قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل السادس والثلاثون

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل السادس والثلاثون

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل السادس والثلاثون

صرحت بخفوت و القلق يتجسد على ملامحها: الاختبار ده مش بتاعى؟!
اختفت ابتسامه معتز الواسعه تدريجيا ليعقد حاجبيه ناظرا اليها لحظات ثم ابتلع ريقه و همس بتسائل: مش ايه؟!
و قل ان تُجيب عاد يسألها و وجهه يُجسد المعنى الحقيقى للغضب هاتفا بعصبيه: يعنى ايه مش بتاعك؟! هيبقى بتاع مين؟ و بيعمل ايه في حمام بيتنا؟!

ثم امسك بذراعها مقربا اياها و رغم الغضب الذى استولى على هدوء ملامحه كانت عيناه تترجاها و هو يصرخ بها: يعنى ايه يا هبه انطقى؟!
امتلئت عينها بالدموع و حاولت نزع يدها من يده و هى تجيبه بقلق: مش بتاعى يا معتز انا معملتش اختبار حمل، و اصلا مخرجتش من البيت من يوم ما كنا عند الدكتوره علشان اشتريه...

ترك يدها و تحرك بسرعه و غضب مفرط للخارج ليفتح باب الغرفه الخاصه بسالى ليجدها تجلس على الفراش تضم ركبتيها لصدرها و تبكى بصمت اقترب منها و لم يتحدث فقط امسك بخصلاتها بعنف لتصرخ هى بلوعه و تألم لتأتى هبه على صوتها لتُفاجئ بمعتز يخرج بها من الغرفه و هو يُمسك بخصلاتها ليلقيها على الارض بالصاله الخارجيه صارخا و هو يدفع الاختبار عليها: بتاع مين ده يا مدام يا محترمه؟!

نظرت بذعر للشريط الصغير امامها متذكره انها نسيت تماما ان تخفيه من المنزل فرفعت نظرها اليه لتجده كمن يتلوى على الجمرات فتقاذفت دموعها متتاليه لتهتف باعتذار: انا اسفه يا معتز، مكنش قصدى، انا مك..
قاطعها و يده تهبط على وجنتها بصفعه مدويه القت بجسدها على الارض و هو يزمجر بعصبيه مفرطه: مكنش قصدك ايه يا فاجره؟!

رفعها من خصلاتها مجددا و هى تصرخ بحده فهوت يده على وجهها و هو يصيح و عينه تحرقها بنظراته: صوتك ميطلعش، مش عايز اسمع نفسك.
و هوت يده بأخرى و أخرى حتى اقتربت هبه منه و حاولت ان تمسك بيده ليبتعد عنها و هى تبكى: الله يخليك مش كده، حرام عليك..

ابتعد مع جذب هبه له و كلاهما يتمزق ألما و هتف بعدم تصديق و ألم معدته يزداد حتى بات صعب التحمل: وصلت انك تخونينى يا سالى! انا اللى كنت هخرب بيتى علشانك، وقفت جنبك لما لجأتِ ليا، و في الاخر تخونينى يا سالى؟!
و في فوره غضبه ابعد هبه عنه و تقدم من سالى مجددا لتمنحها يده كل ألمه و وجعه من تعبه و خيانتها و هبه تصرخ به ليتركها و لكن تألمها هى الاخرى يزداد بشكل لا ينم عن خير..

حاولت سالى الابتعاد عنه و هى تشعر بروحها تزهق و صرخت بألم: انت، عملت ايه علشانى؟!، اتجوزتنى علشان توجع مراتك بس انت دمرتنى انا، و معملتش واجبك كزوج و جاى دلوقتى تلومنى؟!

جن جنونه و هو يستمع لكلماتها و جلس ارضا بجوارها ليتملك خصلاتها و يرفع راسها للخلف بحده و وضع يده على عنقها صارخا: بتتكلمى ليه؟ قولتلك مش عايز اسمع صوتك؟ بتبررى ايه؟ هو انتِ سافله من قريب دا انتِ ماركه مسجله، كل حياتك كذب، دمرتِ نفسك و طليقك و اهلك، دمرتِ حياه اختك و كمان دمرتِ حياتى، انتِ ايه؟
قالها بصوت صارخ و هو يدفع راسها للارض لتصرخ باكيه بصوت عالى
تشعر بالندم ربما، و لكن لانها لم تحمى نفسها،.

خائفه اجل، و لكن لربما يحرمها من اسمه..!
زحفت بجسدها حتى وصلت اليه لتمسك بيده و تهتف متوسله: حبيبى علشان خاطرى، انت عارف انى بحبك، اسمعنى مره واحده بس؟
نفض يده منها دافعا اياها عنه صائحا بسخط: بتحبينى؟ بأماره ايه؟
اقترب منها و هوت يده بصفعه اخرى معددا: انك كذبتِ عليا؟
و اخرى لتتعالى صرخاتها ليُكمل: انك استغفلتينى بسهرك مع شباب صايع زيك؟

و الصفعه الثالثه لتسقط ارضا دون القدره على الحركه و صوت شهقاتها يزداد حده: و لا لانك خنتِ ثقتى لدرجه تشيلى ابن راجل تانى و انتِ في بيتى و على ذمتى؟
انخفض ممسكا بفكها بين يديه بغلظه ليرفع وجهها التى امتلئ بالدماء و انتشرت به العلامات الزرقاء ليقول بغضب: و لا لانك رخيصه و واطيه؟
دفعها لينهض مستندا على الجدار ليضع يده على معدته و يضغط شفتاه بين اسنانه بقوه محاولا التحكم قدر الامكان بألمه،.

بماذا يشعر و كيف يصف؟!
ألم قلبه لا يُوصف،
اعتقد انه احبها في يوم ليكتشف انه كان بحياتها مجرد مغفلا،
شعور بالمسئوليه و تأنيب الضمير لم يفارقه لتخليه عنها و عدم الدفاع عن حبهم،
تزوج من هبه و هو يفكر بها، و اعتقد ان قلبه لم يعرف الحب الا بها و لن يعرفه،
و يوم عادت كان مشتتا لدرجه لم يرى حل سوى اللجوء لحبها،
حب كان اسوء اعتقاد سكن قلبه، ندم كان اكثر سذاجه تملكت عقله،.

هى لم تجسد معنى الخيانه اليوم فقط هى كانت منذ زمنا خائنه،
لم تطعن قلبه الذى احتواها اليوم فقط بل سددت اليه الكثير من الطعنات سابقا،
ظنها صادقه و لكنه نسى ان بعض الظن اثم!
دمر حبه، نفسه، قلبه، بل دمر حياته كلها بها..
امتلئت عينه بالدموع شاعرا باختناق يشمل صدره و روحه
يستحق العقاب، اخطأ و يستحق العقاب و لكن بتلك الطريقه!
مؤلم، بل قاتل هو شعوره...!.

رفع عينه و اراد ان ينظر لفلته، لفلته التى اقطفها من البستان لتذبل..
اختطفها بأنانيه و سطوه، استغل حبها و تعلقها ليستكين هو..
لم يستطع، لم تطاوعه عينه و لم تراها و ربما لو فعل لمات قهرا في نفس اللحظه..
بينما هى تنظر اليه و الدموع تنساب من عينها و قلبها يرتجف وجعا لأجله،
كانت متيقنه ان حقها سيأتيها لا محاله لكن هكذا! لم تتوقع ابدا..
ألمه، وجعه، حزنه، صدمته، تشتته و ضعفه يذبحوها هى!

فمنذ متى نتمنى للمحب عقابا؟
ليسعد فقط هذا يكفيها، لكن ان يكتوى هكذا لا تتحمل هى،
لماذا فعل بنفسه هذا؟
هو يُخطئ و هى تتألم، و الان هو يُعاقب و هى ايضا من تتألم،
هو يفعل و هى تحصد النتيجه،
لماذا يعذبها بعذابه؟!
لماذا يفعل بها هذا؟!
سامحك الله عما جانيته بسببك؟
سامحك الله عما جانته نفسك..!
عاد بنظره لسالى ثم بانفعال تام اتجه اليها ليرفعها عن الارض موقفا اياها بقسوه متسائلا و هو يبصق بوجهها: مع كام واحد؟

جذب خصلاتها للخلف ليهمس امام وجهها باحتقار: كام واحد اتسلى بيكِ؟
اقترب بوجهه اكثر ليبصق بكلماته باشمئزاز تام و سخريه لاذعه: يعنى يا طاهره يا شريفه عارفه اللى في بطنك ابن مين؟ و لا مبتعديش؟
شهقت و انتفضت بين يديه تتلوى من وجع جسدها و لعنات عقلها المستمره عليه..

و لكن ما رأته في عينه من احتقار و تقزز جعلها تخشى النتيجه، النتيجه التى لم تفكر بها وقت افعالها، و بالفعل تحققت اسوء كوابيسها عندما جذب خصلاتها بعنف اكثر حتى كاد يقتلعها بين يديه و اقترب بوجهه من وجهها حتى اصبح على بعد عده سنتيمترات فقط، لينهى كل شئ بينهم هاتفا: لاجل حبى ليكِ انتِ طالق ، لاجل احترامى ليوم كان معاكِ انتِ طالق ، لاجل سالى اللى النهارده ماتت انتِ طالق .

نظر لعينها التى اتسعت بصدمه و يدها التى تحاول التمسك به و شفتاها التى تحاول التحرك للتحدث و ابتسم بتألم و عيناه تدور على ملامحها بتقزز: انتِ طالق بالثلاثه يا سالى..

اغمضت هبه عينها و وضعت يدها على فمها تحاول كتم انينها ثم فتحت عينها و هى تتابع عينه التى غرقت ببحار جحيم روحه المشتعل و نظراته رغم اشتعالها غضبا، رأت هى نظرات طفل صغير في عمق قلبه يرتكز على جدران احزانه يبكى بانهيار تام، و عينه تتوسل الرحمه، تتوسل الراحه و الخلاص...

زادت الضغط على فمها لعلها تخفى صوتها و يا ليتها تستطيع ان تخفى ألم و هلاك روحها ايضا، و لكن هناك من تذمر، هناك من عارض حزنها، هناك من رفض ضغطها و ارهاق جسدها و قلبها، و هنا انكمش وجهها وجعا حارق و وضعت يدها على موضع جنينها تمنحه القوه و لكن لم يعد هناك مجال للمنح فحان وقت الفقد و ربما السلب...!

ألقى بسالى على الارض و اعطاها ظهره صارخا: مش عايز اشوف وشك قدامى، قدامك خمس دقائق تلمى حاجتك و تمشى من هنا.
قطع غضبه، شهقه عاليه من هبه خلفه ربما تعلن النهايه ليستدير لها مسرعا ليجدها تمسك ببطنها و تسقط بجسدها على ركبتيها ارضا و على وجهها ملامح ألم مضنى و عينها تكاد تُغلق قسرا، فتجاوز سالى الملقاه ارضا ليقترب من هبه مسرعا و قبل ان تسقط ارضا استقبلها هو بين يديه ليهتف بصراخ مرتعد: هبه!..

شعر باضطراب انفاسها و يدها التى تشدد الضغط على بطنها ليهتف بقلق عاصف: مالك يا هبه؟..
لم يصله رد سوا همهمات و صرخات متألمه و انين مكتوم و دموعها تنساب على جانب وجهها فصرخ و هو يحركها لتنظر اليه و يده على وجهها بضربات متتاليه: هبه، هبه ردى عليا؟
ازداد اضطراب انفاسها و هى تحاول اخراج صوتها و لكن لم تتحمل الالم فاستسلمت للظلمه التى لفتها و التى ادركت ان بها اعلن ابنها عن رفضه،.

اعلن عن استسلامه لما فعلت به،
اعلن عن عدم رغبته بهم و رفضه التام لواقع اب و ام هم انفسهم يرفضوه...!

بحركه سريعه وضع المفتاح بالباب ليفتحه بعنف لتنتفض سلمى خلفه و عينها لا تتوقف عن ذرف الدموع و بمجرد ان دلفت و اغلقت الباب و قبل ان تستدير حتى وجدته يصرخ بغضب شديد: مش عارفه يعنى ايه عقيم يا هانم؟ بتسألى الدكتور يعنى ايه؟ كنتِ عاوزه تثبتِ ايه بالظبط؟!، ثم صرخ بأعلى ما يملك من صوت و نبرته حاده متألمه: اتكلمى كنتِ عاوزه ايه؟

ارتجفت مكانها و عندما استدارت له رأت الغضب العاصف بعينه و لاول مره ينتفض قلبها قلقا منه و عليه،
امواجه التى طالما احتواتها بحنان، اليوم تهدر بفيضان هائج من الغضب،
صوته الذى طالما طمأنها و غازلها، اليوم يمحى كل ما بداخلها من الامان بنبره جعلتها ترتعب،
هو نفسه من كان يمنحها كل ما قد تحتاجه انثى مما يجعل قلبها ينتفض سعاده، اليوم يفقدها كل شئ ليجعل قلبها يرتجف خوفا،.

حاولت تجاهل خوفها فهى تدرك جيدا ان خلف نظراته الحارقه يكمن وجع قاسي و نفس متهالكه،
تدرك ان خلف اهدار امواجه دموع حبيسه كم تود الهرب!
تقدمت اليه خطوتين و همست بصوت حاولت التحكم بانتفاضته: امجد ارجوك اسمعنى الموضوع منتهاش احنا ممكن نعمل التحاليل تانى انا متأكده ان النتيجه هتختلف..
نظر اليها و لم يجيبها، نظره حملت ما يعتل صدره من ألم،
نظره شملت كل ما يجتاحه الان من خوف و قلق و كسر،.

نظره جعلتها تندم اشد الندم على اصرارها على التحاليل،
لحظات صمت مرت و هو لا يفعل شئ ينظر اليها فقط و سرعان ما اختفت نظره الانكسار ليحل محلها غضب، لا ليس غضب بل تشتت و حيره كادت تجعله يجن..
و قبل ان يفعل تحرك من امامها مسرعا دون كلمه اخرى متجها للغرفه مغلقا الباب خلفه بحده و قبل ان تقترب كان اغلقه من الداخل مانعا ايها محاوله التواجد بجواره..

طرقت الباب عده مرات و لكنه لم يستجيب لها فتساقطت بجسدها على الباب من الخارج و هى تمتم بصوت ضعيف مختنق بالدموع: امجد، و الله ما عاوزه غيرك و لا فارق معايا غيرك، اسمعنى يا امجد، علشان خاطرى افتح..
و على الجانب الاخر تساقط هو الاخر بجسده على الباب لتتساقط دموعه تباعا و هو يهمس بصوت لم يصلها: انا دمرت كل احلامك و ادمرت معاها يا سلمى..

وضع يده على وجهه ليدفنه بين ركبتيه مردفا بضياع قاسى و نبره متوجعه: انا اتكسرت يا سلمى.
عادت تهتف هى ببكاء و صوت يذبحه حزنها لاجله لا لاجل لنفسها: افتح الباب يا امجد، الله يخليك، افتح ليا...
اغمض عينه و احساسه بعجزه عن كل شئ يقتله،
هو لن يكون بحياته أباً، لا يوجد فرصه حتى..
لن يلاعب طفل يكون طفله، لن يداعب متمردته اثناء حملها، لن يمنح طفلا ما تمناه بحياته و فقده..
كل احلامه تدمرت بل هو نفسه تمزق!

و هى، هى كادت تموت خوفا من فكره ألا تصبح أم، و هو الان قتل حلمها..
حرمها من حق الامومه بعجز لا يد له به..
ماذا يفعل؟! روحه تؤلمه و لن يستطيع الاعتراف لها، يريد ازاله دموعها و لكن هو نفسه السبب بها..
رفع راسه لاعلى و دموعه تبلل شفتيه المرتعشتين و
تمتم بضعف: اللهم انى لا حول لى و لا قوه، ارحم ضعفى و قله حيلتى، يارب...
وصله صوتها المختنق بدموعها و نبرتها المرتجفه: أمجد، أنا خايفه...

اغلق عينه بهدوء و هو يستند برأسه على الباب و يشدد قبضه يديه بقوه،
لن امحيه يا متمرده قلبى فهو خوف محقق، لن اطمئنك فلا يحق لى جذبك معى لكهوف عجزى!.
كنتِ الحلم في ارض الواقع و لكن مات الواقع و سيموت معه حلمى..
و لكن لن اسمح بضياع حلمكِ...
اسف عزيزتى، ستسيرين طريقك و لكن بدونى..
ستكونين ام و لكن لابن ليس منى...
انا اسف...

ظلت مرتكزه على الباب تردد اسمه بخفوت و هو يستمع لانينها و يعلوه انين قلبه الذى يناجى ربه الصبر و الرحمه...

ظلت قرابه الساعه على هذا الوضع حتى رفعت رأسها و عينها تشتعل باصرارها و نهضت واقفه و ابتعدت عده خطوات تنظر لباب الغرفه قليلا، ثم اتجهت بخطوات سريعه باتجاه باب المنزل و فتحته و بأقصى ما تملك من قوه اغلقته و بعد لحظات وجدت باب الغرفه يُفتح بسرعه و يخرج هو و بعينه لهفه خائفه، و بمجرد ان رأها امامه هدأت لهفته و لكن زادت لوعته..
كانت تقف امامه كلاهما يتطلع للاخر دون كلمه...

عينه تحكى لها قصصا عن وجع قلبه و تشتت عقله، وعينها تطمئنه بوعود عاشقه يتعرض عشقها لاختبار، اختبار قاسى و لكنها ستفوز به، حتما ستفوز.!
اقتربت منه و وقفت امامه و هتفت بحده هجوميه: قولتلى ان احنا بنكمل بعض، قولتلى ان عمرك ما هتتخلى عنى، قولتلى انك مش هتسمح لحاجه تقف بينا و دلوقتى بكل بساطه بتستسلم! ليه؟! فين كلامك عن قدر ربنا، فين كلامك عن الصبر؟! فين امجد؟!

مع كل كلمه تخونها دموعها لتشتكى له بينما هو يحدق بها بصمت و ملامح وجهه جامده..
تحرك ببطء ليبتعد عنها و تمتم بنبره ادخلت الذعر لقلبها من فكره تنفيذه لما يقول: اسمعى كلامى كويس يا سلمى، انا عمرى ما كنت عائق في حياه حد و مش هسمح ابقى كده في حياتك، الدكتور شرح قدامك كويس ان مفيش امل يعنى مش بعلاج هتحسن و انا دكتور و فاهم اللى قاله كويس، انتِ من حقك تبقى ام..!

اختنق صوته رغما عنه و اردف بنبره منكسره و هو يضع يده على قلبه محاولا تهدئه انتفاضته: من حقك تعيشى حياتك، انا مش...
قاطعته عندما تحركت بعنف واقفه امامه بذهول تردد ما يقول: من حقى اعيش حياتى! انت عاوز تقول ايه يا امجد؟

اغلق عينه لحظات ثم استدار ناظرا لها بجديه و ملامحه خاليه من الحياه و اجابها بما خشت ان تسمعه اذنها: عايز اقول اننا لهنا و انتهينا يا سلمى، انا مش همنعك تحققى حلمك بأنك تبقى ام و تبنى اسره مع...
قاطعته مجددا بصدمه و هى تنظر لعينه التى استطاع كسر مرآه روحه بها لكى لا ترى انعكاس انكساره و هى تصيح بعدم تصديق: انتهينا!

تابع وجهها الذى يحملق به بدهشه و قبل ان تنهار محاولاته بالتماسك اعطاها ظهره و دموع عينه تفر هاربه ليصله صوتها الخافت و هى تُغمغم بشبه عتاب: يعنى لو كنت انا مكانك كنت هتقول كده؟، يعنى كان خوفى و عدم ثقتى فيك في محلها!، لما بقيت طول الليل افكر لو مبقتش ام انت هتتمسك بيا و لا الاطفال بالنسبه ليك اهم، كان معايا حق؟!

وضعت يدها على كتفه لتجعله يستدير لها لتردف و هى تنظر لعينه و دموعها تنساب متتابعه دون ان ترف عينها: يعنى انا اكتمالى بيك بيكسره طفل يا امجد؟، يعنى كل حبى ليك هيمحيه طفل؟، أمانى و ظهرى اللى اتسندت عليهم بدون تفكير هيسبونى اتكسر؟

ضاقت عينها و هى تتطلع اليه بتيه و ارتجفت شفتاها بخوف و عتاب: انا مش برضى اروح عند اهلى علشان انا شوفت منهم معنى الكسر و انت دلوقت بتكسرنى، وعدتنى تفضل جنبى و النهارده بكل بساطه بتقولى لا مش هوفى بوعدى؟

راقبت عيناه التى تطالعها و قشره صلابته بدأت بالتصدع لتلمع عينه بالدموع فامسكت بملابسه جاذبه اياها بعنف لتصرخ: كل ده ليه يا امجد؟!، اه كنت عاوزه اطفال، و نفسى ابقى ام، بس دا لانى بحبك، لكن انا مش عاوزه اطفال لو مش منك...!
شددت من جذبه و اختنق صوتها و لكنها اردفت بصراخ و قد اعلنت تمردها: طريقى هو طريقك حتى لو غصب عنك...!

عقدت حاجبيها و هى تتسائل: لما كنت بتهدد بالموت انت وقفت جنبى! ليه؟ قولتلى انك مش هتندم! النهارده جاى ببساطه تقولها؟!
رفع يده ممسكا بيدها التى تجذبه بها و عيناه تشتعل بجحيم قلبه ليصرخ بالمقابل: انا مندمتش و عمرى ما هندم، انا عاوز فرحتك، مش عاوز احرمك من امومتك..

دفت يده عنها لتدفعه بعدها بقوه صائحه بفرط تعلقها به و استحاله استجابتها لرغبته: فرحتى انت بتسرقها منى و غصب عنى، امومتى انا مش هفرح بيها غير معاك غير كده مش عايزاها، انا مش عايزه حاجه من حياتى كلها غير وجودك انت، انا كنت خايفه من عدم الامومه علشان كنت خايفه تبعد عنى، بحبهم و انت كمان بس نصيبنا احنا الاتنين نحب بعض اكتر..

اقتربت و بكل قوه و اصرار اعتقلت ياقه قميصه و جذبته لتقول بنبره اثبتت بها انها متمرده لن يستطيع ترويضها: انا مش هبعد يا امجد، و مش هتنازل عن حقى فيك، و لو وقفت قدامى مشاكل الدنيا كلها مش هضعف و مش هستسلم، انا مراتك و هفضل سواء وافقت، او لا..!

نظرت لعينه التى رغم جمودها تطالعها بترجى غريق يسعى للنجاه فرفعت يدها و طوقت عنقه بقوه ظل هو على جموده قليلا ثم استسلم سريعا لحاجته لها ليضمها بقوه اليه و يدفن وجهه بها للحظات هروبا من تمزق قلبه لتطمئنه هى و دموعها تبلل ملابسه محتويه لخدش قلبه: ارمى حملك فوق كتافى، انت عمرك ما عهدتنى ضعيفه بس كمان عمرك ما شوفت قوتى، و انا في التمرد وحشه قوى يا امجد، ،.

زادت من تعلقها بعنقه لتضغط جسدها اليه اكثر و همست بعنف عاشقه كادت تُسلب قلبها: و في الحب اوحش بكتير...
ابتعدت عنه ناظره اليه و وجهها يبعد انشا واحدا عن وجهه و تمتمت بعشقها له: متمردك الجميله هتفضل ملكك حتى لو انت رفضت، تعمل ايه بقى طبع التمرد سئ؟!
نظر لعينها و مشاعره كلها تتخبط،
عشقه لها مقابل حلم امومتها،
فرحته و سكونه مقابل ضعفه و انكساره،
وجوده جوارها مقابل بعده عنها،
وجودها معه مقابل تخليه عنها..

ماذا يفعل!
اى اختبار هذا؟ كل ما به يصرخ، ربما تشفق عليك و ربما تمسكت بك خشيه جرحك..
ربما ستندم لاحقا و ربما تلومك على قرارها..
نظر لعينها بتشتت فصدق شعورها يصله كاملا دون نقصان..
تتمسك به لاجله و لاجلها، تعشقه هو اكثر من نفسها...
عيناها تخبره انها بحاجته اكتر مما هو بحاجه اليها، تطمئن بحضنه اكتر مما يفعل هو..
من يصدق و ماذا يفعل؟!

القت هى بأفكاره ارضا عندما داهمت حواسه كلها بقبلتها الرقيقه على شفتيه، و هى تتمسك بعنقه اكثر...
احساس بالحياه يجتاحه بقوه، و احساس بالضعف يجذبه اقوى..
لهفته لها تمنحه رغبه، و عجزه يمنعه عنها...
قلبه يشتاق اليها بلوعه، و عقله جامح في كهوف كلمه عقيم
ليدفعها عنه بقوه لتعود لارض الواقع و دون حتى ان ينظر اليها تحرك لغرفه مجاوره لغرفتهم ليدلف و يغلق الباب..

تابعته هى ثم ابتسمت و عينها تحكى بالدموع و شفتاها تهمس باصرار: اختبار صعب بس هننجح فيه يا امجد...

هو الثلج بينى و بينك
ماذا نفعل...!
ان الشتاء طويل، طويل
هو الشك يقطع كل الجسور،
و يقفل كل الدروب،
و يغرق كل النخيل.
أُحبكِ!
يا ليتنى استطيع استعاده
هذا الكلام الجميل..
أُحبكِ!
اين تُرى تذهب الكلمات؟
و لماذا تجف المشاعر و القبلات
فما كان يمكننى قبل عامين
اصبح ضربا من المستحيل!
و ما كنت اكتبه - تحت وهج الحرائق -
اصبح ضربا من المستحيل!
ان الضباب كثيف
و انتِ امامى و لستِ امامى
ففى اى زاويه يا تُرى تجلسين؟

احاول لمسك من دون جدوى
فلا شفتاكِ يقين، و لا شفتاى يقين.!
نزار قبانى
قطرات ماء متلاحقه، جسد متيبس، عينان مغلقه تهرب من عتمه جبريه، و رغم الاستكانه و رغم الصمت، هناك روح مشتعله، قلب مضنى و نفس متألمه..
لم يفتقد الرؤيه فقط بل افتقد حياته كلها،
افتقد سياده النقيب الذى يفنى نفسه لعمله،
افتقد سلاحه و ثباته،
افتقد سيارته التى يسابق بها الرياح،
افتقد الشركه بأوراقها و صفقاتها،
افتقد العبث و الجموح،.

باختصار شديد افتقد نفسه...
استند على الجدار بجبينه و مازالت قطرات الماء البارده تصطدم بجسده الواحده تلو الاخرى..
ربما تُزيل تشنج جسده و لكن من يمحى تشنج فكره!
ربما تُهدأ غضبه و لكن من يطفئ النار المشتعله بصدره!
رفع يديه الاثنتين ليستند بها على الحائط ضاربا اياه عده مرات متتاليه...
يعترف، ربما ليس بلسانه و لكن عقله، قلبه، جسده و كل ما به يعترف، أنه مرهق، يحتاج حقا للراحه،
فما اشد حاجته للحظات ضعف،.

لحظات ل يترك ذلك القناع القاسى الذى يرهق روحه،
لحظات ل يصرخ بكل وجع يغلفه بابتسامه و ربما صمت،
لحظات ل يلجأ لحضن دافئ لتلتقى الاجفان بسكون،
لحظات ابدا لن يمنحه العقل و الكبرياء اياها؟!
لحظات لن يعرفها ابن الحصرى و لن يسمح لاحد ان يراه بها، حتى و لو كان في أمس الحاجه لها...
اغلق صنبور المياه و خرج من المرحاض لتهاجمه رائحتها منتشره بكثره في الغرفه فأخذ نفسا عميقا و تحرك بخطوات مدروسه ليجلس على الفراش..

لحظات لا يسمع سوى صوت خطواتها بحذائها ذو الصوت الرنان حتى شعر بها تصعد على الفراش من الجانب الاخر لتصدمه فعلتها عندما وجدها تصفف خصلاته المبلله و هى تُتمتم و يبدو من صوتها انها تبتسم: عارف، انا بحب شعرك جدا..!
ثم مالت على كتفه لتلامس يدها لحيته الغير مهندمه و هى تهمس بجوار اذنه بعدما حمحمت بخجل: احم، و دقنك...

ابتعدت للخلف و هى تحمل المنشفه لتُزيل قطرات الماء الملامسه لعنقه ثم تمسد كتفه بدلال تغويه بنبرتها الذائبه: بصراحه كده بحبك كلك...
رفع يده ممسكا يدها موفقا حركتها على كتفه و جذبها لتسقط على ظهره و تستند برأسها على كتفه و استدار بنصف وجهه لها يمنعها العبث به بحده ضاغطا على حروف كلماته: مش لايق عليكِ دور الحب السخيف ده، فا وفرى على نفسك محاولات فاشله علشان بدأتِ تجيبى اخرك معايا..

ثم دفع يدها و لكنها لم تتركه بل رفعت يدها لتحاوط عنقه و طبعت قبله على جانب وجهه المواجه لها و تمتمت و هى لا تعير غضبه و سخريته اى اهتمام: حبى ليك مش سخافه و محاولاتى انا متأكده انها مش فاشله و الدليل، ...
اخفضت يدها عن عنقه لتسير بها على صدره حتى وضعتها على موضع قلبه و هو تستند بوجنتها على وجنته لتُردف بابتسامه تطمئنها و تفضح نكرانه: ان كل مره قلبك بيقول عكس اللى انت بتقوله..

اخذ نفس حانقا مبتعدا عنها، نهض وافقا و انفاسه تضطرب رافعا يده يمسح جانب فمه بحركته المعتاده و هتف بحده: اخرجى.
لم تنهض عن الفراش بل تمددت فوقه تتحداه: لأ..
صمت لحظات ثم جلس على الفراش مجددا و اعتدل متمددا عليه شاعرا بحركتها بجواره و لكنه لم يأبه و وضع يده على عينيه و هو يجز اسنانه بغضب ليس منها بقدر نفسه التى تسعد بوجودها..

اعتدلت هى مستنده على مرفقها و نظرت لوجهه، ابتسامتها تختفى ليحل محلها نظرات حزن دفين و وجع مضنى...
قلبها يؤلمها، بشده و لا تستطيع مداوته..!
عقلها حائر مشتت، و لا تستطيع منحه الطمأنينه..!
قربه البعيد و بعده القريب ارهقها، بالفعل اتخذ اكثر الاساليب وجعا ليعاقبها..
و كما قال اكرم الجزاء من جنس العمل و بالفعل جزاءها كان قاسى، قاسى جدا..

راقبت هدوء انفاسه و سكونه المتجاهل لها و اتسعت شفتاها بشبح ابتسامه صاحبها تساقط دموعها، و للحظه هاجمتها رغبه عارمه و اصرار كبير لا تدرى مصدره لتتحدث...
تحدثه عن جنه!
جنه التى دفنها الماضى لتتحول لمسخ سخيف لا يفهمه احد،
جنه التى اختفت روحها بين طيات الطفوله التى حُرمت منها.

اعتدلت جالسه و امتدت يدها لتحتضن كفه بين يديها و بدأت تسرد نفسها و هى تداعب اصابعه الخشنه: كنت صغيره على انى افهم كلام بابا عن حبه لماما، كان دايما يحكى ليا و انا اسمعه و مش مستوعبه ازاى تكون غايبه عننا و هو ما زال متعلق بيها، انا حبيت ماما من كلامه عنها، كان قالى في مره جمله عمرى ما انساها ابدا، قالى احذرى انك تدورى في روايه عن بطل يناسبك، لأ، احرصى ان حياتك تبقى روايه و انتِ البطله و حاولى تكسبى قلب بطل روايتك ،.

اختنق صوتها قليلا و هى تتذكر جلوسها بحضن ابيها وقتها و يزداد انهمار دموعها و اردفت تخبره عما يسكن عقلها، قلبها و كينونتها: مكنتش فاهمه قصده و لما سألته قالى لما تكبرى هفهمك، خفت انسى او هو ينسى فكتبت الجمله دى في دفتر مذكراتى و بقيت كل يوم اقرأها و انا مش فهماها و بحلم باليوم اللى هكبر فيه علشان بابا يفهمنى، بس بابا...

شددت قبضتها على يده و صمتت و دموعها تتحدث و لكن هو ظل على وضعه و كأنها لا تحادثه، نظرت اليه و ابتسمت بخيبه أمل و دموعها تزداد و اردفت و صوتها يختنق اكثر: بابا مات، كانت اول مره احس يعنى ايه وجع، اول مره افهم يعنى ايه خساره، اول مره اعيش الخوف اللى استمر معايا لحد النهارده...

تركت يده فلم تجد بها ما نشدته، و ضمت يديها معا و وضعتها على قلبها تغلق عينها و شريط حياتها بالكامل يمر أمامها و اكملت: كان كل كلامه و نصايحه معايا، منستش اى حاجه قالى عليها، و لا اى وعد وعدنى بيه و كنت كل يوم اقرأ جملته دى، و اسال نفسى مين هيفهمنى قصده، لحد ما كوثر هانم و فرت عليا تفكيرى و اسئلتى و قطعت دفترى...

لم يكن بنائم و مع كلماتها ازداد غضبه فازاح يده عن عينه و لكنها لم تراه فما زالت عيناها مغلقه و الاسوء انها تاهت في ضباب الماضى، بدأ قلبها ينبض بعنف و هى تتذكر صفعات كوثر المتتاليه لها، تتذكر حلمها بالنجاح التى القت به كوثر عرض الحائط، تتذكر كل يوم كانت تسرق احدى كتب بنات كوثر لتحاول قراءه ما بها، تتذكر كل مره احتضنت وسادتها كأنها تحتضن ابيها...

انتفض جسدها و كأن جروح الماضى عادت لتُنبّش بها، كأن كل ألم ما زال حيا..
عادت للماضى تبحث به، لا تريد البكاء، لا تريد الحزن بل تريد ضحكه، فرحه و يكفى فقط ابتسامه و لكنها لم تجد!
ضغطت عينها بقوه و هى تشعر بقلبها على وشك التوقف، خوف ربما، وجع محتمل...
فبداخلها براكين ألم تنشد الثوران...
قلبها يهفو لراحه و عقلها يهفو لهدوء..
و لكن روحها في حرب ارهقتها، ارهقتها كثيرا..

تنهدت بعمق مبتلعه غصه قلبها و فتحت عينها لتُفاجئ به جالسا امامها، عيناه رغم عتمتها شعرت بها تحاوطتها، حصونه رغم تهدمها مازالت تحميها...
حاولت ايقاف دموعها و الابتعاد لم تستطع، خرجت منها شهقه جاهدت لكتمها لم تستطع، و كأنما انفرط حَب عقدها،
انتفض جسدها بقوه مع تعالى شهقاتها لتُلقى بنفسها بين ذراعيه و بدون تفكير منه ضمها بقوه،
ضمه أعلنت ان العشق لا يعرف كبرياء، و ان العقل يتوه غالبا في طريق العشاق..

شدد من ضمه لها و هى فقط تتمسك به بقوه، كان حضن مفعم بمشاعر كلاهما...
لحظه كهذه لم تمر عليهم من قبل...
لم يحدث ان صرحت هى عن مخاوفها و هو استمع،
لم يفهم لمره واحده منها ماذا عانت من ماضيها،
اجل يعلمه و لكنه يعلم القشور و لكن لا يعلم دواخلها المتعبه و ربما المحطمه...
حديثها، خوفها، كلامها، اخبره انه لم يعرف جنه...
هو أحب جنه حرمه المصون لكنه لم يعرف جنه ماجد الالفى...

نشد قوه، اصرار و ثقه جنه حرم النقيب عاصم الحصرى و لكنه لم يفكر في معرفه ضعف، عجز و خوف جنه ماجد الالفى...
اما هى فكانت تفرغ مكنونات قلبها على صدره و اخذت تضرب ظهره عده مرات متلاحقه و يزداد نحيبها و لاول مره...

لأول مره منذ وطئت قدمها هذا المنزل تشعر بمثل هذا الأمان، لأول مره تخبره اسباب خوفها و اول مره يسمعها بدون غضب، مواعظ و تجريدها بضعفها، لأول مره يحتوى خوفها ببثها القوه لا بفرض قوته، لأول مره لا ترى غضبه و لكن يحتويها بحنانه...

و يا ليته فعلها من قبل، يا ليته كان لها المهرب ربما لما هربت منه، ليته كان لها مطمئن ربما لما ابتعدت عنك، ليته كان لها داعم ربما لما خافت من خساره قوته، ليته استخدم قوته لتحتوى ضعفها ربما كان اختفى ضعفها و اكتسبت قوته..
ليته لم يُخبأها بل علمها كيف تواجه لربما شعرت وقتها انها على قيد الحياه..
يا ليت ما مر بها معه من قبل ما كان...!
اخفض يده بهدوء عن ظهرها و هو يكاد يصفع نفسه غضبا...

ضعفه امام حزنها يغضبه، استسلامه امام دموعها يغضبه،
ان يُحال لذلك العاشق امام نظراتها يفقده عقله...
دفعها عنه و نهض عن الفراش ليقف امام زجاج النافذه عاقدا ذراعيه امام صدره مغمغما بخفوت و هو يتذكر ما كان يقوله فارس له من قبل: لو باب الماضى فضل مفتوح باب المستقبل مش هيتفتح ابدا و اللى عايز يتقدم خطوه مينفعش يقف او يرجع تانى لانه هيفضل محلك سر...

نهضت هى الاخرى و هى تزيل دموعها لتقترب منه بلهفه و وضعت يدها على كتفه و هتفت بحماس و هى تستعد لفتح صفحه جديده معه: معاك حق اكيد، بس افهم من كده انك هتقفل الصفحه اللى فاتت من حياتنا و نبدأ من جديد؟!

صمت قليلا و هى تكاد تحترق لهفه لاجابته و كم تتمنى ان تكون نعم و لكنه اعطاها اجابه اخرى تماما عندما تمتم بسخريه: احنا علاقتنا شبه بيت قائم على عمودين، انتِ و انا، و مفيش و لا مره في علاقتنا استقام العمودين و لا يمكن هيستقيموا، زوجه اهانت جوزها، جرحت كبريائه، هى حلاله بس حرمت نفسها عليه، ناسيه كل مسئولياتها و عايشه على هامش ماضى مات و اندفن، زوجه قتلت العلاقه اللى جمعتها بجوزها..

انهى كلماته بقوه و هى يهتف باستنكار: في زوجه كده؟! اصلا في ست حد يقبلها كده؟! صفحه ايه اللى بتتكلمى عليها بقى؟
ثم اشاح بيده: انسى...
وضعت يدها على فمها لتكتم بكائها و هى تبتسم و كلماته تذيب البقيه الباقيه من روحها، اغلقت عينها قليلا و وضعت يدها الاخرى على قلبها تحاول تهدئه وجعه و لكنها لم تتحمل فغمغمت بصوت شبه مسموع: كلامك كله صح، ،.

فتحت عينها و رفعت رأسها تطالع كل ملامح وجهه و اتسعت ابتسامتها مع انهمار دموعها لتردف: لكن طالما انت مقتنع ان العمودين لا يمكن هيستقيموا، مُصر تحافظ على البيت ليه؟

لم يصلها منه اجابه سوى قبضته التى احكمها بقوه و صوت اصطكاك اسنانه ببعضها البعض يكاد يصلها فأمسكت يده و رفعتها لتضعها على عنقها التى يزينه سلسال الفضه الذى اهداها اياه و اضافت و قد نفذت كل محاولاتها: محدش قالى صراحه انه منك، بس شغفك و نظره عينك بلهفه يومها انى اقبله و فرحتك لما قبلته اكدت ليا انها هديتك انت، من يومها فضلت في رقبتى و رغم بعدى عنك كنت بحس انك معايا، كنت بحس انك بتحضنى بيها...!

صمتت تاخذ انفاسها ثم تركت يده على عنقها و بكت هاتفه و صوتها يتهدج و اكتافها تتهدل: انا تعبت يا عاصم، تعبت مش قادره اتحمل اكتر من كده...
بدأ يُحرك يده عن عنقها و قلبه يدق بعنف شديد ولكنها رفعت يدها مسرعه لتُمسك بيده لتضعها مجددا على عنقها و هتفت بضياع روحها المرهقه تخشى ان يفعل ما تقوله: اقطعها، اخلعها من رقبتى، انهى اخر رابط بين عاصم و جنته..!

هم بسحب يده و لكن هى لم تسمح له و هى تصيح بانهيار: انهى كل حاجه بقى، كنت عاوز تعاقبنى و نجحت، و الله العظيم نجحت، انا تعبت من روحى اللى انت معلقها بين حبك و كرهك، تعبت من اهمالك و اهتمامك، خلاص تعبت...
ابتلعت شهقاتها و هى تبتلع ريقها ببطء لتضغط يده على عنقها و تهتف آمره: النهارده، يا ابقى حرم النقيب عاصم الحصرى، يا ابقى جنه بنت ماجد الالفى، النهارده هتحدد يا هموت، يا هعيش يا عاصم...!

و بحركه خاطفه سحب يده متملكا خصرها ليجذبها لصدره بقوه ضاغطا جسدها لجسده بعنف و انفاسه تتصارع لتخرج و هو يصيح بقوه امام وجهها: مش واحده ست اللى تمشى كلامها على عاصم الحصرى، و انا..

قطعت كلماته و هى تضع شفتيها على خاصته مقربه نفسها منه اكثر لتبتلع باقى كلماته بضعف لذيذ و قوه الذ دون ان تمنحه فرصه لاستيعاب ما تفعل، رفعت يدا لتضعها على عنقه مداعبه خصلاته ضاغطه رأسه اليها اكثر، و اليد الاخرى على كتفه تتمسك بملابسه بقوه كأنها تعاقبه..
كاد يجن او ربما فعل و هو يتوه معها في عالم اخر و نسى كلا منهما او ربما تناسا ما يصير، ما صار و ما سيصير بينهما..!

لحظات كانت كعصا سحريه القت بتعويذه ما عليهما، لحظات بدأتها هى ليلتقط هو طرف الخيط ليُكملها..
.
لحظات اثبتت ان مهما يحدث و كيفما يحدث فعندما يعشق القلب فعليه الرحمه...

انا زهقت وخلاص هولع في المحامى ده، اتصرف اعمل حاجه، قولى اتصرف ازاى؟
صرخت بها نجلاء في الهاتف بعدما نفذت كل محاولاتها مع المحامى الذى اوصاه اكرم بتضليلها..
اجابها عزت بهدوء كعادته دائما: بلاش تهور و اعقلى علشان متوديش نفسك في داهيه، ايه حصل تانى؟
تنهدت بضيق و هى تجلس على المقعد خلفها و تتمتم بشماته: حاضر، هحكيلك بس قولى الاول اخبار القضيه ايه؟ ابويا اتحكم عليه؟!

نهض عزت واقفا امام نافذه غرفه مكتبه و بيده الغوليون الخاص به يستنشق دخانه بهدوء و اجاب: والدك مش هيتسجن لان مفيش اى دليل ضده، يعنى لا السلاح بتاعه و لا حتى في حاجه تثبت ان هو اللى حرض عطوه..
نهضت نجلاء بغضب و هى تصرخ به: افندم! يعنى ايه اللى انت بتقوله ده؟!
ابتسم باتزان و هو يتخيل مظهرها الغاضب الان و اردف: يعنى انا كل غرضى اننا نعمل تمويه للعيله و نضرب عصفورين بحجر واحد...!

سكنت قليلا و وضعت يدها اسفل ذقنها و تسائلت بتعجب: مش فاهمه.!
سار بخطوات بطيئه حول مكتبه و هو يجيبها: اعتراف عطوه على ابوكِ هيخلى العيل تقع في بعض زى ما انتِ عايزه، و براءه ابوكِ هتخلى الواد عطوه متهم بدل جريمه واحده جريمتين فنخلص منه خالص، فهمتِ حاجه.؟
تنهدت و صمتت قليلا ثم تسائلت مجددا: بس ممكن الواد ده يعترف عليك!

ضحك عزت باستهزاء و غمغم بثقه: مش هيقدر، لانه عارف لو عملها انا ببساطه هبرأ نفسى و بعدها المقابل هيبقى رقبته، لان كمان يا نوجه مفيش دليل ضدى، من الاخر كله كلام، و النيابه و المحكمه بتحتاج ادله و براهين و الاهم شهود، و ياحراام الثلاثه مش موجودين..
هدأت نجلاء تماما و ابتسمت بانتصار و هتفت بفرحه: كل يوم بتثبت ليا انك راجل يُعتمد عليه..

رفع جانب فمه بسخريه ليُجيبها بتعالى: انتِ لو مش متأكده يا حياتى مكنتيش اعتمدتِ عليا في كل مصايبك طول الثلاثين سنه اللى فاتوا..
ضحكت بصوت عالى لتردف بعدها بجديه: حيث كده في مصيبه كمان محتاجه لك فيها...
جلس على كرسيه مستندا على المكتب امامه لينصت بتركيز قائلا باختصار: هاتِ اللى عندك!

بدأت بسرد الوضع الذى وضعها فيه اكرم مأخرا و ما يفعله المحامى معها و مازالت لا تستطيع معرفه اين تضع اقدامها، صمت قليلا ثم همهم بتفكير: امممم، المحامى ده انتِ اللى وكلتيه بالمهمه دى؟
عقدت حاجبيها متسائله ثم نفت بتعجب: لا، دا محامى بابا، بتسأل ليه؟

و كعادته دائما في حديثه معها يتأكد انها مجرد حمقاء فرفع جانب فمه مجددا هاتفا بنفاذ صبر: علشان انتِ عندك خلل في تفكيرك بجد، انتِ ازاى مفهمتيش اللى بيحصل كل الفتره دى؟
ابتلعت ريقها بضيق و همست بتزمر: ليه بتقول كده؟
نقر بيده على سطح المكتب عده مرات مغمغا بشرود: دا كله اشتغاله يا نوجه و انتِ يا جميله صدقتِ، انتِ قولتِ ليا ان اللى اسمه اكرم ده اللى بلغك بالخبر عن والدك؟

حكت جانب عنقها بعدم استيعاب و هتفت موافقه: ايوه هو...
صمت عزت قليلا ثم اردف بثقه سياده اللواء: يبقى قاصد يشتتك، الواد ده اكيد عارف حاجه عنك، على العموم متقلقيش انا هبعتلك محامى يفهمك الوضع يمكن يكون عادى و احنا اللى كبرناه شويه...
توترت عينها و اضطرب قلبها قليلا: بعد اللى انت قولته ده و بتقولى متقلقيش؟

و كعادتها ايضا كلما شعرت بأنها على حافه السقوط تضطرب و هو له الدور بتهدئتها: اهدي، انا قولت متقلقيش يبقى متقلقيش و كل حاجه هتبقى تمام، دى مش اول و لا اخر مصيبه يا نوجه..
اومات على الجانب الاخر بقلق ثم هدأت و وافقته: ماشى يا عزت، هستنى المحامى متتأخرش عليا...
اغلقت الهاتف و عقلها يتلاعب بها هل من المحتمل ان تسقط، بالتأكيد لا...

فما دامت في حمايه سياده اللواء عزت فتح الله لن يصيبها مكروه، و كما قتلت من قبل تستطيع فعلها مجددا ان حاول احدهم الايقاع بها...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة