رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل السابع والعشرون
هتفضلى لحد امتى تراقبيه من ورا الشباك؟
تمتم بها اكرم و هو يدلف للمنزل محاولا تجميع ما تبقي لديه من صبر ليتحدث مع تلك المجنونه التي جعلته هو شخصيا ييأس من هروبها المزعوم و الذي يري في قراره نفسه انه لا داعي له..
استدارت جنه لتنظر له قليلا قبل ان تغلق النافذه امامها و تتقدم اليه ليمد يده لها فتركت يدها بأمان كفه فجذبها لتجلس جواره و ربت بيديه الاثنتين على يديها و همس بحنان: فهميني بهدوء كده انتِ عاوزه ايه؟
دارت بعينها في المكان مبتعده عن نظراته الثاقبه و صمتت، صمت قليلا هو الاخر محاولا التمسك بأبراج عقله التى افقده عاصم اغلبها و تسائل مره اخرى بسؤال اخر و لكن الاجابه تكاد تكون واحده: طيب بلاش السؤال ده، قوليلى انتِ منتظره منه ايه؟!
زفرت بقوه تحمل من الرضا بالاجابه بقدر ما تحمل من سخط عليها و تمتمت بكلمه واحده: يبعد.
رفع احدي حاجبيه و ابتسم بسخريه متمتما باستنكار و هو يعرف ان كل ما بها ينافى اجابتها: و كده هترتاحى؟
ابتسمت بشحوب و نظرت للارض دون كلمه ثم بأكثر الاصوات وجعا فهى لا تبحث عن راحتها بقدر ما تخاف عليه، اجابته: هو هيرتاح..
وضع يده على فمه مبتعدا بوجهه عنها و همس بصوت عالى و قد فقد هدوءه: غبيه...
ثم اعتدل مره اخري و ضغط يدها بخفه و هو يرى دموعها تهدد بالخروج معبره عن صدق ما ترغبه حقا و تحدث بحزم: اسمعينى كويس يا جنه علشان انا مش هتناقش معاكِ في الموضوع ده تاني،.
نظرت اليه تستمتع بتركز عله يحل معادلتها معه، لتجده ينظر لها بقوه اخبرتها انه لن يمنحها حل بل سيحلل مشكلتها و قد كان مردفا: عاصم له طاقه، هيتحمل كتير جدا انا عارف بس هيجي وقت و يقول لحد هنا و خلاص و انتِ بتضغطى عليه و الوقت بيضيق، اقفي جنب جوزك يا جنه، خليكِ سنده، قوته، دواه في وجعه و زنقته، بحنانك، بقلبك او بحبك له، الراجل مننا مش بيبقى محتاج زوجته بس في وجعه، بيبقى محتاجها زوجه، ام و صديق، خصوصا لو انتِ ليه كل حاجه لدرجه ان ضحكتك بس بتهون عليه كتير، جوزك محتاجك جنبه و حتى لو رفض يظهر ده، قلبه موجوع يا جنه و محتاج ليكِ..
زفرت بقوه تنفى ضعفه، وجعه فان ضعف هو ماذا تفعل هى، ان احتاج لاحدهم في وجعه كيف تكون هى، هو قوتها و لا يستطيع الانكسار، لا يحق له: عاصم قوى و مش محتاج حد جنبه، بيا او من غيرى هيقدر يقف تانى،
و بشبح انكسار عادت جملتها بضعف مشتت: هو مش محتاج حد يقويه بالعكس هو قوه للكل..
ضغط باطن شفتيه محاولا المحافظه قدر الامكان على هدوءه فهذا ما حاول ايصاله للمعتوه الاخر و لكن كلا منهما اقسم ان يصير اكثر عتهاً مما عليه و استكمل توضيحه علها ترحم عقله و تستوعب ما يقوله: دكتور القلب مش معصوم من مرض القلب و لما بيمرض مبيقدرش يعالج نفسه لا بيلجأ لدكتور قلب تاني، عاصم مهما كانت قوته مش معصوم من الضعف و في ضعفه محتاجك..
نظرت اليه ليرمقها بنظرات متفحصه: لما يبقى في طرفين بيشدوا حبل مينفعش الاتنين يشدوه بقوه لانه كده هيتقطع و انتِ بتشدى بكل قوتك و عاصم راخيه بس خدي بالك انه خلاص على وشك يرميه خالص.
ارتجفت عينها و عقدت حاجبيها ناظره اليه بعدم تصديق فهى تخاف قربه و لكنها ترتعب لمجرد فكره بعده عنها، مختله تعرف و لكن ماذا تفعل، كيف تصلح ذلك التصدع بداخلها؟ و عبرت عن ذلك بتلك الدموع التى فرت هاربه اخيرا و همست بشتات: انا خايفه عليه يا اكرم..
بدأ صبره ينفذ بل نفذ بالفعل و هو يهتف بها: و مش خايفه عليا ليه، مش خايفه على عمتك ليلى، او على داده زهره ليه؟، ليه مش خايفه الا على عاصم و لا خوفك بيجي عنده و يعلن نفسه؟
تركت يده و نهضت واقفه بأى حق يلومها و هو شخصيا لم يكن لها سندا، كان ابعد ما يكون عنها وقت خوفها، كسرها و ذلها و الان هو ابعد من يكون عن لومها، صاحت بما جمد عقلانيته و هدوءه و جعله يسمعها صامتا لا يملك ما يجيبها به بعد: لان هو الوحيد اللي بيساعدني، هو الوحيد اللي دايما جنبي، الوحيد اللي شايفه فيه كل اهلي، انت مكنتش جنبى يا اكرم، عاصم مش بس شخص موجود معايا، عاصم روح مهما حاولت اهرب منها هتفضل جوايا، نبض مهما حاولت قلبي مش هيعيش من غيره، عاصم بيحمينى و انت اول واحد سلمتنى ليه اصلا، و علشان كده انا مش هسمح لنفسي اخاطر و لو لحظه باني اخسره...
و هدأ انفعالها لحظه قبل ان تدرك انها ببعدها تخسره و لكن لا اضافت: يمكن لما يبعد عنى اخسر وجوده جنبى بس عمرى ما هخسر حمايته، و هيفضل طول العمر سند ليا انا متأكده، لكن انا اى حد بيحبنى بخسره يا اكرم، اى حد بفضل في حياته بيسيبنى، و انا مش حمل اخسر عاصم، مش هقدر.
تركته و ركضت للداخل الغرفه و اغلقت الباب خلفها تاركه اياه في حاله صدمه من كلامها،.
هو لم يتخلى عنها بارادته، و عندما سلم اياها لعاصم كان موقن امانها،
اراد ان يتركها برعايته و كنفه ليزداد تعلقهم ببعضهم البعض، اراد ان يترك لعاصم الطريق لقلبها ليزرع به كل اشجار الامان، الحنان و الحب..
و لكن ما فعله جعله هو مقتلع من ارضها، مجرد عشب صغير ان ظهر او لا، لا فارق!
اخطأ هو ربما، كلاهما ابعد ما يكون عن الاخر فالعاصم يرفض التنازل عن كبرياؤه و الجنه ترفض التخلي عن خوفها و كلاهما يعاند نفسه قبل الاخر..
ولكن لا يبقى الحال على ما هو عليه دائما و يبدو ان هناك ما سيقتلع كبرياؤه قسرا و يقتل خوفها اجبارا..
رائحه الاراضي الرطبه، غضب الرجال على حيواناتهم، الاطفال الصغار بالجلباب الصعيدي و هم يركضون هنا و هناك، و هواء البلد الذي خطف قلوبهم ما ان وصلت السياره امام السرايا الكبيره،
تلك السرايا التي لم تفتح منذ اكثر من ثلاثين عاما لكنها فُتحت اليوم،
تلك السرايا التي عاش بها الاصدقاء الاربعه سويا حتى حدث ما حدث بينهم لتُغلق حتى الان و فُتحت فقط لترى جمعهم مجددا..
ترجل الجميع من السيارات و شعورهم بالسعاده يكاد يفوق بحر الاحزان التي اغرقهم دون ارادتهم..
نظرت حياه للمدخل و لوالدها الرابض امام باب السرايا و انقبض قلبها بقوه فعادت خطوه للخلف لتصطدم بجسد مازن الذي احطاها بيده مطمئنا اياها لتلتقى عينها بقوه عينه كأنه يقول لها أما آن لحياه ان تعود لحياتها؟
و بتردد ابعدت عينها عنه فاقترب منها هامسا بهدوء و ثقه بأنها لم تعد كما كانت: انا حاولت بكل الطرق اساعدك، اقوى قلبك و ارجع الامان لحياتك، اساعد قلبك يتحكم بخوفه، حاولت احارب خوفك بيكِ و يمكن دا اكثر الاسباب اللى جيت هنا علشانها،
تقدم ليسير بجوارها محتضنا كفها و انطلق بها لمواجهه ما يقيدها من ماضى و انهى حديثه بمنحها الكره لتكن في ملعبها فلها حريه الركل: اتمني متخذلنيش!
التفتت تحدق به قليلا و هي تسير معه جنب الا جنب، طوال عمرها منذ ان وعت على نفسها و هى تتمنى ان يكون لها اخ كبير يحتويها، يحتضنها و يطمئنها، و رغم تأخر امنيتها فها هى تراها متجسده امامها، تتذكر كل حضن دافئ احتواها، كل ضعف قتله بقوتها المستمده من قوته، يده التي سطرت كلمات عده على ظهرها، كلمات لا معنى لها سوى الحنان، الامان، الدفء و الحب، تتذكر نظراته التي دائما ما تغلفها بهالات طمأنينه تكفيها ما تبقي من عمرها، و اخيرا نبض قلبه التى اعطاها وعود شتي بفرحتها، حمايتها و قتل كل ضعف بها.
و هنا ابتسمت و هى تقف امام والدها و بكل قوه كانت بها و دُفنت، كل قوه اخرجها منها عنوه بصفعاته و كل قوه اعادها مازن اليها، القت تحيه مقضبه ثم دلفت للداخل متجاهله نظرات والدها القاسيه و بالوقت ذاته متعجبه.
انقضت الساعات الباقيه من اليوم في اجتماع الجميع، ضحكات هادئه سرعان ما تتبدل بحزن فما عاشوه بفقدان الحفيد الاكبر، الابن، الاخ و الزوج، ليس هين على احد منهم،.
في صباح اليوم التالى، قررت نجلاء العوده للقاهره فلا طاقه لها على تحمل هذا الاجتماع و التى سعت لتفريقه من قبل و لكن حتما ستفعل مجددا،
انطلقت حنين منذ الصباح تجول الاراضى ذهابا و ايابا و كأنه لا حما لها على الجلوس، ليتها ظلت في عتمتها، ليتها لم تتقبل هكذا واقع، بدون قلبها، دون روحها و دونه،.
أى ذنب اقترفته لتعاقب بفقده، فلو خُيرت بينه و بين انفاسها لتوقفت طواعيه عن التنفس، جلست أرضا تنظر للعشب امامها بشرود تتذكر اللحظات التى باتت لها لا سنين عمر بل مجرد ثوانى مضت في طرفه عين، ترقرت عينها لتصرخ روحها بصمت تنظر لمحبسه بيدها، تتذكر ضمته، كلماته، صوته، يديه، مزاحه و حبه، تتذكره و يا ليتها تصاب بفقدان ذاكره و لكنها حتى ان فعلت قلبها لن يفعل.
توقف خلفها مازن و حياه بعد ان تابع كلاهما شروق الشمس، نظرت اليها حياه بأسى و شفقه ظهرت واضحه في كلماتها و هى تدعو لها: صعب قوى حد يتحمل الوجع اللي هي عيشاه، ربنا يجبر بخاطرها..
نظر مازن اليها و ابتسم بحنين و اشتياق و هو يتذكر كلمات شقيقه، نظراته و عشقه الذى وضح وضوح الشمس في كل خلجاته تحدث او صمت، و همس بكسره خاطر: علاقتهم مكنتش بسيطه و لا كانت مجرد مشاعر بينهم، انا عيشت مشاعر فارس بكل كلمه كان بيقولها يا حياه، فارس مكنش يقدر يستغني عنها، لو كان جدى نجح في تفرقتهم فارس كان هيموت برده، لانها كانت بالنسبه له الهواء اللى بيتنفسه.
اخذ نفس عميق مغلقا عينه و انتهى الحديث، فوضعت حياه يدها على كتفه فابعد نظره عن حنين التي كان يري بها صوره اخيه و ذكرياته معه، و ابتسم بشحوب مبتعدا معها عن المكان الجالسه به حنين،.
اخرجت صوره فارس تضمها لصدرها لتخرج منها اه مكتومه اسقطت دموعها تباعا دون توقف، ابعدتها تنظر اليها تحرك أناملها على ملامحه و اغمضت عينها تشعر به كأنه امامها و تحدثت بكل وجع قلبها تلومه، تعاتبه و تشكيه تخليه عنها: ازاى هنت عليك تسيبني! انت وعدتني يا فارس، وعدتنى تفضل جنبى، و عدتنى تفضى سندى و في ظهرى، هنت عليك ازاى تسيبنى،.
و خانها صمتها و خرج صوتها يبكى بحرقه ما عادت تفارقها و همست تستنكر الحياه بدونه: بيطلبوا مني اعيش، طب ازاى؟، اعيش ازاى و انت مش جنبى؟!، اعيش ازاى و انت مش عايش؟!
فتحت عينها تشهق بعنف تحاول التنفس و ان كان رغما عنها، و نظرت لصورته واضعه اصبعها موضع قلبه و يدها الاخرى على قلبها و بئس ما فعلت فبعد ان كانت تشعر بنبضاته باتت لا تفعل، و بعد ان كانت تعانقه يمكنها فقط معانقه صورته و بئس احساسها، رددت بحسره: يوم ما غبت عني انا قلبي مات، مش عارفه اعيش يا فارس، مش قادره،.
همست بصوت يختفي وسط دموعها و روحها تفقد اخر ما يصلبها: انا موجوعه قوى يا فارس موجوعه قوى و محتجالك قوى.
انتفض جسدها وضمت صورته لصدرها ضاغطه عليها بقوه المها و لا مجال لتشتكى لاحد غيره، يسمعها الله و شاهد على ما اصاب قلبها بحكمه و ترجوه الرحمه: نفسى اشوفك تاني، نفسي تحضني و تقولي متقلقيش انا معاكِ و جنبك و مش هسيبك، نفسي تطمني زى ما كنت بتعمل دائما، نفسي ارتاح زى زمان يا فارس، نفسي ارتاح يااااااااااااارب.
دقائق مرت لا يسمع سوى صوتها و الرياح، ابعدت الصوره مجددا ناظره لها و دموعها تبللها تشوش رؤيتها و ملامحه، حتى هدأت قليلا تردد بغنه بسيطه: انت نصي التاني، انت حته مني، انت كنزى الغالى، انت ابنى.
شهقت بقوه و اخذت تبكي و هي لا تستطع التحكم بصوتها او انتفاضه جسدها ليبكي كل ما حولها معها، حتى صرخت من عمق روحها باسمه تبعتها: يااااااااااااااااااارب.
مضى اليوم و ها هو مازن و حياه يتجهون للمنزل بعد ان تابعا الغروب ايضا، تقدمها في المسير حتى وجد سيده كبيره على بعد عده مترات منهم تحاول رفع حمل ثقيل على كفتها و لكن يبدو انها لا تستطيع، فترك حياه مع اشاره بيده و تحرك باتجاه تلك السيده ليساعدها،.
وقفت حياه عاقده ساعديها امام صدرها تتابعه بنظراتها حتى قطع جسد ما الرؤيه عليها فرفعت بصرها لتجده شادي - زوجها السابق - فانتفض قلبها وتحررت يدها بصدمه وهي تتمتم بارتجاف: ش، شا شا، شادى!
ابتسم بمكر و هو يحرك عينه عليها من اعلي لاسفل: اهلا و سهلا بالبسكوته.
اغلقت عينها بقوه ممتذكره مقدار عشقها لهذا اللقب سابقا، و لكنها زفرت مبتعده بعينها عنه و حاولت استدعاء قوتها و بلا مبالاه تسائلت: عايز ايه؟
اقترب منها خطوه فعادتها هي للخلف و رفعت بصرها اليه باندهاش و بدأ خوفها يزداد، نظرت على بعد لتجد مازن يقف مع تلك السيده و يتحدث معها و غير منتبه لها، نظر شادي للمكان التي تنظر اليه ليرى مازن فضحك بسخط عائدا ببصره اليها يستهزأ: ايه ده هو جوزك المصون هنا؟
استدار مجددا و عندما وجد مازن على وشك ان يستدير ليعود امسك حياه من ذراعها بقوه ساحبا اياها لداخل تلك المظله التى تقع على جانب الطريق، نظر مازن خلفه و عندما لم يجد حياه عقد حاجبيه استغرابا ثم عاد ليبحث عنها حتى لمحها داخل المظله الخشبيه، فشدد قبضته و هم بالتقدم باتجاههم و لكنه توقف مكانه خلف احد الاعمده هامسا بداخله لقد حان وقت الاختبار الحقيقى.
سحبت حياه يدها بقوه و دفعته عنها صارخه بقسوه نافره: انت اتجننت ازاى تسمح لنفسك تمسكني كده؟
بدا خوفها يتملك منها عندما تقدم باتجاهها خطوه كادت هى تعودها للخلف و لكن صوت مازن و هو يقول اتمني متخذلنيش ، حاولت اساعد قلبك يتحكم بخوفه ، جعلها تظل ثابته بل و رفعت يدها عاقده اياها امام صدرها وهتفت بقوه قد عادت اليها بالفعل و كأن خذلانها لمازن لا يُحتمل و ربما اكثر من خوفها هذا: ابعد عن طريقي يا شادى.
نظر اليها بغضب من نفورها، قوتها و ثقتها و صاح بحده بها ربما لانه يرغب برؤيه نظراتها المسالمه، المحبه و الراغبه، كأنه و رغم ما فعلت مازال يرغبها، يريدها و يستصعب فكره حملها لاسم شخص اخر: انتِ ناسيه انى كنت جوزك، ثم امسك يدها مقربا اياه منه و اردف بنبره هادئه متطلبه ودها: كنت حبيبك و كل حياتك..
نزعت نفسها من بين يديه بعنف و عادت للخلف و بأعلي ما تملك من صوت صاحت بقوه و ثقه: كنت، سامع يا شادى، كنت، انت ماضى و بحمد ربنا انه انتهي، بحمد ربنا انك خرجت من حياتي، بحمد ربنا على حاضرى و مستقبلي، بحمد ربنا على زوج انت جنبه متساويش حتى صفر على الشمال..
رفع يده و هم بصفعها لا لخطأها فيه بقدر ما هو لتعلقها بغيره و كأنها زوجته و تخونه و في هذه اللحظه تحديدا هم مازن بالخروج و لكنه توقف عندما رفعت حياه يدها و امسكت بمعصم شادى مانعه اياه، تصرخ به: لا انسي، انا دلوقتى حياه مراه مازن الشرقاوى، مش حياه القديمه اللي كلكم حاولتوا تدفنوها بعقليه متخلفه،.
دفعت يده بغضب و همت بالرحيل و لكنها توقفت لحظه و قد قررت ان تُكمل ما تركته ناقصا فاستدارت له و عبثت باصابعها بهدوء قائله بثبات: عارف من يوم اللي حصل منك و بسببك و انا نفسي بجد اعمل حاجه..
نظر اليه بتساؤل و لكن سرعان ما تحول لغضب هادر عندما رفعت يدها بكل ما تملك من قوه لتسقط على وجهه بصفعه مدويه،.
صفعه اودعت بها كل وجعها من والدها و منه، اودعت بها كل دمعه ذرفتها عينها بسببه، اودعت بها كل صفعه تلقتها من والدها، صفعه اودعت و ودعت بها كل ضعف بداخلها.
رفع شادى وجهه و شدد قبضتيه و هم بالتحرك اليها و لكن وقوف مازن خلفها منعه من التقدم خطوه، مدركا انها اصبحت قويه بشخصها بل و لها من يسندها بنفسه، قوته و كامل رجولته،.
نظر لحياه التي تقف امامه بشموخ ثم نظر لمازن الذي يقف كالوتد خلفها و ظل يقلب بصره بينهم عده مرات ثم تركهم و خرج مسرعا و هنا تهاوت قدم حياه ليستقبلها مازن بين ذراعيه و اسندها حتى جلست، نظرت اليه لحظه ثم انهمرت دموعها ليحتضنها بقوه و همس متيقنا انها لابد بالفعل ان تبكى و لكن على وقت ضاع منها في ضعف و خنوع: دلوقتى بس حياه رجعت تعيش، دلوقتي بس حياه اخدت حقها، دلوقتي بس اقدر اقولك اني فخور بيكِ و بقوتك...
رفعت وجهها اليه و تمتمت بامتنان صادق: شكرا على كل حاجه يا مازن..
ابتسم و رفع يده مزيلا دموعها و هتف بمرح و هو ينهضها محاوطا كتفيها بذراعه ضاحكا: بس عليكِ كف، انما ايه جبروت..
ابتسمت بخجل و هتفت هي الاخرى بغيظ تخلصت منه: كان نفسي اديهوله من زمان قوى.
تشعر اخيرا بثقل كبير اُزيح عن عاتقها، بقوه جديده تعيد حيويه قلبها و حياه جديده ستُعيد لها حياتها.
لو كان لى قلبان لعشت بواحد
و افردت قلبا في هواك يُعذب
لكن لى قلبا تملكه الهوى
لا العيش يحلو له و لا الموت يقرب
كعصفوره في يد طفل يهينها
تُعانى عذاب الموت و الطفل يلعب
فلا الطفل ذو عقل يرق لحالها
و لا الطير مطلوق الجناحين فيذهب
قيس ابن الملوح.
يجلس اكرم بمكتبه و معه جنه يتبادلون اطراف الحديث حتى طُرق الباب فأذن للطارق بالدخول و التي لم يكن سوي صاحبه بحر الفيروز، التى رفضت السفر مع العائله و قررت البقاء ببيت شقيقها لحين عودتهم.
تقدمت مها منهم محتضنه جنه ثم نظرت لاكرم تعطيه ملف مشيره بتوضيح و عمليه دى التصاميم الاخيره للمشروع ممكن حضرتك تراجعها و تبلغني لو فيها مشكله.
و انهت حديثها و لكنه لم ينهى تحديقه بها، حادت بعينها عنه لجنه تتحدث معها بحماس ظهر جليا في اشاراتها و هى تعبر عن سعادتها برؤيتها هنا، اغلق اكرم الملف و رفع عينه ليعلق عليه و لكن الكلمات فارقت شفتيه عندما وجد مها تحرك يدها بحماس و هي تُحدث جنه مع ابتسامه اكثر من رائعه تغزو ملامحها و رغم انه لا يسمع صوتها و لكن حركه شفتيها كادت تفقده عقله،
سبحان من صور امرأه بتلك الهيئه،.
سبحان من جعلها بكل النساء بعينه،
و رغم ذلك هى ابعد النساء عنه،
هي إمرأه كالبحر في جمالها العنفوانى الذي يعبث بدقاته باحترافيه،
سيده كالجبل في شموخها رغم الضعف و في صلابتها رغم الرياح العاتيه التي تصادفها،
انثي كالؤلؤ في لمعانها و سحرها الاخاذ الذي يخطف لا نظراته فقط بل قلبه، عقله و كل ما يجعله على صله بالوعى،
هي كنز كبير و جميل ربما يهفو اليه الجميع و لكن لن يفوز به سوى ساكن قلبها،.
و ليته سيفوز بكنز واحد بل انه سيفوز بكنوز.
عاد لواقعه بنداء جنه و هى تقول مغادره الغرفه: اكرم، انا هتمشى شويه في الشركه و اسيبكوا تشتغلوا بقى.
اومأ موافقا فانطلقت جنه للخارج تاركه اياه مع اضطرابه و مها،
و لكن سرعان ما عاوده هدوءه و رفع عينه لمهلكه قلبه ليجدها منتبه اليه فحمحم قائلا بثبات و قد ارتدى قناعه الثلجى: التصاميم ممتازه بس...
و بدأ يشير بيديه معبرا عن انتقاده فانخفضت قليلا تتابع حركه يده على التصاميم و هو يتحدث و لكن خانتها نظراتها لتتعلق بوجهه، متأمله حركه عينه على انحاء التصميم، حاجبيه التى ما يلبثا ان ينعقدا حتى يبسطهما سريعا، ملامحه الرجوليه التي للحظه شعرت بها تعصف بكيانها كله، و بلحظه واحده رفع عينه لتتلاقي بعينها فيسقط هو في بحر الفيروز خاصتها و تتعركل هي في دفء عينه..
حرك عينه يمينا و يسارا بعمق عينها كما فعلت هى ليخفض هو عينه بل رأسه كلها مسرعا بلهفه تعجبتها، ليدلك بعدها جبينه بتوتر و فاجئها بغلق التصاميم يهتف بحده نسبيه و هو يتحاشي النظر اليها مجددا: اخرجي دلوقت يا بشمهندسه..
اعتدلت تنظر اليه بدهشه قليلا ف عاود هتافه بأخر اقوى و لكنه كان اكثر ضعفا داخله: اتفضلي.
ابتلعت ريقها ثم تركته و بمجرد ان اغلقت الباب خلفها ارتكز هو بمرفقيه على المكتب امامه واضعا يده خلف عنقه دافنا وجهه بين معصميه يستغفر عده مرات على ذنب يشعر بيه كخيانه لدينه، رجولته و لخطيبها...
زفر بقوه ضاربا جبهته بالمكتب عده مرات ثم سكن اخيرا و مازلت جبهته على المكتب
قدمه تنزلق لدرب لا نهايه له،
روحه تتعلق بوهم سيكسره بلا رحمه،
قلبه ينبض لحب لم و لن يكون له،
ولكن ما الحل!
ما الحل في نفسه التي تعلقت بها و رفعت رايه استسلامها لبحر الفيروز خاصتها؟
ما الحل فيها هي و التي تصر اشد الاصرار على العبث به و بقلبه و الاسوء انه بلا درايه منها؟
ما الحل في حب قرر ان يتوه بين قلبين كلا منهما ابعد ما يكون عن الاخر؟
ما الحل في وجع كلما حاول اخماده لا يستطيع بل يزيده توهجا و اشتعالا حتى كادت روحه تتدمر؟
ليس الذنب بذنبه او ذنبها و لكنه ذنب ذلك العشق الذي اختار قلبه ليسكنه و اختارها هي لتمزقه،
رفع وجهه عن المكتب اخيرا و رغم ما تبكى به روحه رفض عقله، كبريائه و رجولته ما يفعله قلبه، ما يميل اليه و ينزلق له، رفض ان يكون مجرما في حق نفسه، محمود و حقها.
و هو اكرم الالفى الذي لم و لن يخطئ بحق احد، فهذا ليس ما عاهد والدته عليه و هو لم يعتاد ان ينكث عهد عاهده ابدا..
دلف معتز للمطبخ ليجد هبه تعد له الطعام فاحتضنها كعادته طابعا قبله على كتفها هامسا بود: فله.
ابتسمت هي مستسلمه لحضنه الذى دائما ما تشعر فيه بدفء جميل و استدارت بوجهها لتطبع قبله على وجنته، فابتسم بالمقابل وبتثاءب همس يداعب كتفها بذقنه النابته قليلا: مفيش شغل النهارده و لا ايه؟ و مها فين؟
استدارت له تبعده عن كتفها متزمره بطفوليه لتستع ابتسامته و هى تجيبه بدلال: وحشتني و حبيت اقضي اليوم كله معاك و مها يا سيدى نزلت الشركه من بدرى.
قبله سريعه لشفتيها، اتبعها بوجنتيها ثم استقر بقبله طويله على جبينها جعلتها تغمض عينها تاركه احساسها بقبلته ينعش قلبها، يزيل رواسب تراكمت و مسافات شُيدت بين قلبيهما او ربما احساسيهما، حتى ابتعد اخيرا يحاوط وجنتيها هامسا هو الاخر و احساس بالذنب يغلفه: انا كمان كنت حاسس رغم انك جنبى انك بعيد، الشغل واخدك منى.
و قبل ان تعترض، تتحدث او حتى تمازح جذبها لصدره لتستقر رأسها على كتفه و كم كان حضنه رغم قوته ضعيفا يهمس و هو يدفن وجهه بقوه في عنقها يعتذر و يعتذر و لا ينفعه الف اعتذار الان: انا اسف..
حاوطت خصره بيدها بتملك و هى تعتقد انه عاد لاخر خلافاتهم و صرحت بصدق جاهله ما يقصده و لو علمت لفُرط عقد حبها: انسى يا معتز مش اول و لا اخر مره هنختلف ثم ان كل حاجه تهون طالما انت جنبى.
شدد من ضمه اليها و خوفه يتملكه اكثر فهو يدرى ما تخفيه من قوه ستدعسه ان ارادت و عتاب لم يخطئه قلبها يذكرها بما قالت له سابقا و انه ابدا لن ينساه ربما لانها ضغطت بغير قصد على جرح ففتحته بقوه مجددا حتى بات صعب التئامه: حتى كرامتك؟
اغمضت عينها تاركه حضنه يعبر عن مدى حزنه مدركه انه رغم بساطه الكلمه الا ان تاثيرها لن يختفي، اخذ نفس عميق و ابتعد عنها حاوط وجهها بكفيه يشرح نفسه لها و لو قليلا علها تستطيع اصلاحه: انا حاسس انى ضعيف بحبك يا هبه...
فتحت عينها لترى الالم المتجسد بعينه حتى عاود ضمها مجددا و تمتم مره اخري مضيفا: و انا مبحبش احس انى ضعيف، و متعودتش...
دفن وجهه بقوه في عنقها ممرغا انفه بتجويف ترقوتها و اضاف بما اصاب قلبها ببعض الريبه: خايف أذيكِ بحبى يا هبه.
ابتلعت ريقها و هى تشعر به للمره الاولى غامضا غير مفهوم بالنسبه لها، تشعر انها تتعرف عليه الان، تشعر ان ما مر على زواجهم رغم طوله لم يكن سوى ايام معدوده لم تستطع هي فهمه بها،.
ابتعد عنها و قرب وجهها اليه مقبلا جبهتها بقوه شديده حتى شعرت بارتجافه شفتيه فاغلقت عينها محاوله نزع هاله الخوف التي سيطرت على قلبها و لكنه اخافها اكثر عندما تملك خصرها بيد و وضع الاخرى خلف عنقها متملكا شفتيها بعنف تعجبته و سرعان ما تحول تعجبها لالم تجسد على وجهها، تدفعه عنها باستماته حتى تركها بعد ثوانى تلتقط انفاسها و نظر لعينها قليلا التى تحدق بعينيه بدهشه و عقده حاجب ثم تركها خارجا تاركا اياها تتحسس شفتيها بتوجع و هي تشعر انه يعاقبها و لكن على ماذا حقا حقا لا تدرى...!
و انقباضه قلبها تخبرها ان القادم اما سيكون جميل جدا و اما سئ جدا، و هنا فليلعب القدر.
أجمل حب هو ان تحظى بعاشقه ثائره، متمرده، ثرثاره، متهوره، و عقلها ممسوس بالجنون و تخلق المشاكل.
نزار قبانى
كانت سلمي تتمم اعدادات الحفل الذي وافقت اخيرا على تنظيمه ليخرج بهذه الصوره المبهره،
اقتربت انجي منها و همست باحتقار: تحبي تاخدى اتعابك كاش و لا اقساط؟
نظرت اليها سلمي من اعلي لاسفل عده مرات ثم عقدت ساعديها امام صدرها و همست هي الاخرى بمكر لا يُخفى خلفه شئ و لكن يكفى لترى توتر تلك البلهاء امامها: بلاش نتكلم في الفلوس دلوقت اصل في مفاجأت كتير مستنياكِ في الحفله،
و نجحت بالفعل في اثاره ارتباكها، فنظرت انجي للمكان حولها بتوجس تفكر هل من الممكن ان يكون ما فعتله سلمى من تنظيم مبهر، يخفي خلفه ما قد يؤذيها!
ابتسمت سلمي و هي ترمقها بنظرات متفحصه و قد حصلت على ما تريد ثم تركتها و خرجت من المكان و بمجرد ان صعدت لشقتها عقدت حاجبيها بغضب و اخذت تتحرك هنا و هناك بعصبيه مفرطه فكلما رأت تلك الفتاه تتذكر علاقتها السابقه بأمجد و تشتعل اوداجها غضبا و غيره،
دلف امجد ليجدها على حالتها تلك فابتسم فهذه عادتها منذ ان بدات في تنظيم الحفل: متمردتي الجميله..
استدارت له و همت بالتحدث و لكنه استقبل كلماتها بين شفتيه ماحيا غضبها باكمله حتى دفعته عنها و هتفت بغيظ: يا امجد سيبني مره اتكلم مش كل مره كده..
ابتعد و جلس على الاريكه خلفها واضعا قدم فوق الاخرى متحدثا ببراءه: اتكلمي يا حبيبتي هو انا منعتك،.
نظرت اليه بغضب مصطنع و حاولت البحث عن كلماتها الغاضبه و لكنها لم تتذكر سوي اكتساحه لها و رغم انه يفعل ذلك دائما الا انها في كل مره تتخبط عاجزه عن استكمال غضبها او حتى صراخها،
نظر اليه بابتسامه مشاغبه ثم وضع يده على خصرها ساحبا اياها امامه ثم حركها يمينا و يسارا عده مرات و هو يتفحصها بعينه ثم تركها دافعا اياها للخلف قليلا و تمتم بخيبه امل: انا حاسس ان وزنك زايد يا سلمى،.
نظرت لجسدها بسرعه و هو يتابعها باستمتاع و هتفت بجزع تتحسس جسدها بتوجس: بتهزر، بجد يا امجد؟!
ثم نظرت اليه فاخفي ابتسامته مسرعا و اومأ برأسه عده مرات و هي ينظر لها بعين جرو برئ يضم شفتيه بقله حيله،
فاتجهت مسرعه للمرآه و اخذت تنظر لنفسها بتفحص ف دلف خلفها و اوقفها محاوطا اياها ليرى انعكاس صورتيهما بالمرآه امامه يهمس بأذنها: متمردتي زى القمر سواء كعبوره قد كده - قالها و هو يملأ باطن خده بالهواء -.
ثم اردف: او شبه عود القصب كده - قالها ساحبا الهواء من فمه حتى كادت وجنتيه تلتصق بفكه -
استدارت له ثم بحماس شديد اتجهت لخزانه ملابسها و اخرجت عده وشاحات و اخذت تجمعها سويا حتى اصبحت كره كبيره ثم وضعتها اسفل ملابسها و ابتسمت بسعاده متجهه للمرآه امامه مجددا و هو يتابعها بضحكاته...
نظرت لنفسها و صاحت و هي تقفز بسعاده تتمنى: انا عاوزه ابقى كعبوره كده يا امجد..
صدعت ضحكته بشغف هاتفا و هو يلقي بجسده على الفراش يتابعها باستمتاع: و هو فيه احسن من كده كعبوره..
ضحكت بسعاده هي الاخرى و مالت بجسدها للخلف واضعه يدها اسفل ظهرها متحركه مثلما تتحرك الحامل بشهرها التاسع وهو يكاد يهلك ضاحكا..
حتى توقفت و جسلت بجواره تاخذ انفاسها فحاوطها بيده فتمتمت و قد اصابها قلق من تأخر حملها حتى الان: هيبقى اسعد يوم في حياتي يوم ما يبقى جوايا حته منك..
فامسك يدها مقبلا اياها متلقيا اضطرابها بصوتها و نظرات عينها فهو يدرى مدى عشقها للاطفال: منى و منك، نصها انا و النص التانى انتِ.
ابتسمت بسعاده حتى نهض هو واقفا يخرجها من قلقها يدفعها لغضبها مره اخرى: يالا بقي علشان منتأخرش على الحفله..
برمت شفتيها و تحدثت بتأفأف تتمنع: هوانا لازم اروح؟!
جذب يدها و انهضها و اومأ برأسه و لكنها تشبثت مكانها فتركها و قال مغيظا: خلاص انتِ حره هنزل انا لوحدي..
نظرت اليه بحده مغتاظه ثم دفعته بكتفه و تحركت باتجاه المرحاض لتستعد للحفله التي لا رغبه لها بحضورها اطلاقا،
اجتمع الجميع بالحفل التي نظمته سلمي و في الواقع انجي كانت فائقه الجمال، تمسكت سلمي بذراع امجد و كانت تتحرك معه بين الحضور هنا و هناك و ابتسامه رائعه تزين وجه كلا منهما..
و في منتصف الاحتفال اقتربت انجي مع صديقاتها من سلمي التي كانت واقفه بملل تنظر من الشرفه للخارج: مساء الخير يا سلمي..
استدارت سلمي لها و اومات برأسها: مساء النور يا انجي..
نظرت احدى الفتيات لسملي من اعلي لاسفل و هتفت بشبه استهزاء: هي دى بقى مرأه امجد؟
اومأت انجي برأسها بضحكه اكثر استهزاءا: اه شوفتِ بقى
بدأ غضب سلمي يتصاعد مع تحدث اخرى استكمالا لتلك النبره التى اصعدت غضبها لاقصاه: ازاى اختارك مش عارفه،
و قبل ان تجيب سلمى اضافت انجي و هي تمسك بطرف فستان سلمي: حتى لبسك، سورى يعنى يا سلمى مش عاجبنى خالص.
وجدت سلمي امجد يقترب منهم فنظرت اليه و هو يتقدم و هتفت بثقه و عينها تحرقهم بغضبها و لكن سبحان من منحها هدوء لتجيبهم: اذا كنت راضيه ربنا و عاجبه جوزى،
عادت ببصرها اليهم و مررت عينها عليهم جميعا من اعلى لاسفل و تحدثت بقوه جعلت كلا منهم تكاد تموت من فرط غيظها و وجهت حديثها لانجى خاصه: انت تبقى مين علشان افكر اعجبك او لا!، ثم ان الرخيص منه كتير و انا بحب ابقى غاليه.
انهت حديثها و عينها تشملهم جميعا لتجد امجد يمسك يدها و يكتم ضحكته جاهدا و بمجرد ان تحرك بها من امامهم انفجر ضاحكا لتتبعه هى رغم ما بها من غضب، فماذا كان سيحدث ان اقتلعت خصلات كلا منهما بيدها أخطأ ان تفعل؟!
أشعر أننى أريد ان اقول لك فقط احبك و من ثم ابكى، ابكى لانها تعبر عن الكثير، و لانها تختصر الكثير، و لان الاطفال حين يعجزون عن التعبير يبكون، و يرددون كلمه واحده غير مفهومه و مبهمه...!
جبران خليل جبران
تتردد كلمات اكرم بعقله، أهو السبب حقا؟!
أجل كلما احس بخطر ابعدها، كلما شعر بحزن ينتظرها خبئها، كلما رأى مكروه يصيبها تلقاه عنها، لم يسمح بأن يصيبها اى اذى او حتى تواجهه، أحقا هو السبب بضعفها؟
أكان ينبغى ان يتركها تواجه، تقرر، تحارب، تفشل و تنجح، تسقط و تنهض، يتركها لترى نفسها لا زوجته فقط.
رفع يده يفرك عينيه بضيق تبعه بتحديق بالاشئ و مازال لا يقتنع بهذا، هو لم يخطئ، لم يفعل ما يقتل شجاعتها و ان عاد به الزمن لفعل مثلما فعل و سيظل يفعل.
و هى الاخرى جالسه يقتلها الندم، الخوف و التفكير.
تعلم ان عاصم الان يتألم لا بسببها فقط و لكن ضغطت ظروفه عليه بشكل قاسٍ، و لكن ما بالها تفعل له، كيف تنجح بقتل خوفها و الذى احياه موت فارس بعد ان كانت على وشك دفنه،
امسكت بالهاتف تنظر لرقمه، ترغب بسماع صوته، الاطمئنان عليه، مواساته و قول الكثير و الكثير و لكنها لا تجد في نفسها لا القوه و لا الطاقه لفعل هذا،.
تساقطت دموعها و تأنيب اكرم لها يؤذى قلبها، هو حقا ليس معصوم من الضعف و كسر خاطره لن يكون سهل ابدا و لكن ماذا تفعل في ضمير يرجوها قربها و في الوقت ذاته يتوسلها بعدها، ماذا تفعل في نفسها التى باتت تعترف انها مريضه لا تستطيع قرار ما تريد و قد سيطر عليها خوفها سيطره كامله،.
ضمت الهاتف لصدرها و دون ان تنتبه انها اتصلت بالفعل توالت شهقاتها حتى تجمدت الدموع بعينها مبتلعه غصه حلقها و هى تستمع لصوته يجيب، نظرت للهاتف بصدمه سرعان ما تحولت لسبب اخر ليزداد بكائها، ليزفر هو بالمقابل زفره مكتومه مرددا باسمها عده مرات و لكن لم يصله سوى شهقات مكتومه و أنين خافت،
تلك الحمقاء التى تكوى نفسها بنيران خوفها قبله، تؤذى قلبها و روحها اكثر مما تفعل به،.
تستسلم لجبنها و تهرب منه و اه لو تدرى ان هربها اليه اهون،
و اما ان سأله احد الان عما يرغب، فهو يرغب بصفعها صفعه قويه ترد اليها وعيها ثم يضمها كما لم يفعل من قبل، يطمئنها، يهدأها و يحبها،
يرغب بتكسير رأسها عل عنادها الذى يسوقها دون ان تدرى ينكسر ثم يقبلها فيمنحها من انفاسه حياه جديده و من روحه كلها،
يرغب بقتلها ثم يرغب و يرغب و يرغب بها و لكنها حمقاء فما العمل؟!
حاول جعلها تتحدث، تتوقف عن البكاء، او حتى فقط تصمت و لكنها لم تفعل ايا مما شاء فاشعلت فتيل غضبه نيرانا حتى اغلق الخط بوجهها قاذفا اياه بالحائط بقوه غضبه و لوعته ليسقط متهشما و الان فليعرف قلبه انه التالى اذا استمر بجعله يذوق طعم هذه المعاناه مرارا و تكرارا...
وسط الاشجار و وسع الاراضى من حولها جلست حنين مجددا تحمل صوره فارس تحدثه، تحكى له ما يصير معها، ما تفعله و كيف تقضى ايامها، تشكو، تبكى و تبثه حبها، شوقها و مدى حزنها لفقده،.
قاربت الشمس على الاختفاء فنهضت في طريقها للسرايا و اثناء سيرها اصطدمت بها فتاه ما تحمل ابريقا من الحليب الذى اُريق بأكمله على الارض امامها بعد ان شمل طرف حجابها و جانب عبائتها و هى تسقط و تسقط الفتاه معها، لتنهض حنين مسرعه لتمد يدها للفتاه تساعدها و هى تعتذر بصدق: انا اسفه جدا و الله مأخدتش بالى.
لتنظر الفتاه للحليب المسكوب و ضربت بقوه على صدرها تصيح بخوف حقيقى كما رأت حنين: يا وجعه مربربه، اماى هتجطعنى جطيع،
نظرت حنين للحليب و غمغمت بأسف: حقك عليا و الله غصب عني، قوليلي ممكن اعمل ايه اساعدك بيه لو عاوزه فلوس...
ضربت الفتاه على راسها عده مرات و هى تقاطعها بفزع هاتفه: تساعديني كيف، و هجيب اللبن منين تاني دلوجت! يا مرارى يا مرارى..
نظرت حنين يمينا و يسارا و هي لا تدرى ما تفعل و بقت دقائق قليله لتجلس بجوار الفتاه تبكى محاوله الاعتذار مجددا: انا اسفه بجد، ممكن تيجى معايا البيت و...
قاطعتها الفتاه مجددا و هى تصيح بها: لاااه انتِ اللى هتيجى معاى و هتجولي لاماى اللي حوصل و معتخليهاش تزعجلي..
و بطيب خاطر وافقتها حنين سارت بجوارها متجاوزه شرط جدها بعدم التأخير عن غروب الشمس: و انا موافقه..
نظرت اليها الفتاه بعدما استجابت لها و قد هدأت قليلا لتمرر عينها على ملابس حنين التى ترك الحليب اثاره عليها و تمتمت: و اهو بالمره انضفلك خلجاتك دى...
ابتسمت حنين و سارت مع الفتاه حتى وصلت لكوخ خشبي يبعد قليلا عن مكان السرايا فقالت الفتاه بابتسامه هادئه: اجعدي اهنه هناديلك اماى من الارض حدانا..
همت بالخروج و لكنها عادت مجددا و قد تذكرت ما قالته لتمد يدها لحنين هاتفه بشبه امر: هاتي خلجاتك دى انضفهالك،.
ابتسمت حنين و ربتت على كتفها نافيه بصدق: لا يا حبيبتي مفيش داعي.
هتفت الفتاه بسرعه و قد اصرت و لا رجوع لكلامها: بااااه مفيش داعي كيف، مهينفعش تمشي متبهدله اكده، همليني خمس دجايج و اجيبهم ليكِ زين الزين.
حاولت حنين الاعتراض و لكن مع اصرار الفتاه لم تستطع الرفض و خاصه و قد بدأت الفتاه بحل حجابها و مع محاولات حنين بمنعها لم تستطع، غادرت الفتاه و جلست حنين بانتظارها و هى تلملم خصلاتها و الضيق يشملها،.
في الوقت ذاته كان مازن يسير بمحذاه الاراضي الزراعيه فوجد اطفال صغار يركضون من حوله سرعان ما توقفا امامه و قد تطاول احدهم على الاخر فرد عليه الاخر، اقترب مازن منهم يحاول فض التشابك: بس يا حبيبي انت و هو كده غلط..
فاستدار له احد الاطفال صارخا و كأنه ليس بطفل لم يتجاوز العشر اعوام: باااه و ايش دخلك عاد؟
نظر مازن له و ربت بخفه على وجنته قائلا و كانه يحدث ابن خالته مثلا: مينفعش تتخانقوا كده انتم كبار..
نظر اليه الفتي بغضب ثم غمز بعينه لمن معه فاقترب احدهم من خلف مازن ساحبا الهاتف من جيبه و ركضوا مسرعين من امامه، انتفض مازن غضبا و ركض خلفهم مسرعا و هو يصرخ بهم ليتوقفوا..
و هنا ركض رجلا ما للسرايا و هتف بالخارج مما جذب الجميع بالداخل و الخارج اليه: إلحج يا حاج مدحت، إلحج يا كبير الشراجوه، إلحج العار اللي بيحوصل من ورا ظهرك،.
خرج الجميع من المنزل على صرخات ذلك الرجل مع اجتماع بعض الماره على صوته، لينظر الجميع لبعضه قبل ان يتقدم كبار العائله خلف الرجل.
ظل مازن يركض خلفهم حتى وصلوا امام الكوخ الخشبي فتوقف الاطفال و اقترب منه الطفل و هم باعطائه الهاتف فنظر اليه مازن باستغراب مترقب و لكنه فجاه شعر ببروده تكتسح جسده عندما قام احد الاطفال بجذب قميصه من الخلف شاقا اياه نصفين فاستدار مازن بغضب و دهشه ليجد الطفل يخرج له لسانه و ركض، هم مازن بالركض خلفه و لكنه وجد فتاه تقف امامه فنظر اليها بدهشه تبعها خجلا من مظهره العارى و لكنها قاومت ابتسامتها و قالت بكسوف تعتذر: انا اسفه يا سي الاستاذ آني هجول لبوى على اللي عمله اخوى..
اشارت على الكوخ الخشبي و قالت: اتفضل اهنه و انى هجيبك محمولك.
نظر مازن للكوخ و تمتم بغيظ و هو يكاد يقتلها و يقتل ذلك الفتى الصغير: مفيش داعي هستني هنا
شهقت الفتاه و هى تكتم فمها معبره عن خجلها منه و مدى استنكارها لما يقول: باااه هتقف في الطريج من غير خلجات اكده، اتفضل اجعد و لما اجيبلك المحمول كلم حد من حداكم يجيبلك خلجات..
نظر اليها مازن قليلا ثم و بغضب هادر صعد للكوخ الخشبي و هي ينزع بقايا قميصه و بمجرد ان فتح الباب و دلف الق بالقميص ارضا ليُفاجأ بحنين واقفه امامه لتشهق بصدمه و كلاهما في وضع لا يحسد عليه هو بلا ثياب علويه و هي بدون حجابها و فور اداركهم لهذا الوضع استدار كلاهما معطيا للاخر ظهره، انتفض مازن ليخرج و لكنه فوجئ بالباب مغلق من الخارج، فزفر بقوه ضاربا الباب بيده عده مرات، مناديا، عل احدهم يسمعه و لكن هيهات.
لم تمر دقيقه واحده و استمع كلاهما لقفل الباب يُفتح ليدلف افراد العائلتين فتكن الصدمه من نصيب الكل بلا استثناء.
بعد عده دقائق كان مازن واقفا امام كبار العائله و حنين تحتضنها جدتها و هي تبكي بصدمه تمكنت منها..
صاح مدحت بغضب هادر و هو يحاول تكذيب ما رأه و لكن آن له يفعل: كيف بتعمل اكده يا مازن، كيف وصلت بيك جله الحيا انك تتعدي على حرمه اخوك؟!
رفع مازن راسه محاولا التحدث و لكن مدحت لم يمنحه الفرصه و هتف بأقصى ما يملك من صوت: و لا كلمه، هتجول ايه؟ كلنا شوفنا اللى حوصل بعنينا دول اللى هياكلهم الدود، مجدرش اصدج انك تعمل اكده!
حاولت نهال التحدث فهى تثق تمام الثقه ان حنين لن تفعل ما يشير اليه كبير العائله و ان ولدها لن يسقط لمثل هذا المستوى من الانحطاط و لكن صرخه امين قاطعتها وهو يهين كلا منهما بكلمات قاسيه،.
فنهضت ليلي و اقتربت من حنين تحاول اجبارها على المدافعه عن نفسها فبكائها ليس بحل مناسب الان: حنين اتكلمي ايه اللي حصل، ازاى تعملوا كده؟
شهقت حنين و هي تحتضن جدتها بقوه اكبر لا قدره لها على الحديث ففجأه ما اصابها جعلتها تتخبط، و لكنها تعلم انها ليست بحاجه لتدافع فوالدها ها هنا و لن يسمح بأن يتهمها احد بأى شئ.
نظر مازن لهم و تحدث محاولا استدعاء هدوءه الان: الدكتوره ملهاش ذنب في حاجه كل اللي حصل ه...
نهض مدحت مقاطعا اياه ضاربا اياه بعصاه العاجيه بقوه تألم مازن لها: هي ملهاش ذنب يبجي الذنب عليك انت، يبجي انت طمعت في حرمه اخوك، يبجي انت راجل ناجص و جليل ربايه، يبجي انت عار على العيله كلياتها، ثم اشار لحنين و هتف بغضب و هو يشملها باحتقار: و هي كُمان، خانت المرحوم جوزها...
نهضت حنين و قد طفح بها الكيل لتصرخ بانهيار تام: انا معملتش حاجه، انا مغلطتش، معرفش ايه اللي حصل و لا ازاى انا مخنتش فارس وا...
قطع كلامها صفعه اسقطتها ارضا بقوه، ارتجفت عينها و رفعتها بصدمه تنظر للفاعل و الذي كان اخر من توقعت ان يخذلها - والدها -
شهقت ليلي بقوه بينما تجمدت حنين مكانها و هي ترى نظرات اتهام، ترى نظرات استحقار و نفور، و بعين من؟ والدها!.
و لم يكفيه ما فعل بل انهضها من يدها بقوه و هتف و هو يحركها بعنف: انتِ حطيتِ راسي في الارض، كنت فاكر اني ربيت بناتي بس يا خساره، يا خساره يا حنين، يا خساره.
دفعها للخلف يبعدها عنه و هنا تحدثت بذهول و صوتها يختفى تدريجيا: بابا!
قاطعها بصرخته التى اجفلتها: اخرسى مش عايز اسمع صوتك، انتِ ازاى تسمحي لنفسك تعملي كده؟ ازاى تسمحي انك توصلي للمستوى ده؟
صرخت بهستريا و هى لا تصدق انها بحاجه للتبرير لمن اعتقدت انه سيبرر عنها: انت بتتكلم ازاى يا بابا.!، انت ازاى تفكر اني ممكن اعمل كده؟ ازاى يا بابا؟
اتجهت اليه والقت بنفسها بين يديه و هتفت بانهيار علها تستجدى ابوته و التى لم تخذلها من قبل ابدا فا باله في اول مشكله تحتاجه بها حقا يكسرها: انا حنين يا بابا، انا بنتك حنين، انا حنين مراه فارس، مراه فارس يا بابا، مراه فارس..
تسمر عز مكانه ناظرا امامه وابنته تنتفض بين يديه، قلبه يخبره انها مظلومه و لم تفعل شيئا و عقله يصدق ما رآته عينه، فما الذي قد يدفعهم للذهاب لذلك الكوخ المهجور؟
ما الذي يدفع مازن لنزع قميصه؟ و ما الذي يدفعها لنزع حجابها؟
ما الذى يدفعهم للبقاء سويا بهذا الوضع؟
سوى انه بارادتهم و رغبتهم و ربما ضعف اصاب كلاهما..
و هنا ابعد حنين عنه و هتف بحده و قسوه لم تتوقع ان تراها بوالدها يوما: انا بنتي ماتت يوم ما جوزها مات.
ارتدت حنين للخلف بصدمه تمكنت منها و شلت عقلها و لسانها و كل تفكيرها، اقترب مازن منه و تحدث بعدم تصديق: عمي انت ازاى تقول كده؟
ثم استدار لينظر للجميع ليهتف: انتم ازاى تفكروا كده؟! انا راجل متجوز، يوم ما هبقي طمعان في واحده ست ما انا عندى مراتى، و بعدين يوم ما هبص لجسم واحده هتبقي مراه اخويا، مراه اخويا اللي كلكوا بتتهموها انها خانته معايا و هي كانت برا الواقع اساسا من بعد موته.
اقترب منه امين و همس بغضب امام وجهه ممسكا اياه من ياقه قميصه: انت اتعديت على حرمه من بيت عيله الحصري ود..
قاطعه مدحت ناهضا بغضب عاصف: حرمه بيتكم اللي ناجصه ربايه يا ولد الحصري..
ترك امين مازن و اتجه لمدحت واقفا قبالته و هم بالتحدث..
ولكن صوت مجدى الواهي و الذي اثر الضغط الحاضر على قلبه: الظلم وحش يا كباره العيله، الظلم وحش..
و وضع يده على قلبه قبل ان يسقط فاقدا الوعي فانطلق الجميع اليه و صعدوا به لغرفته و امروا باحضار الطبيب..
بينما امسك عز حنين من يدها و صعد بها للاعلي و دفعها بغرفتها و اغلق الباب من الخارج تاركا اياها تكتوى بنار اتهامهم و من اقرب الاشخاص لقلبها، مدركه ان مهما ازداد تحضر والدها فهو سيظل صعيدي و عند الشرف يختفى كل التحضر بل كل التفكير.
اجتمع الجميع حول مجدى و الطبيب يفحصه حتى انتهي و طمأنهم واخبرهم ان هذه المره سلمت و لكن ليس كل مره..
نظر مدحت لامين مشيرا له باتباعه للخارج فخرج كلاهما و قرروا بينهم ما سيحدث لينتهي هذا الموقف دون اى اضرار للعائلتين..
كانت نجلاء تجلس بمنزلها بالقاهره عندما وصلتها اخبار نجاح خطتها، و ما ان استمعت لتفاصيل التنفيذ حتى انطلقت ضحكاتها بقوه تملأ المكان حولها: يخرب عقلك يا بهجه انتِ دماغك سم..
اتسعت ابتسامه بهجه و صاحت بفرحه و هى تتذكر ما فعلت: يكرم اصلك يا ستي المهم تكوني راضيه عني..
نهضت نجلاء تدور في الغرفه و هي تضحك فلقد اشعلت فتيل الفرقه بين العائلات مجددا و هذا المره لن يخمد ابدا: راضيه قوى يا بهجه و حقك هيوصلك و بزياده...
ثم صدعت ضحكاتها مجددا تشيد بما فعلت الصغيره: بس حلو بجد اللي عمله العيال مش قادره اتخيل شكل مازن، جدعه يا بهجه..
ضحكت بهجه معها فتحدثت نجلاء بجديه: عايزاكِ تخرجي من البلد و متظهريش خالص دلوقت، حد منهم عرف اسمك؟
اسرعت بهجه بالرد: لاه يا ستي، اني مجولتش اسمي..
ضحكت نجلاء مجددا و هتفت: شاطره يا بهجه يالا نفذي اللي قولتلك عليه و انا هبعتلك فلوسك..
اغلقت نجلاء الخط و ظلت تدور عده مرات و هي تضحك بسعاده كبيره حتى كاد قلبها يتوقف من فرحتها ثم جلست اخيرا ناظره امامها لصوره تجمع افراد العائله و هم صغارا، مررت عينها عليهم بغل و حقد دفين ثم اغلقت الصوره و ابتسمت متذكره ما قررت فعله فيما يتعلق بابنها و زوجته العزيزه فلقد حان وقت فك عش الزوجيه السعيد و برغم انها بدأت بالفعل الا انها لن تنتظر النتيجه بل ستسعى اليها فامسكت هاتفها و طلبت رقمه حتى وصلها الرد: السلام عليكم..
حاولت جعل صوتها يبدو حانيا قدر ما تستطيع فهى تدرك جيدا نقاط ضعف ولدها: معتز حبيبي اخبارك ايه؟
على الطرف الاخر رفع معتز حاجبيه بتعجب من اطلاقها لكلمه حبيبي و لكنه تحدث بفرحه رغم علمه بأنها فرحه مؤقته: بخير يا امي...
تحدثت نجلاء بحماس و هتفت تصيبه بالتعجب اكثر: وحشتني يا معتز عاوزه اشوفك..
عقد معتز حاجبيه بدهشه: انتِ في القاهره؟
ابتسمت تجيبه: اه يا حبيبي و مستنياك في البيت.
نظر يمينا و يسارا لا يدري بما يشعر الان، هل والدته تطلب رؤيته لانها اشتاقت اليه!
و هنا دلفت هبه للغرفه و سمعته يقول بسعاده: خلاص يا ماما انا جاى مسافه السكه..
و قبل ان يغلق الخط صاحت نجلاء بخبث و لكن لم يبد واضحا في صوتها الحانى: تعال لوحدك يا معتز عاوزه اقعد معاك لوحدنا..
رفع معتز نظره لهبه التي تعجبت من نظرته المتهربه و لكنه اخفض راسه موافقا: ان شاء الله.
اغلق الخط فتقدمت هبه و جلست بجواره: خير يا حبيبي ماما كويسه؟
نهض متحمسا فرحا باهتمام والدته الذى نادرا او بالكاد يجده: هروح ازورها، رجعت القاهره..
ابتسمت هبه ملاحظه السعاده الباديه في صوته و اومأت براسها موافقه، اتجه هو و استعد للخروج و هي تتابعه بنظرات حانيه، فهو حقا كطفل صغير يهفو فقط لحب واهتمام من حوله، استعد اخيرا و اتجه للخروج فطبعت قبله على وجنته وهمست: هستناك متتأخرش عليا..
اوما و ركض مسرعا للخارج، وصل لمنزل والدته فدق الباب حتى فتحت له و دلف، احتضنته فاتسعت عينه بدهشه و سرعان ما لمعت بدموع سعادته و استسلم لدفء حضنها الذي طالما سمع عنه لكنه لم يختبره سوي الان...
جذبته للداخل و جلست تتحدث معه و هو بانطلاقه يجيبها و اندمجا سويا حتى قالت مدعيه الاهتمام: اووف نسيت اعملك حاجه تشربها..
نهضت لتدلف للمطبخ و دون ان ينتبه لها اخذت هاتفه معها، ارسلت منه رساله لهبه و كان محتواها تعالي عند ماما انا مستنيكِ هناك بس متقوليش انى طلبت منك تيجي علشان هتزعل، متتأخريش بقي ، ثم ابتسمت بخبث و محت الرساله و بكل سرور اغلقت الهاتف تماما.
وصلت الرساله لهبه و هي مستلقيه امام التلفاز و بجوارها مها تعد لتصميم ما، قرأتها مسرعه و نهضت، حاولت الاتصال به و لكنها وجدت الهاتف مغلق فتعجبت، ثم تجاهلت الامر مرتديه ملابسها و اخبرت مها برحيلها و بالفعل ذهبت...
خرجت نجلاء من المطبخ حامله كوب من الشاي الساخن وضعته له و قالت و الود يقطر من حديثها و كم سهل عليها خداعه: اخبارك ايه مع مراتك؟
نظر للشاي متذكرا امر الطبيب و كذلك قواعد هبه الصارمه بسبب مرضه و لكنه لم يشأ ان يضيع تعب والدته و بالفعل تناول بعضا منه و ابتسم و هو يجيبها بانطلاقه: الحمد لله سعيد جدا يا ماما، هبه انسانه جدعه قوى..
صمتت ثواني ثم وضعت يدها على ركبتيه و همست بحنان امومي بالطبع تدعيه و كم كانت تضحك بداخلها لمدى سذاجته: متكدبش عليا يا حبيبي و قولي الحقيقه.
تعجب سؤالها و لكنه تجاهله مستمتعا باهتمامها و اضاف يؤكد عن مدى سعادته: صدقيني يا امي هبه كويسه جدا معايا، بتحبني و بتهتم بيا، بتثق فيا، بتخاف عليا و واقفه جنبي في كل خطوه في حياتى، انا اتغيرت بسببها و علشانها، انا فرحان معاها جدا..
نظرت اليه لحظات ثم قالت بتشكك قصدت اصابته به: انت متاكد انها فعلا بتخاف عليك و بتثق فيك..
نظر اليها بتساؤل متعجبا لهجتها و اردف بثقه عاقدا حاجبيه: اكيد يا ماما ايه يخليها متثقش فيا؟
هربت بعينها منه مدعيه الاضطراب ثم بكيد النساء اضافت: مقصدش حاجه يا حبيبى بس كلنا عارفين انت كنت على ايه و مفيش واحده هتتغاضى عن كده بسهوله، فاهمنى.
ثم حدقت بعنينه تجذب انتباهه كاملا و تحدثت ببراءه و بداخلها اسوء النوايا: هي تعرف انك جاى عندى..
اوما براسه و مازال تعجبه قائما فابتسمت ببراءه اشد و صمتت، بينما هو اخذت الافكار تدور و تعصف بعقله و خاصه مع ما يفعل مؤخرا، هل هبه لا تثق به، هل تشكك بتعامله معها؟
قطع افكاره صوت جرس الباب فابتسمت نجلاء بسعاده و لكنه لم يلاحظها و قالت بادعاء: ايه ده مين جاى دلوقت!
و نهضت مسرعه لتفتح الباب و عندما رأت هبه هتفت باسمها مما جعل معتز يقف عاقدا حاجبيه بقوه، دلفت هبه و بمجرد ان راته ابتسمت بسعاده و لكنه فسر ابتسامتها بابتسامه راحه و اطمئنان..
اذا ما تحدثت عنه والدته صحيح هي تشك به، اتت لهنا لتتأكد انه هنا!
رمقها بنظره بقدر ما تحمل من غضب تحمل ألما تعجبت هي نظرته و لكنها هتفت بود حقيقى تحاول تشيده بينها و بين حماتها المصون: حمدلله على سلامتك يا طنط..
ابتسمت نجلاء بانطلاقه بالطبع لا لهبه و لكن لحضورها الذى سيدفع معتز خطوات في طريق خطتها: الله يسلمك يا حبيبتي، ايه النور ده، بس غريبه لما هتيجي مجتيش مع معتز ليه؟
نظرت هبه لمعتز الذي عقد ساعديه امام صدره و غضبه يزداد منتظرا اجابتها فارتبكت قليلا فهو طلب منها الا تخبر والدته انه هو من طلب منها الحضور فماذا تفعل؟
و فجأه جال بفكرها خاطر و يا ليتها لم تصرح به: لازم افاجأه يا طنط مش يمكن بيضحك عليا و راح هنا او هنا،
ضحكت نجلاء بسعاده فزوجه ابنها تساعدها دون درايه منها و ضحكت معها هبه معتقده انها هكذا استطاعت التهرب من الامر بسهوله اما معتز فاحترق قلبه بكلماتها و فاض عقله بغضبه و ان كان يستحق،
جلست هبه و اقتربت منه هامسه بهدوء: تليفونك مقفول ليه، رنيت عليك لقيته مقفول؟
ظل ينظر امامه و لم يجيبها فمالت عليه قليلا فنظر لعمق عينها التي رغم براءتها الحقيقيه اعتقد هو انها مصطنعه: و انتِ رنيتِ عليا ليه؟
عقدت حاجبيها استغرابا و همت بالرد على سؤاله الذى تري لا معني له و لكن قاطعتهم نجلاء بجوارها و اخذت تتبادل اطراف الحديث معهم و لكن معتز كان بعالم اخر، بحياه اخرى، بوجع اخر كبير و تمكن من قلبه جيدا، حتى طفح الكيل فنهض متعجلا يلقى السلام: هنستأذن بقي يا ماما.
نهضت مصطنعه الحزن: ما تخليك شويه يا حبيبي..
تنهد ببطء و نظر لهبه بطرف عينه: لا كفايه كده علشان ترتاحي و انا كمان و بعدين عندنا شغل بدرى الصبح..
اومأت نجلاء و ابتسامتها تنير وجهها و للحقيقه كانت ابتسامه نابعه من قلبها تماما، و بالفعل رحل هبه و معتز و طوال الطريق لم ينطق معتز بكلمه و هذا اثار دهشه هبه و تعجبها و القلق التي بات يصاحبها دائما..
حتى وصلوا للمنزل و بمجرد ان دلفوا نظر حوله ليتأكد ان مها ليست بالجوار بينما تقدمته هي و لكنه اطبق على ذراعها جاذبا اياها هاتفا بغضب: بتشكِ فيا يا هبه، هي دى اخر حدود الثقه بينا؟
عقدت حاجبيها استغرابا و تمتمت تستنكر و لكن وصله الامر استهزاء: ثقه ايه يا معتز؟ انت بتتكلم...
قاطعها و هو يدفع يدها صائحا بغضب يكويه: ثقه ايه! للدرجه دى يا هبه؟
نظر اليها لحظات و عقلها يكاد يجن من نظراته حتى همس بصوت متألم: يا خساره يا هبه كنت فاكر اللي بينا اكبر من كده،
و تركها دون كلمه اخرى متجها مسرعا لغرفتهم دافعا الباب خلفه بقوه بينما هي تنظر للمكان الذي كان يشغله منذ قليل و هي لا تدرى ماذا يحدث، لما يحدث، كيف يحدث؟
لا تدرى اى شئ سوى ان هناك حاجز كبير نشأ بينها و بين زوجها، حاجز سيدمر جزءا رائعا من علاقتهم، حاجز ربما سيدمر علاقتهم ذاتها...