قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل السادس والعشرون

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل السادس والعشرون

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل السادس والعشرون

تحرك معتز داخل اروقه الشركه ذاهبا لغرفه شقيقته فهو في امس الحاجه لها،
دلف ليجدها منكبه على عده اوراق امامها فدلف و اغلق الباب فرفعت راسها و عندما راته تعجبت و لكن ازال تعجبها عندما قال بانكسار تتذكر اخر مره رأته فيه يوم رفض والده رؤيته: محتاج اتكلم قوى يا مها.
نهضت عن مكتبها و اتجهت اليه امسكت يده و تحركت به للاريكه الجانبيه و جلست و اجلسته بجوارها و نظرت اليه بمعني تحدث..

وكأن احدهم اعطاه رخصه التحدث بعد طول صمت فهتف بسرعه معددا ما يحمله قلبه: كل اللي في حياتي واحد يا مها، كله واحد، كله بيبعد مفيش حد متمسك بيا ابدا، بابا و ناسي اني ابنه لدرجه اني بدات احس انى مش ابنه اساسا، ماما..
صمت مبتسما ابتسامه جمعت سخريته بمراره قلبه: اوقات بحس انها متستحقش لقب ام اصلا، انتِ ببساطه سافرتِ، حتى هبه..

نظر للارض بشرود و عينه تلمع بالدموع: هتبعد يا مها، هتبعد عني بعد ما اتعلقت بيها، هتبعد زيها زي اي حد تاني،
تساقطت دموعه فوضعت مها يدها على ظهره و لكنه ابتعد عنها و نهض واقفا بسرعه و هو يلوح بيده بعصبيه متألمه: ليه الكل بيهددني بانه يبعد؟! ليه الكل بيقولي ببساطه لو غلطت هندوس عليك لان كرامتي فوق كل حاجه حتى انت؟! ليه الكل بيهددني بحبي ليهم يا مها لييه؟!

اقترب منها مجددا و جلس على الارض امامها و هتف بترجي يتمناه: ليه محدش بيقولي اغلط ونصلح الغلط سوا! ليه محدش بيقولي حتى لو انت سيبتني انا مش هسيبك! ليه محدش لمره واحده يحبني من قلبه بجد و يبقى مستعد يتنازل عن كل حاجه و اى حاجه بس يفضل جنبي!

ابتعد عنها مجددا و هو يزيل دموعه بقوه متحدثا بقسوه: لما بابا هددني لو سافرت معاكِ هيمنع دخولي من المطار قولتله اني بكرهه و مش عايز اشوفه اصلا، لما امي هددتني انها هتطردني من البيت لو زهقت من وجودي و طلباتي سيبتلها البيت و مشيت، لما جدي هددني انه هيحرمني من الميراث ان منجحتش في دراستي و في الشركه زي عاصم مدخلتش الامتحانات ل3 سنين على التوالي، و لو هبه شايفه اني هضعف بحبها...

هتف بصوت حاد و لكنه خانه ليجرد مهزوزا مضطربا: يبقى انا مبحبهاش يا مها.
و دون ان يسمع اجابتها حتى فتح باب الغرفه و خرج مسرعا، بينما نظرت مها للباب الذي خرج منه و هي تزفر بيأس فاخيها لم يخرج من عقده الاهتمام الذى لم يشعر به حتى من اقرب الناس اليه بعد،.

فماذا يخبئ القدر له من زوجته لا تعرف و لكنه في السابق كان يتألم من اهمالهم اما الان فهو يتمزق ألما و هذا ان دل على شئ يدل على حبه الشديد لهبه و لكن للاسف معتز لم يدرك ذلك بعد و يا ليته يدركه و ليت هبه تعاونه قبل فوات الاوان.

مش كفايه تأخير كده يا جدى انا بقالي شهور بحاول اقنع حضرتك.
هتف بها اكرم بحنق و هو يحدث جده.
تنهد مجدي على الطرف الاخر و تحدث بخفوت: انت خابر الظروف يا ولدي، و موت الضني غالي جوي جوي، والحجيجه دلوجت هتزود الوعره و هتكتر الوجع و العيله مش ناجصه مشاكل عاد.
وضع اكرم يده على رأسه مفكرا قليلا: مش لازم حد يعرف اني هاجي لحضرتك و الكلام هيفضل بينا،.

هتف مجدي بحده رغم ضعف صوته: لاه لما تخابر الحجيجه مينفعش تخبي، انا بجولك لاني متوكد ان فيك روح امك الجويه و عجل ابوك الكبير، و لازمن العيله كلياتها تعرف الحجيجه،
ثم اردف بهدوء يطمئنه: الصبر يا ولدي، انا امنت الطريج اللي يوصلك للحجيجه حتى لو اني موت، بس دلوجت مجدرش احرج جلب بنتي على اختها كفايه وجعها على ولدها و الحجيجه دايما بتوجع يا ولدي،.

عبث اكرم بخصلاته وصمت فأردف الجد بشبح ابتسامه: و بعدين العيل كلياتها هتيجي اهنه وبعد ما نجضوا يومين زينين هخبرك الحجيجه، و اني عندي اخبار جديده و متوكد انها هتفرحك.
تمتم اكرم: خير..

تحدث مجدي بشجن لم يخطؤه احساس اكرم: هنتجمع من جديد يا ولدي، اني ومدحت وامين وعبد الحميد هنتجمع تاني، هنعاود و نبجي اخوه، هنجفل الفجوه اللي بناتنا و نعاود و نفتح صفحه جديده، هنمسك بيد بعضنا من تانى، هنجف جار بعض، ضلوع المربع هتكتمل يا ولدي، هتكتمل.

ابتسم اكرم بحنان و هو يشعر بفرحه جده رغم اندهاشه مما قاله فمصائب قوم عند قوم فوائد، و وفاه فارس رغم انها فاجعه الا انها كانت السبب في محو الخلافات القديمه: القلوب اللي بتتعود على الود مبتعرفش الهجر يا جدى، الحب و الود اللي بنتوه جوه قلوبكم مهما اتغربتم عنه اكيد هترجعوله.
اتسعت ابتسامه مجدي و الذي شعر ان روحه تستعيد شبابها: صوح يا ولدي صوح..
ثم تحدث بحزن نادم: بس غربتنا خسرتنا كتير جوي،.

ليتحدث اكرم بحماس مانعا شعوره بالحزن: بس كسبتوا اكتر، على الاقل كسبتوا بعض في الاخر.
هتف مجدي بسعاده: زين الزين يا ولد بنتي...
ثم اضاف بحماس مستغربا: واااه مش هتسألني كيف يا ولد و لا ايه؟
اتكا اكرم على مكتبه قائلا بابتسامه: مش مضطر اسال يا جدي انت كده كده هتحكيلي..

ضحك مجدي و بادله اكرم بالمقابل عندما بدأ الجد يخبره كيف وقفوا اربعتهم بمساعده بعضهم في تلك المحنه التي مرت عليهم فمدحت انحني ظهره بموت فارس و مرض ابنه و لم يجد جواره سوي اصدقاؤه الثلاثه،
هؤلاء الاصدقاء التي فرقوا انفسهم بنفسهم مستغلين ظروفهم،
هؤلاء الاصدقاء الذين اتحدوا ليتفرقوا بدلا من اتحادهم ليجتمعوا،
هؤلاء الاصدقاء الذين سمحوا للظروف ان تدخل بينهم بقوه،.

هؤلاء الاصدقاء الذين اتفقوا سابقا على ان يكونوا عون و سندا لبعضهم البعد و بدلا من ذلك تفرقوا و فرقوا ابناءهم ايضا،
و لكن عندما اشتدت شمس الحزن لم يجدوا سوى سقف صداقتهم فاستظلوا به مسرعين كأنهم انتظروه منذ دهور.
قطع حديث اكرم الودى من جده طرق خافت على باب الغرفه فاستأذن من جده و سمح للطارق بالدخول، دلفت هناء و اعطته ورقه صغيره و خرجت..

قرأ اكرم الورقه ثم استأذن من جده بضروره الغلق وبالفعل اغلق الخط وطلب هناء التي دلفت على الفور..
رفع اكرم الورقه امامها قائلا: ايه ده؟
تحدثت هناء بعمليه بحته يتخللها دائما بعض الايفهات والتي دائما ما تدفع الضحكه لوجهه: حضرتك جالك اتصال بس خطك الداخلي كان مشغول فالمتصل رفض ذكر اسمه و قالي اكتب الرقم ده لحضرتك، قال يعني انا هعاكسه لو قالي اسمه،.

ابتسم اكرم و اومأ براسه فخرجت هناء و هى تصدر اصوات بشفتيها دلاله على التأفأف، طلب اكرم الرقم وهو يبتسم حتى اجابه الطرف الاخر: السلام عليكم، انا اكرم الالفي،
الطرف الاخر: بشمهندس اكرم انا خالد عبد القادر من قسم الشرطه،
عقد اكرم حاجبيه متذكرا تلك الدعوه التي رفعها ضد العامل الذي حاول الاعتداء على صاحبه بحر الفيروز،.

بعد دقائق كان اكرم في طريقه لمكتب مها عندما استمع لضحكات محمود بالداخل و هو يقول: هخطفك يا مها
شدد قبضته بقوه و لكنه تجاهل الامر و بكل بساطه دلف و على وجهه ابتسامه هاتفا بمرح: كده مش بس فعل فاضح لا دا جرم و انا قبضت عليك متلبس..
نظرت مها للارض بخجل بينما قهقه محمود و هتف: حضرتك بتفكرني بوالدتي لما كانت دايما تقفشني و انا بلعب بالتليفون ايام الامتحانات..

ضحك ثلاثتهم و لكن ما لبث اكرم ان استرد حزمه قائلا بجديه: بس احنا هنا في مكان شغل و اعتقد انا قولتلك كده كتير و الموظفين مش هيسكتوا و لا ايه؟
حمحم محمود قائلا باحراج: حاضر يا بشمهندس عن اذنكم...
ارتبكت مها قليلا و لكنها فقدت اعصابها ونظرت لاكرم بخوف عندما قال بجديه لاعنا الظروف الذى اضطرته ان يكون شاهدا على امر كهذا بحياتها: محتاجين شهادتك في القسم.

سيطر عليها ارتباكها فارتجفت اصابعها فنظر اكرم لارتجافه يدها و تحدث بهدوء يعاكس رغبته العارمه بطمأنتها باحتضان كفه لكفها الصغير: مش مطلوب منك حاجه غير شهاده بسيطه باللي حصل،
ضمت ملابسها بيدها بقوه و هي تتذكر ما عايشته ذلك اليوم من احداث، حاول مجددا طمأنتها بهدوء: انا هبقي معاكِ والموضوع مش هياخد اكتر من 5 دقايق،.

رفعت راسها تنظر له برجاء خائف استقبله هو و رغبته باحتوائها تزداد: انا مش هسمح باي حاجه تحصل اطمني، لو عليا مش هسيبك تروحي بس شهادتك ضروريه و لازم الظابط يسمعها بنفسه.
فاشارت بيدها مع حركه شفتيها بانفعال صامت بعجز بائس انا مبتكلمش يا بشمهندس، في الاول و في الاخر مليش صوت.

لم يبد اي ندم او شفقه و التي توقعتهم هي بل هتف بحده: لا ليكِ صوت حتى لو الناس مسمعتهوش كفايه انه موجود جواكِ علشان تحاربي بكل قوتك علشان يظهر..
اخفضت راسها فتحدث هو بجديه: ياريت تجهزي علشان هنتحرك كمان ساعتين كده، رغم اني كنت افضل يبقى معاكِ حد من العيله، و لو على الاقل عاصم.
رفعت راسها و اشارت بسرعه لا عاصم لا، لو عرف ممكن يقتله
ابتسم متمتا بسخريه: انتِ هتقوليلى، ما انا عارف.

فأضاف محاولا اثنائها عن رغبتها بأن تكون بمفردها: معتز او حتى محمود اى حد يكون جنبك يطمنك!
نفت برأسها و رغم براءه ردها ألجمه عن المزيد من المحاوله، اشارت بهدوء لا مش عاوزه حد يعرف، انا واثقه في حضرتك و دا كفايه
و اى حديث يقال الان و قد اعطته مسئوليتها كامله و تقبلها هو بكل صدر رحب.

عاد مازن للمنزل مبكرا عن عادته اليوميه صعد مباشره لغرفته ليجد حياه تجلس على ارض صاله الاستقبال تضم كتاب الله لصدرها و تبكي فترك اغراضه بجوار الباب و دلف متمتا بهدوء و هو ينظر اليها بترقب: حياه.

رفعت نظرها اليه سريعا و بمجرد ان راته ازداد بكائها فاقترب منها مسرعا واخذ كتاب الله من بين يدها و جلس على الارض بجوارها و جذبها لصدره محتضنا اياها بقوه فتمسكت بقميصه بقوه اكبر فتأكد انها تخشي شيئا و بشكل كبير فهمس بخفوت: ايه حصل؟
تحدثت بتقطع من بين دموعها هو فقط من تستطيع توضيح اسبابها اليه و هو فقط من يفهمها: مش عاوزه اسافر، خايفه اسافر..

تذكر كلام والدته صباح اليوم عندما اخبرته عن رغبه جده بسفرهم للصعيد فادرك سبب مخاوفها فمسد ظهرها بحنان و ما زال يضمها لصدره و همس بهدوء: خايفه ليه؟
ابتعدت عنه و نظرت لوجهه ببراءه طفوليه و هى حقا تشعر بسوء قادم، اساسها انها ستفقد امانها بين ذراعيه كأخ كبير لها يخيفها: حاسه اني هخسرك، حاسه ان السفر ده هيبعدنى عنك كتير و مش عارفه السبب.

و بنظراتها الخائفه شملها بنظراته، فضمته مجددا مردفه تشكيه هم قلبها: عارف انا كان اقصي طموحاتي اني اقعد على سطح بيتنا و السما بتمطر، احضن نفسى بقوه، ابكي و اصرخ، اشارك دموعي بمطرها، ابكي و اطلع كل الم جوايا، اصرخ بعلو صوتي و اخرج كل حاجه وجعت قلبى، و بعدين ابص للسما و اقارن، دموعي ايه جنب مطرها، صوتي ايه جنب رعدها، اذا كنت انا موجوعه فالسما بتشاركني وجعي بوجع اكبر، هقنع نفسي ان في حد معايا، اثبت لنفسي اني غاليه حتى لو عند السما اللي احتوتني بمطرها تطمني...

ابتعدت و نظرت لمازن و عينها تمطر الما و ترعد خوفا و هى تجد به كل أمانها: انا حققت اللى نفسى فيه، بيك يا مازن. انت السما اللي حضنتي، انت المطر اللي في عز الوجع احتواني، انت الرعد اللي زلزل خوفي و طمني.

عادت تستند على صدره و تمسكت بقميصه بقوه اكبر و هي تهتف مرتعبه لا تدر ما سبب ارتعابها حتى: بس خايفه الشمس تطلع و المطر يخلص، خايفه السما اللي احتوتني بمطرها تطلع شمسها و تبعدني عن حضنها، خايفه اخسرك يا مازن.
اتسعت عينه بدهشه من المكانه التي تضعه فيها، هو ليس زوج و لا مجرد اخ بل اكبر من ذلك بكثير بكثير جدا.

ضمها اليه بقوه و قلبه يتألم لاجلها و قال بثقه مطمئنه يحاول بثها الامان ان مهما يحدث هو لها السند دائما: زي ما السما احتوتك بمطرها في عز وجعك، هتحتويكِ بشمسها في عز فرحك، السما ليكِ و حضنها ليكِ دائما، و زي ما حضنت دموعك بمطرها، هتنور ضحكتك بشمسها.
ابتسمت براحه و هي تسمع دقات قلبه التي تدرك جيدا انها لا تنبض لها و لن تفعل، و لكنها تعطيها الاف الوعود بالامان، و الاف الصكوك بالوفاء.

خرج اكرم من الشركه و ظل بانتظار مها داخل سيارته، حتى خرجت هي و محمود يضحكون..
نظر اليها متابعا ضحكتها التي منذ اول يوم رأها خطفت قلبه بعيدا دون درايه منها،
بحر الفيروز الذي غرق فيه سهوا و خفيه،
ملامحها البريئه التي تعجز عينه عن الابتعاد عنها.
ابتعد بنظره عنها و وضع يده على قلبه و ابتسم،.

دائما ما كان يمني نفسه بحب يسكن قلبه بلا منازع، بامرأه يمنحها ما ادخره من حب طوال عمره، بزوجه تكون مكافأته على صبره، و لكن هذا قلب، و القلب يعشق دائما كل صعب.
كم كانت والدته تخبره دوما برسائلها ان يكن رجلا كأبيه، ناجحا مثله، متدينا مثله، خلوق مثله، و كم ناجته ليعشق مثله!

ليجعل انثي ما على هذا الكوكب تعيش شئ اكبر بكثير من الحب مثلما عايشته هى، ليجعل امرأه ما سعيده سعادتها، ليجعل امرأه ما تقول يوما هنيئا لها بابن مثله،
و كم يتمنى الان وجود والدته معها ليخبرها، ليقول لها عشقت يا امي و لكن ليس لكل العاشقين لقاء.
وقفت امام قسم الشرطه تختبئ خلفه خوفا و ارتباكا، تقدم يفسح لها المجال حتى جلسا امام الظابط الذى هتف بعمليه مطلقه: اتفضلوا.

تسائل اكرم عن صديقه الظابط الذى من المفترض ان يكون ها هنا فأتته الاجابه ساخره: منفعكش انا و لا ايه؟
و ابتسم بمجامله فتسائل الظابط موجها حديثه لمها: انتِ مها حامد السروى؟
اومأت برأسها، فاشار الظابط للجالس بجواره: افتح المحضر يا بني، قوليلى يا انسه ايه اللي حصل بالتفصيل!

تلعثمت و تجمدت يديها عاجزه عن سرد ما حدث، رفعت عينها لاكرم كأنها تطلبه المساعده فهم بالتحدث و لكن هتاف الظابط بصوت حاد جعله يغضب و جعلها تنتفض شاعره بالعجز، الخوف و يلفها الصمت ارتباكا اكثر: انطقي يا انسه مش جايين هنا نسكت و نبص لبعض!
اعتدل اكرم بحده ناظرا اليه صائحا بصوت عالى نسبيا: اللى قدامك مش متهمه حضرتك، و مش تحقيق هو و دا مش اسلوب.

نظر اليه الظابط باستهزاء ساخطا و لم يبالى: و انت بقى اللى هتعملنى شغلى؟
ثم ابتعد بنظره عنه مطلعا على الشكوى امامه: و بعدين انت موجود هنا بصفتك ايه؟!
استدعي اكرم كل هدؤه و رغم انها عادته الا انه كان من اصعب ما يكون عليه الان: انا اكرم الالفى، اللى مقدم الشكوى.

فاغلق الظابط الملف متحدثا بسماجه و هو يرمقهم بعين متفحصه هاتفا باستنكار: ايوه يعنى موجود هنا بصفتك مين، مش اخوها و مش جوزها، قدمت شكوى بصفتك مين؟
ثم ابتسم و هو يرمق مها بنظرات غريبه متمتما: و لا انت صاحبها؟

نهض اكرم بغضب مقتربا من الرجل قابضا على طرف بذلته بعنف هاتفا بحرقه: هو لما الاقى واحده محتاجه مسااعده و اساعدها لازم ابقى اخوها او جوزها مينفعش لانى راجل، و لا غريب عليك الكلام ده ما اصل اشباه الرجال كتير.
اشتعلت اوداج الظابط و هتف هو الاخر بغضب: انت اتجننت؟! انت فاهم يعنى ايه تتعدى على ظابط شرطه في زيه العسكري؟! دا انا اوديك في داهيه..

فهتف اكرم بغضب مماثل: و انت فاهم يعني ايه تقذف محصنات؟! الداهيه بتاعتك دى صفر على الشمال يا حضره الظابط.
في هذا الوقت دلف خالد صديق اكرم ، الذي تعجب الموقف و لكنه تصرف بسرعه محاولا تهدأه الامور و بالنهايه نجح في ارضاء الطرفين و لو انه لم يفعل حقيقه،.

ثم استلم هو الامر حتى انهاه و قد حصل على ما يريد، تنهدت مها خارجه من الغرفه خلف اكرم الذى فاجأها و هى ترى عاصم امامها يستند على جدار مقابل للغرفه التى كانت بها منذ دقائق، فنظرت اليه بذهول، نقل اكرم بصره بين عاصم الذي يشتغل غضبا و لكنه يحاول التماسك و بين مها التي ارتعدت خوفا من رد فعل عاصم، فابتسم يطمئنها متمتما باعتذار و توضيح: مكنش ينفع نخرج من الشركه انا و انتِ و محدش من اهلك يعرف، لا ديني و لا رجولتي يسمحوا بكده و بصراحه مقبلهاش على اختي، فكان لازم عاصم يعرف بس انا احترمت رغبتك انه ميبقاش موجود معانا.

نظر اكرم لعاصم الذي يتابع ما يحدث و يكاد ينفجر غضبا لولا ان اخذ اكرم منه وعدا لما كان انتظر حتى انتهائهم ليظهر في الوسط، نظر اكرم لها و همس بمرح و غمزه مشاغبه يطمئنها: لما تحبى تهربى من المواقف دى، احضنيه عالطول.

و تركهم متحركا باتجاه سيارته ليلتفت بعدها ليجدها تضم عاصم بقوه وضحت كم كانت حقا بحاجه لذلك، فابتسم و هو يرى على ملامحها الارتياح و في عيونها دموع اخفتها و خوف سلمته لاخيها مسرعه كأنها سئمت حمله، قويه، و لكنها ضعيفه جدا فقط بحاجه لمن يحتويها.
ابتعدت و رفعت يدها تزيل دموعها و هى تشير موضحه كنت خايفه عليك، انت في غضبك مبتعرفش حد.

رفع حاجب يستنكر ما تقول و لكنها منعته التحدث عندما اشارت متسائله و هى تنظر لاكرم بالخارج قالك امتى!
نظرعاصم لاكرم بتقدير و ابتسم و هو يتذكر مدى غضبه و خوفه في الوقت ذاته: يوم ما كنتم في المبني، بعد ما خرجتوا من المستشفي، و قالي انك رافضه ان حد يعرف.

ثم اضاف و هو ينظر بدقه و ترصد لعينها متسائلا رغم انه متوقع الاجابه: انا تقبلت انك تخبي على معتز و عذرتك انك تخبي عليا بس اللي مش قادر استوعبه ازاى تخبي على محمود، و المفروض انه اكتر واحد تبقى محتاجه له جنبك في وضع زى ده؟!
شردت بعينها قليلا و اشارت و هي ترفع كتفيها ببلاهه و استغراب معرفش.

نظر اليها عاصم قليلا و كتم داخله ما وصله من رسائل، و تحرك معها للخارج حيث يقف اكرم، نظر اليهم اكرم بابتسامه قائلا و قد ادى واجبه: انا كده سلمت الامانه، تقدروا تتفضلوا انتم وانا هتمشي شويه.
نظرت اليه مها بامتنان ثم صعدت للسياره بينما صافحه عاصم بشكر و احترام متمتما بابتسامه: لينا قاعده سوا..

عاد امجد من عمله ليجد سلمي جالسه و الغضب يظهر بوضوح على وجهها و تجنبا لاى نقاش حاد بينهما قرر تجاهل غضبها قليلا و استقبلته هى شاكره له صنيعه ثم بدأت بتحضير الطعام حتى انتهت و جلس كلاهما، بدأ الحديث بينهما يخرجها نوعا ما من غضبها خصوصا مع مزحات امجد المتتاليه و التي تدرك جيدا انه يتعمدها لتضحك فهو دائما ما يخبرها ان شمس يومه تشرق بابتسامتها،.

نهضت تلملم الطاوله و لاول مره يساعدها رغم انه دائما ينتظرها لتنتهي، استند على الطاوله الرخاميه بجوارها وهي تضب الاغراض بمحلها و تنظف الاطباق و هو يمازحها و احيانا يشاكسها بيده حتى صرخت به ضاحكه: خلااااص يا امجد بقالي ساعه كان زماني خلصت.
قهقه هو الاخر مضيفا باستفزاز مستمتعا: بحب اشوفك متعصبه، ببقى مبسوط.

نظرت اليه بغيظ ثم نثرت بعض قطرات الماء عليه ليبتعد بوجهه ضاحكا ثم امتدت يده لتدغدغها و لكنها رفعت احدى حاجبيها بثقه دون حركه، ففعلها مجددا لم تتأثر ايضا فهتف: لا مش ممكن، انتِ مش بتغيرى!
حركت رأسها يمينا و يسارا نافيه و هي تضحك، فضرب جبهته بيده وقال بقله حيله: و انا اللى كنت فاكر انها هتبقى نقطه ضعف.
فهندمت مريول المطبخ قائله بثقه: عيب يا بابا، انا مش اى حد حضرتك.

قهقه و هو يراها تتقمص دور الواثقه بجداره مع ذلك المريول هاتفا بتحدى: كل انسان له مكان معين يغير منه و صدقيني هعافر لغايه ما اوصل، و ما ادراكى بقى لما دكتور امجد يعافر.
ضحكت بملأ صوتها و قبلت تحديه بكامل ثقتها: طيب لو قدرت توصل هنفذ اللى تطلبه منى.
اقترب بوجهه منها هاتفا و هو يحرك اصبعه امامها و نظره عينه مشاغبه: اي حاجه.
دفعته بكتفه بخفه تبعده عنها مردده و هى تتحرك بثبات للخارج: اي حاجه..

و خلفها كان هو يسرع ليلحق بها ثم حملها مسرعا و هي تصرخ و قد باغتتها فعلته: بتعمل ايه يا امجد!
فهتف و هو يتحرك بها لغرفتهم ناظرا لعينها بتساؤل: انتِ طخنتِ يا سلمي، بقيتِ تقيله.
ضربت بقبضتها عده مرات على كتفه ثم عبثت بشعره صارخه: انا طخنت، طب نزلني يا امجد..
ظل يضحك بقوه حتى دلف لغرفتهم فدفعها على الفراش بقوه فصرخت بغيظ ثم نهضت واقفه بسرعه اعلاه صائحه بعنف و ضحكاتها تقطع كلامها: انت عاوز ايه؟!

فاقترب منها و هو يرمقها بنظرات ماكره ليصيح بصوت حاول جعله خشنا بقدر استطاعته: يا انت يا انتِ النهارده.
جاءت لتهبط عن الفراش و لكنه امسك قدمها لتسقط و هي تضحك بقوه، فبدأ يداعب قدمها من اسفل و لكنها فقط تضحك على محاولاته الفاشله، حاولت النهوض مجددا فثبت قدمها بيده ممسكا اياها من ركبتيها فتلوت و صرخت بقوه تدفعه عنها: سيب رجلى يا امجد.

و لكنه ثبتها بقوه محركا يده حول ركبتيها ليحكم امساكها و لكنها تحركت بعشوائيه و هي تصرخ، فنظر اليها ضاحكا يلتقط انفاسه بعنف: فرهدتيني يا سلمي اثبتى بقى.
و حرك يده مجددا ليستطيع تثبتها فصرخت مجددا لتتعالي ضحكاته هاتفا بها معنفا: ودني يا بنتي ارحمي، بتصرخي ليه دلوقتي!
فحاولت سحب قدمها من اسفل يده و هي تقول و قد كشفت سرها الصغير: ابعد ايدك بس و انا هثبت، متمسكنيش من هنا،.

فنظر ليده القابضه عليها و الممتده اسفل ركبتيها و اتسعت عينه بادراك فحرك يده بخفه اسفل ركبتيها لتصرخ مبتعده عن مرمي يده، فابتعد عنها ضاحكا بقوه شديده حتى سقط على الفراش جوارها و هتف: طيب كنتِ سبينى احاول اكتر، دا مكان حد يغير منه، ركبك يا سلمي؟!
فنهضت جالسه و ضربته بقبضتها عده مرات بصدره و هتفت بتزمر: بس يا امجد اسكت خالص..

نهض جالسا هو الاخر يزيل عرق جبينه الغير موجود بدراميه هاتفا: كده خسرتِ الرهان، هطلب و انتِ تنفذى.
عقدت ساعديها و نظرت لجانب الغرفه و همهمت موافقه، فرفع يده و ادار وجهها اليه و اشار باصبعه الاخر على وجنته يطالبها بقبله، فحركت رأسها يمينا و يسارا نافيه.
فاعاد وجهها اليه شاهقا بمزاح هاتفا: هترجعي في كلامك و لا ايه يا بشمهندسه؟!

زفرت بضيق ثم اقتربت منه طابعه عده قبلات مشاغبه على وجنته ليصدر هو صوتا مستمتعا، فزمت شفتيها مبتعده عنه و همت بالنهوض و لكنه امسك بمعصمها مجلسا اياها مجددا و قد ترك المزاح جانبا متحدثا بجديته: لسه في طلب..
حاولت سحب يدها منه و لكنه اطبق عليها و عاد بجسده للخلف نائما ساحبا اياها جواره لتستند براسها على كتفه و هو مازال محتضنا كفها: ايه مضايق متمردتى الجميله؟!

زفرت بقوه و قالت باستسلام: طنط مروه عاوزه تعمل حفله لانجي بمناسبه ترقيتها في شغلها الجديد و مصممه اننا نحضر لا و انا اللي اصمم الديكور كمان و انا اصلا مليش نفس احضر حفلات..
اسند رأسه على رأسها و مسد ذراعها بيده و همس بهدوء يستشف سبب ضيقها تحديدا: امممممم و انت متضايقه من ايه بالظبط؟!

اغمضت عينها ثواني ثم تمتمت بتوضيح: اولا انا مش طايقه اشوف انجي، ثاانيا مش عاوزاك انت كمان تشوفها، ثالثا هو مفيش غيري يعني يجهز لها الحفله، رابعا مش طايقه اسمع اى اغاني او اشوف اى جمع كبير كده و انت عارف السبب كويس، اخر حاجه بقى انت عارف وضع حنين، ازاى احتفل عادى كده كأن حياتنا طبيعيه، انا جوز اختى مات يا امجد و رغم الوقت اللى عدى فارس مش سهل يتنسى و لو عدى اكتر من كده عشر مرات.

تنهدت بقوه و صمتت ليصل لمسامعها اخر ما توقعت ان تسمعه عندما صرح امجد بهدوء: فارس بالنسبه ليكِ كان جوز اختك بس، صح؟!

انتفضت سلمي كالتي لدغتها افعي لتنهض جالسه و تنظر لوجهه بذهول تام، فتنهد هو الاخر و نهض جالسا قبالتها و صرح بظنونه التى اخفاها طوال الاشهر الماضيه و التى شعر بها كلما اقترب فارس من سلمى او بعد وفاته و صدمتها الهستيريه: كل حاجه يا سلمى كل حاجه يبقى فيها وجود لفارس كان تصرفك تجاهها مش طبيعي! انا مش بتهمك بحاجه انا بصرح بظنون جوايا و اتمني تثبتِ لى انى غلطان...

نظرت لعينه باستغراب لملاحظته امر كهذا و لكنها حمحمت و قد قررت المصارحه و هى تخفض عينها عنه قليلا: لا
حاول النظر لعينها التي تخفيها و تسائل بحاجه لتوضيح اكبر: لا ايه يا سلمي!
رفعت راسها وهتفت بتأكيد: لا مش غلطان، انا فعلا كنت معجبه بفارس،
اتسعت عينه رافعا حاجبيه بتعجب و تلونت امواجه بغضب متسائلا بسخط نادرا ما يتحدث به: و بتقوليها عادي كده بكل بساطه؟

اقتربت منه و امسكت يده متحدثه بجديه: فارس كان حاجه جميله في حياه الكل يا امجد و انا كأي بنت مراهقه كنت شايفه فيه فارس الاحلام زي ما بيقولوا، كنت معتقده اني بحبه و لما طلب حنين و بابا وافق و هي كمان وافقت كنت حاسه اني مضايقه منها جدا، حسيت ان قلبى واجعني و اني خسرت حاجه يا ما حلمت بيها و فضل الشعور ده جوايا، لحد اليوم اللي انت جيت فيه اول مره بيتنا،.

تهدجت انفاسه و اضطربت حركه صدره و ضغط يدها الممسكه بيده بقوه عبرت لها عن مدي غضبه و لكنها قررت افصاح مكنونات قلبها مره واحده فأردفت و له من الحقيقه كاملها: يومها نزلت اقابلك غصب و كنت ناويه اطفشك باى طريقه، لكن اول ما شوفتك، اتحولت من سلمي المتمرده زي ما انت بتقول دايما لسلمي الخجوله اللي كانت قدامك يومها، اتكلمت معاك بشغف و كنت مبسوطه، اسلوبك الهادي و طريقتك، كنت حاسه اني فعلا ببني معاك حاجه جديده، حاجه بدأت معايا من اول مره شوفتك زى معاك بالظبط،.

رفعت نظرها اليه تغرق باستماته في عمق امواجه التى ارتفعت عاليا بغيرته و تمتمت بصدق احساسها وقتها: يومها مفكرتش في حد غيرك، شاركتك احلامى و اللى ناويه اعمله، مفيش اى حد تانى جه على بالى خالص، و صدقنى يومها اقتنعت تماما ان اللي انا كنت بحسه تجاه جوز اختي ما هو الا اعجاب بنت مراهقه بشاب في صفات بتتمناها، و انت اكتر واحد المفروض تفهم شعورى لانك جربته،.

رفعت يدها من بين يديه واضعه اياها على وجنته: كلنا حبينا فارس لانه كان شخص يتحب، حتى انت رغم انك مقابلتوش كتير حبيته و بعد ما توفي كلنا هنفضل نحبه و هيفضل ذكري جميله جوه قلوبنا بس، حبي ليك انت حاجه تانيه، انت قولت لى ان اللى بينا مش حب قد ما هو اكتمال، انا فعلا بكتمل بيك يا امجد، و زى ما امجد ملك سلمي، سلمي كمان ملك امجد و بس.
نظر لعينها، ليغضب، ليصرخ ليعبر عن شعوره بجرح اصاب حبه و لكن اين خطؤها؟!

هو تعلق باخرى و اعتقد انه يحبها، حتى قابلها، تلك المتمرده التى غيرت احساسه، فكيف يعاتب او يلوم احساسها المماثل لاحساسه تماما؟

ترك يدها و اشاح بوجهه جانبا فنظرت اليه و قد مس قلبها حزنه، و هل قولت انا من قبل ان اقصى ما يؤلم سلمى ان ترى بسببها الحزن على وجه من تحب، و بخلاف عبثها، تمردها و رفضها لقبول الاخطاء صرحت عن اسفها باعتذار واضح تعجبه: انا اسفه، احنا اتفقنا على الصراحه في كل حاجه بينا، مكنش قصدي اضايقك.

و رغم تعجبه الشديد لاعتذارها ابتسم يضمها لصدره و هو يعترف كل يوم ان لم يكن كل ساعه انه صح الاختيار و لقاؤه بها كان اغلى ما حدث له و كونها زوجته جعله هذا الاغنى بما امتلكه،.

نحن لا نموت حين نفقد من نحب، فقط نكمل الحياه بقلب ميت.
هيلين كيلر
جاءت ليلى من الاعلي و هي تبكي فاقترب عز وعاصم منها فقالت باختناق: انا عايزه بنتي يا عز؟ مش متحمله اشوفها كده، رجعلي اختك يا عاصم، عايزه بنتي!

زفر عاصم بقوه و تركها صاعدا للاعلي دلف لغرفه حنين ليجد جنه جالسه امامها تطالعها بحزن فدلف و اتجه لحنين مباشره اغلق ستائر الشرفه و امسكها من يدها و اوقفها امامه، و بكل قوته و جبروته تحرك بها للخارج ساحبا اياها خلفه..
هبط بها الدرج و هي تتحرك معه بآليه، تعجب عز و ليلي و قبل ان يسألوه ماذا يفعل، كانت شذي دالفه للمنزل مع مها فقالت بطفوليه: انت رايح فين يا ابيه؟
فهتف بقوه: كفايه هروب لحد كده..

و خرج بحنين امامهم جميعا و سار بيها حتى السور الفاصل بين منزلهم و منزل فارس و هنا وجدها تحاول التملص من يده، و لكنه اطبق عليها و خرج من البوابه الرئيسيه حتى توقف امام بوابه منزل فارس الذي كان ينتظر مازن امامها..
احس هو بارتجافه جسدها بمجرد عبورهم لبوابه المنزل حتى تشنجت و وقفت تماما امام الباب الداخلي ضغط عاصم يدها ليحركها و لكنها توقفت مكانها و كلما تقدم بها خطوه تعودها هي و انفاسها تضطرب بقسوه،.

و لكن عاصم لم ياتي لهذا القدر فقط فهو لن يرحل من هنا الا بحنين شقيقته و بقايا المرأه هذه لا يرغبها ابدا،
جذبها بقوه مؤلمه و تحرك للداخل و هى تكاد تفقد انفاسها مع ازدياد انقباض يدها على الصوره مقربه اياها من صدرها اكثر و كأنها تحتمى بها او ربما تخشى ادراك نهايه حلمها..

اقترب عاصم من غرفه فارس و قد قرر خوض الامر من اكثر مواطنه قوه، فتوقف مازن امامه ناظرا لحنين بقلق مشفق: بلاش اوضته يا عاصم، الموضوع مش سهل لا عليك و لا عليها..
نظر اليه عاصم يخبره انه محق و لكن ان اراد احراق روحها لتعود للحياه مجددا سيفعل، سيفعل و ان كلفه الامر كل طاقته،
فتح باب الغرفه و بمجرد ان دفع حنين داخلها بدأ تنفسها يتعالي بشكل لا ينم عن خير، و لكن مع اضطراب حنين اضطرب عاصم ايضا ناظرا حوله،.

كثيرا ما جمعتهم تلك الغرفه، كثيرا ما تشاكسوا هنا، استلقوا سويا على هذا الفراش ليلقى كل منهم بحمله على كتف الاخر...
و الان فارغه الغرفه و لكن منه فقط!
سامحك الله يا فارس، ليتك اصطحبت ذكرياتك معك، و يا ليتنا جميعا نصاب بفقدان الواقع كزوجتك، يا ليت...
وضع مازن يده على كتف عاصم و قناعه هو الاخر على وشك التصدع،.

نظر عاصم لحنين وجدها تتشبث بصوره حلمهما بقوه، و تغلق عينها بقوه اكبر تمتنع عن رؤيه اغراضه، الشعور بأنفاسه التى شعرت بها تملأ الغرفه، الادراك و ما اسوءه، فامسك بذراعها و قال: افتحى عينك و بصى حواليكِ يا حنين، فارس مش موجود، فارس مش هيرجع تاني..

حركت رأسها يمينا و يسارا ببطء عندما حاول عاصم سحب الصوره من يدها فتشبثت بها و لكن لهنا و كفي، نزعها من يدها بقوه ففتحت عينها بسرعه لتتسع بصدمه و تتالى شهقتها المانعه عندما صرخ عاصم بها و هو يمزق الصوره امامها: خلاااااااص يا حنين الحلم ده انتهي، انتهي..

لتضطرب انفاسها بسرعه شديده و هى تنظر له بعدم تصديق ليلقي بالوريقات الصغيره ارضا، و مع تساقط حلمها ارضا داهم علقها فارس يوم زفافهم ساقطا هو الاخر فصرخت بكل ما اوتت من قوه كأنها تعيش ما صار مجددا مردده اسمه بفزع، و هى تتذكر ثقل جسده الذى جذب اياها معه لتسقط ارضا و مازالت تردد اسمه كأنه امامها، اخذت تلملم الوريقات الصغيره، مع تساقط دموعها تباعا تفرغ شحنه خوفها، كسرها ثم انتفض جسدها بقوه كتمانها للوجع لما مضى من اشهر و دون وعى انطلقت صرخاتها مجددا و التي على اثرها اتت نهال و حياه.

اوقفها عاصم قسرا و هو يقتل الوجع الذي يشعر به لاجلها و لاجل نفسه: فارس مش هنا و مش هيبقى هنا خلااص يا حنين، مش هتشوفي فارس تاني،
ثم صرخ بقلب يبكى عجزا و قسوه: محدش فينا هيشوفه تاني،
ابعدته حنين عنها بقوه صارخه و هي تضع يدها على اذنها تتراجع للخلف كأنها تمنعه افاقتها: اسكت، اسكت مش عاوزه اسمعك، فارس هيجي، فارس هيرجع، انت متعرفش حاجه.

تساقطت دموع نهال و هى تتقدم منها و لكنها توقفت و هى ترى حنين تركض باتجاه طاوله اغراضه الخاصه ناظره اليها تمرر عينها على زجاجات عطره ليقع عينها على تلك الزجاجه التي اهدته اياها فاخذتها بسرعه تنثر منها حولها ليصلها رائحه عطره فاستقبلتها بقوه و ابتسمت بعدها و هي تقول بثقه ترفض مجددا واقع سيقتلها: فارس مش هيسبنى، هو زعلان مني بس مش هيسبني...

نظرت لعاصم و هتفت بقسوه و كأنها تلومه او تتهمه: يعني ايه مش هشوفه تاني، انت كداب، فارس وعدني يفضل جنبي، وعدني نتجوز، وعدني نجيب محمد و عائشه..

صمتت فجأه لحظات، ثوانى و دقائق قلائل، ترى، تشعر، تتذكر و بالنهايه تدرك لتصرخ بعنف دافعه بالزجاجه من يدها بقوه لتصطدم بالمراه و يتهشم كلاهما، فانتفضت نهال تشفق عليها، لتصيح حنين و هي تسقط ارضا على ركبتيها، تعاتب، تلوم و تشكى: فارس!، فارس سبني يا عاصم، سبني من غير ما يخدني معاه، مش هعرف احضنه تاني، مش هعرف اتخانق معاه، مش هسمعه بيقولي بحبك.

جالت عينها يمينا و يسارا تدفع بكل ألمها اليهم: فارس فييين يا عاصم! هحكي لمين عن وجعي دلوقت، مين هيسمعنى و يطمني؟، فااااارس سبنى يا عاصم...

انحنت بجسدها للامام تبكي بأعلي ما تملك من صوت و اعصابها تنهار و كل قوتها تتلاشى، فتحركت نهال مندفعه لها لتجلس بجوارها تضمها لصدرها لتتمسك بها حنين بقوه و هى تردف بنبره مذبوحه: انا عااااوزه فارس يا ماما، طلب مني افضل معاه لحد ما احقق حلمه بعائشه و محمد، و انا وعدته افضل جنبه، و هو اللي سبني يا ماما،
تعالت شهقات نهال هي الاخري و هي تشعر انها تضم روح طفلها و صرخت بقلب ام مكلوله: ياااارب يااااارب.

اردفت حنين و هى تنظر لعينها تدفعها عنها و بعدم تصديق صاحت: قالي هحارب علشانك، بس اتخلي عني، سبني لوحدى، انا هعمل ايه، يااارب خدني معاه يارب،
ضربت نهال على ظهرها و هي تنهار اكثر تضم اياها بقوه تحاول تكبيل حركتها هاتفه بها: اسكتِ، اسكتِ.

دفعتها حنين عنها مره اخرى و امسكت يدها تتوسلها و هى تنحنى مقبله يدها عده مرات و نهال تحاول منعها فاشله: انتِ مامته مش هتكدبي عليا، قوليلي ان فارس هيرجع تاني ليا، قوليلي انه هيخدني في حضنه و يمسك ايدي تاني، قوليلي اني في كابوس، صحيني يا ماما منه الله يخليكِ صحيني منه..

حاولت نهال الحد من حركتها الانفعاليه و التى اخذت تزداد بهستيريه و لكنها لم تستطع بل نهضت حنين مبتعده عنها و اتجهت لطاولته مجددا و دفعت كل ما عليها ارضا وهي تنهار بشكل تام و هنا حاول عاصم منعها، و لكن دفعتها له اخبرته انه مهما حاول الان فلن يستطيع فعل شئ، قرر تقبلها للواقع و ها هى تفعل و لكن بأقسى و اعنف ما قد يكون على نفسه و خاصه من قلب ضعيف كحنين.

اتجهت لخزانته و فتحتها لتتيبس عينها على ملابسه، لحظات و جذبتها تلتقط ما تبقى فيها من رائحته، لتضمها بعدها لصدرها و قدمها تخونها لتسقط و تتساقط ملابسه فوقها، صرخات متقطعه حتى تقطعت انفاسها لتسعل بضعف قبل ان تتلاشى رؤيتها لتكن اخر ما تراه صور طفولتهما بين طيات ملابسه لتستلم بعدها للظلام و بقلبها تمنت حقا لو كان ابديا.

اندفع عاصم باتجاهها متجها بها للخارج بينما انهارت نهال تماما بجوار ملابس ابنها لتحتضنها حياه بينما وقف مازن ينظر لوالدته التي تكاد تاخذ انفاسها ثم يعاد نظره للدرج التي انطلق عليه عاصم بحنين و لم يتحرك قيد انمله مع تحجر دمعه بعينيه فمن خسروه لم يكن مجرد اخ، زوج و ابن بل كان روح ساكنه بداخلهم و مهما مر من الوقت لن تفارقهم ابدا.

و على الاعتراف، انى لست شجاعا
بل انا من فرط خوفى، خائف من أن اخاف.
اقتباس
الكلمات، سلاح ذو حدين،
فكلمه واحده قد تدفع الشخص لامور من شأنها ان تكون جيده و من شأنها ان تكون اسوء السئ، و بعد ان نرى رد الفعل نعيد حساباتنا فيما قولنا و لكن من الخاطئ و من الصائب وقتها لا فارق، فالنتيجه سواء، فعل لا رجوع عنه...

نادمه لما صرخت به في وجهه، تدرك عقدته من عدم الاهتمام، التهديد و البعد، تدرك حزنه لان الجميع يشعره ان لا فارق لوجوده و هى بكبرياء مجروح فعلت ما يخافه و همشت منه و ان كان ليس هذا بمقصدها اطلاقا و لكن منذ ذلك اليوم و علاقته بها متوتره، يتجنبها قليلا، يغيب عنها بالخارج، الحوارات بينهم قلت، النقاشات و حتى خلافات، و ان صدقت ستقول انها نادرا ما تراه.

و ها هى تجلس بانتظاره و قد قررت ان تتحدث منهيه هذا الغموض و البعد بينهما فلا طاقه لها على حاجز برود يبنيه هو او حتى هى، عاد معتز للمنزل ليجدها بانتظاره في كامل اناقتها و انوثتها، تستقبله بابتسامه و قبله صغيره مدلله: حمدلله على السلامه، اتأخرت عليا.

و جوله قصيره بعينها اخبرته انها نادمه، حزينه، و كان هذا من شأنه قتله و خاصه مع ما يفعله كرد فعل على حديثها، فعقد حاجبيه يعتذر بصمت قبل ان يجذبها يخفى وجهه بعنقها بقوه، يضمها بمدى قوه ضعفه متمتما بخفوت بصوت كتم اغلبه في عنقها: انا اسف..

حاولت الابتعاد لتنظر لوجهه، لتتحدث، تخبره انها من يجب عليها الاعتذار او على اقل تقدير شرح موقفها، و لكنه لم يمنحها الفرصه متشبثا بها، فعادت لسكونها و استسلامها، ليصمت لحظات قبل ان يردف مجددا و قد رفع صوته قليلا: انا اسف..

عقدت حاجبيها و تنهدت تمسد ظهره بيديها تحكم حضنها له مجيبه اياه بقوه عشقها له و ضعف قلبها امام قلبه: اللي حصل حصل، كل اللى هطلبه منك انك متوجعش قلبى يا معتز، انت الانسان الوحيد اللى ملكت قلبى فبلاش تأذيه يا معتز ارجوك.
فارتجفت شفتيه الملامسه لعنقها و هو يردف بندم قاسٍ عليه و عليها اكثر: انا اسف..

جاهدت لتبعده عنها حتى استطاعت اخيرا ليهولها مقدار ما تحمله عينه من اعتذار، ندم و ارتباك، فأدركت انه ليس وقت الكلام، العتاب او المناقشه حتى، فابتسمت تضم وجنته قبل ان تدفعه للداخل هاتفه بحنان: ادخل غير هدومك على ما احضر الاكل.
و متهربا اجابها: مش قادر اكل، تعبان و هنام.

و استمرت بدفعه كأنه لم يتحدث فاستجاب لها و ها هو يجلس على طاوله الطعام معها، يحاول بقدر ما يملك التناول و لكن وجعه يزداد حتى ما عاد بمقدوره كتم آه متألمه فلتت منه قبل ان ينهض و هو يضغط معدته بقوه لتنهض خلفه جازعه، لتجده يستفرغ و لكن ما اصابها في مقتل هى تلك الدماء التى ملئت الحوض امامها.

قرحه متقدمه..
هتف بها الطبيب بعد عده ايام من تحاليل، منظار و عده تقارير و ها هى النتيجه،
لتردد خلفه هبه بقلق: قرحه!
اومأ الطبيب موافقا و اردف متسائلا و هو يوجه نظره لمعتز: انت بتشرب سجاير؟
و اجابه بسيطه بالنفى تبعها بلامبالاه: كنت..

و بعمليه اردف الطبيب مجيبا على كل تساؤلاتهم قبل ان يسألوها حتى: واضح انك كنت مدخن بشراهه، بالاضافه لان ضغطك عالى جدا، و طبعا ضغوط الحياه، البيت و الشغل كل دا له تأثير سئ على صحتك،.

بدأ الطبيب يكتب في الوصفه الطبيه و هو يتحدث بتحذير موجها حديثه كله لتلك التى كادت تموت من فرط قلقها و خوفها عليه: ممنوع السجاير تماما و اي حاجه فيها كافيين شاي، قهوه لحد ما نتحسن شويه، يتجنب الضغط، القلق، التوتر، و لازم تظبط ضغطك لانه عامل اساسي، نقلل من الاطعمه الدسمه و التوابل حذاري منها و خاصه الحاره، و الاكل يبقى دافى نسيبا، الاكل الساخن بيأثر بالسلب على المعده..

ثم اعطاها الوصفه الطبيه و قد ختم كلامه بصرامه: و يلتزم بالعلاج في مواعيده..
اومات هبه بتركيز، متقبله كل ما يقوله اوامر سينفذها حتما، و لكن مع هذا المستهتر لا تدرى كم من التعب ينتظرها.
عادا للمنزل فدلف مباشره لغرفته بدل ملابسه و تدثر بفراشه بينما هي تراقب حركته اللامباليه بتعجب حتى هتفت بعصبيه من فرط خوفها و تعجبها: معتز قوم لازم نتكلم..

رفع الغطاء على وجهه و اجابها برفض منمق: هبه انا عايز انام، نتكلم الصبح.
جلست بجواره على الفراش و وضعت يدها على كتفه و ادارته ليواجهها و ابعدت الغطاء عنه بعنف تصرح بحسم: لا هنتكلم دلوقتي يا معتز قوم..
نهض جالسا دافعا الغطاء بحده جواره و هتف بنفاذ صبر: نعم يا هبه!
نظرت اليه بتعجب من رد فعله هذا و خاصه بعد ان تحدث الطبيب عن مدى جديه وضعه: فيه ايه يا معتز؟ انت ليه بتتعامل بلا مبالاه كده؟

نظر لعينها يخبرها بعينيه مقدار ما تحمله نفسه من خوف و لكن لسانه حاول ستر هذا الخوف بعده كلمات حملت من الاستهتار و اللامبالاه الكثير او هكذا ظنت هى: عايزاني اعمل ايه؟ ماشى اكيد بلوم نفسي على اللي عملته، اهمال الناس خلاني اهملت نفسي لحد ما تعبت، خلاص دي اراده ربنا و انا قابل..

فاضت امواجها بحبه لتغرقه بها و هى تردف تلحقه لتخبره انها الان معه و ليس وحيدا كسابق عهده: و نعم بالله يا حبيبي بس لازم تهتم بصحتك, اراده ربنا ماشى بس العلاج دا ارادتك انت.

نظر لها بسخريه المت قلبها ليخبرها انها وضعت ذلك الحاجز منذ زمن و انه مازال وحيدا و رفض رفضا قاطعا الغرق بأمواجها مجددا و تمتم: مش انتِ اللى هتوصينى على نفسي يا هبه، انا طول عمري عايش لوحدي و حتى لو رجعت اعيش لوحدي الموضوع مش هيفرق كتير..

نظرت له بعتاب جاهله مصدر حديثه او ربما لانها لم تتوقع ان تفعل به بضع كلمات ما فعلته كلماتها و يا ليتها تدرك انها الوحيده التى باتت تستطيع كسره، و هتفت بلوم: متأكد انه مش هيفرق!
و ارتفعت شفتيه بنصف ضحكه ساخطه، قبل ان يتدثر بالفراش مجددا معطيا اياها ظهره مجيبا اياها بوضوح يمنعها البحث عن سبب لحديثه: زى ما انتِ متأكده انك هتدوسى على قلبك و مش هيهمك..

و هنا ادركت ان اثر كلماتها رغم ما مر من ايام عده لم يزل و لن يزول، و يبدو انها اصابت جرحه القديم ليفتح مجددا و لكن وضعه اسوء، للاسف اسوء بكثير.

لا السيف يفعل بى ما انتِ فاعله، و لا لقاء عدوى مثل لقياكِ
لو بات سهم من الاعداء في كبدى، ما نال منى ما نالته عيناكِ
أبو الطيب المتنبى.

كان عاصم متجها لغرفته بعدما اطمئن على حنين بغرفتها و جنه تسير بجواره تنظر اليه و قلبها يؤلمها لاجله، ترغب بالوقوف بجواره و لكنها عاجزه، ترغب بدفع طاقه ايجابيه لها و لكن كل ما تحمله داخلها سلبيه، تعلم انه بحاجه لاحد يضمه و فقط يخبره انه قادر و كلٌ سيكون على ما يرام و لكنها تعرف انها ليست ذلك الشخص الذى قد يمنحه ما يحتاجه، فما شأن ضعيفه، متهالكه، متزعزه النفس مثلها ان تمنح من يحمل قوه، عنفوان و ثقه بالنفس مثله.

و يا ليتها تعلم انها فقط كل ما يحتاجه الان، يحتاج ضعفها فهو ما يشعره بالقوه، يحتاج تهالكها ليلملم كل عنفوانه و يدفعه اليها، يحتاج تزعزها ليمنحها قوه ثقته بنفسه و بها، يحتاجها و فقط يحتاجها، و لكن لا هى تعرف و لا هو يقول، و بئس كلا منهما.

جلست على فراشها تفكر، ماذا تستطيع ان تفعل لتمنعه حزنه، و لا تدرى كم من الوقت مضى و لكنها فور ان اوشكت على النهوض للذهاب اليه، احست بمقبض بابها يُفتح، استلقت مدعيه النوم و هذا ما كان ينتظره هو، اغلق الباب بهدوء و اقترب مستلقيا جوارها يستند بوجنته على ظهرها و يحاوطها بيديه لا يحتويها بقدر ما كان يحاول منح نفسه شعور انها تحتويه،.

اغلقت عينها تشعر بانفاسه على بشرتها، يديه تخبرها الكثير من قوه تمسكه بها، و لكن صوته المتهالك اهلك ما تبقى من روحها و هو يهمس كأنه يحدث نفسه: جنتى، انا الليله دى عاوز انسى كل حاجه، هنا، في حضنك،.

ارتفع بجسده قليلا ليستند بأنفه على خصلاتها يملأ صدره برائحتها مردفا بكل ما اضنى روحه بصوت متحشرج: أنسي انى شوفت صاحب عمرى بيموت قدامى، انسي وجع حنين و عجزى عن انى اساعدها، انسي قد ايه انتِ بعيده عنى، و ياريت لو اقدر انسي نفسي..

تساقطت دموعها و هى تحاول كتم انفاسها لمنحه هذه الفرصه ليتحدث، ليشتكى لمره واحده من كثره ما يؤلمه، ليعترف انه ما عاد يتحمل، و فعل و هو يكمل بهدوء قاتل لقلبها قبله: قلبي مصمم يأذينى يا جنتي، مصمم ياخدني في طريق مش عارف اهرب منه و للاسف مش عايز اهرب منه، بياخدنى دائما ليكِ،
تجمدت انفاسها حقا و هو يزفر بتعب يردد بسخط و سخريه لاذعه: هو كل الحب مؤذى كده و لا حبك انتِ بس؟

و صمت و شعرت هى به يبتسم و قد كان بالفعل يفعل، يُذكر نفسه بما كان و ما اصبحه و ما اسوء الفرق: قبل ما اعرفك كنت عايش بحجر، جيتِ انتِ و حولتيه لحاجه انا مش عارفها، حاجه هشه قوى، و مش بس اكتفيتِ بكده، لا و كسرتيها كمان، انا كنت عايش لنفسى بس يا جنه، دلوقت انا ايه مش عارف...

صمت، صمت، صمت ثم بأقصى ما يملك من صوت بائس ذبح قلبها و اعتصر روحها بجملته الاخيره و التى بقدر هدوئها زلزلت كل ما بها كما فعلت به و اكثر: اعتقى قلبى، يا جنتى.

و سرعان ما انتظمت انفاسه مستسلما لنوم هو في اشد الحاجه اليه، بينما هي تقطعت انفاسها و دموعها تآزرها، لتستدير مسرعه تضم رأسه لصدرها ضاغطه جسده بيديها بقدر احساسها بوجعه و وجعها، طابعه عده قبلات اعلي رأسه تعتذر، و ما بيدها لتفعله غير اعتذارها، ليته لم يحبها، ليته لم يعرفها، ليتها تختفى من حياته ليعود كما كان و افضل، ليتها لم تمنحه كل هذا الحزن، عليها اللعنه لانها تكسره.

راضيه هى بغضبه، راضيه بصراخه و اذيتها، راضيه بكل سئ لها و لكنها مره اخرى السبب في ألم احدهم، مره اخرى تهدم، و لكنها هذه المره هدمت كل جميل حولها، بئست.

ان تعتاد عدم التفكير في اخطائك، يعطيك احساسا ضعيفا بالصواب و يجعل التعصب هو اول طرق دفاعك عن نفسك.
توماس بين
و مرت الايام و بدأت حنين تعيش حزنها و تنهار فقدها و هذا ما سيجعلها قادره على استكمال حياتها و تخطى ما بها من جمود،
استعد الجميع للسفر للصعيد كما اراد كبار العائله فقط حتى تتجمع اربعتهم مجددا، او ربما فقط للخروج مما اصابهم بتغير المكان و ربما الحياه المُهلكه.

و لهذا الامر نشب شجار بين النقيب و حرمه، يرفض سفرها لطارئه سفره لعمله، يرفض وجودها وسط العائلات بدونه، يرفض و لا مجال لها لتناقشه، و لكنها فعلت...
و لكن من اين لاعتراضها ان يمنعه فعل ما يريد و قد كان ما قال و سافرت عائلته عاداها و هو،
اصطحبها لمنزل اكرم لتظل معه لحين رجوعه و هنا تهللت اساريرها متغاضيه عن سفرها معهم و ان كانت تريد،.

دلفت للمنزل تاركه اكرم يجالس عاصم بالخارج، ران الصمت بينهم قليلا حتى قطعه اكرم و قد جازف بتوضيح ما يغفل ابن الحصرى عن رؤيته، قرر اخباره بخطأه و ما يعجزه عن مكسب قلبها: تعباك مش كده؟
ظل عاصم على وضعه ناظرا امامه و هو يبغض ان يذكره احد ببعدها عنه، و بعدم كفايه قوته لامتلاكها كامله و رغم ذلك و بدون ان ينظر اليه عبر عن غضب روحه: انا لو بايدى ارجع بالزمن كنت قتلت كوثر قبل ما ابوك يتجوزها.

انحني اكرم بجذعه يبتسم بغلب، فآه و آه من قهر الرجال و ابن الحصرى يكتوى بقهره و لكن عجرفته تمنعه الادراك: انت عارف انك مسئول عن جزء كبير من خوفها!
هنا رفع عاصم اليه رأسه ببطء يطالعه برفعه حاجب مستنكر فأردف اكرم بتوضيح اكثر: جنه بتحبك قوى، و حبها اكبر سبب في خوفها.

اعتدل يشيح بذراعيه بغيظ فهو مدرك لما يقوله اكرم و لكنه لا يدرك سببه، مصدره و ان فعل سيقتلعه قلعا من جذوره: ليه؟ خايفه ليه؟ جنه مؤمنه بالله، بتصلي و بتقرأ قرآن و قلبها مطمن بيهم، مؤمنه بالقضاء و القدر، تخااااف من ايه؟

و بصيغه اخرى حاول اكرم مجددا التوضيح: جنه عامله زى اللى عندها عقده من الرجاله و الجواز، نفسها تحب و تتحب و تتجوز و تبنى عيله و الاهم تنجح، بس لما بتبص حواليها بتلاقي مامتها، اختها، خالتها، بنت خالها، صاحبتها و جارتها فاشلين في جوازهم و رجالتهم مطلعه عنيهم، هتبدأ تخاف، و بعدين تلاقى واحده صاحبتها تقولها دا الجواز جميل و في رجاله بتحب و تعاشر بما يرضي الله، تقوم تقاوم خوفها و تبدأ تصدق الامان ده، لحد ما تيجي صاحبتها دى نفسها تقولها انا كنت غلطانه كل الرجاله وحشين و الجواز معقد و متعب، فيتأكد خوفها، فكل اما يتقدم لها واحد حتى لو كويس، حتى لو هيحبها و يراعيها، بترفضه، لانها خايفه من الفكره رغم ان نفسها فيها، فاهم انا عاوز اقولك ايه؟

نظر اليه عاصم لحظات و بغضبه لم يستوعب مغزى ما ضربه اكرم من مثال و تسائل بهجوميه: و انا بقى السبب في العقده دى!

نفي اكرم بسرعه مبتسما لسرعه غضبه، و اضاف بهدوء يُحسد عليه فأخر كان سيدفع برأس عاصم للحائط عله يستوعب اسرع ما هو بحاجه لمعرفته: لا طبعا، يا عاصم جنه كانت طفله لما بابا توفى و كانت متعلقه بيه جدا كانت شايفه انه امانها و هو الاب و الام، كانت شايفه فيه السند، لما توفي جنه اتكسرت، قلبها بقى فيه ندبه مهما مر من الزمن مش هتتمحى، و جنه دلوقت شايفاك كده، شايفه فيك والدي، علشان كده خايفه..

مسح عاصم جانب فمه بيده ثم وضع يده على خصلاته وعيناه تحتد بغضب،
أيلومه اكرم الان لانه سند لها، لانه حمايتها و يمنعها اى سوء يصيبها،
أخطأه انه لا يرغب في ان يأذيها و لو الهواء من حولها، أخطأه انه يقف امام ما يصيبها ليصيبه قبلها و لكن هى لا،
أخطأه انه يحبها و يعدها اغلى من ان يمسها ما يخدشها حتى!
أين خطأه؟
نظر اكرم اليه قليلا ثم تحدث بصراحه يدرك ما سيصيبه بغضب بعدها: انت امانها فعلا، بس دا غلط..

و ها ذا انفعل يطالعه بحده و غلظه على وشك الصراخ به، فابتسم اكرم مضيفا بحذر: انت لازم تبقي لها سند، مش تبقي انت قوتها، لازم جنه تقوي بنفسها مش بيك، لازم تقف قدام اي حاجه تواجها لوحدها و متخفش، و هنا دورك انها لما تقع تكون انت وراها تسندها، لكن انك تقف انت قدام كل حاجه تقابلها و تستخبي هي وراك مش صح، لانها هتقتنع اكتر انك لو بعدت لأى سبب هتخسر كل حاجه حتى امانها في حياتها..

ابتسم عاصم بتهكم و تحدث بسخريه لاذعه و هو يرى في لجوئها اليه تمسك بها، يرى في خوفها ضمانا لقربها: يعني انت بتقول انى اقويها علشان تقدر تبعد عني؟

تعجب اكرم تفكيره عاقدا حاجبيه، ابن الحصرى يرغب بكل ما يريد دون النظر لما يحتاجه الاخر بل و يلومه ايضا و رغم ذلك تحدث بهدوء و عقلانيه: مين قال كده؟ ثم افترض انها قويت من غيرك و قررت تبعد عنك انت هتمنعها؟ يعني انت بتحاول تحسسها انك قوتها و انها من غيرك ضعيفه علشان تفضل جنبك و ملكك؟ انت هتحبها لما هي تحبك بس و لو مقدرتش تفوز بحبها هتقيدها جنبك لانك تبقي ملكتها و بس؟

نهض عاصم بغضب من كلام اكرم و ان كان يشعر قليلا بصحته فهو مهما حدث لن يتركها و ان ارادت ذلك و هتف بشبه صراخ: جنه مراتي، كل حاجه فيها ملكى، قلبها، عقلها، جسمها و كل حاجه فيها ليا، و لو هي نفسها فكرت تنهي وجودها في حياتي، انا بقي مش هسمح لها و تحت اي ظرف و في اى حاله و مهما حصل فيها او فيا، جنه هتفضل حرم النقيب عاصم الحصري، بتحبنى مبتحبنيش هتفضل معايا، طول ما انا عارف ان بايدي ارسم الضحكه على وشها هتفضل معايا، طول ما قلبي بينبض هتفضل معايا، و مفيش سبب و لا مخلوق على وجه الارض هيجبرني على حاجه انا مش عاوزها، و اذا كنت انت فاكر اني مقدرش اتحمل ضعفها و خوفها تبقي غلطان، انا مهما حصل و مهما ضاقت و تاهت مني الحلول، انا مبعرفش استسلام.

صمت ثواني يؤكد على كلماته بنظراته التى شملت اكرم باصرار غاضب، ثم اردف و هو يحمل حقيبه سفره مغادرا: مراتي امانه عندك..
و رحل بخطوات سريعه و بنظره خاطفه للاعلى وجد تلك المتذبذبه تراقبه من خلف زجاج النافذه تودعه بعينها و خوف قلبها، نقل اكرم بصره بين جنه و عاصم ثم ابتسم متمتما بدراميه مقلدا احد تلك العبارات التى سمعها من قبل و نظراته تشمل جنه: سحقا للحب الذي يكن للغارق سفينه...

ثم عاد بنظره لظهر عاصم المنصرف و اكمل بتهكم: و يكن للقبطان اعصارا..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة