قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل العاشر

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل العاشر

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل العاشر

منع عز عاصم من اخبار احد بطلب فارس قبل ان يفكر في الامر قليلا و قد كان و بعد يوما كاملا قضاه ليلا نهارا يفكر، أكد لنفسه انه يتخذ القرار الصحيح، ابنته تستحق ذلك و فارس شابا اكثر من رائع و يتمناه اى اب لابنته و فارس يتمنى ابنته و هو وافق.

اجتمعت العائله مساءا كالعاده دائما، جلس عز بجوار حنين محتضنا اياها لصدره مقبلا جبهتها ثم تمهيد، حوار مبهم عن العائله، حبه لهم، خوفه عليهم و اهتمامه بما هو الافضل لهم دائما ثم تمتم بالاخير و هو ينظر لليلى التى تعجبت حواره و نبرته التى حملت من الشجن الكثير و نادرا ما يتحدث هو به: فارس كان جاى يطلب القرب منى.
صدمه، قلق و خوف كبير اندفع لقلبها رغما عنها فهتفت بعدم تصديق: هو اتجنن؟

اختفت الابتسامه تدريجيا عن وجه سلمى التى كادت تطير من شده فرحها عندما استمعت لرد ليلى و التى اخبرها ان ربما مشاكل العائلتين التى لا تعرف عنها شئ تخرب حلمها كله، بينما اغلقت حنين عينها بعدما رأت من فرحه سلمى نهايه حلم الصغر و الذى اكتنف روحها حتى هذا اليوم..

اعتراف فارس لها بحبه ثم مبادلتها اياه باعترافها ثم قبلته، سخافته، ارتباكه و فرحته و التى جسدت منها لوحه حياتها و التى اعتقدت انها ستكتمل بزواجها منه، هى ليست غافله عن نظراته، عن شجنه كلما رأها، ضحكه عينيه، لهفه كلماته و اطمئنانه عليها، و يوم صرحت سلمى عن حبها، شغفها و تعلقها به كاد قلبها يموت بل بالفعل مات و ها هى اليوم تدفنه للابد، ستتخلى عنه و عن نفسها و قلبها و كل ما بها لأجل شقيقتها، ستترك خلفها قلبا يتألم و نفسا جازفت لتفوز بها و هى من ستبتعد، و حتى ان كان حلم شقيقتها مستحيل فهى لن تتحمل ان تكون هى سبب المستحيل ابدا.

وضع عاصم يده على يد ليلى يناظرها بتفحص و هو يحاول امتصاص قلقها فهو يثق تمام الثقه بفارس و الاهم انه يثق بنفسه فلن يسمح لاحد بإذاء شقيقته ما دام على قيد الحياه: ليه يا امى، فارس انسان ممتاز، انتِ عارفاه كويس، يعتبر متربين سوا، عارفين اهله و حياته و كل حاجه عنه، ليه هنحكم عليه بسبب تقاليد انا واثق انك مش مؤمنه بيها اصلا.

استدارت ليلى له بقلب أم تخشى الهواء على اطفالها و هتفت بحده و هى تجذب يدها من يده: انتوا متعرفوش حاجه، لا انت و لا هو و لا اى حد منكم، احنا بس اللي نعرف، احنا بس اللى مدركين لحجم المشاكل و القلق اللى هيحصل، لا جدك و لا جده هيقبلوا بحاجه زى دى ابدا و انا لا يمكن اسمح لبنتى تبقى في النص بينهم.

فتح عاصم فمه ليُجيبها و لكن بادر عز بالحديث و هو يضم جسد حنين اليه اكثر متسائلا: طيب ما عاوزه تعرفى مين عروسته الاول يا ليلى؟
انكمش جسد حنين و كم كانت تود الاختفاء نهائيا ففتحت عينها ببطء تنظر لسلمى التى تأهبت و هى تخفض وجهها خجلا و كل ملامحها تنبض بالسعاده و الانتظار فأغلقت عينها التى لمعت بدموعها حسره على شقيقتها، فارسها و على قلبها المسكين الذى كُتب عليه الموت قبل ان يعيش حتى.

ربت عز على يدها ففتحت عينها لتنظر اليه لتجده يبتسم غامزا اياها متجاوزا مدى قلقه هو الاخر و لكن هو عاهد نفسه على حمايتها قبل الاخرين و صاح مطلعا الجميع على رغبه فارس بها: فارس طلب ايد حنين يا ليلى.
صمت، صمت، صمت و صدمه
ارتفعت نبضات قلبها صخبا يبكى، و ارتجفت عينها بعدم تصديق و ابتسامتها تتلاشى تدريجيا و هى تنظر لحنين التى تحاشت النظر اليها لتصرخ روحها بالرفض.
شقيقتها!
فارس احلامها اراد الزواج بشقيقتها!

لا مانع من تحطم احلامها على صخره الواقع بل هى توقعت هذا و لكن ان تكون شقيقتها الواقع، وضعٌ لا يحتمل.
أنّ قلبها بين ضلوعها و جعا و هددت دموعها بالهروب من مقليتها و هى ترى نظرات حنين الحذره و المعتذره تجاهها.
كانت ترى بعينيه نظرات اساءت تفسيرها و ربما لم تفعل فقط اساءت فهم وجهتها.
اذا ما رأته لم يكن مشاعر حقيقه لها بل كان انعكاس لمشاعرها هى.

ارسلت حنين لها ألف اعتذار بنظراتها، صمتها، خزيها و لمعة عيونها بدموعها.
و لكن سلمى لم تتقبلها و لن تفعل، لن تستقبل اعتذارها بل سترده اليها اتهاما، لن تحترم صمتها بل ستجلدها بسياطه، لن تُقدر خزيها و لكنها ستمنحها عارا و لن تهتم بدموعها فقط ستحرقها لوما.
نظر عز لحنين واضعا يده اسفل ذقنها ليجعلها تنظر اليه و لاول مره تهرب هى بنظراتها منه اعتقد هو انها خجلى فابتسم متسائلا بتمعن: ايه رأيك يا حنين؟

كادت ليلى تصرخ به و لكنه اشار لها بالصبر منتظرا اجابه صغيرته و التى جاهدت لتنطق بها رغم رفض قلبها، تجاوزت كل أمانيها و التى كان هو اغلبها ان لم يكن جميعها و تمتمت بحزم رغم نبرتها المرتعشه: انا مش موافقه يا بابا.
تنهدت ليلى بارتياح بينما حدق عاصم بها قليلا ثم قال يحاول الوصول لسبب رفضها: مش موافقه على مبدأ الجواز عامه و لا على فارس بالذات؟!

تنهدت حنين فهى لا توافق على ان تكون السبب بألم شقيقتها فقط، جاهدت لترفع عينها و لكنها لم تستطع و دموعها تغلبها لتحرق عينها عجزا مهدده بالسقوط و لكن تحاملت و اجابته: الاتنين يا عاصم، مش عاوزه اتجوز دلوقت اولا علشان انا لسه مخلصتش دراستى و ثانيا علشان انا الصغيره مينفش اتجوز قبل سلمى و ثالثا بقى...

ابتعلت غصه اصابت روحها و هى تردف بنبره ضائعه: ماما معاها حق في كلامها و علشان كده انا مش موافقه على، على فارس.
قبضت يدها بعنف تحاول بقدر ما اوتت من قوه التماسك لكى لا تصرخ معبره عما يحرق قلبها و يكاد يُميت روحها، بينما سلمى تنظر اليها بحده و روحها المتمرده تشتعل غضبا..
صمت عز لحظات فا هى حنين تقطع عليهم اطول و اصعب الطرق و زفر مستشفا قرارها النهائى: دا قرار نهائى و لا محتاجه وقت تفكرى؟

اختنقت نبرتها و ظهر الالم جليا بها او ربما هذا ما شعرت به سلمى و هى تجيب بخفوت: لا يا بابا دا اخر كلام عندى.
و رغما عنها لم تعد تتحمل، فنهضت مستأذنه لتركض مسرعه للاعلى و اتجهت لغرفه جنه و بمجرد ان دلفت ركضت اليها تُلقى بجسدها بين يديها تبكى كما لم تفعل من قبل..

و لم تحتاج جنه ان تسأل فهى تعرف السبب فحنين سبق ان اخبرتها كل شئ عن حبها بل و حب فارس لها، اخبرتها عن طفولتهم معا، اخبرتها عن وعده بأن يتزوجها و عن وعدها بانتظاره، و بالامس عندما اتى فارس ادركت جنه انه ينفذ وعده و الان و هى بين ذراعيها تبكى ادركت انها اخلفت وعدها..

فحنين بصدق قلبها و براءته لن تسمح بأن تجرح شقيقتها جرحا كهذا، لن تمنحها الالم و تلذذ هى بحياتها، لن تدعها تخسر قلبها و تربح هى كل ما تتمناه روحها.

ضمتها اليها اكثر تاركه اياها تُفرغ مكنونات قلبها و التى لم تبخل حنين بها بل شاركها في هذا جسدها الذى ارتجف، صوتها الذى ارتفع بنحيبها و يدها التى اعتصرت جسد جنه حتى كادت تصرخ من ألمها و هتافها بصوت مذبوح: كل حاجه انتهت يا جنه، حبى، انتظارى، حبه و حتى فكره وجوده في حياتى بقت غلط، انا خلفت وعدى له، انا نهيت كل حاجه.

فزعت جنه و هى ترى سلمى تقتحم الغرفه دون سابق انذار بعدما سمعت ما قالته حنين كاملا و زاد ذلك غضبها غضبا لتغلق الباب خلفها بعنف جعل حنين تنتفض جالسه و سلمى تهتف: بتعيطى ليه يا حنين؟
رفعت حنين يدها تُزيل دموعها و هى تستعد لمواجهه من اصعب ما يكون عليها و قبل ان تنطق بادرتها سلمى و هى تعقد ذراعيها امام صدرها و انفعالات روحها تبدو بوضوح على ملامحها: صعبان عليكِ طبعا ترفضي حبيب القلب علشان خاطري، صح!

عقدت جنه ما بين حاجبيها و هى عاجزه عن التدخل و لكن سلمى الان تنظر للامر من اكثر اوضاعه خطئا، بينما حملقت بها حنين بصدمه و عينها تخونها لتنهمر دموعها مره اخرى، و هى تحاول ايجاد كلمات لتدافع عن نفسها متمتمه: سلمى انا عملت كده علشانك، انتِ..
و هنا اندفع ماردها المجنون و خزى حنين يدفعها اكثر للجنون صارخه بسخريه: علشانى! لا انتِ رفضتِ علشان تبقى الطيبه الاصيله اللى ضحت بسعادتها علشان اختها.

و دون ان تدرى ما تقول او كيف تقوله هاجت و انفرط عِقد ألمها لتتساقط حباته تباعا بألم اشد على حنين: لكن لا يا حنين، تمثيلك ده مش هيفرق، انا جيت لحد عندك و بكل فرحه قولت ليكِ انا بحبه، انا بتمناه و عاوزاه، قولت ليكِ قد ايه فكرت فيه، و انتِ..

اشارت اليها بسبابتها تلومها بأقسى ما قد يوجعها: انتِ وقتها سكتِ، رغم انك كنتِ متأكده انه بيحبك انتِ و عاوزك انتِ، لا فهمتينى و لا حاولتِ تشرحى سكتِ و بس، و جايه دلوقت ترفضى!
بدأت قسوتها تتلاشى تدريجيا ليظهر و لو قليلا من حزنها و هى توضح شارده: مكنتش متأكده هو بيحبنى و لا لأ، مكنتش اعرف القدر هيجمعنى بيه و لا لأ، كنت متقبله فكره انه ممكن يكون بيحب واحده تانيه او انه ممكن يتجوز غيرى،.

لمعت عينها بالدموع في مشهد نادرا ما تراه حنين من شقيقتها المتمرده فازداد انتفاض جسدها وجعا عليها و على نفسها و سلمى تردف: كنت مستعده اتقبل الفكره دى، نصيب مش مشكله، هتجاوز الموضوع و هيعدى لكن..
ثم احتدت عينها بعنفوانها المعتاد لترفع يدها مزيله دموعها بقسوه و هى تشير على حنين بشئ من الغضب و الكثير من عدم التصديق: لكن ان التانيه دى تبقى اختى دا اللي مكنتش متوقعاه ابدا.

كانت جنه تنقل بصرها بينهم بحزن و شفقه، بينما ارتفع صوت حنين و هى تكتم فمها بيدها و سلمى تصرخ بوجهها مؤنبه غير عابئه بجرحها و الذى يبدو انه فاق جرح سلمى بكثير: بتعيطى ليه يا حنين؟ علشان رفضتيه و انتِ عاوزه توافقى! و لا صعبانه عليكِ فبتحاولى تواسينى! و لا مش هاين عليكِ هو يزعل و تخسريه! حقيقى يعنى هو انسان كويس خساره الواحد يخسره.
اعتصر قلب حنين قبضه قويه كادت تفقدها انفاسها،.

كيف تخبر شقيقتها انها بالفعل تحبه و لكنها ترفض كل هذا لاجلها!
كيف تخبرها ان حزنها و دموعها بل و انفعالها هذا يكاد يمزق روحها هى اربا!
كيف تقول لها ان الكون كله لا يساوى لحظه فرحه معها!
هى شقيقتها فكيف تخبرها ان لهذا عظم المعنى عندها!
اجل تحبه، بل تعدى الامر الحب بكثير ليصير شغفا حرق كلاهما انتظارا للوقت المناسب،
اجل كانت تنتظره و تتلهف ليوما يحمل اصبعها حلقته الذهبيه،.

اجل تبكى روحها و قلبها و فارسا امتنعت عنه بارادتها كما يبدو و اه لو تدرى انه رغم انفها،
و اجل تحزن كل الحزن على فكره خسارته و عدم القدره على النظر اليه حتى فهو نفذ وعده و لكنها من اخفقت،
و لكن مع كل هذا هى اختارت شقيقتها، اختارت سعاده سلمى و لو على حساب سعادتها.
و بالرغم من ذلك تمنحها سلمى من الجرح اضعاف ما تحمله، تضع اطنانا من الوجع اكثر مما تشكو روحها بل و تراها مخطئه فقط لانها لم تخبرها..

اقتربت منها سلمى و هى تمعن النظر فيها و بأسوء اتهام ممكن ان تفعله قالت و قد تمكن الشيطان من افكارها فانحرفت لاقصى ما يؤلم و هى تتذكر ما سمعته قبل ان تدلف للغرفه: كنتِ بتشوفيه فين؟ كان بيجى ليكِ الجامعه! اعترف ليكِ بحبه امتى! و انتِ اعترفتِ برده و لا ايه؟ من امتى و انتِ بتغفلينا كلنا علشانه؟

اتسعت عين حنين بصدمه و هى ترى الاتهام بعين سلمى اسوء من كلماتها، بينما هنا لم تستطع جنه التزام الصمت بل اقتربت من سلمي هاتفه بقوه رغبهً منها في اعاده سلمى لوعيها: ايه اللي بتقوليه دا يا سلمي؟ انتِ مدركه انتِ بتقولي ايه!

التفتت اليها سلمي بعصبيه لتشيح بيديها في وجهها صارخه باستحقار شل حركه جنه تماما: انتِ مالك اساسا؟ اوعى تنسى انك في الاول و في الاخر واحده بشتغل عندنا بلاش تعملى فيها ناصحه و خليكِ في حالك، فاهمه!

عادت جنه خطوه للخلف و هى تحدق بها ذاهله، حسنا هى مجرد مربيه لشقيقتهم و لكنها اعتبرتهم اخوه لها، تحزن لحزنهم و تفرح دائما معهم و لكن قالها الابن الاكبر سابقا و ها هى ترددها هى الاخرى، لا يجب ان تنسى وضعها هنا.
و هنا تحدثت حنين بدهشه هى الاخرى من رد سلمى بل و مازالت لا تصدق اتهام سلمى لها و هتفت محاوله منها لجعل سلمى تستمع اليهم و هى تضع يدها على كتفها لتلتفت اليها: سلمى انتِ لا..

فوجئت حنين بانتفاضه سلمى و هى تدفع يدها عنها بعنف صارخه بكره غلف صوتها و نبره لاول مره تسمعها حنين منها: انا مش عاوزه اشوفك قدامى خالص و اوعى تقرب منى، فاهمه؟
صرخت بالاخيره بأعلى ما تملك من صوت ثم صمتت قليلا تنظر لوجه حنين المحدق بها بذهول فأخذت قرارها و وضعته قيد التنفيذ متمتمه: مش انتِ بتحبيه؟ و عاوزاه و نفسك توافقى على الجواز و انا السبب اللى منعك،.

صمتت لحظات اخرى ثم تحركت باتجاه الباب و لكن قبل ان تخرج نظرت اليها منهيه حديثها: انا هنزل اقول لبابا انك موافقه و يبقى مبروك عليكِ يا عروسه.

فتحت الباب و خرجت بينما شهقت حنين و هى تتبعها تنادى اسمها و لكن سلمى لم تلتفت لها حتى و عندما وصلت لنهايه الدرج و همت بالتحرك لغرفه الاستقبال حيث يجلس والديها و عاصم، توقفت اثر صرخه حنين العاليه و هى تلتفت مسرعه لتتسع عينها بذهول و هى ترى حنين تتعثر ليختل توازنها و تسقط ليتدحرج جسدها على الدرجات، ثم سكون تام امام قدمها و خط رفيع من الدماء يسيل على جانب وجهها.

لحظات مرت، انتفاض والديها و عاصم، ركض باتجاه شقيقتها، صراخ ليلى باسم حنين و خوف بعين عز و اضطراب اصاب عاصم، دفعها، ابتعادها للخلف خطوات، حُملت حنين ثم سكون تام حولها فقط تقف بعدم استيعاب لما صار خلال دقائق.
اقتربت جنه منها و هى تحاول تمالك اعصابها لكى لا تنظر للدماء و صور من الماضى تتلاعب بتفكيرها و لكن هتاف سلمى المهزوز و اصابعها المرتجفه منعها من الدخول في حاله من اللاوعى بالحاضر: ح، حن، حنين!

حاولت جعل سلمى تتحرك معها، و التى دون انذار عادت للواقع دفعه واحده، لتوبخ نفسها، بكاء، صراخ باعتذار، و ندم، ندم، ندم.

حاولت جنه تهدئتها حتى نجحت اخيرا و تركتها تصلى و تدعو لشقيقتها بينما اتجهت هى لغرفه شذى للاطمئنان انها مازالت نائمه ثم توجهت لغرفه سلمى مره اخرى لتجدها جالسه ارضا تحتضن جسدها بقوه و دموعها تنهمر و الندم يحاوط ملامحها، اقتربت منها و جلست بجوارها وضعت يدها على كتفها فنظرت اليها سلمى ثم احتضنتها لتسمح اخيرا لتمردها و غضبها بالتصدع لتعبر عن وجع شمل روحها مدركه انه لا حلما يعنى لها اكثر من شقيقتها، تتألم او لا لكنها ابدا لن تتحمل تألم شقيقتها.

شددت جنه من احتضانها متمتمه بخفوت و هى تحاول ألا تتجاوز حدودها: ادعى لها، هى محتاجه دعواتك لها بس دلوقت.

تذكرت جنه عندما كانت تمرض دائما ما كانت زهره تداويها بالصدقه فابتسمت بهدوء مردفه و سلمى ساكنه تماما تستمع اليها: لما كنت اتعب كانت داده زهره تخرج من مرتبها مبلغ صدقه و لما سألتها قالت ليا حبيبك النبى قال دَاوُوا مَرضاكُمْ بِالصَّدقة و كمان ربنا سبحانه و تعالي بيقول الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ.

ادركت سلمى مغزى حديثها و لكنها استمعت إلى بقيه كلامها و كأن الامر يمنحها بعضا من السكينه: و كانت بتحكى ليا عن قصه عن النبي عليه الصلاه و السلام لما كان دبح شاه و اخرج منها لله و بعدين بيسأل السيده عائشه ماذا تبقي يا عائشه، قالت لم يبقى سوي كتفها يا رسول الله فقال بل بقيت كلها الا كتفها.

وافقتها سلمى و نفذت كلتاهما االامر، ثم اتصال سريع بالعائله و اطمئنان على حنين، اعتذار من سلمى و قبول من جنه، و انتظار قاسى لعوده العائله للمنزل.

متى ستعرف كم اهواك يا رجلا
ابيع من اجله الدنيا و ما فيها
يا من تحديت في حبى له مدنا
بحالها و سأمضى في تحديها
لو تطلب البحر في عينيك اسكبه
او تطلب الشمس في كفيك ارميها
ان احبك فوق الغيم اكتبها
و للعصافير و الاشجار احكيها
ان احبك فوق الماء انقشها
و للعناقيد و الاقداح اسقيها.
نزار قبانى.

ينظر للاماام و هى تنظر اليه، حلما جميلا طالما انشغل تفكيرها به، اشتعل قلبها شغفا بانتظاره، دقت نبضاتها باسمه معلنه انه يملكها و ها هو يفعل، سطرت بكل ما فيها حبه على صفحه قلبها البيضاء حتى صار جزءا منها او ربما هى جزءا منه.
تنظر لملامحه، هدوءه، شروده و ابتسامته العابثه.

هو معتز قلبها و ان وقف الجميع امامها، هى اختارته و لم تعتاد ابدا سهل الاختيار، هى تحدت به الجميع و لم تعتاد ابدا الفشل، ستحارب حتى و ان كانت ستحاربه نفسه لتفوز، سيحتضن قلبه قلبها و تعانق روحه روحها، لن تتخلى و لن تتنازل حتى و ان كلفها الامر كل ما تملك، فحلمها به يستحق.

يعلم انها تنظر اليه، واعٍ هو بتأملها و يدفعه ذلك للغرور، يبتسم بطاووسيه متفاخره فموج عينيها يحتضنه آلاف المرات بنظراتها، و لكنه هنا يشتعل شوقا.
لا تعنيه نظراتها و لا يهمه مشاعرها فقط هو ارادها و حصل عليها.
و لكن من يريدها كسابق عهده ليست هنا.
من يريدها بين يدى اخر، يلعب بخصلاتها، يستنشق عبق رائحتها، تدرس يداه خريطه جسدها، و تعبر شفتاه عن شغفه بها.
هو تخلى عنها يُدرك ذلك و لكنه لا يتحمل فكره زواجها.

هو هرب من مسئوليته يوم احبها و لكنه لا يستسيغ ان يتولى اخر مسئولياتها.
هو يسير مع زوجته الان و التى تعد تحديا جديدا و يبدو انه فاز به قبل ان يبدأه فهى تكاد تموت به عشقا، و لكنه لا يستطيع لمسها.
تضع هى ما تسميه مبادئ و مجبر هو على تحملها.

يتذكر عندما كان يحتضن بيده يد ملكه قلبه، عندما داعبت اصابعه خصلاتها التى دائما ما كانت تصبغها بلون العسل، و يا ليته أدرك ان عسلها مر المذاق و حياته بدونها و بدون مداعبتها علقم.
يتذكر عندما كانت تميل على كتفه ضاحكه لتطرب اذنه بصوتها الذى يشتاقه الان.

يجلس هو الان و بجواره من اختارها شريكه لحياته بهدوءها و عقلانيتها و نظراتها الحالمه تجاهه فيتأكد انها زوجه مناسبه، من يأتمنها على بيته، ماله، متعته و كفى.
و لكنه يود لو يهرب من نفسه ليركض لمن كان يعيش معها اجمل سنين عمره.
ربما لانها تمنحه ما يحتاجه رجلا مثله من شغف بالحياه، الاموال و الفاتنات مثلها.
و ان كانت الجالسه بجواره بموج عينيها تفتنه فهو لا يستطيع تذوق مدى فتنتها و هذا يغضبه.

زفر بضيق و حاول تجاوز هذا باندماجه مع من تسمى زوجته و رفع يده ليضعها على كتفها ليضمها لصدره ليطفئ بعضا من لهيب صدره بها او بحبيبته السابقه و لكنها فاجأته بحدتها و هى تنتفض مبتعده عنه هاتفه و هى تنظر حولها بخجل و شيئا من الغضب يلمع بعينها: انت بتعمل ايه يا معتز؟
عقد ما بين حاجبيه من رد فعلها الغريب لا قليلا بل كثيرا و هو يتمتم باستنكار ضايقها قليلا: بحضنك.

ارتجفت عينها بحياء و هى تنظر ارضا فازداد انعقاد حاجبيه متعجبا خجلها البادى بوضوح من حمره وجنتها و هى تخفى عينها عنه، ثم اضاف بما هو مقتنع به: هو الموضوع في مشكله؟ انتِ مراتي و من حقي اعمل كده، و اهو احسن ما احنا قاعدين كل واحد في ناحيه كده..

ازدردت ريقها ببطء و هى تحاول تجاوز ما احتاجها من خجل من جرأته التى تراها زائده خاصه على فتاه لم يكن لها اى احتكاك بجنس ادم من قبل سوى نادرا، امتدت يدها تُمسك يده بخفه و رفعت عينها ببطء لتستكين في اتساع عينيه التى تعشق التيه بهم: صح مراتك و من حقك، بس مينفعش في الشارع يا معتز.

ثم نظرت حولها باشاره منها لمن حولهم من اشخاص و اردفت بخفوت مس قلبه باحساس غريب ربما يختبره لاول مره: حوالينا ناس و انا مش حابه حد يتكلم علينا،
ثم اخفضت عينها عنه مره اخرى مبتسمه و هى تكمل: اما حقك تقدر تعملوا زى ما تحب في بيتك وقتها محدش يقدر يقولك ثلث الثلاثه كام!

انهت حديثها الخجل بضحكه صغيره و هى تتوارى خلف قناع من المرح هاتفه و هى تدفع يده عنها بعدما كانت تحتضنها بكفها: و بعدين يا سيدي انا بتكسف الله.
هل هذا معنى العفه التى طالما تحدثت شقيقته عنه!
هل هذا هو الفارق الذى حاول محمود اخباره به!
الفارق بين هبه و سالى و شتان بينهم حقا.
جرأه يقابلها خجل، صخب يقابله عقلانيه، شهوه يقابلها حب، امرأه متفجره الانوثه يقابلها انثى شديده النقاء.

و هو في هول مقارنه بينهما و النتيجه لا يعرفها.
بين من اختارها و من اختارته، بين من تعلق بها و من احبته، بين امرأه امام الجميع تتفاخر بأنوثتها الطاغيه و بين امرأه تختص انوثتها فقط له، بين ماضٍ و حاضر يضم بين ثناياه المستقبل، بين ما يريد و ما يريده له القدر.

راقب هروبها منه بخفه و هى تخفى خجلها الذى جعل وجنتيها في اسوء حاله لها و اعظم حاله له، ارتباك اصابعها التى تضغطها بتوتر و عيناه تتوه في حركتها، اهتزاز قدمها و الذى سرق انتباهه اليها، و شفتاها التى تعض عليها لتتدافع رغبته تحاوطها.
اخذ نفسا عميقا و هو يُخرج علبه سجائر ليشعل احداها منفسا بها غضبه، توتره و الاسوء رغبته.

احتدت عينها متناسيه ما مرت به من خجل و هى تعقد ما بين حاجبيها متسائله بشئ من التعجب: انت بتشرب سجاير؟
و يبدو انه فهم تعجبها انبهار متذكرا كيف كانت تشاركه سالى سجائره فابتسم ناظرا اليها و ها هو يجد نقطه مشتركه بينهما: بتحبيها؟
اتسعت عينها بدهشه مردده و جانب شفتيها يرتفع باستنكار: بحبها!

و هنا فهم استنكارها فتمتم ببساطه و هو يستنشق نفسا عميقا منها موضحا و كأن الامر لا يفرق معه: اه في بنات بيشروبها عادى.
حملقت به قليلا ثم رددت خلفه باستنكار اكبر: عادى!
ثم احتدت عينها اكثر و هى تهتف به: انت بتتكلم ازاى؟ انت سامع انت بتقول ايه؟
اخذ نفسا اخر ثم نظر اليها مخرجا الدخان امام وجهها مجيبا اياها ببساطه اكثر: و ايه المشكله في كلامى؟

سعلت هبه و هى تُدير وجهها للجهه الاخرى باشمئزاز و رفعت يدها تحركها امام وجهها رغبه منها في ابعاد الدخان عن مرمى تنفسها و هتفت بنزق: ممكن تطفيها علشان بتضايقنى.
نظر لملامح الامتعاض على وجهها و على مضض اخذ نفسا طويلا ثم القاها ارضا مطفئا اياها، ثم استدار ليتحدث و لكنها سبقته هاتفه بنبره حملت من الامر بقدر ما حملت من التوسل: ممكن تبطل السجاير دى خالص؟

رفع احدى حاجبيه مستنكرا و عيناه تسألها عن السبب باستخفاف، فأغلقت عينها لحظه ثم منحته اجابتها بنفسٍ خائفه عليه و روحٍ تتألم لفكره انه يتأذى: لو هتسألنى عن السبب فأنا متأكده انك عارفه يا معتز، انت بتأذى نفسك و بكده بتأذينى ف علشان خاطرى انا، و علشان خاطر نفسك تبطل.

ثم امسكت يده مره اخرى و هى تتعلق بعينه لتُغرقه بأمواج حبها الهائجه بمقلتيها و همست بخفوت اصاب روحه بأكثر احساس يفتقده: انا خايفه عليك و مقدرش استغنى عنك، علشان خاطرى حافظ على نفسك علشانى.
ما هذا الشعور أهذا ما يسمى الاهتمام؟
هل ما يموج بصدره من سعاده الان هو معنى شعور الاهتمام، الخوف و القلق و كل هذا فقط لاجله!
هل تُوصيه بنفسه لان ما يؤلمه يؤلمها؟
كيف لها ان تتألم لاجله و أمه لم تفعل؟

كيف لها ان توصيه بنفسه و ابيه لم يفعل؟
كيف لها ان تخاف عليه و حبيبته لم تفعل؟
كيف لها ان تقرن وجعها بوجعه و هو نفسه لا يفعل و لا يهتم!
ما معنى كل ما تفعله بل و ما لا تفعله حتى، ما معنى ما تقوله و ما لا تقوله ايضا، ما معنى هذا الذى يراه بعينيها.
و دون ان يهتم برفض او قبول، دون ان يهتم برغبته وافق بقنوط على رغبتها و التعجب هو شريك تفكيره: حاضر يا هبه هبطلها.

و كأنها تفهمه و كأنها تقرأه بل و تدرك مدى صعوبه ذلك على نفسه: انا عارفه انه مش سهل تبطلها بس اتمنى على الفرح تكون بطلتها.
اومأ مبتسما و عقله يدور في صراع مقارنه تقتله، قلبه يبحث عن مكان لها وسط آلاف مثلها هناك، و لكن رغم من مر من النساء بحياته و رغم ابتسامه هذه و نصيحه تلك و شغف الاخرى و ضحكه هذه كانت هى افضل مثالا للبراءه بحياته و اول مثال لها.

تجلس بتوتر امام شاشه الحاسوب الخاص بها، تنظم امورها استعدادا للهرب، لن تمنح لاحد الفرصه بهدم كل ما جنته يدها، لن تسمح لتلك اليتيمه الحمقاء بالاستيلاء على كل ما سعت لاجله حتى و ان كلفها الامر حياتها او ربما حياه غيرها لا فارق عندها.

ارتفع رنين الهاتف يقطع تركيزها فأجابت بحنق و لكنها ما لبست ان اتسعت حدقتيها و هى تستمتع لصوت السكرتيره الخاصه بها تهتف بقلق: انا اسفه بس في حد هكر الايميل الشخصى بتاع حضرتك و اخذ نسخ من كل الايميلات اللي عليه.
هاجت، ماجت، صرخت، لعنت و انفعلت و هى تكاد تجن، بدأ السعى اذا؟
كل ما جنته يوما يتسلل من بين يدها الان.
تلك الملفات تحمل الكثير مما يدينها، صفقات قادمه و صفقات انتهت.

كانت تخشى ما ستؤول اليه الامور و لكن يبدو انها ستواجه اكثر بكثير مما تخشاه.

وجود اشخاص تحبهم يرفع قدرتك على تحمل صعوبات الحياه.
جان جاك روسو
مضى اليوم بأسوء ما يكون على الجميع.
عادت العائله للمنزل و استكانت حنين بغرفتها مع تعليمات بالراحه حتى تُشفى قدمها الملتويه تماما و تطيب كدمات جسدها.

اعتقلت سلمى نفسها بغرفتها غير قادره على مواجهه اخرى تحمل في طياتها الاعتذار و الندم و كم هو امر قاسى على متمرده مثلها و لكنها الان لا تتمرد، لا تتعنت فقط تأسف و تتمنى لو لم تفعل ما فعلت.
طلبت حنين رؤيتها و شجعتها جنه على الذهاب اليها و قد كان.

اعتذرت سلمى، أبدت ندمها بكل ما اوتت من قوه، تنازلت، تأسفت، و عبرت عن خزيها من هذيانها و انفعالها، و بكل رحابه صدر تقبلته حنين بدون مماطله فهى لا تعرف ما معنى الخصام و خاصه مع شقيقتها، منحتها عذرا و صدقته، هدأ قلبها و احتضنت شقيقتها تعتذر هى الاخرى، تشرح عجزها، عدم تعمدها، و تأسف حبها و لكن سرعان ما حدقت بها بذهول و سلمى تقول بهدوء و لكن نبره قويه حملت من الاصرار الكثير: وافقي على فارس يا حنين.

ابعدتها حنين عن حضنها ناظره لوجهها بدهشه ثم نقلت بصرها لجنه لا تستوعب ما تتطالبها سلمى به فإن كانت تموت به حبا فأختها تتألم و هى لن تتحمل وضعا كهذا و عبرت عن ذلك باعتراض صريح: لا مش هوافق.
عادت سلمى لطبيعتها المتمرده و عنادها اللامحدود و جلست امامها قائله بهدوء قوى: انتِ بتحبيه و هو بيحبك، انتِ عاوزاه و هو عاوزك، يبقى ليه لأ؟

و كعادتها تخفى من مشاعرها اضعاف اضعاف ما تُبديه فرفعت رأسها بعنجهيه تتميز بها و نبرتها احتدت بعنادها و تمتمت بنبره تحمل من الصدق ما جعل جنه و حنين يصدقوه: انتِ عارفه انى مش ضعيفه يا حنين، بالعكس انا بقدر اتحمل اى حاجه تواجهنى، انا هنساه، هنسى تفكيرى فيه و هيبقى جوز اختى، هحترمه و هقدره و هعامله احسن معامله لانه جوزك و بس،.

ثم اردفت و هى تتماسك بقدر ما تستطيع متواريه خلف قناع من القوه و التمرد اجادت صنعهم الان اكثر من اى وقت سابق: انا اكيد هيجى يوم و احب و اتجوز و اعيش حياتى، فا بلاش تخربى حياتك و احلامك علشانى و انا ببساطه قوى طالما حلم ضاع هجرى ورا غيره بسرعه جدا و انتِ عارفه اختك كويس.

ثم امسكت يدها لتجعل ما يسكن قلبها الان حبها لشقيقتها الصغرى فقط و تمتمت بصدق رغم تألمها و لكنها وجدت ألامها لا شئ بجوار فكره أذى لشقيقتها: بلاش تكسرى قلبك و قلبه يا حنين، سواء اتجوزتوا او لأ انا و فارس عمرنا ما هنتجمع فا ليه تدفعى انتِ و هو ثمن حاجه ملكوش ذنب فيها.

ثم تعمدت الدخول من اكتر نقاط حنين ضعفا و مست قلبها بكلماتها: فارس بيحبك و واضح انه اتمناكِ من زمان و مستعد يتحمل المشاكل و الخلافات علشان خاطرك فا بلاش تكسريه يا حنين، صدقينى بلاش تخسريه.

و قبل ان تعترض حنين او تُبدى حتى رأى بما تقوله سلمى، اشتعلت عين سلمى بالتحدى مطفأه اى ألم اكتنفها الان و هى تحاول اصلاح ما افسدته و كأنها بهذا تعوض حنين عما جرحتها به: و علشان انتِ عارفه انى مش هتحايل كتير لانه مش طبعى و لا هحاول اقنعك كتير فأنا هقولك ان لو موافقتيش، اقسم بالله يا حنين ما هتجوز عمرى كله و دا وعد منى ليكِ قدام ربنا و انتِ عارفه انى مش برجع في كلامى.

و قبل ان تستمع للرد تحركت لتخرج من الغرفه متنفسه الصعداء.
حسنا هو كان اكثر امنياتها اهميه، شكل جزءا من احلامها، رأته شريكا لمستقبلها، نعم احبته و لكن هى ليست بضعيفه ليكسر ظهرها قصه حب فاشله.
ليست هينه ليتحكم بقلبها فارس احلام بقى في الاحلام فقط.
ليست هشه لتُزعزع نفسها خساره صادفتها في مشوار حياتها.

مازالت الحياه امامها، ستنساه بل ستنى كل الاحلام التى لم تخلو منه و تبدأ بأحلام اخرى، او ربما تعيش الواقع كما هو.
فبعض الاحلام خلقت لتظل احلام فقط..
نظرت حنين لجنه لا تدرى ماذا تقول و لكن جنه احترمت ذلك و تمتمت قبل خروجها من الغرفه مباشره: فكرى في كلامها...
اعتدلت حنين تُلقى برأسه على وسادتها..

فارس لم يكن اهم امانيها بل هو كلها، لم يكن جزءا من احلامها بل هو الاحلام ذاتها، لم تراه شريكا لمستقبلها بل رأته المستقبل و من فيه، لم تحبه بل فاق ما تحمله له ذلك و لكن تقف الكلمات عجزا عن شرح ما يعنيه لها لان باختصار هو هى.
و في المقابل شقيقتها، كيف تتجاوز امر حبها له؟
كيف تنسى امر رغبتها به زوجا لها؟
كيف تتقبل فكره ان تكون شقيقتها منجذبه اليه؟
كيف توافق؟ و لكن كيف ترفض؟

اغلقت عينها متنهده ببطء و دموعها تنساب على جانب وجهها رغما عنها و قلبها يمزقها ألما على تفكيرها في خسارته، عقلها يعاندها و يتجاهل الامر و يطالبها بالابتعاد، و ضميرها يترنح بينهما بين لوعه و لوعه، فكسرها لشقيقتها وجع و بعدها عنه اوجاع، اهمالها لمشاعر شقيقتها ذنب و نحثها بوعدها له ذنوب، وفائها لميثاق الحب ألم و وفائها لمثياق الاخوه ألام.

و مع تذبذب نفسها و ضعف تفكيرها في قرار القدر تركت الامر بين يدى الله طالبه رحمته قبل ان يغلبها تعب جسدها و روحها لتسقط في بئر نوم عميق.

هدوء غريب يعم المنزل منذ حادث حنين التى استكانت بغرفتها لا ترغب بوجود احد معها مدعيه النوم و قد كان و احترم الجميع رغبتها، سلمى مندمجه في تجهيز ما جعلته خطوتها التاليه و قاتله ام مقتوله ستفعله حتى ان اضطرت للمحاربه للوصول لهدف حياتها بالعمل و النجاح و بناء مكانه خاصه بها تميزها بقوتها و رجاحه عقلها و حبها لمجال دراستها و رغم علمها ان والدها سيعترض بالاضافه بالطبع لسياده النقيب و لكنها لن تتوقف عن المحاوله حتى يستجيب كلاهما، شذى تحاول بقدر استطاعتها مجاراه دراستها معتمده كليا على جنه في تنظيم يومها بل و حياتها تقريبا، عاصم سار في طريق حقيقه تلك - التى تُقلقه بالتفكير في سبب غموضها هذا - بكل ما يملك من نفوذ و يبدو انه نجح اخيرا.

خرجت جنه من غرفه شذى بعدما خلدت للنوم و قبل ان تدلف لغرفتها وجدت ام على تصعد الدرج ركضا ممسكه بالهاتف بيدها و الذى ارتفع صوت رنينه و بمجرد ان رأتها ام على اتجهت اليها هاتفه بأنفاس متقطعه: الكابتن عاصم نسى تليفونه تحت دخليه له يا جنه الله يكرمك على ما اشوف القهوه على النار هتفور.
انكمش وجهها ضيقا و لكنها بدلا من الاستماع اليها تمتمت و هى تتحرك باتجاه الدرج: دخليه له و انا هنزل اشوف القهوه.

و قبل ان تسمع رد ركضت تهبط الدرج بسرعه كأنها تهرب، هى لن تسمح بأى فرصه كانت تجمعها به.
لا تُطيق اسمه و لا رؤيته و لا فكره الحديث معه حتى، حُفرت مكانته داخلها و التى اخذت طابع كوثر و لكن بأسوء في صوره ذكوريه كرهتها، غروره، قسوته، غضبه و صوته الخشن و الذى دائما ما يرتفع بالصراخ ضيقا و كأنه يحارب كل عفاريت الكون يوميا.

سكبت القهوه بالفنجان لتجد ام على تدلف للمطبخ و هى تلهث لتجلس على المقعد و هى تضع يدها على صدرها بضعف فتركت جنه الفنجان من يدها مقتربه منها و قبل ان تسألها عما بها همست ام على بضعف اثر ارهاق جسدها بالصعود و الهبوط في سنها هذا: الله يحميكِ يا بنتي تطلعيها له انا مش هقدر اطلع السلم تانى.

شملت نظراتها شفقه زادت من كرهها و بغضها له فما الذى سيحدث ان ادرك انها سيده عجوز لا تقوى على الركض خلفه كلما اراد حتى و ان كانت الخادمه ببيته و لكن من اين لمغرور كهذا بفهمٍ.

و بتردد كبير حملت الفنجان صاعده لغرفه المكتب كما اخبرتها ام على و مع كل خطوه تتذكر موقف معه، اول يوم صرخ بها اثناء رحيله رغم انه لم يراها، غضبه و حدته و صوته الذى ارتفع حتى كادت تفقد وعيها من شده خوفها يوم رأها بمكتبه، تمزيقه لرساله والدتها و التى تحاول بشتى الطرق اعادتها و لكنها حتى الان تعجز، كسره لاطار صورتها و التى تلطخت بوحل العشب و عندما حاولت ازالته خدشت الصوره فباتت غير واضحه، صراخه الوقح يوم خروجها معهم و جرأته الغير مبرره بنظرها.

توقفت امام الباب لتأخذ نفسا عميقا ثم طرقات خافته، اذن بالدخول، تحديق متعجب بها و هو يتحدث مع احد ما عبر هاتفه، نظراتها النافره و حركتها المنقبضه، وضعت الفنجان امامه و بخطوات سريعه تحركت للخارج و لكن صوته القوى بنبرته الرجوليه الخشنه و هو ينادى اسمها اوقفتها: جنه.

انتفض قلبها خوفا فهل سيؤنبها الان على مجيئها لهنا سمعته يُنهى حواره مع المتصل بوعد بالاتصال مجددا ثم خطوات تقترب منها فاستدارت بفزع لتجده يتحرك باتجاهها فتلبسها رعبها منه هاتفه بسرعه و هى تتراجع و عينها تحمل من الخوف ما اصاب قلبه في مقتل: و الله الداده مش قادره تطلع، انا اصلا مكنتش هاجى هنا، انا اسفه.

وقف امامها مباشره لتميل هى بجسدها للخلف صارخه بنبره مزقت رجولته و عينها تلمع بدموعها خشيه ان يرتفع صوته عليها و الذى يوتر اعصابها بشكل لا تتحمله: و الله انا اسفه، مش هطل...
انحنى بذهول عليها قليلا لا يصدق مدى ما وصل خوفها منه اليه و هتف باسمها يمنعها الكلام: جنه.

رفعت عينها اللامعه بدموعها و خوفها اليه بحذر فصمت و حصونه السوداء تحاوط ابريقها العسلى لعله يطمأنها و لكن لم يزيدها صمته الا رعبا فعادت بخطواتها لتخرج و لكنها توقفت مجددا عندما سألها بأحب الاشياء لقلبها و التى افتقدته حد الجنون: انا عرفت انك بتحبى القراءه، مظبوط؟

اخذت انفاسها بصعوبه و مجرد حديثه معها حتى ان كان هادئا يرهبها و لكنه استدارت بهدوء ينافى اشتعال روحها بعجزها و لم تمنحه ابريقها العسلى بل اسبلت جفنيها ارضا و اجابته بخفوت: مظبوط.
رفعت عينها بصدمه تحدق بوجهه بدهشه عندما وصلها صوته و لكن يحمل نبره حانيه كادت تكذبها و لكن كلماته اجبرتها على الشعور بها: طيب ايه رأيك تشوفى مجموعه الكتب اللى عندى، هنا.

ابتسم هو لرد فعلها رغم ما اصابه به من غضب على نفسه لما اوصلها غضبه اليه، ظلت تحملق به و هو يدرى جيدا انها ربما لا تصدقه و قد كانت بالفعل و خاصه عندما رفعت اصبعها تشير لصدرها بارتجافه بسيطه هامسه بنبره تحمل من عدم التصديق ما دفعه للصدمه: انا، اشوف كتب و عندك هنا، انا!

و بهدوء ينافى ما يموج بصدره من رغبه حارقه بطمأنتها اومأ برأسه موافقا و دون ان يمنحها فرصه للتفكير، الهروب او حتى الخوف مجددا هتف بها و هو يرفع هاتفه ليضعه على اذنه كحجه واهيه: انا هعمل مكالمه مهمه و انتِ انطلقى.
و خرج من الغرفه تاركه اياها لحظات تحاول استيعاب التغيير الجذرى الذى تراه لاول مره بشخصيته.

رأت هى غضبه، عنفه، صراخه، غضبه، عبثه، مزاحه مع شقيقاته، غضبه، ضحكاته القليله، ابتسامته الجانبيه، غضبه و غضبه و لكنها الان لاول مره ترى منه جانب جديد، جانب يشبه ذلك الذى تشتاقه روحها حنانه
كيف يمكن لانسان ان يكون بهذا الكم من التناقض؟
كيف يمكن ان تحمل عيناه كل هذا الهدوء و بلحظات تحمل من الجحيم ما يحرقها؟

نظرت للباب الذى اغلقه ثم تنهدت بهدوء فكلما استكانت الامور بحياتها دون قلق، دون خوف و دون اضطراب رغما عنها تقلق، تخاف و تضطرب، فهى تدرك ان خلف كل فرحه وجع سيؤلمها اشد الالم.
تحركت ببطء تنظر لارجاء المكتبه من حولها ليعاود شغفها بالقراءه يحاوطها لتنطلق تبحث بالكتب لتستكشف ما يخفيه عن الجميع ها هنا..

توقف امام الباب الذى اغلقه خلفه يحدق به قابضا يده بغضب اكتنف روحه مرددا ببطء: جنه ماجد عبد الحميد الالفى.
بعد عناء و تفكير و سعى وراء الامر جاءته الحقيقه.
تلك الفتاه ابنه خاله، هى بالفعل جزءا منه كما كان يشعر، مسئول عنها كما كان يزعم، هى منه و ان رفضت هى الامر.
عرف بعض اشياء عن حياتها، موت والديها، سفر شقيقها، حياتها بالقاهره، علاقتها بكوثر الحديدى، الظلم الذى عانته و حقها المسلوب.

ربما لم يعرف كل شئ و لكنه عرف ما يجعله يجن غضبا و يشتعل بنيران ظلم عاشته هى ليُزيده هو عندما اتت لبيته.
الان عاملها جيدا لا يدرى لانه اكتشف انها ابنه خاله و ليست مجرد خادمه لشقيقته ام لانه حقا يرغب برؤيه ابتسامتها!
احضر صديقه كل ما يدين كوثر، لم يترك معلومه عنها إلا و احضرها اليه.
لتكون اولى خطواته تدمير خطتها بالسفر بل و منعها منه تماما و التالى سيأتى بالتأكيد.
هذا هو اذا سر والدته؟

أخافت عليها منهم! ام حاولت فقط حمايتها من بطش كبار العائله!
حاولت ادخالها لحياتهم بل و قلوبهم و بالفعل نجحت و من الان هو لن يسمح بأذى يمس ابنه خاله و سيمنحها الابتسامه قريبا عندما يجمع شملها بشقيق غاب عنها طويلا.

فتح الباب بهدوء ليجدها تُمسك بأحدى الكتب الذى وضعها حديثا بابتسامه هادئه تزين وجهها، غمازتها الصغيره تداعب وجنتها بشغب، عينها تجرى على الاسطر بلهفه، و تميل بجسدها على الجدار بجوارها و قدمها تضرب الارض بحماس.
حسنا رأها تبتسم من قبل و لكنه لم يراها ابدا بمثل هذا الهدوء، الشغف، الاطمئنان و الفتنه.

اغلق عينه يتذكر اول يوم رأها في المؤتمر، الهوان الذى حاوطها، انكسار ملامحها، دموعها و الصفعه، كز اسنانه بغضب و صوره كوثر تتجسد امامه متوعدا اياها برد الصفعه و الرد من ابن الحصرى حتما سيكون سيئا كاللعنه.

فتح عينه ليشملها بحصونه من اعلى لاسفل و يترسخ بداخله فكره انها حقا جزءا منه فابتسم مقتربا منها خطوات محمحما ليلفت انتباهها و لكنه توقف عندما انتفضت لتصرخ بخوف و الكتاب يسقط من يدها واضعه يدها على صدرها بخضه، نقل بصره بينها و بين الكتاب فاتسعت عينها بذعر و هى تنحنى مسرعه لتلتقطه متمتمه بخفوت: انا اسفه مكنش قصدى..

قاطعها مقتربا ليجذب الكتاب من بين يديها قارئا عنوانه فابتسم و هو يراها تتحرك باتجاه الباب باتجاه الباب و لكن تجمدت مكانها عندما رج سؤاله قلبها بعنف ليعتصره بقبضه حاده كادت تُوقف نبضاته: انتِ تعرفي كوثر الحديدي؟!

لاحظ انتفاضه جسدها رافعه يدها تلقائيا لتلامس وجنتها و هى تفتح عينها و تغلقها مرات متتاليه، لحظات الحنان الذى منحها اياها سلبها اياها الان بكل قوه و قسوه و هو يجبرها قسرا على تذكر الماضى الذى تحاول ان تنساه و لا تفعل و اخذ هو هكذا اجابته و لكنه لم يتوقف بل زاد الامر سوءا عندما تقدم ليقف امامها لتغلق عينها لحظه تحاول تجاهل ما تشعر به و لكنه لم يمنحها الفرصه عندما اردف: انا شوفتك يوم المؤتمر في الفندق،.

صمت لحظات ثم وضع الحجر الاثقل فوق كتفها دون مبالاه: ضربتك ليه؟
ارتجفت عين جنه و هى تضم طرف اسدالها بيدها و عينها تلمع بدموعها ليلعن لسانه الذى دفعه ليتحدث بهذا الان و لكنه لن يتراجع الان هاتفا بحده نسبيه: جاوبينى.
شردت بعينها بعيدا لتهمس بكلمه واحده قبل ان تركض للخارج تاركه اياه: عقاب.
ضرب بيده على المكتب بغضب اعمى شمل قلبه و سيفرغه حتما على رأس ابنه الحديدى.
كبار العيله كلهم عرفوا يا نهال.

هتف بها عبد الرحمن الشقيق الاكبر لامل و الاصغر لنهال بعدما جاء ليُخبرها ان كبار العائلات الاربعه اصبح لديهم خبر الان عن عوده ابناء امل.
اضطربت نهال اعتقادا منها انه يتحدث عن جنه فصمتت و تركته يخبرها ما ينتويه كبار العائله ثم تمتمت بتساؤل كاد يفقدها عقلها: الاخبار دى وصلت لهم ازاى؟
و قبل ان يجيبها صمت قليلا يحدق بها ثم صاح بغضب وترها: انتِ كنتِ عارفه!

اخذت نفسا عميقا فعبد الرحمن كان من اكبر المعارضين لهروب امل و ماجد و لكنه ايضا لم يستطع منعهم، صدق في شقيقته الامر و لكنه لم يستطع التصرف لطيشه و صغر سنه وقتها، فلقد كان في ثوره شبابه و فعل هو ما يفوق الجموح بمراحل دون ان يعرف احد فلم يستطع التحدث معها او لومها خاصه و انها كانت تعلم الكثير عن حماقاته.

ظل يحدق بها منتظرا اجابتها حتى منحته ما زاد غضبه اكثر: انا هفهمك كل حاجه و ازاى عرفت بس عرفنى الموضوع وصل الصعيد ازاى؟

عقد ما بين حاجبيه و هو يتذكر المشاداه التى صارت بين والده و بين امين الحصرى بعدما اخبرته ابنته نجلاء عن الامر بعد معرفتها اياه من ولدها معتز و هم باجابتها و لكن في ذلك الوقت عاد فارس للمنزل بعد سهره طويله برفقه مازن بعدما هاتف عاصم و الذى اخبره بأن ينتظر قليلا فمن حق العروس ان تُفكر.
و من حق حنين خاصه ان تفكر و تفكر و تفكر.
تفاجأ بخاله عبد الرحمن يجلس مع والدته و يبدو ان هناك حوار محتد بينهما.

جلسوا سويا، حوار عن هذا و ذاك، مزاح و اطمئنان على العائله، ثم ربته ود من يد عبد الرحمن على قدم فارس هاتفا بابتسامه: ايه يا ابن اختى مش هنفرح بيك بقى و لا ناوى تفضل جنب امك؟
و كعاده مازن بمزاحه الذى لا يتخلى عنه وضع هو يده على ركبه خاله صائحا بمرح و كأن الحديث موجه اليه: و الله يا خال انا مش عارف اقول لك ايه؟ بس انا فرحان بنفسى انتوا ليه عاوزين تفرحوا بيا!

دفعه عبد الرحمن في كتفه بينما قهقه فارس ضاحكا و رمقته نهال بنظره حاده لمزاحه الذى لا ينتهى.
ضحك هو الاخر و هو ينظر لخاله مجددا مردفا بنبره اكثر مرحا ليعاتبه على سؤاله الذى اختص به فارس: طيب ليه يعنى مش عاوز تفرح بيا انا؟ دائما كده الصغير مهدور حقه؟
هم عبد الرحمن بالرد و لكن مازن اكمل و هو يضرب على ركبتيه كمن يتحسر: انا عاوز حقى يا حكومه.

ارتفعت ضحكاتهم حتى تحدث فارس بهدوءه المعتاد مجيبا على سؤال خاله و هو يستعد لما سيقابله من ثوران الان: انا فعلا اتقدمت للانسانه اللى نفسى تشاركنى حياتى يا خالى.
عقد عبد الرحمن ما بين حاجبيه متعجبا مع ابتسامه فرحه شقت شفتيه بينما اختفت ابتسامه نهال و هى ترمق فارس بحذر قلق حتى تسائل خاله: و مين العروسه دى اللى اخترتها يا سيد الرجاله؟

صمت عم المكان قليلا حتى هتف فارس بقوه غير آبه بما سيحدث: الدكتوره حنين عز الحصرى.

و قد كان، صدمه، عدم استيعاب، ثم صراخ و انفعال و ارتفع صوته يغطى المكان، رفض و اعتراض و فارس يستمع بهدوء ثم عبر ببساطه عن تمسكه بها و عدم رغبته في تخيله عنها مهما حدث، فارتفع صوت عبد الرحمن مره اخرى و لكن هذه المره بشقيقته الذى انكمشت خوفا منه و لكن لحظات و عم الصمت مره اخرى عندما دلف محمد من الخارج ليرى صراخ عبد الرحمن بزوجته فتقدم مسرعا بخطوات غاضبه ليقف امامها بينما احتقن وجه مازن بالغضب الذى قليلا ما يصيبه و هو يقف على يمين والدته بينما هاجت اعصاب فارس و هو يرى خوف والدته فاندفع يقف على يسارها لتختفى هى تماما عن انظار شقيقها ليتناقص خوفها رويدا رويدا و محمد يُجيب شقيقها الذى تراجع خطوه للخلف و هو يرى رجالها الثلاثه يمنعوه عنها و صدقا كان هو على وشك الفتك بها: صوتك ميعلاش على مراتى في بيتى يا حاج عبد الرحمن.

ثم نظر يمينا و يسارا لولديه و قد منحه هذا من القوه اضاف ما منحه الغضب: انا ربيت رجاله تعرف تتصرف و تقرر و تتحمل نتيجه قرارتها و اذا كان ابنى قرر يتجوز و اختار انسانه تشاركه حياته و انا و والدته موافقين يبقى محدش له حق الاعتراض يا حاج و لا ايه؟
احتدت عين عبد الرحمن غضبا و هو ينقل بصره بينهم و لكن ما قاله محمد محقٌ فيه فهو كأب لن يسمح لاحد بأن يقرر عما تفعله عائلته غيره.

مباركه مقتضبه، سلام هادئ ثم رحيل سريع، و رغم ما قاله محمد دفاعا عن ابنه و زوجته بل و عائلته فهو مازال لم يسامح فارس على تجاوزه لحدود حديثه معه و ربما لبعض الوقت لن يفعل.
ما حدث في الماضى لن يؤذيك مره اخرى، إلا اذا سمحت انت له بذلك.
اقتباس
وسط سكون الليل ارتفع رنين الهاتف يُزعج هذا الهدوء معلنا عن صخب قادم، نهض عز ليجيب و جده كبير عائله الالفى يرغب بالتحدث مع ابنته.

هبط عاصم الدرج بخطوات سريعه و يبدو ان قلقه على ابنه خاله و تفكيره فيما سيكون الحل عندما يعرف كبار العائله بالامر، كان صحيحا، و ها هى العاصفه تأتى..
تحدثت ليلى بكل هدوء تملكه رغم نبرتها التى ارتجفت رغما عنها، صرخ بها، وبخها، توعدها و بالنهايه سألها مباشره: ايه علاجتك بخلفه ماجد يا ليلى!

اضطربت انفاسها و عندما لاحظ عز ذلك احتضن كتفها يمنحها بعضا من الامان و لكنها حقا فقدته كله بينما حمل عاصم الهاتف من يدها يفتح مكبر الصوت فلن يتحمل هو ان يكون الحوار جنته دون ان يعرفه.
و مع صمت ليلى انفعل والدها - عبد الحميد الالفى - و هتف بها بحده وترتها: انطجى يا حرمه، ايه علاجتك بخلفه ماجد؟

اغلقت عينها مستعيده بعضا من قوتها و يد عز تساندها بقوه ثم صاحت بحده دون ان تحسب حسابا لما يعرفه: البنت ملهاش ذنب يا حاج، دى بنت غلبانه و ملهاش حد غيرنا دلوقت، كفايه اللى اهلها شافوه زمان، الله يخليك يا حاج سيبها تعيش وسطنا دى حته من ماجد.

عقدت ما بين حاجبيها و هى تستمتع لانفاسه اللاهثه و هو يصرخ بعدم تصديق حمل من غضبه الكثير: و كُمان عنده بنيه! لا و ساكنه حداكِ و الله عال يا بت الالفى انتِ إكده بتكسرى كلمتى.

و قبل ان تُجيب هدر بها بصوت اقلقها على ابنه اخيها و دفع بنيران الغضب لتحرق قلب عاصم و هو يُميز نبره الاصرار و القوه التى تحدث بها جده: هجتلها يا ليلى، هجتلها و هغسل عارها و عار ابوها اللى هرب منينا زمان، ابوها اللى عصى كلمتى و عارضنى علشان حرمه جليله الربايه،.

همت بالتحدث و لكن بمجرد ان سمع صوتها اردف مقاطعا اياها بنفس النبره القويه: و ان فكرتِ تعارضينى انتِ كمان يبجى انا مخلفتش حرمه عاد، و انتِ خابره زين انى مبرجعش في كلمتى واصل، فاهمه يا بت الالفى!

و قبل ان تجيبه اغلق الخط ظلت تنظر للهاتف بيد عاصم ثم سرعان ما تذكرت كيف خذلت اخيها و لم تسانده، كيف طلب مساعدتها لتدافع عن زوجته و لكنها تراجعت خوفا من بطش والدها، كيف نظر اليها بقله حيله و هو يتنازل عن حياته بينهم، كيف سمحت لوالدها بحرمانها من شقيقها ما يزيد عن خمس و عشرون عاما، و الان يعيد الزمن نفسه مره اخرى، يساومها والدها على حياه ابنه شقيقها، راحتها مقابل حياه الصغيره، الصغيره التى احبتها كما احبت اخيها بل اكثر، الصغيره التى فقدت كل حياتها و هى على قيد الحياه و الان يهددها والدها بسلب حياتها حقا، اذا هل تتراجع مره اخرى؟ هل تخذلها و هى من قررت احضارها لبيتها؟ هل تتخلى عن مساندتها كما فعلت من قبل؟

و لكن لا، هذا المره لا، لن تتراجع، لن تخذلها و لن تسمح بأذيتها مهما كلفها الامر.
و لكن ماذا تفعل! و كيف تحميها!
نظرت لعاصم عندما شعرت بلمسه كفه الخشن ليدها يضمها بدفء يطمأنها ثم رفعت عينها لعز الذى يقف بجوارها يضم كتفها لصدره ليمنع ارتجافه جسدها و عينه تمنحها ألف عهد بالحمايه و ألف وعد بالوفاء و كلاهما احترم صمتها، قلقها و تفكيرها.

جلست على مقعد خلفها و دموعها تخونها لتنهمر عجزا و هى تتذكر كلمات والدها حتى هتفت و هى تستعيد دهشته و غضبه عندما تحدثت عن جنه ناظره لعز: ليه بابا استغرب لما اتكلمت عنها؟ ليه كلامه كان يدل انه ميعرفش عنها حاجه!

صمت كلاهما ينظر للاخر لحظات حتى استعاد عاصم ذكرى مقابلته مع اكرم و الذى لم يقابله مره اخرى بعد حوارهم المحتد و ربط الامر به و صرح عن ذلك متمتما: يمكن لانه مكنش يعرف عن جنه اصلا، و كان قصده على اكرم مثلا.
اتسعت عين ليلى و هى تصيح بسرعه متذكره حديث جنه عن اكرم و سفره و بعده عنها: اكرم! هو اكرم رجع!

بينما انتبه عز ان من المفترض ان عاصم لا يعرف شيئا عن الامر و طوال الحديث السابق لم يُذكر اسم جنه و الاحرى ان يكون عاصم الان في قمه استغرابه فتسائل بهدوء و هو يتأكد من ان ولده لا يسمح لامرا بأن يغيب عنه مهما حاول من حوله: انت عرفت منين اننا بنتكلم عن جنه؟

نقلت ليلى بصرها من عز لعاصم و قد انتبهت اخيرا و نظرات التعجب تشمل عينها و لكن ابتسامه عاصم المستنكره و رفعه حاجبه ساخره اجابتها و أكد هو هامسا بسخط لم يخلو من غروره: مش عاصم الحصرى يا حاج عز اللى يتغفل.
و غمزه صريحه لوالدته اخبرتها انه لم يعرف انها ابنه خاله فقط و لكنه عرف كل ما يمكن معرفته عنها.

وبدلا من ان تدخل في مجادلات و تساؤلات الان تمتمت بقلق يكتنف قلبها بقسوه: انا خايفه عليها قوى، خايفه اخسرها زى ما خسرت اخويا يا عز، انا مش عارفه اعمل ايه؟
امسك عز بيدها الاخرى ناظرا اليها بقوه تعشقها به و التى ورثها طفلها عنه: بتثقى فيا يا ليلى!

اومأت مسرعه دون تفكير فصمت قليلا ثم نظر لعاصم هاتفا بتساؤل حمل في طياته اقرار و تحدى: اقدر اسلمك مسئوليه حمايتها يا سياده النقيب، دا طبعا بعد ما اخوها يعرف، اقدر اسيب الموضوع بين ايدك!
نظر عاصم لوالده الذى يتحداه بنظراته بل و يشجعه ايضا و كأنه بحاجه لامرا كهذا فهى مسئوليته شاء الجميع ام أبى لا فارق، هتف بثقه دون ان ترف عينه و هو ينظر لوالده: اعتبره حصل.

ساعد عز ليلى على النهوض و اجبرها على عدم التحدث بأى امر الان تاركا الموضوع كاملا لله ثم بين يدى عاصم و هو مدرك تماما ان ولده سيحميها لا بقوته و اصراره فقط و لكن بقلبه ايضا فإن كان الاحمق غافلا عما يشعر به فوالده لا يغفل ألا يقولوا هذا الشبل من ذاك الاسد و للاسف سيستغرق ابنه الكثير ليُدرك مشاعره كما كان هو سابقا.

ظل عاصم يراقب انصرافهم و كلمات جده تتردد بأذنه حتى كادت تجعله يفقد عقله فكز على اسنانه و عرقه الاسود ينفرط غضبا هامسا بتحدى صريح و قوى: و رحمه امى ما هرحم حد يقرب لها، و عليا و على اعدائى.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة