قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل السادس والأربعون

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل السادس والأربعون

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل السادس والأربعون

يتعافى المرء بأصدقائه و عائلته،
يتعافى بالضحكات التى لا تتوقف حتى يدمع،
و الحكايات التى لا تنتهى،
و الدفء المحيط بهم حتى في اكثر الليالى بروده،
يتعافى بالايدى التى تمسك به اذا وقع،
و الكتف الذى يحتضنه عن الحاجه،
نحن نتعافى بالحب، نتعافى بالدعم و نتعافى بالصُحبه...
افنان تاج الدين.

كانت حنين بالمطبخ تعد كيك بالفراوله كما يفضلها مازن كما اخبرتها نهال بالاضافه لبعض المشروبات و الحلويات الاخرى فاليوم ليس يوما عاديا فاليوم يوم ميلاد مازن، اخبرتها نهال صباحا بهذا و تركت مهام تحضير ما يلزم لاحتفالهم على عاتقها، بينما ستحضر حياه الهدايا من الخارج بعدما املاها الجميع هديته...

ابتسمت حنين باشتياق لفارس متذكره كيف كان يهتم كثيرا بيوم ميلاد مازن و يحرص كل الحرص على سعادته به و لهذا اصرت هى على نهال للاحتفال به اليوم لتُعيد ذكرى فارس بينهم..
دمعه و ضحكه، انتِ دايما كده متناقضه؟!

رفعت عينها على صوته بهذه الكلمات لتدرك ان دموعها انسابت دون ان تشعر فرفعت يدها مسرعه لتزيلها و لم تنتبه ان يدها مغطاه بالكريمه البيضاء اثر تزينها للقالب امامها، فكتم مازن ضحكته و هو يستند على الطاوله بجواره ينظر اليها بعبث ثم اشار على وجنتها متمتما بابتسامه ماكره: كريمه؟!
فعقدت حاجبيها بدون ادراك فغمغم هو مجددا و ابتسامته تتسع: حنين بالكريمه.

ثم نظر اليها ليلاحظ تجهم وجهها فأغلق عينه قليلا مصرا على اتباع ما انتواه من تجاهل و قبول الواقع كما يجب،
فهو لن ينسى نفسه معها بعد،
لن يتخيلها في يقظته و لن يشاركها احلامه،
لن يصرح بما يشغل قلبه و لن يشتاق لنبضات قلبها التى تمنح الحياه لنبضاته...
سيمرح و يضحك فقط كالمعتاد منه دائما.

فتح عينه ليجدها تعقد ساعديها امام صدرها كأنها تنتظر منه توضيحا لما قال فهتف بمرح و هو يرفع يده لتلامس وجنتها مزيلا قطع الكريمه العالقه بها ثم رفع يده امام عينها: كريمه، بهدلتى نفسك كريمه!

فانتبهت لما يتحدث عنه فتحركت باتجاه الحوض لتفتح الماء و تبدأ بمسح وجهها و لا مانع من نثر وجهها بقطرات الماء و التى لم تشمل وجهها فقط بل و خصلاتها الاماميه ايضا، ثم استدارت له ليزدرد ريقه بصعوبه و عيناه تجول على وجهها...
خصلاتها التى لاصقت جبينها لتتساقط قطرات الماء منها على كتفها و عنقها،
رموشها اللامعه و التى ترفرف على عينها التى امتزجت رماديتها بلمعه الماء لتمنحه فضيه خطفت قلبه،.

وجنتها المبلله و التى رفعت يدها تجففها بلا فائده، و اخيرا شفتاها و التى تباعدت لتبللها بخفه و هى تتجه للخارج...
و رغما عنه ضُرب بكل ما انتواه عرض الحائط،
و لا يدرى كيف و متى وجد يده تعتقل معصمها جاذبا اياها لتقف امامه قبل ان يصله صوتها و هى تتطالعه بدهشه: فيه ايه يا مازن؟!

اعاده صوتها لارض الواقع فترك معصمها الذى تركت اصابعه اثرها بوضوح فوقه و نظر حوله بارتباك و كل خططه و ما عزم على تنفيذه يطير كأوراق مبعثره في مهب الريح حتى وقع بصره على قالب الكعك ليتمتم بمحاوله للهروب: بمناسبه ايه الكيك ده!

ارتكبت هى فلقد ارادت ان يكون الامر مفاجأه فتحركت مسرعه لتقف امام قالب الكعك تخفيه و للاسف بهذا الوضع احتجزت نفسها بينه و بين الطاوله التى يعلوها القالب لتعاود انفاسه بالهروب منه بينما هى توترت، لا ليس بسبب القالب الان و لكن بسبب قربه الذى لم تحسب حسابا له..

فأخفضت عينها و هى تضع خصلاتها خلف اذنها مدركه انها كانت على راحتها الكامله و لم تتوقع ان يأتيها في المطبخ، ظلت على وضعها هذا و افضل بكثير انها فعلت فما حملته عيناه الان من وجع و شوق و عشق لم تكن لتفهمه عيناها و ان فهمته لم يكن ليتحمله قلبها..
اقترب برأسه منها ليغلق عينه و رائحتها المسكيه التى لا تفارق ثيابها تتعمق بداخله اكثر ليشعر برغبه مجنونه بضمها..

فكم تشتهيها اضلعه الان ليذوبها بينهم متشربا رائحتها، كم تهفو نفسه لانفاسها القريبه و لكنها ابعد ما تكون عنه..!
قبض يديه بقوه لكى لا تعانده و تلامسها و ابتعد خطوه للخلف ثم تحرك ليخرج و عندما استدار لينظر لها وجدها تتخبط لتُمسك بكوب الماء لترتشف منه مسرعه مما دفع بعض الماء للسقوط على جانب فمها ليغلق هو عينيه و هو يكبت احساسا جاهد ليصرخ، بمكانتها عنده..

ليمنع جسده من الاقتراب منها، فكم يحسد الكوب الذى لامس شفتيها و هو لم يفعل و يبدو انه لن يفعل ابدا..
اما هى فبمجرد خروجه شعرت بأنها الان فقط قادره على التنفس، الان عادت لواقعها التى حلقت منه منذ قليل، ماذا يحدث لها؟!
رفعت يدها امام عينها لتلاحظ ارتجافتها، لمَ هذا الارتباك..!
وضعت يدها على صدرها الذى يعلو و يهبط بعنف، لمَ هذا الاضطراب..!

ضغطت بيدها على موضع قلبها ليدهشها نبضاتها المتلاحقه بجنون، لمَ هذا الخفقان..!
غطت وجهها بكفيها و هى تسقط في وحل صراع قاسٍ جدا عليها، وحل جديد من مشاعر كم تكره الشعور بها، هى لا تستطيع استيعاب ما يصير او ربما هى ترفض ذلك.
اخذت نفسا عميقا لتُبعد يدها عن وجهها و تغلق عينها لعلها تهرب من احساسها هذا و لكنه اكتسح بعنفوان افكارها...

يوم تحمل صراخها عندما اعطاها دبله فارس، يوم جلس بغرفتها ليحدثها على عملها و عندما اعطاها بالنهايه صوره العائله التى منحها لها فارس و التى مزقها عاصم فيما بعد لتدرك انه لملمها بعنايه ليعيدها اليها،
فتحت عينها مسرعه و جسدها كله ينتفض فسقطت ارضا و عقلها يكاد يجن و قلبها يبكى خوفا،.

رفعت اصبعها تتحسس دبله فارس لتطمئن روحها قليلا و لكنها ليست هنا، نظرت ليدها بصدمه لتتساقط دموعها تباعا و هذا الضغط على اعصابها يؤذيها..
هناك امرا مجهولا يقلقها، امرا اجتاح تفكيرها، قلبها و شعورها غصب..
امرا فاق كل تحملها..!

اجتمعت العائله مساءا احتفالا بمازن الذى سخط من الموضوع قليلا فهو عاده ما يتجاهل يوم ميلاده و فارس من كان يصر دائما على الاحتفال به و لكن وجود العائله من حوله اليوم اسعده بحق...
جلست حياه بجواره و هى تربت على قدمه بمرح هاتفه بسعاده: كل سنه و انت طيب يا باشمهندس.
ليضع يده على يدها و هو يحرك رأسه بمرح مماثل و ابتسامه شقيه تتراقص على شفتيه: و انتِ طيبه يا هانم.

ضحكا سويا و لكن عيناها هى لم تضحك وهى تراقبهم، شعور جديد و غريب و مخيف اجتاحها مجددا، شعور يشبه تلك التى نطلق عليها غيره!
حركت رأسها يمينا و يسارا تنفض تلك الافكار عن رأسها لتبتسم و عينها ما زالت تنظر بتمعن ليده الممسكه بيد حياه على ركبته و ضحكاتهم سويا لتجد نفسها تنهض مندفعه لتقول دون وعى: ساعدينى نجيب الكيك يا حياه..

نظرت اليها حياه و اومأت ناهضه معها و عندما ترك مازن يدها زفرت حنين بشبه ارتياح و لكن من اين تأتيها الراحه و شعور غيره امرأه من امرأه اخرى يتملكها، شعور لا يكون سوى لمن نحب!

شتت انتباهها مجددا و هى تحمل ما انجزته يدها لتخرج اليهم مره اخرى لتنطلق بعدها ضحكات الجميع و انسجامهم سويا، نقلت نهال بصرها بين الجميع و على وجهها ابتسامه هادئه و هى ترى للمره الاولى منذ وفاه فارس فرحه، فرحه سكنت قلوبهم، مر على وفاته ما يقارب العامين و لكن ما زال الجرح بداخلها لم يتجاوز بضع ثوانى...

نظرت لحياه و هى تلاحظ الفارق الكبير في طباعها و شخصيتها التى عاد لها مرحها و قوتها و عنفوانها القديم التى طالما صاحبها ايام جامعتها و دراستها، فلقد فازت بنفسها مره اخرى، ربما لم تحب مازن و لكنه منحها ما تستحقه و هى منحته شعور اخت طالما تمناها هو لمنحها حنانه اللامحدود، علاقتهم حقا غريبه، علاقه بدأت بزيجه لتنتهى بصله اخوه غلفها رداء الزواج، علاقه لا تدرى ما نهايتها و لكنها مدركه انها ستكون استثنائيه حتما.

نقلت بصرها لحنين و التى كادت نظراتها تصفع حياه صفعا مبرحا، اتسعت ابتسامتها و هى ترى نظراتها الغيوره و التى جردت كل مشاعرها التى تُجاهد لتخفيها كما تجاهد الان لتبتسم بوجههم و هى تراقب تصرفات مازن المرحه مع حياه و التى اكتسبت تلقائيه بفعل حياتهما معا و لكن يبدو ان ما لم تشعر به حياه تجاه حنين كأى زوجه، تشعر به حنين بشده تجاه حياه كأى محبه، ابتسمت بسخريه فأيضا علاقتها بمازن علاقه غير طبيعيه و نهايتها غير معروفه فالعائق بينهم رغم هشاشته - الذكريات - قوى بل قوى جدا ربما يصعب اجتيازه..

تنهدت و هى تشعر بيد محمد تحتضن كفها كأنه يؤازرها في تفكيرها و شكوى قلبها فمن ذا الذى يعرف ما يؤلمها بقدره هو، نظرت اليه لتسقط تلك الدمعه التى علقت بجفونها فضم رأسها ليطبع قبله خفيفه على جبينها هامسا بصوت مشبع بحنانه: بلاش تتعبى قلبك يا أم فارس، الحياه هتكمل و ربنا مبيظلمش حد، و لسوف يعطيك ربك فترضى ...

اخذت نفسا و قلق قلبها على ولدها الجالس امامها يفوق كل قلق بحياتها، خسرت احدهم و لن تتحمل تعاسه الاخر، فقد احدهم النبض ليتوارى تحت التراب و لن تتحمل ان يفقد الاخر قلبه حيا فيتوارى خلف حواجز معتمه من حزن و وجع...

ضغط محمد يدها معيدا همسه بنبره اشد حنانا و حزما: مازن طول عمره طلباته مجابه، و الفتره الاخيره كل اموره اتلخبطت، و انا شايف ان ده لصالح مازن علشان يتعلم يعنى ايه يحافظ على النعمه اللى في ايده، عينه فضحاه و للاسف اختار الصعب، اختار قلبه اللى اختارها هى، و ان مدافعش عن حبه ده يبقى ميستحقهاش يا نهال..
نظرت اليه بحزن و لكنها مدركه ان ما يقوله صحيح،.

الحب يحتاج للشجاعه و حبه خاصه يحتاج لشجاعه كبيره جدا، لكسر حاجز الذكريات القديمه - التى لا يجوز لمازن او لحنين ان تصير اكثر من ذكريات بينهم - و تكوين ذكريات جديده..
هى مدركه ان علاقتهم و زواجهم الكامل و امتلاك كلا منهما قبل الاخر لا يعد خيانه لابنها الراحل...

فارس كان و مازال و سيظل في قلب الجميع سابقا شخصا و الان طيف جميل لن يمحوه حياه جديده و لن يدفنه عشق جديد و لكن حياه كلا منهما بحاجه لشريك، و لم يكن الاختيار خيارهم فالله عز وجل هو من جمع طريقهما معا لانه لا يجوز لقلب مازن سوى حنين و لا يجوز لقلب حنين سوى مازن...
عيب يا حاج و الله عيب!

هتف بها مازن بفرحه مرحه و هو كالعاده يدفن وجعه خلف واجهته المازحه، مقتربا منهم ناظرا لوالده بخبث و هو يقبل جبين والدته و يده التى تحتضن يدها بقوه..
رفع محمد عينه عن نهال و ابتسم بغيظ هاتفا بغضب: ولد اتأدب.
ضحكت حياه و حنين على غضب محمد الواضح و خجل نهال و الذى دائما ما يستغله مازن اعظم استغلال و الذى ظهر جليا الان و هو يتحرك ليجلس امامهم قائلا بغمزه مشاغبه: كان بيقولك ايه يا نونا..؟

ثم اشار لها بسبابته و هو يضيق عينه مردفا بنبره محذره: اوعى تخليه يضحك عليكِ بكلمتين و ينسيكِ خروجه للنادى كل يوم..
ضربه محمد بقوه على كتفه ليصرخ متأوها و هو يهتف بضحكه عاليه: انا اه بقالى خمس ايام برتاح بس لسه تعبان يا حاج و الله و بصراحه، ايدك ثقيله، قوى.
هم محمد بضربه مجددا و لكن نهال امسكت يده لتقول بحنان و هى تضم مازن لصدرها: بس يا محمد، الولد لسه تعبان.

نظر اليها محمد باستنكار ليشير اليه بسبابته من اعلى لاسفل: كل ده، و ولد..!
ضحكت حنين و حياه لتنهض حياه مسرعه لتجلس بجوار محمد لتضع يدها على كتفه مغيظه بكلمات تدرك انها ستستفز مازن: يا بابا متعرفش المثل اللى بيقول القرد في عين امه غزال!
قهقه الجميع عدا حنين التى رمقتها بنظره غاضبه بينما نظر اليها مازن صارخا بغيظ كبير: حياااااااه، انا...

ثم زم شفتيه لينهض ليُمسك بها و لكنها نهضت راكضه لتتعلق عين حنين بهم و قلبها يكاد يخرج من صدرها، عيناها تشتعل بغضبها كاشتعال صدرها بغيرتها الان فنهضت واقفه هى الاخرى لتهتف بقوه: مش هتشوف الهدايا بقى؟!
توقفت حياه ضاحكه ليقف مازن بجوارها واضعا يده على كتفها ضاما اياها اليه ضاحكا هو الاخر ناظرا لحنين قائلا بنبره متقطه اثر انفاسه المضطربه من ركضه: هى فين الهدايا دى انا مش شايف حاجه..؟

اتجهت حنين لحياه لتجذب يدها لتبتعد عن مازن لتنظر اليها بحده دون وعى منها لتقول بنبره مشتعله ادركها الجميع عداها: مهو انت لو بعدت عن حياه شويه هتشوف الهدايا!
نظرت نهال لمحمد ليكتم كلاهما انفعاله و حملقت بها حياه قليلا ثم ابتسمت و تبادلت نظرات ذات مغزى مع مازن و التى كذبها مازن رغم تصديق قلبه لها فابتسمت حياه بمكر مدركه غيره حنين و من ذا الذى يفهم امرأه سوى امرأه مثلها!

فاتجهت اليها متأبطه ذراعها تحدثها بضحكه: طيب يلا نجيبهم..
اتجهوا سويا للداخل ثم عادا بعد بعض الوقت و بدأ الجميع بتهنئه مازن مجددا و الضحك هو جامعهم هذه الليله...

ابتعدت حنين عنهم لتنظر اليهم عن بعد، لتبتسم بحزن و هى ترى بهم عائله ربما كانت لتضمها يوما ما، استدارت حامله صوره كبيره لفارس على طاوله خلفها لتنظر اليها و تبدأ دموعها بالتساقط و هى تحدثه بضعف و قلبها بات يترنح من فرط اشتياقها له: انا خسرت يا فارس، خسرتك، خسرت نفسى و خسرت وجودى وسط عيلتك، يا ريتك جنبى ياريت...

لتجد فجأه نهال على يمينها و محمد على يسارها و حياه تحاوط عنقها من الخلف و مازن امامها ليقول محمد بقوه و حزم: انتِ نواره العيله و هتفضلى نواره عليتنا دائما..

نظرت اليه لتضم صوره فارس لصدرها بقوه جعلت قلب مازن يهوى ارضا و هو يدرك كل يوم عن الذى قبله بل كل دقيقه عن سابقتها انها ابدا لن تكون له، و لكنه اقترب هاتفا بحنق مصطنع: فين هديتى؟! فاكره يعنى انى هعمل مش واخد بالى و هنسى و الكلام ده، , ثم استند بمرفقه على كتفها هاتفا بنفى ممازح: لا خالص، اطلعى بالهديه و إلا مش هيحصل طيب.

رفعت يدها لتُزيل دموعها ثم ضحكت ملتفته ناحيته لتقول بابتسامه لا تدعيها: لا انا قولت لحياه تجيب الهديه.
رفع حاجبا و انكمشت ملامحه باستنكار متعجب و هو يضغط بمرفقه على كتفها وسط ضحكات من حولهم و الذى كان منهم من يرمقهم بنظرات تمنى و منهم بسعاده و اخيرا بفرحه لبدأ حياه جديده رضى و وافق عليها الجميع سواهم: و انا مالى و مال هديه حياه انا عاوز هديتك انتِ؟!

استدارت له لتزيح كتفها من اسفل يده لتسقط يده منحينا قليلا لتقول هى بمراوغه جديده عليها و غالبا لا تكون الا معه عندما يجتاحها بمزاحه هذا: ما انا قولت لحياه تجيب الهديه اللى انا هديهالك.
وضع يده خلف عنقه يمسدها بفخر مصطنع لتزداد ضحكتها ليغمزها بشغب: و فين هى؟!

اتجهت حنين لتحملها بينما اغلق مازن عينه و هو يتمالك ما يشعر به الان، ذلك الشعور الذى كاد يهدمه هدا و لكنه ضحك بشقاوه و هى تقترب منه مجددا و اعطته اياها، فك غلافها ليجدها تحتوى على قرص مدمج لمعزوفه كلاسيكيه قديمه، و ديوان شعر لاحد الشعراء العمالقه، فقلبه بين يديه بسعاده حقيقه و قد لامست هى احب الاشياء لقلبه..

فرفع عينه اليها و لاول مره تشعر بهما تحملان فرحه حقيقه وهو يهتف كطفل صغير اهدته والدته لعبته المفضله: انتِ مش معقوله، شكرا بجد..
لتتسع ابتسامتها ايضا و لكنها عادت تكتمها عندما قال بمكر و هو يضم الهديه بيديه معا: بس انا عندى طلب، او ممكن تعتبريها امنيه عيد الميلاد.

نظر محمد لنهال و انسحبا بهدوء للداخل بينما ابتسمت حياه بخبث و هى تفعل مثلما فعل والديه و عندما لمحها مازن غمزته بمشاغبه فرمقها بنظره ساخره بينما نظرت له حنين متسائله غير منتبهه لما فعله الجميع فقط تنتظر طلبه: امممممم، اطلب.
نظر اليها قليلا ثم امسك كفها لينتفض جسدها من لمسته و التى لم تكن الاولى و لكن تلك الدافئه و ربما المتملكه اشعرتها بشعور غريب...

توقفا داخل غرفته تلك ليضع لوحه بيضاء فارغه امامها قائلا بتمنى: ارسمى، ارسمى لوحه بتعبر عنى، او يتوصفنى جواكِ، لوحه بتعبر عن مازن مش اخ فارس.
انتفض قلبها و هى ترى الضباب المشبع بالالم الذى غلف عيناه و هو ينطق بجملته الاخيره و التى تبعها برجاء: لوحه بتوصف مكانه مازن جوه حنين، مازن بشخصه و بس..

حدقت به قليلا عندما فوجئت به ينحنى ليهمس بجوار اذنها و هو يضع الفرشاه بيدها ليقربها من اللوحه: بيقولوا ان الرسم فن و ان الفنان بجد اللى يقدر يرسم باحساسه، , عاوز اشوف احساسك هيوصلك لايه؟
صمتت قليلا متيبسه اثر صوته، رغبته، و لكن غلب عليها احساسها االذى اجتاح كل حواجزها لتنطلق يدها على اللوحه تجسد شعورها تجاهه، شعور هى تدركه جيدا و لكنها تهرب منه...

تحرك هو بابتسامه فهو يدرك جيدا ان احساسها تجاهه سيتجسد رغما عنها على اللوحه، ربما تلك هى فرصته الوحيده في معرفه حقيقه شعورها، حقيقه اما ستجعله يتقدم و اما ستعيده آلاف الخطوات للخلف...

اتجه لمشغل الموسيقى ليضع المعزوفه التى اهدته اياها ليلاحظ ابتسامتها المنطلقه و التى دفعت يدها لتتحرك اكثر على اللوحه فابتسم جالسا على مقعد امامها و بيده كتاب الشعر التى اهدته له ليقرأ منه بينما تنهل عينه من ملامحها التى طغت الابتسامه عليها...

حتى توقفت يدها متنهده بقوه ليلاحظ انكماش ملامحها و كأنها ادركت الان ما رسمته يدها فأغلق عينه ثوانى ثم نهض ليقف خلفها تماما لينظر للصوره لتتسع عينه بدهشه تتحول بعدها لضحكه صدمه و فرحه حاول هو كتمها بكل طاقته عندما رأها تنهض لتنظر للوحه ثم شهقت بعنف مرتده للخلف حتى كادت تسقط عن المقعد و لكن جسده خلفها كان لها بالمرصاد لتشهق مره اخرى و هى تنظر لوجهه الذى جاهد لجعله متجهما مدركا ان تقبلها للامر لن يكون بهذه السهوله و هذا ما كان عندما ابتعدت عن يده لتقف و تمتمت بارتباك و جبينها يتصبب عرقا اثر توترها و ربما انتفاضه قلبها فخرج صوتها مهزوزا متقطعا مشبعا بندم اصاب قلبه في مقتل: انا معرفش، مقصدش، انا، مش عارفه، ا.

قاطعها هو و هو يبتسم بهدوء قائلا كأنه لا يبالى: على فكره دى حاجه تفرحنى جدا..
عقدت حاجبيها بضيق و هى تنظر حولها بتشتت لترمقه بنظره ساخطه غاضبه ليصحح هو ما جال بخاطرها مردفا و هو يُمسك الصوره: احساسك ناحيتى بالامان شئ يسعدنى...

كتم جم انفعالاته الان و هو يتطلع لرسمتها متمتما بكذب شعرت هى به كأنه حقيقه او ربما ارادت تصديقه كحقيقه: انتِ اختى و كون انى امثل حضن راحه و انك تعتبرينى زى عاصم، دى حاجه كبيره قوى بالنسبه ليا..
نظرت لرسمتها بين يديه و هى تتعجب كيف فعلتها، كيف صورت احساسها به في رسمه تضمها هى و هو و ليس هذا فقط بل و هى تحتضنه ايضا..

هى رسمت نفسها بحضنه، هو يقول ان احساسها عبر عن الامان فقط و لكنها تشعر بشئ اخر، شئ جعلها تضع يدها على صدرها تمنع انتفاضته و التى تلاها التماع عينها بالدموع و هى تلتف بحده لتنظر لصوره فارس خلفها لتتساقط دموعها لتلتفت لمازن مجددا بحده ليست منه بقدر ما هى من نفسها لتجذب الرسمه من يده و همت بتقطيعها و لكنه اوقف حركه يدها بقبضته و التى رغما عنه بقوه اندفاعه ألمتها هاتفا بجديه: حنين، انتِ..

قاطعته بعصبيه و هى تفكك يدها عن يده التى شعر بها ترتجف بعنف كأن ليس الرافض قلبها فقط بل و كل جسدها ايضا، كل ما بها يرفضه جمله و تفصيلا، لا يهمها احساسا فهى تبكى خوفا و صوتها يقطر اعتذارا لصوره فارس خلفها: انا غلطت لو سمحت سيبنى اقطعها..

وضع اللوحه جانبا ليقترب منها مجددا ناظرا لها و عين كل منهما تفصح للاخر عن حقيقه مشاعره و لكن دائما ما تعاندهم الكلمات لتُثبت العكس تماما: انتِ مغلطيش، ايه المشكله في انك تحسى معايا بالامان..؟ انا زى عاصم يا حنين، لا اكتر و لا اقل، انت مغلطيش صدقينى..

نظرت اليه بتشتت ليربت بهدوء على كتفها متمما كلماته مانعا صوته من الاختناق الذى شمل كل روحه الان: متخليش تفكيرك يروح لبعيد، احنا اخوات و بس، شوفتِ بسيطه!
ثم ابتسم بحنان احتواها و كأنه يهدهد قلبها رغم النيران التى تجتاحه الان تحرقه، نيران حبه و نيران رغبته بها التى تزداد اشتعالا يوما بعد يوم، ، انجراف مشاعره تجاهها لن يكون حسن العواقب ابدا، و لكن ان كان هناك املا ضئيلا لن يتخلى عنه..

و ربما يكون هذا اقوى، اغلى، اكبر و احب المكاسب لقبله بل لروحه، نفسه و جسده ايضا!

لم يشعر متى و كيف خرجت من امامه و لكن لهيب انفاسها مازال يلامسه، اقترب من لوحتها ليرفعها امام عينيه ثم اقترب من لوحتهاا التى تحمل وجه فارس ليغلق عينه و شعوره بالحزن يعتليه ليجلس ارضا و يضع رسمتها جانبا ليظل يطالع وجه فارس ليهمس بصوت متحشرج و قلبه يعانى من الم الخساره، الافتقاد و الاسوء الحب الذى كُتب له و لكن حُرم عليه: انا محتاج لوجودك جدا، محتاج نصيحتك و ايدك على كتفى تقوينى، مش عارف اعمل ايه و مفيش غيرك هيدلنى، اعمل ايه يا فارس قولى، قولى اعمل ايه؟

اغلق عينه لتتساقط دموعه عجزا أحاط روحه كلها لتشق كلمه فارس رأسه مش احنا اللى بندور على الحب يا مازن هو بيجى لوحده و يوم ما هيقرر يدخل قلبك هيدخل بدون استئذان و اللى واهم نفسه زيك كده مش بس بيحب لا دا بيعشق و بجنون ...

فتح عينه ليبتسم بسخريه متمتما بحسره و مراره لونت صوته و هو ينظر للوحه التى جمعتهم سويا: حبيت يا فارس بس هل انتِ هتسامحنى على عشقى لحبيبتك، لمراتك و الحاجه الوحيده اللى اتمنتها بس كان اجل ربنا اسرع، هتسامحنى و لا لأ؟!

انطلقت ركضا على الدرج بمجرد ان استمعت لصوت بوق سيارته و هى تدلف للمنزل، مرت عليها الايام الماضيه في غيابه كالدهر، لم تشتاق اليه من قبل كما فعلت هذه الايام..
توقفت على اخر الدرج و هى تراه يدلف لتكون اول ما تراه عيناه رغم الجميع حوله..
كان يحتضن ليلى و لكن عينه مثبته عليها، تحرك لعز و مازالت عينه عليها، ليعقد حاجبيه و هو يرى دموعها التى اندفعت كثيره و التى ناقضت ضحكه شفتيها الواسعه..

هل تعرف انه منذ زمن طويل يتمنى رؤيتها هكذا؟!
طالما اراد ان تكون في استقباله ليلقى بتعب عمله كله ارضا بحضن منها، لتهمس له بشغف عن اشتياقها له، لتطبع قبلات مشبعه برائحتها على كامل وجهه، و ها هى الان تحقق له ما يتمنى!
اقترب واقفا امامها و لكن لوجود الجميع حولهم و احتراما لخجلها اكتفى بنظره احتضنتها بقوه و كذلك هى اكتفت بكلمات بسيطه و لكنها مشبعه باشتياقها: حمدلله على السلامه.

ابتسم بهدوء و اومأ برأسه مجيبا بسخاء مشاعره و التى ناقضت اقتضاب قوله: الله يسلمك، ثم همس بصوت خفيض اسرى رعشه خفيفه بجسدها: يا جنتى.
اتسعت ابتسامتها و هى تراقبه ليتحرك جالسا مع العائله ليتحدثا قليلا قبل ان يستأذن ليريح جسده من عناء سفره و في الواقع هو كان يرغب براحه قلبه من عناء اشتياقه ف تحرك للاعلى لتتحرك جنه خلفه بهدوء..

و بمجرد ان فتح باب غرفته استدار بسرعه جاذبا يدها ليضمها بتملك كاد يكسر اضلعها مغلقا الباب بقدمه لتتعلق هى بعنقه بكل طاقتها ليدفن وجهه بتجويف عنقها مغلقا عينه حتى وصله همسها الاسر: وحشتنى، وحشتنى قوى يا عاصم..

ابتعد بوجهه لينظر اليها فلم تبخل عليه بتحقيق امنيته و التى كانت اغلى امانيها الان و هى تجوب وجهه بقبلاتها السخيه و التى اخبرته بحرارتها عن مدى اشتياقها لها حقا و هى تعيد همسها بين قبلاتها التى استسلم لها كليا: وحشتنى، وحشتنى، وحشتنى.

ضحك بانطلاق و هو يضمها له و ربما تلك من اللحظات النادره التى يضحك فيها بانطلاق هكذا فاخفت وجهها بصدره فطبع قبله على جبينها لتبتعد عنه متحدثه بحماس: خد شاور و غير هدومك على ما احضرلك الغدا..
فجذب يدها اليه عندما همت بالابتعاد جالسا على طرف الفراش و اجلسها بجواره قائلا باهتمام: بدأتِ دروسك طبعا..!
اتسعت ابتسامتها و دون ان يسأل عن تفاصيل بدأت هى تسردها بسعاده و هى تشير هنا و هناك بيدها..

تاره تضحك من مواقفها مع معلماتها و اللاتى منهم من يقارب عمرها، و تاره تتجهم متذكره تلك الاستاذه الكبيره عنها سنا و التى تعاملها كأنها طفله صغيره مذنبه و حقا تخشاها او بالادق تغتاظ منها...
لتخبره بعدها بأنها تتعاون مع شذى في مزاكرتهم فهما بنفس السنه الدراسيه تقريبا، و ذلك الامر لم يضايقها بل زادها تحمسا مع وجود منافس لها و الامر كذلك بالنسبه لشذى...

بينما تعد لهم ام على بعد المأكولات و الحلويات السريعه و التى تمنحهم طاقه اكبر لاستكمال مزاكرتهم، و بعض الاوقات يغلبهم النوم مساءا لتدلف ليلى لتضع الغطاء على كلتاهما بحنان مع قبله على الجبين دائما ما تشعر بها جنه بسبب نومها الخفيف، لتنام بعدها قريره العين و على وجهها ابتسامه سعاده افتقدتها...
كان يتطلع لوجهها مدركا انه يرى هذا الجانب الطفولى بها لاول مره...

فكم تحمل بداخلها روح طفله صغيره و برغم ما واجهت من كسور و جروح و الكثير الكثير من الخدوش مازالت متمسكه بروحها الغنيه ببراءتها، ربما بلغت من العمر ما يقارب ربع قرن و لكن ابنه العشر سنوات مازالت داخلها، ابنه شعر بأهميه دوره كأب تجاهها..

لم يكن يتخيل ان يأتى يوما يجلس فيه ليستمع لحديث امرأه، بل و عن دراستها و تلك الطفوليه التى دائما ما رأها في شذى و كان يزهدها، الان يجلس و يستمع رغم تعبه و رغم رغبه جسده الصارخه بالراحه و لكن مجرد صوتها المنساب كخيوط غزل تشابكت على قلبه لتنسج من نبضاته زياً يناسبها...

ضحكاتها المنيره و التى غطت على ظلام تعبه لتشرق راحه روحه بها، قالها مره و يعيدها الان تلك المرأه استثناء و معها هو ايضا من نفسه استثناء.
انهت حديثها بتنهيده حاره لتصرخ بعدها و هى تجلس على ركبتيها على الفراش امامه: ان هت..

قطع كلماتها عندما وضع يده على خصرها دافعا اياها على الفراش و هو بجوارها لتشهق بمفاجأه ليتوه تأوهها بين شفتيه التى سطرت كلمات عشق، فخر و سعاده على انفاسها التى استسلمت تماما لانفاسه التى اشتاقتها حد الجنون..
حتى دفعته عنها بهدوء لتهمس بتورد و قد عاد لوجهها فتنته الساحقه بخصلاتها التى انتشرت على الفراش خلفها، لينهل من ابريقها العسلى ما يملأ حصونه بأمانها حبا جما: انت محتاج ترتاح.

تنهد بقوه مقبلا كلتا وجنتيها و هو ينهض عنها ليجلس بينما نهضت هى لتجهز ملابسه حتى منحته اياها ليتحرك للمرحاض بينما هبطت هى للاسفل...
خرج من المرحاض لم يجدها بالغرفه فزفر بقوه و عاد يداعب جانب فمه بحركته المعتاده بابتسامه ليتحرك هاتفه باهتزاز على الطاوله بجواره فاتجه اليه ليجده اكرم...
اتسعت ابتسامته و هو يلتقط الهاتف ليجيب بهدوء و هو يلقى بجسده على الفراش: السلام عليكم؟!

ليتنهد اكرم بلهفه و هى يهتف بحده: و عليكم السلام، اربع ايام و انا هتجنن، لا اختك بتيجى الشركه و لا سيادتك بترد على التليفون و الست جنه واخده اوسكار في التحوير، افهم بقى، ها فهمنى، تعبت من الانتظار يا نااااااس.
كتم عاصم ضحكته و قال بنبره مستفزه هادئه تتناقض تماما مع ما يشعر به اكرم الان: اهدى يا بشمهندس، في ناس بتستنى اسبوع و اتنين على ما العروسه تقرر!

نقر اكرم على المكتب عله يهدأ فالانسه المبجله اخذت اجازه مرضيه و لم يراها منذ ان سقطت مغشيا عليها امام عينه و الان لن ينتظر دقيقه واحده فهتف باقرار حاسم: انت وصلت اهه و الحمد لله، الساعه 8 بالدقيقه هكون عندكم...

دلفت جنه من الباب و هى تحمل ابريق الماء لتجده يبتسم مستمتعا فاتجهت اليه جالسه بجواره، فاعتدل جالسا ليضم كتفها لصدره بيده الحره و هو يقبل رأسها بعمق ليقول بجديه: انا لسه معرفش رأى مها يا اكرم، نستنى لبكره.

صمت اكرم قليلا ثم اخفض صوته المتحمس قليلا ليقول بعقليه: اعتقد في ايدك تسألها دلوقت و قدامها 4 ساعات تقرر فيهم دا لو قولنا انها في الاربع ايام اللى فاتوا مقررتش، انا هاجى باليل يا عاصم، هاخذ يا القبول، يا الرفض.
صمت عاصم بالمقابل قليلا ثم قال كلمته اخيرا لصالح اكرم فها هو عرف مكان عمته تحديدا و استطاع اعداد ما يرغب به كليا عدا بعض نقاط صغيره اذاً حان الوقت لابداء الحقيقه: تمام يا اكرم في انتظارك..

ان شاء الله هقول مبرووك و هزغرد كمان..
صرخت بها جنه في سماعه الهاتف ليبتسم عاصم بينما يصرخ اكرم بالمقابل: قولى يارب، اخوكِ وصل لمرحله خطر يا جنه، ادعيله..
اعطاها عاصم الهاتف ليضمها هو بذراعيه مستندا بذقنه على رأسها بينما ضحكت جنه متمتمه بثقه: متقلقش يا حبيبى بدعيلك و الله، هو انا عندى اغلى منك..

انطلق منها تأوه خافت و هى تشعر بضغط يدى عاصم حولها بقوه كأنه يعاقبها على كلماتها فرفعت عينها اليه لتجده يرمقها بنظرات غاضبه ساخطه فابتلعت ريقها وهى تطبع قبله صغيره بجانب شفتيه ليصلها صوت اكرم ممتنا: ربنا يباركلى فيكِ، يالا هقفل دلوقت و اشوفكم على خير بالليل..
تعلقت عينها بعاصم لتُجيب بصدق: ان شاء الله يا حبيبى في رعايه الله..

اغلقت لتضع الهاتف جانبا فتحرك ليبتعد عنها و لكنها لم تسمح له بهذا قائله بحراره و انفاسها تصطدم بعنقه: عاصم مضايق من جنته!
ضمها بقوه غاضبه ليصيح بضيق والغيره تقطر من كلماته: معندكيش اغلى منه؟!

ضغطت بيدها فوق يده التى تضمها رغم شعورها بالالم لتسلط شعاع ابريقها العسلى بين حصونه والتى سرعان ما هاجمتها اسهمها باستماته لتهمس بعاطفتها الجياشه و هى تلامس وجنته برقه: انت مش مجرد حد غالى عندى، انت انا يا عاصم.
انخفضت لتضع يدها على قلبه ثم اقتربت لتطبع قبله فوقه قائله بنفس النبره الذائبه: قلبى قلبك.

ثم نظرت اليه مجددا لتتخذ من تصرفاته قدوه لها لترتفع بوجهها قليلا لتقبل جفنيه والتى اغلقهما استسلاما لعاطفتها التى اكتسحته مذيبه كل غضبه لتحوله لاشتعال دفين بها: عيونك بيتى و رغم ذلك دائما بتوه فيهم..!
تساقطت يده عن كتفها لتضم خصرها بدفء مقربه اياها منه اكثر فرفعت يديها تحاوط وجنتيه مردفه بنفس الهمس الذى دفع به دفعا داخل حصار قلبها: انت اى حاجه، اهم حاجه، و كل حاجه..

انهت كلماتها بقبله عميقه على جانب فكه لتلاحظ تشنجه بقوه و هو يكز على اسنانه ويده تكاد تغرز في لحم خصرها فابتسمت لتبتعد عنه ففتح عينه ليلاحظ ابتسامتها المشاغبه والتى يبدو انها استمتعت باستسلامه التى تدرى انها لو انتظرت دقيقه لرأت طوفان يكتسح كل استمتاعها فنهضت واقفه قائله بتهرب حتى لا يغرقها هو بفيض عاطفته التى دائما ما تنسى نفسها فيها: الاكل جاهز، يالا ننزل قبل ما حد يجى ينادى.

نظر اليها قليلا ليدرك مغزى كلماتها فمنذ زواجهم لم يستطع الانفراد بها دون مقاطعه كأن جميع من بالمنزل يتربص بهم، ومع نظراته المدركه ونظراتها المشاغبه انفجر كلاهما ضحكا حتى نهض هو ضاما اياها مقبلا جبينها متحركا بها للاسفل لتناول الطعام...

اجتمع الجميع بالصاله الخارجيه وقد قاربت الساعه على السابعه مساءا فنظر عاصم لمها لينهض جالسا بجوارها ممسكا يدها قائلا بجديه: اظن كده ممكن اسألك عن قرارك؟!
اخفضت رأسها خجلا وهى تعبث بأصابعها ارتباكا فتمتم عز باحتواء ابوى: اى كان قرارك يا بنتى كلنا في ظهرك...

نظرت لعاصم بخجل ثم اخفت وجهها بصدره ليصله ردها دون مجهود منها فنهضت ليلى لتحتضنها بقوه مغمغمه بعاطفه امومه طالما كانت حقيقيه تجاهها: ياااه يا مها، انا فرحانه جدا اخيرا هطمن عليكِ زى اخواتك.
دفنت مها وجهها في صدرها لتتساقط دموعها تباعا من تلك الفرحه التى بدأت تتسلل لحياتها مره تلو الاخرى كما تسللت خارج حياتها سابقا،.

وهنا نالت سلمى من عاصم نظره حارقه اخبرتها انها على وشك الاحتراق بلهيب خطأها، و زاد الامر سوءا عندما تحدث بنبره تحذير واضحه موجها نظراته لها: امجد اخباره ايه يا سلمى؟!
نهض عز مقبلا جبهتها واجاب عنها مما جعل عاصم يرمقها بغضب عاصف ارعد مفاصلها: الهانم مصره تقضى فتره معانا لان امجد مشغول عنها و بيجى يشوفها بس مش عارف بيجى واحنا مش هنا ليه؟!

فنهض عاصم مقتربا منها خطوه ليقول بهدوء نافى نظره عينه الغاضبه: يمكن بيتكسف مننا او تكون سلمى متفقه معاه و لا حاجه، ألا صحيح يا سلمى ايه سبب الاجازه المفاجأه دى؟! دخلنا في اسبوعين يعنى و انا مش شايف سبب مقنع لغيابك عن بيتك و جوزك كده!
وقفت جنه امامه و بعينها نظره مانعه ولكنه تجاهلها وعينه مسلطه على سلمى فهو مدرك جيدا لشعور ان تترك الزوجه بيتها وزوجها يعانى غيابها كما فعلت به جنته الصغيره من قبل..

نهضت سلمى واقفه بارتباك لتتمتم بنبره مهتزه غريبه على طبعها المتمرد: اصل هو، الفتره ده مشغول جامد، ومش بشوفه كتير قولت اجى اقضى معاكم يومين.
هم بالتحرك مقررا ايقاف هذه المهزله والمسرحيه الساخره فكفى دلالا ولكن ليلى منعته بقولها وهى تضم سلمى بذراعها الاخر: الله، فيه ايه يا عاصم!، ايه المشكله اما تقضى يومين هنا طالما جوزها موافق و مفيش مشاكل.!

انتفض جسده كله بغضبه ولكن ضغطه جنه على يده ونظره عينها التى ترجته الا يفعل امام الجميع جعلته يبتلع لسانه قسرا ويتحرك بغضب للاعلى ولكنه توقف على الدرج بعدما تذكر هاتفا: اكرم هيجى النهارده على الساعه 8، اجهزى يا مها!

فله فين القميص اللبنى مش لاقيه؟!
صرخ بها معتز وهو يبحث في ثيابه فلقد اخبره عاصم بموافقه مها وزياره اكرم وها هو في طريقه للاستعداد ليكون بجوار اخته في يوم كهذا..
وصله صوتها من المطبخ وهى تصرخ بنفاذ صبر وهى تحرك رأسها بمعنى لا فائده: في الدرج الاول يا معتز، الاول مش الثالث!
وضع يده على فمه مغلقا الدرج الثالث المفتوح امامه فهو عاده ما ينسى ترتيب قميصانه ويبدو انها حفظت اخطاءه هذه حتى..

فابتسم مخرجا القميص وبدأ بارتدائه ثم نثر من العطر ببزخ على ملابسه وعنقه ليخرج من الغرفه متجها اليها بالمطبخ محتضنا اياها من الخلف كما تفضل دائما قائلا وهو يطبع قبله على وجنتها: لسه مصممه متجيش!
استنشقت عطره بقوه فهو ما عاد يستخدم عطره القديم والذى اصبح يصيبها بغثيان مؤلم ولكن انفاسها ويبدو ان صغيرها يفضل هذا ولهذا بات هو عطره المفضل وربما يضطر لتغيره مره اخرى بعد ولادتها...

ضمت شفتيها بحرج لتترك السكينه بيدها لتضم يده اكثر حولها هامسه بحزن: كان نفسى ابقى جنبك انت و مها النهارده اكيد، بس مهما كان انا اخت محمود يا معتز ووجودى ممكن يسبب مشكله..

ازداد من ضمه لها وهمس بخفوت بجوار اذنها وهو يطمأنها من تلك العلاقه التى باتت تخشاها: انتِ ملكيش اى دخل باللى عمله محمود، وانتِ عارفه ان مها بتحبك جدا كأخت وصديقه واخيرا مراه اخوها، ولعلمك بقى هتزعل جدا لو مجتيش معايا، متخلقيش حواجز مش موجوده يا فلتى و اسمحى للفرحه تدخل بقلب جامد.

تنهدت بقوه وهى ترتكز برأسها على كتفه وكلماته المقنعه تطمأنها قليلا، فأومأت برأسها موافقه لتصرخ: خلاص استنى هلبس في ثوانى و اجى معاك.
وبمجرد ان انتهت تسمرت مكانها بضحكه بينما تجمد معتز كلوح الخشب عندما اعلن صغيرهم - حمزه - عن فرحته هو الاخر بركله قويه لوالدته و التى لاول مره تشعر بها هبه وهو يحاوطها ولاول مره يشعر بها معتز...

مما جعله يستقيم ورغبته جنونيه في الابتعاد عنها قلقا وخوفا بل وارتباكا لا يدرى مصدره ولكن يده تجمدت تماما وطفله يمنحه ركله اخرى وكأنه يتعمد التحدث والتواصل مع والده...
فازدادت ضحكات هبه وهى تتوقع ما يشعر به الان فاستدارت برأسها لتراه لتجد عينه متسعه بدهشه وانفاسه متلاحقه بقوه لينظر اليها بعدم استعاب قائلا بتشتت: انا، ان، انا حسيت، حست بيه!

ضحكت بحنان وفيضان عينها يغرقه بعاطفتها تجاهه ليعاود القول بنبره اكثر صدمه وصوتا اكثر علو وتعجب: انا حسيت بيه يا هبه، حسيت بيه!
وضعت يدها على يده التى مازالت على بطنها المنتفخ و تمتمت بسعاده: حابب يتكلم معاك، حابب تحس بيه زيى بالظبط، بيحبك.

خرجت منه ضحكات متقطعه من شده فرحته تبعها تساقط دموعه فرحا ليترك يدها جالسا على ركبتيه ليحاوط بطنها بيده و هو يهتف بعاطفه لاول مره تجتاحه و فرحه لا تعادلها فرحه بعالمه كله: بيحبنى، هو بيحبنى يا هبه، بيحبنى!
وضعت يدها على فمها تكتم انفعالها و لكن عينها لم تفعل فامتلئت بالدموع على مظهره الذى اثار كل عاطفه امومتها تجاهه و هى ترى فرحته كبيره لهذا الحد..

لتندم اشد الندم على حرمانه منها طوال الاشهر السابقه ولكن صغيرها اختار فرحه ابيه، اختار الوقت المناسب تماما ليمنح ابيه القوه رغم صغره...

حرك معتز يده على بطنها يمينا و يسارا ليتمتم بحنان و وعد قطعه لنفسه قبل ان يقطعه لطفله و ازداد انهمار دموعه بمشاعر متداخله من فرحه، حزن، ندم، وجع، فخر و لهفه: انا اسف، اسف انى حرمت ماما و حرمتك منى طول الفتره دى، اسف انى وجعت قلبها بسبب طيش منى، اسف على بعدى، اسف...

اوقفه اختناق صوته، انفاسه و دموعه ترفض التوقف، لم يخجل و لم يشعر بهذا ضعفا بل قوه، قوه امدته بها هى اولا ليُكمل صغيره مسيرتها و التى لن تنتهى ابدا، هم كل عالمه و ليس فقط جزءا منه، هم قوته، فخره و عزته كرجل...
ازادادت دموعها و هى تضع يدها على شعره و كل صدأ وجعها منه يختفى تماما، كل دمعه ذرفتها سابقا عوضتها الان فرحه،.

ردف هو و مازال يخاطب طفله بعاطفته اللامحدوده الان: اوعدك اعمل كل حاجه علشان اسعدكم، كل حاجه اقدر عليها، عمرى ما هتخلى عنك زى ما والدى عمل، عمرى ما هوجعك زى ما انا اتوجعت، هبقى أب تفتخر بيه، هبقى كتف تتسند عليه لحد ما تبقى انت ظهرى اللى هيحمينى، هبقى قوتك و انت صغير علشان تبقى قوتى اما اكبر، مش هسمح لحاجه تكسرك حتى لو فيها كسرى، هتعيش حياتك صح، هتبقى ناجح و راجل، راجل زى ما مامتك ساعدتنى ابقى راجل...

استند بجبينه على بطنها لتضمه هى بيدها لتتساقط دموعها و هو يردف بعشقه الذى عجزت كل حروف الابجديه عن تكوين كلمات توصفه: مامتك قويه و هتبقى سندى انا و انت، انا مش خايف من اى حاجه طول ما هى معايا و انت كمان هتلاقيها دائما معاك، هى الضعيفه في نظر الناس بس صدقنى هى اللى قوتنى...

انتفض جسدها بقوه و هى تبعده عنها لتجلس بهدوء على ركبتيها لتضمه بقوه لصدرها ليرتجف جسده بين يديها مغمغما باعتذار: انا اسف يا هبه سامحينى...

زادت من ضمها له و لسانها يعجز عن النطق تماما فأردف و هو يقبل كتفها بامتنان و يزداد ضغط يده حولها كأنه يزرعها داخله: انتِ كنتِ السبب في كل سعادتى، انتِ ادتينى كل اللى اتمنيه في حياتى، بيقولوا كل انسان بيحمل قدر من اسمه و انتِ هبه فعلا، هبه ربنا منّ عليا بيها، و مش ممكن هفرط فيها ابدا...
ظلت على وضعها هذا حتى تمتمت هى بتعب و لكن بنبره مرحه: مش عاوزه ابعد عنك بس انا تعبت..

ابتعد عنها مسرعا ليلاحظ جلوسها هذا و اضطراب انفاسها فنهض عن ارضيه المطبخ ليسندها لتقف ثم ضمها لصدره فاتسعت ابتسامتها و هى تبتعد مقبله وجنته و يدها تمحى اثار دموعه الباقيه على وجنته هاتفه بتذكر: عندك ميعاد يا معتزى...
فضحك هو الاخر و لقبها الجديد له يمنحه سعاده لا متناهيه، ثم ضم كتفها اليه لتستند عليه متحركا بها باتجاه غرفتهم متمتما بتساؤل قلق: هتقدرِ تيجى معايا؟!

اومأت برأسها مسرعه فطبع قبله على وجنتها ثم انخفض طابعا قبله على بطنها و تركها تستعد للخروج. ,.

خرج من الغرفه ليدلف للغرفه المجاوره ليضع سجاده الصلاه ارضا و انخفض عليها ساجدا شكرا لله - عز و جل - و تمتم بثقه و ايمان: اللهم لك الحمد كما ينبغى لجلال وجهك و لعظيم سلطانك، اللهم انى عصيتك فسترتنى، اغضبتك فرحمتنى، ابتعدت عنك فقربتنى، اللهم اغفر لى ذنبى و طهر لى قلبى و زدنى ايمانا و آمانا يا رب العالمين، اللهم لك الشكر على كل عطاياك و لك الحمد على كل ابتلاء، فأنت خير ولى و حسبى انت و نعم الوكيل، الحمد لله الحمد لله الحمد لله..

انتهت و خرجت من الغرفه لتستمع لصوته الهامس المختنق بدموعه فوقفت على باب الغرفه تراقبه مع ابتسامه حانيه و قلبها يتلو شكرا كثيرا لا ينتهى و لن ينتهى..
مدركه ان بين كل عسر وعسر يسر، و مهما طال الانتظار فهناك حتما نتيجه، و كلما طال الصبر كلما اثمرت نتائجه...

نجاح المرء في قوه شخصيته، بعد نظره بدقه الامور و الاهداف و برغبته القويه الصادقه التى لا تشوبها شائبه!
غميكن كردستانى
استعدت مها لتلك المقابله التى لا تدرى ماذا ستفعل بها فهى تشعر انها بأضعف حالاتها الان، لن تقوى على مجرد النظر لوجهه فكيف ستخاطبه!؟
جلست جنه و سلمى معها و شذى تلعب في طرف فستانها البسيط، حتى طُرق الباب فنهضت سلمى لتفتح لتجدها حنين لتشهق صارخه و هى تحتضنها بقوه: حنييييين!

ضمتها حنين هى الاخرى بقوه مماثله و هى تبتسم باشتياق لتلك المجنونه و لتلك الذكريات الجميله التى تجمعهم سويا، رحب بها الجميع و دلفت جالسه معهم و بدأت مناوشاتهم المعتاده و كل منهم تتجنب شعور كبير بقلبها الان..

فحنين اخفت بابتسامتها الهادئه و حديثها الشبه مرح ما تشعر به من ذنب ووجع منذ حديثها و موقفها الاخير مع مازن، و سلمى تخفى بضحكاتها العاليه وتمردها المعتاد وسخريتها اللاذعه اولا اشتياقها المتعب لامجد والذى يهاتفها كل ساعه تقريبا مع تجاهلها لاتصالاته دائما، وثانيا شعورها بالخوف من معرفه عاصم بالحقيقه بالاضافه لخوفها من اكتشاف احدهم لحملها والا لن يسمح لها احد بالابتعاد، فهى ربما اخطأت ولكن ما فعله هى لن تستطيع نسيانه بسهوله ويكفى انها ستكون ذكرى دائمه معها كلما سألها طفلها عن شعورها يوم ان علمت عن وجوده...

و مها تبتسم بارتباك و خجل مخفيه شعور الخوف الذى اجتاحها من الخساره مجددا، و شعور التوتر من رؤيتها لاكرم بل و تركهم يتحدثون على انفراد و ليس بأمر العمل و لكن بحياه خاصه، حياه تجمعهم معا، هى و هو فقط...
بينما جنه تبتسم بسعاده حقيقيه لمها و اكرم فكلاهما يستحق السعاده حقا و لكنها تشتاق لعاصم..

تتلهف لرؤيته، لقد عاد اليوم من سفر عمل، عاد سياده النقيب لعمله و ستضطر اسفه تحمل غيابه لايام كل اسبوع، و لكن اليوم الم يكن بإمكانهم تأجيله لتروى اشتياقها اليه قليلا..
اما شذى فكانت تشاغبهم ولكنها تفكر وتسترجع دروسها بعقلها حتى تتفوق على جنه في الاختبار التى اعدته المعلمه لهم غدا، وكلٌ يبكى على ليلاه!

نظرت سلمى لحنين لتقول بابتسامه: انا اللى قولت لعاصم يكلمك على فكره، علشان تبقى معانا النهارده بدل ما احنا بنشوفك من السنه للسنه كده.
ابتسمت حنين و هى تشيح بيدها بلامبالاه و هى تغمغم بسخريه: و انا اشوفك ليه يا سلمى.؟! هو انتِ بتوحشينى و لا حاجه! و بعدين كلنا اتجمعنا النهارده و دى مجرد مقابله عاديه يعنى.

نظرت لها سلمى بغيظ بينما ضحكت الفتيات لتقول جنه بثقه و التى على اساسها طلب عاصم من معظم اقربائهم الحضور: انا متأكده ان اكرم هيصمم على قراءه الفاتحه لما هيعرف ان مها وافقت، كان عاقل يا مها الله يسامحك بقى.
استدارت سلمى لها بسخريه لتتذكر سابق موافقها مع اكرم فابتسمت بضحكه: عاقل ايه يا جنه!، دا انا شوفت منه جنان ميعرفوش واحد مجنون اصلا!

ضحك الجميع وكان نصيبها لكمه خفيفه من يد مها بكتفها لتصرخ بشغب: ايوه بقى، مها بتغيير، انت فين يا اكرم..!
ارتفعت ضحكاتهم مجددا و كل منهم تتناسى ما بها مندمجه بكامل احساسها مع البقيه، حتى اتت اللحظه الحاسمه عندما طُرق الباب مجددا لتدلف هبه بضحكه و هى تهتف بفرحه: عروستنا الحلوه.
نهضت مها ضاحكه لتحتضنها بمحبه و في الواقع لم يخطر محمود على بالها حتى فسبق ان قالت بين هذا و ذاك لا مقارنه...

رحب الجميع بها لتقترب منها سلمى ناظره لانتفاخ بطنها باعجاب وهى تضم بطنها بيدها فابتسمت جنه بحنان وهى تلاحظ نظراتها، بينما وضعت مها يدها على بطنها قليلا ثم اشارت بسعاده مبرووك يا هبه ربنا يتمم ولادته على خير
رددت الجميع الدعاء خلفها بينما ربتت هبه على كتفها قائله بابتسامه تفضح سعادتها بوضوح متناسيه ما جاءت لتقوله اصلا: و انتِ ربنا يفرحك و يتمم جوازك على خير.

ثلاث طرقات على الباب تبعها دخول عاصم و بمجرد ان رأته حنين اقتربت منه مسرعه ليضمها باشتياق مغلقا عينه لحظات و هو يشعر انه اتم واجبه بحق الجميع الا هى!
الا اقربهم لقلبه، ابنته الاولى و الاغلى، ساند الجميع ايلاها، و وصلها هى من ضمته ما عجز لسانه عن قوله فابتسمت مبتعده عنه و هى تضغط كفه بيدها متمتمه بهدوءها المحبب اليه: وحشتنى جدا يا عاصم..

داعب انفها بسبابته ليقول بصوته الخشن ولكنه حمل نبره دافئه مميزه لاجلها هى: ما اناا كنت عندك قبل ما اسافر و لا هتنكرى بقى..!
ابتسمت و هى تضمه مجددا لتقول بلهفه لراحتها بين ذراعيه: انت كنت بتزور مازن، لكن انت وحشتنى.

ضمها اليه مدركا ما تقصده من كلماتها البسيطه و رفع رأسه لاعلى ليأخذ نفسا عميقا وعاد ببصره للفتيات ليجد الجميع يرمقهم بحنان عدا جنه التى رمقته نظره كأنه تخبره الصبر، نظره اخبرته انها فهمت ما يؤلم صدره و ما يعتل روحه..
فاغلق عينه لحظات ثم ابعدها عنه مقبلا جبينها قائلا بجديه و هو ينظر لمها: اكرم وصل، متتأخريش!

ابتسمت بخجل ناظره ارضا فأردف بابتسامه و هو يرمق هبه بطرف عينه: و على فكره معتز بقاله نص ساعه على الباب بس يظهر مداد هبه نسيت تقولك.؟!
تذكرت هبه فغطت وجهها خجلا بينما ضحكت الفتيات، فكانت نظرته الاخيره من نصيب سلمى و هو يقول بجديه مترقبا رد فعلها: امجد تحت و كان بيسأل عليكِ..

تلعثمت و تاهت عينها قليلا و لكنها نجحت في اخفاء تلعثمها و لكن لم تغفل عين عاصم عنه و لكنه تجاهل الامر مؤقتا و تحرك خارجا، استعدوا جميعا، و بعد حوالى نص ساعه اخرى كانت مها تجلس معهم داخل غرفه الاستقبال بينما الفتيات تتجمع على باب الغرفه منصتين لما يُقال..
حتى نهض عز قائلا بود: طيب نسيب العريس و العروسه لوحدهم شويه!

ارتبكت مها بشده حتى شعرت انها على وشك الاغماء بينما ابتسم اكرم بانطلاقه و هو ينتظر تلك اللحظه بفارغ الصبر، نهض الجميع تاركا اياهم و حرفيا خرجت معهم قدره مها على التنفس فضمت يديها بقوه بين ساقيها و كادت تقبل الارض من شده انحناء رأسها للاسفل...

ظل اكرم يتطلع اليها قليلا و هى بهذا المظهر الخجل فخفق قلبه بين ضلوعه التى تكاد تفارقه لتحتضنها، لقد اشتاق بجنون لبحر الفيروز الذى يعشق الغرق به، و لكنه لابد ان يمنحها انفاسها الهاربه اولا فحمحم قليلا قائلا بجديه جعلتها ترفع رأسها و ملامح الصدمه تتملك منها: على فكره الشغل اتعطل كتير بسبب الاجازه المرضيه اللى حضرتك اخدتيها.

ظلت تحملق به حتى انهالت عينه عليها تتشرب من بحر فيروزتيها و التى جعلته يصير اكرم اخر، اكرم لها فقط، لا يهم طوعا او قسرا، لا يهم ان تغير لاجلها ام لاجله، يكفى ان فيروزته ستكون له، له للابد و لن يتخلى عنها ابدا..
شعرت هى بنظراته التى فارقتها جديتها بعد سؤاله - الكارثى - كما تعتقد ليعود خجلها اليها تدريجيا حتى فوجئت به يقول ببعض الجديه المختلطه بحده: ممكن ترفعى رأسك.

اخذت نفسا عميقا لترفع رأسها ببطء ليوجهها نظراته المحتويه و ابتسامته الهادئه لينظر لعينها بقوه متمتما بعد طول انتظاره: انا هكتفى بانى أقولك حاجه واحده بس...
نظرت اليه بترقب حتى حدق بها بتلك النظره الغريبه التى ادركت مغزاها الان، نظره عاشق يهفو لبر الامان بين عينيها و همس بصدق عاطفته و التى وصلتها كامله دون نقصان: ان انا دلوقتى اسعد انسان على وجه الارض كلها..

اسر عينها بدفء عينيه لتتوه بهم رغم خجلها الواضح و احمرار وجنتيها ارتباكا و لكن ان ابتعدت عن نظرته تلك الان فستندم طوال حياتها، فعاود يقول و هذه المره بنبره اكثر جديه: و هسألك سؤال واحد؟!
اومأت منتظره سؤاله الذى فاجأها به و الذى لم تكن مستعده لاجابته ابدا: ليه وافقتِ على جوازنا..! او اكتر دقه، ليه وافقتِ تتزوجينى انا؟!

سكنت عينها على عينيه قليلا ثم اخفضتهما تنظر للارض بشرود تبحث عن اجابه تنبع من قلبها و عقلها معا، اجابه يرضاها قاضى ضميرها و كرامتها كانثى فأشارت و هى تحرك شفتيها بحديثها الصامت الذى التقته هو بشوق المنتظر الذى نال جائزته بعد طول انتظار لانى لما لقيت نفسى، لقيتك اول واحد جواها
و دون ان تنتظر ان ترى رد فعله نهضت لتخرج من الغرفه مسرعه و لكن نداؤه لاول مره باسمها اوقفها امام الباب: مها..

اول مره تخرج مجرده دون القاب، منه هو، و لها هى، لها طعم مميز و احساس مختلف، قشعر جسدها كله و هى تشعر انها الان فقط تدرك ان ما تعيشه حقيقه، وجوده، حديثه، حبه، و شغفها هى به، حقيقه.
قطع احساسها هتافه المصدق لتفكيرها: اول مره اقولها من غير بشمهندسه، عارفه ليه؟

ظلت مكانها و ظهرها مواجه له فتمتم بابتسامه سعاده: لانى اللحظه دى بس اتأكدت انك ليا، ليا و بس، اتأكدت انك قدرى اللى استنيته عمر كامل و محتاج الف عمر علشان اعيشه معاكِ، ، ثم ختم كلماته بقراره الاكيد و الذى اخبرها بحكم معرفتها له انه لا يتراجع فيه: فاضل على اخر الشهر اسبوعين، اعملى حسابك ان اول يوم في الشهر الجديد هتبقى مراتى و في بيتى.

امسكت بطرف فستانها بدهشه دون ان تستدير له و جسدها يتجمد تماما حتى شعرت بصوته خلفها مباشره قائلا بمرح و جرأه جديده عليه: اصل انا ناوى على جواز عالطول، محدش يقولى خطوبه و لا حتى كتب كتاب، اللهم بلغت، اللهم فاشهد.
و هنا لم تتمالك اعصابها اكثر فخرجت من الغرفه ركضا دون حتى ان تنظر لمن ينتظروها بالخارج بل صعدت مباشره لغرفتها و لكن كيف تتركها الفتيات بل انطلقن خلفها لتبدأ حفله استجواب عما حدث..

بينما في الاسفل اخبر اكرم الجميع عن رغبته، فمعرفته بها امتدت للعامين فأى خطوبه هذه التى ترضى ظمأه الان، و حقيقه لقد كان عاصم ينتظر عرضه هذا، فهو مطمأن تماما لاكرم و يدرك جيدا انه سيهتم بمها اكثر من نفسه حتى، و الوقت ليس بيده فوالدها يمتلك الان اجازه لمده اسبوعين على استعداد للسفر بهم و هذا هو الوقت المناسب.

و بعد موافقه الجميع تمت قراءه الفاتحه و تم الاتفاق على عقد القران و الزفاف بدايه الشهر الجديد اى بعد اسبوعين تماما من اليوم، أربعه عشر يوم فقط و يتحقق حلم مها بحياه جديده و فوز قلبها بصاحبه، و يتحقق حلم اكرم بفيروزيته الغاليه...

كان امجد قد رحل بعد مشاداه بينه و بين سلمى مجددا كعادتهم مؤخرا و حتى لا يُثير حديثا في تلك المناسبه السعيده رحل بهدوء بعدما استأذن من الجميع بصوره عاديه مع توديعها له على الباب بفتور فقط لتبدو الامور بينهم طبيعيه امام الجميع..

هم مازن بالرحيل مع حنين بعدما ودعت الجميع بالاعلى عندما اوقفه عاصم واقترب من حنين ممسكا يدها قائلا بجديه وهو ينفذ ما انتواه: اظن دلوقت المفروض ترجعى بيتك و تبقى وسط اهلك من اول و جديد...
انتفض قلب مازن فزعا و هو يستمع لكلمات عاصم والتى اخبرته عن نيته باصلاح وضعه مع حنين المختل بطبيعه الحال..

فنظر عز لها واقترب منها رابتا بيده على رأسها بحنان ما عادت تشعر به كالسابق حتى وان سامحهم قلبها: اه يا بنتى انتِ من حقك حياه جديده، و سعيده تعشيها براحتك من غير قيود.
ارتجفت عينها و هى تنظر لمازن بدهشه تملكتها قليلا و لكنه رأى خيط من خوف يلمع بعيدا، خوفا ليس من حياه جديده بل خوف من الابتعاد عنه و لكنه كذبه منتظرا سماع رأيها..

و لكنها لم تمنحهم اياه فأردف عز و هو يحاوط كتفيها بكفيه: انتِ لسه في بدايه حياتك و لسه الطريق قدامك طويل، و مازن كتر خيره وقف جنبك وقت ما احنا كنا بعيد، بس يا بنتى حياتكم كده مش مظبوطه و وضعكم ده مينفعش.
شعر مازن بروحه تكاد تفارقه و هو يستمع لحديثهم هذا و ما يحرقه حرقا صمتها،
صمتها الذى يتمنى ان تكسره بكلمه لصالحه،
يتمنى ان تمنحه مجرد بريق املا لن يتركه مهما صار،.

بريق لن ينضب و لن يختفى و لكنها تصمت، كل ما تفعله صمت!
و في المقابل كانت هى تكتوى بنار احساسها الجديد،
هى تنتظر منه حديث يمنعهم،
تنتظر ان يفى بوعده لها بأنه لن يفعل شئ خارج ارادتها،
هى طلبت منه امنا و حمايه لها و لذكرياتها بينما هو لا يفعل،
تشتت تفكيرها و هى تشعر بنفسها انانيه..!

فربما هو يرغب بخروجها من عالمه التى دمرته بوجودها، يرغب بابتعادها ليحيى حياه طبيعيه كما يتمنى اى رجل، لماذا تفكر بنفسها و بسجن ذكرياتها و لا تفكر به!
و بين ما تفكر به و يفكر فيه، هوى قلبه و اسقط قلبها معه.
رفع عاصم رأسها اليه ليهتف بحسم: الوضع دا لازم ينتهى يا حنين، و انا متأكد ان مازن مستعد يطلق علشان تنتهى المهزله دى بقى..

وهنا فقد هو اخر مقاومته للصمت، فقد عقله، قلبه و كل تفكيره، نسى نفسه، مكانه و وضعه بالنسبه اليها و ما ينبغى عليه فعله، فما دام حيا لن يمنعه احدا من وجودها ليصرخ بغضب اسود جعل الجميع و اولهم هى يطالعه بدهشه: واضح انك مش واخد بالك يا عاصم انك بتكلم مراتى و بتاخد قرار على لسانى، قرار انا مش هوافق بيه ابدا.

احتدت عين عاصم بغضب هادر و صوت مازن يعلو بغضب امامه و لكن ما اخمد غضبه كله ليحيله لدهشه هى نظراته المتألمه!
نظرات الخوف التى يرمق حنين بها الان،
نظرات شعر هو بها يوم ان غابت جنه عن عينيه، شعر بها عندما سُحبت من بين يديه غصبا و شعوره العاصف بخسارته جسد الخوف على ملامحه،
و هنا فهم ابن الحصرى ان مازن عشقها، عشق اخته و لن يتخلى عنها بل مجرد التفكير في هذا يؤلمه!

بينما امتلئت عين حنين بالدموع و هى ترى تمسك مازن بها و لكن الحمقاء كذبت شعورها الحقيقى لتفسر فعلته على انها وفاءٍ بوعده، على انها احتراما منه لقرارها بالاحتماء به و باسمه، على انها شهامه اخ - كما اخبرها - يوما لينقذ اخته من التيه والصراع مجددا!
و لكن قلبها عارض كل هذا و فرح، فرح لرفضه ابتعادها عنه، فرح لشعوره بروحها ترد اليها بعدما كاد عاصم و عز سحبها منها.

نظر عاصم لمازن قليلا و كأنه يخبره بنظراته انه يفهم دواخله بينما عز لم يستطع استيعاب الامر سريعا فهتف بحده: يعنى ايه يا مازن؟! حنين من حقها تعيش و تتجوز و تبدأ حياه جديده، حنين اغلى من انها تبقى زوجه تانيه.

و هنا وقف عاصم امام والده ليس دفاعا عن شعور مازن و لا دفاعا عن حق حنين و لكنه دفاعا عن عدل لم يأبه به والده سابقا: كان فين اغلى من دى يا بابا لما صدقت اللى اتقال، كان فين لما كسرناها كلنا و انا اول واحد و ملقتش جنبها غير مازن، كان فين لما رفض هو يخليها زوجه تانيه و انت اجبرته و اجبرتها على كده، مازن معاه حق، الحقيقه دلوقت ان محدش له حق يدخل بينهم.

تصاعد غضب عز و هو ينظر لعاصم بضيق تبعه بنظره زاجره لمازن ليزداد هتافه الغاضب: لا، بنتى هترجع لبيتها و حياتها و النهارده، و ورقتها توصلها بكره، و معدش فيه نقاش في الموضوع ده.

و هنا جذب مازن يد حنين لتقف خلفه متوقعا ابتعادها و لكنه شددت قبضتها على يده و امسكت بيدها الاخرى قميصه لتخفى وجهها خلف كتفه و هتف بحده و قرار حاسم: حنين هتفضل مراتى و على ذمتى طول ما انا عايش، و مفيش ورقه و لا كلمه و لا قرار من حد مهما كان هيخلينى ابعد بدون إرادتى، مع احترامى لحضرتك و لعاصم بس محدش له كلمه لا عليا و لا على مراتى غيرى، و لو فكرنا في الطلاق هيبقى قرارنا احنا الاتنين و بس.

هم عز بالصراخ و لكن تلك النظره التى رأها بعين حنين اخرسته، نظره تحمل عده مشاعر جعلته هو شخصيا يتخبط بها..
حملت من العتاب الكثير على خذلانه لها و الان يصرخ بأمر اخر دون ارادتها،
حملت من الندم على امر ما هو لم يفهمه و لكنه بدا كأنها تلومه على تقصيره و تندم على فرط ثقتها به، حملت من المشاعر ما فاق ما رأه بعينها يوم قرر جدها طلاقها من فارس،
الامر عاد نفسه مجددا و لكن نظرتهم الان اختلفت كثيرا عن قبل..

فنظره فارس الواثقه بمكانته قابلها الان نظره من مازن و لكن واثقه بمشاعره،
و نظراتها الراجيه لرفضها البعد عن فارس قابلها الان نظره اكثر رجاءا و اكثر تمسكا بمازن،
و هنا ادرك اخيرا ان ابنته اختارت بالفعل حياتها الجديده،
اختارت طريقها الذى يبدو ان عينها شرحته و لكن للجميع عداها!
ادرك ان تمسك مازن بها ليس سطوه او سيطره حمقاء بل حب، حب عاند قلبيهما قبل ان يدفعهم ليعاندا الجميع لنصره و التمسك به..

و هنا ابتسم بسخريه فرحمه الله على قلباً يعشق و ينكر عشقه، و رحمه الله على ما جمعهم و الذى سيستنفذ طاقه كلاهما كامله حتى يدركوه..!
نقل عز بصره بينهم ثم تمتم بحزم: ماشى يا مازن، بنتى امانه و لو فكرت مجرد تفكير انك تأذيها من هيصيبك منى خير ابدا.
ثم دفعه بكتفه دفعه خفيفه قائلا بحده موبخا اياه بلطف: و صوتك قدام منى مينفعش يعلى و خصوصا لو الكلام عن بنتى، فاهم يعنى ايه بنتى..؟

ثم استدار لعاصم بنظره غاضبه ليردف: بنتى يا سياده النقيب، يعنى مهما قصرت في حقها او غلطت هتفضل بنتى، بس صدق اللى قال انا قلبى على ابنى انفطر و قلب ابنى عليا حجر، ..!
و رمق حنين بنظره اخيره و تركهم متحركا باتجاه غرفته فهو لم يكن بحاجه لعتاب او اتهام هو مازال يتظلى بنار اتهامه لها، عندما يُخطئ الابناء يسامح الاباء فورا و لكن عندما يُخطئ الاباء يجد الابناء الف عذر وعذر حتى يغضبوا..

ربت عاصم على كتف مازن قائلا بتحذير: اهتم بيها يا مازن مش هوصيك، ، ثم مال عليه هامسا حتى لا تسمعه حنين: و صدقنى لو طال السكوت عن كده يا هتخسرها يا هتخسرك...
ثم ودعهم على الباب الخارجى لينطلق بعدها مازن و حنين للبيت و بداخل كلا منهم شعور غريب جديد اولدته المواقف، و خاصه موقفهم هذا، و لكن متى يُدرك...؟!

صعد عاصم لغرفه الفتيات وطرق الباب ليدلف جالسا بجوار مها على الفراش مندمجا بحوار اخوى معهم وكان دوره الكبير اما التوبيخ او الصمت متجاهلا اياهم حتى نهض ناظرا لسلمى وقد طفح به الكيل وهم بالتحدث عندما ادركت جنه نظرته فنهضت ممسكه يده قائله بهمس ترجوه و تدرك انه ربما لن يستجيب: بلاش النهارده اليوم كان مرهق عليك وعلينا بلاش نقلبه زعل علشان خاطرى.

نظر اليها بطرف عينه ثم استأذن منهم متجها للغرفه بينما نهضت جنه و اشارت لسلمى لتحدثها قليلا فنهضت سلمى فقالت جنه بقلق من الانتظار اكثر: عاصم على اخره يا سلمى و انا حاولت بكل الطرق ابدأى الكلام انتِ لانه لو ضغط عليا اكتر من كده مش هقدر اسكت و الافضل يسمع منك،!
اطرقت سلمى برأسها قليلا ثم اومأت موافقه و تمتمت بتوجس تخشى العواقب: حاضر يا جنه هتكلم معاه بكره الصبح، و ربنا يسترها.

ربتت جنه على كتفها و تحركت باتجاه غرفتهما لتعود سلمى لمها و قد دب الرعب بقلبها فعاصم حتما لن يمرر فعلتها بسلام..
دلفت للغرفه لتجده يبدل ملابسه دون ان ينظر لها فحمحمت مقتربه منه دافعه بخجلها جانبا فهو غاضب منها بسبب رفضها الدائم لتخبره و الاستاذه الاخرى خائفه فتخفى و هذا ما يزيد غضبه اكثر و لكن كفى لزوجته و لاخته..

امتدت يدها لكتفه لتجعله ينظر اليها و بدأت بمساعدته بارتداء منامته و هو ينظر للفراغ دون اى رد فعل حتى انتهت فطبعت قبله على وجنته تدفعه باتجاه الفراش لتجعله يجلس وهو فقط ينظر اليها رافعا احدى حاجبيه بتعجب و نظره ساخره تشملها فجلست بجواره ممسكه يده قائله بهدوء يتعجبه احيانا: ايه اللى مضايقك منى يا عاصم!

جذب يده بهدوء منافيا لرغبته الحارقه للصراخ لتنطق تاركه تعنتها و رفضها فالمسأله بدأت تأخذ اكثر مما ينبغى، ولولا سفره هذا لكان عرف عن الامر منذ زمن ولكنه تجاهل هذا واعتدل ليتمدد على الفراش متجاهلا اياها بالكامل
فتحركت للجهه الاخرى لتقترب منه نائمه على ذراعه المفرود على الفراش ورفعت عينها اليه لتهمس بحزن لا تدعيه: بلاش تدينى ضهرك يا عاصم، انا مش بعاند والله بس صدقنى لما تسمع منها افضل..

استندت برأسها على صدره ليغلق هو عينه ورائحتها تلامس انفاسه لتمنحه بعضا من السكينه الذى يفتقدها الان بشده..
اولا عودته للعمل بعد طول غياب...
ثانيا الحقيقه التى ستظهر واضحه وضوح الشمس والاسوء انها ستكون يوم زفاف اكرم ومها لان والدها اخبره انه سيحضر الفرح ويسافر مره اخرى مباشره..

ثالثا هو لا يضمن نفسه ولا رد فعله ان رأى نجلاء امامه فكلما يُذكر اسمها امامه يتذكر جسد فارس الذى هوى امام عينيه دون قدره على اسناده حتى فتتراقص الشياطين امام وجهه فهو لن يكفيه مجرد قتلها او سجنها...
رابعا هم سلمى والذى يبدو انه كبير، فغياب شقيقته عن منزلها واضطراب علاقتها مع زوجها ليس بأمرا هينا، وهو متيقن 100 % ان سلمى مخطئه بأمر ما ولكن مهما كان خطأها فهو لن يغفر لامجد خطأ بحقها كيفما كان..

واخيرا حياته الخاصه وجنته الصغيره الذى يؤرقه كثيرا ابتعاده عنها بالاضافه لقلقه من شعورها اذا عرفت حقيقه موت والدها والذى يجاهد لاخفائها وسيفعل كل ما يلزم لهذا، فهو لا يعرف كيف سيكون وقع الامر على جنه او حتى على اكرم..

شعر بيدها تمسد رأسه بحنان ودفء وهى تتلو بعض ايات من كتاب الله بصوت خفيض لتزداد نفسه سكينه حتى همست بتفهم: عارفه انك مش بتحب تحكى على اللى شاغل تفكيرك، واللى انا متأكده انه مش موضوع سلمى و بس، بس متحاولش تخبى عنى وجعك وقلقك لان نبضات قلبك فضحاك يا عاصم...
ضغطت بيدها بخفه على جانب جبينه لتطبع قبله فوقها قبل ان تُكمل تمسيده مع همسها الاخير: نام ومتفكرش في حاجه انا هسهر لحد ما تنام!

لم يجادل ولن يفعل فهو في اشد الحاجه لهذا الهدوء ويبدو ان جنته الصغيره اصبحت تفهمه فباتت تفهم متى يجب ان تتحدث ومتى يجب ان تصمت.؟.
فابتسم بامتنان ليغرق بعدها في نوم عميق ادركته هى من انتظام انفاسه، والذى اتى مسرعا على عكس توقعها فعلى ما يبدو ان التعب اليوم ارهق جسده كثيرا...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة