قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل السادس

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل السادس

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل السادس

و اثناء حواره مع نفسه كانت جنه على وشك الخروج فتحرك و وقف بجوار الحائط حتى لا تراه و هي خارجه و هو يضم قبضتيه غيظا، خرجت جنه و حمدا لله لم تراه و لكنها على بعد خطوتين او ما يقارب ذلك توقفت، تعجب عاصم، و زاد تعجبه عندما وجدها تتحرك بهدوء شديد اشبه بتسلل لص و هى ترفع طرف اسدالها، تابعها بسخط و هى تضع ابريق الماء على الطاوله الجانبيه و تُمسك بالفازه بعدما اخرجت الازهار منها، حسنا هو ادرك انها المربيه الجديده و لكنه جاهد ليتبين ملامحها في هذا الضوء الخافت ولكن لم ينال سوا ظلها فعقد حاجبيه يتعجب ما تفعل و تمتم بسخريه: بتعمل ايه المجنونه دي!

كاد يتحرك و لكن يبدو انها ليست بطبيعيه فالمجنونه امامه لن تصرخ فقط و لكنها ستجمع كل من بالمنزل وربما من بالمنزل المجاور ايضا، رفع احدى حاجبيه بدهشه عندما وجدها تسير على اطراف اصابعها و هى تتلفت حولها يمينا و يسارا كأنها تحارب شيئا ما ثم اتجهت للدرج وصعدت عليه بهدوء ولكن ما جعله يصل لاقصى حدود دهشته صعودها بظهرها و وجهها مازال يتحرك يمينا و يسارا كأن احدا ما يلاحقها فتتهيأ له..

علت شفتيه ابتسامه تهكميه و هى تصل للاعلى بسلام بعدما كادت تسقط عده مرات حتى اختفت عن ناظريه و بلحظه واحده صرااخ، صراخ، صراخ مع قولها بصخب: حرااااااااامى، الحقونا حراااااااااااااامى.

اختفت ابتسامته ليعقد ما بين حاجبيه بغضب عاصف و عيناه تنظر اعلى الدرج بشرر واضح، كز على اسنانه و هو يقترب من الدرج حتى يراها و لكنها كانت تعطيه ظهرها، خرج الجميع على صوتها فأغلق عاصم عينه محاولا كبح جماح غضبه لكى لا يصعد طابقا على عنقها حتى تزهق روحها، فالان سيبدأ حفل الوداع الذى يمقته..
ورغم ان الجميع حولها مازالت تصرخ فهدر بها بصوت لم يخرسها فقط بل انتفض له جسدها فزعا: اخرسى بقى.

صمتت جنه بصدمه بينما انتفضت الفتيات و تقدموا لينظروا من اعلي الدرج ليجدوا عاصم يقف كالقنبله الموقوته، تسائل الجميع عما حدث، فأخذت جنه نفسا عميقا و تمتمت بصوت متقطع دون ان تتقدم خطوه من مكانها: انا، انا كنت نازله اجيب مايه، و لما خرجت من المطبخ لقيت باب البيت مفتوح، فخوفت يكون حد دخل فصرخت علشان تلحقوه قبل ما يهرب.

حاولت ليلي كبت ضحكتها بينما لم يستطع عز فانفرجت شفتاه عن ابتسامه و بمجرد ان رأها عاصم، القي بالزجاجه من يده ارضا فاصدرت صوتا عاليا و تحرك باتجاه الباب و خرج مغلقا اياه خلفه بقوه، فنفجرت ليلي و عز ضاحكيين عليه بينما انتفضت جنه و هي لا تستوعب اين كان اصلا! من اين خرج! و كيف لم تراه!

انفض الامر بتوضيح ليلى لسبب غضب عاصم فازداد احراج جنه مما فعلت و لكنها لم تستطع منع ابتسامه من الظهور على شفتيها نهضت بعدها لتُصلى كما فعل الجميع و بدأ يوم جديد بمراقبتها لاشعه الشمس وقت الشروق ثم بصباح جميل تبدأه بالحديث مع والديها لتبدأ احداث اليوم و التى لا تدرى سعيده ستكون ام حزينه؟

جلس اكرم خلف مكتبه واضعا مرفقيه اعلاه دافنا رأسه بينهما يُفكر...
اخطأ هو عندما فكر باللجوء لتلك العائله، لطالما تجنبت والدته الحديث عنهم و غضب والده من مجرد ذكر هذا الحديث..
هو تربى و كبر على النفور من تلك العائله و الان و بعد ما مر من سنوات يلجأ اليهم!
لما لم تسأل العائله عنه من قبل اذا؟
لماذا لم يكن احد بجواره وصغيرته بعدما توفيت والدته!
لما ابتعدوا من البدايه و ما سبب هذا الكره المتبادل!

اخطأ يعترف و الان لا مجال لاخطاء اخرى، سيسير في الطريق الصحيح دون حياد عنه.
قرار و فورا وضعه قيد التنفيذ، طريق طويل، ازدحام ضيق الخناق عليه، تفكير شتته، ثم مرور و ساعات تمر حتى وقف اخيرا امام مدخل الشركه التى تقبع بداخلها زوجه ابيه المبجله..

ثم روتين، لم يعرف عن نفسه فبالتأكيد سترفض مقابلته ان عرفت، انتظار ميعاد، ضيق و غضب ثم نصف ساعه اخرى و ها هو يجلس امامها، ناظرا اليها من اعلي لاسفل كيف تطالعه بابتسامه طاووسيه منتشيه بغرور، ابتسم بتهكم و لانه يكره كثيرا الطرق الملتويه القي بسؤاله مباشره دون ان يُعرف عن نفسه من جديد، فلقد حان وقت الحصول على اجابه تهفو اليها نفسه منذ سنين مضت: جنه فين يا مدام كوثر!

دهشه، ذهول و اتساع عين مستنكره و لكن ذلك الرابض خلف ضلوعها انبأها بخطر، انتفض يخبرها ان تدميرها ها قد اوشك على البدأ، و لكن السؤال هنا من هذا!
عرفت هى عن كل ما يخص عائله زوجها الذى لا يعرف عنه احد شيئا، عرفت مقصد ابن الحصرى تلك الليله، و لكنها علمت ان زوجها كان على قطيعه معهم فهل الان ارادوا صلحا، هل الان سيتسربون واحدا تلو الاخر داخل حياتها حتى تصبح جحيما، اولا ابن الحصرى و الان هذا؟

لما يسأل عن جنه؟ هل لجأت اليهم! هل عرفت عن اهلها هى الاخرى!
نظرت لعيناه التى تترقب اجابتها فتوترت قليلا و لكنها حاولت تجاوز ذلك و اخرجت علبه سجائرها و اشعلت احداها مُرجعه خصلاتها خلف اذنها بارتباك و قالت بمحاوله للتماسك و قد نجحت: انت مين؟

نظر اليها باشمئزاز مما اصبحت عليه، ناظرا اليها من اعلى لاسفل ثم اقترب منها و عيناه تشتعل غضبا و ضرب بكفه على المكتب بقوه صارخا بسؤاله مجددا و لكن بصوره منحتها اجابت تساؤلها: اختي فين يا كوثر هانم؟
احتقن وجهها عاجزه عن التنفس للحظه لتسعل بعنف و هى تنظر له بصدمه اكرم !
وعبرت عن دهشتها بصوت عالى مستنكر: اكرم!

اومأ برأسه موافقا، ثم اعاد تساؤله مره اخرى فنظرت كوثر لوجهه الذي ارتسم الغضب عليه بصوره وترتها بشده ثم اخفضت رأسها و صمتت قليلا حتى استطاعت الاجابه بما يريحها و ربما يريحه قليلا مصطنعه الحزن و الاسى و الذى لم يصل لعينها فلم يصدقه: هربت.
ارتد اكرم خطوه للخلف رافعا احدي حاحبيه بدهشه: هربت! هربت يعني ايه؟ ازاي و فين و امتي و ليه!

حركت كتفيها ببراءه اجادت ادعائها نافيه معرفتها و مازالت تحمل نبرتها حزنا: معرفش صدقنى، لما تشوفها ابقى اسألها.
رمقها بنظره تشكك و هى تتابعه بتفحص وجل: يعني انتِ متعرفيش مكانها؟ مش عايشه معاكِ!
و كانت الصدق حقيقيا هذه المره فلم تكن بحاجه لادعائه: صدقنى و الله مش عايشه معايا و لو حابب تيجى البيت تتأكد بنفسك انا معنديش مشكله.

وضع اكرم يده على عنقه بقلق و هو يفكر يبدو انها صادقه بالفعل، و لكن ماذا يعنى هربت! يعنى ان اخر خيوط تمسك بها وجدها واهيه تسللت من بين يديه عنوه، يعنى انه ربما يمضى ما بقى من عمره يبحث عنها و لا يجدها، يعنى انه ربما يصيبه شيئا قبل لقياها او ربما يصيبها شيئا و هو بعيدا او ربما بالفعل اصابها مكروها ما.

زفر بعنف نافضا رأسه كأنه يُمحى افكاره المتشائمه ثم نظر لكوثر بحده هاتفا فيها: عملتِ فيها ايه علشان تهرب! اقسم بالله لو عرفت انك اذتيها هحرق الدنيا باللي فيها على دماغك.
نظرت كوثر اليه و لم تنطق و ان جئنا للحقيقه هي كادت تموت خوفا، كذبت اليوم و صدقها و لكن ماذا ان اكتُشف كذبها...

مال على المكتب بجذعه ليرميها بنظره مشتعله و انفاس ملتهبه تكاد تحرقها متسائلا: و هي هربت قبل ما تم 21 سنه، و اظن انتِ فاهمه مغزى سؤالى كويس!
خوف، شحوب و نظرات تهرب و ادرك هو هذا و لم يعجبه الامر و بالنهايه اجابه كاذبه اخرى و لكنه لا يملك سوى التصديق: ااه، الكلام ده مر عليه سنين.

طالعها بغضب ثم رفع سبابته في وجهها محذرا مهددا و ملقيا اوامره: بما ان وصيتك عليها انتهت، قدامك مهله اسبوعين تظبطى امورك و تسجلى ميراثها كله باسمها، مفهوم!
نهضت كوثر و وقفت امام النافذه معطيه اياه ظهرها و قالت بنبره حاولت جعلها ثلجيه و لكنها خرجت حاده رغما عنها: انا مش هنقل الاملاك باسمها الا لما هي تطلب ده و تبقي موجوده، ما انا مش عبيطه انقلها باسمها مش يمكن تكون ماتت!

عقد اكرم ما بين حاجبيه مشمئزا من صراحتها الوقحه و لكنه لا يستطيع فعل شئ فلقد اخطأ والده مرتين، الاولى يوم قرر الزواج منها و الثانيه يوم منحها الوصايه على شقيقته: فعلا امي غلطت غلط شنيع لما فكرت تدخل واحده زيك وسطنا...
ثم اضاف بحزم و هو يشملها بنظره استحقار اخرى: ماشي يا كوثر هانم بس اوعدك اليوم ده هيبقى قريب قوى، جهزي نفسك له كويس.

و نظره غضب اخرى و اندفاع للخارج تنفست معه كوثر الصعداء، لا تدري صدق ما قالت ام لا! و لا تدري ايضا ما فعلته صحيح ام لا! و لكن ما تعرفه جيدا انها لن تضحي بكل شئ لاجل تلك الفتاه حتى وان كان حقها.
هى حاربت ليالى و سنين طوال حتى تطور نفسها و عملها و ربحها، كيف تتخلى عن كل هذا حتى و ان كان حق اليتيمه.
هو لن يستطيع الوصول اليها بهذه بسهوله و حتى ذلك الوقت ستنفذ قرار وصلت اليه و هو الحل الامثل، الهروب.

صعد اكرم لسيارته و ظل يسير بها على غير هدي و هو في حاله متخبطه من المشاعر، غضب، خوف، حزن و ضيق.
لا يدري ماذا يفعل! من يسأل؟ اين يبحث؟
امله الوحيد كان زوجه ابيه و لكنه كان هبائا.
اين سيذهب الان للبحث عنها؟
زفر بقوه ضاربا مقود السياره بغضب عده مرات حتى ألمته قبضته فبعدما اعتقد انه وصل منتهى الطريق ادرك الان انه لم يبدأ حتى و ان ما سار فيه لم يكن سوى سرابا.

كانت ليلي تستعد للذهاب لعملها بالمشفي عندما جاءت اليها سلمي واستندت على الحائط خلفها تقول باهتمام: ماما عاوزه اخرج اجيب ادوات تلزمنى علشان المشروع اللى بعمله.
حدقت ليلي بها و هى تنهى احكام حجابها حول رأسها متسائله: هتروحي لوحدك!

اصدرت سلمى صوتا ساخرا قبل ان تضيف بتهكم لامبالى و كأنها اسطوانه متكرره يجب عليها تسميعها قبل كل خروج: انا و نفسى يا ماما، شذى في المدرسه و حنين رايحه الكليه و حضرتك وبابا كل واحد على شغله و عاصم مش موجود، ليا مين انا غير نفسى اخدها معايا!
وكزتها ليلى بيدها في كتفها هاتفه بها: يا بنت اعقلى بقى و بطلى لماضه، الناس تكبر تعقل و انتِ تكبرى يركبك الهبل اكتر!

ابتسمت سلمي بسماجه: تحبى اخد جنه اهى تبقى حرس حدود؟
تحركت ليلى باتجاه الدرج و سلمى خلفها متأبطه ذراعها و الان حان دور الوالده لتعيد الجزء الاخر من الاسطوانه التى لن تنتهى ابدا: السواق معايا و انتِ عارفه ان باباكِ و عاصم مش بيحبوا انك تخرجى لوحدك، خايفين عليكِ..
اكملت سلمى عنها بملل: و قلقانين و مش عاوزين حد يضايقك او يتعرض لطريقك.

ثم اضافت بتمرد مندفع و ها هو طبعها التى لن تتخلص منه على ما يبدو: يا ماما انا مش صغيره، ثم كفايه بقى التفكير الصعيدى دا، احنا في القاهره، واضح انكم سيبتوا الصعيد بس نسيتوا عقلكوا هناك..

همت ليلى بنهرها و هى ترمقها بغضب و لكن سلمى بادرتها هاتفه بغيظ: يا ماما هو انا خارجه اصاحب و لا اشرب كاسين، عاوزه اجيب ادوات ضرورى بلاش عقد بقى، و بعدين بابا في الشغل و عاصم مش موجود، خلاص بقى يا لوله مش هتأخر و الله.
زفرت ليلى بضيق و لكن امام نظرات سلمى المتوسله و رموشها التى رفرفت ببراءه مصطنعه و التى لا تستطيع ليلى غض الطرف عنها: طيب يا سلمي بس متتأخريش.

صرخت سلمى بسعاده و قبلتها بسرعه على و جنتها صارخه و هى تركض لتصعد لغرفتها: حاضر انا هلبس في ثوانى و هقول لحنين و توصلينا في طريقك بالمره.

حركت ليلى رأسها بمعنى لا فائده، بينما اسرعت سلمى للاعلى، هي بالفعل ترغب في شراء ادوات تلزمها و لكنها ترغب بشكل اكبر في الخروج لرؤيته، لرؤيه من حرك القلب الرابض خلف ضلوعها، لرؤيه من تعلق به تفكيرها، قلبها و عقلها منذ الصغر، منذ كان العمر لا يقف حائلا بين حديثها معه و قربها منه، وكبرت هى و كبر حبها له، تستطيع رؤيته من بعيد و لكن هذه هى الطريقه الواحده لتحادثه، ليبتسم لها و يخصها بسؤال عن حالها.

زفرت حنين بضيق و هى تنظر لساعتها فلقد تأخرت عن موعد معملها: يوووه بقى، هتأخر يا ماما، كل ده الست سلمى بتلبس؟
وقبل ان تُجيب ليلى ركضت سلمى على الدرج حتى توقفت امامهم قائله و هى تلتقط انفاسها: انا جاهزه..
اطلقت حنين صوتا يدل على اعجابها و هتفت بمرح: الله الله ايه الشياكه دى كلها يا انسه سلمى!

دفعتها سلمى في كتفها بغيظ ثم تحركا للخارج و بمجرد عبورهم من البوابه الخارجيه، كانت سياره فارس تخرج من البوابه المجاوره، توقفت السيارتان و ترجل من بهما...
وبعد القاء السلام تحدثت ليلى و نهال معا و لم يكن حوارهم سوى اطمئنان على جنه بينما تبادل الشباب حديثا سريعا من اطمئنان و توزيع ابتسامات هادئه، خجله و اخرى شغوفه..

كان فارس يتطلع اليها بنظرات حانيه، تلك الفتاه التي اسرت قلبه و عقله منذ ان كانت صغيره، بضفيرتين و ابتسامه طفوليه جعلت قلبه الصغير يتعلق بها بل يحبها و يتجاوز الامر ليصبح عاشق لها، قلبه يهرب منه اليها كلما رآها، نظراتها الخجله كلما تُدرك نظراته اليها، كأنه يذكرها باعتراف الحب الذى صرح هو به لها لتبادله اياه بأخر مثله و هى خجلى رغم صغرهم، يومها قبلها على وجنتها بعبث طفولى لتجذب هى خصلاته بنزق تاركه اياه مع كلمه قليل ادبٍ القتها بوجهه، و خصام دام ثلاث ليالى كاد هو يموت شوقا اليها ليكون اصغر عاشق يختبر اشتياق الحب رغم صغر سنه، كبر هو و لم يدرك ان هراء الطفوله سيُصبح حلم الصبا و غايته، و لكن الان عائلتيها في صراع، تعارض و كره متبادل، فكيف لقلبه ان يقابل قلبها و لكنه حتما سيفعل، لن يظل يناظرها هكذا من بعيد خشيه ان تلاحظ والدتها او والدته، لن يخفى عن شقيقها و صديق عمره اكثر من هذا، سيشرح، سيقول، سيعبر، و سيحقق حلمه بأن يضم بنصرها حلقته الذهبيه اللامعه حتى و ان كان اخر الايام بعمره.

افاق من شروده بها و نظراته الخفيه التى تبادلت بينها و بين شقيقتها محاوله منه لتمويه الامر فهو بسهوله سيُقبض عليه متلبسا ان اطال النظر لها و هو لن يتراجع بل سيتقبل الجريمه و ينال العقاب بصدر رحب...
كلمات قليله و وعد بلقاء اخر ربما قريب ثم رحيل كلا الى وجهته، و انقطعت النظرات و صرخت القلوب ببدأ الاشتياق من جديد.


عادت شذى للمنزل و صوتها يعلو بالنداء على جميع من بالمنزل: ماما، بابا، لومى، نونا، يا داااااده، حد يرد عليا.
خرجت الداده من المطبخ و خلفها جنه التى اقتربت منها قائله بابتسامه أُلفه: محدش هنا يا شذي كلهم برا.
ابتسمت شذي بخبث ثم القت بحقيبتها على الارض و تبعتها بحذائها لتلقى بهما واحده بكل اتجاه ثم القت بنفسها على الاريكه و اخرجت هاتفها الصغير تعبث به رافعه قدميها على طرف الاريكه بدلال..

اقتربت منها جنه بينما ادركت ام على ان شذى بدأت عادتها السيئه، فوقفت تراقب ما سيكون رد فعل جنه، طافت عين جنه على الاشياء الملقاه ارضا متمتمه و هى تعقد ذراعيها امام صدرها: حمدلله على السلامه..
نظرت اليها شذي شذرا بطرف عينها و هي تحرك العِلكه بفمها بطريقه اقرب للاستفزاز و لم تُجب.

اقتربت جنه منها اكثر و هى ترى في لامبالاتها كوثر و بناتها، فاشتعل وهج الغضب في عينيها خاصه عندما هتفت شذى بعدم احترام و صوت آمر و تعنت اكبر من عمرها بكثير: جهزى الاكل بسرعه يا اسمك ايه انتِ..
ثم اشارت بلامبالاه على اشيائها المتفرقه على الارض: بس لمى الحاجات بتاعتى الاول.

اغلقت ام على عينها بزفره حاده فشذى لن تنسى ما حدث لها من قبل و لن تمنح احد اخر الفرصه مره اخرى، يقولون ان الاطفال لا يعرفون معنى الكره و لكن شذى لم تعد تعرف معنى الحب او ربما تتردد..

نظرت ام على لجنه - التى رمقت شذى بغضب لا يخلو من ذهول لحديثها - و منحتها نظره مترجيه لكى لا تغضب فتفعل ما يُجبر والدى شذى على طردها، و انحنت هى تلملم الاشياء و لكن جنه اقتربت منها ممسكه يدها لتجعلها تقف و منحتها نظره مطمئنه قائله بهدوء: انا اللي مسئوله عن شذي يا داده اتفضلي حضرتك على المطبخ، و انا هتصرف متقلقيش.

رمقتها ام على بنظره اعتذار فهمست جنه لها دون ان تسمعها شذى: متقلقيش انا هحاول بأقصى ما عندى معاها و اكيد مش من اول موقف هتخانق..
ثم نظرت لشذي بحده و ارتفع صوتها قليلا قاصده: من الواضح كده ان كلنا لازم هنتعود على حاجات جديده.
اومأت الداده موافقه فلقد حملتها ليلى مسئوليه مساعده جنه حتى تعتاد عليها شذى و ها هى تحاول، ثم نظرت لشذي التي نقلت بصرها بينهم بعدم اهتمام و هي تلعب في الهاتف..

ظاهريا كانت موافقه و لكن خفيه خلف ذلك الباب وقفت تراقب ما سيحدث..
اقتربت جنه من شذي و وقفت بجوارها تنظر اليها بغضب فهى كادت تصرخ بوجهها، لماذا هذا التعنت!
تلك الطفله هي مثال حي للتعجرف رغم صغر سنها بل هي التعجرف ذاته و لكن مهلا هى لها دورا هاما الان!

من امامها ليست سوى طفله مدلله لا تعرف تعجرف او تعنت فقط لا تحب ان يقيمها احد طوال الوقت، ان يراقبها و يأمرها و ربما يعاقبها و واجبها الان كمربيه هو توضيح معنى الالتزام برضا و الفارق الكبير بينه و بين التزمت.
وقفت جنه امامها مباشره تنظر لها من علو قائله بلهجه شبه آمره: اتعدلي.

ابتسمت شذى بسخريه ناظره اليها من اعلى لاسفل ثم اشاحت بوجهها و نظرت لهاتفها مجددا بلا مبالاه، زاد ذلك من اصرار جنه فشذى تتصرف بعناد ليس الا، و الان لابد من الصبر فعادت تتحدث بهدوء و لكن مازالت نبرتها آمره: قومي يا شذي لمي حاجاتك و الا..
و قبل ان تكمل جنه قاطعتها شذي بتحدي: و الا...

ادركت جنه على الفور نظرتها المتحديه فابتسمت و ردت عليها بنظره اكثر تحديا: و الا عقابي مش هيعجبك خلينا كويسين و نبدأها كويس سوا بلاش نزعل من بعض.
ضحكت شذي بمياعه و هي تعتدل جالسه و ابتسامه طفوليه تشق جانب شفتيها مردده بسخريه: نزعل و عقاب!
ثم اضافت بحده و هى ترمقها بعدم تصديق: و لا هتقدري تعملي حاجه.

ثم نظرت لهاتفها مره اخري و لكن قبل ان تلقى بجسدها على الاريكه فوجأت بجنه تسحب الهاتف من يدها ببساطه، حسنا لم يجرؤ احد على هذا من قبل و لكن تلك جرُأت، تصاعد غضبها و جنه تجلس على الاريكه بجوارها بهدوء تقلب الهاتف بين يديها بملل قائله: خلاص براحتك، تلمى الحاجه او تسبيها براحتك، بس مفيش تليفون لحد ما اسمع كلمه حاضر و اشوف بعدها تنفيذ.

وقفت شذي على الاريكه بغضب تنظر اليها بدهشه و تصرخ بضيق: انتِ اتجننتِ ادينى التليفون احسنلك! و الا..
ابتسمت جنه ناظره لها بتحدى كأن الادوار قد تبدلت: و إلا...!
برقت عين شذى بغضب طفولى و قبل ان تتحدث بصراخ مجددا تحدثت جنه بهدوء موضحه: هتزعقى زعقى، هتصرخى صرخى، و لو عاوزه ممكن تشدي في شعرك بس مش مفيش تليفون غير لما تلمي حاجتك و وقتها هفكر اديهولك او لا؟

تحركت شذي بغيظ و وقفت امامها متمتمه بتهديد اعتقدت انه سيُخيفها: انا هقول لبابا عليكِ، انتِ بأي حق تعملي كده!
قلبت جنه الهاتف بيدها عده مرات اخرى و هى تجيبها بلامبالاه: و الله انا اول ما جيت مامتك قالت لي انك مسئوليتي و اعمل اللي انا عاوزاه، أينعم انا كنت حابه نكون صحاب، بس واضح انك مش عاوزه.

ثم انهت كلماتها وهى تنظر اليها بخبث فهى تدرك جيدا عبث الاطفال هذا فيوما ما كانت طفله دللها والدها حد التعجرف: التليفون هيفضل معايا لحد ما باباكِ يرجع بالسلامه و نقوله اللي حصل و نشوف رد فعله.
بُهتت شذي فأخر ما تريده هي ان يعرف والداها، فازداد الغضب و رويدا تناقص رغما عنها، تقهقر، تراجع ثم استسلام و ادراك ان التحدى هذه المره لن يكون سهلا.

نظرت لها بنظرات طفوليه بريئه بادلتها جنه بابتسامه اكثر براءه و هنا حاولت شذى مره اخيره وقالت بلطف: طيب ادينى التليفون و انا هلم الحاجه.

فارتفع صوت جنه بضحكه عاليه كم تشببها حقا تلك الطفله، فهكذا كانت تراوغ والدها دائما رمقتها شذى بترقب حتى قالت جنه موضحه لتصبح اللعبه صريحه بلا مراوغات: على فكره انا كنت في يوم من الايام طفله و كنت مشاغبه جدا، كنت بخلى بابا هيتجنن و كنت بعرف ابقى لئيمه، فنصيحه بلاش تحاولى معايا علشان مش هتنجحي خااااالص.

حسنا الرايه البيضاء تم رفعها، و هدنه قصيره او ربما طويله قليلا هذه المره، تمتمت شذى بنزق طفولى مع انحناء جانب شفتها بضيق: عاوزه ايه انتِ دلوقت؟
نظرت جنه للاشياء على الارض و اشارت عليها بيدها دون ان تتكلم، فتحركت شذى و هي في اقصي درجات الغيظ و لملمت اشيائها و اتجهت إلى جنه و وقفت امامها و مدت يدها اليها قائله: اهه، ادينى التليفون بقى.

حركت جنه رأسها يمينا و يسارا نافيه مردفه بتوضيح: دلوقت بقي هنطلع على اوضتك تغيري هدومك و تنتعشي كده و بعدين نتوضي و نصلى سوا و بعدين نقعد نخلص الواجب اللي ورانا تكون باقي العائله وصلوا ناكل سوا و باقي اليوم نعمل اللي انتِ عاوزاه..
نظرت اليها شذى وفرغت فاهها و انطلق صوتها يعلو بالغضب مجددا: ايه ايه! انا مش هعمل حاجه من اللي قولتيها دى، ادينى التليفون بتاعي بقي.

نظرت اليها جنه مستعيره نظراتها اللامباليه ثم نهضت و اتجهت للدرج صاعده درجاته بابتسامه خفيفه هاتفه: هسبقك على الاوضه حصليني.
حسنا تحدى جديد و ربما اول التحديات بحياتها، و ستنجح فيه لا نقاش، ستحاول مره، اثنان، ثلاثه و اكثر و اكثر حتى تفوز بشذى و تنجح في عملها و ربما يكون هذا اول نجاح لها بحياتها الجديده..

ضيق، ضيق، و ضيق، يقولون ان السباب يريح النفس احيانا، و هذا ما فعتله شذى و انطلقت تسبها طوال طريقها للغرفه وهى تضرب الارض بقدمها في غضب و لكنها مجبره.

الان، ربما غدا و ربما بعد غد و لكن حتما سيأتى يوما تنال منها و تُجبرها على الرحيل من هنا كما فعلت مع من سبقها، فهى لن تتحمل التعلق بأخرى لتتركها ببساطه و ترحل كما فعلت غيرها من قبل و لو انها تشعر ان هذه المره تختلف و لكن خوفها من المستقبل جعل التردد و العناد حليفها.

و بالطبع ابتسمت ام على التي تابعت الموقف من بدايه الدفاع، الهجوم، حتى الاستسلام و بداخل عقلها امرا جيدا و هو سيكون هناك تغيير بالتأكيد .

اللهجه المهذبه المخيفه، احيانا يكون التهذيب مرعبا او يسبب التوتر اكثر من قله الادب بمراحل..
احمد خالد توفيق
مرت ايام، تعلقت، احبت و شعرت انها منهم و هى بينهم، شعرت بأنها حقا وسط عائله، تضحك، تغضب، تفرح و تجول هنا و هناك، تعمل، تساعد و تجد مقابلا، تجد السكون، الهدوء، راحه البال و الاكثر اهميه، تجد احتراما.

استقامت شذى بشكل اثار دهشتها قبل عائلتها، سكون غريب و طاعه لكل امر اكثر غرابه، لا نقاش، لا جدال و لا مشاغبات..
تقلق، تفكر و لكنها بالنهايه تفرح انها وصلت لمثل هذه النقطه، بينما نبهتها الاخت الكبرى فهى اكثر درايه بشقيقتها و لكنها لم تأبه، فلقد تصاحبا و انتهت التصرفات العدوانيه، فلم يصدق احد تصرفات شذى سواها.

صادقت ام على واعتبرتها بمكانه زهره التى اشتاقتها كثيرا، شكلت فرقه نسائيه مع الشقيقتان المتناقضتان تماما كما قالت والدتهم، فسلمى عنوان التمرد و تعشق كسر القواعد فلقد اتخذت قاعده واحده بحياتها و هى ان تعيش بدون قواعد، بينما حنين هى عنوان البراءه و الحنان، يقولون ان الانسان يحمل من اسمه الكثير و هى تحمل من الحنين و الحنان ما يفوق الحد، هادئه و غير عبثيه بالرغم من خفه دمها و مزاحها الممتع، و احباها الاثنتان بقدر ما احبتهم و اكثر.

وهنا حان وقت الخوف، القلق و التفكير بعواقب تعلقها و حبها هذا.
هى السبب بموت من احبت يوما فهل ستكون السبب بهدم حياه احد اخر!
حاولت تجاوز الامر فهى مده و ستغادرهم، احبتهم و لكنها في البدايه و في النهايه مجرد عامله تخدم صغيرتهم بعنايه ثم سترحل.
وفى احدى الامسيات اجتمع الجميع بالاسفل بينما جنه بغرفتها في الاعلى تاركه المجال للعائله دون تدخل.

ارتفع رنين الهاتف الداخلى فنهضت شذى مسرعه تجيب و كان عاصم المتحدث كعادته كل يوم اثناء غيابه، سلام، مزاح، حوار صغير للاطمئنان، رفض منها ان يحدثه احد غيرها، ثم مفاجأه و حقا كانت ساره جدا بالنسبه لها، ثم توديع بخبث و شفتيها تفضح ابتسامه توعد فيبدو ان الوقت قد حان.

ركضت على الدرج حتى وقفت امام غرفه جنه و بيدها دفاترها المدرسيه فتحت الباب و صعدت على الفراش بجوار جنه قائله بمرح هو حليفها الايام السابقه: انا عاوزه العب، بس عارفه انك مش هتوافقى الا لما اخلص واجبى، صح كده؟
ابتسمت جنه و هى تمسح على خصلاتها بحنان دفع بشذى للارتباك و تمتمت بايضاح: انا مش بضغط عليكِ انا بس عاوزاكِ تخلصى كل حاجه علشان تلعبى براحتك.

و كلمات دافئه انهتها بقبله اكثر دفئا على وجنتها جعلت الصغيره تتوتر اكثر فها هى تعلقت من جديد، و لكنها نفضت رأسها لا لن تفعل، فقط صبرت و خططت و اليوم حان وقت التنفيذ لترحل تلك جنه عن حياتها قبل ان تزداد تعلقا بها..
ابتعدت شذى عن مرمى يدها و قالت: خلاص يلا هنعمل الواجب و بعدين نلعب سوا.
ضحكت جنه ناظره اليها بمشاكسه هاتفه: انا و انتِ؟

ثم وضعت يدها على جبينها تحسسه مردفه بمرح: انتِ متأكده انك كويسه مش سخنه و لا حاجه!
ضحكت شذى ببراءه و هى تنفى صائحه بمزاح: خلاص بقى ميبقاش قلبك اسود، مش انتِ قولتِ نبقى صحاب؟
اومأت جنه فأكملت شذى: خلاص هنلعب سوا الغميضه ، هغمى عنيكِ وانتِ تدورى عليا لو مسكتينى هعمل اللى انتِ عاوزاه و لو خسرتِ هتعملى اللى انا عاوزاه.
ثم مدت يدها مصافحه لعقد الاتفاق: اتفقنا؟

صافحتها جنه ضاحكه مردده بطفوليه و هى تداعب انفها باصبعها: اتفقنا.
ضحكه خبيثه يقابلها ضحكه صافيه، ثم اعتدال، تركيز، تفكير، ثم انتهاء يتبعه زفره حاره و ابتسامه متحفزه تلاعب شفتى الصغيره فلقد انتهى وقت المذاكره و حان وقت العبث..

احضرت شذي عصبه عين و ضعتها لجنه و مازالت تبتسم بخبث و بدأت اللعبه، ضحك و فرحه، ركض هنا و هناك، استراحه قليلا لالتقاط الانفاس، ادوار تتبادل حتى انتبهت شذى فجأه فنظرت من شرفه جنه لتجد سياره عاصم تدلف للمنزل..
فركضت بسرعه تنفذ خطتها، بدأت تجذب جنه اليها بخطوات واضحه و صوت عالى حتى اوقفتها في نقطه الهدف لتركض مسرعه تاركه اياها لتواجه ما سيقابلها من اعصار.

خطتها بسيطه، المربيه الجديده تجاوزت حدودها و دلفت لغرفه المكتب الخاصه بالابن الاكبر، امرا غير مسموح به، اذا صراخ و جنون اخيها يتبعه بكاء الحمقاء ثم طرد بملأ صوته للخارج ل ينسدل الستار وينتهى الامر.
و ها هى جوله جديده و تحدى جديد تفوز به اصغر افراد عائله الحصرى رغم رغبتها بالتراجع، رغم تعلقها الواضح بجنه و لكن لن تسمح لما صار من قبل ان يحدث مجددا هذا و فقط.

و اما تلك المسكينه التى ابتلعت الطعم غير مدركه لما اقبلت عليه، تدور هنا و هناك، تشاكسها و تنادى اسمها بدلال مازحه، تحاول الاستماع لاى صوت و لكن لا صوت، تنادى اسمها مرارا وتكرارا و لكن لا اجابه..
دلف الابن الاكبر، عقده حاجب، لا يوجد من يستقبله، طقوس التهافت عليه يوم عودته اليوم ليست موجوده، صمت يعم المنزل و هدوء لم يتوقعه، زمه شفاه مع نظرات في ارجاء المنزل ثم تجاهل للامر و صعود لغرفته..

و مازالت هى تدور غافله ان اللعبه انتهت و للاسف خسرتها، بحركه سريعه و عنيفه استدارت عندما اصطدم ظهرها بشئ صلب لتصرخ بدهشه و مع تأوهات خافته و شيئا ما يتتابع بالسقوط على رأسها، حتى سقطت ارضا من ألمها، نزعت العصبه بتأوه لتتسع عينها بصدمه و هى تنظر حولها بذهول، اين هى؟ ماذا فعلت؟ ما هذا المكان؟ و قبل ان تفكر حتى انتفضت صارخه برهبه عندما ارتفع صوت احدهم خلفها بنبره رجوليه خشنه: انتِ بتعملى ايه هنا؟

استدارت بفزع رافعه عينيها اليه بخوف حقيقى اصاب قلبها، لحظات صمت، عاد هو فيها لتلك التى اصابته بأرق من قبل، تلك التى غضب من اجلها و سعى ليأخذ و لو قليلا من حقها، تلك التى ناظرته في حلمه بعتاب و الان تناظره بجزع، لن ينكر دهشه علت ملامحه لرؤيتها هنا، ببيته، و بغرفه مكتبه الخاصه...

وهنا احتدت عيناه بغضب اسود ستتعرف عليه هى للمره الاولى و يبدو انها لن تكون الاخيره، نهضت بارتباك واضح عن الارض لتسقط تلك الكتب التى سقطت على فخذيها ارضا، فتتابعها عيناه باشتعال و هتافه بها يتعالى: ايه اتخرستِ، انطقى بتعملى ايه هنا!
انتفضت جنه من صوته العالى و ذكريات صراخ كوثر تملأ اذنها من جديد فلمعت عينها بخوفها ليتسلل الالم لملامحها مجددا، ألن يُكتب عليها الانتهاء منه!

رفعت عينها اليه شعرت به يحاول التحكم بنفسه فهمست بتوتر بالغ اصاب قلبه، فها هو يفعل ما فعلته تلك التى اغضبته و عاقبها، ها هو يصرخ و يعنف و يساعد في رسم الالم على ملامحها، ها هو لا يفرق عنها شيئا: انا، انا، مع، معرفش، جيت، هنا، هنا ازاي!

نظره لما سقط ارضا، نظره اليها مجددا و شعور برغبه في قتلها، دفع بشرارات غضب من عينيه لتسقط بعسل عينيها ليهتف باستنكار و استحقار: انتِ ازاى تتجرأى تدخلى هنا؟ انتِ ناسيه انك هنا مجرد خدامه!
استهانه مزقت ما بقى من كرامتها امامه و دموعها تخونها لتنهمر بخزى.
فأخفضت عينها عنه لينظر اليها بغضب لصمتها، خوفها و عتاب عينها و نزيفه القاسى فخرجت منه صرخه عاليه بآمر واجب التنفيذ: اطلعى برا.

و قد كان هرولت مسرعه و لكنها توقفت امامه لحظه و جسدها يرتجف بوضوح، هى لم يزعجها صوته فقط، لم يفزعها صراخه بقدر ما ارعبتها تلك الاصوات التى حاوطتها، صراخ كوثر، اصطدام سياره والدها بالسياره الاخرى، صفعه كوثر..
الماضى، الماضى، الماضى و جرح اخر يترك ندبه جديده حتى وصلها صوته القاسى بغلظته: انتِ واقفه ليه؟ انا قولت اخرجى برا!
ارتجفت اصابعها و هى تهمس بصوت بالكاد سمعه: الباب، انت واقف قدام الباب..

و صعقه ابريق العسل بعينيها و الذى انهمر شهده على وجنتيها لتشهق هى محاوله تجاوزه و قد فعلت بعدما صدم كتفها كتفه بخفه هاربه من امامه..
ليستوعب هو انه كان يغلق الطريق للخارج واقفا امام الباب، ابتعد مستديرا للخلف ينظر لمكان رحيلها و رجفه خفيه تصيبه..
عاد ببصره للكتب ارضا فاشتعلت اوداجه من جديد مغلقا الباب بعنف دالفا لترتيب ما سببته تلك الحمقاء!

راحه قليله ثم انتعاش سريع و دقائق كان يقف امام العائله بالاسفل، ليعلو وجه الجميع استنكار، تبعه ترحيب، سلام، اطمئنان ثم حيره و تسائل بادرت به سلمى: غريبه يا عاصم اول مره متقولش انك جاى!
توترت شذى و اخفضت رأسها ارضا فهو اخبرها و كم كانت مفاجأه رائعه استطاعت بها تنفيذ مرادها..
رمقها عاصم بطرف عينه و لكنه تغاضى عن الامر مجيبا بهدوء: قولت لشذى بس شكلها نسيت.

ابتسمت ليلى و هى ترمقها بغيظ و هتفت: دماغها مش معاها اصلا.
صمت قليلا ثم طلب عَرَضَته ليلى فجر غضب ابن الحصرى المكتوم: نادى على جنه يا شذى تجى تقعد معانا.
ليكون الرد التفاته حاده منه ليصيح بضيق من اهتمام والدته الواضح و غضب من تلك الحمقاء التى اشعلت فتيل غضبه بفعلتها: تقعد معانا بتاع ايه؟ انتِ ليه بتتعاملى معاها كأنها فرد من العيله!

ثم اضاف بحزم و قد اتخذ قرارا عبر عنه بصرامه: و بعدين البنت دي تمشي من هنا بكره الصبح لولا ان الوقت اتأخر كنت قولت تمشي دلوقت..
تحديق، دهشه و تسائل اخر بينما هناك ابتسامه خبيثه تدل على اصابه الهدف بنجاح ثم عتاب صارم يتبعه تعجب بادر بهم عز: صوتك مايعلاش و انا قاعد يا سياده النقيب، ثم يعنى ايه تمشى؟ ايه اللى حصل!

ثم اعتراض و توضيح و اثبات تعلق الجميع بالحمقاء حتى قالت شذى باندفاع: على فكره ابيه عنده حق، انا اصلا مش بحبها و بعدين الغلطه اللي عملتها مش سهله.
لتُعلق سلمى بتركيز على جملتها: اصلا مش بتحبيها؟
ثم اضافت و قد اصابت هدف هى الاخرى: كان عندى حق انا اصلا مكنتش مصدقه دور الطيبه اللى كنتِ رسماه ده.
واثناء ملاحظه سلمى لما قالت لاحظ عاصم امرا اخر فنظر لشذى بتمعن متسائلا: انتِ عرفتِ منين انها غلطت؟

صمت الجميع بينما تركزت الانظار على شذى و نظره عاصم كانت كفيله بجعلها تتوتر، فخرجت نبرتها مرتبكه: انا، انا يعني..
ثم قالت بسرعه كأنها وجدت ضالتها: شوفتك و انت بتزعقلها بس خفت اكلمك تزعقلي انا كمان فدخلت اوضتي من سكات.
وهنا انفعلت ليلي بدهشه لتصرخ بوجهه: زعقلها! فهمني يا عاصم ايه اللي حصل؟

استقرت عين عاصم على شذى قليلا ثم نظر لوالدته و هو يقول بهدوء ينافى الغضب الذى اكتنفه منذ قليل فهو نقيب و وظيفته سبر اغوار من حوله: الانسه دخلت مكتبى و كمان وقعت رف كتب كامل من المكتبه، وانتِ عارفه يا امى انى مبحبش حد يقرب من حاجتى، دى بأى صفه تدخل و كمان في وقت متأخر زى ده!

عقدت حنين حاجبيها و همت بالحديث عندما علقت سلمى على نقطه كانت ذات اهميه لعاصم: مش معقول جنه تعمل كده و بعدين اشمعنا النهارده هى هنا بقالها فتره، كان قدامها ايام سفرك كل مره!
اشمعنا النهارده و كمان اليوم اللي انت جاي فيه!

نجاح و بجدراه، اتسعت ابتسامه شذى ليلمحها عاصم فيعقد حاجبيه مفكرا، عندما وصله صوت عز قائلا بنبره قاطعه بعدما طلبت ليلى مساعدته بنظراتها المتوسله فعاصم لن يتجاوز كلمه والده: جنه من يوم ما جت مغلطتش، محترمه و هاديه و دائما في حالها، محاولتش تتعدى على حدود غيرها و الكل هنا حبها و اتعلق بيها، مكتبك مش مكان مقدس لكن من حقك تتضايق بس كمان من حقها انك تسمعها يمكن تدافع عن نفسها..

ثم نهض واقفا لينهى الحوار بكلمته الاخيره: البنت مش هتمشى، والصباح رباح، قوموا ناموا و بكره نشوف الموضوع ده.
و كان عاصم اول الناهضين، لن يستطيع تجاوز كلمه والده، ان قال انها ستبقى اذا ستبقى و لكن السؤال هنا او الادق سؤالين، الاول لمَ يهتم والديه كثيرا بتلك الفتاه! و الاخر لمَ يشعر ان في الامر تدبير ما!
و لكن كما قال والده غدا صباحا له في هذا الحوار بقيه.

القوه لا تأتى من المقدره الجسديه، انما تأتى من الاراده التى لا تُقهر.
المهامتا غاندى
تجلس على مكتبها بالشركه، تلك الفتاه في ريعان شبابها، عينها التى تحمل زرقه السماء و لمعان البحر، تهيج ساعه لتمنح من امامها العنفوان و القوه و تهدأ في ساعه اخرى لتمنح من يناظرها السكينه و تجذبه للغرق داخلها...

هبه، خريجه جديده من كليه الهندسه، تعيش في بيت متوسط الحال، قررت مساعده والديها في مصاريف دراستها فقررت ان تتكفل بنفسها دون ضغوط اخرى عليهم، كانت مازالت تحتفل بنتيجه الثانويه عندما تقدمت للعمل بأكثر من مكان حتى انتهى بها الامر بشركه اكرم، و منه تضرب عصفورين بجحر واحد، تعمل و تكسب ما يلزمها بعرق جبينها، و تتعرف على مجال الهندسه شغفها منذ الصغر، بالبدايه لم يوافق اكرم فشركته كانت في بدايتها، يحتاج لذكاء و تركيز لا لفتاه مراهقه مازالت تتعلم و لكنها بفطنتها و ذكائها و لباقه حديثها و بعضا من الدهاء لا مانع، استطاعت اقناعه و وافق على ان تكون سكرتيرته الخاصه، علمها اساسيات العمل، قرأت، ارهقت نفسها ليالى و ليالى لتستوعب كم ما فوقها من عمل، حتى نجحت، و الان ها هو لا يستطيع الاستغناء عنها حتى بعدما تخرجت و اصبح من حقها العمل كمهندسه، و لكن لا فارق معها فهى غالبا تشاركه جميع صفقاته دراسه و تنفيذ، هى كما يقولون ذراعه الايمن و كما يقول عنها هو هى عصاه السحريه .

تُجهد نفسها بشده و تحب هذا، ابتسمت و هى تنهى بعض الملفات بيدها تجهيزا لما طلبه منها اكرم، شعرت بظل يقطع عنها الضوء قليلا فرفعت عينها ليقرأ اكرم بهما ارهاقها و لكنه ايضا رأى اصرارها مازال موجودا فتسائل و هو ينظر لساعته: مروحتيش ليه يا هبه!
ابتسمت تجيبه بعمليه يقدرها بها بشده و تزيد من احترامه لها: في ايدي ملف هخلصه و امشي يا بشمهندس.

سحب الملف من اسفل يدها دافعا اياه جانبا و صرح بحسم: الوقت اتأخر اتفضلي حالا و الشغل يكمل بكره.
همهمت و هى تهم بسحب الملف مجددا فهى تكره ترك اى امرا عالقا: طيب هخلص الملف ده بس و همشى.

ابتسم باعجاب فمن اين تأتيها هذه القوه بينما هو قد اضناه التعب اليوم و ها هو راحل و لكنه وضع يده على الملف بعنف فارتدت للخلف تطالعه بدهشه فعاود حروفه بحزم اكبر: انا قولت قومى اتفضلى روحى و الشغل هيكمل بكره، و مش عاوز اكرر كلامى كتير يا انسه؟
لم تغضب فهى تعرف انه يعاملها كأخته الصغيره، يقلق عليها، و يهتم لامرها و ايضا يخاف عليها من الطريق في وقت متأخر حتى و ان كانت تملك سيارتها الخاصه.

لحظات كانت هى بسيارتها و هو على وشك الانطلاق بسيارته عندما وجدها تترجل من سيارتها و هي تضرب اطارها بعنف غاضب.
ترجل من السياره هو الاخر مقتربا منها متسائلا: في ايه يا هبه؟
نظرت اليه باحراج و حركت كتفها بجهل متمتمه: العربيه مش راضيه تدور مش عارفه ليه!
ابتسم و هو يتحرك باتجاه باب سيارتها هاتفا بمرح: ما قولنا بلاش حريم تسوق.
ثم مد يده اليها مضيفا: هاتِ المفتاح.

اعطته هبه المفتاح بخجل بينما حاول هو مره و اخرى و اخرى و لم يفلح فترجل و قبل ان يتحدث قالت هى باعتذار: مش مشكله هبقى اوديها لميكانيكى بكره ان شاء الله، معلش تعبت حضرتك معايا.
عَرَضَ بسخاء لا يدعيه و ان كان لا يجوز: و لا تعب و لا حاجه، تحبي اوصلك!
يعرف الرد و لكن لم يجد بد من السؤال و كانت الاجابه كما توقع: اسفه مش هينفع.

و متوقعه للسؤال التالى منحته الاجابه قبل ان يسأل: انا هكلم محمود يعدى عليا في طريقه، هو بيروح من شغله دلوقت.
اومأ موافقا ثم اشار على سيارتها مبتعدا عن الباب فاتحا اياه لها آمرا: تمام اتفضلي اقعدي في العربيه و انا هستني هنا على ما اخوكِ يجي.
تنحنحت هبه بحرج و توردت وجنتاها خجلا و شهامته تفوق الحد معها و تمتمت محاوله منها لمنعه: ملوش لزوم ان..

و كانت المقاطعه منه بحسم و هو يشير بعينه لها لتركب: مفيش بس الوقت اتأخر مينفعش تقفي لوحدك كده اتفضلي يلا.

و انصاعت لرغبته و دلفت لسيارتها و فأغلق الباب عليها بينما استند هو على السياره حتى يأتي اخيها، دقائق يتلوها دقائق هى يزداد خجلها و هو لا يبالى، فهو بالتأكيد لن يترك فتاه واقفه على الطريق بمفردها في هذا الليل، و فتاه بجمال هبه و بجمال عينيها فتنه لاى رجل، و دون سابق انذار تخيل جنه مكانها، كم اشتاق لابريق العسل المنهمر من عينيها، لدلالها و مشاغبتها، كان سيقف بجوارها هكذا، كان سيحميها، سيحافظ عليها و يكون بجوارها دائما ولكن الان بأى حال هى لا يدرى!

تنهيده حاره فارقت شفتيه قبل سماعه لصوت سياره تقترب و ترجل منها شابين احدهما يعرفه فلقد رآه من قبل اخيها و الاخر لا يعرفه..
خرجت هبه من سيارتها بينما اقترب محمود منها فهمست له بغضب لائمه: اتأخرت كده ليه يا محمود؟
و بابتسامه اعتذار واجهها معللا بأسف: حقك عليا العربيه بنزينها خلص فاضطريت استني معتز يوصلنى.

و بينما كان محمود يتهامس معها في عتاب كان معتز يطالعها بنظرات متفحصه، راغبه و منتشيه، مما لم يروق اكرم كثيرا خاصه انه لا يفهم رجل سوى رجلا مثله..

تابع معتز نظراته بينما ازداد اشتعال اكرم غضبا حتى كاد يتحرك ليحطم وجهه فهو لم يكن مستقيما فيبدو انه تعاطى شيئا ما، و هذا اغضب اكرم اكثر و لكن قبل ان يتحرك وجد محمود يقف مقابله، ثم ابتسامه يتلوها شكر و عبرات ممتنه تقبلها اكرم ثم اقترب هامسا بالقرب من اذنه بحده اثارت ضيق محمود: لما تبقي جاي لاختك بلاش تجيب صحابك مش حلوه لا في حقك ولا في حقها، و خصوصا لما يبقى صاحبك شارب.

تعجب محمود ادراك اكرم و تمتم بضيق فهو يثق بصديقه و بالتأكيد اخته ستكون بمثابه اخت له: انا حصل مشكله في عربيتى و بعدين معتز مش...
قاطعه اكرم ناهيا الحوار بجديه: انا حبيت الفت انتباهك بس.
ثم نظر لهبه ثم لاخيها ثم تحرك مغادرا المكان: عن اذنكم..
كانت لحظه عابره و انقضت و لكن ربما لحظه عابره، تكون بدايه اساس الحياه و جنتها في المستقبل، من يدرى!

يجب عليك تخطى كل هذا الحطام، لان بكل الاحوال الحياه لن تقدم لك رساله اعتذار و اسف على ما يجرى و لن تعدك ان هذه اخر مره.
اقتباس
استيقظت جنه بألم شديد يغزو رأسها وجدت نفسها مازالت جالسه ارضا مستنده على باب شرفتها حيث كانت تحادث والدها بالامس، تأوهت ناهضه، وجسدها يأن تعبا، لقد حل الصباح، حل الصباح!

نظرت للخارج لتجد السماء بنورها البراق و الشمس تنشر اشعتها في المكان من حولها، بهتت و هى تحدق في اشعه الشمس قليلا ثم اتسعت عينها حلمها ، مر الليل لم تقلق، لم تنهض، و لم يعانق اميرها حلمها ككل ليله!
رفيقها منذ عشر سنوات، اليوم لم يأتى!
خوفا جديد اصابها، كان هذا بقايا الامل بحياتها.
يقولون و لنا في الحياه خيال، و لنا في الخيال خيوط امل.
وها هى اليوم تناثرت خيوط املها، و تبعثر خيالها، لتغفو و لا تعانقه.

امتلئت عنيها بالدموع، بعوده ذلك المغرور، عادت هى لحياتها السابقه..
تزعزع حاضرها و عاودها ماضيها.
صراخ، أوامر، غضب و هى لابد من التنفيذ.
كوثر جديده في صوره اقوى و اعنف و اكثر غلظه.
عركلتها شباك خوفها لتلتف حولها اكثر، فجلست على طرف الفراش تضم جسدها بيدها.
عاد بالامس رأته مره واحده، اول مره، و اختفى حلمها.
لن تسمح بان يحطم احد ما تبقى منها.
لن تسمح لمغرور جديد بالعبث بحياتها و اذلالها.

هى تعمل هنا حسنا، لكنها عاهدت نفسها على عدم الاستسلام، عدم الخنوع و الانكسار.
هى لن تبقى هنا حتى و ان كانت ترغب.
ابدا لن تبقى هنا.

ارتدت ملابسها و لملمت اشيائها، نظرت للغرفه نظره اخيره، حسنا ليست بالمره الاولى التى يتزعزع كيان حياتها، ولكنها هذه المره تشعر بألم قلبها، تشعر انها تفقد جزء من سعادتها، هنا شعرت انها ستبدأ من جديد، هنا احست انها وجدت عائله ستمضى معهم فتره لا بأس بها، هنا و هنا فقط عاشت ايام قليله و لكنها تُعد اسعد ايام حياتها..

دفء نظرات ليلى، تمرد سلمى و عنفوانها، براءه حنين و هدوئها، مشاغبات شذى و عنادها و طعام ام على و حنانها.
هنا وجدت شيئا طالما افتقدته و لكن قرارها هذا المره ايضا لا رجوع عنه.
خرجت من الغرفه وجدت شذي تخرج من غرفتها ذاهبه لمدرستها، شذى! مهلا!
كيف دلفت جنه للمكتب، شذى!
لماذا لم تمنعها؟ لماذا لم تحذرها؟ عقدت ما بين حاجبيها، تفكير، تحليل ثم استنتاج، شذى ارادت هذا بل هى من فعلت هذا..

حدقت جنه بها قليلا بعدم تصديق لاستنتاجها و الصغيره بابتسامه ساذجه تعلو وجهها اقتربت منها قائله بلؤم: ايه رأيك في عقابي؟
وتقولها الان صريحه! كم كنتِ بلهاء يا جنه! هى من فعلت و ها هى تخبرك.
أوفت الطفله بتهديدها و ها انتِ الان خاسره على وشك الرحيل.
اقتربت شذى منها خطوتين اكثر و رفعت رأسها اليها تفكرها بتهديد لم تعنيه جنه من الاساس: كنتِ بتقولي اني هزعل من عقابك مش كده!

ثم ليه شفاه ساخره مع ضحكه استهزاء: انتِ صعبانه عليا قوى.
ثم اردفت بحقد ملأ صوتها لتتسع عين جنه له بصدمه: يلا اخيرا هتمشي و اخلص انا من شروطك الغبيه...
و بلهجه حملت من الغل و الغضب ما يفوق عمر الصغيره بمراحل كأنها تردد كلمات تحفظها: و دا بقى درس صغير علشان تحرمي1 تلعبي و تعملى فيها فاهمه.
نظرت اليها جنه بدهشه، و الصغيره تسرد تفاصيل ما خططت له ببساطه ثم قهقه عاليه قبل ان تتحرك لتتركها و ترحل..

ولكن جنه تركت حقيبتها و انحنت على ركبتيها ممسكه بذراعها لتجذبها امامها من جديد لتتحدث بما يعتل صدرها الان شارده ببصرها بعيدا و هى تقول: انا المفروض احيى ذكائك، فكرتِ و رسمتِ و لعبتيها صح، صح قوى كمان..
اختنق صوتها و هى تُمسك يدها مردفه: انا مش زعلانه منك، عارفه ليه!

صمتت فنظرت لها شذى بتقطيبه متسائله فأكملت جنه و هى تسرد مشاعرها الحقيقيه فها هى راحله فلترحل ببصمه جيده اذا: لانى اعتبرتك اختى الصغيره، انا معنديش اخوات يا شذى، ليا اخ بس بعيد قوى عنى، انتِ و سلمى و حنين اعتبرتكم اخواتى..

تساقطت دموعها دون ان تشعر بها و هى تردف: انا مش عارفه انتِ ليه عملتِ كده؟ و لا انا اذيتك بايه علشان تكرهينى كده؟ بس اللى انا متأكده منه، انك اليومين اللى فاتوا مكنتيش بتمثلى حبك ليا،.

ارتجفت عين شذى و قلبها الطفولى الذى امتلئ بخوفه الان يمتلئ ندما ربما لم يعد يفيد بينما اكملت جنه باعتذار صادق: انا اسفه اذا كنت ضايقتك او حتى ضغطت عليكِ بس صدقينى كل ده كان علشانك، انا مش مستفيده حاجه، بالعكس انا لو سيبتك براحتك و مهتمتش بيكِ كنت برده هاخد مرتبى و محدش في البيت هيعرف حاجه،.

نظرت شذى ارضا و كلمات جنه تضايقها، تطعنها، تُشعرها انها اجرمت و هى بالفعل فعلت، هى تعلقت بجنه لن تُنكر و لكن هذا اخافها اكثر، فعلى ما يبدو ان قلب الاثنتين محمل بنفس عبء الخوف مع فارق حجمه و سببه..

انهت جنه حوارها قائله بنبره ظهر بها بعض الرجاء: على فكره انتِ لو كنتِ طلبتِ منى امشى كنت همشى، بس عموما انا كده كده همشى، عاوزه بس اطلب منك طلب، ياريت لو والدتك فكرت تجيب ليكِ مربيه جديده ارفضى، او قولى مش عاوزه بس بلاش تجرحى حد تانى اوعى تعملى كده تانى يا شذى..
و نهضت لتهبط للاسفل فها هى طفله صغيره تسبب كسر اخر، اكبر و اعمق.

و هى الان ستبدأ من جديد، حياه جديده، بدايه جديده و كأن كُتب عليها ألا تستقر ابدا.
تركها من قبل من احبتهم عنوه و اليوم ستترك من احبتهم رغما عنها.
ولكن ربما ما زال في حياتها جديد..
و ها هى الصغيره تتابع رحيلها، تفزع، تحزن، و تخشى من جديد، و دعوه تتراقص على شفتيها بعدم الرحيل.

مع كل درجه تتخلى عن مشاعر كونتها هنا حتى و ان كانت في ايام قليله، ثم مواجهه، طلب بالرحيل، تساؤل، حيره، ثم اعتراض و رفض صارم من ليلى: انا قولت مش هتمشى يا جنه.
اعتراض منها هى و تحايل من جديد، قرار بأن تُبدى هى رغبتها في الرحيل قبل ان يطردها هو، اصرار و اصرار و مع اصرارها يهوى قلب ليلى ارضا، فالمسئوليه تتسرب من بين يديها، و خساره، فشل في ان تحتوى صغيره اخيها..

قطع المشاده بينهم صوت عاصم الصارم: في ايه!
اضطرب قلب جنه بمجرد سماعها صوته و لكنها لم تلتفت، لم تتحدث، اسوار حصنت نفسها بها، هى من طلبت الرحيل، لن تمنحه اى اهميه، فهو ليس له الحق هنا برفع صوته او ابداء اوامر مهما كان خطأها و لانها لن تتحمل هذا فاذا سترحل.
شاء الجميع ام رفضوا، رفعت يدها تُزيل دموعها فهو اخر شخص تريد ان يري دموعها الان..

و كان الرد من ليلى عتاب له، تعنيف طفيف على صوته الذى ارتفع عليها، بادلها هو الرد بنبرات غامضه و كلمات اكثر غموضا، فطالبته باعتذار و خرج صوتها مهتزا فأدركت جنه انها تدرك ان الواقف خلفها بعنجهيته و غروره لن يعتذر، و هى لا ترغب في اعتذرات هى ترغب في الرحيل و فقط فلماذا تبقى!
تعجب عاصم تمسك ليلى برأيها رغم ان الطفله لا ترغب بوجود مربيتها فلمَ تبقى جنه اذا!

صمت صمت صمت لا حديث يُسمع، تعجبت جنه فاستدارت لتشهق مرتده للخلف بعنف و هى تجده خلفها مباشره، فارق الطول بينهم اربكها، لم ترفع عينها و التى كانت تواجه صدره الان بخوف، حسنا لا تماسك فهى تخافه، يكفى اانها ترى به الصوره الذكوريه من كوثر..

نظرات متفحصه عقبها سؤال هادئ منه عن سبب رحيلها، و هنا رفعت عينها بدهشه اليه ليحاوطها بحصونه السوداء ليرتجف ابريقها العسلى لحظه مرفرفه برموشها عده مرات، أحقا يسأل! هو افزعها البارحه، صرخ بوجهها، اساء اليها و اهانها، طردها من المكتب و لو ظلت امامه دقيقه اخرى لربما تطاول و رفع يده عليها، لتقضى بعدها ليلتها باكيه، خائفه و ذكريات اسوء ايام حياتها تحاوطها من كل اتجاه و صدى صوته يتردد داخلها باستمرار، حتى نامت مكانها ارضا لتستيقظ دون حلمها، دون صوت اميرها يبتسم لها، لتشعر انها فقدت جزء كبير من سكينتها، و الان بكل تلك البساطه يسأل ما بها!

كانت هى شارده بينما هو لم يكن، قرأ بعسل عينها سطور عن ألم يعيشه قلبها، صراع يرهق روحها، قرأ رجاءا يتوارى خلف ضباب خوف و لمعه مطر، مطر يبدو انه يسكن عينها دائما، لمعه الحزن التى اغضبته لاجلها اول مره رآها و لمعه حزن اخرى اغضبته عليها بالامس و لمعه حزن اغضبته من نفسه الان..

اختبار صغير و سؤال واضح و اجابه ستُظهر كل شئ، خرج صوته عميقا كأنه نابع من روحه يخبرها ان تقول الحقيقه رغم يقينه الكبير انها ستكذب: ليه دخلتِ مكتبى امبارح!
و هتاف حانق من ليلى فهى على حافه الخساره و لن تستطيع ان تخسرها و ان اضطرت ستقول انها ابنة العائله و ليحدث ما يحدث.

ارتجفت عين جنه و هى ترى اسهم حصونه السوداء تلاحق ابريقها العسلى بترقب بطئ و مُربك، ارتفع صوت سقوط شئ من الاعلى فرُفعت الاعين لاعلى وجدوا شذي قد اسقطت حقيبتها، رفعت جنه بصرها اليها لتجد معالم الخوف تبدو على وجهها بوضوح و منحتها نظره رجاء واضحه، فابتسمت جنه بسخريه محدثه نفسها هل تعتقدين انى سأقول الحقيقه !

اقترب عاصم خطوه جعلت جنه تعود ببصرها اليها بفزع و ارتجافه بسيطه تسرى بجسدها، خافت من كوثر طوال عمرها و لكن هذه اللحظه كانت بخوف عمرها كله، بينما هو يتابع خوفها و يحسبه ارتباكا و كم بدت لذيذه بحمره الخجل التى زينت وجنتها و يا ليته يعلم انه خوف و انها في وضع لا تُحسد عليه.

و للغرابه اعاد عاصم سؤاله للمره الثانيه بنبره هادئه و بطيئه مما اثار تعجب ليلى فابنها لم يُعتاد عليه بهذا الهدوء: مبحبش اعيد كلامي كتير دخلتِ مكتبى امبارح ليه؟
ترقب جديد و خوف اكبر ثم ارتباك واضح و تمتمه خافته: ف، ف فضول..

رفعه حاجب و ليه شفاه ساخره، كان مدركا انها ستكذب، بينما رمقتها ليلى بدهشه فلم يبدو على جنه الفضول من قبل ابدا و مع تعجب والدته ابتسم ابتسامه تكاد تُري و تحرك خطوه اليها فرفعت نظرها بسرعه و هي تعود للخلف بخوف نظر لعينها الخائفه و كادت ابتسامته تتسع و لكنه عوضا عن ذلك تجاوزها و وقف ظهره يقابل ظهرها و نظره موجه لشذى بالاعلى قائلا بحسم: شذى محرومه من النادي او اي خروج و يتسحب منها التليفون و مفيش لعب على الكمبيوتر ولا فرجه على التليفزيون و هي عارفه السبب كويس.

ثم استدار ناظرا لجنه التى ما زالت تمنحه ظهرها بذهول تام هذا المره، فهو يعرف الحقيقه على ما يبدو، اذا لمَ كل هذا؟ أيستمتع باخافتها و ارباكها بهذا الشكل! سترحل بالتأكيد..

شهقه خافته تسربت من بين شفتيها و هو يهتف بجوار اذنها بتقرير: بناءا على رغبه امى و كمان لان واضح انك عارفه شغلك كويس، مفيش خروج من البيت و مسئوليتك تجاه شذي زادت الضعف و أي غلطه منها انتِ اللى مسئوله قدامى، اتصرفي معاها زى ما تحبى بس بشرط تتعلم الصح، وتعرف ازاى تتعلم من الغلط و يُفضل تعرف ازاى متغلطتش.

تجمدت تماما مع شعورها بوقوفه الجامد خلفها مع نبرته الحاده و التى اخبرتها بحسم انها لن ترحل و ان كان يخفى في ثناياها مدح وصلها واضحا، و لكنها فوجئت به يتحرك ليقف امامها لترفع عينها بقلق زاد من وتيره تنفسها لتنفرج شفتاها بخوف، لتستقر عينه على شفتاها قليلا قبل ان يهتف بخبث يخبرها انه يُدرك جيدا ما فعلت و ما حدث: و يُفضل تعلميها ان الكذب حرام.

ثم تحرك من امامها خارجا من المنزل ليلحق بوالده في الشركه متذكرا كيف صادف خروجه من الغرفه حديث جنه و شذى سويا ليصله الامر دون نقصان و كم توعد شذى و لكن يبدو ان والدته احسنت الاختيار هذا المره..
بينما حدقت هى بالمكان الذى كان يقف فيه منذ قليل قبل ان تجد شذى تملأ ذلك الفراغ بنظراتها الدامعه لتهمس برجاء باكيه: ماتمشيش يا جنه، انا اسفه.

ابتسمت ليلى و هى تربت على كتفها بحنان و هتفت موضحه و هى تحاول اثنائها عن االامر: كلنا هنا حبناكِ، بلاش تزعلى من شذى و خليكِ معانا.
تفكير، قلق، و تشتت ثم قرار و محاوله اخرى و لمره واحده تُرك الخيار بيدها، اذا فلتختار ما تشاء، و هى حقا ترغب بالبقاء، فنظرت لشذى مبتسمه و هى تمسح على خصلاتها بدفء فاتسعت ابتسامه شذى.
فتمتمت ليلى بمحاوله منها للتأكد من قرار جنه: كده خلاص مش هتمشى!

غمزت جنه لشذى و استدعت ما تملك من مرح هاتفه ببلاهه مصطنعه: هو انا لو مشيت ايه هيحصل؟ هيعمل فيا ايه؟
حاولت شذى تجاوز حزنها هى الاخرى مستجيبه لدعوه جنه للبدء من جديد بمرح فعلى ما يبدو ان هناك كيمياء تفاهم بينهما فصاحت بدراميه: هيعرف يوصلك دا سياده النقيب عاصم الحصري و وقتها بقى
ثم ضخمت صوتها رغم فشلها في هذا و ضحكه شيطانيه تقلدها بمهاره: هاهاهاها، تخيلى بقى هيعمل فيكِ ايه!

وضعت جنه يدها على فمها في اشاره منها للخوف و كم كانت حقا تشعر به و لكنها تجاوزت الامر ممسكه حقيبتها متجهه للدرج هاتفه بفزع مصطنع: فين اوضتي!
لحقت بها شذى ضاحكه لتأخذ حقيبتها و تتجه لمدرستها بينما تابعتها ليلى بابتسامه و هى تشعر ان هناك شراره جديده ستبدأ بين عائله الالفى و الحصرى!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة