قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الأربعون

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الأربعون

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الأربعون

احذر ان تؤذى روحا لا تستطيع دفع الاذى عن نفسها الا بأنين لا يسمعه الا الله
انت اتجننت، انت بتعمل ايه؟
صرخت بها كوثر و هى تبتعد عنه و لكن يده كانت اسرع في الوصول اليها حتى تمكن منها وطاقه صبره تُستنزف فدفع بها ارضا لتعافر هى و لكنه انهى تلك المحاولات و امسك رأسها دافعا اياه للارض بقوه عده مرات متتاليه حتى تخدر جسدها تماما و كانت تلك فرصته ليستولى عليها..

ركضت جنه على الدرج مسرعه حتى وصلت للباب الخارجى و قبل ان تخرج وصلها صراخ كوثر الحاد فتجمدت مكانها و رفعت عينها لذلك الباب الذى هربت منه للتو، ظلت مكانها تتطالع الباب بخوف غير مدركه ماذا تفعل؟ صوت بداخلها اخبرها الا تهرب، و صوت اخر اخبرها ان تصعد مسرعه لتساعدها اى كان ما يحدث، و صوت ثالث كان نداء علقها بالهروب و الابتعاد بأقصى ما تملك عن هذا المكان.

اختفى صوت الصراخ فتجمدت الدماء في عروقها و لم تستطع تجنب قلبها فصعدت الدرج مجددا بخطوات بطيئه و هى تدعو الله بداخلها الا يحدث سوء ما، دلفت للمكان و قلبها ينتفض خوفا لتُفاجئ بذلك الرجل يخرج من الغرفه وبيده كيس ابيض صغير يحتوى على مسحوق ابيض يفرغه بسرعه كبيره على يده ليستنشقه بنهم و هى متجمده مكانها تماما لدرجه منعتها حتى من الهرب من امامه و هى تتطالع ملابسه الملطخه بالدماء الذى لا تدرى مصدرها، و فجأه وجدته يتشنج تماما و يضع يده على رأسه تبعها بسقوطه ارضا دون حركه، شهقت بفزع و هى ترتد خطوه للخلف تبعتها بركضها لتلك الغرفه لتصرخ بذعر و هى ترى كوثر مضرحه بدمائها المنسابه اسفل رأسها و ملابسها الممزقه و انفاسها التى تكاد تختفى..

تساقطت دموعها و هى تقترب منها مسرعه لتسقط بجوارها لتهتف بفزع: كوثر، ردى عليا، كوثر..!

همهمت كوثر ببطء و هى تفتح عينها التى خلت تدريجيا من الحياه لتهمس بخفوت شديد و صوتها بالكاد يخرج: صدقينى يا جنه مستحقش، مستحقش ان راجل يبعد عنى بعد ما حبيته و اتعلقت بيه و انا في ايدى بنتين و مفيش حد جنبى غيره و السبب انه حب زميلته في الشغل و اتجوزها و بدون حتى ما يفكر طلقنى، اتنقلت لبلد تانيه و عيشت لوحدى اربى بناتى و دا يتكلم و دا يتكلم و مفيش مخلوق متكلمش في شرفى و اخلاقى و سبب طلاقى، و مع ذلك استحملت و حاولت اعيش، لحد ما اهلك اتنقلوا قصادى..!

قُطع صوتها و عينها تغرق بدموعها و تلهث لتأخذ انفاسها و جنه امامها لا تفعل شئ سوى انها تبكى خوفا، ذعرا و ايضا حزنا حتى اردفت كوثر: كنت بشوف ازاى ماجد بيعامل امل و ازاى بيخاف عليها، كنت بحسدها و بغير منها و كان نفسى اعيش اللى هى عاشته، اُعجبت بماجد بس كنت عارفه انه لا يمكن هيكون ليا، بس اتمنيت لحد ما ربنا استجاب ليا و امل جت و عرضت عليا نتجوز، مكنتش مصدقه نفسى و اتصرفت بأنانيه و طلبت منه يطلقها، بس هو رفض و هددنى و املى عليا شروطه و هى انه عاوزنى مجرد خدامه له و لولاده..

صمتت تتنفس بصعوبه و صدرها يعلو و يهبط بعنف حاولت جنه ايقافها قائله و بكائها يزداد: قوليلى اتصرف ازاى انا لازم اطلب الاسعاف انتِ..
ابتسمت كوثر ان كانت تعتبر كذلك و همست بصوت مبحوح: وافقت علشان ابقى جنبه و قولت يمكن مع الايام يحبنى، بس محصلش، علشان كده كرهتك لانى كنت حاسه انى بيكِ بحارب شبح امل، كانت حاسه انها دايما وسطنا، حاولت اكسر حقدى ليها بيكِ، لحد ما ماجد مات..

تساقطت الدموع من جانب عينها و همست باخر كلماتها: انا مابحبكيش، معرفتش احبك، بس كرهك خسرنى كتير يا جنه..
و اغلقت عينها معلنه النهايه، ان الله يمهل و لا يهمل ..
انهارت جنه تماما و لم تستطع بأى شكل كان تمالك اعصابها، فنهضت بعدم ثبات ثم اخذت تركض بسرعه للخارج و بمجرد ان فتحت الباب كانت سياره الشرطه امامها فهبط الظابط مسرعا و بيده صوره لها و اقترب منها قائلا: مدام جنه انتِ ك...

و قبل ان يكمل كلمته سقطت جنه مغشيا عليها فحملها مسرعا و باقى الفريق صعد للاعلى ليتمم التحفظ على كل الادله..
لا تحفر قبرا بيديك فربما لا يسكنه من حُفر له بل من حَفر.

فتحت عينها ببطء لتغلقها مسرعه و الضوء يعاكسها حتى اعتادت عليه و بمجرد ان فتحت عينها وجدت اكرم امامها اقترب منها مسرعا محتضنا اياها: الحمد لله يارب، الحمد لله، ، ابعدها عنه محاوطا وجهها بيده هاتفا بلهفه: انتِ كويسه؟
نظرت اليه قليلا ثم همست و دموعها تغزو عينها: هى ماتت يا اكرم؟
نظر ارضا يحاول تمالك غضبه و لكنه لم يستطع فرفع رأسه هاتفا بحده لم يقصدها: خرجت من حياتنا و حياتها و ريحت الكل..

تساقطت دموعها و غمغمت بشرود مؤلم: ماتت قدامى يا اكرم، اخر كلمه قالتها انها بتكرهنى، هى، ،
احتضنها اكرم مانعا اياها من الاسترساال و همس محاولا بثها الطمأنينه: اهدى يا حبيبتى كل حاجه هتبقى تمام، كابوس و انتهى، انسى.
سكنت قليلا بين ذراعيه ثم ابتعدت عنه و نظرت اليه و عينها تفضح عن سؤالا عجزت شفتاها عن نطقه فقال هو مبتسما: يالا على البيت في ناس كتير مستنيه تطمن عليكِ.

غمغمت بخجل و قلبها يهفو للاجابه: عاصم عامل ايه؟
اخذ نفس عميق و ساعدها على النهوض و خرجا سويا و هو يجيبها: ان قولت بخير ابقى كداب، ثم خرجا عائدين للمنزل و الذى ينتظرهم به الجميع..
دلفت حنين للمطبخ و احضرت مشروب لهم بالخارج فدلف مازن اليها متمتما و هو يستند على الطاوله الرخاميه بظهره واضعا يديه بجيب بنطاله: اكرم كلمنى، جايين في الطريق..

وضعت حنين الصينيه بيدها و تمتمت هى الاخرى بقلق: مش عارفه ليه مش مرتاحه لعاصم، حاسه انه هيفاجأنا كلنا ب رد فعل محدش اتوقعه خصوصا بعد سكوته ده..!
نظر اليها مازن متسائلا يفهم: ليه بتقولى كده؟

تنهدت بحزن و هى تجيبه و من يفهم ذلك الارعن سواها: عاصم باللى حصل ده اتواجه اسوء مواجهه بضعفه و عاصم متعودش على كده، كلنا شوفنا انكساره و دا حاجه خارج الطبيعى عند عاصم، سكوته مش من فراغ، انا متأكده انه بيفكر في تصرف، قرار او هيعمل ايه لما جنه ترجع؟ و رد فعله هيبقى كبير، كبير قوى..

غمغم مازن بشبح ابتسامه و هو يتذكر عاصم القديم الذى كان يشبه الانسان الالى المدرب على الغضب في كل اوقاته: اللى يشوف عاصم زمان ميعرفوش دلوقتى، فعلا الحب بيعمل كتير..

ابتسمت حنين متذكره ثم تنهدت و خرجت، جلست بجوار عاصم لتقترب منهم مها و نظرت كلا منهما للاخرى و هى ترى الخوف، الضعف و التشتت يختفى عن وجهه تماما و تتبدل ملامحه لاخرى ساكنه و لكنها حاده الى حد كتير مع انحناء شفيته بشكل غاضب و قبضه يديه تزداد، وضعت حنين يدها على يده فارتجفت لحظه قبل ان تهمس هى باسمه ببطء: عاصم..

لم يجيبها و لكنه رفع يده الاخرى ضاغطا على يدها عده مرات متتاليه كأنه يطمأنها فادركت ان التحدث الان لا طائل له فجلست بجواره صامته تدعو الله ان يخيب احساسها، انتبهت كل حواسه عندما استمع لصوت احتكاك سياره اكرم بالارض فضم قبضته بشكل اكبر و هو ينهض واقفا ببطء...

دلفت جنه مع اكرم للمنزل لتجد حنين و مها ينتظروها بابتسامه و مازن يقف في نهايه الصاله و عاصم يقف امام الدرج مباشره و بدون تفكير انطلقت راكضه باتجاهه لتلقى بنفسها بين ذراعيه حتى كاد يسقط و لكنه استطاع التماسك متوقعا منها فعلا كهذا، كانت يداه متجمده بجواره و لكن اغلاقه لعينه مستندا على كتفها اخبرها انه احترق خوفا، شددت من قبضه يدها حوله و دموعها تنساب لتُغرق ملابسه، ثوانى مرت و هو متجمد بلا الا فعل حتى تنهد بصوت عالى و رفع يديه محاوطا اياها بكل ما يملك من قوه كأنه يغرسها بداخله و هو بالفعل يفعل..

اضطربت انفاسه قليلا ما بين اطمئنان بعد قلق، و امان بعد خوف، ظلا هكذا دون كلمه حتى همست هى بخفوت: ماتت يا عاصم..
ابتسم بسخريه و هو يتمتم بنبره اكثر غضبا من اى مره سبقت، وصدره يتشنج بشكل جعلها هى حتى تخاف و هو يهمس بتوعد كان ينويه و لم يكن ليرحمها احد منه لولا اراده الله: ربنا رحمها.
رفع يده محاوطا وجهها ليتسائل بهدوء ينافى تماما شعور الاحتراق خلف ضلوعه: انتِ كويسه؟

اومأت برأسها بين يديه و تمتمت بشرود: عمرى ما تخيلت انى اعيش حاجه زى كده، كنت حاسه انى في كابوس و مش عارفه اصحى منه، كل حاجه كانت غريبه..
صمتت ثوانى ثم همست هى بتسائل تدرى انه لا يملك اجابه له: انت عامل ايه؟
طبع قبله على جبينها و غمغم رافعا جانب فمه بسخريه: تتوقعى ابقى عامل ازاى!

ثم اخفض يديه عن وجهها و رفع رأسه للاعلى قليلا ثم اخفضها طابعا قبله اخرى على جبينها هاتفا بجديه: بعد كل اللى حصل، و اللى تقريبا كنت انا السبب فيه، معنديش غير كلمه واحده هقولها و بدون ما ابررها حتى.
شعرت بلهجه غريبه بصوته، لهجه جعلتها تنظر اليه بخوف و للاسف محقق، قلبها اخبرها انه لن يقول ما تستسيغه، سيقول شيئا جديدا مخالفا لما تتوقعه و سيؤلمها، يبدو انه سيؤلمها..

ازدردت ريقها ببطء و هى تنظر لوجهه مترقبه ما سيقول و عندما طال صمته همست بهدوء ينافى دقات قلبها المشتعله: تقصد ايه؟

شدد اكرم قبضته بغضب فعاصم اخبره بما ينوى فعله، لا يستطيع منعه و لكن ايضا لا يستطيع ان يسمح له بان يتلاعب بها هكذا، محق هو من اتجاه و مخطئ من اتجاه اخر، و لكن عقب كل ما حدث اليوم لا يصح ابدا ما ينوى عاصم فعله حتى و ان اصر، اقترب اكرم من جنه ليُمسك بيدها جاذبا اياها قائلا باشاره منه لعاصم بأن يصبر: ارتاحى شويه الاول و بعدين تتكلموا..

كادت جنه تتحرك اثر جذب اكرم لها و لكن عاصم امسك بيدها الاخرى ليصيح بقوه مخبرا اياه انه لن ينتظر، لن يصبر يوم اخر بل لن يفعل دقيقه اخرى: انت عارف انى مش هصبر يا اكرم؟

اغلق اكرم عينه زافرا بقوه جعلت جنه تُدرك ان ما ينويه عاصم اكرم على علم به و لكن مها و حنين و مازن كانت نظراتهم متعجبه متسائله و ايضا قلقه، تحدث اكرم بهدوء يحاول اثناء عاصم: عاصم جنه محتاجه ترتاح و تهدى، و قرار زى ده مينفعش تاخده لوحدك..
ابتسم عاصم بسخريه و ملامح وجهه تزداد ثلجيه و همس باستنكار: و دى المشكله ان جنه مش بتشاركنى قراراتى.!

هنا اعتدلت جنه جاذبه يدها من بين ايديهما لتقوم بحده و باتت تكره ان تكون لعبه: ممكن افهم انتم بتتكلموا على ايه؟، ثم نظرت لعاصم هاتفه: في ايه يا عاصم؟

مسح جانب فمه بيده و لاول مره يشكر الله على انه لا يستطيع رؤيه ابريقها العسلى الان و خاصه بعد ان تنطلق منه نهايه الخط، نهايه هذا الواقع الذى قيده بها، نهايه جوله بدأت بدون رغبتها و هو مدرك تماما انها تنتهى الان بدون رغبتها ايضا، و لكن حان الوقت لوضع نهايه لهذا الضعف لانه لم يعد يجدى نفعا و لن يجدى يوما، امسك يديها الاثنتين ليهتف بجديه تامه و نبره ثابته: انتِ طالق..

فما نفعه كل هذا العناق؟ و نحن انتهينا،
و كل الحكايا التى قد حكينا، نفاق، نفاق
ان قبلاتك البارده على عنقى لا تُطاق..
نزار قبانى
طرق معتز الباب ثم ادار المفتاح به ليفتحه ثم دلف مغلقا اياه خلفه و تقدم منها و هى تجلس على الفراش و جلس امامها واضعا الطعام و قال بمرح غير آبه بمدى ثورانها لما يفعله معها: اكيد جعتِ؟

رفعت هبه رأسها التى كانت تضعها على ركبتيها و نظرت اليه بغضب لم يعد يرى غيره بعينها التى اختفى عشقه منها نهائيا، ثم اشاحت بوجهها عنه دون ان تجيب..
اقترب منها و وضع يده على وجهها فابتعدت بوجهها عنه لتنهض صارخه بغضب: انت واخد بالك انك حابسنى هنا بقالى ايام، انت فاكر انك بكده هتخلينى انسى او اسامح..

نهض معتز هو الاخر هاتفا بهدوء يُحسد عليه: انسى فكره انك تخرجى من حياتى، او تخرجينى من حياتك، انا مش هسمحلك بكده يا هبه مهما حاولتِ.
هتفت بحده و هى تشيح بيدها في وجهه: افهم انا مش عاوزاك، خلاص مش طايقه وجودك في حياتى..
اقترب منها ممسكا يدها لتحاول جذبها بقوه و لكنه امسكها بقوه اكبر هامسا: قلبك سامحنى، يبقى عقلك محتاج وقت بس و هيسامح، انا مش هقدر اخسرك يا هبه و مش هجازف حتى بمجرد تفكير..

جذبت نفسها بقوه صارخه باستنكار: معتز افهم انا مش هقدر اثق فيك تانى، مش هقدر أءتمنك على نفسى، مش هقدر اعيش معاك بعد كل اللى حصل، انت بجد انتهيت من حياتى..
همس بلامبالاه و هو يعطيها ظهره ليجلس على الفراش: بس انتِ لا يمكن تنتهى من حياتى..
ضربت بقدمها الارض لتصيح بجنون: انا بقيت بكرهك ليه مش عاوز تفهم بقيت بكره...

قاطعها واقفا محتجزا اياها من كتفيها صارخا بغضب مماثل: انا مش هسمح ليكِ يا هبه، مش هسمح ليكِ تكسرى قلبك و قلبى، مش هسمح ليكِ تبعدى عنى غصب عنى و عنك..
تركها لتهتف هى بذهول: يعنى ايه؟! يعنى هتفضل حابسنى كده يا معتز؟ واخد تليفونى و قافل عليا الباب كأنى طفله صغيره، حتى اتصالات اهلى بترد انت و مانعها عنى.

ثم عقدت حاجبيها هاتفه بثقتها مستنكره: انت فاكر انك كده هتخلينى استسلم و انسى و كأن شيئا لم يكن؟ فاكر كده انك هتضغط عليا فانا هتراجع عن قرارى؟
اقتربت عده خطوات منه حتى وقفت امامه مباشره لتلمع عينها ببريق تحدى و هى تصرح بعنف واثق: غلطان، مش هبه يا معتز، مش هبه اللى هتقدر تضغط عليها..

جذبها اليه محاوطا خصرها بيده متوقعا ارتباكها و ربما استسلامها لدفء حضنه الذى طالما اخبرته انه يحتويها بحنان لن تجد مثيل له و لكنها حتى في هذا حطمت توقعه عندما نظرت اليه بثباتها و عيناها مازالت على تماسكها المتحدى، مال بوجهه عليها اكثر لربما يُضعفها ليستطيع حتى التعبير عن مكنونات قلبه المحترق لها في هدوء افضل من تلك العاصفه و لكنها ايضا على وضعها بل و بدلا من ان تستند بيديها على كتفيه عقدت ساعديها امام صدرها بينها و بينه ناظره له ببرود جديد عليها، نظر لعينها قليلا ثم انخفضت عيناه لشفتيها هامسا بعاطفه حقا تشملها: سامحينى يا هبه، و الله العظيم بحبك، بحبك بس انا اتصرفت غلط، معقول مفيش لحظه بينا تساعدك تسامحينى..

حركت شفتيها لتتحدث و لكنه اسكتها بشفتيه متملكا اياها للحظات معدوده و هى متجمده بين ذراعيه دون حركه حتى ابتعد عنها و نظر لوجهها لربما يرى اشتياق او خيط عشق رفيع و لكنه صُدم عندما وجدها تتطالعه باشمئزاز و رفعت يدها لتدفعه عنها هاتفه بنفور: ها، اخدت اللى انت عاوزه..!؟
تحركت للفراش و جلست عليه و قالت بلا مبالاه: اخرج بقى عاوزه افضل لوحدى..

ظل يطالعها باندهاش تام جعل عقله يُشتت تماما، مع شعوره بألم معدته يزداد سوءا فهو لم يهتم بعلاجه او نصائح الطبيب طوال الفتره الماضيه و التى ادت لتدميره ألما، , و قبل ان تشعر هى بشئ تحرك هو للخارج و لكنها اوقفته صارخه باقتناع: و انا موافقه يا معتز..
توقف محله اخذا انفاسه بصعوبه و جبينه يتصبب عرقا و همس بإعياء: على ايه؟

عقدت حاجبيها بتعجب من هدوءه المفاجئ و وقفت خلفه تخبره قرارها: انت شايف ان وجودى جنبك هيخلينى اسامحك، ماشى انا هفضل يا معتز، بس هرجع شغلى و هعيش حياتى من غير الحبسه دى و نشوف هقدر و لا لا؟
استدار لها وعندما رأت وجهه جزعت و قلبها الاحمق و الذى مهما حاولت قتله يعصى امرها: مالك يا معتز؟ انت كويس!
ابتسم باشراقه و هو يرى القلق يتجسد بعينها و غمز بشغب: ليه؟ قلقانه عليا و لا حاجه؟

نظرت له قليلا و ادركت انه يتعمد هذا لكى يقلقها فحركت فمها بلامبالاه و تحركت باتجاه الفراش مجددا فقال بنبره آمره: كلى علشان علاجك، و وقت ما تحسى انك كويسه تقدرى تنزلى الشغل، و تليفونك في درج الكمودينو جنبك ان مأخدتوش كل الموضوع قفلته، و اهلك لما كلمونى عرفتهم اللى بينا و قولتلهم ان في مشكله و بنحاول نحلها و كلمت محمود كمان اينعم اتفاجأت بهدوءه اللى انا شاكك ان وراه حاجه بس فهمته اللى حصل و هو وافقنى في قرارى، انا مش حابسك يا هبه، انا بس بحاول اضمن انك تبقى معايا، علشان انا مش هقدر اخسرك..

و بدون كلمه اخرى خرج من الغرفه و بمجرد ان اغلق الباب ضغط اسنانه بألم مفرط و يديه تعتصر معدته بقوه و عيناه تغيم من شده الوجع حتى سقط امام باب غرفتها ارضا، نظرت هى للباب و بدأ جليد قلبها يتصدع و بدأت دموعها بالهبوط متمتمه: نفسى اسامحك بس وجعى مش مسامح يا معتز غصب عنى...

اتجهت للفراش و اخرجت ادويتها و حاولت تمالك نفسها لتأكل و بعدها تناولت دوائها، نهضت حامله صينيه الطعام لتذهب بها للمطبخ و بمجرد ان فتحت الباب وجدته جالسا ارضا يستند على الجدار و يبدو الوجع على وجهه فوضعت الصينيه من يدها على الطاوله داخل الغرفه و ركضت اليه صارخه و هى ترتكز بركبتيها ارضا: معتز، معتز انت كويس؟

فتح عينه بهدوء لترى احمرار عينيه و ضعفها لتضع يدها على ظهرها و رفعت يده لتضعها على عنقها لتقول و هى تساعده على النهوض: قوم معايا..
نهض مستندا عليها فأدخلته الغرفه و اجلسته على الفراش تتحرك بتوتر تسأله: ادويتك فين؟
اشار بعينه بتعب على الكومود: في مكانها..
نظرت اليه بدهشه و صاحت بغضب و هى تركض لتحضرها: انت طول الفتره دى مبتاخدش علاجك؟

احضرتها و اسرعت باعطائه اياها و هتفت به بحده و هى تجلس بجواره: هتفضل لحد امتى مستهتر كده؟
نظر بعمق عينها هامسا بارهاق: طول ما انتِ بعيده عنى..
اغلقت عينها و زفرت بلوم و نهضت لتخرج و لكنه امسك يدها و جذبها لتجلس و اعتدل نائما على فخذها ليسحب يديها و يضمهما معا على صدره: خليكِ هنا..

اخذت نفسا عميقا ثم سحبت يدها و وضعتها تحت رأسه لترفعها و وضعتها على الفراش و نهضت و ما عاد بها قدره لتحمل حتى ضعفها بحبه فحتى هذا قد استنفز طاقتها فيه: مش هبقى موجوده دائما يا معتز، الفله دبلت..
و تركته و خرجت فتابعها هو بعينه و همس مأكدا لنفسه و قلبه الخائف قبلها: هرويها تانى يا هبه، هستعيد فلتى، اكيد.

تقدمت حنين من حياه الجالسه على الارض و امامها طاوله صغيره عليها عده اوراق تعمل بها فابتسمت و جلست بجوارها هاتفه بمزاح: امممممم حياه هانم المشغوله دائما..
ابتسمت حياه و مازالت تدفن وجهها بين الاوراق فأردفت حنين بعتاب: مش واخده بالك انك طول اليوم على الحال ده، احنا تقريبا بنتكلم معاكِ بميعاد..
تركت حياه الاوراق و نظرت لحنين ضاحكه: ايه ده؟ نواره بيتنا زعلانه منى و لا ايه؟

اومأت حنين بطفوليه تمرح فضحكت حياه مجددا و هتفت بأسف: متزعليش منى، بس انا لازم اخلص الموضوع ده علشان المسابقه قربت و انا لازم استعد لها كويس جدا..
ابتمست حنين رابته على رأسها بحنان و هى تقول بثقه: انا متأكده انك هتنجحى، انا واثقه فيكِ..

ابتسمت حياه بامتنان وعادت لاوراقها مجددا فنهضت حنين و دلفت للمطبخ لتعد السفره لتناول الغذاء فمازن على وشك الوصول و قد حان وقت الوجبه الثانيه فهى تحرص كل الحرص على اوقات وجباته و دواء الضغط حتى لا يحدث مالا تُحمد عواقبه، لكنها تفاجأت بالمطبخ فارغا، نظرت على الموقد الذى لابد ان يحمل عده طواجن من الطعام فاليوم كان يوم حياه في الطبخ و لكنها لم تجد شيئا، عقدت حاجبيها استغرابا و اتجهت للخارج وقفت امام حياه متسائله بدهشه: حياه، انتِ طبختِ النهارده؟

رفعت حياه عينها ثم اخفضتها مسرعه و هى منهمكه في عملها لتجيب باختصار: لأ، معلش يا حنين هسيب الموضوع عليكِ النهارده، انا مش فاضيه..
ابتسمت حنين بتعجب و تمتمت باستنكار: مفيش مشكله بس مقولتيش من بدرى ليه؟ البشمهندس على وشك الوصول و الاكل هياخذ وقت.
اجابتها حياه و عينها بين اوراقها و خرجت نبرتها لامباليه او هكذا ظنت حنين: مش هيحصل حاجه ان اتأخرنا شويه، انا نسيت اقولك خالص و الله.

انخفضت حنين امامها و امسكت يدها عن الاوراق و رفعت رأسها اليها هاتفه بحده نسبيه: العلاج و التعب مينفعش معاهم مش هيحصل حاجه يا حياه، بتحبى الشغل و فهمنا لكن توصل لاهمال، اظن ده مش صح، و خصوصا لو الموضوع صحه جوزك.
نظرت اليها حياه بتعجب ثم ابعدت يدها هامسه بتسائل ساخر تقصده تماما: مهو جوزك انتِ كمان مش هيحصل حاجه ان اهتميتِ بيه انتِ..!

اتسعت عين حنين بضيق و هى تنهض صائحه باندفاع و انفعال لم تكن تعرفهم من قبل: حياااه، ياريت تلاحظى كلامك، انتِ عارفه كويس العلاقه بينى و بين البشمهندس ازاى؟
زفرت حياه ثم هتفت بهدوء و قج ادركت ان حنين لا يفيد معها هذا: خلاص يا حنين مش هتتكرر تانى، بس ممكن اطلب منك طلب؟

نظرت اليها حنين بتسائل و ما زالت ملامحها غاضبه فأردفت حياه بترجى: بما انك دكتوره ممكن اعتمد عليكِ في الاهتمام بمازن علشان انا بجد مشغوله الفتره دى جامد، على الاقل لحد ما ماما نهال ترجع بالسلامه ممكن؟
عقدت حنين حاجبيها بصدمه و نظرت لحياه بتشتت ثم عبست و نهت الحوار: ماشى يا حياه، زى ما تحبى..

ابتسمت حياه بامتنان و عادت لاوراقها و حنين تراقبها بتعجب و عندما استدارت فوجئت بمازن خلفها فتلعثمت قليلا فابتسم ملقيا السلام بمرحه المعتاد: السلام عليكم يا اهل الدار..
تنفست الصعداء شاكره الله انه لم يستمع لحوارهم المهاجم و تمتمت بابتسامه: و عليكم السلام، حمد لله على السلامه..
اومأ برأسه مجيبا و هو يتقدم ليجلس بجوار حياه يضرب رأسها من الخلف ببعض العنف: الله يسلمك، ست هانم المشغوله..

رفعت حياه رأسها بغيظ تبعد يده عنها تجيبه بضحكه: تصدق حنين لسه مسمعانى نفس الكلمه دى، ابتسم ناظرا لحنين ثم عاد بنظره لحياه متسائلا باهتمام: ها ايه الاخبار؟، الدنيا الجديده دى عامله معكِ ايه؟
ضحكت باشراقه و عينها تلمع بسعاده و اشارت على الاوراق تصيح بفرحه طفوليه تُشبه كثيرا فرحه طفل صغير بلعبه جديده: تمام جدا جدا جدا، و انا فرحانه جدا كمان..

ابتسم متمتما باعجاب بها و بحماسها: ممتاز، واضح كده انك هتنجحى و لا ايه؟
نظرت حنين اليهم و الى الابتسامه التى ارتسمت على وجه كلاهما بحوارهم هذا فابتسمت هى الاخرى متذكره مؤازره فارس لها دائما هكذا و لكنه كان يكره عملها بشده فكم من مره تشاجرا على هذا الامر، فهو لا يرغب بامرأته و خاصه حنين ان تعمل..

اتسعت ابتسامتها و تحركت باتجاه المطبخ تاركه اياهم سويا لتعد الطعام سريعا فلا يجوز تاخره عن ميعاد الدواء و الطعام اكثر من هذا، بعد مرور بعض الوقت حملت الطعام و وضعته على المائده و اتجهت لحياه قائله بقلق لاجلها فارهاقها كل عذا القدر ليس بأمر جيد: الاكل جاهز ممكن تاخدى استراحه و نقعد ناكل سوا..

اشارت حياه بيدها نافيه بانشغال و لم تنتبه لقلق حنين في نبرتها او نظراتها: كلى انتِ و مازن انا هاكل بعد شويه..
حاولت حنين تمالك نفسها فهى تكره كثيرا هذا الاهمال فهمست بهدوء ينافى رغبتها بالصراخ بها الان: خلاص انا هستناكِ ناكل سوا، بس البشمهندس لازم ياكل دلوقتى..
اجابت حياه باختصار: مفيش مشكله..

شددت حنين قبضتها فهى ترى امامها مدمنه عمل مثلما كان اخيها تماما و هى الان غاضبه مثلما كاانت تغضب على اخيها دائما، اعدت صينيه بالطعام و اتجهت لحياه مجددا متسائله: هو فين؟
اجابتها حياه مسرعه: دخل مغاره على بابا بتاعته دى، نادى عليه بلاش تدخلى لانه بيتضايق..
لم تنتبه حنين للكلمه و لكن شغل تفكيرها الغضب و هى تهمس متوعده: شغل تانى؟

فتحت الباب بهدوء و دلفت لتجده جالسا بشرود بالغرفه الخارجيه لا بغرفه المكتب ممسكا بلوحه الالوان و بيده الاخرى فرشاه و لا يفعل شيئا سوى انه يبللها و يعبث بلوحه امامه، حمحمت و لكن يبدو انه لم ينتبه فوضعت الطعام عن يدها على الطاوله و اقتربت منه و حمحمت بصوت اعلى فانتفض انتفاضه بسيطه مستديرا لها فهتفت بابتسامه تعتذر بعينها عن افزاعه: الاكل.

نظر على الطاوله ثم عاد ببصره اليها متمتما بشكر: متشكر جدا، تعبتِ نفسك.
نفت بابتسامه و لم تقاوم فضولها فتسائلت و هى تشير على اللوحه المبعثره و لا تحمل رسما واضحا: المفروض تنتهى بشكل ايه؟
ابتسم بسخريه ناظرا للوحته و بدأ يعبث بالفرشاه مجددا مغمغما بغموض: في بعض اللوحات بتفضل بدون نهايه، او بتنتهى بعشوائيه بحيث انك متبقيش فاهمه هى ايه بالظبط..

عقدت حاجبيها مبتسمه بتعجب و هى تتطالع الشرود على وجهه فهمس مردفا: زى حياه بعض الناس كده، مبعثره و عشوائيه و ملهاش معنى..

نظرت حنين للوحته قليلا ثم امسكت لوحه الالوان من يده و الفرشاه من يده الاخرى و اخذت تنظر لها من عده اتجاهات ثم بللت الفرشاه بلون اخر غير الذى استخدمه هو و بدأت بايصال عده خطوط معا و اضافت عده خطوط اخرى باندماج و تركيز بينما هو ينظر اليها و يتابع حركه عينها و ابتسامتها حتى انتهت و نظرت اليه مشيره الى اللوحه تضيف بثقه: اكيد هيبقى ليها معنى، و يمكن البعثره تبقى سبب التجمع، و يمكن العشوائيه تبقى اساس الترتيب..

نظر لها و لتفائلها قليلا ثم نظر للوحته ليجدها اكملتها و اصبحت على شكل منزل صغير اشبه بالكوخ يضم حوله عده اعشاب عشوائيه، تمتمت بابتسامه و هى تنظر اليها هى الاخرى: لو تاخد بالك انا معملتش حاجه غير شويه خطوط بس لكن الاساس هى البعثره بتاعتك..
اتسعت شفتيه عن ابتسامه بل و تحولت لضحكه و هو ينظر للوحه بفرحه لا يدرى مصدرها هاتفا بحماس: انتِ كملتِ اللوحه، انتِ اديتيها معنى..!

رفعت يديها الاثنتان باستسلام و هتفت كأنها تُبرأ نفسها من ذنب ما: هى كان ليها معنى من الاول انا بس ساعدت.
تركت الالوان و الفرشاه و اشارت على الطعام ببعض الجديه و الحده: ممكن بقى تاكل علشان العلاج و علشان المفروض نقيس الضغط النهارده.
اوما برأسه و تذكر امر ما فعاد يسألها باهتمام: كلمتِ عاصم؟ من يوم الحوار اللى فات ده و انا مش عارف اوصله.!

تنهدت حنين و رفعت كتفيها دلاله على جهلها و لا اجابه لديها: و انا كمان مش عارفه اوصله و لا اى حد مننا محدش يعرف مكانه غير اكرم و رافض تماما يقول لحد حتى جنه، و انا مش عارفه اروح ازورهم لان جدى هو اللى قاعد هناك دلوقت بس بطمن على جنه كل يوم تقريبا..
زفر مازن موافقا و غمغم: عاصم كان محتاج ينظم افكاره الاحداث الاخيره كانت قويه ورا بعد بس سفره و بعده المفاجئ ده محير الكل.

اومأت برأسها موافقه مع صمت لحظات ثم نظرت اليه قائله و هى تتحرك للخارج: تمام هسيبك تاكل و انا هخرج اشوف حياه..
اومأ برأسه فتركته و خرجت تفاجئت بحياه و قد انهت عملها و نهضت عنه فهتفت: واخيراااا.
ابتسمت حياه ثم عقدت حاجبيها و تمتمت بذهول: انتِ كنتِ فين؟ انتِ دخلتِ؟
ضيقت حنين عينها متسائله فأشارت حياه على الغرفه اسفل الدرج فنظرت حنين خلفها ثم عادت بنظرها لحياه و اومأت: اه دخلت عل...

شهقت حياه بصدمه متمتمه بصراخ ضاحك: مش معقول و مازن مقلش حاجه!
نفت حنين بتعجب فضحكت حياه مره اخرى تعبر عن دهشتها: وااااو، واضح انك مميزه يا مدام حنين، ثم رفعت يدها بدراميه لتُصيح و هى تُضخم صوتها: من سبقك لهذه الغرفه يا ابنتى، كان يُطرد.

امسكتها حياه و اجلستها بجوارها و تكلمت بانطلاق و شغب: عارفه كان دايما يقول - مازن كتاب مفتوح جوه الاوضه دى و انا مبحبش حد يدخل جوايا -، ، ثم غمزت ضاحكه مغمغمه بطفوليه ساخره: من يومها و انا بقول عليها مغاره على بابا..
ضحكت حنين متذكره هاجس عاصم و غضبه عندما يقترب احدهم من غرفه مكتبه: عاصم كان كده، له مغاره على بابا و محدش قدر يدخلها غير جنه.

ضيقت حياه عينها و هى تستنبط معنى خفى من وراء تلك المقارنه و لكنها حاولت تجاهله و نهضت تفرد جسدها بارهاق: هقوم ارتاح شويه علشان لسه عندى شغل...
اومأت حنين و سرعان ما اختفت ابتسامتها فور رحيل حياه و شيئا خفى يعبث بداخلها و ربما بعدما اطلقت هى المقارنه انتبهت لما تهدف له من معنى و الذى بالتأكيد لن تسمح بحدوثه..

اما بالداخل اخذ مازن يتناول طعامه و عيناه تراقب اللوحه التى اكملتها بابتسامه متذكرا كلمتها يمكن العشوائيه تكون اساس الترتيب ،
اتسعت ابتسامته و هو يتناول الطعام بنهم و لكن سرعان ما تجهم وجهه و هو يدرك انه ينحدر لمنحنى لا يحق له مجرد النظر اليه،
قلبه ينجرف مع تيارات حنانها و هو لا يستطيع حتى التفكير بها...

ترك الملعقه من يده و وضع يديه على وجهه متنهدا و قلبه يعلن عن الطريق لجرح جديد، لحب جديد، لألم اخر و ياله من ألم...

لنعترف ان الغيره عاطفه جامحه، بل لنقل أكثر من ذلك: انها كارثه حقيقيه.
فيودور دوستويفسكى
جلست سلمى و مها سويا في غرفه مها و كلتاهما تنظر امامها بشرود دون كلمه حتى قالت سلمى بتفكير: طيب يعنى انا مش فاهمه ايه يخلى عاصم يطلقها فجأه كده و يسيب البيت و يسافر؟ عاصم متعودش يهرب فأكيد هدفه مش هروب..

زفرت مها بشرود و غمغمت متذكره حال عاصم ذلك اليوم الذى يصعب نسيانه و اشارت انتِ مشوفتيش عاصم يومها كان ازاى، انا متوقعتش في حياتى انى اشوفه كده
صمتت سلمى و هى تحاول تخيل ما تتحدث عنه مها ربما صدقت ضعفه و ربما قدرت عجزه و ايضا حزنه و خوفه و لكن ما لا تتخيله ابدا صمته و هدوءه، عاصم لم يكن يوما ساكنا متحكما بأعصابه دائما ما يهزمه غضبه...

انتبهت كلتاهما من تفكيرها عندما طُرق الباب و دلف الساعى و اقترب منهم و بيده باقه ورد كبيره وضعها على المكتب فنظرت اليه سلمى بتسائل و هتفت بابتسامه ساخره: ايه ده؟ و لمين؟ مين جابه؟

نظر الرجل ارضا و قال بعمليه: معرفش يا بشمهندسه انا لقيتها قدام الباب و جبتها لحضرتك، ثم ابتسم و خرج من الغرفه، حملتها سلمى و اخرجت الكارت المصاحب للباقه و قرأته ثم انكمش وجهها بغضب هاتفه بتمردها الذى لا ينتهى سوى امام حبيب القلب امجد: هو فاكر ان الامور هتتحل بورد..!

نظرت اليها مها بتساؤل فاعطتها سلمى الكارت و دفعت بالورود على المكتب بضيق، فتحت مها الكارت و قرأت ما به انا يمكن مش عارف اتكلم معكِ او بالاصح انتِ مش عاوزه تدينى فرصه، بس نفسى تسامحينى يا مها انا لسه بحبك، و قوى كمان، اتمنى لو تفتحى قلبك ليا و اوعدك مش هخذلك تانى ابدا، محمود.

ابتسمت بسخريه و امسكت باقه الورد بعدما وضعت الكارت جانبا و قربته لانفها تستنشق رائحته و اغلقت عينها مستمتعه بها و في هذه اللحظه طُرق الباب فأذنت سلمى للطارق فدلف اكرم و القى السلام ثم نظر لمها بتعجب و هو يرى الورد بيدها فابتسم قائلا بمشاغبه: ورد، في المكتب!
فتمتمت سلمى بسخريه و هى تحرك رأسها باستهزاء: ورد الاحبه و الاعتذار..!

نظر اليها اكرم بعدما اختفت ابتسامته متعجبا بينما رمقتها مها بنظره غاضبه فحدقت سلمى بها قائله بهتاف متعصب: ايه؟ انتِ عارفه انى مش طايقه اسمع حاجه عنه بعد اللى عمله، و بعدين خارج الشغل اكرم مش غريب..

برقت مها بعينها لسلمى لعلها تصمت و لكن سلمى لم تفعل و امسكت بالكارت الخاص بمحمود و اعطته لاكرم تهزأ بما فعله ذلك المراهق: انت اكيد عارف اللى الاستاذ محمود عمله و دلوقت بكام ورده و كارت اعتذار عاوز يكسب قلب الحلوه تانى، المفروض ابقى هاديه و اتعامل ببساطه على حاجه زى دى؟

انتفضت مها واقفه بعدما رمقها اكرم بطرف عينه و فتح الكارت ليقرأه ثم اغلق عينه معتصرا الكارت بين يديه و انفاسه تتسارع بشكل يدل على غضبه الشديد و قبل ان ينطق بكلمه واحده امسكت مها الورود و دفعت بها لسله المهملات بجوارها و نظرت لسلمى بعناد و تحدى كأنها تخبرها ان كل هذا لا يمثل فارق بالنسبه اليها و ان الماضى غُلق و انتهى، نظر اكرم لمها ضاغطا اسنانه بقوه هاتفا بتسائل جاد و عينه تشملها بغضب حقيقى: حاول يكلمك في الشركه؟

تلعثمت مها قليلا فاقترب اكرم منها خطوه قائلا بحده و عيناه تحرقها حرقا: سألتك سؤال و مستنى اجابه، محمود حاول يعترض طريقك في الشركه و يكلمك؟
ارتجفت عينها و اومأت برأسها فضرب بيده على المكتب فانتفضت كلتاهما بفزع فنظر اكرم لمها و عيناه تشتعل غضبا: مقولتيش ليه؟ انتِ عارفه ان طول ما عاصم مش موجود انتِ مسئوله منى.

عقدت حاجبيها بضيق من صوته العالى و كلامه الآمر و اشارت مُوقفه اياه بأى حق حضرتك بتزعق كده، حضرتك مسئول عن جنه لكن انا اقدر اهتم بنفسى كويس يا بشمهندس، و ياريت اسلوب الكلام يبقى افضل من كده يا بلاش خالص.

نظر اليها اكرم قليلا ثم تحرك خارج الغرفه و لكن قبل ان يغلق الباب عاد للداخل مجددا ليُفاجئ كلتاهما بحمله لباقه الورد و اتجه للنافذه و فتحها بحده دافعا بالباقه للخارج ثم عاد اليها هاتفا بتحذير: ليا حساب معاه اما حسابى معاكِ، لما اخوكِ يرجع، و هيبقى ثقيل، ثقيل قوى.

ثم تركها و خرج و هى تنظر له بذهول بينما سلمى ضيقت عينها بخبث و هى تنظر لها ثم وضعت اصبعها على ذقنها مدعيه التفكير رافعه حاجبيها بتلاعب تستنتج و كأنها خليفه عاصم الحصرى في الملاعب لا يخفى عنها عينها شئ و خاصه غيره ابن الالفى: هو انا ليه حاسه ان في حد غيران؟
نظرت اليها مها باستهزاء ثم جلست على مقعدها تنظر للباب بضيق و تشعر بنفسها على وشك ان تصفع وجه احد ما..

خرج اكرم متجها لغرفه محمود ثم توقف لحظات و وجهه يبعث اشارات غضب كثيره ثم اتجه لغرفته قائلا لهناء قبل دخوله: اطلبى محمود لمكتبى فورا..
و بالفعل فعلت هناء كما اخبرها اكرم و دقائق و طرق محمود الباب دالفا: حضرتك طلبتنى يا بشمهندس..!

كان اكرم ينظر اليه بضيق شديد تعجبه محمود فجلس اكرم على كرسيه و اشار لمحمود بالجلوس، فهم محمود بالجلوس و لكن اكرم نهض واقفا و هو يزفر بشكل متتالى ثم تحرك بعدم راحه حول المكتب، وقف امام محمود لحظات ثم زفر بقوه و استند بيديه على المكتب و اخذ نفسا عميقا ثم صاح بجديه و غضب: خلاص يا محمود تقدر تتفضل على مكتبك..
عقد محمود حاجبيه تعجبا و تمتم بدهشه: افندم؟

اخذ اكرم نفسا عميقا اخر و اخرجه ببطء و هكذا عده مرات محاولا الهدوء ثم استدار له و همس بابتسامه غاضبه حاول جعلها لطيفه و لكنه فشل: هقولك على سر بس يفضل بينى وبينك، ،
تراجع محمود للخلف خطوه متعجبا فأردف اكرم بابتسامه متكلفه و هو في الواقع يرغب بشده في تحطيم وجهه و لكن لا يصح: بس الاول لازم اقولك، ،.

ثم اضاف بجديه و الغضب كله يتصاعد لوجهه ليظهر لمحمود واضحا وضوح الشمس ساعه الظهيره: ابعد عن مها يا محمود..!
فرغ فاهه و هو يتطلع لاكرم و لم يجد سببا واحدا يمنح عقله الاجابه عما يقوله او يفعله اكرم الان فهتف بذهول: ليه؟ وب..
فرقع اكرم بأصابعه مقاطعا اياه هاتفا بتوضيح: قولت ليه؟ انا هقولك ليه، و خد بالك دا سر، ،
ثم مال عليه و جز على اسنانه بغيره مفرطه: لانى اتقدمت لها، فاهمها دى و لا اوضح؟..

فشدد قبضته و هو يؤكد على كلماته التاليه بابتسامه غاضبه: لانها هتبقى مراتى، اظن دى واضحه..!؟
اتسعت عين محمود بادراك و ايضا بألم، قلبه يؤلمه، و لكنه من سمح لهذا بالحدوث.
هو من تخلى و ابتعد، و هو من وضع خط نهايه لقصته معها، اذا هو من يتحمل النتيجه. و لكن دقيقه، ماذا ان اختارته مها؟

عند هذا الخاطر ابتسم و نظر لاكرم بابتسامه و اومأ مطاوعا: اعتقد لمها رأى في الموضوع ده، ، ثم اضاف بعبث شبابى ينافى تماما فكر اكرم الثلاثينى: تحب نتراهن؟
ضحك اكرم بغضب عاصف و غيره ظهرت جليه في صوته عندما صرح بقوه: البشمهندسه مها متنساش، احنا اتفقنا قبل كده ان في القاب نلتزم بيها، و مها مش رهان يا محمود، ثم اشار لباب الغرفه قائلا بغضب و هو على وشك لكمه: اتفضل على شغلك..

حمحم محمود قليلا و رأى ان افضل ما يفعله: لو حضرتك حابب انى اقدم استق..
قاطعه اكرم بجديه: قولتلك قبل كده انا حياتى الخاصه حاجه و حياتى العمليه حاجه تانيه، و انا حاليا بتكلم مع شاب عادى مش المحامى بتاعى، اتفضل على شغلك.

ابتسم محمود باعجاب ثم اومأ وخرج من الغرفه، رفع اكرم يديه كأنه على وشك ان يخنق احدا ثم ضم اصابعه بقوه ضاربا يده بالمكتب عده مرات هاتفا بلوع يكاد يحطم وجهها هى ثم يضمها بكل هم قلبه: كان مالى و مال الهم ده ياربى؟، ،
ثم اغلق عينه صارخا بغضب: منك لله يا اللى في بالى..

لعلى اريد فقط ان انسى اننى احببت مره رجلا خطوط يده تُشبه خارطه وطنى، و اريد ان انسى انه حين سُلب منى سُلبت انا من وطنى.
غاده السمان.

نهضت هبه صباحا لتذهب للعمل فالايام اصبحت روتينيه بشكل ممل لا جديد بها سوى محاولات معتز معها و لكن بها شيئا جميلا و هو رسائله الورقيه، فكل يوم صباحا تجد امام باب الغرفه خطاب منه، و يُرسل اليها اخر في منتصف دوامها بالشركه، و الثالث تجده بجوار فراشها مساءا، لا تدرى متى يكتب كلماتها؟ و كيف بكل حرف من كلماته يتدفق احساس يغرقها و يذيب اعماق قلبها بعشقه اكثر.

هى مريضه به و ليست بقادره على الشفاء منه، حاولت كثيرا تجاهله، تقطيع خطاباته، اهمال اهتمامه و لكنها لم تستطع. و في المقابل حاولت نسيان ما فعل، الثقه به مجددا، مسامحته و ترك الماضى و لكنها ايضا لم تستطع..

فكلما مرت بخيالها لحظه حزن تمر امامها لحظات سعاده مفرطه، كلما تذكرت جرحه لها تذكرت عشقه الذى ابداه لها كما لم يفعل رجل، كلما تألمت لمنح اخرى اسمه تندمل الامها عندما تتذكر كيف كان يتجاهل الاخرى و يتوه بها..
هو رجل معقد و عقد قلبها و عقلها معه، ارتدت ملابسها و خرجت لتجد رسالته على الارض فحملتها و وضعتها بالحقيبه و اتجهت للشركه، قابلت مها في طريقها لغرفتها فتقدمت منها: صباح الخير يا مها..

اشارت مها بابتسامه صباح النور.

توطئت علاقتهما بعدما تجاهلت كلا منهما غلطه اخيها بحق الاخرى، فهبه صُدمت تماما فور علمت بما فعله محمود و كانت اكثر من وبخه و وجه اليه اللوم التى تدرك انه يضرب به نفسه يوميا فعيناه ما زالت تعكس حبه الذى ضيعه بيده، و كذلك مها لم تعد علاقتها بمعتز كالسابق فكلا منهما يعتمد ترك الاخر حتى يهدأ و بالتالى لا يتقدم احدهم، و مها و هبه لن يخسرا ما بينهما من صداقه لمجرد ان اشقائهما اغبياء..

دلفت كلتاهما للغرفه و تناولا القهوه سويا ثم نهضت هبه تجهز اوراقها متحدثه بتوضيح: عندنا presentation متنسيش، العرض بتاعك جاهز..

اومأت مها موافقه فتركتها هبه و خرجت دلفت لغرفتها و جلست، اخرجت رسالته الصباحيه التى بداها بتحيته المعتاده و لكن فحوى الرساله لم يكن كلمات منه و انما كلمات من اغنيه ربما تصف ما يشعر به تجاهها او ربما ما فعلت من اجله صباح الورد يا فله حياتى، المره دى الرساله مختلفه، انا عايزك تسمعى الاغنيه دى و اكيد هتفهمى انا عاوز اوصلك ايه؟، و اه بحبك.

انهت قرائتها و اخرجت القرص المدمج و وضعته بالجهاز امامها لتنساب كلمات الاغنيه بهدوء و صوت الطفل يخترق قلبها..
انا حدا عادى متلى متل باقى الناس
مافى شى زياده و عم ابنى لحياتى اساس،
انا حدا عادى متلى متل باقى الناس
مافى شى زياده وعم ابنى لحياتى اساس،
ليش بعيونك عم شوف العكس!
كأنى اهم و انجح شخص
و بالدني ما في غيرى، بالدنى ما في غيرى، بالدنى ما في غيرى، غيرى وبس
اللى عندو متلك بحياتو من شو يعنى بدو يخاف.

حبى اللى منك انا شفته مانو حكى و تحريك شفاف
اللى عندو متلك بحياتو من شو يعنى بدو يخاف
حبى اللى منك انا شفته مانو حكى و تحريك شفاف
بكره الايام بتثبتلك انى قد الثقه،
و ان الاحلام بهى الدنى خلقت لنحققا
بكره الايام بتثبتلك انى قد الثقه،
وان الاحلام بهى الدنى خلقت لنحققا
انى بشبه كلامك، حبك و اهتمامك
وعد منى ايامك بالسعاده غرقااا..
اللى عندو متلك بحياتو من شو يعنى بدو يخاف.

حبى اللى منك انا شفته مانو حكى و تحريك شفاف
انا حدا عادى متلى متل باقى الناس
مافى شى زياده و عم ابنى لحياتى اساس
انا حدا عادى
توقفت الكلمات و معها دفنت هبه رأسها بين يديها تصرخ بصوت تكتمه بين طيات ملابسها: ربنا يسامحك يا معتز، ربنا يسامحك..
سامحينى و هندعيه سوا يمكن يسامحنى..!

انتفضت واقفه على صوته و هو يغلق الباب ليدلف و يقف امامها فنهضت مسرعه و جففت دموعها واقفه بصمودها المعتاد امامه فما فعله بها لا يُنسى بسهوله هكذا، لقد كسر قلبها مره و لن تتحملها هى مره اخرى..
اقترب منها و احتضنها من الخلف كعادته التى حتى رغم امتناعها دائما لا يتخلى عنها هو و همس و حقا روحه تشتاقها: وحشتينى يا فله..

دفعت يده عنها مستديره بغضب و قالت بحده و جديه: اولا ياريت تحترم المكان اللى احنا واقفين فيه، ثانيا انت مين سمح لك تدخل المكتب هنا بدون اذنى؟، ثالثا انا اسمى هبه، مدام هبه و مبحبش الدلع، ، ثم اعطته ظهرها لتتحرك باتجاه مقعدها صائحه: و ياريت تتفضل علشان عندى شغل.

اقترب منها خطوه غير مدرك انه بهذا يضغط على اعصابها بشكل اكبر يحاول التحدث معها و لكنها لم تعد تمنحه الفرصه حتى لهذا: هبه ارجوكِ بقى، كفايه انتِ..

نهضت و هى تصيح بغضب و دموعها اعلنت التمرد و تساقطت تباعا: انا اكتفيت منك، انا راهنت نفسى عليك و خسرت الرهان، انت خسرتنى يا معتز، واجهت الكل و وقفت في وش اعز الناس ليا و قولت هنجح و هيتغير بس انت اثبت انى غلط و كل اللى حذرونى منك كانوا صح، اثبت ان مفيش راجل زيك بيحب بجد، انا كنت بالنسبه ليك تجربه جديده، فقولت تجرب، ،.

اقتربت منه و همست بضعف و ألم قلبها يُعلن نفسه: انا حبيتك من و انا عندى 19 سنه، حبيتك من اول يوم شوفتك، لما اتقدمتلى كانت الفرحه مش سيعانى، كنت حاسه ان حلمى اتحقق، انى بقيت السندريلا اللى لقت الامير بتاعها، بس انت اثبتلى ان سندريلا مجرد قصه، مجرد حلم لا يمكن يتحقق..
ركضت للخارج مسرعه تاركه اياه يدرك انه على وشك خساره ما يعيش لاجله الان، و لكن كفى، و لكل ذى حق حقه، و حان وقت رد الحقوق..

كانت سلمى نائمه بجوار امجد على الاريكه الخارجيه يشاهدون احد الافلام سويا فضمها اليه اكثر هاتفا بمرح: ايتها المتمرده...
ابتسمت سلمى و قد اشتاقت بالفعل لمشاعره و كلماته التى بات يمطرها بها اكثر من قبل، رفعت رأسها اليه و رفعت احدى حاجبيها تجيبه بنفس المرح: نعم يا دكتور.
ضحك يغمزها هامسا بغموض بجوار اذنها: عندى ليكِ مفاجأه.!

اعتدلت مسرعه و جلست القرفصاء امامه مبديه حماسها و هتفت بفرحه: بجد بجد، ايه هى؟
عقد حاجبيه استهزاءا و تمتم بسخريه: اعتقد ان محدش قالك يعنى ايه مفاجأه!
زمت شفتيها بغضب فاقترب سارقا حصته اليوميه منها لتذوب معه في اكتساحه المهاجم دائما حتى تركها و تحدث بتنهيده و هو يستند بجبينه على جبينها: عاوز نقضى شهر عسل تانى..
ضحكت و لكنها حاولت اخفائها مستنكره ما قال مردده: شهر عسل تانى؟ دا اللى هو ازاى؟

داعب انفها بيده يوضح معنى كلماته و يسرد لها ما فعله: حجزت لنا شاليه في شرم نقضى شهر محترم نستعيد فيه الذكريات اصل انا نسيتها..
عقدت حاجبيها بدهشه و تحدثت بجديه من فرط حماسه لم يلاحظها: حجزت؟ و شهر؟ امتى و ازاى؟
ضمها اليه مجددا و اجابها و هو يتناول بعض حبات العنب بجواره: نزلت النهارده قدمت اجازه مرضيه شهر و حجزت و قولت اعملها لك مفاجاه..

دفعته عنها ناهضه بضيق و هتفت بحده هجوميه: ازاى تعمل كده من غير ما تاخد رأيى يا امجد؟
عقد ما بين حاجبيه مع انحناء شفيته بابتسامه متعجبه و اندفاعها هذا يثير ضيقه: ايه المشكله يا سلمى هنقضى يومين حلوين و نغير جو و حبيت اعملها لك مفاجأه!؟
زفرت بقوه عاقده يديها امام صدرها و زاد اندفاع حده تنظر بعيدا عنه: و انا مش موافقه يا امجد..!

نظر اليها قليلا يحاول استيعاب ما قالت ثم نهض واقفا اامامها متسائلا باستنكار و هو لا يجد مبرر لاندفاعها، ضيقها و رفضها: مش موافقه! ليه يا سلمى ايه المانع؟
تلعثمت قليلا و فركت يديها بتوتر و ارتباك لاحظه هو ليعقد حاجبيه بشده و تسائل مجددا: فيه ايه يا سلمى انتِ مخبيه عنى حاجه؟ مالك؟

حاولت استجماع نفسها فهو لن يمرر فعلتها بسلام، اى كان مبررها لم يكن يجب عليها الموافقه، اخطأت هى و الان لن تستطيع اخباره بالحقيقه، ماذا تفعل و كيف تبرر؟

راقب هو ارتجافه عينها و التى لا تصيبها ابدا مهما كان ما يحدث مما يدل ان هناك ما لا يعرفه او ربما ما اخطأت به، ازداد انعقاد حاجبيه من توترها الذى نادرا ما يراها به، حتى رفعت عينها اليه و بتشتت اردفت: عندى شغل يا امجد مش هينفع اسافر، في صفقات جديده في الشركه الفتره دى، و اكرم مش هيوافق باجازه تانى انا زودتها.

اوقفها رافعا كفه امامها بدهشه قائلا بسخريه: انتِ عاوزه تقولى ان شغلك اللى هيمنعنى من انى اخد مراتى و اسافر..
هاا، اخيرا وجدت طرف خيط لتتمسك به انكمش وجهها غضبا و قالت بدفاع يعلم جيدا هو مدى تعلقها و حبها لعملها و لن تسمح بتهميشه: بلاش تستهون بالشغل يا امجد انت عارف هو مهم عندى قد ايه.
اشاح بيديه بغضب متسائلا بذهول و متوقعا الرفض، الاعتذار: اهم منى يا سلمى؟

لا، يبدو ان الامر خرج من يدها، لا اهدأى، ابتسمت بتوتر و امسكت يده هامسه بهدوء: ممكن بس تسمعنى، انا معنديش اهم منك بس صدقنى انا بجد عندى شغل و الله مش هقدر اخد اجازه دلوقت..
ترك يدها مبتسما محركا رأسه لاعلى و لاسفل عده مرات متتاليه و صاح بغضب تاركا اياها مع رفضها تتلوى ندما: براحتك يا سلمى، اعتبرى الحجز اتلغى..

و تركها و دلف للغرفه مغلقا الباب خلفه بقوه جعلتها تنتفض مكانها فوضعت يدها على وجهها بارتباك: ايه اللى عملتيه ده يا سلمى؟ هتعملى ايه دلوقتى يا مجنونه؟

طُرق باب غرفه حنين فنهضت و فتحت هاتفه باعتياد: ادخلى يا حياه..
فُتح الباب فجأه فارتبك مازن و هو يقول بهدوء: انا مازن يا دكتوره..

انتفضت حنين و كادت تغلق الباب بوجهه لانها كانت تجلس بمنامتها البيضاء ذات اكمام قصيره و بنطال يصل اسفل الركبه بقليل و خصلاتها لاعلى و لملمتها بتبعثر، و لكنها لم تستطع اغلاقه فوقفت بارتباك لعله يرحل تاركا اياها تبدل ملابسها على الاقل و ادرك هو ذلك و لكن ان كانت ستظل امراته فيجب عليها الاعتياد على وجوده بأى وضع كانت، لان انتفاضتها هذه تجعل قلبه ينتفض معها و هو لا يريد هذا، لذلك رفع يده بورقه ما ملفوفه بصوره دائريه هاتفا بصوت رخيم: عاوز اتكلم معاكِ..

ارتبكت و تصاعد خجلها لاقصى حد فدفع هو الباب بهدوء دالفا للغرفه فاتسعت عينها بذهول و اضطرت آسفه للدخول هى الاخرى و لكنها كادت تصفعه لدخوله المفاجئ هذا، جلس على الفراش و قال بجديه: انا عارف ان انتِ كنتِ عاوزه تشتغلى، فارس كان اتكلم معايا في الموضوع ده، و طبعا اكيد عارفه وجهه نظره فيه و انه كان رافضه، بس انا عكسه تماما، انا شايف ان طالما دى رغبتك يبقى حقك تشتغلى بدراستك و مجهودك..

اخذ نفسا عميقا و اخرج بطاقه خاصه بمكان ما و اعطاها لها يشرح ما يقصده و خاصه مع انعقاد حاجبيها بعدم فهم: اتفضلى، دا الكارت بتاع شركه ادويه بيشتغل فيها واحد صاحبى تقدرى تروحى تشوفى الوضع و لو اقتنعتِ تقدر تقدمى و تبدأى شغلك، انا هكلمه وتقدرى تروحى في الوقت اللى تحبيه..
اخذت البطاقه من يده و همست بحماس: انت بتتكلم جد؟!

اومأ براسه موافقا فاتسعت ابتسامتها و هى تعيد خصلاتها خلف اذنها فتابع هو حركه يدها و يا ليته لم يفعل، حسنا هو يريد منهاا الاعتياد عليه كأخ مثلما اعتادت حياه و لكن يبدو انه هو من لا يراها كأخت له، تحركت عينه على ملامحها الضاحكه بفرحه و هى تقرأ البيانات المكتوبه على البطاقه بيدها، ثم عنقها الذى تداعبه عده خصلات متطايره بعبث، لينخفض لمنامتها التى تحتضن جسدها بحريريه اصابته في مقتل فاللون الابيض يمنحها اطلاله رائعه، ساحره و مغويه..

اغلق عينه و هم بالنهوض و لكنه تذكر اللوحه بيده و عندما هم بالتحدث مجددا كانت هى بسابقه له عندما نهضت خلفه هاتفه بسرعه: ممكن ثانيه..!
جلس امامها مره اخرى فحمحمت هى تتكلم بهدوء: انا اكيد هروح لانى فعلا حابه جدا اشتغل بشهادتى، بس ياريت متكلموش حاليا، يعنى ممكن بعد فتره كده..

عقد حاجبيه و شبك يديه امامه متسائلا بنبره هادئه على عكس نبضاته التى تخونه كلما كان بجوارها: فتره قد ايه يعنى؟ يوم او يومين على ما تفكرى!
هزت رأسها نفيا فضم هو يديه محاولا تجاهل مدى برائتها المسيطره التى تلاحقه ثم هتفت بابتسامه: لحد ما حياه تخلص مسابقتها و ان شاء الله تنجح و تتعين في الشركه.
صمت قليلا يفكر ربما يصل للسبب لكنه لم يستطع فسألها بحاجه لتوضيح: و ايه السبب؟

نظرت ارضا و اجابته بخفوت بما هى مقتنعه به: لانها مشغوله جدا الفتره دى مينفعش انا كمان انشغل عن البيت هناا، غير طبعا مواعيد اكلك و الدواء مينفعش اهمل فيهم، فلما حياه تخلص المسابقه نوعا ما الضغط عليها هيقل و بالتالى اقدر اسلم ليها مهمتى و ابدء انا اشتغل..
حاول تمالك كم الاسئله التى انفرطت بين شفتيه و لكنه الجمها بقوه و نهض قائلا بلامبالاه مُدعيه: زى ما تحبى، عن اذنك.

نهض و لكنه توقف قرب الباب و استدار لها ليجدها تتطالع البطاقه بابتسامه رائعه فنادى باسمها: يا دكتوره..
استدارت له لينظر لوجهها قليلا ثم مد يده بالورقه المطويه بيده هاتفا بنبره حانيه: الورقه دى كمان هديه علشانك..
نهضت واقفه قبالته مردده بتعجب خالطه بعض الضيق: هديه! ليا انا!

اومأ موافقا فاخذتها منه و لكنه لم ينتظر حتى تراها بل اغلق الباب خلفه و خرج، وقف امام الباب زافرا بقوه مغمغما يلوم نفسه و يأنبها: احساس قاسى قوى يارب..

اما بالداخل فجلست على الفراش و قامت بفتح الصوره لتتسع عينها بصدمه و هى تراها ثم ابتسمت بسعاده مفرطه و ضمتها لصدرها بقوه فلقد قام بترميم تلك الصوره التى اهداها فارس اياها و التى مزقها عاصم على ارضيه غرفه فارس يوم اراد اعادتها للواقع و الان اعطاها اياها مازن فأعاد لها جزء من الحياه التى لن تعد الا بعوده فارس و بالتالى لن تعد ابدا، و لكن هى مكتفيه بذلك الجزء فقط، حقا يكفيها...

كانت جنه جالسه بالحديقه الخارجيه، تنظر للعشب امامها بشرود مرت ايام، اسابيع و هى لم ترى عاصم، لم تحادثه و لا تعرف عنه شيئا...
تهاتفه يوميا لعله يجيبها و لكنه لا يفعل، تسأل الجميع عنه و لكن لا يعرف احد شيئا، تعرف ان اكرم يعرف و لكنه لا يريد اخبارها فقط يطمأنها انه بخير..
اين هو؟
هل سيتركها حقا، هلى سيتركها حتى يتحرر اسمها و شخصها منه، لتعود مجددا لتكون جنه ماجد الالفى..

كيف يتركها دون ان تعطيه حبها و تتلقى حبه، كيف يتركها دون ان تروى عطش رجولته و يزهر هو زهره انوثتها، كيف يتركها و هى لم تخبره بعد الا اى مدى روحها معلقه فيه و بيه!؟!
بأى حق يتركها؟
بأى جرأه يتخذ عنها قرارها؟
من هو ليمزق قلبها مجددا، من هو ليحرمها منه، من هو حتى فعل ما فعله؟
ارادت حبه، حضنه، حتى خووفه و غضبه كانت راضيه و لكنه القى باليمين و تركها.

فقط لتراه و لن ترحمه من اسألتها حتى يخبرها بأى حق يفعل بها ما فعل؟
قاطع افكارها صراخ سلمى خلفها فانتفضت بفزع و نظرت لها لتجد انها ليست سلمى فقط بل و حنين و مها و شذى ايضا، ابتسمت ونهضت مرحبه بهم و صاحت بدراميه: خيرا، اى رياح عاتيه القت بكم الى هنا؟
سخرت سلمى كالمعتاد: رياح و عاتيه؟ الاتنين سوا!
ابتسمت حنين و همست بمشاغبه: جايين نقعد معاكِ و نفرحك و نفرفشك و نقوم بالواجب المطلوب..

هذه المره كانت السخريه من نصيب جنه و التى اصدرت صوتا ساخرا تبعته بقولها: مسسسم، دا على اساس ان النهارده فرحى، انا بقيت طليقه عاصم، فاهمين؟
امسكت مها يدها و جذبتها و استدارت حنين من الجهه الاخرى لتحتضن يدها الاخرى وسارت سلمى خلفها و قالت عابثه: فاكرين يوم المزرعه و اغنيه بتنادينى تانى ليه؟

ابتسم جميعهم متذكرين جنونهم و الذى انهاه عاصم متمما عمله كظابط و لكنه كان كظباط الاداب و قد امسكهم متلبسين، تعالت ضحكاتهم مع استعاده بعض من مشاكساتهم السابقه حتى دلفوا للمنزل لتتفاجئ جنه بجميع العائله حضور..
نظرت للجميع بدهشه فمتى اجتمعوا و هى بالمنزل طوال اليوم، أخلال ساعه جلستها بالخارج، حضر الجميع، كيف؟ و لماذا؟

نقلت بصرها بينهم و الامر العجيب ان الكل يضحك و الفرحه كبيره فتمتمت بذهول: مش معقول تكونوا جايين تحتفلوا بطلاقى؟
انفجر الجميع ضحكا و لكن هى لم تكن تمزح فهى اعتادت من الجميع الفرح بألامها و هذا ما خُيل لها الان، اقترب اكرم منها و حاوط كتفها بيده هامسا بجانب اذنها: هو في مناسبه اسعد من كده؟
نظرت اليه بحزن و دهشه: هو طلاقى مناسبه سعيده؟
ثم ابتعدت عنه و همست بخفوت: انا...

اقتربت سلمى منها ضاحكه و اكملت جملتها بدلا عنها: عاوزه تشربى.
نظرت اليها جنه بتعجب و نفت محركه رأسها يمينا و يسارا، قاطعتها حنين و هى تدفعها باتجاه المطبخ: لا عاوزه تشربى صدقينى..
و استمرت بدفعها حتى دلفت جنه للمطبخ و هى في قمه تعجبها، استندت على الطاوله الرخاميه بظهرها هامسه بصدمه: معقول كله جاى يحتفل بطلاقى؟، ثم اختنق صوتها و هى تردد: هو ايه اللى بيحصل؟

و فجأه شعرت بأحد ما خلفها و قبل ان تستدير كبل حركتها تماما واضعا يده على فمها ملصقا ظهرها بصدره و اخذت هى تعافر و لكنها استسلمت سريعا و اغلقت عينها..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة