قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل السابع والثلاثون

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل السابع والثلاثون

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل السابع والثلاثون

يقطع الممر ذهابا و ايابا و عينه تنبض بالقلق الشديد، مظهرها و هى تتلوى الما بين يديه يجعل عقله يجن، مرت قرابه النصف ساعه و هى مازالت في الداخل لا يعلم عنها شيئا..
كل ما حدث هو المسئول عنه، ارهق نفسه و ارهقها معه...
هى لم تمنحه سوى السعاده و الراحه و لكن هو لم يمنحها سوى الالم، الغدر و الخيانه..
و الان هى في المشفى بسببه...

خرجت الطبيبه ريم من الغرفه و هى تنزع قفازاتها الطبيه و تنظر اليه بضيق و وجهها يبدو عليه التوتر، ركض اليها مسرعا و سألها بلهفه: خير يا دكتوره، هبه مالها؟!
ظلت تحدق به قليلا دون اجابه، فازداد قلقه فعاد سؤاله مجددا بنبره اكثر خوفا و لهفه: يا دكتوره ارجوكِ طمنينى، هبه عامله ايه؟!

اخذت نفسا طويلا و تحول ضيقها لشفقه شملته من اعلى رأسه لأخمص قدمه ثم اجابته بعمليه: هبه حاليا كويسه و ان شاء الله هتبقى تمام بس محتاجه راحه تامه الفتره اللى جايه، بس...
و صمتت و اشاحت بوجهها عنه بتوتر لا تدرى كيف تخبره، امال رأسه باتجاه رأسها لينظر اليها بتفحص و وصل به القلق حد الجنون فهتف بصوت عالى: هتفضلى ساكته كده كتير، ردى عليا هبه مالها؟

تحرك بسرعه باتجاه غرفه هبه و لكن ريم استدارت له مسرعه و هتفت بمحاوله لايقافه: استاذ معتز، ارجوك بلاش تدخل ليها دلوقت..!
استدار لها بغضب و صاح: ليه؟ هبه فيها ايه؟
اخذت نفسا عميقا و اكملت بهدوء: صدقنى هبه كويسه جدا بس، بس، للاسف فقدنا الجنين..!
و كانت كلماتها كالصاعقه، تسمر مكانه دون حركه، دون كلمه، فقط عيناه تتطلع اليها بعدم تصديق و تمتم: جنين!

حرك رأسه يمينا و يسارا كانه يحاول الاستيعاب و غمغم بتساؤل و لو اخبره احد انه سيتمنى نفى خبر كهذا يوما ما لكان قتله: هى هبه كانت حامل؟
همت ريم بالرد و عيناها تشفق على هيئته المتهالكه خارجيا و داخليا، و لكنه لم يمنحها الفرصه عندما رفع يده و وضعها على رأسه و اردف بشرود متألم: هبه كانت حامل بابنى؟!

عقدت ريم حاجبيها و لا تدرى ماذا تفعل اتخبره ان هذا منذ زمن و هبه لم تخبره، ام تصمت و تترك لهبه تلك الخطوه؟!
حمحمت ريم و حاولت تهدئته: استاذ معتز..
نظر اليها بغضب عاصف و هو يصرخ بصوت جعل كل من حوله ينظر له: انتِ اكيد غلطانه، انا مراتى مكنتش حامل، اكيد في حاجه غلط...
هدأ صوته قليلا و هو يضع يديه على وجهه يمسح عليه بوجع: مش معقول اخسره، اكيد في حاجه غلط، اكيد، مينفعش اخسره، انا كنت بتمناه..

اضطربت ريم و لم تدرى كيف التصرف و قبل كلمه اخرى كانت الممرضه تخرج من غرفه هبه فاندفع هو للداخل و هنا منعت ريم الممرضه من الدخول مجددا و اغلقت الباب عقب دخوله..
توقف خلف الباب، عينه عليها و هى في ذلك الزى الاخضر الخاص بالمشفى، وجهها المرهق و الذى توجهه لنافذه الغرفه، تلك الابره الموصله بيدها،
حاول التقدم لم يستطع، حاول التحدث لم يستطع، و دون ان يدرى متى و كيف وجد دموعه تنساب و قلبه يكاد يتوقف..

بما يصف شعوره الان، فالحلم الذى طالما تمناه بمجرد ان لامست قلبه قُتل،
كم تمنى ان يرزقه الله بطفل منها، و تحققت امنيته و لكنها سُلبت من بين يديه قبل ان يلامسها حتى، وضع يده على صدره شاعرا باختناق قاسى و نفسه تلومه اشد اللوم...
استند على الباب و قدمه لا تحمله لتخرج منه اه خافته تدل على ما يحمله قلبه من وجع، استدارت على اثرها هبه و يا ليتها لم تفعل فعينها كانت تواجهه بأسهم متهمه و دموعها تغرق وجهها..

بمجرد ان تلاقت عينهما هى باتهام متعب و هو بندم صارخ و لكن لا يفيد الندم بعدما سقط حد السيف على الرأس...
ابتلع ريقه و تقدم اليها بخطوات متردده مضطربه حتى سقط جالسا بجوارها و امتدت يده ليُمسك يدها و لكنها سحبت يدها و لم تمنحه الفرصه، فضم قبضه يده و جاهد ليُخرج صوته و تحدث بضياع: هبه، انتِ، انتِ كنتِ، اناا..
اغلق عينه و هتف بألم: اتحرمنا منه يا هبه..!

رفعت يدها الحره لتضعها على فمها تكتم بكاءها و لكنها لم تستطع فانتحبت بضعف و هى تضع يدها على بطنها موضع جنينها لتضغط عليه بقوتها الضعيفه الان، فتح عينه ليراها هكذا فانخفض محتضنا اياها دافنا وجهه في عنقها ليكتم كلا منهما شهقاته بحضن الاخر...
اختنق صوتها و هو تغمغم بكلمه واحده جعلته يتجمد و كان دمائه سُحبت منه: انت السبب.

اتسعت عينه بقوه و هو يبتعد عنها محدقا بها ليرى كل عشقه بعينها يختفى ليحل محله غضب و اتهام و هى تردد بقوه مشيره اليه: انت السبب..!
اهتزت حدقه عينه بدهشه و هى يغمغم بتيه: انا!
زمت شفتيها و اشاحت بوجهها عنه قائله بحسم: انا عاوزه امشى من هنا..
انتبه على كلمتها ليقول بتشتت: بس انتِ...
قاطعته بجديه و لم تسمح لعينها بالنظر اليه: انا كويسه و عاوزه ارجع البيت..

و بالفعل ما هى الا ساعتين و كانت بغرفتهما بمنزلهم بعدما اعطته الطبيبه الادويه الضروريه لها و اعطته التعليمات اللازمه حتى تسترد عافيتها تماما..
دلف عليها ليجدها جالسه تتوسط الفراش و عينها هائمه في بحر من الدموع يضاهى بحر عينها الهادر بأمواجه تنظر لنقطه وهميه على الفراش امامها،.

لا يدرى لما و ما ذنبه و لكنه يشعر انها محقه فيما قالت، يشعر بالفعل انه السبب فيما صار لها، ما فعله هو اذاها و بشده، فبات يشعر انه مدين لها بالكثير، و اهمه اعتذار، بل توسل للمسامحه...!.
اقترب منها و جلس على طرف الفراش امامها و حمحم متحدثا بارتباك لا يدرى مصدره: تحبى اكلم والدتك دلوقت و لا استنى للصبح...؟!
لم تحرك ساكنا بل تحدثت بهدوء و هى كما هى جالسه تُشيح بوجهها عنه: انا مش عاوزه حد يعرف حاجه.

ابتلعت غصه قلبها و اردفت و هى تغلق عينها بحسره: انا كده كده خسرته و مش محتاجه حد يواسينى.
شعر بنفسه يكاد يصرخ ألما: بس انتِ تعبانه و محتاجه، ،
رفعت نظرها اليه لتقاطعه بهدوءها المنافى تماما لحديث عينها الصاخب و صراخ قلبها المتألم: انا تعبانه من زمان يا معتز، و كالعاده انا هعرف اهتم بنفسى.
شعر بكلماتها نصال اتهام اخرى تنغرز بقلبه لتزيد المه: انا...

قاطعته مجددا و هى تتدثر بالغطاء حتى اخفت جسدها كله عدا وجهها تنهى وجوده بالغرفه معها: انا عاوزه انام...
تعجب موقفها، ذلك الطفل ابنه مثلما هو ابنها،
لما تعاملت مع الامر كأنها كانت تتوقعه؟!
لما لم تظهر صدمتها مثلما صُدم هو؟!
لما و لما و لكن ربما لا جواب لديها الان..

تحرك ببطء باتجاه الفراش ليُخرج دواءه من الكومود خلفها فلولا انه كان بالمشفى و اسعفوه معها ربما لما تحمل الالم الذى كاد يفتك به، عاد ادراجه باتجاه الخارج و اغلق الباب بهدوء خلفه تاركا اياها تدفن وجهها بالوساده اسفلها لتنهمر دموعها سريعا و هى تحتضن نفسها و تغمغم بروح مكلوله: كل حاجه انتهت يا معتز، دى كانت نهايه السطر خلاص.

انتهت حنين من عملها بالمطبخ و اثناء اتجاهها لغرفتها جذب انتباهها تلك الغرفه التى تقبع خلف الدرج و التى لم تراها و دائما ما كان فارس يخبرها انها خاصه بمازن لا يدخلها احد مما يثير فضولها و لاول مره تجد بابها مفتوح مما دفعها للتقدم بفضول كبير لتراها..

رفعت طرف عبائتها و لملمت خصلاتها على شكل كعكه شاكره القدر بأن مازن ليس هنا لتروى فضولها سريعا قبل عودته، دفعت الباب بهدوء و دلفت ثم استدارت لتنظر للخارج يمينا و يسارا تتاكد من ان احد لم يراها ثم اغلقت الباب بهدوء شديد و تقدمت للداخل ببطء كأنها تنوى سرقه شئ ما...

وجدت نفسها بغرفه واسعه بها مكتب، عده لوحات هنا و هناك، اوراق بيضاء منتشره على ارضيه الغرفه، الوان عده مرتبه على رف جانبي، لوحات غير مكتمله، حائط الغرفه الملطخ بألوان مائيه مختلفه، بالاضافه لغرفه اخرى مجاوره بابها مغلق و من فرط حماسها لم تتكبد عناء رؤيتها...

ابتسمت بسعاده فكم اشتاقت للرسم، اشتاقت للعبث بالالوان، للخيال التى تجسده على الورق ليمنحها امل بتحقيقه، اقتربت بشغف من الالوان تتفحصها بأنواعها المختلفه و الجميل انها كانت تختبرها على يدها حتى جعلتها اشبه بلوحه فنيه و عينها تلمع بحماسها و قلبها يعود ليهفو فرحا..

جلست ارضا جاذبه لوحه بيضاء و الالوان معها و دون درايه منها بدأت تُحرك يدها على الورق بنسيابيه و كعادتها دائما بعثرت شعرها ليتساقط على ظهرها و وجهها لتتصاعد ضحكتها بفرحه مفرطه، .

كان مازن بالغرفه المجاوره ينهى تلك الاوراق و التصاميم التى احضرها من الشركه قبل قليل، لم يعلم احد بقدومه و ذلك افضل فوالدته و حياه لن يتركوه حتى ياكل و يستريح قليلا ثم اخيرا يمنحوه فرصه للعمل و ربما لا يمنحوه اياه ايضا فكان الحل الافضل أن يدخل سرا...

ابتسم ابتسامه جانبيه و لكنه سرعان ما عقد حاجبيه متألما و صداع رأسه يزداد حتى اصبح لا يُحتمل، تذكر اقراص المسكن الذى يحتفظ بها في درج مكتبه بالخارج، فنهض ليحضرها و فتح الباب ليتسمر مكانه دون حركه و هو يرى تلك اللوحه التى ترسمها و لكن هى نفسها بهيئتها الشغوفه تلك كانت لوحه اكثر جمالا و فتنه..!

قدمها اسفلها و هى منكبه على اللوحه امامها، خصلاتها التى تشعثت قليلا بسوادها الآخاذ و التى تدفعها للخلف حتى تلطخت بألوان يدها بالاضافه لوجهها الذى اصبح لوحه من جهه اخرى، استند على الباب عاقدا ذراعيه امام صدره يتابعها و هى تحرك يدها لاعلى و لاسفل و تلطخ وجهها، عبائتها، خصلاتها الجامحه و بالطبع يديها و الرائع في الامر تلك الضحكه التى لا تفارق وجهها بل تزداد كلما اكلمت جزء في لوحتها، التى لا يدرى ما هى و لكن يبدو انها مُتقَنه...

و بلهفه اخرج هاتفه من جيب بنطاله و بخفه اخذ لها صوره خلسه ليستمر بعدها بمراقبتها حتى ابتعدت هى عن اللوحه و عينه معها مع ابتسامه تزين وجهه، نهضت و هى تتطلع للوحتها و ابتسامتها تتسع بينما هو يتطلع اليها هى..!
رفعت يديها تلملم خصلاتها مجددا بعدما تلونت اطرافها لتضع الوان على جانب وجهها و عنقها و لكنها لم تأبه، و هو يتابع حركه يدها باستمتاع...

استدارت لتضع الالوان محلها و لكنها عوضا عن ذلك اسقطتها ارضا و هى تصرخ بفزع عندما رأته يقف خلفها...
انتفض هو الاخر اثر صرختها فرفع يديه امام وجهها هاتفا بضحكه: خبر ابيض، اهدى، اهدى..!
اضطربت انفاسها فرفعت يدها لتضعها على قلبها و صدرها يعلو و يهبط بعنف و عقدت حاجبيها انفعالا و صاحت باعتياديتها السابقه معه: ايه يا مازن ده! خضتنى..؟

و سرعان ما ادركت ما قالته كما ادركه هو على الفور - فلاول مره تنطق اسمه مجردا - فاهتزت عينها و اشاحت بوجهها هامسه بخفوت محاوله منها لاصلاح ما قالت: انا اسفه، اقصد يا بشمهندس، انا، ز.

قاطعها بمرحه المعتاد محاولا اخراجها من ارتباكها و حمره الخجل التى زينت وجنتيها و التى استطاع تميزيها بوضوح رغم تلطخ وجهها فصاح و هو يتحرك حولها بنبره مشاكسه: انا ممكن اقدم بلاغ و اتهمك فيه بالتعدى على املاك الغير يا دكتوره..
رفعت راسها اليه بدهشه عاقده حاجبيها بتسائل و غمغمت باستنكار: بلاغ و تعدى!
رفع احدى حاجبيه و حرك راسه لاسفل بمعنى اجل.

فازداد ارتباكها و انعقاد حاجبيها و هى تهمس بتوتر و تشير لنفسها: انا، ليه؟
اقترب منها خطوه مشيرا اليها باصبعه مردفا بنبره مشاغبه يعدد اخطائها: دخلتِ مخبئى السرى بخفه ممتازه، ،
اتسعت عينها بادراك لتنظر حولها مستوعبه الوضع فلقد اخبرها فارس عده مرات كلما اتت لهنا ان مازن لا يقبل ابدا بأن يدخل احد هنا حتى عائلته اى كان السبب...
ازداد اضطرابها و عضت على شفتيها خجلا و تمتمت و هى تتطلع للارض: انا اسفه..

قاطعها مره اخرى مقتربا منها صائحاا بنبره مرحه و لكنها متلاعبه و بصوت به ضعف مصطنع: يفيد بإيه الاسف، افرضى كنت مخبى سلاح و لا مخدرات، كنتِ تكتشفى سرى و تفضحينى؟
ضيقت عينها و هى تنظر اليه بذهول لتردد كلماته بدهشه: مخدرات و سلاح!

تطلع لوجهها الذاهل و انفجر ضاحكا لتنتبه هى و تتمسك بطرف عبائتها و هى تراه يضع يده على بطنه و يضحك بصوت عالى و بشكل لم تراه سابقا، ظلت تتابعه باستغراب و هو فقط يضحك حتى استطاع تمالك نفسه و اعتدل محمحما و مازال وجهه يطالعها بشغب: بتصدقى الكلام بسرعه قوى...!

رفعت يدها تحك عنقها بحرج لتنتبه انها بدون حجابها و فور ادراكه لادراكها هذا حاول التصرف مسرعا فضحك مجددا و لكن ظهرت ضحكته مصطنعه و هو يهتف مراوغا: عجبك المكان!
عادت تهمس بخجل شملها كليا: انا عارفه انه مكنش ينفع ادخل خصوصا..
قاطعها و هو يستند على الحائط خلفه و بتلقائيه تحدث: مكنش ينفع ليه؟! انتِ مرا...

قطع كلمته ليشمله الارتباك هو الاخر فحاولت الانسحاب من الموقف بهدوء فهمهمت و لا تردى السبب: انت هنا من امتى؟! محدش يعرف انك جيت!
شعر برأسه يكاد ينفجر من الصداع و تذكر سبب خروجه من الغرفه الذى غاب عن فكره عندما رأها فتحرك باتجاه المكتب ليُخرج منه اقراص مسكن مجيبا اياها: بقالى ساعه تقريبا كان عندى شويه شغل لازم اخلصهم و ماما بتكره الشغل في البيت فقولت اخلصهم الاول..

راقبته هى و عندما وجدت ذلك المسكن بيده تقدمت منه و امسكته من بين يديه لتتسائل و طبيعه عملها تسيطر عليها: لايه ده؟
وضع يده على انفه ليشعر بشئ لزج يسيل ليغرق يده ليهتف بحنق: تااانى!

سمعته هى لترفع رأسها اليه بعدما كانت تقرأ النشره الطبيه للدواء لتشهق بذعر عندما رأت الدماء تسيل من انفه فاقتربت منه مسرعه لتجذب عده مناديل و رقيه امسكت يده لتبعدها عن انفه فحاول الحركه و لكنها هتفت و هى تكتم الدماء: متتحركش لو سمحت...
ابتعد عن مرمى يدها و هو يرفع رأسه لاعلى متمتما بعدم اهتمام: انا متعود على كده يا دكتوره مفيش حاجه..!

و عندما فعل ذلك القت هى المناديل لتضع يد خلف عنقه و يد اخرى على جبينه لتجعل رأسه مائله للامام و هى تصيح بغضب: تعرف تثبت مينفعش ترجع رأسك ورا كده..
تعجب نبرتها الآمره و الغاضبه في الوقت ذاته و سكن تماما لحركه يدها فبدأت تزيل الدماء بيد و اليد الاخرى تسند بها راسه من الخلف و هى تتسائل بقلق: يعنى ايه متعود على كده؟ الموضوع ده اتكرر اكتر من مره و لا ايه؟

حرك عينه يمينا و يسارا بعيدا عنها و اجابها بهدوء متجاهل: اه، بس عادى د...
ضغطت بالمناديل على انفه و صاحبها ضغطها على رأسه من الخلف كعقاب و هى تهتف بغضب عاصف: هو ايه ده اللى عادى، ازاى واحد متعلم زيك يتجاهل حاجه زى دى؟
رفع عينه اليها مجددا بتعجب لم يستطع اخفاؤه هذه المره لتصرخ بوجهه و هى ترمقه بغيظ و عصبيه: انت بتبصلى كده ليه؟ هو انا بقول حاجه غلط!

توقفت الدماء عن الخروج فأزاحت يدها لتُحضر مناديل اخر لتبدأ بتنظيف اسفل انفه و هى تمنحه من حين لاخر نظره حانقه، حتى انتهت فقالت بأمر: 3 دقايق هجيب جهاز الضغط من اوضه بابا محمد و هاجى..
هم بالتحدث و لكنها رفعت اصبعها بوجهه محذره: متتحركش!

اتسعت عينه بدهشه تامه بأفعالها و كلامها لدرجه دفعته للضحك المتقطع متعجبا حتى تجهم وجهه و هو يطالع الباب الذى خرجت منه و قبل ان يستوعب ما يحدث وجدها تدلف مجددا بسرعه و اقتربت منه و بعمليه وجدها ترفع ذراعه لتقيس الضغط و هى صامته و لكن وجهها يحمل كل معالم الضيق و الغضب...
حتى انتهت فصرخت به: ليه؟ ها، ليه يبقى ضغطك ١٦٠ / ١١٠؟
حملق بها كطفل صغير و هتف مداعبا: كده عالى و لا!

و لكن يبدو ان مزحته لم تأتى بنتيجه عندما قاطعته صائحه: عالى بس، دا اسمه استهتار يا بشمهندس..
بدأت تلملم ما امامها لتردف بتعليمات آمره: من النهارده مفيش شغل في البيت نهائى، البيت للراحه بس، مفيش سهر في الشركه و ضغط الشغل يتوزع على ايام، هتهتم بأكلك في مواعيد و طبعا المشروبات اللى بتوطى الضغط هنهتم بيها شويه و في ظرف يومين هنقيس الضغط مرتين يوميا و هتقوم دلوقت تكشف!

كان يستمع لكلامها و هو يعقد ذراعيه امام صدره و على وجهه ابتسامه جانبيه حتى انتهت فرفع عينه اليها متمتما و هو يرفع احدى حاجبيه: لسه في اوامر تانيه؟
نظرت اليه و زمت شفتيها لتصيح: دى مش...
قاطعها واقفا امامها مقتربا منها بمكر هامسا يُربكها: مش ايه؟
انتبهت للوضع و ما تفعل و ما تقول فهامت عينها في غضب ليس منه هذه المره و لكن من نفسها، لم تراه كفارس و لا حتى كعاصم هى كانت مع مازن، اجل غضبت منه قلقا عليه..

ولكن السؤال هنا، لماذا؟
عاد اضطراب انفاسها و خجلها يحاوطها عندما قالت معتذره: انا اسفه ان، ِ
قاطعها بابتسامه و هو يردف بنبره تلقائيه دون انتباه لما قاله: اسفه على ايه انتِ مراتى..!؟
رفعت رأسها لتتسع عينها بصدمه ليلاحظ هو الاخر ما قال ليدرك انه تجاوز للمره الثانيه حد لا يجوز له تخطيه فعقد حاجبيه و لكنها لم تمنحه الفرصه لكلمه اخرى بل اندفعت للخارج مسرعه..

سقط بجسده على المقعد مجددا و وضع يده على وجهه متمتما بترجى: لا، يارب، لا و النبى.
نهض ليدخل الغرفه مجددا و لكن فضوله برؤيه لوحتها دفعه اليها ليجذب اللوحه و عندما راها ادرك بالفعل تجاوزه لحدود ممنوع عليه التفكير بتخطيها حتى...
فلقد كانت اللوحه صوره لوجه فارس.

كانت مها بالحديقه الخارجيه للمنزل تجلس خلف تلك الشجره التى طالما جمعت سهراتها هى و عاصم، تفكر..
ماذا تفعل هى بنفسها؟
خلقها الله بعجز ما و لكن ما دخلها به؟
تحسر نفسها بنفسها في كهوف مظلمه لم تعتد عليها،
اجل تجزم ان والدتها تكرهها و يقتلها هذا،
اجل هربت من هنا لحضن والدها بالخارج و كان حانيا معها و لكن شعورها بالغربه وسط زوجته الاخرى و ابناءها يجعلها تشعر بالوحده،.

اجل ضعف اخيها وعقدته المستمره و التى اول من حرقت حرقته هو تجعل عقلها في بحور شتى من الحيره،
و لكن هى قويه، رغم كل هذا هى قويه..
استطاعت ان تحقق نجاحا كبيرا في الشركه دون مساعده، استطاعت ان تأخذ حقها عندما اعتدى عليها ذلك الرجل، استطاعت في خضم حزنها ان تبتسم بل و تضحك ايضا مثلما حدث اليوم في مكتب اكرم..
اكرم!
ذلك الرجل الذى رغم مرور الايام عليها بجواره مازالت لا تفهمه،.

لا تعرف ان كان حنونا مثلما كان معها، أم قاسيا مثلما فعل مع جنه!
لا تدرى أهو هادئا مثلما اعتادت منه، أم مجنونا مثلما فعل أمامها في المكتب!
لا تعرف ان كان حمولا مثلما كان في الصدمات دائما، ام اندفاعيا مثلما فعل معها عندما صاح بها!
لا تعرفه و ينتابها فضول كبير لمعرفته،
نظراته الغريبه التى تشلمها كلما رأها، و احساسها الغريب الذى ينتابها كلما رأته..
هدوء عينيه و دفئها، مرحه و حزمه، قلبه و عقله، هو و كفى..

السلام عليكم..
شهقت بفزع و هى تنتفض واقفه عندما وصلها صوته القوى لتستدير له و عينها متسعه بصدمه، حمحم اكرم بارتباك و غمغم بشبح ابتسامه: انا اسف خضيتك، كنت جاى اشوف عاصم و لمحتك هنا فقولت..
و صمت،
اقتربت لاراكِ فقط، اقتربت لان قدمى دون ارادتى تهفو اليكِ، ماذا اقول؟
انى اُرهقت من المراقبه خلسه،
انى متعب و قلبى ينادى عليكِ، ماذا اقول؟
انى ارغب بكِ و لكن اخاف عليكِ،
اخاف ان اسجنكِ بحبى لكِ،.

اريدك حره منطلقه و اخاف ان استغل ضعفك بقوه عشقى،
ساعدينى رجاءا فانا بحاجه اليكِ..
انتبه على حركه يديها امام عينه فحمحم مجددا ناظرا لاعلى متسائلا: عاصم في اوضته؟!
اومأت برأسها فابتسم و عاود سؤالها: و جنه فين؟
اشارت له و هو ينظر اليها تقريبا في اوضتها
اومأ مجددا و تحرك تاركا اياها متمتما بابتسامه شعرت هى بها شاحبه: طيب عن اذنك...

و دون ان تدرى السبب ابتسمت هى و للمره الثانيه تلاحظ ارتباكه امامهاا، و بعدما كانت تجلس متجهمه الوجه، نور وجهها ضحكه جميله سببها شخص واحد فقط و هو أكرم .
القى اكرم السلام على عز الجالس بغرفه الصالون و دار بينهما حوار عابر علم منه اكرم انه سيسافر للعمره غدا، اتجه بعدها لغرفه عاصم، طرق الباب بهدوء و دلف، اتجه اليه و جلس بجواره رابتا بدفء على ركبته: اخبارك يا بطل؟

اجابه عاصم بشبه ابتسامه جانبيه بنبره ساخره: انا تمام جدا..
اعتدل اكرم و بدون تحوير او اطاله اتجه للموضوع مباشره: اسمعنى بقى انا عايزك في موضوع مهم جدا و هحتاج مساعدتك..
انتبه عاصم اليه و اومأ براسه موافقا قائلا بانصات: خير؟
بدأ اكرم بسرد ما عرف مأخرا من جده عن الماضى حتى ما حدث بينه و بين الحاج امين و ارساله لنجلاء للصعيد و تضليلها بأوراق و مشاكل وهميه، و عاصم يستمع دون اى رد فعل حتى انتهى اكرم..

فتحدث عاصم بهدوء و هو يقف ليتحرك بخطوات بات يحفظها باتجاه الشرفه ليقف امامها و يضع يديه بجيب بنطاله و ليس بغريب عليه مدى واقحتها: انا عارف كل ده يا اكرم!
نهض اكرم واقفا خلفه يصيح بدهشه: كنت عارف؟
اومأ موافقا و هو يوضح: يوم ما سافرت لجنه بيت اهلك عرفت،
عقد اكرم ذراعيه امام صدره متمتا بتسائل: و ليه مقولتش، و ليه مواجهتهاش بالحقيقه؟

اخذ عاصم نفسا عميقا و هتف بقوه: لان لسه كتير متكشفش، الحقيقه يوم ما هتظهر هتظهر كامله و قدام الكل!
وافقه اكرم: معاك حق، بس حاليا انا محتاج مساعدتك، عمى امين هيخرج لعدم كفايه الادله و انا قلقان من رد فعله فا عاوز نتفق مع الظابط و نطول مده حبسه..
صمت عاصم قليلا ثم رفع جانب فمه مبتسما بسخط: مينفعش..
عقد اكرم حاجبيه و اعتدل ناظرا اليه بتعجب و صرحه بسؤاله: ليه لأ؟

امتلئت نبره عاصم بالغضب و تسارعت انفاسه و هو يهتف يشرح ما غاب عن اكرم معرفته: لان اللى ورا القتل لواء و عارف القانون كويس، و عارف ان جدى المفروض هيطلع منها ف لو فضل محبوس هيعرف اننا بنخطط لحاجه..
كان اكرم يستمع اليه بدهشه حتى انتهى فتسائل بتعجب: انت عرفت الكلام ده منين؟

اغلق عاصم عينه متذكرا ذلك اليوم الذى بدأه باجبار عطوه على الاعتراف و انتهى باجباره هو على العيش في هذه العتمه الجبريه و اجابه: انا عارف ان جدى برئ، بس دى كانت قرصه ودن علشان يعرف ان الظلم حرام و بيوجع، يوم الحادثه انا كنت عند عطوه في السجن و اجبرته يعترف و فعلا اعترف على لواء كبير في الداخليه بس قبل ما اقدر اتصرف وقع قدر ربنا...

و صمت و لكن لم يمنحه اكرم الفرصه للحزن او الشعور بالعجز الان فقال و كأنه لم يضغط على وجع ما زال حيا: و انا مش هسألك مين اللواء و لا ناوى على ايه؟ لان اللى انت ناوى عليه انت هتعمله يا سياده النقيب..

ثم ابتسم و وضع يده على كتفه مردفا بتفاؤل: التقارير وصلت من المستشفى و في امل كبير جدا في انك ترجع تشوف تانى، و هتعمل العمليه و وقتها بايدك هتعمل كل حاجه ناوى تعملها، لما ترجع تلبس البدله الميرى و تمسك سلاحك وقتها بس تقدر تقولى و نبدأ نتحرك، و ان شاء الله عن قريب..
شعر عاصم بكلمات اكرم كماء روت ظمأه بعد طول صيام،
فهو في اختبار، و لكنه اختبار قاسى جدا.

اكمل اكرم عائدا لاصل الموضوع: طيب انا قلقان من الحاج امين على بنته..
ابتسم عاصم بسخريه هاتفا و هو يتمنى قبل الجميع ان تُقتل: متقلقش بس هو وجوده وسط اهله و كباره العيله دلوقتى مهم جدا، هيبقوا محتاجين ينظموا حساباتهم تانى..
اومأ اكرم موافقا و نظر لعاصم من اعلى لاسفل ليقوم بنبره ذات مغزى: و انت كمان محتاج تنظم حساباتك..

ادرك عاصم على الفور مغزى كلماته فصمت دون كلمه فاردف اكرم: جنه غلطت انا معاك بس صدقنى جواها وجع كبير لا انا و لا انت فاهمينه، كفايه وجع لحد كده، بلاش تتعب قلبك و قلبها، اديهم فرصه يعيشوا يا عاصم..
ظل عاصم على صمته و اكرم ايضا لم ينطق بحرف اخر حتى همس عاصم بتقرير: هنتطلق.
استدار اكرم له بصدمه و قبل ان ينطق بحرف اخر اكمل عاصم: وجعها الحقيقى هيبقى في بعدها عنى و بكده ابقى نهيت كل حاجه..

اكرم لم يكن يرغب بايضاح ذلك الان و لكنه لن يسمح بأكثر من هذا فصاح به: انت فعلا ليك حق بس مش كبير قوى زى ما انت متخيل..
استدار له ليضع يده على كتف عاصم و جعله يواجهه هاتفا بغضب الشقيق على شقيقته و الذى حان وقته على ما يبدو: انت مدين لها بأكتر ما هى مُدينه ليك..!
ضغط على كلمته بقوه و هو يقذفها بوجه عاصم: انت مدين لها باعتذار..

عقد عاصم حاجبيه و هم بالتحدث و لكن اكرم قاطعه و اردف بجمود: انا عارف انها جرحتك و كمان قصرت في واجبها كزوجه، بس كمان انت مكنتش خير زوج ليها يعنى...
ازدادت نبرته حده و هو يكمل باتهام: قولتلك قبل كده، جنه مش محتاجه قوتك عليها، مش محتاجه وقوفك قدامها، مش محتاجه تكون انت القوه و السند و الضهر اللى لو اختفى هى هتتكسر..
هدأت نبرته و هو يتمتم باستنكار: بس انت عملت ايه؟.

علت نبرته مجددا و هو يشير باصبعه اليه رغم علمه بعدم رؤيه عاصم له: اديتها كل اللى مش محتاجاه و حرمتها كل اللى احتاجته...
ضيق عينيه هاتفا بتعجب: مستنى منها ايه؟
ثم اضاف بتقرير: انت خسرتها بسببك و هى خسرتك بسبب نفسها بس صدقنى لو انهيتوا موضوعكم بالطلاق انت اللى هتخسر كتير قوى مش هى.!

تعجب اكرم هدوءه الذى لا يدرى من اين وتاه الان و فورا داهم فكره درس اخر و لكن لعاصم الان لا لجنه عندما تسائل مستشفا: انت لسه بتحبها يا عاصم؟
و كان الرد سريعا جدا عندما انقبض فكه و اشتدت قبضته و هو يهتف بحده: لأ...
ابتسم اكرم بخبث و رفع حاجبا مقررا القاء اخر الاوراق بيده: طيب تمام، كل اللي انت بتفكر فيه دلوقت ازاى توجعها، صح؟

زفر ببطء مردفا: انا هساعدك علشان توجعها وجع هيقتلها، هساعدك تاخذ حقك اللى انت مستنيه، ثوانى و رجعلك...
خرج اكرم من الغرفه تاركا عاصم يُخرج يده من جيب بنطاله ليضعها على وجهه و براكين صدره تثور..
لا احبها، انا اعشقها، اتنفسها...
الان سياده النقيب يستسلم...
دق قلبه لها و لكن بنفورها ملكته تعاسه العالم..
احبته ربما، يصدقها الان و لكن هناك شيئا ما بداخله انتهى..

قاطع افكاره يد اكرم التى امسكت بيديه الاثنيتن ليضع عده اوراق بها و هو يهتف بحزم صارم: قطعهم.
عقد عاصم حاجبيه محاولا ادراك ما بيده و لكنه صعق عندما اخبره اكرم: دى رسايل ماما لجنه و رسايل والدى لامى، قطعهم..

اخذ نفس و اردف و هو يضع لعاصم النقطه الاخيره على حروف كلماته لتصبح واضحه كفايه ليفهمها: الرسايل دى روح جنه، لو عايز توجعها فعلا، لا لا توجعها ايه بقى؟ لو عاوز تنهيها تماما قطعهم و صدقنى هتبقى اخدت حقك كامل...
اشتدت قبضته على الرسائل بيده و هو يتذكر ذلك اليوم الذى مزق به رساله والدها كيف كانت، بدأ جبينه يتعرق و هو يحاول تجاهل كل هذا...
يتجاهل تذكره الان لكل لحظه مرت بهم و هى بين يديه،.

يتذكر مشاجراتهم في بدايه ظهورها بحياته،
يتذكر يوم احتضنته خوفا،
يوم ضحكوا سويا،
يوم ركضت خلفه،
يوم غفت على صدره،
و غيرها الكثير، لحظات كثيره مرت عليهم، جمعتهم لتجمع لهم ذكريات لن يستطع ابدا الهروب منها..
يعشق الانسان دائما احساسه بشعور المظلوم، بشعور الضحيه التى اذاها الاخر و بذلك الشعور يتصرف، يتخذ القرارات، و هذا ما فعله هو...
و لكن في الواقع من ظُلم و من ظلم، هى...!
من أَلم و من تألم، هى...!

هو بنى شعوره خلف قلاع كبيره من الكبرياء، كبرياء ربما ان تنازل عنه قليلا لسارت المركب، مركب قلبه التى كانت هى له البحر و البحار.
ازداد ضغطه على الرسائل و لكن يد اكرم التى وُضعت على كتفه انتشلته من تفكيره كما حمل اكرم الرسائل من بين يديه متحدثا بصرامه ساخرا من تفكير و تصرفات كلاهما: كفايه لان انتم الاتنين زودتوها، و كفياكم نكد بقى..؟

تحرك باتجاه الكومود ليضع الرسائل و عاد ليقف امام الشرفه ليجذبه مظهر تلك الفيروزيه التى تسير ذهابا و ايابا و على وجهها ابتسامه هادئه فابتسم بالمقابل و استدار لعاصم و هتف بمرح ينافى تماما نبرته الثائره منذ لحظات او اقل: بقولك ايه يا جوز اختى..؟!

رفع عاصم احدى حاجبيبه استنكار من اللقب فابتسم اكرم و ازداد ارتباكه و هو يهتف بجديه مشبعه بمرح: عايزك في موضوع في غايه الاهميه، يعني بصراحه موضوع حياه او موت.

نتخذ الكثير من القرارات بدون تفكير و بعد حين يأتى وقت الندم ولكن هل يفيد؟!
يجلس محمود في الشرفه مرتخيا بجسده على تلك الاريكه الصغيره مغلقا لعينيه رافعا رأسه للاعلى يلفحه نسمه بارده من الهواء الذى يجعل لهيب صدره يشتعل اكثر..
رغم مرور الوقت حزنه لا يمر..
نادم، ربما، يتمنى التراجع، محتمل، لكن أيستطيع؟!، هذا هو مستحيل.

عيناها تهاجمه بفيروزيتها الساحره، و كما نظرت له بحب سابقا، واثق هو تمام الثقه انها ستحرقه بنظراتها الان..
أذاها مؤكد و لكن هو ايضا تأذى..
و الاذى الاكبر، أنها لا تُفارق خياله، سيطرت بقوه على تفكيره، تمكنت من قلبه الذى لم يعد يرى سواها..
يتسائل بعتاب ماذا فعل بها؟ و الادق ماذا فعل بنفسه؟!

هو يعرف ان مها قويه ربما تتوارى خلف اقنعه عجزها لكنه يُدرك ان بداخلها قوه تستطيع تجاوز كل شئ و مؤكد ستتجاوز غيابه...
فالواقع الان أنه هو من خسر، و يا ليته خسر شئيا هينا!
و لكنه خسرها، خسر تلك التى انارت حياته بضحكتها، جعلت لحياته معنى بوجودها،
ملئت فراغ قلبه بحبها الذى نشده منذ ان رأها و الان هى نفسها اطفئت كل جميل بحياته،
ببعده عنها..!
يعلم انه ليس خطأها و لكنه افتقدها..

افتقد ضحكاتهم العابثه، افتقد شغفه بإثاره غيظها ليرى غضبها عليه، ليسعى سريعا ل يُطيب خاطرها..
ضغط عينيه بقوه و هو يتذكر قول الشاعر
تشكو الفراق و أنت جنيته؟، و من العجائب ظالم يتظلم
فتح عينيه يطالع السماء و عيناه تشتكى لها لوعه قلب، و ندم ربما فات اوانه..
حتى شعر بيد تُوضع على كتفه فاعتدل في جلسته فجلست والدته بجواره و مسدت ظهره بدفء قائله برفق: ليه يا حبيبى بتعمل في نفسك كده؟! مش انت اللى اخترت؟!

اعتدل ليلقى برأسه على كتفها لتحتضن هى رأسه ليصلها صوته المتعب بتعب قلبه: اختيارى كسر جوايا فرحتى يا ماما.
مالت برأسها بتسائل حانى: طيب ليه؟ ليه عملت فيها و في نفسك كده؟
اغلق عينه و هو يوبخ نفسه الاف المرات ليهمس باجابه لم يعد هو مقتنع بها: كنت خايف عليها منى، خفت اوجع اخوها بيها، خفت اعاقبها على ذنب مش ذنبها..

وضعت يدها على شعره تمشطه بأصابعها و هى تعاتبه بسؤال هو نفسه يعاتب نفسه به كل ثانيه تمر عليه: و انت كده معاقبتهاش؟، ثم ربتت على وجنته: انت عاقبتها و عاقبت نفسك..!
اخرج تنهيده حاره تعبر عن اشتعال قلبه و روحه و صمت ثوانى عندما اردفت هى و حبها له يغلب على عتابها: خلاص يا قلب امك اللى حصل حصل، كفايه توجع قلبك اكتر من كده، الجواز قسمه و نصيب، و هى مش نصيبك يا حبيبى.

امسك يدها ليقربها لفمه و يقبلها بعمق هاتفا بلوعه: مش بإيدى يا امى، مش عارف اتجاوز خروجها من حياتى، مش عارف انسى انها كانت في يوم معايا و جنبى، مش قادر انسى ضحكتها.
صمتت والدته ثوانى ثم بقله حيله قالت: طيب ما تحاول معاها تانى، هى بتحبك و هتسامحك..!؟

تنهد بسخريه و اجابها بثقه في مها و مشاعرها الذى يدرك تماما انه اهانها: عمرها ما هتسامحنى يا امى، جرحى لها و لكرامتها مش هتنساه، غير ان ثقتها فيا اتكسرت خلاص، والثقه مابتتعوضش.
زفرت والدته باستسلام و احتضنت رأسه اكثر و هى تهمس بقلبها المتألم على حال ابنها: يبقى اشفى قلبك يا ابنى، حاول تنساها، انزل دور على شغل قعدتك في البيت هتتعبك اكتر.
اغلق عينه لحظات، إلا اى مدى من الممكن ان يتعب اكثر؟

قبل يدها مجددا ليوافقها رأيها: هحاول حاضر.
حاولت تغيير دفه الحوار فتسائلت: اختك عرفت؟
اخذ نفس عميق فأخته هذه هى همه الاخر و نفى قائلا: لأ، مكلمتهاش من مده...!
رفعت والدته رأسها بزفره ام اصابها الله في اولادها: و لا انا، من يوم ما عارضت قرار ابوك بالطلاق من جوزها و هو حالف عليا طلاق ما أكلمها..

اعتدل محمود و امسك برأسها مقبلا اياها مبتسما بهدوء مطمئا: متقلقيش انا هطمنك عليها، ثم زفر بغضب مردفا: هحاول اتجاوز غضبى من معتز و هفكر فيها بس، متقلقيش.
احتضنته والدته متمتمه بحزن: ربنا يطمن قلبى عليكم، انتم اللى طلعت بيكم من الدنيا، كفايه وجع وجعتوا قلبى.
ضمها اليه بقوه مقبلا اعلى رأسها و هو يغلق عينه بضعف: ربنا يبارك لينا في عمرك يا ست الكل..

و تاهت بعدها عيناه في حياته التى سكنها وجع لم يعد باستطاعته تجاوزه...
وجعه على ما صار بأخته، وجع والدته و التى سيطر والده على افعالها غصبا فطلاقها مقابل ابنتها، وجع قلبه الذى قتله بيده و يا ليته مات و لكنه جُرح جرحا لن يلتئم ابدا.
ماذا هو بفاعل، كيف يجد الطريق الذى سيمنحه السلام بالنهايه؟!

قطع تفكيره رنين هاتفه فابتعد ببطئ عن والدته ليرى المتصل ليُفاجئ انه اكرم، تنهد بخفوت و فتح الخط، القاء السلام و مرحبا ثم هتف اكرم بانفعال بسيط يعاتبه: يعنى قدمت استقالتك بدون كلام و لا تبرير، هو اللى بيجمعنا شغل بس يا سياده المحامى و لا ايه؟
ارتبك محمود مجيبا بتخبط: ابدا يا بشمهندس الموضوع ا...
قاطعه اكرم مردفا باقرار: هستناك في مكتبى بكره، الكلام مش هيبقى في التليفون يا محمود..

خنع محمود دون اى تفكير فالفرصه اُتيحت له ليرى تلك التى اشتاقها قلبه: تمام يا بشمهندس..
و اغلقا الخط و لا يدرى كلا منهما ما سيصير غدا، فقط تمنى محمود ان يرى مها و للعجب تمنى اكرم ايضا الشئ ذاته، و لكن ما نتيجه ذلك لا يدرى كلاهما...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة