قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الثامن والثلاثون

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الثامن والثلاثون

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الثامن والثلاثون

اجتمعت عائله مازن سويا استعداد للسفر بانتظار عز و ليلى و الصغيره شذى، كان هناك ضحكه سعيده تغزو وجوههم فما اجمل من شعور الذهاب لبيت الله!
ربتت نهال على كتف مازن الجالس بجوارها و اصدرت الاوامر الصارمه باسلوب الام الحانى: خد بالك من نفسك و بلاش ترهق نفسك في الشغل و اهتم بأكلك، لو رجعت لقيتك خاسس او متغير مش هعديهالك بالساهل، سامعنى؟

زم مازن شفتيه بطفوليه لينظر لوالده بابتسامه خبيثه هاتفا بمرح: خدى بالك من الحاج انتِ بس و متقلقيش عليا.
وكزته بكتفه ضاحكه و كذلك الجميع حتى نقل محمد بصره بين حنين و حياه و قال بابتسامه هادئه قاصدا ارسالهم بعيدا عنهم: ايه يا بنات مش هنشرب حاجه.
ابتسم كلاهما و نهضا للمطبخ فعاد محمد ببصره لمازن قائلا بهدوء: خد بالك من البنات يا مازن انا عارف ان الحِمل تقيل عليك بس انت راجل و قدها..

تنهد مازن بابتسامه بسيطه: حاضر يا بابا، انا هشيلهم في عنيا و ان شاء الله على رجوعكم من العمره هكون حليت كل حاجه و ترجع حياتنا لطبيعتها.
تبادل محمد و نهال النظرات فيبدو ان وقت القرار قريبا و ربما ذلك ما يبدو عليه الامر لكن الحقيقه انه مازال وقتا طويلا، و ربما طويلا جدا...
قطع حديثهم جرس الباب فنهض مازن ليفتح ليجد عز و ليلى و شذى امامه فابتسم و دعاهم للداخل...

اتجه مازن للمطبخ وجدهم يضحكون سويا فحمحم و وجه حديثه لحياه قائلا: حياه عاوزك ثوانى..!
التفتت كلتاهما له ثم استدارت حنين مجددا و اتجهت اليه حياه فمال عليها قليلا هامسا: عمى عز و الدكتوره ليلى وصلوا..
نظرت اليه بارتباك ثم نظرت لحنين و همست بتشتت: لو عرفت مش هتخرج.!
و بالمثل نظر مازن لحنين ليجدها منهمكه في تحضير المشروب البارد فغمغم: يبقى بلاش تعرفيها.

اومأت برأسها و نظر كلاهما لحنين بحزن تبعها خروج مازن و عادت حياه لحنين، جلس الجميع بعد تبادل السلام و بالطبع السؤال الاول عن حنين عندما بادر عز بقوله المتلهف: حنين فين؟! و اخبارها ايه؟
اجاب محمد بنبره معاتبه و هو يرمق عز بخيبه امل: لسه عايشه و يعتبر بخير..

ادرك عز مغزى كلامه جيدا و لكن محمد لم يتوقف عن العتاب فوقت الحدث لم يكن بقادر على التحدث حتى: انا مش فاهم ازاى تعمل حاجه زى دى؟ انت يا عز! و مع مين بنتك حنين اللى الغريب قبل القريب عارف انها بتتكسف من خيالها؟

طأطأ عز رأسه أسفا و لم يستطع الرد فبأى حق يرد فأردف محمد بحزن على تلك الصغيره التى قاست ما لا يتحمله كبار: بنتك كانت مغيبه عن الواقع تماما ما يقارب سنه بعد موت فارس، سنه يا عز بنتك رافضه ترجع لحياتها و نفسها، و بعد ما حاولت و بدأت تفوق تقوم انت تصدق فيها كده! ازاى قدرت تفكر حتى مجرد تفكير؟
رفع عز رأسه حزنا و ندما و لكن لم يعد وقته قائلا بخزى: كان غصب عنى اللى انا شفته مفيش اب يستحمله..

حرك عز رأسه بمعنى - يا خساره - و تمتم: انت عارف لو انت جوزها كان ممكن اعذرك، اسمك مش عارفها، مش عارف عاشت ازاى قبل كده و لا تصرفاتها و أفعالها ازاى...!؟

ثم هتف بنبره حاده متهمه و بالوقت ذاته مستنكره: انت ابوها يا عز، انت اللى ربتها و كبرتها، يوم عن يوم كانت بتثبتلك ان تربيتك ليها في محلها، بنت زى حنين فخر لأى أب و عزه لأى زوج، كنت دايما بتقول ولادى دول زرق ربنا ليا و خاصه حنين، كل دا غاب عن عقلك و قلبك لمجرد وضع شوفته..!

ارجع عز شعره للخلف ارتباكا و الندم يفتك به فأنهى محمد عتابه القاسى بكلماته الاكثر وجعا: انت كسرتها، في اكتر وقت كانت محتاجه لك فيه انت خذلتها، متتوقعش انها تنسى او تسامح بسهوله.
كان الحضور كأن على رأسهم الطير في ذلك الحوار فالكل مذنب، ليلى، نهال، عز، الكل شارك في كسرها، و لكن الغضب الذى تملك مازن الان تجاه عز فاق كل الندم الذى يشعر به الجميع،
لا يدرى ما سببه؟! و لا يدرى كيف يمحيه؟!

شعر برغبه عارمه في اخفاء حنين عنهم، طمأنتها و احتواء حزنها الذى لم يختفى حتى هذه اللحظه، رغم انها باتت تضحك، تشاركهم حياتهم، و لكن بداخلها قلب محطم و نفس باليه..
تجمد غضبه تماما عندما رأى ملامح وجهها فور ان رأت والديها، الضحكه التى كانت تشاركها مع حياه الان اختفت تدريجيا حتى حل محلها نظره مدَمره، عيناها التى حملت بصيص امل بالحياه تحولت لفضيه الحزن بدموعها..

انتفض جسدها فحملت حياه عنها ما بيدها و فور ان رأى الجميع ما حل بها بقلق، تقدمت ليلى خطوات مسرعه و دموعها تسبقها على وجنتيها و لكن حنين عادت مسرعه للخلف مبتعده عنها..
خُيل للجميع ان بمرور الوقت تضائل صدمتها و حزنها و لكن يبدو انهم اخطأوا فما يبدو عليه الوضع الان اشبه بذلك اليوم التى فقدت فيه ثقتها بهم..!

توقفت ليلى بعجز عن التقدم خطوه اخرى و طفلتها تركض منها، فأخذ عز نفسا عميقا متقدما من ليلى محتضنا كتفها بمواساه و نظر لحنين قائلا بندم: مش هقول حاجه و لا هبرر علشان عارف ان مفيش كلام هينفع!

ثم ترك ليلى متقدما خطوه اخرى بينما تجمدت حنين مكانها فقط دموعها هى التى لم تتجمد، وقف امامها ناظرا لعينها ثم اخفض رأسه بشبه انحناء امامها متمتا و دموعه تتجاوز كبرياؤه لتعلن عن حزن اب كان السبب بحزن ابنته: انا اسف، عارف انها مش هتصلح اللى حصل بس يمكن تصلح اللى جاى، سامحينى يا حنين، ابوكِ غلط بس ندمان و الله ندمان.

كانت تنظر لنقطه وهميه دون وعى حتى اخترقت كلماته اذنها لترفع عينها اليه عاقده حاجبيها مردده بدهشه: اسامحك!
ظلت تنظر لوجهه الذى اظهر مدى ندمه و الم قلبه و لكنها بدت كأنها لم تراهم عندما اردفت باستنكار: اسامحك على ايه؟
خرجت منها تنهيده عاليه تبعتها بانكماش وجهها بألم قاتل ناتج عن قلبها و هى تغمغم بتسائل: اسامحك على انك كسرتنى، و لا على انك قتلت كل ثقتى فيك.!؟

وضعت يدها على قلبها و نظرت اليه بوجع عاصف و هى تردف بشهقه عاليه: و لا على انك حرمتنى من انى افضل دايما لفارس..!؟
انتفض جسدها بقوه و تعالت شهقاتها و هى تردد و مازالت حتى اليوم لا تصدق ان والدها من دمرها هكذا: انت مشككتش في اخلاقى بس يا بابا، انت شككت في ايمانى و خوفى من ربنا..!
اختفى صوتها ليخرج مبحوحا: شككت في حبى لفارس..!

رفعت رأسها اليه و معه رفعت اصبع الاتهام لتواجهه به قائله بحده: مش هقدر اسامحك، عمرى ما هسامحك.

نقلت بصرها بين الجميع حتى توقفت على مازن ظلت تنظر اليه لحظات و هو ينظر ارضا غير منتبهاً لنظراتها، تحركت اليه حتى وقفت بجواره و هى تقول شاعره ان ها هنا بجواره منطقه الامان الخاصه بها: انا اكتر وقت احتاجتلك فيه اتخليت عنى، مكنتش ليا السند اللى اقدر اطمن و انا جنبه يا بابا، الموضوع مش موضوع شك او غلط تندم عليه لا الموضوع اكبر من كده، انت مرحمتش ضعفى و لا ساعدتنى وقت خوفى، كلكم جيتوا عليا، انت و ماما و جدى، حتى عاصم ملقتوش جنبى...!

اشارت باصبعها على مازن و هى تهتف بكلمات من شأنها قتل اى اب: البشمهندس بس اللى وقف معايا، قدر خوفى و حاول يطمنى، كان بيساعدنى و بيحمينى، ثم اضافت بسخريه: عارف من مين يا بابا!، من اهلى..! ،
اغلقت عينها و همست بلوعه: فارس غاب عن حياتى بس مازال هو اللى بيحمينى،
اختنق صوتها و انهت حديثها بقولها: لو قدرت اثق في حد بعده هيبقى في اخوه مش انت يا بابا.

اقترب عز منها محتضنا اياها هاتفا بسرعه و لهفه: متقوليش كده يا حنين، انا عارف انى وجعتك بس سامحينى يا بنتى افتكرى انى بابا عز و سامحينى..
ابتعدت عنه ببطء و رفعت عينها اليه هامسه بسخريه أليمه: انا يومها قولتلك كده يا بابا قولتلك انا حنين بنتك اسمعنى بس انت رفضت تسمعنى و كنت اول حد هاجمنى.

احتضن وجهها قائلا: و مستعد ارجع كل حاجه زى الاول، هترجعى البيت تانى و تبدأى صفحه جديده، تشتغلى و تجهزى بنفسك مرسم زى ما كنتِ بتتمنى، تحبى و تتجوزى، تكونى عيله ليكِ، هنرجع كل حاجه زى الاول و احسن، هننسى كل اللى حصل، كله.
ظلت تتطلع لوجهه قليلا و قلبها ينتفض رعبا من كلماته،
تُحب وتتزوج!
تكون عائله!
كيف هذا بدون فارس، كيف تفعل ما يقول؟!

ارادت معاتبته لتسامحه بعدها، و لكن يبدو ان مسامحته ستُدمر ما بقى من عقلها و قلبها..!
يبدو ان اللجوء اليه مجددا سينهى الانفاس الاخيره من روحها، و ان كان مسامحته ستجعلها تعيش لدقيقه واحده بعيده عن عشقها و زوجها لن تسامحه اذا...

ابتعدت عن مرمى يده واتجهت لمازن و وقفت خلفه لا يظهر منها سوى عينها و التى وجهتها ارضا، تعجب الجميع رد فعلها و خاصه مازن الذى لم يفهم سر اختبائها خلفه و الاصح اختبائها به، و عندما حاول الابتعاد من امامها تمسكت بقميصه من الخلف لتوقفه و تُزيد اخفاء لنفسها خلفه حتى لم تعد تراهم و لا هم يروها..
عقد عز حاجبيه متسائلا بدهشه: حنين انتِ...!

قاطعته بخفوت خائف: انا هفضل هنا و مش همشى و لا هرجع بيتنا، و انا مكتفيه تماما ان انا عايشه في البيت اللى قضى فيه فارس عمره كله، كفايه ان احس انى جنبه و حاسه بوجوده حواليا، و مش هسمح لحد يخطف منى الحق ده.
ادرك مازن السر الان فهى لم تختبئ خلفه سوى طمعا في علاقتهم التى تحمى حبها لاخيه الراحل، تمسكا بذلك الرابط بينهم و الذى يمنعها من اى رابط جديد يُفرض عليها..

ادركت هى انها فتاه صغيره مازالت في ريعان شبابها، دكتوره، جميله، ماذا يعنى ان يتوفى زوجها! و لا سيما مجرد عقد قران دون دخوله بها، بالتأكيد لابد ان تعيش حياتها و تستمر في طريقها و تبدأ صفحه اخرى و ربما مع رجل اخر.
ادركت انها لن تتحمل فكرهم و رأيهم هذا فلم تجد افضل من زواجها لتحتمى به و لسوء حظه او ربما حسن حظها هو زوجها، لن يفرض نفسه عليها و لن يحبها فبهذا ستعيش على ذكريات اخيه دون معضله.

يستطيع الان ان ينهى اختبائها هذا فهى من حقها الحياه دون حزن، من حقها الشعور بالحب و السعاده مع انسان اخر يمنحها حياته، من حقها ان تبتسم يوميا و تقضى ما بقى من عمرها فرحا...
و لكن صوت ما بداخله اخبره الا يفعل!

فلم يُحرك ساكنا و بقى واقفا امامها بينما عقدت حياه يديها امام صدرها لتبتسم ابتسامه جانبيه و هى ترمق كلاهما بنظره عميقه عندما لمحها مازن لم يفهمها، و كذلك محمد جلس مكانه و يتراقص بعينه نظره ضاحكه و هو يتطلع اليهم بينما نهال و ليلى و عز في حاله من عدم الاستيعاب...

تقدم عز خطوه اخرى منهم و عندما لمحته حنين تمسكت بملابس مازن اكثر فشعر بها فبادر هو قائلا: معلش يا عمى يمكن لسه الوقت مش مناسب، الدكتوره محتاجه وقت تهدى و تفكر و يمكن تنسى، و ان شاء الله مع الوقت كل حاجه هترجع زى ما كانت.
نقل عز نظره من حنين اليه و بقله حيله اومأ موافقا متمتما: ان شاء الله...

نهض الجميع استعدادا للخروج و بالفعل ما هى الا دقائق و انطلقت السياره بهم، جلست حنين على سلم مدخل المنزل و هى تفكر فيما قالت و فيما فعلت و ما شعرت به...
تشعر انها اخطأت و لكنه اصح خطأ بحياتها، تشعر بالخوف و لكنه منحها امان غريب..
فما هذا الذى تشعر فيه بالسعاده بقدر ما تشعر بالحزن؟
ما هذا الذى تشعر فيه بالامان بقدر ما تشعر بالخوف؟

لا تدرى السبب و لا تدرى من اين يأتى هذا الشعور و لكنه رغم انه مبهم فهو جميل!
نظرت لمحبس فارس بيدها و ابتسمت بحزن مغمغمه: وحشتنى قوى، و محتاجه لك معايا قوى.
شعرت بأحدهم يجلس بجوارها فنظرت لتجد حياه تنظر اليها بحنان هامسه: للدرجه دى كنتِ بتحبيه؟

نظرت حنين امامها مجددا و اجابتها بحالميه و عينها تلمع بالدموع: مش هلاقى كلام يعبر عن حبى و تعلقى بيه، انا خسرت نفسى لما خسرته يا حياه، خسرت فرحه قلبى، خسرت حاجات كتير جوايا انا متأكده ان مفيش راجل تانى هيعوضها، لان فارس مفيش زيه.

ابتسمت حياه و هى تتطلع اليها دون حياد و تمتمت تدفعها رغما خارج قوقعتها الصغيره التى فرضتها على نفسها و ترفض الخروج منها: مش يمكن تلاقى؟ ليه مش عاوزه تدى لنفسك فرصه، مش يمكن فرحه قلبك مع حد تانى!
غامت عين حنين في متاهه عشقها و غمغمت بثقه: قلبى لا يمكن يفرح مع حد تانى.

لحقتها حياه بسؤال اخر معقبه: و يمكن انتِ مش سامحه له بده و لو سمحتِ هيلاقى و هيفرح، صدقينى العشره بتفرق، انتِ حبيتِ فارس اكيد لكن حياتك مع حد تحت سقف واحد تختلف.

التفتت حنين اليها لتجد نظره عينها المشرقه و لم تمنحها فرصه الاعتراض عندما اردفت: انا بعد مشكلتى مع شادى اعتقدت ان الحياه انتهت بالنسبه ليا، قسوه بابا و اتهام شادى و جوازى غصب من مازن، اكدلى ان مفيش امل اضحك تانى كأن الدنيا اختارتنى علشان توجعنى، لكن بعد ما عشت مع مازن و شوفت قد ايه انسان كويس جدا و حانى عليا و على اهل بيته، عرفت ان مفيش حاجه بتنتهى...

تابعت حنين الابتسامه الرائعه على وجهها و التى تصاحب كلماتها المفعمه بالتفاؤل و التى اكملتها قائله بايمان: ادركت و أمنت تماما ان كل نهايه بدايه لحاجه جديده اجمل و احسن تخليكِ تنسى اى حزن و اى وجع حستيه، العبره مش بالحب بس يا حنين، العبره بالثقه و الامان اللى ممكن تحسيهم جنب شخص معين، شخص مستعد يضحى بحياته علشانك، شخص بيقدرك، و اعتقد انك كمان تستحقى تعيشى و تفرحى، و انا واثقه ان ربنا شايلك فرحه اكبر بكتير من اى فرحه شوفتيها قبل كده و الاهم انها اكبر من اى حزن عشتيه..

و علشان انتِ متفائله كده انا عندى ليكِ مفاجأه..!
التفتت الاثنتين على صوت مازن المرح و الذى تبعه بتحركه مسرعا ليقف امامهم و نظر لحنين ثوانى ثم نظر لحياه التى لمعت عينها بحماس و هى تهتف: الله، مفاجأه، ايه هى؟!

ابتسم و هو يعطيها عده اوراق بيده: شركه اعلنت عن مسابقه علميه لخريجى ألسن، هتختبر قدرات المتسابقين و اللى هيفوز و يوصل للنهائي هيفوز بمنحه عمل في فرع من فروع الشركه بشهاده رسميه من الشركه الرئيسيه، و انا واثق انك هتنجحى..
نظرت حياه للاوراق بذهول و تمتمت بعدم تصديق: يعنى ايه؟ يعنى انا ممكن اشتغل؟! ممكن احقق حلمى؟

نهضت واقفه بحماس و عينها تذرف دموع فرحه و مازالت لا تستوعب: مازن، انت بجد، قصدى انت بتتكلم جد، يعنى انا هقدر اشتغل و احقق كل اللى تمنيته!، يعنى..
قاطع مازن حماسها ضاحكا: يعنى كل لحظه بكيتِ فيها انا مصمم اعوضهالك بضحكه.

جذبت الكلمه حنين فرفعت عينها ترمقه بنظرات منبهره و ممتنه و كذلك حياه التى نظرت اليه ثوانى ثم اقتربت مسرعه محاوطه عنقه لتضمه و هى تضحك بفرحه عارمه و هتفت بامتنان: شكرا بجد، شكرا يا مازن..
خجلت حنين ناظره ارضا و كذلك مازن الذى لم يتوقع رد الفعل هذا و لكنه رفع يديه محتضنا اياها هامسا بصدق فرحته لفرحتها: افرحى يا حياه، علشان من غير ضحكتك الحياه هتقف.

ابتعدت عنه و صرخت بسعاده و هى تقفز مرتين متتاليتين: انا فرحانه قوى قوى يا مازن، انت بقيت سبب كل فرحه في حياتى.
ابتسم بهدوء فاقتربت حياه من حنين و اوقفتها فجأه على غفله منها و احتضنتها بقوه و هى تصرخ لا تصدق و السعاده تقفز قفزا من مقلتيها: مش قولتلك، الفرحه حلوه قوى، انا بطير يا حنين، حاسه انى بطير..

تفاجأت حنين بفعلتها و حاولت التوازن على درجه السلم الصغيره و لكنها لم تستطع فانحنت قدمها و مالت لحرف الدرج حتى كادت تسقط و لكن يد حياه التى امسكت ذراعها و يد مازن التى احاطت خصرها لتستند على صدره منعتها من السقوط مع صرخه ألم نشأت عن وجع قدمها..
رفعها مازن حتى اعتدلت واقفه و وضعت حياه يدها على فمها بأسف تعتذر جازعه: انا اسفه و الله يا حنين، بس من فرحتى، ااا، انا اسفه..

ضغطت حنين باطن وجنتها متألمه و رفعت رأسها قائله: محصلش حاجه انا كويسه..
جاءت لتتحرك و لكنه تأوهت مستنده على سور الدرج فمال مازن برأسه عليها قائلا: انتِ كويسه بجد؟
نظرت حياه لقدمها ثم اليها و تسائلت بقلق: انتِ رجلك اتلوت؟!
نقل مازن بصره مسرعا لقدمها ثم اليها مجددا و تحدث متخذا دورها في التأنيب: دكتوره، الموضوع مينفعش فيه مكابره..؟!

ربتت حياه على كتفه قائله: دخلها الاوضه بتاعتها يا مازن علشان مينفعش تدوس عليها و انا هجيب ثلج و أجى..
اشارت حنين بيدها مسرعه: لأ مفيش داعى انا هدخل..
نظرت حياه لمازن الذى اخذ ينظر لكلاهما دون ان يدرى كيف التصرف فابتسمت هاتفه بمرح: لو اقدر اشيلها كنت دخلتها، لكن انت عارف العين بصيره و الايد قصيره، ثم ضحكت: يالا يا مازن علشان لو داست عليها غلط ممكن لا قدر الله يبقى فيها حاجه..!

و قبل ان تُكمل كلامها وجدت حنين نفسها بين ذراعيه صاعدا الدرج متجها لغرفتها وسط خجلها الذى وصل اقصاه و غضبها من موقف حياه و فعل مازن، وصل لغرفتها وضعها على الفراش و قبل ان يعتدل واقفا وجدها تقول بصرامه: حصلت مره و ياريت متتكررش تانى..
نظر اليها و صمت كلاهما هى تطالعه بحزن عاقده حاجبيها بضيق و هو يتابع نظراتها دون المقدره على قول كلمه واحده..

يعلم ان ما حدث بسيط، و ربما بعد عده دقائق تتحسن قدمها و لكنه لم يستطع المخاطره بفكره اصابتها بشئ مهما كان هينا، و السؤال الان، هل هذا خطأ؟!

دلفت حياه فقطعت اتصالهم البصرى و جلست مسرعه بجوار حنين و بيدها كيس يحتوى على عده مكعبات من الثلج و دون سابق انذار قامت برفع طرف عباءه حنين و لكن حنين انتفضت معتدله و وضعت قدمها اسفل العباءه ناظره لحياه بحده استغربتها و لكنها ادركت مغزى نظرتها عندما نظرت لمازن خلفها فاستدارت حياه له و اغلقت عينها بهدوء باشاره منها ليخرج، اومأ بصمت نقلا بصره لحنين لحظات ثم تركهم سويا و خرج مغلقا الباب خلفه..

بدات حياه بوضع الثلج على قدم حنين و هى تمتم بهدوء: متقلقيش مازن مش من النوع اللى انتِ متخيلاه..
عقدت حنين حاجبيها استغرابا فأردفت حياه قائله: مازن لا يمكن يبصلك بأسلوب مش ظريف او اعجاب و رغبه، لا خالص.
اجابتها حنين مسرعه دون تفكير: لا انا متأكده انه مش كده انا واثقه فيه جدا..
ابتسمت حياه و دون ان تنظر لها اكملت بجديه: جميل، بس كمان لا هيحبك...

ثم تنهدت قائله ببساطه و الامر حقا لم يعد يعنيها: و لا هيحبنى..
ازداد تعجب حنين و انعقاد حاجبيها عندما اردفت حياه بضحكه: تخيلى، انا و مازن قربنا على سنتين جواز و عمره ما لمسنى.!
اتسعت عين حنين بصدمه فضحكت حياه على مظهرها و تركت الثلج جانبا و اعتدلت جالسه امامها تشرح باستفاضه: بيحضنى و احيانا بيمسك ايدى، بنهزر و نضحك، بس انا و هو اخوات.

ازداد اتساع عينها و ما زالت تحت تأثير الصدمه حتى رفعت حياه يدها ضاربه اياها على جانب رأسها صارخه: حنين، انتِ سمعانى؟
تمتمت حنين بتعجب و الفضول يتآكلها: ازاى؟ وليه؟ يعنى الظاهر انكم بتحبوا بعض جدا..
ابتسمت حياه و اجابتها: احنا بنقدر بعض، بنحترم بعض و طبعا بنحب بعض بس حقيقى اخوات انا و هو مش متقبلين اى فكره تانيه عن علاقتنا و لا عارفين نبقى زى اى اتنين متجوزين، ، عارفه ليه؟

بحماس فضولى سألتها مسرعه: ليه؟!
اشارت حياه لوجه حنين المتحمس الذاهل و انفجرت ضاحكه: انتِ عندك شيزوفرنيا يا بنتى، انتِ كنتِ مضايقه من دقائق على فكره..
تجهم وجه حنين فضحكت حياه مجددا و قالت تداعب انفها مغيظه: خلاص خلاص هقولك، ثم رفعت اصبعها محذره: بس يفضل سر بينا!

اومأت حنين مستمعه اليها عندما اردفت حياه متذكره كيف اخبرها سابقا انه يحب اخرى و كيف اخبرها الا تضع للقلب مكان بينهما: لانه بيحب واحده تانيه بس بعيد عنه جدا، و معتقدش انه هينساها، و احنا اتفقنا نبقى صحاب و اخوات و هو نعم الاتنين الحقيقه.
عقدت حنين حاجبيها بدهشه مردده: بيحب!
ضحكت حياه ملئ فمها: أينعم، تخيلى بيحب واحده و متجوز اتنين، ثم غمزت بعينها بخبث قائله بملامح جريئه عابثه: جاحد.

نظرت حنين لوجه حياه العابث و انفجرت ضاحكه هى الاخرى لتشاركها حياه مجددا، اقترب مازن من الغرفه على صوت ضحكاتهم و قبل ان يطرق الباب تراجع و عندما هم بالرحيل وصله صوت حنين فتوقف، هدأت حنين و تجاوبت معها و هى تتسائل بابتسامه بسيطه: انا اول مره اشوفك مبسوطه كده، كل ده بسبب المنحه اللى كلمك عنها مازن؟

اخذت حياه نفس عميق بضحكه و اجابتها بسعاده لا يسعها قلبها من فرطها: دا حلمى يا حنين، من و انا في بدايه الجامعه و انا بتخيل اليوم اللى انجح فيه و اشتغل و ابقى مترجمه كبيره و ليا كيانى و مكانتى.

ثم ابتسمت بحزن: و لما بابا منعنى بقيت حاسه ان حياتى ادمرت، و ازاى يبقى في حياه بدون حياتى و حلمى، و لما شادى كسرنى بقيت متأكده ان كل حاجه انتهت، بابا حبسنى في البيت حسيت انى فعلا عايشه في سجن و استغنيت عن التفكير في الحلم حتى..

ثم ضحكت باشراقه مجددا: لحد ما اتجوزت مازن، عارفه احساس كده زى ما يكون كل الابواب المقفله اتفتحت فجأه، كان السبب في سعادتى، بقى امانى و سندى اللى متأكده انه مش هيتكسر، بقى ليا اخ و اب، و فعلا وجوده جنبى بيطمنى.

قفزت بسعاده و هى جالسه مردفه و هى تشعر بنفسها تملك الارض بما عليها الان: قدرت اواجه بابا و انا مش خايفه، قدرت ارد حقى من شادى و كل قلم مش هينساه طول عمره، قدرت ارجع لحياتى اللى كنت نسيتها، قدرت اضحك و افرح و انصح، و دلوقتى ساعدنى في تحقيق حلمى و انى اثبت نفسى و احقق ذاتى.
تنهدت بسعاده ممسكه بيد حنين بشغف: تعتقدى ان في فرحه اكبر من كده!

تابعت حنين نظراتها السعيده و فرحت لفرحتها و شعورها بالامتنان لمازن يزداد، حتى ضيقت حياه عينها و اكملت بتحذير و كما اظهرت حلوه تريها مره: بس ربنا يبعدك عن غضبه، او تجاهله، صعب صعب بجد، انا بتجنبه تماما في غضبه..
ابتسمت حينن موافقه اياها: اللى بيبقى حنين و طيب زى مازن كده بيبقى متوقع جدا ان غضبه يبقى جنونى، زى ما بيقولوا، الحلو مبيكملش..!

ضحكت حياه و هى تضرب كتفها بشغب: معاكِ حق، يالا هسيبك تنامى بقى، تصبحى على خير..
اومأت حنين: و انتِ من اهله..
تحرك مازن من امام الباب و بعدها بثوانى خرجت حياه و تدثرت حنين بفراشها متذكره ما مر بهم طوال اليوم، ثم امسكت بصوره فارس الموضوعه على الكومود بجوارها محتضنه اياها لتنام و على وجهها ابتسامه مشتاقه و عقلها يعيد تصوير كل ذكرياتها مع الفارس الذى اختطفه الموت قسرا من اميرته...

كان عاصم جالسا بغرفته عندما سمع طرق خافتا على باب الغرفه و دون تفكير ادرك الدالف و فور انتشار رائحتها حوله اغلق عينه مستنشقا اياها ثم استرخى بهدوء على فراشه منتظرا حديثا اخر منها، مرت دقائق لم تتحدث حتى قالت اخيرا و هى تضع مشروب ما بيده: القهوه بتاعتك..
و غيرها لم تنطق بكلمه واحده، عقد حاجبيه متعجبا عندما شعر بها تتجه لباب الغرفه فأسرع قائلا: الرسايل بتاعتك لسه هنا.

شعر بها تقترب منه ثم قالت و ادرك تعجبها من صوتها المتسائل: الرسايل! بتعمل ايه هنا!
عقد حاجبيه متوقعا ما فعله اكرم و لكنه تمنى ان يخيب ظنه لانه بهذا سيحرقه و ربما يحترق هو فسألها بحده: هو اكرم مأخدش الرسايل منك لما كان هنا؟
نظرت لوجهه قليلا ثم اجابته قائله بتذكر متعجب: لأ اخدهم، بس مكنتش اعرف انه هيجيبهم عندك هنا.
لانت ملامحه قليلا فتسائلت هى: كنت عاوزهم في ايه؟

اعتدل جالسا غير منتبها للقهوه بيده فاهتزت ليُراق الكثير منها على يده و قميصه، فركضت مسرعه لتحمل الكوب عنه ثم ابعدت قميصه عن جسده و اسرعت بسحب منديل ورقى لتزيل القطرات عن يده و هى تعاتبه بلهفه: مش تاخد بالك؟
صمت قليلا ثم ازاح يدها عن قميصه و سحب يده من يدها الاخرى: بسيطه الموضوع مش مستاهل.
ابتعدت عنه بابتسامه حزينه متذكره ذلك اليوم الذى اراق فيها بغير عمد القهوه على عنقها فتمتمت: اه ما انا مجربه.

اعتقد هو انها تتحدث عما سببته لها نجلاء من قبل فأخذ نفسا عميقا و هم بالتحدث عندما وصله صوت الباب يُغلق، صر اسنانه غضبا و تعجبا بالوقت ذاته، لماذا تتعامل معه بتجاهل هكذا؟!
ما الذى حدث؟ طوال المده الماضيه كانت تتوسل حبه لها و اليوم تتجاهل دون كلمه واحده؟
أمعقول ان اكرم اخبرها بما اخبره به؟ و تنتظر منه اعتذار؟
أمعقول انه شجعها على الخروج من حياته؟
لا، لن يسمح هو بشئ كهذا ابدا!

هو خسر نفسه، خسر بصره، خسر عمله - مع علمه ان كل هذا ربما مؤقتا - و لكنه خسر و في الواقع كل هذا يُحتمل..
لكن خسارتها هى، لن يتحملها ابدا..
غياب جنته عنه سيكسر ما بقى من عاصم الحصرى، اجل يعترف هو أبقاها معه، عاقبها و لكن بجواره، فهو لن يتحمل خسارتها ايضا..
كيف يؤلمها و هى بكل كلمه و كل اعتراف منها تذيب خلايا قلبه..
لم يكن يدرك ان الحب لامثاله مُهلك لهذا الحد!

ليته لم يستمع لقلبه، ليته لم يعرفها، ليته لم يحبها..
و لكن حتى هذه لا يستطيع الندم عليها..
هو حتى يعشق ألمه بجوارها...
أهذا هو العشق؟!
نتألم بقدر ما نتألم و لكن يظل القلب نابضا للمعشوق، نحاول التناسى بقدر ما نحاول و لكن يعارض العقل حتى النسيان!
أهذا هو العشق؟!
الذى يمحى كل الحزن مقابل ضحكه واحده، و يخفى كل الالم في سبيل سعاده حتى و ان كانت مؤقته!
أهذا هو العشق؟!

الذى يشعر فيه بأن روحه تحترق و مع هذا يُلقى نفسه بسعاده بنيران عشقه مستمتعا باحتراقه!
اجل لم يفكر عاصم الحصرى بمعاقبتها بابقائها بجواره..
بل فكر باحتياجه لها، رغبته في وجودها حوله، سلامه الداخلى الذى لا يعرفه في بعدها..
اجل، ألمته، جرحت كبرياؤه، تركته بمفرده، و حطمت قلبه بكلماتها..
ولكن ماذا يعنى كل هذا امام ابتعادها..
مستعد هو و بشده للقبض على الجمر لأجلها و لكن لا تتركه،.

يهددها ممكن، يستغل شعورها بالذنب محتمل، لكن يفقدها ابدا..
ربما يحدث و لكن بموت عاصم الحصرى وقتها محتمل ان تموت الجنه بداخله..
فالقلب ان يختبر العشق مره، لا يفرط فيه ابدا مهما كان مؤلما..
و هى ألمه، هى وجعه، و لكنها بالنهايه عشقه، عشقه الازلى،
هو سامحها، تراجع عن عقابه لها او اكثر دقه عقابه لنفسه بها..
و لكن ليختبر حبها اكثر و يستمتع بجنونها اكثر، ألا يستحق ذلك؟!

قطع افكاره صوت الباب يُغلق مجددا ليتتبع خطواتها حتى جلست بجواره على طرف الفراش و امسكت يده حتى شعر بشئ بارد يوضع عليها فابتسم متوقعا ما تفعله و لكنه اخفاها سريعا و تسائل بهدوء: بتعملى ايه؟
لم يجد شغفها المعتاد او مزاحها الذى اعتاد عليه بل وجدها تجاوبه بخفوت جديد عليها: مرهم حروق هيقلل الوجع و مش هيخليها تسيب اثر..
عاد يبتسم مره اخرى و لكنه ايضا اخفاها و قال بعبث لم تنتبه له: ماشى، بس في هنا كمان..

ثم اشار على صدره مردفا: اخرجى علشان احط عليه.
تركت الانبوب بيده و نهضت واقفه بالفعل موافقه: زى ما تحب...
عقد حاجبيه تعجبا لاعنا عجزه الذى يمنعه من رؤيه وجهها مما يمنعه امكانيه فهمها و لكنه تجاهل غضبه الان ليصيح بعنف و قد اثارت عصبيته: انتِ رايحه فين؟ مش هتعاندى؟
استدارت له و غمغمت بهدوء: هخرج و مش هعاند..

شعر بغضبه يتملكه فهى حتى لا تعطيه اجابه تمنحه الهدوء فصاح ينفس غضبه بها: غريبه يعنى بقيتِ فجأه كده بتسمعى الكلام؟
اقتربت منه بهدوء و جلست على الفراش امامه مجددا و همست بحزن تحاول استيعاب تقلباته: انا حاولت معاك بكل الطرق علشان تسامحنى بس انت كل يوم عن اليوم اللى قبله بتهلك روحى، و انا مبقتش قادره اتحمل، فا انا هريحك منى تماما، هبعد و مش هعمل غير اللى تطلبه منى يا، كابتن.

صُدم تماما متذكرا الرسميه المقيته التى كانت بينهم في بدايه وجودها في منزلهم و يبدو ان جنته عادت لحماقتها و وضعت تلك الحدود مجددا، دفع الانبوب بيده باتجاهها و قال مستغلا خضوعها المفاجئ هذا: تمام، كملى اللى جيتِ تعمليه بقى.

بدأ بفك ازار قميصه حتى نزعه تماما عنه و بقى امامها عارى الصدر و كم تمنى من صميم قلبها ان ان يرى وجهها، الذى تلون بالحمره خجلا و عيناها التى ارتجفت ككل مره تراه بها، و لكنه لا يستطيع..
تسارعت انفاسه الغاضبه حتى شعر بأصابعها الدافئه تلامس بشره جسده بهدوء و رغم بروده الدواء الذى تضعه، شعر بجسده يشتعل، ظلت قرابه ثوانى ثم ابتعدت عنه تحدثه برسميه و هدوء: خلصت، اى اوامر تانيه و لا اخرج؟

صمت قليلا ثم ارتفع جانب فمه بضحكه خبيثه قائلا بأسلوب آمر: قومى.
نهضت عن الفراش ليتبعها ناهضا هو الاخر و وقف امامها لحظات ثم بخطوات مدروسه بدأ يتحرك باتجاه المسجل على الطاوله في جانب الغرفه ليُدير موسيقى هادئه و تقدم خطوتين حتى صار بمنتصف الغرفه و مد يده هاتفا بلهجه متلاعبه: ليا مزاج ارقص.

تخيل مظهرها و هى تعقد حاجبيها، تتسع عينها بدهشه و حركه يدها المتوتره و ابتسم و بالفعل هذا ما حدث بل و كادت تشهق من دهشتها، ظلت ثوانى مكانها ثم ببطء تحركت باتجاهه..
وضعت يدها بيده فجذبها بقوه لتصطدم بصدره فرفعها قليلا حتى وضعت قدمها اعلى قدمه ليتحرك هو و يديه تتملك خصرها و انفاسها تصطدم بذقنه و بدايه عنقه لتثير بداخله الكثير من المشاعر التى استيقظت فجأه كأنها كانت تنتظر تلك اللحظه..

ظل يراقصها دون اى كلمه فقط عاود صمتهم الصاخب يصرخ بحبهم الصامت و لكن هذه المره مختلفه عن زى قبل، حرك يده بانسيابيه و دون رقيب على خصرها حتى كادت تدفعه عنها لتبتعد و لكنه اخفض رأسه بجوار اذنها هامسا: يوم عن يوم بهلك روحك ها!، طيب انتِ عارفه انتِ عملتِ و بتعملى فيا ايه؟
و قبل ان تُجيب اعتدل مستندا بذقنه على رأسها قائلا مغيرا الموضوع لاخر حتى كادت عينها الخروج جاحظه من فرط دهشتها: بتحبى الشعر!

ابلعت ريقها بذهولها و بصوت بالكاد يخرج مع حركه يده المستمره بحريه تامه: اه.
ضغط جسدها اليه مهمهما ثم اردف باستمتاع و قد عادت الكره لملعب ابن الحصرى يحركها كيفما شاء، اينما شاء عابثا: اممم، طيب ما تسمعينى حاجه حفظاها..!

ابتعدت للخلف تنظر لوجهه لتجد ابتسامه غريبه تداعب شفتيه فتمتمت بدهشه مازالت لم تغيب عن وجهها و ابتسامته تنتقل بعدوى اليها ذلك المجنون، المصاب بانفصام شخصى و قلبى و عقلى و كل شئ: اسمعك؟

اومأ برأسه متخيلا مدى انبهار و دهشه ابريقها العسلى الذى اشتاقه حد الجنون، صمتت قليلا ثم ابتسمت متذكره تلك القصيده التى راقتها حتى باتت تقرأها باستمرار فأخذت نفسا و ابتسمت بسعاده و هى تُسمعه الكلمات التى امتزجت بمشاعرها..
لى حبيب عشقه ذوبنى
شغل القلب سناه و النظر
رسم الحسن على اعطافه
صورا فتانه تتلو صور
ساحر العينين و اللحظ و كم
طاب لى في ضوء عينيه السفر،
و لكم آنست من ضحكته
رنه العود و انغام الوتر.

سل كؤوس الطيب عن مبسمه
فبها عن مبسم الحب خبر
و طواه الهجر عنى بعدما
رضى الحب علينا و القدر،
انا مشتاق له في وحشتى
شوق اشجار الصحارى للمطر
يا حبيبأً اتغنى باسمه
كلما هاج حنينى و استعر
ان تعد عادت لنا ايامنا حلمأً
يسبح في ضوء القمر..
( # عبد العزيز البابطين )
توقفت و على وجهها ابتسامه سعاده ربما لم تعيشها من قبل، ابتسمت بشوق لجنه الصغيره، ابتسمت بفرح لجنه الجديده، ابتسمت لان احساسها كان بين ذراعيه..

يا رجل سلب ما سلب منى و لكن بعطائك منحتنى الوعد،
يا رجل ظلمت قلبك و قلبى و لكن نبضك لأجلى الان حلم جميل كالورد،
يا رجل عجزت عن فهمه و لكن جهلى بك بين ذراعيك اجمل عهد،
يا رجل احبه بقدر ما احبه سيمر كل يوم ليصبح حبى له اكثر و اشد..

اما هو، لم يسعد لوجودها بين يديه بقدر سعادته باحساسها والذى شعر به انها تعود لجنه الجديده التى عهدها طوال الفتره الماضيه، لم يبتسم لشعوره بثوران قلبه بقدر شعوره بضحكه قلبها، لم يتنهد لاندماجه بصوتها بقدر اندماجها هى باحساس الكلمات..
فالجنه التى معه الان ليست كالسابقه، و ان كان احب السابقه فالتى بين يديه يعشقها...

حسنا هو لم يعتاد في نفسه ضعفا ليُعرى مشاعره امام نفسه، و مثلما اعترف بحبها الساكن داخله من قبل..
سيفعل الان، هو يعشق تلك الجنه الجديده..
يعشق قوتها الممزوجه بضعفها، يعشق محاولاتها المستميته لقتل خوفها، يعشق طفولتها التى حان الوقت لتحييها و ماضيها التى حان الوقت ليمحيه..
و للمره الأولى يعطى عاصم الحصرى لأحدهم وسام التأييد..
فأكرم محق، و هو مخطئ..
جنه لم تكن تريد قوته بل كانت تريد قوتها..

لم تكن تريد وقوفه امامها بل كانت بحاجه لوقوفه خلفها و ربما اكثر احتياجا لوقوفه معها..
لم تكن بحاجه لسطوته بقدر ما كانت بحاجه لحنانه و احتوائه..
لم تكن بحاجه للشيطان بل كانت بحاجه لملاك يسكنها...
و سارت هى بالطريق و رغم غضبه، رغم رفضه، رغم ألمه، هو معها..

و لكن، بداخله، حتى يحين ذلك الوقت الذى يصبح فيه على اتم استعداد ان يُعرى مشاعره امامها مجددا مستقبلا مشاعرها باحتواء لم تراه من قبل و لن ترى غيره من بعد..

ابعدها عنه و لكنها تعلقت بعنقه لتحتضنه بقوه طابعه قبله طويله على جانب عنقه اسفل اذنه ليغلق هو عينه و يمرر يده مجددا من اسفل عنقها حتى خصرها، و هى مستسلمه تماما لشعورها الرائع الذى مزج كلاهما في دوامه غريبه من مشاعر و تلك لم يعرفاها من قبل، دوامه شعرا بها تخبرهم ان البيت استقام عموداه، ابتعدت هامسه في اذنه: اللى يتخلى عن الفرحه يبقى مبيفهمش، ويمكن اكون جاهله في الدراسه بس صدقنى بفهم.

طبعت قبله اخرى على جانب شفتيه كأنها تتعمد اثاره جنونه بها ليعتصر هو خصرها ببقوه لتشهق مبتسمه تحاول الابتعاد عنه: ممكن اخرج ع..
قاطعها مبتلعا باقى كلماتها بشغف قاتل بها اخفاه كثيرا حتى لم يعد باستطاعته ان يفعل وتركها بعد لحظات دافعا اياها عنه مغمغما بفقدان سيطره: اخرجى حالا...

و للاسف لم تُدرك مقصده فاختفت ابتسامتها لاعتقادها انه كما قال لها مجرد مزاج و يبدو انها ارضت مزاجه الان فلم يعد بحاجه اليها فتمتمت بخفوت حزين: مش محتاج حاجه تانيه يا سياده النقيب..!؟
تعجب صوتها الحزين و لكنه لم يعد باستطاعته كبح جماح شغفه بها فأجابها وهو يعطيها ظهره: لا..
فخرجت مسرعه من الغرفه لتقف امام باب غرفته لتتساقط دمعتها بينما هو ترتسم على شفتيه ابتسامه عبرت عن مدى عشقه لها و فرحته بها..

و يا ليت الباب بينهم يختفى لعل كلاهما يمنح للاخر حُسن الشعور و يمحى عنه سوء الاحساس، و لكن يا ليت؟

كان اكرم جالسا بغرفته عندما طرقت مها الباب فأذن لها بالدخول، اقتربت منه و وضعت التصاميم التى بيدها امامه، نظر اليها ثم ابتسم قائلا: صباح الخير..
رفعت عينها اليه و اومأت برأسها ترد التحيه ثم اشارت بشمهندس مازن طلب منى اخذ موافقه حضرتك على التصاميم
كان اكرم ينظر اليها ثم ابتسم و اخفض رأسه متمتما و هو يرى التصاميم: كويسه بس مش ممتازه هتحتاج شويه تعديلات.

اومأت برأسها مجددا و اشارت تمام، بس انا حابه اعاين الموقع بإذن من حضرتك طبعا
ضيق عينيه متسائلا: انتِ اللى هتروحى؟!
نظرت اليه بثقه و حركت رأسها لاعلى و لاسفل موافقه، رفع احدى حاجبيه و استند برأسه على يده مغمغما و هو يرى فيروزيتها تلمع بثقه لاول مره: متأكده؟
عادت ترمقه بثقه و اومأت مجددا، تنهد ثم صرح: تمام، هقول لمازن و صاحب الموقع علشان يبقوا على استعداد.

وافقته و اقتربت ممسكه الاوراق من امامه و في الوقت نفسه صدع رنين الهاتف الداخلى فأجاب اكرم ثم رفع عينه لمها ثم اخفضها قائلا لهناء: تمام، دخليه.
استدارت مها لتغادر لتُفاجئ بالباب يُفتح و محمود يدخل، تجمد كلاهما فلم يتوقعا تلك المقابله و بهذا الشكل ابدا بينما استرخى اكرم على مقعده و هو يداعب جانب عنقه بأصابعه يرمقهم بنظره مترقبه..
تقدم محمود للداخل و حاول جمع شتات نفسه و ابتسم بارتباك: ازيك يا مها؟

صر اكرم اسنانه محاولا كتم غضبه الذى لا يعرف صواب او خطأ و حاول استيعاب انه هو من نظم تلك المقابله التى يبدو انها ستأتى بنتيجه و لكن فوق رأسه..

ظلت مها تطالعه قليلا ثم لمعت عينها بغضب و هى ترمقه بنظره حارقه توقعها هو و لكن لم يتوقع ان تحرق روحه لهذه الدرجه ثم تحركت بخطوات هادئه متجاهله اياه للخارج فأغلق عينه لحظه و فتحها متحركا باتجاه اكرم الذى ابتسم بقدر ما يحمله من غضب في نفسه، و اشار لمحمود بالجلوس بادئا الحوار بأسلوب شبه حاد: بص مش هنلف و ندور كتير، ايه سبب الاستقاله؟

ابتلع محمود ريقه ببطء ثم اجابه مرتبكا: حضرتك عارف السبب يا بشمهندس، وجودنا سوا في مكان واحد هيتعبنى و يتعبها.
استند اكرم بمرفقيه على المكتب امامه قائلا باستنكار: تقوم تقدم استقالتك كده؟ واضح انك ناسى ان في عقد، و في شروط.

عبث محمود بيده متوترا و قبل ان ينطق بادر اكرم باقرار: في شركتى هنا مينفعش تدخل حياتك في الحياه العمليه تحت اى ظرف و لأى سبب، انت محامى الشركه كل المعاملات القانونيه معاك، ببساطه كده تمشى و تَخرب الشركه باللى فيها، صح؟!

ازداد ارتباك محمود و لكن اكرم في العمل لا يعرف احد فهتف بصرامه: من بكره تستلم شغلك تانى و تحاول بأى شكل مش مشكلتى انك تظبط الامور اللى اتلخبطت في غيابك، و لما تنتهى مده العقد تقدر تقرر انت ناوى على ايه؟
شعر محمود بتأنيب الضمير فغمغم بأسف: انا بعتذر يا بشمهندس و ان شاء الله من بكره هظبط كل حاجه، و اسف على قرارى المتسرع..
اومأ اكرم متمتما: تمام تقدر تتفضل...

نهض محمود و بالقرب من الباب لم يستطع اكرم تمالك غضبه فهتف بصخب: محمود...!
استدار اليه فابتسم اكرم و تحدث بنبره محذره: في ألقاب نلتزم بيها مع موظفين الشركه، ، ثم غمز بعينه رافعا جانب فمه بضحكه متكلفه: فاهمنى طبعا..!
نظر محمود ارضا موافقا: حاضر يا بشمهندس، عن اذنك..

خرج محمود و اغلق الباب لينهض اكرم بخطوات سريعه للمرحاض الملحق بغرفته ليُلقى برأسه اسفل المياه لعل النار المشتعله داخله تهدا قليلا، حتى استكان نوعا ما.
خرج و جلس على مكتبه مجددا و امسك هاتفه طالبا احد الارقام حتى جاءه الرد: عاصم انا اكرم..
على الطرف الاخر ابتسم عاصم مرحبا: يا اهلا..
حمحم اكرم و لكنه لم يتخاذل و سأل مباشره: ايه الاخبار موافقه و لا رفض؟!

ازدادت ابتسامه عاصم و صمت حتى هتف اكرم بحده: عاااصم!
و لكن يبدو ان عاصم اصر كامل الاصرار على اتلاف اعصابه فقال بمكر: انت متوقع ايه؟
استند اكرم على مكتبه و صاح بغضب: انت اختك مينفعش معاها توقع!..
ضحك عاصم و لكنه منحه الاجابه الاخيره: زى ما تمنيت، رفضت.
لانت ملامح اكرم كثيرا بل و اتسعت شفتيه معلنه عن ابتسامه فرحه: قالت ايه بالظبط؟ و انت عرفتها مين العريس؟

ابتسم عاصم ايضا و اجاب بهدوء: قالت انا مش مستعده دلوقت، اما مين العريس ف لأ متعرفش.
نقر اكرم بأصابعه على المكتب مرددا: جميل.
وافقه عاصم معقبا: جميل جدا كمان، تقريبا كده مها وقفت على اول السلم.
ضحك اكرم بارتباك هافتا بمرح: نقول نصفه انا لسه هستنى من اول السلم..!.

ازدادت ابتسامه عاصم و عقب بخبث قائلا يعجبه المراوغه فهى تعيد اليه قليلا من عناد روحه: و بعدين.!، مش يمكن تترفض، وقتها مش هيفرق فين على السلم.!؟
ضحك اكرم و هو يداعب خصلاته بثقه مسترجله: عيب عليك انا مش هتقدم غير لو متأكد من الاجابه، دا انا تربيه ماجد الالفى يا عاصم.
غمغم عاصم بخفوت: ربنا يرحمه، تمام اى جديد هبلغك و لما تبقى تتقدم رسمى للحاجه نجلاء حماتك المستقبليه نبقى نبلغ العروسه.

ضيق اكرم عينه بشرر و صاح بغيظ: احنا نقتلها و نتجوز انا و مها يوم الدفن.
انفجر عاصم ضاحكا و شاركه اكرم ثم اخذ دور المراوغه و قد شعر بحياه بصوت ذلك العاصم: بس انت مزاجك رايق واضح ان في مفاجأت تخصك قريب.!
مسح عاصم على فمه عاضا جانب شفتيه رافعا احدى حاجبيه هاتفا بغموض: عارف طريق الخير..!
هتف اكرم بضحكه عاليه: عارفه جدا..
ضحك عاصم ايضا متمتما بلوع: امشى فيه، يالا سلام عليكم..

قهقه اكرم ثم اغلق الخط، و استند على مقعده مبتسما و متعجبا يتمتم باستنكار: مين يصدق ان عاصم اللى قابلته اول مره يبقى ده! فعلا اعشق يا قلب لتصنع المعجزات..
ثم رفع رأسه لاعلى صارخا بدعاء مرح: سامحكم الله يا بنات حواء...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة