قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل السابع والأربعون

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل السابع والأربعون

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل السابع والأربعون

فتح عينه صباحا على قطرات ماء تتساقط على وجهه فجذب يدها لتنام على صدره متمتما بصوت ناعس: صباح الخير..
لتطبع قبله على اسفل فكه وهى تجيبه باشراقه: صباح الورد، قوم يالا الفطار جاهز..
مط ذراعيه بقوه حتى استمعت هى الى صوت فرقعه بظهره فنظرت اليه بابتسامه وهو ينهض عن الفراش لتنهض هى لتقف امامه وتعطيه ملابسه قائله بدلال طفولى: انا عندى مذاكره كتير يالا علشان نلحق نفطر سوا..

حاول كتم ضحكته مع نبرتها الطفوليه الساخره ونهض مقبلا وجنتيها بعمق ليتجه بعدها للمرحاض ويخرج بعد دقائق مستعدا..
هبطا للاسفل فلم يجد احدا سوى سلمى والتى نهضت بمجرد ان دلف للغرفه واقفه امامه وقالت وهى تنظر ارضا: ممكن نتكلم شويه بعد ما تفطر!
امسك يدها متحركا باتجاه غرفه المكتب هاتفا بجديه: لا ممكن قبل ما افطر..

نظرت سلمى لجنه واشارت لها لتلحق بهم فتحركت جنه خلفهم وهى مدركه ان ما سيحدث الان لن يكون خيرا ابدا..
دلف للغرفه ناظرا اليها وهو يعقد ساعديه امام صدره حتى برزت عروق رقبته قائلا بنبره قويه ارعبتها كما تكون دائما عندما تخطئ: سامعك!
اتجهت جنه اليه قائله وهو ترى نظرات الرعب على وجه سلمى وللحق كانت على وجهها ايضا فعاصم غير مضمون في غضبه: ممكن تقعد الاول، بلاش كده!

زفر بقوه جاذبا مقعد من خلفه ليضعه بقوه مكان وقوفه ليجلس واضعا قدما فوق الاخرى ويديه الاثنتين على جانبى المقعد مرددا مره اخرى بنبره اكثر قوه: سامعك يا سلمى!
وضعت جنه يدها على كتف سلمى واومأت لها برأسها ان تتحدث فأغلقت سلمى عينها لتهرب من حصار عينيه التى ضجت بغضبه رغما عنه، وبدأت تسرد له من بدايه اصرارها على تحاليل الحمل، حتى حديثه معها يوم جاءها هنا وتوضيح موقفه..

لم تقوى على فتح عينها عندما انتهت ولكنها انتفضت وكذلك جنه عندما نهض بغضب اعمى حتى سقط المقعد ارضا وهو يصرخ بعنف: عملتِ ايه؟ انتِ اتجننتِ؟!
حاولت جنه الاقتراب منه ولكن رمقها بنظره جمدت اطرافها مكانها ولم تتقدم خطوه لانها ان فعلت بحق الان ربما يفعل او يقول شيئا يندم كلاهما عليه..
اقترب من سلمى ممسكا ذراعها بقوه حتى صرخت ألما وبدأت دموعها بالانهمار وهى تحاول التحدث قائله: افهمنى يا ع..

جذب ذراعها بقوه اكبر وهو يصيح بها بنبره هادره زلزلت جسدها كله: افهم ايه يا متربيه يا محترمه؟! افهم انك عصيتِ كلمه جوزك لمجرد احساسك انك بيتحكم في طبيعه شغلك، و لا انك خرجت من وراه و استغفلتيه بدون اى اعتبار لا له و لا للاتفاق بينكم، و لا انك كدبتِ عليه و عملتِ اللى في دماغك، و لا انك تقفى مع عمال لوحدك و قال ايه معايا ستات تانيه! افهم ايه انطقى!

صاحبت صرخته بكلمته الاخيره دفعه لجسدها بقوه ادت لانتفاضها بعنف وشهقاتها تتعالى، ولكنه لم يأبه بل كاد يغرز اصابعه في لحم ذراعها غضبا وهو يعيد اهدراه بأخر اعلى واقوى واشد ألما عليها: افهم انك مغفله و خربتِ بيتك بايدك، و لا انك ماشيه بدماغك و محتاجه حد يظبطك، ولا انك محتاجه حد يعلمك الاصول من اول و جديد!

دفعها بعنف لتسقط على مقعد قريبا منها و هى تكاد تختنق من كثره بكائها، اعطاها ظهره قليلا فحاولت جنه الاقتراب منه او منها و لكنه استدار بحده جنونيه و هو يصرخ بانفعال: انتِ مضايقه انه شك في اخلاقك بس، انا لو مكانه كنت قتلتك، عارفه ليه يا سلمى هانم!

انخفض عليها ليهتف بحده و غضب لتلفح انفاسه الحارقه وجهها فيزداد قلبها رعبا: لانك قبل ما تخالفينى خالفتِ مبادئك و احترامك لنفسك، قبل ما تقللى من مكانتى عندك قللتِ من مكانتك في نظر نفسك و نظرى، لانك غبيه و مفكيش عقل يفكر.

و هنا لامس وتر لا تسمح سلمى لاحد بلمسه ليستولى عليها تمردها لتلمع عينها ببريق جرأه لم تكن تدركها - و ها هو خطاها الاول - و هى تنهض واقفه امامه لتصرخ - و ها هو الخطأ الثانى - رغم تساقط دموعها بانهمار: لا يا عاصم انا احترامى لنفسى مقلش، هو اصلا بأى حق يتحكم في شغلى، بأى حق يقول اعملى و متعمليش..؟!، انا حره و عشت طول عمرى حره و مش هقبل بيه او بغيره يقيدنى على مزاجه او يمنعنى من حاجه بحبها..

صرخت بتوجع و هى تسقط جالسه على المقعد مره اخرى عندما هوت صفعته القاسيه على وجنتها لتشهق جنه بصدمه و هو يصرخ غير منتبه لما قام به و بدون تفكير ان كان صحيح ام خطأ: و كمان صوتك بيعلى و بتعاندى، و بتسألى بأى حق.!!
ثم امسك ذراعها و جسدها كله ينتفض بين يديه و لكن كالعاده اعماه غضبه وهو يهدر بها: جوزك يا هانم فاهمه يعنى ايه؟، و مش هتقبلى بأن حد يقيدك او يمنعك!

و ضغط ذراعها بقوه اكبر و هى تصرخ متألمه و هو يصيح بالمقابل غير آبه ببكائها: انا همنعك يا سلمى، و ابقى حاولى تكسرى كلمتى كده..!
انتفضت بقوه فتركها و يا ليتها صمتت و لكنها لم تفعل و هتفت بحده و هى تدرك جيدا انها تُخطئ: اكيد هتبرر له، ما انت راجل زيه..!

و قطعت كلماتها و هو يتقدم باتجاهها و لكن توقفت جنه امامه فأبعدها عنه بحده ليُمسك سلمى من ذراعها بقوه رافعا اياها امامه و كادت يده تطبع الصفعه الاخرى على وجنتها و لكن يده تعلقت بالهواء عندما شهقت جنه باكيه: سلمى حامل يا عاصم، حراام عليك!
و كأن بعض عقله عاد اليه عندما تذكر حملها ليتركها لتجلس على المقعد و هى تبكى بعنف و جسدها ينتفض فاتجهت اليها جنه لتضم اياها لصدرها..

فشدد عاصم قبضته بقوه لا يعرف ان كان نادما او لا، و لكن غلب غضبه عليه ليعاود صراخه فيها و هو يتلوى وجعا لاجل ما فعله بها: انتِ فاكره ان كل حاجه بالتمرد و العناد، فاكره ان اهتمام جوزك بيكِ و خوفه عليكِ تقييد! فاكره ان حبه ليكِ و اهتمامه بيكِ منع حريه!.

امسك يد جنه ليجذبها بعيدا عن سلمى ثم رفع رأس سلمى اليه بقوه ليردف و نبرته مسيطره حملت الان شيئا من القلق عليها متذكرا ما صار مع مها رغم وجود آخرين معها: تقدرى تقوليلى لو حد من العمال كان اتعرضلك هناك كنتِ هتتصرفى ازاى..!، تقدرى تقوليلى امجد لو مكنش اتجنب غضبه و بعد عنك في الوقت ده كان ممكن يعمل فيكِ ايه؟ تقدرى تقوليلى لو اطلقتِ و بعدتِ عن بيتك و جوزك و هدمتِ حياتك بايدك، هيفيدك شغلك بايه!

ثم همس باستياء واضح و نبره مريره تغلف صوته: تقدرى تقوليلى لو جوزك عصبى زيى وأذاكِ وقتها كنت انا هعمل فيه ايه؟!
ثم نهض ليهتف بعنف قاسٍ: امجد معترضش للحظه على شغلك على ما فهمت منك بس منعك من امر هيضرك يعنى خوف عليكِ و في المقابل طلب منك انك متأثريش في حق بيتك، تقومى انتِ تهدميه؟!

و مع صمتها صرخ هو بها: انطقى و لا الكلام اختفى، انطقى يا سلمى و قوليلى و انتِ مقتنعه تماما، انا مغلطش يا عاصم، و كلامك كله غلط، اتكلمى!
صرخ بها بأقوى ما يملك من صوت لتنتفض كلتاهما فيما همست سلمى بخفوت مستجديه عاطفه اخيها التى تحتاجها الان ليحتويها بحضنه: امجد كسرنى و اتهمنى بالخيانه يا عاصم..

شهقت بقوه بينما ارتجف جسد عاصم بغضب حارق و هى تردف باختناق واضح و ضعف لم يعهده بسلمى ابدا: لو كان سألنى او عاتبنى حتى كنت هقوله، انا معترفه انى غلطت بس هو وجعنى يا عاصم وجعنى قوى..

ثم اخفت وجهها بين كفيها لتبكى و جسدها يرتجف بشده فاقتربت جنه منها لتضمها مجددا ناظره لعاصم بأسى بينما هو مع تيارت الغضب التى تملأ كامل كيانه الان خرج من الغرفه كالثور الهائج لتستمع كلتاهما لصوت سيارته التى تحركت بعنف محدثه صوت عالى خلفها..
فرفعت سلمى رأسها من حضن جنه لتهتف بقلق وسط دموعها: هيروح لامجد، انا خايفه عليه يا جنه، خايفه على امجد.

ثم اخذت تبكى بقوه فضمتها جنه و هى لا تدرى اتضحك على خوف سلمى الذى من المفترض الا تشعر به الان! ام تبكى على حالها وعلى ما سيفعله عاصم بزوجها وعلى ما ستؤول اليه الامور!

توقف بسيارته امام باب المشفى التى يعمل بها امجد ليهبط مسرعا ناسيا حتى اغلاق سيارته ليركض لاعلى ثم فتح باب غرفته ليجده بمفرده حمدا لله فهتف محاولا تمالك نفسه في مثل هذا المكان العام: لو مش عاوز الخلق اللى هنا يتفرجوا علينا قوم معايا نخرج حاااالا!

وهنا زفر امجد بقوه مدركا ان عاصم عرف كل شئ ولن يتحمل ما قاله امجد لشقيقته فنهض نازعا رداءه الابيض مبلغا الممرض برحيله لبعض الوقت وتحرك مع عاصم للخارج، حتى صعدا للسياره وانطلق عاصم دون كلمه باتجاه منزلهم..
ترجل عاصم لداخل المنزل وامجد معه حتى دلف لغرفه المكتب التى خرجت سلمى منها قبل وصولهم للاعلى بعدما قلقت مها من الصراخ التى استيقظت عليه وحمدلله ان والديه خرجا باكرا..

استدار عاصم لامجد هاتفا بحده وغضب: سلمى اختى يا دكتور، بنت عز الحصرى، اللى شككت في اخلاقها دى تبقى سلمى عز الحصرى!
و حمدا لله على هدوء امجد المعتاد و الذى ساعده الان قائلا ببطء: مش العيله و لا النسب اللى بيحدد الاخلاق يا سياده النقيب، سلمى غلطت و غلطها خلانى اغلط..

هم عاصم بالصراخ مجددا و لكن اردف امجد مقاطعا اياه و هو يهتف و لكن لم يعلو صوته: قبل ما تحكم فكر شويه بس، انت لو مكانى كنت هتفكر في نسب مراتك قبل ما تتصرف، كنت هتفكر اصلا في عز غضبك الموضوع ايه هو، وجه ازاى و مين الغلطان؟ كنت هتفكر لما تلاقى مراتك ماشيه قدامك و بتكدب عليك؟ مش العيله اللى هتحدد تفكير او تصرف في لحظه عصبيه يا سياده النقيب...

ارتفع صوت عاصم ينادى بأقصى ما يملك من صوت على سلمى، و بعد لحظات كانت واقفه امامه و اثار البكاء ظاهره بوضوح على وجهها و لكن ما افقد امجد توازنه و هدوءه اثار صفعه عاصم و التى تركت وجنتها حمراء بشده و كدمه زرقاء على جانب شفتيها ليلتفت بحده غريبه على طبعه الهادئ لعاصم صارخا بترقب: مين اللى عمل كده!

و قبل ان ينطق عاصم هتف امجد بحده اكبر: سلمى اختك، يبقى تنصحها، توجهها، تسمعها، لكن تضربها، دا اللى مش هسمحلك بيه ابدا..!

اشتعلت عين عاصم بنيران حقيقيه و هو يفقد اخر ما يملك من عقل ليس من حديث امجد و الذى رغب اصلا بسماعه و لكن من صوته العالى بينما سلمى حدقت بأمجد بصدمه تبعها تحديقها بعاصم بخوف حقيقى من مواجهه بينهم الان و لكن عاصم قبض يديه بقوه قائلا بعنف: دى اختى قبل ما تبقى مراتك و انا مش مستنى حد يقولى ايه الصح و ايه الغلط في تصرفاتى معاها..

جذبها امجد خلف ظهره و هو يواجه عاصم رافعا سبابته في وجهه هادرا بقوه موقفه: من ساعه ما بقت سلمى على ذمتى محدش ليه كلمه عليها غيرى، دورك يتلخص في سند لو انا فكرت ءأذيها لكن انك انت اللى تأذيها لا ليك حق دلوقت و لا كان ليك قبل كده، و اذا كنت انت تقبل ان مراتك حد يمد ايده عليها حتى لو اخوها انا مش هقبلها...

تجمدت اطراف سلمى خوفا و جسد عاصم كله يرتج غضبا رغما عنه كان مدركا لموقف امجد و ان لم يفعله لم يكن ليطمئن على سلمى معه و لكنه لم يكن يدرك ان كظم غضبه صعبا لهذا الحد فالموضوع امتد للحديث عن جنه فهتف بعصبيه مفرطه: امجد الزم حدودك.
جذبت سلمى يده فالانحناء الذى تأخذها علاقه زوجها باخيها لن تُرضى احدا ابدا و اولهم هى..

شعر امجد بحركتها فتمالك اعصابه قليلا قائلا بهدوء مجددا: عاصم لو سمحت اللى بينى و بين مراتى انا هقدر احله، من فضلك بلاش ضغط و ياريت تفضل بره الموضوع..
ضرب على مكتبه صارخا بعصبيه مفرطه و قد وصل اخيرا لما اراده بكل ما فعله: لما انت اللى هتحله مراتك هنا بتعمل ايه يا دكتور..!؟
نظر اليه امجد بتفحص قليلا ثم نظر لسلمى قائلا بجديه مفرطه: جهزى نفسك و هدومك يلا علشان هنمشى.

نظرت سلمى لنظرته الغاضبه و التى اخبرتها انها ان ماطلت بكلمه اخرى ستكون النهايه وخيمه لها، لعاصم و لامجد و هذا ما لا ترغب به..

فأومأت برأسها موافقه لتتحرك خارج الغرفه و لكن وصلها صوت عاصم الذى لمع بريق غضبه بحنان اخ حاول تحسين علاقه اخته بزوجها و لكن بطريقه قد يفهمها كلاهما: اختى امانه في رقبتك، مهما عملت حذارى تجرحها يا امجد، سلمى متمرده و عناديه بس مش قويه، مش قويه تتحمل صدمه او جرح من حد بتحبه و اول من هتأذى هتأذى نفسها، و حسك عينك تفكر تزعلها تانى، لان وقتها انا فعلا اللى هقفلك و وقتها مش هيحصلك طيب...

تساقطت دموعها و عضت شفتيها ندما على ما آلت اليه الامور بسبب عنادها و تمردها على امر لم يكن بأمر و عادت ركضا للداخل لتلقى بنفسها بين ذراعيه تبكى بقوه فزفر بحزن شمل روحه و هو يضمها مقتربا من اذنها هامسا بصوت وصلها فقط لتكون اول مره بتاريخ حياتهم معا يعتذر: انا اسف بس انتِ اجبرتينى و انتِ عارفه اخوكِ في غضبه مبيفكرش، فرقى بين التحكم و الخوف، بين التقييد و الاهتمام، و اوعى تخسرى راجل بيحبك من قلبه بجد...

شددت يدها حوله و اومأت موافقه فرفع رأسه مستعيدا نفسه ليبعدها عنه طابعا قبله على جبينها ثم دفعها بهدوء للخارج لتستعد لتعود مع زوجها رغم انها مازالت على غضبها منه ليترك هو امجد متجها للخارج ايضا و لكن هو اتجه لخارج المنزل ف لاول مره يشعر بمعنى دوره كأخ، ربما تسرع قليلا و لكنه فهم الان ان احتماء احد به ليس بأمر سهل، بل هو صعب جدا، و ربما من اصعب الامور على نفسه هو كظم غضبه و الذى استهلك كل طاقته اليوم ليفعل..!

في الغربه عن الاهل، الوطن و الصحاب،
نصمد لحظه و نتنكس لحظات،
نعيش مره و نموت آلاف المرات،
نسعد حينا و نحزن بقيه الاحيان،
ففى الغربه وجعا لا يدركه الا من عاشه و ان كان هناك ما قد يغير نظرتك للحياه فالغربه اولهم، يليه المرض ثم فقدان غالى.
مازن عاوزه اتكلم معاك في موضوع ضرورى!

قالتها حياه بارتباك غريب على طبيعتها الجديده اثناء جلوسه مع العائله في الحديقه الخارجيه يتبادلون اطراف الحديث متجنبا تماما النظر لحنين و رغم ذلك عينه دائما ما كانت تخونه لتتابع ابتسامتها الهادئه على نقاش والدته و والده المفعم بمرح يشاركه هو رغم كل ما يحمله من تشتت داخلى...
رفع نظره لحياه متعجبا ارتباكها ثم نهض مقتربا منها بتفحص متمتما بحنان: واضح ان في حاجه قلقاكِ..!

اومأت برأسها و هى عاجزه عن توقع رد فعله عندما يعلم عما تريده و لكنه امسك بيدها مستأذنا من الجميع و دلف معها للداخل بينما حنين تكاد تشتعل لا تدرى ضيقا ام غضبا ام، غيره!
و لكنها لسبب ما و هى لم تحاول ان تصل لهذا السبب بل نهضت مسرعه هى الاخرى متمتمه بكلمات مقتضبه لتندفع لغرفتها مغلقه الباب خلفها بعنف..

دلف مازن لغرفه الاستقبال و اجلسها و جلس امامها ناظرا اليه بترقب عاقدا ساعديه امام صدره منتظرا سردها لما يشغل تفكيرها و يقلقها و عندما طال صمتها حثها هو قائلا بهدوء: خير يا حياه ايه اللى حصل؟!

اعطته عده اوراق بيدها لم ينتبه لها سابقا ليأخذها باستغراب متفحصا اياها و هى امامه صامته منتظره رد فعله و الذى اتاها سريعا عندما عقد حاجبيه بضيق فور قراءته لما تشمله الورقه بيده - منحه عمل يتوجب عليها فيها السفر لخارج البلد - ثم رفع عينه اليها هاتفا بتساؤل مستنكر و قد حمل صوته بعد الحده: سفر ايه؟ انتِ متخيله انى ممكن اوافق على الكلام ده!

ازدردت ريقها بصعوبه محاوله اخراج صوتها فا هى الفرصه التى طالما انتظرتها و لن تتنازل عنها بسهوله و رغم اهتزاز نبرتها خرجت كلماتها بثقه و اصرار: انا نفسى اسافر يا مازن، و كون انى افوز بالمنحه دى، دا يدل على انى مميزه و ناجحه جدا في شغلى، الفرصه ذهبيه و مش عاوزاها تضيع منى..

اغلق الاوراق و وضعها جانبا ليقترب منها ممسكا بيدها محاولا اقناعها فتلك الصغيره منذ ان استردت حياتها لم تعد تقبل بأى أمر دون اقتناع و هو لا يجبرها على شيئا دون تبرير و لكن هذا الامر خاصه لن ينتظر اقتناعها لرفضه و لكنه حتما سيحاول فحاول جعل نبرته اكثر ليناً: في نقط كتير غايبه عنك في الموضوع ده، اولا انتِ لسه جديده في الشغل و الشغف مش وحش بس بالشكل ده انتِ ممكن تخسرى كل حاجه، ثانيا هتقعدى فين و مع مين و ازاى هبقى مطمن عليكِ في بلد اجنبى لوحدك، ثالثا و الاهم ازاى يبقى جوزك هنا و انتِ بره لوحدك، و رابعا بقى انتِ متعرفيش يعنى ايه غربه؟، و علشان كده مينفعش توافقى على المنحه دى، انتِ عارفه انى و لا مره حاولت اقتل طموحك، و لا مره قولتلك لا على شغلك تحت اى ظرف لانى مدرك كويس قوى لحلمك و لاهتمامك بيه، لكن لحد هنا و انا مش هوافق يا حياه..

و انهى حديثه بصرامه مانحا اياها قراره: المنحه دى مرفوضه.

اعتدلت حياه بإستماته بتلك النظره المصره التى اشتعلت بعينها و هى تقول بثقه غير منتبهه لصحه او خطأ حوارها: اولا انا شغفى و اهتمامى بالشغل هو اللى وصلنى لانى ابقى جديره بالمنحه دى خصوصا ان فرع الشركه بره لسه جديد يعنى لازم الموظفين يكونوا مدربين كويس جدا علشان اسم الشركه، ثانيا هقعد في فندق مخصص لموظفين الشركه بس، و هقعد مع 3 بنات كمان و انا هطمنك عليا يوميا ممكن فون او مكالمه فيديو، اما ثالثا و الاهم انت عارف كويس يا مازن العلاقه اللى بينا و اللى انا مش هسمح ابدا انها تأثر على مستقبلى..

ثم ضغطت كفه الممسكه بيدها و هى ترى ملامح الضيق و الاعتراض على وجهه و عادت تحاول بترجى: ارجوك يا مازن بلاش ترفض انا بجد متحمسه جدا للمنحه دى و عارفه انى هقدر انجح و انا من ايام الكليه و انا بتمنى اسافر و احقق نفسى في بلد تانيه، انت نفسك كملت تعليمك بره ليه دلوقت بتمنعنى!

رفع يده الاخرى ليحاوط كفها الممسك بكفه ليهتف بجديه قلقه و صوته يخرج حادا رغما عنه رغم غصه الالم التى لمعت بصوته: و علشان انا سافرت و عارف يعنى ايه تكون في غربه بمنعك، بمنعك عن كل ساعه تعبت فيها و اتمنيت حضن امى و ملقتوش، عن كل يوم حسيت ان الناس هناك بتيجى عليا و اتمنيت اجرى و اتحامى في ابويا ملقتوش، عن كل يوم كنت فرحان و نفسى اشارك حد فرحتى ملقتش اهلى حواليا، عن كل يوم ضاع من عمرى هناك و رغم ان كنت بنجح فيه عمليا بس كنت بخسر فيه ساعات و ذكريات كتير انا في عز احتياجها دلوقت...

اختنق صوته بغصته رغما عنه ليذبحه شبح الذكريات و كل ما مر من عمره ليخرج صوته مهتزا محملا بثقل حمل قلبه: بندم على السنين اللى مكنتش مع فارس فيها، بندم انى مقضتش معاه عمرى كله لكن دلوقت مينفعش ندم لان القدر خطفه منى..

ازدرد ريقه بصعوبه و هو يردف و عينه تلمع بدموع حسرته: كنت بعيد وقت ما كانت امى بتضحك و دلوقتى مش شايف في عنيها غير الوجع، كنت بعيد لما كان ابويا بقوته و دلوقتى مش شايف غير ضعفه، كنت بعيد و اخويا عايش و دلوقتى خسرته، كنت بعيد في الفرحه اللى دلوقتى بتمنى لو كنت فشلت في دراستى بس اعيشها معاهم، بندم على كل لحظه كان نفسى فيها احضن فارس بس اجلتها و قولت بكره، وجه بكره بس و هو مش موجود يا حياه، عاوزه تخسرى كل ده..!، عاوزه تحسى الوجع ده!، عاوزه تندمى!

نظرت لعينيه التى حملت ما فاق تحملها و تحمله من وجع، فتساقطت دموعها بتأثر و هو يوضح خباياه لاول مره امامها و هى مدركه انه يفعل فقط ليحميها مما عاشه هو..

رفع رأسه لاعلى ليأخذ نفسا عميقا و اغلق عينه للحظات مانعا عنها فيض مشاعره التى جرفته بكل قوته بعيدا ليتصدع قناع قوته و يبدو قشره هشه لم تعد تتحمل الصدمات و لكن منذ متى و مازن يستسلم امام احد لحزنه، و لم تدرك هذا لاغلاقه لعينه الذى منع عنها كل دواخله..

فتح عينه و عادت لها نظراتها الحانيه ليقرب رأسها منه مقبلا جبينها فهمست بخفوت شديد و دموعها تنساب و لا قدره لها على اكمال جدال الان و ربما ادركت انه لا قدره له: طب ممكن تفكر مره كمان...؟
هى ليست هو!

ليست الابنه المدلله سابقا لابوين لا يهمهما سوى سعادتها، حتى تفتقد هذا، ليست الزوجه المحبوبه التى يعاملها زوجها بحب و عطف كما لو كانت جوهره ثمنيه حتى تهرب من العالم كله اليه، و لا يجوز ان تكون اخت له فهناك زوجه - رغم انكارها - تحترق غيره عليه، ليست الفتاه المحظوظه و التى سيحزن الجميع على فراقها،.

حياتها لها و لابد ان تعيشها فلا احد سيدرك مدى شعورها بالتهميش، لا احد سيعرف الاجابه ان تسائلت عن اصل وجودها في هذا المنزل،
هل هى ابنه؟ اذا هل زوجه! اخت! ام مجرد حاله نكره؟! ام كل هذا؟!
تعبت هى من عدم استقرارها و الان لن تتنازل عن هذا حتى و لكنها لن تستطيع ايلامه، و لن تكسر له كلمه ان رفض، فربما حتى تنتظر رفضه هذا..

ربما تحاول الشعور باحساس ان يتمسك بها احد، ان يخاف عليها احدهم من الحزن، ان يحتضنها ليقول لها لا تبكى فانا لا اتحمل رؤيه دموعك، و من افضل من مازن يفعل؟

و كانت نظرتها كفيله بجعله يضمها لصدره لتنهمر دموعها على قميصه مدركا انها كانت بحاجه لذلك، تلك الصغيره مهما كبرت تظل صغيره تبحث عن الامان و الاحتواء التى تقصى نفسا قصيا عنهم، و لكن حواره معها الان عقيما فهى بحماسها لن تستمع و لن تفكر باتزان لتدرك ان الوضع التى ترغب به لا يجوز...

ربما لديها امرا بسيطا و لكن بالنسبه اليه لا فتمتم بانهاء للحوار: هنفكر في الموضوع ده بعدين، نعدى فرح اكرم و مها على خير الاول و بعدين اقولك قرارى.
تحمست قليلا فاتسعت ابتسامتها و هى تبتعد عن ذراعيه لتتعلق عينها بعينه بلهفه ليردف هو باقرار صريح اخبرها ان هذا الوقت - الذى يزعم انه سيفكر به - ما هو الا ذريعه ليجعلها هى تقتنع برفضه و لكنه لم يبخل عليها بمجرد التوضيح: و اللى هيبقى رفض.

رفعت يدها محاوله التحدث و لكنه منحها نظره مانعه لحديثها قائلا بحزم: هنتكلم في الموضوع بعد الفرح و انتهى الكلام حاليا، و زى ما انا هفكر انتِ كمان هتفكرى و يستحسن ترفضى.
زمت شفتيها بضيق و هى تُجفف دموعها ليستعيد هو بعضا من قناع مرحه المزيف فابتسم مغمغما بغمزه: نفسى بقى في فنجان قهوه من ايدك يظبط دماغى، , ثم اضاف بمكر مستغلا عقده حاجبيها ضيقا: علشان اعرف افكر،.

فضيقت عينها بغيظ لتنهض من امامه منطلقه للخارج و هى تعلم انه يعلم انها لن تعد له كوب القهوه فهذه عادتها دائما عندما تغتاظ منه و هو لا يلومها او يعاتبها و للعجب يحب تدللها هذا و الذى يزرع داخله شعوره بها كأخت صغيره تتدلل على اخيها لا كزوجه مطيعه تعصى كلام زوجها...
ابتسم بسخريه ثم اخذ نفسا عميقا مستندا برأسه على مسند الاريكه تاركا لنفسه فرصه التفكير بحالها قليلا..

حياه تطلب الابتعاد، هو لا يحبها هو متأكد تماما و لكن كأخت له كيف يتركها..!؟
كيف يتحمل غيابها و يستغنى عن دلالها الذى منحه افضل شعور تمناه يوما، شعور الاخ القلق بشان اخته الصغيره، و ايضا كيف يطمئن عليها من ضربات الحياه، فهنا هو معها و بجوارها و خلفها دائما و لكن هناك كيف ستتحمل؟

اجل هى استردت نفسها و لكنها مازالت هشه طيبه القلب لن تستطيع التعايش مع مكر الحياه هناك، شاءت ام أبت هى زوجته و مادامت مسئوله منه لن يسمح لنفسه بمجرد فكره القلق عليها حتى و ان كان رغما عنها!
كيف يضحك و من يشاكس و مع من ينسى وجعه سواها...

زفر بقوه و تلك البريئه المستبده تقتحم عقله بقوه فشعر بنبضات قلبه تتقافز رغما عنه و قبل ان يسمح لنفسه بالتفكير نهض خارجا من الغرفه متجها اليها، طرق الباب مرتين قبل ان تفتحه ناظره اليه و عينها تحمل غضبا سرعان ما تحول لخجل عندما طالعها بحاجب مرفوع قائلا بمكر: هو احنا متخانقين ولا ايه؟! ليه الغضب ده؟!
بللت شفتيها بتوتر و تمتمت و هى تهرب بعينيها منه: لا ابدا انا بس...

قاطعها بمرح و هو يتحدث بضحكه مانعا كم المشاعر التى اجتاحته فور رؤيتها بتلك الهيئه بعبائتها الطويله التى لا تتخلى عنها و لكنها اخيرا تخلت عن حجابها و لكنها دائما ما تلملم خصلاتها جيدا و لكنها الان تركتها مبعثره لتمنحها منظرا فوضاويا ادى بقلبه ارضا: حيث كده بقى، عاوز اتكلم معاكِ في كلمتين!

نظرت حولها بارتباك ثم اشارت له بالدخول، دلف الغرفه معها لينظر في ارجائها بابتسامه ساخره متذكرا ذكرياته في تلك الغرفه التى حملت اغراضه و اسراره سابقا لتحمل رائحتها و حياتها الان ثم تنهد و جلس على الفراش فاحضرت هى مقعد لتجلس امامه على بعد مناسب منه..
فاتخذ وجهه وضعيه جاده و هو يقول باقرار: عاوزك تعملى حسابك هتخرجى معايا بكره الصبح علشان تروحى تقدمى في شركه الادويه، اتفقنا..!

لمعت عينها ببريق خاطف و رغم انه اختفى سريعا وسط عبارتها و لكن اثره على قلبه لم يختفى: بكره بكره بجد!
ثم همست بقلق و هى تشير لكتفه الذى لم يطيب تماما بعد: بس انت محتاج ترتاح، ليه قطعت الاجازه بسرعه كده؟!
حرك رأسه بلا مبالاه و هو يقول بنبره محايده: زهقت من البيت و واحد زيى ميتحملش يقعد فاضى كتير..

ثم اضاف بمرح ساخر متذكرا اهتمامها به طوال الايام السابقه: و بعدين انتِ كنتِ عامله ليا حظر تجوال و مانعانى من الشغل تماما و انا صعب اتحمل الفراغ ده كتير..
اتسمت بخجل و هى تنظر ارضا ليطالعها قليلا مقاوما رغبته المشتعله بها ليقول بجديه: انا وعدتك اول يوم ارجع الشركه هتيجى معايا و رغم انها متأخره بس المهم انتِ ترتاحى هناك.

و لاول مره تضحك عينها مع شفتاها و هى تردف بفرحه عرفت الطريق لقلبها اخيرا حتى و ان كانت لحظيه: و لا يهمك انا مبسوطه جدا انك افتكرت..
ثم نظرت اليه بامتنان و لا يدرى لم لاحظ نظره يتمنى ان تكون حقيقيه، نظره حملت من الحب اكثر مما حملت من الشكر و غمغمت بابتسامه حقيقيه: شكرا بجد يا مازن انا مش عارفه هقدر اوفى كل اللى عملته و بتعمله علشانى ازاى؟

صمت اطبق على كلاهما و هو يتطلع اليها و قلبه يتوسلها لتفهم نبضاته..
لن تقدرى يا حنين القلب، لن تقدرى.
فان كان لى عندك دَينٌ فقيمته انتِ،
قلبك مدين لقلبى بنبضاته التى بعثرتيها دون اكتراث،
انفاسك مدينه لانفاسى بشهقات ألم تعجز عن الخروج من سجن صدرى لتصل اليكِ علك تطيبها،
جسدك يُدين لصدرى بألف حضن و حضن لعل عطرك يمنحنى السكينه،
انوثتك تدين لرجولتى بألف اعتذار فانتِ الفتنه و سيده الاغراء،.

و شفتاك تدين لشفتاى بملايين القبلات التى لن تروى عطشى بل تحيله جفافا لن يرويه سوى قربك، قلبك و انتِ!
فانتِ خاصه لا تتحدثى عن الوفاء فالدَينُ كبيرا و رغم انك المطلب انتِ ابعد من السماء...
افاق من تفكيره على حركه يدها يمينا و يسارا امام عينيه فارتجفت جفونه ليردف بعدها بصوت حمل من مرارته الكثير: لو عاوزه توفى حقى فعلا، افرحى، مش محتاج منك غير انك تفرحى.

ابتسمت ابتسامه حقيقيه فنهض من مجلسه رابتا على كتفها بحزن غلفه بابتسامه هادئه و لم يكبح جماح رغبته فاحتضن وجنتيها ليشعر بارتجافه جسدها و حرارته و وجنتها تتلون بخجل واضح و ربما غضبا ثم اقترب طابعا قبله طويله عميقه على جبينها ارتج لها جسدها بعنف و شعرت بها تنساب بهدوء لاعماق قلبها لتشعر برغبه غريبه في قربه..
قبله لم تفهمها او ربما خافت، يرفض عقلها ابتعاده و يتمناه قلبها!

عاده ما يختار القلب فينهره العقل لتدخل النفس في صراع ينتهى دائما بهزيمه العقل امام مشاعر قلب فياضه، و لكنها حاله خاصه فقلبها هو من ينهر عقلها على قراره، يهرب من مشاعره ليجعلها شئ مُجرد مشوه لا قيمه له رغم نداءات العقل المستميته...
فهى انثى يقف قلبها بمواجهه عقلها يردعه، ليصرخ ضميرها مؤيدا القلب و كأن جسدها اتفق عليها، يعادى بعضه بعضا، و تحارب هى نصف منها هى اصلا له و لكنها لا تعلم..

لم تشعر بشئ حتى خروجه فما اجتاحها من احساس الان غلف كل حواسها، جلست بهدوء على الفراش محل جلوسه و اغلقت عينها و رائحته رغما عنها تغتال انفاسها لتستقر بصدرها..
فعل مازن الكثير لاجلها بل فعل ما لم يفعله احد،
ذكرياتها معه مشبعه بشهامته، لذه ابتسامته و مرحه الذى يجعلها تعرف معنى الضحك من جديد...

و ذكريات اخرى مشبعه بغضبه، سطوه صراخه و عرقه الاسود الذى يجعلها تشعر لاول مره بحياتها بخوف من مجرد التفكير فيه..
و اخرى مشبعه باحساس جميل، احساس يمنح لانفاسها انتعاشا و لقلبها حياه جديده، احساس ترغب به و تخاف منه، احساسا بقدر ما يحمل من الجمال بقدر ما يحمل من الخيانه..

حركت رأسها يمينا و يسارا نافضه تلك الافكار عن رأسها لتنهض ممسكه بصوره فارس و لكنها لاول مره تشعر بخطأ ما، هى على ذمه رجل اخر فكيف لصوره عشقها القديم ان تشاركها..
القديم!
هل اصبح الان قديم؟!
انهمرت دموعها بقوه و هى تشعر بتضارب مشاعرها يرهقها و يفقدها تماسكها المزعوم..
فارس كان و مازال و سيظل رجلا لن ترى مثله و لن تفعل و لكن من قال ان قلبها بحاجه لمن مثله او حتى لمجرد مقارنه بينهم..
فارس لن يتكرر..

هى مازالت تعشقه سيظل عشقها القديم، عشق الان و عشق الغد، لن يخفق قلبها بغيره يوما و لن تدعه يفعل ان اراد...
و بهذا اراحت عقلها، قلبها و ضميرها معا و لكن بئسا فهى نفسها لم ترتاح..

بمجرد ان اغلق مازن باب غرفتها اتجه بخطوات متثاقله لغرفه فارس المغلقه منذ زمن حتى لا تدخلها تلك العنيده و لكنه يجلس بها كثيرا فهى تشعره ان اخاه معه، يسمعه و يمنحه هدوء نفسه..
جلس على الفراش و الذى مهما دلف لهنا لا يقترب منه، لا يدرى لم و لكنه لا يستطيع الاقتراب و لكن الان لم يعد هناك شعور اسوء مما يشعر به..

القى بجسده دفعه كامله عليه ملقيا رأسه على وسادته ليغلق عينيه و اه الم تفارق شفتيه و هو يتمسك بالوساده ضاما اياها لصدره بقوه..
لم يدر كم مر من الوقت حتى استعاد وعيه و الذى بدا و كأنه فقده هنا، تحدث، تحدث كثيرا، افضى بكل ما يحمل بداخله، و لكنه للعجب لم يبكى، فاق ألمه قدره عينه على البكاء حتى...

اختفى صوته تدريجيا فضرب بيده على الكومود خلفه فاهتز بعنف ادت لفتح درج الكومود فزفر بقوه و نهض ليخرج و لكن سقطت عينه على دفتر صغير طالما كان يرى اخيه يحمله في شنطته الخاصه جلس مجددا ليرفع الدفتر الصغير ليقرأ ما خطته يد اخيه على صفحته الاولى
دائما ما تمنحنا الايام درسا جديدا كل يوم، درسا يظل داخل عقولنا مهما حاولنا تجاوزه.

ابتسم و هنا امتلئت عينه بالدموع فأغلقها لحظات لتتساقط دموعه ببطء يليق بصبره القاسى، ثم فرّ الاوراق بسرعه ليفتح على احداها ليقرأ ما بها
سنندم على كل لحظه منحنا الوقت اياها و نحن بتفكير عقيم او ربما احساس مشتت منعنا انفسنا عنها، فلتعش الحياه كما ترغب انت و ليس كما ترغب الظروف.

شهقه ألم اخرى غادرت شفتيه و لكنها كانت اكثر ألما و وجعا مع ازدياد دموعه بحزن و هو يتخيل فارس امامه ينصحه و يحدثه فما خطته يده تعبر عنه، ، و ما اسوء من رؤيه اشخاص غائبين قسرا بين احرف كلماتهم!
مرر الاوراق بسرعه مره اخرى ليفتح على احداها ليقرأ ما بها.

احيانا نعيش شعورا غاليا جميلا و لكنه انتهى، اذا اصبح ماضى، فالان لم يبقى سوى كذكرى كلما تذكرناها نضحك، و قد يكون الماضى حدثا، شخصا، شعورا، و ربما عده كلمات، و لكن في الوقت الحاضر دعنا لا نترك باب الماضى مفتوحا حتى لا يظل باب المستقبل مغلقا، دع الذكريات ذكريات و فلتعش غيرها و ربما تكون افضل بكثير مما مضى.

لم يكن جنونا و لم يكن حلما فقط تعاظم شعوره بحروف كلمات اخيه فشعر بنفسه بين يديه، شعر بابتسامه رائقه ترتسم على وجهه حتى منحته جذابيه اكثر مما كان يحمل، هو كان متأكد ان اخيه من سينصحه و لكنه لم يكن مدرك انه حقا سيمنحه ما يحتاج، سيمنحه بعده كلمات حياه كامله..
مرر الاوراق بلهفه مجددا منتظرا التالى ليجدها،.

ما اجمل ان يظل الراحلون على قيد الحياه رغم ابتعادهم و لكن ما اسوء ان تكون حاضرا و لكنك تعيش كذكرى، فالغائب الحاضر افضل بكثير من الحاضر الغائب
ليكون اخر ما يقرأه و هو يدرك جيدا متى كتبها اخيه،.

يقرر من نحبهم احيانا الرحيل و لكن ان تمسكنا بهم لن يرحلوا، و من اغلى عندى من اخى لاتمسك به، لاطلب منه فرصه اخرى لنفسه ليعيش سعيدا، ربما ضعف و ربما قنوت و لكنه بالنسبه لى حب و تعلق، تعلق بأخ غاب عنى كثيرا و لكنه بكل خطوه كان معى بمرحه، بعقله، بحنانه و نجاحه، و هذا يكفى لامنعه الرحيل، حتى و ان كان بحجه وهميه كحفل زفافى.

اغلق الدفتر ضاما اياه لصدره ليصرخ بلهيب صدره و رغم خروج صوته مبحوحا و لكنه كان قويا و هو يتذكر شجار فارس معه حتى يؤجل سفره هروبا من سهم حب غادر حتى يكون جواره في زفافه: و احيانا بيكون الماضى هو مفتاح باب المستقبل، و انت كنت دائما حريص على مستقبلى، و حتى و انت بعيد مازلت مفتاح مستقبلى..
ثم اردف بثقه و اصرار و دموعه عكس هذا تماما: هنجح، هنجح و هعيش مبسوط علشانك و علشانى، هنجح يا فارس صدقنى، هنجح.

استدارت حنين له بحذر بعدما دلفت لمدخل الشركه لتهمس بقلق: انا قلقانه!
نظر حوله بابتسامه، الجميع يتحرك بعمليه دون اى انتباه لهما من الاساس و لكنها تشعر كما لو ان نظر الجميع مسلط عليها فعاد ببصره اليها ليجدها تتفحص المكان حولها بنظرات مضطربه حتى فوجئ بها تقترب منه بعفويه فأخذ نفسا عميقا و اقترب منها اكثر ممسكا كفها بيده فنظرت اليه مسرعه ليبتسم بحنان وقور: متقلقيش انا معاكِ..

اومأت برأسها لتجد احدهم يقترب منهما بابتسامه واسعه ليهتف بود واضح: مازن باشا بنفسه في شركتنا، لا دا اهلا جدا يا جدع.
ثم رمقها بنظره لتتحول ابتسامته لاعجاب لم تنتبه له و هو يتمتم بنبره هادئه ماكره: منوره يا دكتوره..!؟
رمقه مازن بنظره مشتعله ليهتف بحده و هو يصافحه بقوه جعلت الاخر يتأوه متعجبا: اهلا بيك يا سيف، دى الدكتوره حنين كنت كلمتك عن موضوع شغلها قبل كده.

نظر اليها سيف مجددا ثم غمغم بترحيب لا يخلو من اعجاب بهيئتها البسيطه و لكنها مميزه خاصه مع نظرها الذى تعلق بالارض خجلا مع احمرار خفيف طغى على وجنتيها: اكيد الدكتوره تنور، اتفضلى معايا.
ظل مازن واقفا لا يدرى أيظل بجوارها ام يغادر و لكنه حسمت الامر عندما حاول جذب كفه الممسك بكفها و لكنها ابت و تشبثت به لترفع عينها اليه بنظره راجيه تبعتها بهمسها الخافت الذى بالكاد يُسمع: متسبنيش لوحدى..

حنين لا تعرف فن الاختلاط بالجميع، ليست اجتماعيه او انسيابيه في التحدث،
لاحظ هو انها بالفعل تواجه مشكله كبيره في التحدث مع الغرباء بل بالكاد تتحدث!
وجودها هنا لن يعلمها مهنه فقط و لكنه سيمنحها قدره على التواصل الاجتماعى و لكنها ما زالت في بدايه الطريق و البدايه دائما صعبه، و لابد ان تتقدمها بمفردها حتى لا تتعثر عندما يتركها فيما بعد!

نظر اليها بصمت قليلا كأنه يحاول سبر اغوار علقها و لكنه لم يكن بحاجه لذلك فسرعه حركه صدرها لاعلى و اسفل، انفاسها المضطربه و المتلاحقه بشده جعلته يدفع بكل تفكيره عرض الحائط و يتنازل عن فكره الابتعاد عنها في اول خطواتها بل سيسيرها معها خطوه خطوه و لن يترك يدها ابدا، فتمتم بحنيته المعتاده و هو يضغط كفها بخفه: انا هنا متخافيش..

ثم نظر لعينها التى تتطالعه برهبه التعامل من الامور لاول مره خصوصا مع امرأه هادئه انطوائيه كحنين، و ازدادت ابتسامته المطمئنه ليهمس بثقه منحتها قوه مؤقته: انا واثق فيكِ، بلاش قلق!

بعد بعض الوقت كانت تخرج معه من الشركه على اتفاق ببدأ العمل غدا، خرج سيف خلفه ركضا ممسكا بيد مازن الاخرى فتوقف مازن بدهشه و معها رفعت حنين رأسها بخضه لينظر اليها سيف و هو يحاول التقاط انفاسه قائلا بابتسامه بلهاء: انا اسف، ثم نظر لمازن قائلا بتردد: عاوزك ثوانى يا مازن!

التفت مازن الى حنين و قبل ان يتحدث تمتمت هى بخفوت شديد لدرجه ان سيف لم يسمعها: هستناك في العربيه، و تحركت باتجاه السياره بنيما التفت مازن لسيف ليجده يتابع ظهرها المنصرف عنهم فوقف مازن امامه و كل اوداجه تشتعل غضبا فحمحم سيف بارتباك ثم غمغم بصراحه جعلت مازن يكاد يقتله: مين دى يا مازن؟! مش قصدى اساءه و الله بس بجد واضح انها محترمه و هاديه قوى..

هم مازن بالصراخ و لكنه قاطعه قائلا بسماجه غافلا عن الذى يتلوى غيره امامه: انا لاحظت ان مفيش في ايديها دبله، ف..
و لم يستطع سيف النطق بكلمه اخرى حيث ان مازن عاجله بدفعه قاسيه بصدره تراجع على اثرها قليلا و هو يصرخ و ازداد احمرار اذنيه غضبا و عيناه تشتعل بجحيم لا يطاق: دى مراتى...!
تجمد سيف و هو يخفض رأسه خجلا لم يكن يعرف ف يدها لا تحمل دبله زواج و هيئتها البسيطه اوحت له ببراءه فلم يعتقد انها متزوجه..

بينا شهقت حنين بفزع داخل السياره و لكنها لم تستطع التحرك خطوه خارج السياره و هى ترى مازن يتقدم باتجاه السياره فتجمدت مكانها مع لمعان عينها بذعر حقيقى، تحرك بالسياره بسرعه عاليه بشكل جعلها تتمسك بالمقعد بخوف و هى حتى غير قادره على سؤاله عما حدث جعل الامور تصل لهذا الحد..
لتنتفض مكانها عندما صرخ بغضبه الاسود و انفاسه تكاد تحرقه و تحرقها معه و هذا ما لم تجد مبررا له: مفيش شغل في الشركه دى..!

حاولت التماسك و استدعاء هدوئها لتنطق و لكن شعورها بالخوف الذى لم تعتاده سوى معه جعلها عاجزه عن ذلك فإكتفت بالصمت فالتفت اليها ليهدر مجددا بنبره اكثر غضبا: ردى عليا، انا بقول مفيش شغل هنا، سامعانى!
و رغما عنها أثارت كلماته العاليه و نبرته القويه اعصابها لتجد نفسها تهتف بحده لم تنتبه لها و لم تشعر كيف خرجت الكلمات منها اساسا: سمعت، سمعت بس ليه؟ مفيش ليه؟!

صرخت بتوجع و رأسها يصطدم بتابلوه السياره بغته عندما توقف بالسياره على جانب الطريق ليصيح و كأنه فقد كل ما يملك من اعصابه دفعه واحده: لانى قولت مفيش شغل هناك، خلص الكلام، فاهمه؟!

ثم صمت ما يقارب نصف ثانيه و فاجأها عندما اشاح بيده و عرقه الاسود يظهر كاملا عليها و صراخه يجعل قلبها ينتفض خوفا: لانك عجباه يا دكتوره، واقف قدامى يعاكسك و يقولى حلوه، واقف يتكلم عن مراتى، ، ثم صاااح بأقصى ما يملك من صوت: دا كان ناقص يطلبك منى...
ارتجفت عينها و لكن ليس من كلماته و لا غضبه و لا حتى من اعجاب ذلك المعتوه بها و لكن لانها رأت بعصبيته الغير مبرره، شعور الغيره!

رأت في ملامحه الغاضبه شيئا من الخوف، التردد و ربما خشيه الخساره!
شعرت من نبرته الصارخه بصوت يخبرها انها ملكه، له و فقط!
لان قلبها ادرك ان ما يجمعهم ليس بمجرد وعد بالاخوه فشعوره بها يختلف، يختلف كثيرا!

و دون استئذان عاد لعقلها ذكرى شجار عاصم مع الشباب بالمول عندما تتطاول احدهم على جنه بالكلام، ادركت هى وقتها غيرته، ادركت نبته العشق الذى زرعتها جنه بقلبه و ها هى ترى ذلك في مازن بل اسوء من عاصم وقتها بمراحل ربما لانه يدرك ان علاقتهما مستحيله...

ضرب المقود امامه عده مرات بقوه قبل ان يدفع جسده للخلف بعنف مصطدما بمقعده ليخرج منه تأوه مكتوم من ألم كتفه الذى لم يندمل بعد فاهتزرت شفتاها بعدم استيعاب لكل هذا فمتلئت عينها بالدموع و هى عاجزه عن تحديد شعورها في هذا الوقت تحديدا...

حتى شعرت به يعتدل بجسده لها ناظرا لعينها باعتذار و تمتم بصوت شعرت به تائه بين ضبابات وجع لم تفهمه جيدا و لكن قلبها ادركه جيدا و خاصه مع نبرته الضعيفه: انا اسف مش قصدى ا...
و قطع كلماته عاجزا عن اكمالها فماذا يقول و كيف يبرر الان!
لن يستطيع الكذب ليخبرها ان حديث الاخر جرح كبرياؤه كرجل او اثار حفيظته فثار عليه،
و لن يستطيع قول الحقيقه ليخبرها انه اشتعل غيره و حسره على حديث احدهم على حنين قلبه،.

رغم براءتها و لكنه شعر ان نظر رجلا اخر اليها يدنسها..
كيف يخبرها ان هذا الحديث اوقد روحه نارا ألمته بقوه، مجرد تحدث اخر عنها جعله يفقد اخر ابراج عقله المتزنه...
كيف يخبرها انه للحظه تخيل...!
مجرد تخيل انها من الممكن ان تتزوج غيره، احد اخر يستمتع بضحكتها، تعد اناملها الطعام لغيره، تتشعث خصلاتها على كتف اخر، يتلذذ احد بضمها و تتساقط دموعها على صدره.

نيران تنهش قلبه بوجع مضنى، و لم يعد هناك قدره احتمال باقيه له!
فكل ما به يصرخ بحاجته اليها، اجل هو يحتاجها!
كل ما به متعطش لها، ف متى سيسمح قدرهم بارتوائه!
متى سيُمحى المائه حاجز الذى وضعتها الظروف، قلبها و قلبه بينهما!
هى عذابه و لكنها سكينته، هى مرضه و لكنها دواءه، هى كل شئ و لكنها لا شئ!

بعيده جدا، بعيده كسماء لامعه بنجومها يشتاق من بالاسفل لملامستها، بعيده كشهب تركض ركضا امام اعيننا لنظل نتوهم عقب مروره ان كنا رأيناه ام لا، و رغم بساطه احساسه تجاهها و لكنه اكثر الامور تعقيدا...!
كيف يخبرها بكل هذا!
افاق على صوتها المكتوم ببكائها و انتفاضه جسدها الجزعه من صراخه و التى عقبها بصمته مع انفاسه المتلاحقه و التى اخبرتها عن اضطرابه: انا اصلا مش عاوزه اشتغل، انا مرتاحه في البيت..

زفر بقوه و هو ينظر اليها و حروف كلماته تذوب على شفتيه عاجزا عن النطق بكلمه واحده لتردف هى و دموعها تزداد رغم صدق احساسها بما تقوله: صدقنى انا مش عاوزه اشتغل، انا مرتاحه كده و مش عاوزه حاجه تانيه.

ثم اجهشت في بكاء عنيف و جسدها ينتفض بقوه كبيره فشتم بصوت هامس قبل ان تمتد يده ليربت على كتفها بشبه اعتذار و لكن يده توقفت قبل ان تلمسها ليقبضها بقوه و هى يراها ترفع يدها لتخفى وجهها و جسدها مازال على انتفاضته فكز اسنانه بغضب من نفسه ليتحرك بالسياره بسرعه دون ان يعرف وجهته...

الانسان الذى يمكنه اتقان الصبر، يمنكه اتقان أى شئ اخر..
اندرو كارنجى
دلف امجد بخطوات هادئه للمنزل بعد يوم عمل استنفذ كل طاقته و بمجرد ان اغلق باب المنزل نظر لغرفتهما سويا ليجدها تُغلق الاضواء مسرعه ليستمع بعدها لخطوات ركضها الى الفراش لتدعى النوم كما تفعل كل ليله..
فابتسم بسخريه و هو يتقدم بهدوء للداخل و اتجه للمطبخ ليروى عطشه ثم تحرك بخفوت كعادته ايضا مانحا اياها الثقه بانه يعتقد انها نائمه...

اقترب منها جالسا بجوارها على الفراش و هو يتطلع لملامحها الساكنه و على شفتيه ابتسامه ساخره بسبب انفاسها التى لم تهدأ بعد..
منذ ذلك اليوم و بعد ان عادت معه و هى تتجنب الحديث معه..
هو مدركا تماما انها معترفه بخطأها و لكنها تمردها - الجامح - يجعلها رافضه الاعتراف له هو تحديدا..

يستغل هو ادعائها للنوم ليجلس معها يحدثها و يحدث طفلهما، يستغل هدوءها ليتأمل ملامحها التى اشتاقها حد الهوس، ليُمسك بيدها و هو يتلوى شوقا لضمها لصدره، للاستمتاع بعبق رائحتها و يتمنى العوده لمشاكستهما معا..
و لكنه يستحق كل هذا، هو قبل ان يعتابها لابد ان يعاتب نفسه، قبل ان يهنأ بوجودها جواره مجددا لابد ان يعاقب نفسه عما جمح اليه تفكيره،.

هو لن ينتظر جلدها له بسياط لومها فهو منذ ان نطق بتلك الكلمات و هو يجلد نفسه بلوم قلبه!
اجل يخبره عقله كثيرا انه ليس بمخطئ فهى من وضعت حجر الشك بين طريقهما و لكن يعاود ليتزن و يخبره انه تسرع!
طالما اعتاد معها التفاهم و التحدث لفض الامور دون ان ينام احداهما محملا بثقل - و لو بمقدار ذره - تجاه الاخر، فلماذا اذا تخلى كلاهما عن تلك الميزه التى تجمعهم...

لماذا بحث كل منهما عن النقص في الاخر و هما يدعيان ان احدهما للاخر يعنى الاكتمال!
هو مخطئ و ربما اكثر منها أوليس الرجال اشد تحملا فلما اذا كان اقل صبرا و اكثر تسرعا!
تنهد بحراره و هو يرفع يده ليُلامس بروز بطنها الصغير الذى بالكاد يُلاحظ، ليلاحظ انكماش جسدها ككل ليله اسفل لمسته فابتسم بحنان يطوقها، تلك العنيده تستمتع بهذا، لا تمنعه و لكنها لن تستجيب له ايضا...

حاوطها بيديه الاثنين ثم مال عليها قليلا ليهمس بخفوت كعادته: ازيك يا بطل، ثم اقترب اكثر حتى لامست انفاسه بشره بطنها رغم حاجز ملابسها البسيطه و اردف بنبره ذائبه كأنه يحدثها هى: وحشتنى جدا..
ارتجف جسدها بعنف و رغم ملاحظته تجاهل الامر فان كانت هى تتخذ وضع العبيطه فهو لا يقل عنها بل انه اكثرا منها استعباطا ...

خشت هى ان يشعر برجفتها و التى لا تستطيع التحكم بها كلما اقترب منها هكذا، و مع لمساته تلعن هى ذلك العمل الذى وافقت عليه ليكون المقابل حرمانها من حنانه و عاطفته الذى يغمرها بها يوميا كلما عاد من عمله دون كلل او ملل..
و في فوره احساسها تتمنى ان تنهض لتلقى برأسها على صدره لتعتذر الف اعتذار عما فعلت لتؤول الامور بينهما لهذا الحد، و لكنها لا تستطيع نسيان اتهامه..

يؤلمها قلبها لاجله و يؤلمها عقلها لاجل نفسها، ينازعها شعورها اليه لتقترب و يدفعها كبريائها بعيدا عنه، اخطأت و اخطأ و لكنها تهتم بمن يبدأ الاعتذار...!
افاقت من افكارها على رأسه التى استندت على بطنها برفق شديد ليتحدث و هو يداعب خصرها بابهامه بنبره ماكره مستفزا هدوءها: ماما عناديه، بلاش يبقى الموضوع ده تحديدا وراثه!

كزت على اسنانها و هى تلجم زمام انفراطها للتشاجر معه على كلماته فابتسم ليردف و هو يزيد من مداعبه خصرها بنبره فاضت عشقا و اشتياقا: بس انا عاوز كده، عاوز يجيلى بنوته شبهك يا سلمى متمرده، عناديه و تطلع عين اللى هيتجوزها، عاوز اشوفك فيها، و حتى لو ولد عاوزه انتِ، عاوز ولادنا يبقوا نسخه منك، من قوتك و ضغفك، من تمردك و استسلامك، من قسوتك و طيبتك، منك انتِ و بس..

ضغطت عينها بقوه و هى تجاهد ألا تتساقط دموعها و هو يضمها اليه اكثر ليهمس بصوت خفيض و هو يسمد بطنها بدفء لامس قلبها عنوه و هو يُحدث صغيره التى لا تعرف ان كان ذكرا ام انثى بعد: حلم كبير قوى، بنيناه انا و ماما، كنت انت، امنيه جميله و غاليه قوى، و فجأه خسرنا الحلم، اتدمرت حرفيا، كنت محتاج ابن اتسند عليه و بنت تقوينى بحنانها، محتاج عزوه و اسره لما اكبر يلعبوا حواليا، و انت او انتِ اول فرد في بيتنا الصغير، اول حد هيكمل حياتى انا و ماما..

اخذ نفسا عميقا ليطبع قبله طويله على بطنها ثم يبتعد عنها و رغما عنها اجتاحتها بروده غريبه، فهى تحتاج الان و بشده لدفء حضنه، تحتاج لهمساته و كم تتمنى الا تنتهى، و لكن مازال هناك ألم بعيد يمنعها الدفء و للاسف هم اكبر اعدائها، هو و قلبها!
القت بنبضاتها الهادره بعيدا لتستسلم للنوم الذى داعب جفونها مع لمساته الحانيه على خصلات شعرها و اخر ما وعت عليه قبلته الهادئه على جبينها!

اما هو فأدرك انها بالفعل نامت،
لا يلومها على تجنبها بل يمنحها الحق كاملا، فابتعادهم كقرض سيعود اليه و لكن بالفائده...
فسلمى عندما تستلم سيكون استسلامها بقوه تمردها و هذا ما يريده،
يريدها ان تعرف انه لا يستطيع ان يمس كرامتها ببساطه لان كرامتها من كرامته و وجعها وجعه و هى على نفسه اغلى منها - نفسه - و ان ادعى احداهما غير هذا،
يريدها ان تغفر لانها تريد، و ليس لانه فرض عليها الغفران،.

سيصبر و ليس هناك افضل منه في ذلك!

و بابتسامه واسعه يقف امام المرآه و قد رفض ان يكون معه احد ما، عاش تقريبا عمره الا القليل منه بمفرده...

سفره لاستكمال دراسته بعد وفاه والدته بعده سنوات، ثم عودته بعد قلقه الشديد على والده و شقيقته ليُصدم بخبر وفاه والده و بُعد شقيقته ليعيش حسره و حزن لم يتوقع ان يتحمله عاتقه، فعشره اعوام من البحث عن حياته و شقيقته و لكن يبدو انه لم يبذل الجهد الكافى ليحصل على هذا بالسرعه الكافيه، اجتنابه لظهوره القوى في حياه شقيقته لمنح عاصم الفرصه ليكسب قلبها بعدما كان زواجهم مصدر الامن الوحيد لحياتها، ثم عشقه الذى اضنى روحه و ارهق نفسه!

كل هذا كان بمفرده و اليوم و امام نفس المرآه التى جمعت حزنه و دمعته الأبيه التى رفضت لاعوام شتى السقوط، تجمعه اليوم بفرحته و ابتسامته الحقيقه و كل ما في حياته تلون بالوان قوس قزح المزدهره!
و بعد عده ساعات ستجمعه مرآته بامرأته، و سيدة قلبه الاولى و الاخيره!

اتسعت ابتسامته و هو يعدل من ربطه عنقه متذكرا يوم سألها عن مقدرتها على عقد ربطه العنق لتخبره انها لا تعرف كيف تفعل! و اه لو تدرك انها منحته فرصه ذهبيه ليشاكسها فيما بعد!
رفع زجاجه العطر لينثر منها ببزخ و هو يتذكر أيامهم السابقه، كيف كانت تجالسه بخجل، و نادرا ما تتلاقى عينها بعينه حتى كاد يجن من اشتياقه لبحر الفيروز خاصتها و الذى بعد قليل سيصير خاصته ليغرق فيه و به متى شاء ليروى ظمأ عشقه لها...

تنهد بحراره و هو يتحرك باتجاه خزانته ليجد ذلك الجانب الذى وضعت به ثيابها فاقترب يستنشقها ببطء متلذذا بتخيله لها بين ذراعيه لتروى لها شفتاه ما عاناه و هى بعيده عنه حتى هذا اليوم، ثم تحرك ببطء لصندوق صغير ليخرج رسائل والدته و يبتسم بحنان و هو يقلبها بين يديه متمتما بدفء: دائما كنتِ بتنصحينى اراعى ربنا في قلبى و نفسى علشان افرح بالحلال، انا عملت كده فعلا بس عاوز اعترفلك بحاجه...

لمعت عيناه بتأثر و هو يتذكر حضنها الدافئ الذى طالما احتواه و مهما مر عليه من اعوام و اعوام لن ينساه ابدا رغم صغر سنه وقتها: انا في فتره يئست، قولت ان كل حاجه في الدنيا خساره و بس، مفيش حاجه اسمها فرحه، مفيش مكسب و مفيش سعاده والضحك دا رفاهيه مش لينا، كنت بقرأ كلماتك و اقول ازاى كتبتيها بالثقه دى؟ ازاى رغم استسلامك انتِ للمرض، حسيت لفتره ان كل دى اوهام و انى عمرى ما هفوز بحاجه اتمنتها...

استغفر بخفوت و هو يضم صورتها التى جمعته هو، هى و والده سويا و اردف بصوت مختنق: بس كل رساله كانت بتناقض الاحساس ده، كل آيه اقرأها من كتاب الله بتزودنى ثقه رغم ترددى، كل سجده بدمعه و كل دعاء بجرح، بس كلامك كان دائما قوتى...
اغلق عينه لحظات ليهمس بصوت مبحوح: كان نفسى تبقى جنبى، تحضنينى و تقوليلى اخيرا شوفتك عريس، كان نفسى تشوفيها و توصيها عليا، كنت محتاج وجودك معايا جدا يا امى، جدا!

و هنا تساقطت كل دمعه آبيه رفضت السقوط...
ربما فرحا، ربما وجعا و لكن اكثرها اشتياقا، اشتياق لام منحته من الحنان ما يكفيه حتى الان!
فهى بكل رساله تضمه لصدرها، بكل كلمه تطمأنه، بكل حرف تواسيه و تشاركه حياته حتى و ان كانت بعيده و كان وحيدا!

ابتسم بحراره و هو يقبل صورتها بقوه و يأخذ انفاسا عميقه كأنه يحاول امتلاك القوه التى تتركه دائما في حديثه مع امه، ثم اقترب من ظرف صغير كانت قد كتبت فوقه لا تراه سوى يوم زفافك ...
ابتسم بشغف و كم من مره نازعته نفسه ليرى ما به و لكن ثقتها به انه لن يفعل منعته من كسر وعد لها حتى و ان كانت غائبه، فتحه بلهفه ليجد خاتم صغير و ورقه مضمونها،.

ستشتاقنى في يومك هذا كما لم تفعل طوال عمرك، اعلم هذا و لكن حبيبى انا معك، دائما و ابدا معك، حدث قلبك و ستجدنى داخله، هذا الخاتم لعروسك، كم كنت اتمنى رؤيتها و لكن كفى انها فازت بقلبك لاتأكد انها رائعه، هذا الخاتم منحنى اياه والدك يوم عقد قراننا فامنحه لزوجتك ليكون هديتى اليها، مبارك زواجك يا صغيرى، قبلاتى و امنياتى الحاره لك بالسعاده الدائمه، و اخر الامر يا صغيرى، اتقى الله في نفسك و فيها.

خرجت منه اه خافته تعبر عن وجع قلبه الازلى و هو يقبل صورتها عده مرات متتاليه ليضمها لصدره بعدها و هو يزفر بقوه كبيره عله يستطيع الهدوء، بعد بعض الوقت نظر في مرآته محتفظا بابتسامته و تحرك للخارج ليذهب لباب السعاده الذى فُتح له على مصرعيه...

اتجه عاصم و معه الدفتر ليحصل على امضاء العروس - و التى تجلس بالطابق العلوى للقاعه الصغيره الذى اُقيم بها الحفل - ليتوقف على اولى درجات السلم و هو يرى جنه اعلاه بفستانها السكرى الواسع و الذى يتساقط خلفها على الدرج فتعلقت عيناه بملامحها التى تشع فرحه مع ابتسامتها الخجوله و التى لونت وجنتيها بحمره محببه و هى تلاحظ تفحصه بها لتُمسك بطرف فستانها لترفعه قليلا حتى لا تتعثر فدرات عيناه عليها من اعلى لاسفل باشتهاء و اعجاب واضح، بينما هى تبتسم بسعاده حقيقيه و حلمها يتحقق، حلم سندريلا ، هى بفستانها الجميل و خطواتها الهادئه و هو امامها او اكثر دقه بانتظارها و بيده دفتر ما...

فاتسعت ابتسامتها حتى وقفت امامه ليفرد يده اليها لتضع يدها بيده بخجل واضح ليحاوطها بحصونه السوداء للتوه كليا بهم بينما هو يتشرب عسل ابريقها الامع ببريق آخاذ ليهمس بصوت هائم بها: عينكِ بتحكى كلام كتير!
اشارت اليه ليقترب، فمال برأسه قليلا لتهمس هى بخفوت و نبره مدلله: هو ده الحلم، سندريلا، اميرها، و الكتاب..

ثم امسكت الدفتر من يده لتبتسم بدلال و هى تبتعد عنه لتقول بخفوت و لكن بنبره معاديه: خليك انت و انا هطلع الدفتر لمها..
و ابتعدت عنه ببطء بينما ابتسم هو يتابعها بعينه متلذذا بخجلها، عبثها و حياه عينها التى اصبحت تعج بكثير و كثير من مشاعرها الفياضه و كأنما الان فقط اصبحت على قيد الحياه...

عادت بعد دقائق اليه لتمنحه الدفتر و دون ان ينتبه احد و دون ان ينتبه هو طبعت قبله سريعه على وجنته جعلته يغلق عينه ليمنع عنها بركان مشاعره الثائر الان...

ليعود لجمع الرجال و يبدأوا احتفالهم بالموسيقى الصاخبه و كذلك بالاعلى حيث اجتمعت الفتيات حول مها ليرقصوا سويا بفرحه ملئت قلب الجميع باستثناء حنين و التى شعرت بروحها تكاد تنسحب منها و هى ترى حفل زفاف اخر ، فستان ابيض ، و فرحه لونت عين العروس و كم تخشى عليها ان تُخطف منها مثلما حدث معها...

كان معتز في طريقه للخارج عندما اصطدم بأحدهم ليرفع رأسه متمتما بأسف: انا اسف! و لكنه تجمد مكانه و هو يرى المصطدم به و الذى يبدو انه لم يعرفه فغمغم بصدمه: بابا!
تجمد والده قليلا فهو لا يعرفه و لم يسأل يوما عنه او يرى صورا له، فهو لا يعنيه وجوده او معرفته و لكن لسبب ما شعر بقلبه ينبض بعنف و هو يستمع لكلمه بابا منه تحديدا فتمتم بدهشه هو الاخر: معتز؟!

ازدرد معتز ريقه و معها ابتلع غصه مريره اصابته في مقتل و والده امامه لا يعرفه و لولا انه رأى صوره مع مها ربما لم يكن ليستطع التعرف عليه ايضا، و لكنه تجاهل هذا و اومأ برأسه موافقا منتظرا ترحيبا به او ربما اعتذار و ضمه تحكى عن اشتياق سنوات..

ليلقى والده بكل هذا ارضا ليصدمه برد فعله البسيط و اللامبالى في الوقت ذاته عندما ابتسم بتكلف ثم تحرك متجاوزا اياه لقاعه الرجال، ليظل قليلا ينظر لمحله الفارغ ثم أغلق عينه مبتسما قهرا و حسره..

كم كان يتمنى ان يضمه ليخبره عن مدى اشتياقه له، كم كان يأمل ان يقول كلمه واحده فقط و قسما باسم الله كان ليسامحه متناسيا ابتعاده عنه من صغره، كم كان يهفو ليشكى له عما فعلت والدته به، كم، و كم، و كم، , و لكن انتهى الامر باب
تسامه و خطوات بعيده عنه مجددا!

تنهد بقوه ليفتح عينه ليجد نجلاء امامه تتطالعه بابتسامه ساخره و يبدو انها رات ما حدث منذ قليل، فاحتدت ملامحه و هو يتذكر كل ما صار له بسببها والان و بعد غياب اشهر عده لا يعرف احد عنها شيئا تعود!
اقتربت منه و كادت تقبله و لكنه ابتعد بوجهه للخلف متمتما ببرود: اهلا يا مدام نجلاء نورتِ!

ازدادت ابتسامتها الساخره و هى ترى نظرات النفور بعينيه لتتجاوزه هى الاخرى بلامبالاه ليضم قبضته بقوه شديده ثم تحرك بغضب للداخل...
توقفت نجلاء قليلا و شعورها بالقلق يعاودها و هى تتذكر مرسول والدها اليها بما ان الليله عرس حفيدتى الكبيره، انا جررت اجول وصيتى، عاوزه ورثك تيجى تباركِ للعرسان و بعديها هنتجمع حدا اخوكِ الكبير، معتجيش، انتِ و خاطرك، بس متستنيش حاجه منى عاد.

لا تدرى كيف عرف بمكانها، و لا تدرى ماذا سيحدث، و لكن بما انه سيُقسم ثروته فلابد ان تكون حاضره حتى و ان كلفها الامر حياتها...
اقتربت من مها التى طالعتها بابتسامه شاحبه و هى تتذكر ما اخبرها به عاصم و اكرم عما سيحدث بنهايه هذا اليوم، لم تعرف تفاصيل منهما و لكن عاصم قال لها انها لابد ان تقوى فما ستعرفه عن والدتها سيصدمها، ليعدها اكرم مزيدا توترها ان يظل معها مهما حدث،.

لا تدرى ما سيقولا و لكن من نظره اكرم القلقه و نظره عاصم المتردده و التى لمعت في عين كلاهما جعلتها تدرك ان الامر كبيرا و سيحتاج مجهودا خرافيا منها لتتجاوزه و لكن ما هو، صدقا لا تدرى؟
صافحتها نجلاء ببرود متمتمه: الف مبروك يا مها، ثم تركتها و تحركت دون انتظار اجابتها حتى لتتسع ابتسامه مها الساخره فمهما كانت المناسبه و امام من كانوا لن تتغير نجلاء الحصرى ابدا..

لحظات و اقتربت جنه من اذنها لتهمس بشقاوتها الجديده و التى اخفت خلفها توجس مما ستشعر به مها بعدما تعرف حقيقه نجلاء البشعه: اكرم جاى يخطفك!
عقدت مها حاجبيها بتعجب فغمزتها جنه بضحكه لتنظر للخلف مشيره على الدرج فنظرت مها لما اشارت لتلمح اكرم و عاصم اسفله فارتبكت قليلا و هى ترى نظرات اكرم المتبله بنفحات عشق روت قلبها لتبتسم بخجل و هى تنهض لتتجه اليهم مع مباركات الجميع لهما حتى تحركت معه للخارج...

بينما طلب عاصم من جميع افراد العائله التوجه لمنزله لضروره الامر و انفض الحفل لتعود الحياه لرونقها و ربما لقساوتها...

لو ارشتنى السماء بنجومها،
لو اغرتنى الارض بوديانها،
لو اسرتنى الحياه بألوانها،
لن اختار الاكِ...
يا من اهواك...
عنقود من الفل انتِ
عيناكِ بحر الفيروز
شفتاكِ أطعم من الكرز
ياسمينه انتِ ببستانى
تُغار منكِ الالوان
جمعتِ الجنه و النار..
و ساكن قلبك سيفوز..
سيفوز بكنز، كلا كنوز!
فوجودك وحده يكفينى..
لتُنيرى دروبى و سنينى..
لتُشرق عيناكِ نهارى..
و يُآنس قلبك ليلى..
فمن اختار الاكِ؟
يا من بالروح اهواكِ؟!

ابتسمت بسعاده و هى تراقب ضوء القمر في صرح السماء الواسعه و هى خجله، خجله كما لم تكن من قبل من وجوده، معها، بمفردهما داخل السياره التى اصر هو على عدم مغادرتها قائلا بجديه: مش عاوز حد يشوفك غيرى النهارده...
ارتجف جسدها بحب و هى تشعر بكفه يلامس كفها بهدوء و لكن بتملك ليصلها صوته الهادئ: كنتِ ابعد من القمر، بس اقرب من نوره...

كانت مازالت تتابع القمر فتسلل صوته لقلبها لتتسع ابتسامتها و هى لا تكاد تصدق ان فرحتها تلك حقيقيه، تلك المعيبه - كما ترى نفسها - اليوم تجلس امام رجلا كأكرم - زوجها - و ببساطه كلماته يغازل انوثتها الناقصه - لا بجمالها الفاتن - و لكن باحساسها، بمشاعرها التى طالما وضعها الجميع اسف اقدامهم فور معرفتهم حقيقه عجزها...

اليوم اخبرها اكرم بوجوده فقط انها تستحق الحب، ربما لم يعبر بوضوح و لكن نظراته قالت، دفء كلماته و صدقها الذى مس قلبها وضحت، احساسها الجديد و المختلف تجاهه شرح كل شئ مفصلا، و لكن يبدو ان الاعتراف الصريح بينهما مازال بعيدا...

افاقت من شرودها عندما شعرت به يلبسها شئ ما في اصبعها فنظرت ليدها لتجده خاتم رقيق يحتوى على لؤلؤه كبيره تعلو عده صفوف من ماسات لامعه لتنتهى على جانبى الخاتم بنفس الماسات ليستدير حول اصبعها بشكل رائع، لمعت عينها ببريق خاص ادوع بقلبه بين حنايا قلبها فاقترب منها موضحا و هو يرمقها بنظرات حانيه و لكن غلب الحزن على همسه: دى هديه امى ليكِ، و بتقولك مبروك..

عقدت حاجبيها متعجبه و صوته الحزين يلامس قلبها و لكنها تتسائل عما يقوله و رأى هو تساؤلها دون ان تعبر عنه فتمتم بابتسامه شاحبه وهو يخرج رساله والدته من جيبه ليعطيها لها: كانت سايباه ليا و قالتلى دى هديتى للى قلبك يحبها...

انتفضت على همسه الحزين و الذى حمل اليها تصريح كامل و شامل عن مدى حزنه لفراق والدته و هى تقرأ رسالتها له بينما هو اغلق عينه مغمغما بعشق لكليهما: كانت عارفه انى هختار بقلبى مش بعقلى..

ابتسمت و شعور بالفرحه يباغتها من نبرته التى اخبرتها عن حبه دون وصف فتنهد بقوه و ابتسامتها تنتزعه من فيض اشتياقه لوالدته ليبتسم بعدها بمشاغبه دائما ما يلجأ اليها نافيا وجعه بعيدا: بس دا مش ماس قالها مشيرا على فصوص الخاتم الماسيه في لمعانها ، و لا دا لؤلؤ قالها و هو يشير على اللؤلؤه الكبيره في المنتصف ، الخاتم فضه، عارف انى دمرت سقف طموحاتك بس دا الواقع..

و انهى كلامه بغمزه شقيه فاتسعت ابتسامتها حتى صارت ضحكه قصيره و هى لا تستوعب ما يحدث ف تاه هو في بحر الفيروز الذى طالما غرق فيه سابقا سهوا و الان قصدا...
كل احلامه تلخصت في تلك الفيروزيه امامه،
فكم من سجده اختلطت فيها دموعه باسمها، و كم من مره شاركته في دعوه لنفسه..
رأى هو في عشقها الامرين، مر العلقم و حلو العسل..
منحته بابتسامتها الف امل و قتلت بخطبتها كل اماله،.

شجعته بضعفها ليحتويها و بهرته بقوتها لتحتويه،
يغار اسفا عليها حتى من نفسه، و لمن تكون الغيره لسواها؟
تغافل هو تماما عن نظرات محمود الحزينه و التى اشعرته انه يندم، اجل من يعرفها يوما يندم على ضياعها و لكنه لا يتحمل رؤيتها بعين احد اخر غيره..

زفر بقوه عندما شعر بحركتها بجواره فنظر اليها ليجدها ترفع يدها لتُشير اليه بما تريد قوله فامسك يديها ضاما اياها بحنان و هو يسلط عيناه على بحر الفيروز خاصتها لتغرق هى في دفء عينه و صوته الذى اخبرها بثقه: كلمينى يا مها، مش بالاشاره، انا عايزك تكلمينى و اتأكدى رغم ان مفيش صوت انا هسمعك...

لمعت عينها بتأثر و هى تراه يُجرد عجزها امامها و لكن في الوقت ذاته يحتويها و يحتويه فحركت شفتاها بحديثها الصامت انا خايفه من...
ليقاطعها قائلا بنبره ذائبه وهو ينظر لشفتيها: انتِ عارفه انا كام مره مسكت نفسى عنك و انا بتكلم معاكِ، عارفه كام مره قولت لنفسى غض بصرك بس انتِ كنتِ فتنه و جاهدت نفسى علشان ابعد عن اكتر ذنب بحبه...

اسبلت عينها بخجل واضح و اطرقت برأسها و كلماته تشعل كل نيران حيائها ليضع يده اسفل ذقنها رفعا رأسها اليه قليلا متمتما بحراره: اوعى، اوعى تخبى عينك عنى اب...
قطع حديثه المُحذر بنبره مشتعله بعشقه صوت هاتفه فاغلق عينه ثوانى متذكرا ما هم على وشك مواجهته بعد قليل فأغلق الاتصال و نظر اليها مجددا و امسك يدها مقبلا اياها هامسا: للحديث بقيه، بس...!

فتعلقت بعينه قليلا حتى ظهر توترها جليا و هو يتمتم بتوجس: بتثقى فيا يا مها؟
اومأت برأسها موافقه و هى تعلم عما يتحدث تحديدا فابتسم مقبلا يدها مجددا ثم تحرك بالسياره متوجها للمنزل...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة