته و هى ممسكه بيده، فقط يتعجب من اين لقلبه كل هذا الحب في تلك الفتره القصيره!، من اين لعقله كل هذا الاقتناع!، و من اين لنفسه ان اشتبكت بنفسها بكل هذه القوه!
و صدق من قال ان الحب لا يقيده وقت او زمن بل يقوده قلبان عاهد كلا منهما الاخر على السير معا و حتى تنتهى الحياه لا فراق.

و ذكرها هو بعهدهم بنظراته، لمساته و نبضات قلبه و هى تراقصه الان و أمنت هى على اتفاقه و بصمت بروحها لا فقط بقلبها انها معه، له و ما دامت تتنفس فأنفاسها من اجله.
و في تلك الرقصه الاخيره التى يأديها الاختين معا على خلاف المتعارف عليه - بزواج الشقيقين -، تنظر كلتاهما للاخرى مبتسمه و ها قد شعرت بالامان بين يدى شريك عمريهما.

و مع انتهاء الرقصه انطلقت تلك الرصاصه التى استقرت بالقلب مباشره ليتحول اللون الابيض للاحمر،
لتعلن عن هدفها تماما الا و هو قد يتوه الحب احيانا بين اروقه الحقد و الانتقام.

عندما نصبح داخل دائره من الحقد، قد يكون الثمن احيانا أرواحنا،
و قد يكون اغلي عندما تتعلق روحك بروح اخرى و بالنهايه تُختطف من بين يديك و انت عاجزا،
نحب بل نعشق، و لكن هل هناك ضمانا ان نفوز بل و نحتفظ بهذا العشق ابدا؟
نتسائل كثيرا،
ما الحل عندما تتلاحم روحين لتصبح روح واحده بجسدين فيأتي احدهم و يقول وداعا، طواعيه كان او قسرا!
ما الحل عندما يتسلل الفراق ليسرق منك قلبا طالما عشت به و له!

ما الحل عندما تنزلق يدى من تهوى من بين يديك لينزعك من علياء سمائه لتسقط جثه هامده في قاع الهاويه!
ما الحل عندما يشق الموت طريقه بين قلبين ليعلن نهايه احداهما و يبقى الاخر حيا قتيلا!
انتفض جسده و اتسعت عيناه بألم صادم، يده تضغط يدها بين راحتيه، و عيناه تعلقت بوجهها الذى حدق به بذهول،.

كان يشعر انه يفقدها و لكنه لم يكن يدرى انها من ستفقده، تمردت قدماه على جسده ليترنح قبل ان يصطدم جسده بالارضيه التي كان يرقص فوقها منذ دقائق،
بُدلت الموسيقى صراخا، ارتجفت القلوب خوفا، سُرقت الفرحه و عم الحزن، و هى تسقط بجواره بفزع و صدمه تمكنت من عقد لسانها دون كلمه،
اجتمع الجميع حوله في لحظات عجز و عدم تصديق، تصرخ نهال ب اسمه و مازن يحاول التحدث معه و لكنه استكان برأسه في حضنها،.

و ماذا ان كان الحلم لم يكتمل، يكفى انه عاش عمره يتمناها و مات و هو معها.
حاول عاصم و مازن النهوض به لاخذه للمشفى و لكنه رفض، منعهم و اصر على البقاء بين ذراعيها، يشعر انها دقائقه الاخيره و لا يرغب ان تضمه سياره او مشفى يكفيه هى.
تساقطت دموعها تباعا و هى تردد اسمه فابتسم و هو يغلفها بعينه كما كان يفعل دائما و تمتم بنفس هارب حاول التقاطه عنوه: انا وفيت بوعدى يا حنين، لاخر نفس فيا جنبك.

ضاق نفسه و تقاربت جفونه و لكنه يحاول الصمود لترويه فضيه عينها التى اختفت خلف دموعها و هى تضمه لجسدها تشهق بألم يمزق قلبها: فارس، انا عاوزه اعيش بالله عليك متموتنيش دلوقتى، فارس فتح عنيك رد عليا.
بدأت صورتها تهتز امامه، فأغلق عينه عده مرات و هى يشعر بألم حارق في صدره فاقدا احساسه بباقي جسده ثم همس بنبره يطالبها بها لتكمل: انت نصى التانى،.

و لكن انفاسه لم تساعده ليكمل، عاد برأسه للخلف بحده و هو يلتقط انفاسه بصعوبه فحاول عاصم و مازن ابعاده عن حنين و النهوض به و لكنه تمسك بطرحه فستانها و يده تضم يدها بكل ما يملك من قوه الان ليدرك مازن انها النهايه و لن يستطيع انقاذه مهما فعل.
امسك فارس كفها واضعا اياه على صدره موضع قلبه و موضع اصابته و اخرج صوته بصعوبه يحاول الابتسام: متزعليش، اكيد هنتقابل تانى، في الجنه.

نظرت ليده المحتضنه يدها و هي تشعر بنبضات قلبه الضعيفه ثم عادت تنظر لعينه و تتسائل كأنها تعاتبه: حلمنا يا فارس، محمد و عائشه.
تساقطت دموعه هو الاخر ضاغطا كفها على قلبه و همس برضا: انتِ هتحققيه.
ضاعت انفاسه بثقل يلف رأسه و غامت عينه في ضبابات و الصوره امامه تختفي فهتف بصوت مبحوح يمزح و هو يزدرد ريقه قسرا: قولي، قوليلى واحده بحبك.

نظرت لعيناه التي تجاهد لتظل مفتوحه و انفاسه التى تختفى تدريجيا و تذكرت قوله لها، فنظرت اليه بصدمه قليلا و قد توقفت عينها عن ذرف الدموع، تصيح بحده و كأنها تتمني ان تكون حقيقه: انت بتعمل كده علشان اقولها! بتعمل كده علشان اصرخ بيها قدام الكل،
ابتسم بوهن قبل ان يستسلم تماما مغلقا عينه لتنظر اليه بفزع تبعته بصرختها: بحبك يا فارس و الله العظيم بحبك، بص لي يا فارس، افتح عينك و بص ليا، بحبك و الله، بح...

توقفت و عينها تتسع بذهول، مع توقف نبض قلبه اسفل يدها، نظرت لصدره بصدمه و دموعها تتساقط تباعا ثم رفعت عينها لوجهه بصدمه اكبر و هي تحرك جسده بيدها الموضوعه اسفل يده هامسه بتقطع: ف، فا، فارس،
وضعت يدها الاخري على وجنته لتلاحظ ثبات انفاسه لتميل عليه قليلا تدقق النظر في وجهه و هي تتسائل بتعجب: فارس، انت مابتردش عليا ليه!

انطلقت صرخه نهال المنهاره ب اسمه لتُعطي الجميع الرد و هي تضم فارس لصدرها بقوه لتسقط يده من فوق يد حنين التي نظرت له في حضن والدته و هي لا تستوعب ما يصير حولها، رجفه شفاه، نبضات قلب ثائره، اهتزاز بدن، دموع لا تتوقف، و عدم استيعاب.
اقترب عاصم منها و قد غلبه القهر ليهدم كل قوه به، و لمس كتفها يساعدها على النهوض فنظرت اليه و هي تُشير على فارس و تقول باستغراب: عاصم، فارس! هو، هو مش بيرد عليا ليه؟

ضمها عاصم لصدره بقوه و خانته عيناه لتفضح انكسار روحه لكنها حاولت التملص منه و مازالت لا تستوعب مردده باستمرار: عاصم رد عليا، فارس مش بيرد ليه؟! هو زعلان علشان مش قولتله بحبك؟ هقولها يا عاصم و الله بس خليه يرد عليا، خليه يرد عليا.

شدد عاصم من ضمه لها و هو يغلق عينه و لاول مره بحياته يشعر بالعجز بهذا الضعف، و بمجرد ان فرق جفنيه وقعت عينه على تلك الجنه التى صارت خرابا بملامحها الممزقه و هى ترى موت امامها من جديد، فراق مزق اوصال قلبها مره اخرى، ترى خساره نتيجه حب و انهيار نتيجه حزن، لتعيدها الدماء التى لونت ابيض فستان حنين لتلك الدماء التى لونت ابيض حياتها بموت والدها، فتحجرت عينها على فارس ارضا بصمت تكسوه الدموع منهمره يخفى اندثار قلبها و وجع شظايا الفراق به.

تساقطت دموع محمد و هو يجلس بجوار قدم طفله يردد بحسره اب هُدم: انا لله و انا اليه راجعون، بينما انحنى مازن على ركبتيه يلقى برأسه على قدم فارس لتتعالى شهقاته كطفل صغير فجلست حياه بجواره تضع يدها على ظهره تحاول تهدأته و لكن آنى لها ان تفعل و هى فاقده لاى اتزان تماما.

طغى على صوت الجميع صوت صرخه عاليه صدرت عن محمد الذى ضغط صدره موضع قلبه بقوه من فرط ألمه قبل ان يسقط فاقدا للوعى، اقترب منه اكرم و تحرك عاصم يساعده و بمجرد ان ترك حنين سقطت ارضا على ركبتيها لتلحق بها سلمى و ليلى و لكنها ابعدتهم مقتربه من فارس و هى تبتسم، هو بالتأكيد يمزح، وضعت رأسه بحضنها مجددا تمتمت بتلك الكلمات التى ترددها له دائما بنفس منكسره و صوت شُرخ و هى تتحرك به للامام و الخلف: انت نصي التانى، انت حته منى، انت كنزى الغالى، انت ابنى.

نظرت لوجهه متوقعه ان يضحك كالعادته، يسخر منها ثم يبتسم ضاما اياها و لكنها لم ترى سوى شحوب وجهه، صدره الساكن تماما، الدماء التى اغرقت قميصه و فستانها، عينه المغلقه و انفاسه المنقطعه، نظرت لنهال التي انهارت بين يدى اخيها، ثم نظرت للجميع لتري كل العيون تتطالعها بحزن و شفقه و الدموع هى من تتحدث، عادت ببصرها اليه، و هنا ادركت الواقع دفعه واحده لتنطلق صرختها ب اسمه و هي تدفع جسده بقوه قهرها ثم تلاشت الانفاس و الرؤيه و معها سقطت فاقده الوعي بجواره.

قدر
كلمه بسيطه من ثلاثه احرف،
كلمه تحمل حياتنا بين طياتها، تحمل احيانا من الوجع ما يفوق كل احتمالاتنا، كلمه و برغم بساطتها تقلب الوسط و احيانا تضع النهايه لكل احلامنا.
الحياه تعاندنا احيانا لتخبرنا اننا لا نعيش برغباتنا و لكن الواقع من حولنا يفرض علينا ما يشاء باسم القدر .
و لكن هل كل من عاندته الحياه يستجيب لها، يفر هاربا منها أم يفوق عناده عنادها و يحصل بالنهايه على ما يريد!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة