قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل التاسع والثلاثون

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل التاسع والثلاثون

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل التاسع والثلاثون

احذر من الشخص الذى لا ينتقم منك
فهو لم يسامحك،
و لم يسمح لك ان تسامح نفسك.
جورج برنادر شو
مر اليومان و لا يوجد اى حوار يُذكر بينهما فقط تدعى النوم و هو يدرك جيدا انها ليست، كلما حاول التحدث معها لا تمنحه الفرصه و هو لا يستطيع حتى الضغط عليها فما فعله بها مأخرا ان ندم عليه طوال عمره لن يستطيع تعويضها عنه..

انهى صلاته و جلس يقرأ في كتاب الله لعله يهدأ و يرتاح قليلا، وجد باب الغرفه يُفتح و قبل ان يرفع رأسه حتى وجدها تقول بحده: لازم نتكلم...

و مثلما دخلت دون سابق انذار خرجت ايضا، انهى ما كان يقرأه و اغلق كتاب الله و اخذ نفسا عميقا ناهضا اليها، وجدها جالسه بغرفتها على طرف الفراش تنتظره، قدمها تهتز بتوتر و ربما بغضب و يديها تتمسك بملابسها بقوه كأنها تحاول كبح جماح شعورها الذى لا يدرى ماهيته الان، جلس بجوارها و مال للجانب قليلا حتى يراها و همس بندم: هبه انا...

قاطعته و هى تميل بجانب هى الاخرى ليخرج صوتها قويا بنبره حاده جديده عليها: انا و لا مره قصرت في حقك، و من يوم ما اتجوزنا و انا بحاول اعمل كل حاجه هتسعدك و تريحك، حتى لما كنا بنختلف و نتخانق عمرى ما قللت منك، كنت دايما حريصه انى اكون سبب ضحكه و امنع عنك اى وجع.
ثم استدارت لتنظر امامها و عيناها تنظر لنقطه وهميه و هى تردف بسخريه: لكن انت..!

استدارت اليه مره اخرى لترفع احدى حاجبيها ناظره اليه من اعلى لاسفل قائله و مشاعر المرأه التى كتمتها طوال الشهر الماضى تعلن عن عدم تحملها: تقدر تقولى انت عملت ليا ايه؟
اغلق عينه ثوانى و هو يشعر انه على وشك الغرق بالطوفان الذى اخفته بداخلها طوال تلك المده و هم بالكلام و لكنها اوقفته بيدها هاتفه بقوه: لأ، ثوانى هقولك انا...

رفعت يدها لتعدد عليها: كنت شايف انى واحده زى اى واحده عرفتها قبل كده، كنت كل يوم والتانى بتصرفاتك تقولى انتِ هنا علشان انا عاوز اتجوزك و بس، كنت بتحسسنى انى بتوسل حبك، في كل مره بنتخانق كنت بترمى من الكلام اللى تحبه و مش فارق هتضايق او لأ، في الاخر كملت جميلك، و اتجوزت عليا..

اعتدل مسرعا جاذبا يديها ليحتضنها بكفه هاتفا مقاطعا اياها بنبره معتذره: هبه، انا عارف انى وجعتك بس و الله ندمان و مش عارف ممكن اعوضك ازاى؟
جذبت يدها من بين يديه لتصيح بسخريه لاذعه: ندمان! لأ و كمان هتعوضنى!
عقدت حاجبيها متسائله و هى تبتسم ابتسامه جانبيه متهمه: انا موافقه، تعوضنى عن كل اللى فات، و مستعده اسامحك...

ثم نظرت لعينه بقوه و ملامح وجهها تحتد لتهتف بهدوء قاسى و نبره لا تقبل النقاش: بس تعوضنى عن ابنى..!
اخذ نفسا عميقا و هو يحرك رأسه بعيدا عنها لكنها لم تمنحه الفرصه بل أمالت رأسها امامه لتتسائل باستنكار: هتقدر يا معتز بيه..!؟
رفع يديه الاثنتين و حاوط وجهه و هدوءه هو الاخر على وشك التصدع فهى بداخلها براكين غضب على وشك ان تثور و هو يحمل مثلها من الالم..

ضحكت بسخريه و هى تواجهه: ايه مش لاقى كلام تقوله؟ مش لاقى مبرر مقنع علشان تضحك عليا بيه زى ما بتعمل كل مره؟ انا هوفر عليك كل ده..
نظر اليها مسرعا عندما نهضت هى واقفه عاقده ذراعيها اامام صدرها لتهفت بعزم: انا مش هتحمل اعيش معاك لحظه واحده زياده، طلقنى يا معتز، ،!

انتفض واقفا كمن لدغته افعى ممسكا اياها من ذراعها ليجعلها تلتفت له بحده صارخاا: انتِ عارفه انتِ بتقولى ايه؟! اللى انتِ بتطلبيه ده مش هيحصل ابدا، انا لا يمكن اتخلى عنك يا هبه..
ابتعدت عن يده لتعقد ذراعيها امامها مجددا و تعطيه ظهرها هاتفه ببساطه و كأنها لم تعد تأبه: يبقى بينى و بينك محاكم..

عقد حاجبيه بدهشه مرددا و قوه ثورانها تصيبه بدوار غير قادر على ملاحقته: محاكم! للدرجه دى يا هبه مش متاح حتى الكلام بينا، مش من حقى اتمسك بمراتى.!؟
استدارت بحده و عيناها تلمع بالدموع ف إلى اى مدى ستتحمل اخفاء ما بداخلها لتصرخ بوجع غلف صوتها: مراتك، مراتك انت كسرتها و في أغلى ما تملك وجعتها، مراتك انت قتلت جواها كل حلم حلمت تعيشه معاك، مراتك انت وصلتها لسابع سما و في لحظه واحده رميتها لسابع ارض..

تقدمت اليه ممسكه اياه من ملابسه لتصرخ و قد ضاق صبرها و فاض كأس المسامحه: ليه عملت كده؟ انا وثقت فيك و سلمتلك قلبى، حبيتك اكتر من اهلى و من نفسى و من حياتى كلها، وقفت في وش اهلى علشانك.
دفعته بقوه لتنهار صارخه بقوه زلزلته: انت دمرتنى و كسرت قلبى يا معتز..

اتجه اليها ممسكا ذراعها ليجذبها لحضنه و هى لم تقاوم فلم تعد تجد في نفسها القوه و همس و هو يدفن وجهه بجانب عنقها: مينفعش تبعدى عنى، انا هعوضك عن كل لحظه حزن، هساعدك تنسى و انا متأكد انك هتنسى، اسمحى لحبنا يعيش و اديله فرصه..

وضعت يديها الاثنتين على صدره دافعه اياه عنها ومن قوه دفعتها سقط على الفراش خلفه لتصيح و دموعها تنهمر لتُغرق وجهها: فرصه! و لحبنا، هو فين ده؟ فين الحب اللى بتتكلم عليه؟ انت تعرف ايه عنه؟ الحب اننا نفهم بعض، نسعد بعض، نمحى وجع بعض، نثق ببعض لكن انت مكنتش كده، انت كسرت و بدل ما تفرحنى جرحتنى، بدل ما تخلينى اثق فيك ذرعت شك عمره ما هيتمحى.

نهض غاضبا جاذبا اياها بقوه ليقذف لها بكلمات اتهامه: و انتِ كنتِ بتثقى قوى لدرجه انك تراقبينى، صح؟
حاولت جذب يدها لألمها منه و لكنه ازداد بضغطه عليها صارخا يحاول اثنائها عن عصبيتها، تشتيتها و ربما تراجعها: ما تردى، ازاى كنت هثق و اطمن انك دايما جنبى و انت بتهددينى انى لو دوست على كرامتك هتدوسى عليا؟ فين الثقه اللى بتتكلمى عنها و انتِ نفسك محتيها؟

تحركت بجنون لتسحب يدها عنه لتهتف بهستريا: انت سامع انت بتقول ايه؟ انا و لا مره شكيت فيك و بعدين بتحاسبنى على كلام طلع منى وقت غضبى و غيرتى عليك، انت بجد مصدق ان اللى انت عملته كان عقاب مناسب يعنى و لا انت بتحاول توصل لمبرر و السلام..!؟!

اقترب منها و عيناه تطلق حمم غضب كادت تحرقها فتراجعت خطوه للخلف: لما راجل يزور امه و مراته تروح وراه و بكل بجاحه تقوله حبيت اتأكد يمكن روحت هنا و لا هنا، دا يبقى اسمه ايه؟ هى دى الثقه؟

عقدت حاجبيها تحاول تذكر ما يشير اليه حتى استطاعت اخيرا و اتسعت عينها باندهاش من تفكيره الغريب بالنسبه اليها فهتفت بعدم تصديق: انت مصدق اللى انت بتقوله ده؟ انت اللى طلبت منى اجى، و طلبت منى مقولش قدام والدتك، بتلومنى على ايه دلوقتى؟
عقد ما بين حاجبيه و حرك عيناه يمينا و يسارا تعجبا مما قالت و تمتم باستنكار: انا اللى طلبت منك؟!

ثم احتدت ملامحه بغضب: بتحاولى تهربى ف بتتحججى، بس انا مش هصدق غير اللى شوفته بعنيا.
تحركت بغضب باتجاه الفراش لتُمسك هاتفها و تعبث به و هى تهتف لا تصدق انه يتهمها بعدما طلب منها: انت اللى طلبت و لو مش مصدقنى اتفضل شوف بنفسك...
اعطته الهاتف ليقرأ الرساله التى ارسلتها والدته لها ذلك اليوم قرأها لتتسع عينه بصدمه و هو يردد بنفى متعجب: مش انا اللى بعت الرساله دى،.

نظر اليها و ملامحه تنبض بالالم لتخيله من الفاعل: مش انا يا هبه، انا مبعتش حاجه.
اتسعت عينها هى الاخرى و هى تتوقع الفاعل من ملامحه المتألمه لتغمغتم بدهشه: لا مش ممكن، تكون..!

غامت عيناه ليعود لحواره مع امه ذلك اليوم ليهمس بعدم استيعاب: كانت بتقول انت متأكد ان مراتك بتثق فيك، خلتنى اشك انك هتيجى عندها علشان تتأكدى من وجودى هناك و لما انتِ جيتِ سألتك لانها عارفه انك هتقولى سبب تانى و انتِ بعفويه جاوبتيها بأكتر اجابه اكدت شكى، انا مكنتش قافل تليفونى بس انتِ قولتِ تليفونك مقفول ليه.؟.

عقد حاجبيه و رمش بعينه عده مرات يحاول الاستيعاب و لكن كيف يمكنه ذلك فصاح و هى يحرك رأسه بذهول: ماما السبب..!؟!
توترت هبه و لم تدرى كيف التصرف و نجدها من هذا رنين هاتفه و ربما اخذها للاسوء..

اخرج هاتفه بنيه غلقه و لكنه فوجئ بسالى المتصله، بغضب شديد اغلق الاتصال بوجهها و لكنها عاود و مره اخرى اغلقه حتى بعثت برساله، و يا ليته لم يفتحها فلقد تشنجت ملامح وجهه و ارتجفت عيناه مما قرأه، اقتربت هبه منه و قبل ان تنطق بكلمه اعطاها الهاتف وعينه تلمع بالدموع و تمتم بنفس ذبيحه: ماما!

اخذت هبه الهاتف لتقرأ محتوى الرساله انا عاوزه حقوقى كلها و ياريت تكلم الست والدتك و تقولها تكمل باقى الفلوس و تبعتها ليا، اه صحيح نسيت اعرفك، اصل امك هى اللى طلبت منى الف و ادور حواليك تانى، و هى اللى قالتلى اعمل ايه و ادخلك من اى اتجاه، تقول ايه مفيش ادرى بالابن من امه و خصوصا لو كانت زى نجلاء هانم، هستنى فلوسى متتأخرش عليا يا ميزو.

وضعت هبه يدها على فمها و رفعت عينها اليه مسرعه لتجده يتراجع بجسده حتى اصطدم بالباب و هو يردد و عقله يكاد يجن: أمى يا هبه، أمى اللى دمرت حياتى، أمى اللى لعبت بيا، أمى..
تركت هبه الهاتف و دموعها تغلبها هذه المره ليس على حزنها او كسرتها و لكن عليه، و على ما يشعر به من وجع..

تساقطت دموعه و هو يقترب منها ممسكا بكتفيها متسائلا بعصبيه غير مصدق: انتِ مش قادره تسامحينى لانى حرمتك من ابن لسه مشافش الدنيا، هى ازاى بتعمل كده؟
حاولت كتم شهقاتها و لكنها لم تستطع فرفع يديه مسرعا يزيل دموعها هاتفا بلهفه: لأ متعيطيش، قولتلك قبل كده دموعك اغلى منى.

انتفض جسدها و لكن انتفاضته هو كانت اكبر عندما سقط ارضا على ركبتيه و دموعه تنهمر لا تعرف عزه او كبرياء فقط تسقط ذليله تطلب المساعده و هو يهمس بصوت بالكاد يخرج ليعكس روحه المتألمه: ساعدينى يا هبه، ساعدينى انا محتاجلك جنبى، انا تعبت..

سقطت هى الاخرى على الفراش امامه ليُردف هو و دموعه و دموعها تذيب الصدأ الذى تجحر على قلبه: انا كنت طول حياتى ضايع، بعمل كل اللى انا عاوزه، بهرب من الوجع بأى حاجه حتى لو كانت غلط، بقابل بنات و بشرب سجاير و فاشل.

اقترب منها ممسكا بيدها لتشعر هى برتجافه جسده لتحاول بأقصى ما تملك من قوه التماسك و كتمان صوتها و وجعها عليه و هو يهتف بتأكيد: بس انتِ، انتِ هديه ربنا ليا، غيرتينى لانسان تانى، انسان انا فخور بيه و انا مكنتش اتخيل انى ممكن افتخر بنفسى يوم، عملتِ منى راجل و ساعدتينى اقف على رجلى و انسى يعنى ايه ضعف، انتِ كنت توبه لقلبى العاصى..

ترك يدها ليعود بجسده للخلف حتى كاد ينحنى ظهره رافعا رأسه لاعلى صارخا بكل ألمه الذى لم يعد بقادر على تحمله: بس انا قلبى مش عاصى، انا كنت مصر على الالحاد، رفضت ألجأ ليكِ و جرحتك، نسيت انك سكنى و راحتى و اذيتك، كسرتك و وجعت قلبك اللى مفكرش غير في سعادتى.
نظر اليها و تهدل كتفاه ليرى حمره عينها و دموعها المنسابه ليهمس بصوت ذبيح و هكذا هو قلبه: انا قتلت ابنى..

لم تعد تتحمل فخرجت منها شهقه عاليه و صوتها يرتفع ليُذيب البقيه الباقيه من صدأ قلبه، تدعوه ليتوب عن ذنبه، و تُذيب جليد الخوف عن روحه..
حتى اقترب منها ممسكا كفيها مجددا و استند على ركبيتها و هو جالسا امامها هاتفا بثقه: كنتِ دايما تقولى افعل يا بن ادم ما تشاء فكما تدين تُدان ، كنتِ واثقه ان ربنا هيجيبلك حقك وهو نصيرك دايما.

ابتسم بوجع و شفتاه ترتعش و دموعه ترفض التوقف و هو يهمس بطمأنينه: ربك اخد حقك يا فلتى، كل يوم بكيتِ فيه بسببى و انا مقدرتش امنع دموعك هبكيه دم و محدش هيفرق معاه، كل ساعه وجعت قلبك فيها هيتوجعها قلبى و مش هيلاقى حد يواسيه، كل ثانيه مرت بيكِ في قلق هعانيها انا في خوف و مش هلاقى حد يطمنى.
ابتسم مجددا بتنهيده مؤمنه: ربنا انتقم ليكِ يا هبه...!

صمت ثوانى ثم القى برأسه على ركبتيها ليهمس بصوه بالكاد سمعته و جسد يرتجف: بس انتقام ربنا صعب قوى، صعب قوى يا هبه..
انتفض جسده بين يديها و هو يردد بنفس تلومه، تعاتبه و تكاد تقتله: قتلت ابنى يا هبه، انا قتلته..
ليصرخ كل جزء منها لتبتعد تتذكر حزنها، تتذكر ما عايشته من وجع و لكن يدها قاومتها و احتضنته، قلبها خانها و سامحه، و عقلها تمرد و تألم لأجله..!

ظل يُفرغ ما بداخله من غمامات الوجع و ضباب الحزن في سماء حبها و هواء حنانها، حتى ابتعد عنها محاوطا وجهها بيده هاتفا بلهفه خائفه: عاقبينى وانتِ جنبى، اعملى فيا كل اللى تتمنيه، مستعد اتحمل كل حاجه إلا بعدك عنى يا هبه..

نظر لعمق عينها الغارقه بهياج امواجها: انا مليش غيرك اتسند عليه، مليش غيرك اثق فيه، انتِ امى و اختى و بنتى و مراتى، متحرمنيش من قلبك وخوفه يا هبه، افضلى معايا، خوف، حب، حتى لو شفقه بس افضلى معايا، انا بحبك و مش هقدر استغنى عنك، بلاش اخسر مكانتى في قلبك يا هبه..

احتضنته بقوه ليتمسك هو بها بقوه اكبر و هو يبتسم، ما زال له مكانه بقلبها، ما زال حبه يسكنها، لا يهم ان غضبت، ثارت، عاقبته، و لكن يكفى الا تبتعد عنه..

ابتعدت عنه لتقف و توقفه و ابتسمت بضعف رافعه يدها لتُزيل دموعه ثم احتضنت وجهه بين كفيها تحدثه بصدق ما بداخلها، بقوه عشقها و حنان حبها له: ازاى هخرجك من قلبى و انت السبب في انه عرف الحب، انا قلبى بيدق ليك يا معتز و هيفضل يدق ليك، مهما انا حاولت او غضبت انا متأكده انه هيعاندنى و هيسامحك..!؟
ابتسم بسعاده و هو يحتضن كفيها الموضوعه على وجهه فأردفت هى بتهاون متعَب: انت معنى حياتى يا معتز.

ازدادت ابتسامته ليُمسك هو بيدها ليقبلها بعمق و لكنها جذبت يدها من بين يديه لتعود عيناها تحمل ثقتها و قوتها و هى تكمل بنفس القوه و لكن هذه المره لكبريائها، لعقلها و لوجع قلبها: بس انا حياتى اتدمرت..
اختفت ابتسامته و هو ينظر لعينها بترقب قلق عندما هتفت بثقه و صدق: قلبى مسامحك، ثم اردفت بنفى و هى تبتسم بحزن: بس عقلى لا يمكن هينسى او يقف في صفك..

صمتت ثوانى ثم همست بقوه عشقها له و عيناه تصرخ بلهفته لحضنها: هتفضل في قلبى دائما، ثم اغلقت عينها لحظات لتهمس بقوه ألمها و وجع قلبها و عيناه تصرخ بالرحمه: بس مينفعش تفضل في حياتى، يا معتز..

نهضت سلمى بتعب و هى تضع يدها على رأسها من شده الصداع الذى صار يلازمها منذ ذلك اليوم، امجد لم يخرج من تلك الغرفه سوى ليتوضأ و من بعدها لا تراه..
لا تستطيع التحدث معه، لا يسمح لها بالجلوس معه او الاطمئنان عليه، لم يعد يذهب للمشفى و هاتفه لا يتوقف عن الرنين و لكنه لا يلتفت لاحد..
لماذا يُضخم الموضوع لهذا الحد؟!
لماذا يرفض حتى التأكد مجددا ربما هناك خطأ ما؟!

لم تكن تدرى انها من الممكن ان تراه في مثل هذا الضعف؟
انه حتى لا يقترب منها؟ كأنها ليست هنا؟
اصبحت الايام تمر بصعوبه و الليالى بالكاد تنتهى، تذهب للعمل و تعود و هو لا يفعل شيئا جديدا، ماذا تفعل معه حتى يعود لامجد الذى افتقدته حد الجنون؟

تنهدت و نهضت لتخرج لتجده جالساا امام التلفاز في الصاله الخارجيه فابتسمت فيبدو ان هناك تحسن ما، اتجهت اليه جالسه بجواره و اقتربت منه طابعه قبله على وجنته هامسه بحب: صباح الجمال..
ظل نظره معلق بالتلفاز و اومأ برأسه مجيبا: صباح النور..
اعتدلت جالسه مستنده برأسها على كتفه المجاور لها: تحب تتغدى ايه النهارده؟
لم يحرك ساكنا و اجابها بهدوء: انتِ مش هتروحى الشركه؟

ابتسمت و رفعت رأسها اليه لتتوه في امواجه الهادئه رغم علمها ان خلفها امواج هادره: عاوزه اخذ اجازه يومين كده، ايه رأيك؟
حرك رأسه بلامبالاه و اجابها ببساطه: ليه خير؟، ثم استدار لها مبتسما: هتعملى ايه في البيت؟
حاوطت وجهه بيدها و همست بدلال و هى تحرك رأسها بضحكه: هقعد معاك، نقضى اليوم سوا، لانى بحس ان اليوم بيضيع، و انت بتوحشنى..

ابتسم امجد مستديرا لها بنصف جسده و نظر اليها قليلا ثم هتف بشبه سخريه: بشمهندسه سلمى هتقضيها اجازات و لا ايه؟ هو ده شغفك بالشغل؟!
همت بالرد و لكنه قاطعها بجديه تامه و هو يعتدل فلم يعد يهتم: انزلى شغلك يا سلمى و انا مش هطير، انا في البيت مش هخرج..
قاطعته سلمى مسرعه: والله ان..

قاطعها هو عندما نظر اليها بطرف عينه نظره تحمل لها رجاءا الا تُشعره بضعفه و همس بحزم: مفيش داعى لكده يا سلمى انزلى شغلك يا حبيبتى.
تنهدت باستستلام و اومأت موافقه: حاضر يا امجد..
ظلت بجواره و لكنه نظر اليها مجددا رافعا احدى حاجبيه: يالا قومى اجهزى.
نظرت اليه برجاء و هى تشدد من ضمها له: طيب افضل جنبك النهارده..
دفعها عنه قليلا ثم وقف و اوقفها ليدفع بها للمطبخ قائلا: يلااااا الفطار علشان هتتأخرى.

اعدت سلمى الفطور ليجلس كلاهما سويا لتناوله و اثناء ذلك طُرق الباب نهضت سلمى و فتحت لتجد مروه امامها فابتسمت بتكلف و اشارت لها بالدخول: اهلا يا طنط اتفضلى..
دلفت مروه و قالت بابتسامه بالتأكيد متكلفه هى الاخرى: اهلا بيكِ، عمك مصطفى جاى متقفليش الباب، اومأت سلمى فدلفت مروه و انتظرت سلمى قليلا حتى صعد مصطفى - والد زوجها - واستقبلته ثم اغلقت الباب و دلفوا..

اجتمعوا جميعا بالصاله و احضرت سلمى ما يلزم للضيافه و بعد الكلام المعتاد من السؤال عن الاحوال و الصحه و العمل وإلخ إلخ..
تحدثت مروه بعفويه ضاحكه تجيد اصطناعها امام زوجها منذ زمن: يعنى مفيش مره كده تجيب مراتك و تيجى تزورنا و تقعدوا معانا يومين يا امجد و لا هى زيارات عابره كده تطمنوا على باباك و خلاص؟

ابتسم امجد بالمقابل و اجابها مدركا انه هذا الاهتمام لحظى لوجود ابيه فقط: معلش بقى حضرتك عارفه شغل المستشفى و شغل سلمى، احنا تقريبا طول اليوم بره.
ابتسم مصطفى بوهن بعد جوله مرضه الاخيره التى اصابته من بعد زفاف امجد: انا اول ما قدرت اتحرك قولت لازم اجى اشوف الغالى و مراه الغالى و جينا بدرى قولنا نلحقكم قبل ما تنزلوا الشغل.

و شكره امجد صنيعه هامسا بصدق عاطفته المشتاقه لوالده: ربنا يبارك في صحتك و يديمك لينا يا حاج..
ربت مصطفى على كتفه و ابتسم متسائلا بقلب الجد المشتاق لاحفاده: ايه يا امجد مش ناوى تفرحنى بولادك يا بنى؟
اغلق امجد عينه لحظات ثم ابتسم و هو يعد اجابته و لكن سبقته سلمى قائله بثقه تحاول انهاء و تجاوز الموضوع بلطافه: ربنا يبارك في عمرك يا عمو، ب..

قاطعها امجد بنظرته المحذره و استدار لوالده قائلا بجديه صريحه: ربنا مش رايد يا حاج.
اغلقت سلمى عينها تعتصرها بقوه متوقعه ما يعتل بصدره الان من ألم حارق، عقد مصطفى حاجبيه بينما اندفعت مروه بحماس متوقعه السبب: يعنى ايه يا امجد؟
ثم وجهت نظرها لسلمى بابتسامه شماته اخفتها سريعا و هى تقول باضطراب مصطنع: ليه يا ابنى بتقول كده؟

رمقتها سلمى بنظره غاضبه ثم عادت بنظرها لامجد التى اختفت تعابير وجهه ليبدو خاليا من الحياه و هو ينظر لوالده ثم ابتسم بهدوء ممسكا بيده قائلا بخفوت: انا عقيم يا بابا.

انكمشت ملامح سلمى و لمعت عينها بالدموع بينما شهقت مروه ضاربه صدرها بقوه فيما تجمد مصطفى ناظرا اليه بدهشه، نقل امجد بصره بينهم و ابتسم هامسا برضى: الحمد لله يا بابا انا راضى بقدر ربنا، الولاد رزق و ربنا اراد ان يحرمنى منه و انا متأكد ان رزقى في حاجه تانيه اكبر، الحمد لله.
تمتم مصطفى و هو ينظر لابنه باشفاق: طيب ما تتأكد تانى يا بنى، و بعدين العلاج اتطور و انت دكتور و عارف.

ابتلع امجد غصه مؤلمه تمكنت من قلبه و هو يُجيبه بهدوء: دا عقم يا والدى مش ضعف.
كلمات مواساه، دعاء، نظرات مشفقه، نظرات شماته و حديث لا جدوى منه بعدها، و سرعان ما انتهت الزياره.
و بمجرد ان رحلا استدارت سلمى لامجد تعنفه بنظراتها و التى تبعه حديثها بعصبيه: كان ايه الداعى انك تحط نفسك و تحطنى في الموقف دا يا امجد، انت مبسوط كده، عاجبك ان الكل يبقى شايفك ضعيف..!

شملها بنظراته لحظات و هو يشعر ان من يتصرف، يعيش و يتحرك الان ليس هو..
فما اسوء من ان تبحث عن نفسك فلا تجدها!
ما اقسى من ان تشعر بأنك اخر لا تعرفه!
ما الذى قد يواجهه اكثر من ان يتشتت، يعجز، و يرى نفسه نصف رجل!
ما الذى قد يؤذيه اكثر من انه اقنع نفسه انه ما عاد ذات شأن و كأن الرجال هم الاباء فقط و دونهم من الناس دون!

و مع صمته هاجت هى و اقتربت تضرب صدره تعاتبه، تغضب عليه و ربما توقظه من غفله احبها و استكان بها حتى بات يؤذى لا نفسه فقط بل و يؤذيها: كل ايمانك و قبولك لكل اللى بيحصل في حياتك و صبرك، خلصوا!، كل طاقتك و قوتك انتهت!، انت اللى دايما كنت تقنعنى ان مفيش حاجه تستاهل و تقولى دا رزق و ايه المشكله رزقنا يتأخر، دلوقت رافض ترضى باللى ربنا كاتبه و حابس نفسك كأن الدنيا انتهت..!

و بتمرد قاسى و نبره ثقيله على قلبه تجلده و تمحى بقايا فكره المتهالكه: انا عاوزه جوزى يا امجد، عاوزه الراجل اللى بيسلم امره لله و يقبل بقدره، و بيعافر علشان يعيش.
و استكمالا لدرسها له القت بفيض كلماتها الغاضبه علها تغسله من ظنونه و قبوله للامر الواقع بهوان: اما الراجل السلبى، اللى شايف نفسه ناقص، اللى مبقاش حابب في حياته غير الخمول و روتين ممل، انا مش عاوزاه، سامعنى يا امجد مش عاوزاه!

صمتت قليلا و نهضت مبتعده عنه و لكنها عادت و كأنها ادركت انها لا تقربه بل تضع عده حواجز فكريه بينهما، ليهدأ عنفها متحدثه بهدوء تلومه خذلانها: انت كنت متجوزنى علشان تجيب اطفال بس امجد؟
ترددت الكلمات، نبرتها، حزنها بأذنه تجلد قلبه بسياط ظُلمه لها،
هى عشق قلبه المتمرد
عن اى اطفال تتحدث!
هو اختارها و يشهد الله عليه انه ما كان ليتركها ما دام حيا ان كانت العله بها،
لكنه يفعل لاجلها...!

و كأنها قرأت ما يقوله دون ان يتحدث فصاحت تكذبه و تجرده امام نفسه: و متكدبش على نفسك و عليا و تقول انك بتبعد عنى علشانى، متقولش انك مابقتش تلمسنى علشانى، متقولش انك بقيت لامبالى و مبتهتمش بنفسك و بالبيت و بيا علشانى، انت بتعمل كده علشان خاطر نفسك يا امجد، نفسك و بس!
هو بالفعل كاذب!
لم يعد يقربها لشعوره بضعفه،
لم يعد يأبه بأى شئ لانه السبب بخساره كلاهما لحلمهما بطفل!
لم يعد يطيق نفسه و من يلومه!

نهض لينهى حوارها الذى يدفعه ليلوم نفسه و لكنها وقفت امامه تذكره بما قاله سابقا بحده: طيب يا امجد بما انك هتفضل ساكت كده، و هتفضل تهملنى و تهمل روحك بالشكل ده، انا هسمع كلامك و مش هحرم نفسى من حلمى!؟

و صمتت لتمنحه الفرصه ليُدرك مغزى كلامها و بمجرد ان فعل رفع عينه اليها بترقب قاسى على قلبه يُكذب ما وصله من معنى و لكنها القت بظنونه و خوفه عرض الحائط و اخبرته بما خشى ان تقوله: طالما انت حابب كده، فأنا هسيبك براحتك و همشى يا امجد، هجرب ادى لنفسى فرصه تانيه، مع راجل تانى، غيرك!
ارتجفت عيناه غضبا و قلقا، ارتج قلبه غيرة و هلعا، و ماد عقله به تفكيرا و تخيل.

و لم تدعه يستمر بأفكاره فأعطته التخيل حديثا بقصد: راجل تانى ابقى مراته، انام في حضنه، اكون معاه في حزنه و فرحه، و افضل جنبه في المره قبل الحلوه، يقول عليا متمرده و يحب عنادى، ابقى معاه دايما في بيته و يبقى عندى اغلى من حياتى،.

ثم اكملت بما يراه نقص يريد هدم زواجه بها لاجله: راجل اجيب منه او مجبش اطفال، هكتفى بيه و هيكتفى بيا، هيتمسك بيا مش زيك، هيبقى وجودنا احنا الاتنين سوا اهم مليون مره من اى حاجه تانيه، اصل الجواز مش اطفال بس يا دكتور.

و رمقته بنظره اخيره و هى متيقنه من وصولها لهدفها - لقلبه لتُوقظه - و - لعقله ليعاود التفكير مسرعا - و - لرجولته التى لن تسمح لغيره باقتناء انوثتها - و بالنهايه - لحبه الذى ابدا و ابدا لن يتركها لرجل اخر - و قد كان عندما هب واقفا يقبض على معصمها بغضب لم يكن يوما طبعا من طباعه و هى تُوشك على اعطائه ظهرها لترحل من امامه، لتتوقف محلها و ابتسامه صغيره تلون شفتيها اخفتها سريعا و هى تستدير لتواجهها زرقه سماء عينيه التى رعدت و برقت و عصفت بها و قبل ان يصيح بها سبقته هى: في ايه امجد.! عاوز تقول ايه تانى!؟ طالما انت مش هتتمسك بيا و تقدرنى انا مش هتحايل عليك، و اعتقد انى مش هغلب و اكيد الف واحد يتمنى ابقى مرات...

و اه عاليه صدرت و هو يعتصرها بين ذراعيه يمنعها من قول ما كاد يقتله من مجرد تخيله حتى، كُتمت انفاسها بكتفه و اختنق صدرها بصدره و هو يهدر بها و نبرته تزلزل كيانها كله: انتِ مراتى انا، و هتفضلى لحد اخر يوم في عمرى، و عمرك كمان.

ابعدها يضم وجهها بلهفه لتشهق بعنف تلتقط انفاسها التى رضت خالص الرضا بكتمها به، ليردف بحرقه و قد احرقت قلب عاشق و هو ليس بامر هين: حسك عينك تفكرى كده تانى، محدش هيحبك قدى و ميحدش هيتمسك بيكِ زيى، انتِ مراتى انا، فاهمه!
و عندما همت بزياده لوعته عتابا على ما فعل بها طوال الاسابيع الماضيه، تملك جسدها بعنوه و ذراعيه تحكم خصرها بسطوه لتُعلن شفتاه عن ملكيتها له و له فقط ما بقى من عمريهما!

اتصلت نجلاء بعزت و هى في قمه غضبها لتصرخ بمجرد ان فُتح الخط: بيلعبوا عليا يا عزت، بيعاملونى على انى مغفله..
تنهد عزت فنوبات غضبها هذه الفتره ازدادت بشكل كبير و هتف بهدوء: تعرفى تهدى و تفهمينى ايه حصل تانى؟

حاولت التحكم بانفعالها و هى تصيح بعنف خرج رغما عنها: الارض مكتوبه باسم عز من زمان، و المحامى كان بيستغفلنى و المحامى اللى انت بعته هو اللى قدر يوصل لكده واتأكد كمان، ، ثم صرخت و هى تقذف بما في يدها ارضا: انا، انا يعملوا معايا كده، ، ثم ضغطت اسنانها هامسه بتوعد: ماشى، انا بقى هعرفهم مين هى نجلاء..!؟

جلس عزت على كرسيه ببرود ثلجى و هو يصرح قائلا بتفكير شيطانى: اعملى اللى انتِ عاوزاه بس بالورقه التانيه.
عقدت حاجبيها تحاول استيعاب كلماته و عندما لم تستطع صرخت به: بقولك ايه انا مفيش دماغ تفكر، تقصد ايه؟

ابتسم بتلاعب قائلا بخبث اسود اعمى قلوبهم: يعنى اى خطوه منك دلوقت هيفهموا انك فهمتِ لعبتهم لكن لو صاحبتك اللى اتحركت مش هيفهموا حاجه و يفضلوا على عماهم شويه كمان لحد ما تهدى و تفكرى هتتصرفى ازاى، علشان بغضبك ده هتوقعى نفسك و انا معاكِ تحت ايديهم، فهمانى يا نوجه!
اخذت تُدير كلماته في رأسها حتى اقتنعت به فهتف بتأييد: تمام، حتى الهبله دى مستنيه منى اذن..

ضحك عزت قائل بتسائل مستنكر ساخر: اه لو تعرف انك انتِ اللى قتلتِ جوزها زمان!
ضحكت نجلاء و هى تستمع بالوضع الساخر التى اصبحت فيه كوثر و قالت و لم يأنبها ضميرها مقدار اُنمله: تمام انا هكلمها علشان نخلص منهم بقى، و اولهم ابن الحصرى و حرمه.
اغلقت الخط بعدما دارت الافكار الشيطانيه في رأسها مجددا ثم بابتسامه متوعده هاتفت كوثر التى انفجرت بها بمجرد الرد: ايه يا نجلاء كل ده تأخير؟

ادعت نجلاء الهدوء و تحدثت بخفوت: الموضوع اللى هنا هياخذ وقت بس انا مش عاوزاكِ تستنى اكتر من كده، اعملى اللى تحبيه انتِ.
عقدت كوثر حاجبيها متسائله و قد سعدت لمجرد توقعها ان عنق ابن الحصرى بات بيدها اخيرا: قصدك ايه؟
ابتسمت نجلاء و عينها تنبض بالشر و انفاسها تتسارع بغضب متوعد و حقد اعمى: يعنى عز و مراته سافروا، يعنى البيت فاضى، و السندريلا الصغيره مع الاعمى دا لوحدهم، يعنى الكوره في ملعبك..

ابتسمت كوثر بسعاده: انتِ بتتكلمى جد؟!
اومأت نجلاء و هى تبتسم ثم اجابتها بنبره آمره: بس مينفعش الرد يبقى بسيط زى ما انتِ عاوزه، انتِ تنفذى اللى قولتلك عليه..
اضطربت كوثر و تمتمت و لم يطاوعها قلبها لتفعل تلك الفكره الابليسيه: بس دى ممكن تموت فيها، الراجل ده مش سهل و باين انه مبيرحمش و الرغبه هتعميه..!

ضحكت نجلاء و صرخت بها بسخريه: انتِ قلبك هيرق و لا ايه؟ لا، تموت، تتحرق مش مشكلتى، انتِ تنفذى الاتفاق و خلاص، هتلاقى الجرعه اللى هتظبطه في خزنه المكتب عندك، خليه يشمها كلها، و سيبى الكلب على اللحمه، و استمتعى باللى هيحصل فابن الحصرى.
توترت كوثر و شعرت بعدم راحه لما هى مقدمه عليه: بس..

سارعت نجلاء بملئ رأسها من سمها الذى لا يعرف الرحمه: لو عاوزه تنسى انه ضربك و بهدلك، خسرك الشركه، اخذ فلوسك، هددك، اضطريتِ تبعدى ولادك عنك، و تردى القلم بقلم، انتِ حره بس تعتقدى دا انتقام يليق بكوثر الحديدى؟
احتدت عين كوثر متذكره كل ما جعلها عاصم تمر به، متذكره وقوف جنه بوجهها، متذكره الذل و الاهانه التى عانتها بسببه فهتفت بحده و توعد: لأ كوثر الحديدى بترد القلم بعشره..

صفقت نجلاء و هى تحيى نفسها على قدرتها العاليه بالاقناع و صاحت بترقب: هو ده الكلام، هستنى منك خبر و انا مش هرجع من الصعيد غير لما تطمنينى..
ابتسمت كوثر باستمتاع و همست بحقد: عن قريب..
و اغلقت الخط و بدأت كوثر بالتحرك للاستعداد للاخذ بالثأر من سياده النقيب و حرمه المصون...

مساءاً عادت مها للمنزل بعد انتهاء عملها وجدت جنه بالاسفل تعد كوبا من القهوه الذى لم يعد عاصم يستغنى عنها، اقتربت منها ضاحكه و اشارت مساء الحلاوه
ابتسمت جنه رافعه احدى حاجبيها بمشاكسه: خير الضحكه دى وراها ايه؟
ضحكت مها بشده و هى تدعى البراءه و ترفرف برموشها بطفوليه لتشير نفسى في فنجان قهوه
وكزتها جنه بكتفها و هتفت مستوعبه الاستغلال بمرح: قولى كده بقى، صحيح اللى يلاقى الدلع و ميدلعش يبقى غلطان.

ابتسمت مها و جلست بجوارها على المقعد حتى تنتهى من اعداد القهوه لعاصم و عندما انتهت اعطتها لمها قائله بغمزه: طلعيها انتِ على ما اعمل بتاعتك..
اومأت مها و اخذتها متحركه للخارج و منه للاعلى، بينما بدأت جنه تعد الكوب الاخر و هى تبتسم حتى صدع جرس الباب فأغلقت الموقد و ارتدت حجابها و خرجت لترى من؟.

اقتربت من الباب لتفتحه و بمجرد انا فتحته تراجعت للخلف بصدمه و الخوف يتمكن منها و هى تحدق بالقادم لتهمس بتقطع و ارتباك: ك، و، ث، ث، ر.

عشقت يا قلبى، و العشق معضله!
ان تُهتَ تُهتُ، و ان عشتَ عشتُ،
فلا النفس تهدأ و لا الروح هانئه،
أثرتُ الهروب و العقل مطاوعا،
ولكن حكم القلب فيك يا قلبى معاندا،
رسم الهوى اطياف عشقا أبهرت،
أنفاس روح للحب متعطشه،
ف سل المحب عن سعاده حبه،
لن تجد بالعشق سوى نفوس متأزمه..!
اقتربت جنه من الباب لتفتحه وبمجرد ان فتحته تراجعت للخلف بصدمه و الخوف يتمكن منها وهى تحدق بالقادم لتهمس بتقطع وارتباك: ك، و، ث، ث، ر.

ابتسمت كوثر ابتسامه جانبيه و هى تطالعها بعينها من اعلى لاسفل و تمتمت ببطء و هى تدفعها لتدلف: كوثر هانم...
فوجئت بعدها بثلاث رجال قبالتها دفعها احدهم للخلف بقوه لتسقط ارضا و هى تصرخ بألم ليدلفوا ليقف ثلاثتهم امام الباب بعدما اغلقوا اياه، تجولت كوثر بعينها على جميع انحاء المنزل بانبهار و هى تغمغم بحقد: حرمنى من حياتى و هو عايش هنا في النعيم ده..

ثم ضحكت بغل و عيناها تنبض بحقد قلبها: بس انا هخربها، كان فاكر انى هسكت، بس انا هنهيه النهارده..
نهضت جنه عن الارض و هى تشعر بخوف يُرعد مفاصلها و لكن ليس لاجلها بل لاجله هو، حسنا شاءت ام أبت، اعترفت او انكرت، هو الان عاجز، لن يستطيع التحرك حتى امامهم، ستتمكن كوثر منه هى و الابواب البشريه خلفها، ماذا يجب ان تفعل؟

التفتت كوثر لها و اقتربت منها ببطء، فرفعت جنه رأسها بثبات لاعلى و عقدت ساعديها بقوه امام صدرها تحاول اخفاء توترها الذى بدأ يزداد رويدا، رفعت كوثر حاجبا دلاله على انبهارها مع ابتسامه استنكار تبعتها بقولها: واضح ان القطه لسه بتخربش؟
استجمعت جنه قوتها و اقتربت منها خطوه و تمتمت بهدوء حاولت اصطناعه: جايه ليه؟ عاوزه ايه تانى؟!

تحركت كوثر اليها لتدور حولها ببطء مردده بنبره بطيئه ساخره: عاوزه ايه؟ عاوزه ايه؟
ثم توقفت خلفها و بحركه مفاجأه سحبت جنه من حجابها محتجزه خصلاتها بين يديها بقوه لتميل جنه للخلف بصراخ متألم و كوثر تهمس بجانب اذنها: عاوزه حقى، منك و من جوزك الغالى..

رفعت جنه رأسها لتُمسك بيدها و تضغط عليها بأظافرها حتى تركتها كوثر متألمه فابتعدت جنه عنها صارخه بغضب: حقك؟ انتِ كمان اللى ليكِ حق؟! فلوس ابويا اللى سرقتيها منى، توقيعى اللى اخدتيه غصب، حياتى و طفولتى اللى حرمتينى منهم، مستقبلى و شبابى اللى دمرتيه، كنت هخسر جوزى بسبب عقده الخوف اللى زرعتيها و ربتيها جوايا!
ثم اشاحت بيدها في عنف متهكمه: و انتِ جايه تقوليلى حق؟

و قبل ان تنطق كوثر او تتحرك تحركت جنه باتجاه الباب الذى يقف امامه الابواب البشريه الثلاثه و قالت باقرار: اتفضلى انتِ و هما من هنا، و يا ريت متحاوليش تيجى هنا تانى؟

ضحكت كوثر بصوت عالى و جنه تحدق بها بارتباك و قوه ينافى كلا منهما الاخر، بينما في الاعلى، طرقت مها الباب بتلك الطرقه المميزه التى يعرفها عاصم جيدا و دلفت لتجده يجلس على فراشه و بجواره تنبعث ايات قرآنيه من المسجل بصوت رخيم، ابتسم و همس بهدوء حانى: اتفضلى يا جميله الجميلات..

تقدمت منه لتجلس امامه على الفراش و وضعت القهوه على الكومود بجواره لتُمسك بيده لتكتب حروف متفرقه يستشعرها هو ليعرف ما تريد قوله ح، ل، و، ا، ل، ا، س، م، د، ه
ابتسم و هو يحتضن كفها بكفه القويه لتغرق داخلها مشعره اياها بحنان و امان مفرط و قال بخبث: العريس اللى بيقول كده.

حاولت اخراج يدها من بين يديه لتكتب على يديه شيئا ما و لكنه لم يمنحها الفرصه و اردف متوقعا ما كانت ستكتبه: العريس اللى اتقدملك و انتِ رفضتيه قالى انه شايفك جميله الجميلات، مليش دخل انا.
زفرت بقوه ليضحك هو رافعا يده بهدوء باحثا عن وجهها امامه حتى لامس انفها ليداعبه بأصابعه هامسا بمكر: بيحبك مش ذنبى!

ابتسمت هى ابتسامه ساخره لم يلحظها و خصوصا عندما قال غير مدركا شعورها الان و لكن ما سيخبرها به يستحق الفرحه: عندى خبر حلو..
ابتسمت بانطلاقه هذه المره فطالما ضمن عاصم انه حلو اذا ستفرح بالتاكيد، ضغطت كفه دلاله منها انها تسمعه فابتسم و هتف بسعاده: انا...
قطع كلماته عندما وصله صوت صراخ بالاسفل فانتفض كلاهما فصرخ عاصم قلقا: دا صوت جنه.!

و تحرك مسرعا للخارج حتى كاد يتعثر بخطواته و هو يحرك يديه في الهواء فهو رفض رفضا تاما الحصول على عصا ليستند عليها، اقتربت منه مها مسرعه و جعلته يستند عليها ليتحركا للاسفل..
اخذت جنه انفاسها الضائعه بصعوبه و هى تنهض عن الارض بعدما نالت ضربه قويه من يد احد الابواب البشريه و التى القتها ارضا امام كوثر التى اقتربت منها رافعه اياها من خصلاتها و جنه تصرخ بوجع: انا مجتش هنا علشان امشى.

تسمر عاصم اعلى الدرج و صوت كوثر يخترق مسامعه لينتفض قلبه غضبا و الاسوء خوفا و هو يصيح بغضب مكتوم: كووثر..
استدرات كوثر لاعلى الدرج لتضحك بتصفيق مرحبه باستهزاء: اهلا اهلا بسياده النقيب، تعبت نفسك ليه بس انا كنت هاجى لحد عندك بنفسى.!؟!

اضطربت مها فالوضع لا ينم عن خير بينما تحرك عاصم فتحركت معه حتى وقفا امام كوثر مباشره فركضت مها لجنه و ساندتها لتقف و كلا منهما تنظر للاخرى بقلق، شدد عاصم قبضه يده بغضب، قلق و المعضله بعجز، بعجز لم يشعر به قبلا كما يشعر به الان..

تحركت مها و جنه بجوار عاصم لتضع جنه يدها على كتفه لتشعر بارتجافه جسده التى تدرى جيدا سببها و بمجرد ان همست باسمه، رفع يده محاوطا كتفها ضاما اياها لصدره بينما تتمسك مها بها من الجهه الاخرى و هتف بحده متسائلا و لا يدرى ان كان اتجاه نظره لها ام لا: جايه هنا ليه؟

عادت للخلف خطوه و نظرت لثلاثتهم بأسى محركه رأسها يمينا و يسارا هاتفه بأسف: شكلكوا جميل قوى، عيله رائعه، ، ثم صاحت بغضب تملك منها بعدما رأت عاصم امامها: بس للاسف مش هتفضل كده كتير..
شعرت جنه بيد عاصم تشدد ضمها و يد مها ترتجف و هى تضغط على يدها اكثر، فأخذت جنه نفسا عميقا و اجابتها بثبات ينافى انتفاضه قلبها: مش هتقدرى تعملى حاجه صدقينى.

نظرت كوثر لاحد رجالها فتقدم ليسحب مها من بين يدى جنه للخلف فحاولت مها الصراخ و لكن من اين لها بصوت عالى الان، فابتسمت كوثر و هى ترى جنه تُفلت يد عاصم لتتحرك بغضب باتجاه مها و عاصم ينتفض فزعا و هو لا يدرى حتى ما يصير حوله إلا عندما استمع لصوت جنه تصرخ: مها ملهاش دخل بحاجه يا كوثر، حقك و عقابك و غضبك منى انا بلا...

قاطعتها كوثر و هى تشير بيدها لرجل اخر و هى تتكلم باستهزاء واضح: بلا، بلا، بلا، كلام كتير مفيش منه فايده...
تحرك عاصم خطوتين للامام هاتفا بغضب عاصف و عروق وجهه كلها تظهر لتدل على غليان الدماء بعروقه: اقسم بالله تمسى شعره منهم هقتلك يا كوثر.

اتجه الرجل لعاصم و على غفله منه كبل يديه الاثنيتن خلف ظهره ليتحرك عاصم بعشوائيه محاولا تخليص ذراعيه و لكن استطاع الرجل تقيد حركته ضاربا ركبتيه من الخلف حتى سقط ارضا، صرخت جنه بفزع و همت بالتحرك و لكن كوثر وقفت امامها بوجه ينكمش أسفا ساخرا و هى ترمق مها تاره و عاصم تاره اخرى لتهتف باستنكار: يا حرام، شكلهم صعب قوى، يا حرام، قلبى هيضعف.

انتفض عاصم محاولا النهوض و عندما بدأ يتحرك بعشوائيه مفرطه محاولا تشتيت الرجل و التى كاد بالفعل يفلته لولا اقتراب الرجل الثالث ليكبله كلاهما حتى عجز عن الحركه تماما، فغام قلبه داخل ضباب عجزه و لوعه خوفه، و لاول مره يحنى رأسه غير قادرا على الحركه، حتى وصله همس جنه القوى و الذى اذهله فرفع رأسه متابعا مصدر صوتها و هى تهتف بحده ساخره: هو انتِ فكرك لما تستغلى الضعف و تهاجمى تبقى انجزتِ حاجه!

بدأ غضب كوثر يتصاعد حتى وصل لاقصى درجاته عندما تحركت جنه حولها حتى وقفت خلفها لتهمس بأذنها هامسه: هو انتِ فكرك انى مش فاهمه انك مرعوبه يمكن اكتر منى دلوقت!، فكرك ان مش باين في عنيكِ الخوف و التردد!، فكرك انك لو من غير رجالتك هتقدرى تقفى في وشى او تفكرى حتى تقربى من مكان يخص عاصم!

استدرات لها كوثر بغضب و رفعت يدها لتهبط على وجه جنه في صفعه مدويه و لكن هيهات رفعت جنه يدها ممسكه بيد كوثر بقوه هاتفه بتهديد صريح و قوه ربما حتى جنه تختبرها في نفسها للمره الاولى: لأ، دا كان زمن و انتهى، جنه اللى كنتِ بتضربيها زمان انتهت، اللى قدامك دلوقتى مش جنه ماجد الالفى، اللى قدامك دى، جنه عاصم الحصرى، اللى لا تعرف يعنى ايه خوف و لا هتسمح لواحده زيك تخوفها..

ثم دفعت يدها بغضب فتراجعت كوثر للخلف خطوتين بذهول تام، نعم هى كانت مدركه ان جنه لم تعد كالسابق لكن تلك القوه، لم تكن تتوقعها ابدا..

نظرت جنه لمها لتؤازرها بعينها لتقوى، فنظرت اليها مها باضطراب ثم اعتدلت من انحنائها الكسير بين يدي ذلك الرجل لتخفى دموعها خلف ابتسامه ثقه دفعتها جنه دفعا لوجهها رغم اطنان الخوف داخل قلبها، و كذلك عاصم رغم براكين الغضب داخله وجد نفسه يبتسم فخرا و اعتزازا بامرأه رغم ضعفه هى قويه، و يكاد يجزم انه لولا ضعفه هذا لما رأى قوتها ابدا..
ثارت كوثر و هتفت بغضب حارق بأحد رجالها: اعمل اللى قولتلك عليه.

و على غفله من الجميع و بحركه سريعه كان عاصم ملقى ارضا اثر ضربات الرجلين الجحيميه فصرخت جنه و هى تقترب منهم و لكن يد كوثر التى تشبثت بمعصمها منعتها من الحركه لتستدير جنه لها صارخه بلوعه: انتِ عاوزه ايه؟
صرخت كوثر بالمقابل و هى تشير للرجال بالتوقف و تنظر لجنه بتحدٍ سافر: انتِ..
توقفت جنه عن التملص منها و همست باستغراب: انا!

تركتها كوثر و تمتمت مؤكده بكل كره و غا دفنته لهذا اليوم: اه انتِ، جوزك خسرنى حياتى و انا مش ههدى غير لما يخسر حياته هو كمان، مش ههدى غير لما اكسره، بيكِ.

ثم نظرت لعاصم الذى يحاول النهوض رغم تيقنها من ان جسده يصرخ ألما فما فعله به الرجال كان اكثر من مؤلم و ضحكت تسرد بتشفى: خسر شغله، خسر بصره، خسر اسمه و قوته، و لما هيخسرك هيخسر كل حاجه، ، ثم استدارت لجنه مجددا و اردفت مسرعه تطمنها بسخط: متقلقيش هرجعك ليه بس بعد تعديلات بسيطه، ، ثم ضحكت بسخريه و انتصار: تعديلات هتكسرك و تنهيه..

نظرت جنه لعاصم لتتشبث بقوتها الجديده و تستمد منه قوته المختفيه تماما خلف حاجز عجزه الان و صرحت بتحدٍ واثق: مش هتقدرى لا تأذينى و لا تأذيه يا كوثر، مش هتقدرى.

اشارت كوثر للرجل الممسك بمها فدفعها لتسقط ارضا فاصطدمت رأسها بالدرج لتشعر بدوار شديد يلفها بينما تحرك الرجل باتجاه جنه ليُمسك بذراعيها ليلويه بقوه خلف ظهرها و رغما عنها خرجت منها صرخه متوجعه، فضرب عاصم بقبضته ارضا و هو يصرخ بانهيار روحه و صوته يخرج مهزوزا مضطربا: جنه.

ضحكت كوثر عاليا و هى تزيد من الضغط على جرح عاصم المعنوى و هى تريه كم ستعانى جنته: ايه يا كابتن، حلو صوتها و هى بتصرخ؟، ، ضغطت اسنانها و همست بتذكر: فاكر لما ضربتنى بسببها؟!
اشارت للرجل فرفع يده لتسقط بصفعه مدويه على وجه جنه جعلت عاصم ينتفض ناهضا رغم آلامه و لكن كبله الرجلين ليسقط ارضا مجددا و هو يصرخ بكلام يُدرك جيدا انه لن يستطيع تنفيذه الان: أقسم بالله يا كوثر ما هرحمك..

ضحكت مجددا بصوت عالى و الرجل يرفع جنه عن الارض لتقف بترنح و جانب فمها ينزف اثر صفعته القويه و عيناها تزوغ بضعف و لكنها نظرت لكوثر بثبات محاوله تجاوز المها فعاصم بحاجه لقوتها الان..
نظرت للرجلين و قالت بأمر لامبالى: سيبوه، ، ثم تحركت للخارج و اشارت لجنه: و هاتوها.

تحرك عاصم على الارض زحفا لعله يصل لهم و عندما رأته جنه استغلت تشتت الرجل بأمر كوثر و دفعته لتركض لعاصم و تجعله يقف صارخه بقوه و غضب: لأ، مهما حصل، لأ، عاصم الحصرى لأ، و لا حتى علشانى يا عاصم، انا مش هسيبك صدقنى، انا مستعده اخسر حياتى و لا انى ابعد عنك.
تمسك بها بقوه ضاما اياها لصدره بقوته الضعيفه كأنه يزرعها بداخله و لا يدرى ما الحل ماذا يفعل او كيف يتصرف؟

ابتسمت كوثر و هى ترى عجزه و لكى تشعره به اكثر ارادت ان تتركه جنه بمفردها لا ان تجبرها كوثر على ذلك، ارادت اشعاره بأن زوجته تلك تراه ضعيفا عاجزا، ارادت قتل ثقته و قوته للابد، فأمسكت بسلاح احد الرجال معها و رفعته لتضعه على رأس عاصم و هى تهتف بهدوء: طيب حياته، و لا حياتك؟

نظرت جنه اليها لتشهق بفزع لم تستطع اخفاؤه هذه المره و انهمرت دموعها بسرعه و هى تضم عاصم بقوه لتهتف ببكاء متوسل: لأ، لأ الله يخليكِ..

كادت كوثر تتراجع خوفا و اربتاكا، و لسبب ما تخيلت احدى ابنتيها محل جنه الان، عاطفه الامومه داخلها تحركت للحظات و لكن سم نجلاء الذى يسير داخل رأسها الان اعمى عينها تماما و قتل شعورها بالذنب و الخوف فقربت السلاح منه اكثر تستمر فيما نوته: قدامك اختيار من اتنين، يا تمشى معايا من سكات، يا تفضلى جنبه و تقرأى الفاتحه عليه..

شهقت جنه و بحركه مفاجأه دون تفكير ابتعدت عنه و هو في حاله من الذهول لا يدرى ما يحدث؟ أو ما الذى دفعها لتبتعد؟
فصرخ و هو يحرك يده في الهواء باحثا عنها: جنه، جنه..
تمتمت ببكاء و هى تخرج من المنزل معهم: انا اسفه..

بينما هو استمع لكلمتها من هنا و اخذ يتحرك كالمجنون خلفهم حتى اصطدمت قدمه بطاوله يعلوها فازه زجاجيه فسقط لتسقط الطاوله بجواره و تسقط الفازه متكسره لتتنشر حوله و تتطاير شظياها فتصيبه احدهما بيده ليصرخ بكل ما يعتل بصدره من الم و عجز و لم يجد غير اسمها يكوى قلبه و يحرق نفسه: جنه!
و دون مقاومه و دون تفكير تساقطت تلك الدمعه الهاربه من جانب عينه، لا يدرى لما؟
ألأجلها ام لاجله؟!

ام لأجل احساس قلبه المذبوح بخنجر ضعفه و قوتها، و عقله المترنح بين عجزه و مقاومتها؟!.
فعجزه لم يقتصرعليه فقط بل ادرك الان انه اصبح نقطه ضعف لها..
شعر بيد تربت على كتفه ادرك انها مها ساعدته يعتدل جالسا و هى تبكى و امسكت يده تضغط عليها كأنها تطالبه بالقوه فاختفت الحياه من معالم وجهه تماما و نهض واقفا هامسا بهدوء ينافى احتراق قلبه: تليفونى فوق، اتصلى بأكرم..

ابتعدت عنه و ركضت للاعلى احضرت هاتفه و بعثت رساله لأكرم و ثوانى معدوده و ارتفع رنين الهاتف بأسمه فأسرعت لعاصم تعطيه الهاتف الذى بمجرد ان فُتح الخط قال باختصار: مستنيك في البيت يا اكرم بسرعه..
و اغلق الخط بعدها و تكاد مها تُجزم انه حتى لم يستمع لرد اكرم، عيناه ازدادت ظلمه على ظلمتها، انفاسه بطيئه لكنها حارقه، هدوءه مطمئن لكنه يسبق عاصفه هوجاء، ضعفه أعجزه و لكن هناك قوه لن تستمر كثيرا بالاختفاء..

و السؤال هنا ليس ماذا سيفعل؟ و لكن بما يُفكر؟ و هذا اسوء.
جلست مها امامه تتفحصه و عقلها عاجز عن مجرد تخيل ما ينوى فعله سواء بكوثر او برجالها او حتى بجنه التى لا تدرى ماذا فعلت بعد اغمائها...

جلست تضم ركبتيها لصدرها بخوف و دموعها تنهمر بغزاره و تردد اسم الله باستمرار فهى مدركه تماما انه لن ينجدها احد من هنا سواه و على لسانها دعاء لا يفارقها اللهم اكفينهم بما شئت و كيف شئت ..

استمعت لصوت الباب يُفتح فاعتدلت وافقه و جففت دموعها مسرعه فمهما كانت خائفه و مهما ارتعب قلبها لن تسمح لكوثر برؤيه خوفها ابدا، حسنا هى في موقف ضعف لا تقوى على التصرف و لكن ان ترى كوثر بعينها تلك النظرات الكسيره الذليله لن يحدث ابدا..

ربما حطمت قلب ابن الحصرى مرات و مرات و ربما فشلت في علاقتها معه، و لكنه لم يفشل ابدا في دعم ثقتها، لم يفشل في منحها قوته، و بالتأكيد لم يفشل في جعلها اقوى من السابق بمراحل فمن تقدر على مجاهده نفسها و قتل كل سعادتها و فرحها ألن تكون قادره على مجابهه شخص اخر؟

اقتربت كوثر منها لتعقد حاجبيها بابتسامه خبيثه تتحدث بتعنت: ها، اكيد وحشتك ايام زمان، ايام ما كنتِ بتنامى على الارض، تروحى و تيجى بأمر منى، تاكلى يوم و عشره لأ، اكيد اكيد وحشتك، ايام جميله، صح يا بنت الالفى؟
عقدت جنه ساعديها امام صدرها لترفع رأسها لاعلى هاتفه بكلمه واحده بابتسامه ماكره استدعتها بأقصى ما تملك من قوه حتى تصدقها كوثر: ماتت..

ازاداد انعقاد حاجبيها و دارت عينها على ملامح تلك الصغيره الواثقه و المتماسكه لحد كبير فأردفت جنه و هى تتقدم منها خطوه: بنت الالفى ماتت، و اللى بيموت لا بيرجع و لا بيشتاق..
ضحكت كوثر عاليا و هى تتنهد باعجاب صائحه بفخر ساخر: حلو جدا الكلام اللى انتِ حافظاه ده، بس معتقدش ان مفعوله هيستمر كتير.!

اومأت جنه بلامبالاه و احتدت عينها ببريق غاضب لا يتناسب مع طفوليه ابريقها العسلى و هى تهمس تحاول بقدر الامكان اشعارها هى بالارتباك و الخوف: فاكره اخر مره اتقابلنا فيها يا كوثر..؟!؟
اختفت ابتسامه كوثر تعبس و غضبها يتفاقم و احداث ذلك اليوم من صدمتها، خوف جنه، غضب عاصم و يده التى طبعت اثارها على وجنتها و حتى ان لم تعد تظهر فاثارها حُفرت بعقلها و قلبها...

ابتسمت جنه و هى ترى الغضب الذى ارتسم على وجهها فجأه فاردفت: يومها انا رفضت اقلل من تربيتى معاكِ، رفضت اقلل من احترامك، رفضت و قولت مهما كان عليا دَين ليكِ و لازم ارده، مهما كان انتِ ربتينى و تُعتبرى امى..

صمتت لحظات و كوثر يزداد توترها فهى من الاساس لا ترغب بما تفعله و لكن نجلاء قالت وهى وافقت و انتهى الامر، ، أكملت جنه بقوه: لحد النهارده انا بسدد الدَين ده، لا اشتكيت عليكِ و لا طالبتك بأى حاجه، و لا فكرت اذيكِ، و..

قاطعتها كوثر صارخه: بس جوزك فكر و عمل، خسرنى فلوسى و كتبها باسمك، قفل الشركه و خلى حسابها و تصفيتها كلها باسمك، خسرنى البيت و حتى بحصتى من الورث بقيت بسدد ديونى، كان السبب فانى ابعد عن بناتى علشان يعرفوا يعيشوا، كل ده و عاوزانى اغفر له ببساطه..!
راقبت جنه اضطرابها و هى تتحدث بسرعه مفرطه و انفاس لاهثه كأنها تعدو في سباق فقالت بتسائل متعجب: و ايه اسبابه؟ و لا مفكرتيش في ده، مفكرتيش تستحقى او لأ؟

هاجت كوثر تماما و هى تعيد خصلاتها للخلف بغضب: لا مستحقش و مش هسامحه و لا هسامحك لانك السبب، ثم اشارت على وجهها باصبعها قائله بثقه: الثقه اللى على وشك دى هتختفى دلوقت و انا هعرفك يعنى ايه خوف.

و دون كلمه اخرى تركتها كوثر و خرجت مسرعه ذهبت لغرفه مجاوره لتجد ذلك الرجل الذى يبدو في الاربعين من عمره جالس ارضا و امامه طاوله تعلوها تلك الممنوعات التى اعطته كوثر اياها و هو يستنشقها بنهم رافعا رأسه لاعلى ليتنفس بصوت عالى مغلقا عينه بانتشاء حتى انتهى من الكميه تماما..

دلفت و اشعلت احدى سجائرها تنفث دخانها بقوه تعبر عن غضب عقلها و ارتياب قلبها، نهض الفتى يترنح بنشوه حارقه و جبينه يتصبب عرقا و هو يطالعها من اعلى لاسفل، ذلك البنطال الضيق الذى يرسم قدميها باحترافيه و اغراء مفرط و عيناه تموج تمويجا من انحناء جسدها ثم لاعلى و ذلك القميص الحريرى الذى ينساب بنعومه حد خصرها لينحت جسدها و يجعهلها اشبه بلوحه لا تقدر بثمن، اغلق عينه برغبه عارمه و هو يتابع تقاسيم وجهها التى رغم سنها لازالت تبدو في ريعان شبابها، راقبت عينه حركه اصابعها المتوتره على شفتيها عقب استنشاق نفسا عميقا من سجارتها ليداعب شفتيه مراقبا خروج الدخان باحترافيه من انفها، تقدم منها خطوه و جسده يشتعل لها حتى شعرت به،.

فاستدارت لتُفاجأ به خلفها و عيناه تجول عليها بنظرات اقل ما يقال عنها وقحه فارتبكت قليلا و تحركت بعيدا عنه و قالت بحده: اذا كنت خلصت الهباب ده.!؟
صمتت قليلا لتستجمع شجاعتها و خاصه اسفل نظراته تلك و اردفت و هى تغلق عينها غير راضيه عما تفعله: البنت في الاوضه التانيه، اعمل اللى نجلاء هانم قالتلك عليه.

ابتسم غامزا اياها بوقاحه قائلا و هو يقترب بوجهه منها و رائحته تنتشر حولها لتشعر هى باشمئزاز خصوصا مع كلمته: طيب و انت يا جميل؟
ابتعدت خطوات اخرى للخلف ثم تحركت من خلفه باتجاه الباب و قالت بقوه غاضبه: يالا انجز، اخرج..
تحرك بعدم اتزان مقتربا منها ثم مال عليها مستنشقا عطرها مغلقا عينه مصدرا صوتا متلذذا و همس بأسى: يا خساره..

ثم تركها و خرج متجها لغرفه جنه التى كانت تجوب الغرفه ذهابا و ايابا تفكر كيف تتصرف؟! كيف تطمئن عاصم على الاقل.؟! كيف تطلب النجده.؟!

اقتربت من النافذه لتجدها مغلقه بقطع خشبيه متلاصقه حاولت النظر من خلالها لتجد انها في مكان ما يقع على مقربه من فندق كبير، حاولت رؤيه اسمه و لكنها لم تستطع، حاولت دفع الخشب و لكنها ايضا لم تستطع، ضربت قدمها بالارض بغضب تحاول التفكير و القاء شعور الخوف جانبا و لكن قلبها قلق لسبب ما تشعر ان امر سيئا على وشك الحدوث..

و قد كان عندما استمعت لصوت الباب يُفتح استدارت مسرعه لتتفاجئ بذلك الشخص الذى دلف و اغلق الباب خلفه متقدما باتجاهها و عيناه تشتعل ببريق لم تستطع فهمه لكن ما ادركته جيدا انه ليس ببريق غضب و بالتاكيد ليس شفقه و انما شيئا اخر لو علمت مغزاه داخله حقا لقتلت نفسها..
تراجعت حتى التصقت بالجدار و هى تطالعه بخوف لم تستطع اخفاؤه هاتفه بحده: انت مين؟ و عاوز ايه؟

نظر اليها من اعلى لاسفل، عبائتها الواسعه التى لا يظهر من اسفلها اى شئ و لا ترسم ملامح جسدها حتى، فقط اشبه بطفله ترتدى عباءه امها المهلهله، رفع عينه لوجهها ليجد برائه لا تحرك بداخله شئيا بالاضافه لحجابها الذى اخفى عنه حتى رؤيه عنقها و خصلاتها، زم شفتيه بخيبه امل فشتان بين من رأها منذ قليل و بين تلك الطفله امامه، و لكنه ابتسم قائلا بنبره خبيثه متلاعبه و غير متزنه: مش مشكله اهو نكشف المتغطى و نعرى المستور!

جحظت عينها و نبضات قلبها تطرق بعنف شديد و هى تبتعد عن مرمى خطواته لتصرخ بخوف مرتعد: انت اتجننت، اخرج بره..
رفع يده واضعا اياها على اذنه و هو يترنح بضيق و حاله من اللاوعى تسيطر عليه: بصى بقى انا عامل دماغ متكلفه، فخليكِ حلوه كده و انجزى في يومك..

تساقطت دموعها رغما عنها لتصرخ بتوسل: بالله عليك اخرج، اتقي الله و ابعد عنى، ثم ركضت باتجاه الباب تحاول فتحه و تطرق عليه بقوه صارخه ببكاء فأسرع هو يتمسك بها حتى لا تستطيع فتحه: كوثر، الله يخليكِ ساعدينى، معدش فيه ثقه، انا خايفه بالله عليك خرجينى..

و في الغرفه المجاوره جلست كوثر على الكرسى و هى تضع يدها على اذنها و صوت جنه لا يخترق اذنها فقط بل قلبها، عقلها و انوثتها، جعلها تفكر بالتراجع و لكن ربما لم يعد هناك وقت، حاولت الابتعاد و منع صوت جنه من الوصول اليها و لكنها لم تكن تدرك ان الصوت ينبع من داخلها، اغلقت عينها و هى تتذكر حياتها، و اول ما جاء بخاطرها، امل و ماجد، كيف كانا، كيف احبا بعضهما، كيف اشعل حبهم الغيره في قلبها، و الحقد في نفسها؟

تعالت صرخات جنه بشكل جعل كوثر تفقد اعصابها تماما لتدخل في نوبه حاده من البكاء و هى تردد بهستريا: انا اسفه، انا اسفه..

اما بالغرفه فأخذت جنه تحاول الفكاك منه و هى تركض يمينا و يسارا و تقذف كل ما يقع تحت يدها بوجهه حتى يبتعد بينما هو يكاد يرى و كلما تقدم خطوه يسقط الاخرى، حتى امسك بها مقيدا حركتها و هى تدافع بكل ما تملك من قوه حتى كادت تنفذ كل محاولتها، جذب حجابها بقوه و دفعها ارضا ليلقى بحجابها جانبا و خصلاتها تنهمر على كتفها و ظهرها، و دون تفكير دفعت بقدمها في وجهه ليسقط ارضا على ظهره صارخا بسباب و هو يلعن تحت انفاسه،.

فنهضت تحاول فتح الباب حتى استطاعت و خرجت راكضه و عندها نهض هو بتثاقل و جسده لا يحمله ليخرج مترنحا وجدها تركض على درج خارجى و لكنه لم يأبه بها فليلته لن تنقضى بهذا الشكل ابدا، نظر للغرفه المجاوره و اندفع بخطوات مستهويه راغبه اليها و دون ان يطرق الباب حتى دلف على غفله و اغلقه مسرعا و هو ينظر لها بعدما انتفضت واقفه بارتباك و قلبها يدق كل اجراس الخطر و الخوف و هى تصيح به يتملكها الرعب: انت، انت بتعمل ايه هنا؟

و كانت الاجابه تبدو بوضوح في عينيه و لكنها ربما لم تستطيع تصديقها..

ازاى تتجرأ تعمل حاجه زى دى؟ احنا فين؟! هو احنا عايشين في الغابه؟ ماشيين بمبدأ البقاء للاقوى!
صرخ بها اكرم و هو يجوب المكان بتوتر و غضب و حوله العديد من رجال الشرطه بالاضافه لمازن الذى استمع لصوت سياره الشرطه فخرج مسرعا على اثرها، اقترب مازن منه رابتا على كتفه: ان شاء الله هتبقى بخير، حاول تهدى يا اكرم..

ضرب على رأسه بغضب و هو يدور حول نفسه صارخا: اهدى ازاى و انا بقالى ساعتين مش عارف اعمل حاجه؟ اهدى ازاى و انا مش عارف هى فين و حالها ايه؟
ثم صرخ بصوت جعل الجميع ينتفض من حوله: اهدى ازاى؟
كان عاصم جالسا على الدرج مستندا برأسه على حرفه، لا ينطق بحرفا واحدا منذ قدوم اكرم و التى تكفلت مها باخباره كل شئ، لا حركه، لا كلمه و لا اى رد فعل صغير حول اى شئ..

لم يستطع احد منهم التحدث معه، لم يستطع احد معرفه ما يجول بخاطره و لكن هو، هو وحده يعرف،
يعرف الى اى مدى يحترق قلبه لدرجه يعجز عن التعبير عنها،!
يعرف لاى مدى تهشمت روحه على جدار عجزه لكن كانت هى النتيجه و هى الضحيه،!
يعرف لاى مدى هو عاجز، ضعيف، خائف بل يكاد يموت رعبا.!

يشعر ان انفاسه سُرقت، لا هواء حوله، هو يختنق، لم يكن بحياته بحاجه لنور عينيه بقدر هذا اليوم، لا ليثبت قوه او يدافع عن غرور او كبرياء بل لينقذها و بعدها لا فارق فلتذهب روحه، ليستطيع معرفه طريق الوقوف امامها لتلقى اى سهم عنها و لتذهق روحه بعدها..
اى كلام قد يعبر عما يشعر به!، اى وصف هذا الذى يستطيع ان يصف ماذا تحكى انفاسه عن الوجع حد الموت!،.

صرخاتها لا تفارق اذنيه و تمسكها به ما زال يشعر به، اى حب هذا الذى بحث عنه، و الله لو منحوه كل نساء العالم و عرضوا عليه كل حبهم ما يكفيه سوى وجودها، حتى و ان كرهته، تحمل من الالام ما يفوق قدره تحمل الكثير و لكنه لا يستطيع تحمل خذلانه لها، لا يستطيع تحمل انها قدمت نفسها مقابل حياته، لا يستطيع تحمل ان يكون نقطه ضعفها، لا يستطيع..

اعلق عينه و ما زال على حاله كما هو ساكنا فنظر اليه مازن ثم نظر لاكرم هامسا محاولا تهدأته: ارجوك يا اكرم، انت شايف عاصم، ارجوك لازم تهدى.
اقترب ظابط الشرطه من اكرم و هو يقول عبر سماعه بلوتوث في اذنه برسميه: تمام اتحركوا على المكان بسرعه و لو في جديد عرفنى.!

ثم نظر لاكرم قائلا برسميه: في اتصال وصل للقسم من سكان عماره بيشتكوا ان في صوت صريخ و تكسير في بيت مهجور وراهم، و في قوات اتحركت على هناك، طبعا مش مؤكد انهم اللى مطلوبين بس كمان ممكن يكونوا هما.
غطى اكرم وجهه بيديه هامسا بقلب يبكى: يارب، مليش غيرك، يارب احميها، يارب..
اقترب أكرم من عاصم و بيده كوب ماء و انحنى امامه مقرفصا دافعا بالكوب ليده فأمسكه قائلا بنبره لينه: هترجع يا عاصم، جنه هترجع..

ترك عاصم الكوب من يده ليسقط على الدرج و همس لاول مره منذ ساعتان تقريبا بنبره تحمل من وجع روحه اضعاف مضاعفه: هترجع كويسه؟
ثم رفع يده القابضه على شيئا ما و بسطها قائلا بصوت خفيض و بحه جريحه: انا مدين لها باعتذار يا اكرم، مدين لها بكتير قوى.!
وضع اكرم يده على ركبتيه رابتا عليها بمؤازره: مش هيحصلها حاجه يا عاصم.

اردف عاصم كأنه لم يسمعه: انا مش عاوزها ترجع علشانى، انا عاوزاها ترجع علشانها، جنه محتجانى و انا مش عارف ابقى جنبها، انا متأكد انها محتاجه حضنى دلوقتى، محتجانى و انا...
و لم يكمل و كما تحدث صمت و عاد مستندا برأسه على حرف سور الدرج و لكن لم يغفل اكرم عن تلك الدموع التى تساقطت على جانب وجهه لتتشربها شفتيه باستسلام حارق..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة