قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل السادس عشر

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل السادس عشر

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل السادس عشر

بأكثر الخطوات ترددا دلفت بهدوء و عقلها يصرخ بها لتخرج و لكنها لم تستطع ان تفعل، نظرت لملامحه الساكنه قليلا، ثم عبست بوجهها و هى تجلس بجواره على طرف الفراش هامسه بخفوت شديد متعجبه: حتى و انت نايم مكشر، افرد وشك حرام عليك، بيقولوا ان النايم بياكل رز مع الملايكه انما انت بملامح وشك دى اكيد بتتخانق معاهم، حرام عليك مش كفايه ماشى تخوف في خلق الله طول اليوم، كل البشر حاجه و انت صنف تانى لوحدك.

عض باطن وجنته يحاول منع ضحكته، هى بلهاء بكل ما تحمله الكلمه من معنى.
استكان اكثر مستمتعا بما ستقوله، ستصرح به و ربما تفعله و يبدو ان نومه منحها الفرصه لتفعل اشياء ربما لن تفعلها ابدا و هو مستيقظ.

و بفضول الانثى التى تجرب شعور وجودها بجوار رجل للمره الاولى، رفعت يدها بتوتر تلامس لحيته الخفيفه ليدغدغها شعره القصير لتبتسم و شعور غريب يغزوها، تحركت بأصابعها على طول اجفانه متذكره كم من مره حاوطتها حصونه السوداء لدرجه عجزها عن الهروب منها، ابعدت يدها و هى توبخ نفسها على ما تفعله و لكنها بفضول اكبر رفعت كفها تمررها بين خصلاته الطويله نسبيا، ثم عادت تضم وجنته مستمتعه بسكونه الذى منحها الفرصه لتشعر بشعور المسيطره و ان كان الامر لا يمت له بصله.

اقتربت بوجهها منه تمعن النظر لوجهه بطفوليه بعيدا تماما عن شعور الانثى او الخوف و النفور هامسه بخفوت شديد و انفاسها تفعل الاعاجيب بذقنه و مقدمه عنقه: انت ليه كده!، بترعب و بخاف منك و مع ذلك بتطمنى، اخترت ابعد عنك و مش ندمانه و مع ذلك مجرد ما بفكر انك ممكن تسبنى و تمشى بخاف اكثر، اتجوزتني صفقه طيب ليه متمسك بيا كده!، ليه بحس نفسى قويه جنبك قوه انا عمري ما عرفتها!، ليه بتبقى اوقات حنين جدا و اقات مفيش اقسى منك!، ليه دايما بهرب منك و للاسف بهرب ليك؟

تنهدت بخفوت و سحبت يدها عن وجنته بهدوء لتنهض مسرعه بعدما لاحظت مدى سذاجه ما تفعله، و لكن ثقل انفاسه جعلها تنظر مجددا لوجهه لتجد حصونه السوداء تحاوطها باستمتاع و نظراته داكنه بشكل اخافها، صدره يعلو و يهبط بعنف شديد و هى بغباءها لم تكن مدركه لخطوره ما تفعل.

و قبل ان تبتعد، تتحرك، تتحدث او حتى تبدى رد فعل كان يسحب يدها اليه و بيده الاخرى يحاوط جسدها ليلفها واضعا اياها على الفراش و هو ينحنى ليطل عليها من عليائه، نظراته تحاصرها و اسهمه ترفض تحريرها، شهقه فزعه فارقت شفتيها ليتابع هو محل خروجها و انفاسه تزداد تهدج و اللوم عليها هى من تلاعبت به و ما اسوء ما فعلت، اختفت انفاسها تماما و هو يتحدث بنبرته الرجوليه المسيطره: انتِ سايبه مليون حاجز بيني و بينك، سايبه خوفك يسيطر عليكِ، بتبعدي عني و بتهربي مني بدون اسباب، بدل ما تسألينى إسألى نفسك و وقتها هتلاقى اجابه سؤالك.

تعلقت عينها بعينه و هي تشعر انها مخدره بشكل ما، لا تستطيع الحركه و لا تسطيع الكلام فقط تاهت في حصونه التى تراها بقرب هكذا لاول مره و لا تعرف ما السبيل للتخلص منها، هو رجلٌ و من يلومه على مشاعره، ثورانه و رغبته الان ظالم و كانت هى اقسى الناس ظلما له، عندما رفع يده ملامسا وجنتها بهدوء و تلقائيا اغمض عينه ليشعر بشعور انتظر كثيرا للشعور به، فأيقظه من التيه في خضم رغبته صوتها المنتفض النافر: ابعد عنى.

تتذكر صراخه بها، تتذكر تقليله لشأنها، تتذكر تمزيقه لذكرى والدتها، تتذكر اتهامه لها و كسر اطار صورتها و تلطيخها بوحل لتحمل اثر قدمه للابد، تتذكر ليلتها في المشفى بسبب غضبه، تتذكر استهانته بما تحمله من وجع عندما اخفى الحقيقه عنها و اخيرا ما فعله بها ذلك المساء و ما اوصلها اليه.
كيف تتحمل اقترابه منها؟
كيف تنسى ما الحقه بها؟
لا يا سياده النقيب فهناك ندوب لا تُمحى بسهوله و لن تُنسى وقتما تشاء.

شعر بيدها تدفعه بقوه و انفاسها تتسارع بغضب ففتح عينه و هو متيقن انها تتفنن باشعال نيرانه و لكنها لا تخمدها و يبدو انها لا تنوى ان تفعل ابدا، و لكن نفرت عروقه بغضب عندما رأى النفور جليا و هى تصرخ به مجددا و يدها ترتجف على صدره مبتعده بنظرها عنه، فقبض على معصميها بغضب ليثبتها على الفراش مقتربا بجسده منها اكثر صائحا بفوره غضبه التى يبدو انها ستأتى بنهايه لا تحمد عواقبها: ايه اللى دخلك الاوضه لما مش عاوزانى اقرب منك؟، جاتلك منين الجرأه انك تقربى و تلمسينى بالشكل ده؟،.

ثم اضاف بسخريه حملت بعضا من استحقار اصابها في مقتل: ايه بتتسلى و لا عاوزه تجربى!
و مال بوجهه عليها بشكل ارجف جسدها اسفله و هو يقول من بين اسنانه: ابعد ليه بقى ما انا ممكن اشرحلك بضمير.
اتسعت عينها و هى تحملق فيه برعب كاد يوقف قلبها، فا اغرورقت عينها بالدموع تهمس بشفاه مرتجفه و الخوف بعينها، مزق قلبه: انت، انت وعدتنى.

و ادرك ما يقول، يفعل و الاسوء ما كان على وشك فعله و لكنه بالتأكيد لم يكن سيفعل و لكنه ببساطه منحها سببا اخر لكرهه بمجرد تفكيرها بما كان على وشك فعله.
ضغط على معصمها بقوه فشهقت هى بألم و هو ينهض مبتعدا عنها و اشار للباب و عرقه الاسود يشتعل لاقصى درجاته غضبا: اطلعى.

اشاح بنظره عنها فحتى ان كان يدرك بعض ما عانت، حتى ان كان يفهم سبب ما تحمله من خوف، و ان كان يشفق عليها و يمنحها العذر لكن كرامه ابن الحصرى فوق الجميع حتى رغبته و مشاعره بل فوق قلبه و ان عارضه سيدوس عليه دون ادنى تفكير.
نهضت مسرعه و ان بدت حركتها متردده وقفت بارتباك تنظر اليه و لملامحه الغاضبه فصرخ بها: اخرجى.

و دون اى تفكير انسحبت خارجه من الغرفه لتدخل غرفتها مغلقه الباب خلفها لتستند بظهرها عليه لتلتقط انفاسها، دفع الباب مغلقا اياه بقوه كبيره، ضاربا يده بالحائط عده مرات متتاليه لدرجه شعوره بعظام يده تصرخ به ليرحمها.
و لكن ماذا يكون وجع يده بالمقارنه مع جرح رجولته و ألم قلبه، ماذا تريد؟
دخلت غرفته، لامست وجهه، اشعلت كل جزء من جسده رغبه بها و في النهايه تذكره بوعده!

شد على شعره بقوه يحاول كبح غضبه، هي تعبث به، تستمتع بالعبث به، و لكن ليس ابن الحصري من تعبث به إمرأه.
خائفه قلقه متردده و ليكن سيتحمل ذلك، لكن ان تبعثره بهذا الشكل.
تجعله يتوهم وصوله للجنه ثم ببساطه تجعله يكتشف انه مازال في قاع الجحيم.
هى جنه من يقترب منها يحترق كما لو كانت الجحيم.
أيفعل به كل هذا، حب؟!
لا، لعنه الله على ذلك الحب الذي يجعل منه شخصا ضعيفا، يجعل منه مشتتا.

عن اي قسوه تتحدث و هى لم تري شيئا منها بعد.
رساله صغيره منه اليها، فا لتتق ناره لانها لن ترحمها، لتتق غضبه لانه سيؤلمهاا، و لتتق جنونه لانه سيحطمها، و هى كالزجاج تماما سهله الكسر على الرغم من ان نصالها تؤلم.
فكفي لهذا الحد، حقا كفى.

خلاصه القضيه توجز في عباره، لقد لبسنا قشره الحضاره و الروح جاهليه.
نزار قبانى
صوت يُزمجر، يقذف بالاشياء هنا و هناك، يضرب بعصاه الارض و هو يصرخ بصوت تتحرك معه الجدران و زوجته تتطالعه بريبه و قلق: كِيف حوصل إكده؟ كِيف بِت وِلدي تتجوز وِلد الشرجاوي، عز فجد عجله، ده اتجنن عاد ميعرفش إني مش هوافج على الجوازه دى واصل!، ولدى خرج عن طوعى و ميفرجش معاه كلمتى عاد و لا ايه!

و كعاده الزوجه المصريه الاصيله تحاول تهدئه بعلها الثائر و ان كانت ترى في غضبه تضخيم للامر: صحتك يا حاج مش إكده، كل وعره و ليها حل عاد.
و كعاده الزوج المصرى صاحب الرأس اليابس الذى يرى في زوجته منفذ لكل غضب به صاح بها بعنف: كِيف اهدي، وِلدك اتجنن و مبجاش فيه عجل يفكر، انا مينفعش اسكت على اللي حوصل.

شرد بتفكيره بعيدا و هو يتذكر ذلك الخلاف بينه و بين مدحت الشرقاوي متمتما بعوده لخلافات الماضى: مدحت كمان مهيسكتش و الله مهيسكتش، هيحرج الكل، اللي حوصل زمان هينعاد، هنخسر ولادنا من تاني و المرار اللي دجناه زمان هيدجوه ولادنا دلوجت، ولدك بينبش في الماضى.

و قد كان، قاطع تفكيره الشارد صوت هرج و مرج بالخارج ليفاجئ بباب منزله يُفتح بقوه ليدخل رجلين مفتولي العضلات و من خلفهم رجل تحاوطه الهيبه، جسد ضخم و عريض، شعر غطاه الشيب، تشتعل عينه بالجحيم، و بيده عصاه العاجيه ليضرب بها الارض مع كل خطوه يخطوها.

وقف مدحت الشرقاوى امام امين الحصرى و وضع عصاه امامه مستندا عليها بكفيه، نظر كلا منهما للاخر لحظه ثم هتف مدحت بثبات و جبروت معروف به: ولدك بيلعب بالنار يا وِلد الحصرى.
و لم يكن امين بأقل منه عندما امتلئت عينه بغضب مماثل بل اشد هاتفا بزوجته دون ان يحيد بنظره عن الواقف امامه: ادخلى جوه يا حرمه،
ثم اردف بقوه ابناء الحصرى: و ولدك دوره فين؟ و لا لامؤاخذه ملهش لازمه.

ضرب مدحت بعصاه ارضا بعنف ليصدر صوت عالى هاتفا بتحذير: انتبه لحديتك يا امين، عيله الشرجاوي كِلياتهم رجاله ولاد رجاله.
و بابتسامه ساخره و نظره تشمله بتهكم اجابه امين معلنا التحدى اللامشروط: هو الايام دي الحريم اللي بيطلبوا الرجاله و لا ايه يا وِلد الشرجاوي!
ثم اضاف بتوضيح ربما غفل عنه الاخر رغم وضوحه: انت حفيدك اتجدم لحفيدتي فاهم عاد ولا لاه!

ازداد غضبه شاعرا بضعف موقفه فإن كان عز قد اخطأ بالموافقه فيبقى الخطأ الاكبر على ولده و حفيده.
و هنا ثار معلنا عن قراره بقوه مخفيا ضعف موقفه بجداره: أني هسافر البندر و حفيدى هيبعت ورجه الطلاج لحفيدتك، لازم يطلجوا.
و وافقه الاخر متمتما بثقه: تجدر تعتبر حفيدتي وجعت على ورجه طلاجها، المهم حفيدك يعجل بالموضوع ده، خلينا نُخلص.
و نظرات تحدى صارخه ليمد مدحت يده مصافحا هاتفا بثبات: اعتبره حوصل.

صافحه امين و أومأ برأسه مؤيدا: يبجى اتفجنا.
و خلف باب الغرفه المطلع على الصاله، وقفت زوجه امين تتابع ما يحدث متمتمه بحسره: امركم عجيب تتفجوا تخربوا بيوت عيالكوا بدال ما تتفجوا لتعمروا العلاجات مره تانيه يا عيب الشوم عليكم رجاله ناجصه.

لا علاقه لى بنواياك الحسنه حين تكون أفعالك سيئه و لا شأن لى بجميل روحك ما دام لسانك مؤذيا.
نجيب محفوظ
في الصباح استعد للرحيل، عاندت هى، غضب منه، عناد منها، حتى صرخ بها مجبرا اياها على العوده معه و قد كان.

و اهتماما بما قد يسعدها قليلا تحرك باتجاه منزل صديق والدها لتراه قبل رحيلهم و بالفعل، تراقصت نبضاتها سعاده و هى تراه، اسرعت اليه فقبل رأسها متذكرا فتاه العشر سنوات التى كانت تمرح معه ها هنا، تلك الفتاه التى لمع عسل عينها دائما بالسعاده ليراها الان و قد انطفأت كل سعادتها و تبدلت خوفا و ذبولا.

حوار طويل، ضحكات من قلبها ربما فارقتها لوقت طويل، حنين لايام مرت، ذكريات جعلت دموعها تتناثر على وجنتيها ثم متابعه منه لنظرات عاصم اليها ليتمتم بغمزه هامسا: واضح انه بيحبك، باين في عينه قوى، حافظي عليه.
اختفت ابتسامتها تماما و كلمته يتردد صداها بأعماق روحها.
حب!
اكثر كلمه تخشاها و ترفضها بحياتها.
اكثر شعور يمنحها خوفا و جبنا لا تتحمله.
اكثر ما يجعلها تهرب بعيدا اى كانت النتيجه.

شعور ارتبط معها دائما بالفقد و ابدا مهما صار لن تسمح للامر بأن يتكرر.
و لكن مهلا، كيف رأى شعور كهذا في عين ذلك المتعجرف؟
كيف يشعر بالحب و هو حتى لا يحمل قلب؟
كيف يحبها و هو لا يتفنن سوى في كسرها؟
كيف يحبها و هو لا يمنحها سوى حزن و يجبرها دائما على ذرف الدموع؟
فالله خلقه ليغضب و يتعجرف و خلقها لتخاف و تهرب، فقط.

ابتسامه ساخره زينت ثغرها متجاوزه الامر مانعه قلبها من الشعور و عقلها من التفكير فلا حاجه لها حقا بأمر اخر تخاف منه، له و عليه.
انتهت الزياره سريعا و صعدت للسياره معه عائده لمنزل العائله و قد لمت بالحقيقه تماما، الان تعود لتكون بجوار عائلتها.
و ماذا يخبئ لها القدر بعد لا تدرى.
لم يعد يتعجب صمتها في حضرته فابتسم بهدوء متذكرا ما اخبره به والده مساء امس و تمتم: على فكره عندنا فرح في العيله قريب.

انتبهت لصوته ناظره اليه بتعجب هامسه باقتضاب: فرح مين؟
و اجابه بسيطه منه: فرح ابن عمتى.
صمتت قليلا و هى تسترجع ذكريات ذلك اليوم، تلك الصفعه و تلك المرأه لتهمس بضيق ظهر جليا في نبرتها: هو انا لازم احضر الفرح ده؟
رمقها بطرف عينه مغتاظا: انتِ مراتي و حتى لو بينك و بين نفسك بتهربي من ده، انتِ لازم تتصرفي على الاساس ده و لازم كمان تفتكرى كويس انك خلاص فرض من العيله و كل اللى يخصنى يخصك.

عقدت ما بين حاجبيها مستنكره بضجر: بس عمتك اصلا مش بتحبنى.
ابتسم بتهكم مجيبا: و لا بتحب حد، عادى يعنى.
تسائلت بتعجب: ليه كده؟
صمت قليلا ثم انهى الحوار هاتفا: مواضيع ملهاش لازمه، متشغليش بالك.

صمتت هى الاخرى و هى تفكر ماذا من الممكن ان يكون قد حدث بالماضى لتصير حياتهم بهذه الصوره و ماذا فعلت العائله لاهلها و ماذا فعل والدها ليحاول جدها قتلها، ماذا و ماذا و ماذا و الكثير من علامات استفهام لا اجابه لها سوى الانتظار عله يأتى يوما ما باجابه مرضيه.

الغيره تشوش العقل، و لا تسمح بالتفكير المتعقل، مثلها مثل الخمر.
ماريو بارغاس يوسا
كفايه كده بقى، بقالك كتير.
هتفت بها حنين بغيظ و هى تحدثه هاتفيا فوصلها ضحكته متمتما: دول هما كام يوم يا مفتريه.
لتجيبه بدلال يليق جدا بها: كتير برده.
ليستكين في جلسته مستمتعا بحديثها المدلل متسائلا بخبث: وحشتك يعنى و لا ايه؟
لتستقر على فراشها هى الاخرى مبتسمه بمكر قبل ان تجيبه محاوله كبت لهفتها: شويه.

ضيق عينه بغيظ و هتف مقررا العبث قليلا: خلاص هرجع لما اوحشك اكتر،
ثم اضاف و هو يثير غيرتها بجداره و يا ليته لم يفعل: و بعدين الصراحه مديره الشركه اللى متعاقد معها صاروووخ يا حنين، و الوقت معاها لطيف جدا.
و سرعان ما تراقصت الشياطين امام عينها تتخيله يتابع حركه اخرى،
يبتسم لها و تبادله الامر، يتحدثون، يتصافحون، يضحكون و ربما يستمتعون سويا.
و هى هنا كالحمقاء تشتاقه، هى هنا تنتظره و هو هناك يستمتع!

و ابدا لن يدرك جنس ادم انه لا يجب ابدا ان يقترب من غيره بنات حواء لان الامر لا تُحمد عواقبه.
و قد كان عندما تلاحقت انفاسها صارخه: بتقول ايه يا فارس؟
ثم سرعان ما اصابها حاله لااراديه من التفكير متمتمه بغضب: اه علشان كده بقى مش عاوزنى اشتغل!
عقد ما بين حاجبيه متعجبا و هو يهمس باستنكار: و ايه اللى ربط ده بده دلوقت؟

صاحت بكلمات هوجاء: ما حضرتك عارف جو الشغل بقى، المديره صاروخ و سيادتك مستمتع، خايف اكون مكانها مثلا او ابقى مصدر استمتاع لحد في شغلى علشان كده رافض.
و قبل ان تمنحه فرصه الرد هتفت بتذكر: علشان كده كنت بتقول انتِ متعرفيش جو الشغل، مش هتتحمليه، انا مش هرضى بتعامل مع رجاله، طبعا ما انت عارف جو الشغل كويس، صح يا فارس!

ذهول جمد اطرافه و هو يستمع لها و فور انتهائها بهدوءه المعتاد تسائل بسخريه: انتِ اتجننتِ صح؟ انتِ متخيله انى ممكن اعمل كده؟
صمتت قليلا تستوعب ما قالت فعاد يتمتم بحده مندهشه: هى دى ثقتك فيا! ممتاز قوى يا مدام حنين.
عمل عقلها سريعا مدركه ان الامر لم يكن سوا رغبه منه في اثاره غيرتها ربما تخبره عن مدى اشتياقها لترتفع يدها تضرب جبينها بيأس فكيف واتتها هكذا افكار، حقا لا تدرى؟

و بمجرد ان وصله صوتها بعد صمت دام دقائق: فارس انا..
قاطعها منهيا الحوار فهو حافظ على هدوءه و لكن فوران قلبه من كلماتها لن يصمت كثيرا فقط يحتاج بعض الوقت ليهدأ فتمتم بلامبالاه: انا عندي شغل.
اسرعت تمنعه قطع الاتصال: انت قولت انك فاضي ساعتين.
مردفه باعتذار على تسرعها و تفكيرها الذى جمح بعيدا: متزعل...
قاطعها مجددا بخشونه: عندى شغل يا حنين سلام.
و انقطع الخط.
من المخطئ، هو ام هى ام كلاهما؟!

هو احمق عندما فكر ان اثاره غيرتها بامرأه اخرى ستأتى بنتيجه ترضيه.
و هى اكثر حماقه عندما صدقت مزحته و ارتفع صوتها عليه.
هو اخطأ لانه اتقن الكذب، و هى اكثر خطأ لانها صدقته.
فمن الملام و علام يُلام!
حاولت مهاتفته و لكن لم يُجيبها، مرات عديده و لكنه لم يمنحها الرد و كعاده كل من تعلق قلبها بزوجها جلست تضم الهاتف لصدرها تبكى بانتظار ان يُجيبها.

غافله عن حقيقه ان زوجها من هؤلاء الذين وقت الغضب لا يُتحدث معهم بل فلتتركه قليلا يهدأ و سيحدثها و لكن لا، رفعت هاتفها مره اخرى مهاتفه و لكن لا رد فبعثت برساله و جلست تبكى منتظره الرد بعدما منحته ما يرغب به و يصر عليه منذ زمن عله يسامحها.

القى بجسده على الفراش ففرسته الجامحه افسدت عليه خطته و مفاجأته لها و قد قرر العوده اليوم و لكن بعد ما قالت من الافضل الا يعود الان، ارتفع رنين هاتفه و لكنه لم يأبه به حتى بُعثت رسالتها.
رفع الهاتف امام وجهه يقرأها انا اسفه، انا بحبك قوى و و الله بثق فيك جدا، متزعلش منى يا فارس و كلمنى.

انفردت عقده حاجبيه و رغما عنه ابتسم، ثم اتسعت ابتسامته لتصبح ضحكه واسعه حتى سقط الهاتف من يده فوق انفه لينهض صارخا بألم متمتما بغيظ: يا بنت المجنونه.
و رغما عنه هاتفها فهو مدركا انها تجلس الان تبكى بانتظاره، رنين، رنين ثم اتاه صوتها ليصرخ بها: انتِ ايه يا حنين؟ انتِ حد وصاكِ عليا تجننينى؟

و وسط شهقاتها المتتاليه و صوتها المكتوم عبست بخجل فأغلق عينه و زُينت ملامحه بابتسامه عاشقه فعادت تقول و اختناق صوتها يزيد: انا مكنتش اقصد و الله، انا بس..
صمتت تبكى بصوت مكتوم فزفر بقوه مناديا اسمها بحده نسبيه لتتوقف و لكنها اردفت: انا بحبك و الله يا فارس، بحبك قوى.
اغلق عينه قليلا يستمع لصوت بكاءها ثم هتف بحده: اقفلى يا حنين.

ازداد بكاءها مدركه انه لن يسامحها و لن يمرر لها الامر مرور الكرام، و حاولت اثناءه عن ذلك و لكنه لم يستجب هاتفا و هى تستمع لصوت حركه غير اعتياديه حوله: انا قولت اقفلى و هكلمك كمان شويه.
و مجددا اغلق الخط، لتنظر للهاتف ببكاء ثم ترميه بعيدا لتُلقى بجسدها على الفراش منتظره ان يهاتفها مشاكسا و مغيظا كعادته و لكن هذه المره يبدو انها ستنتظر كثيرا او ربما هكذا اعتقدت.

وقفت مها تحاول ان تعد طعام الغداء و لكنها كالعاده فشلت، فهى ابعد ما يكون عن امور المطبخ و خلافه، عاشت في منزل والدها معظم سنوات عمرها لا تفعل شئ فقط تتكفل زوجه ابيها بالامر و صدقا لم تكن تحملها عبء ما تفعله لها ابدا.
قضت وقتها في دراسه، ابحاث، مشاريع متعدده و دراسات شتى، مهندسه و استحقت اللقب بجداره كبيره.

و رغم ذلك مقدار ثقتها بنفسها لا يساوى واحدا صحيحا، ترى نفسها – رغم خطوره جمالها – ناقصه، - رغم نجاحها و مكانتها – انثى مزيفه.
انثى فقدت صوتها و لا مجال ليعود، تعجز عن التحدث، المناقشه، الغناء حتى الصراخ.
انثى تشتاق لتشعر بنفسها مكتمله و لكن كيف لعاجزه مثلها ان تفعل.
لم تتحمل الحياه ها هنا، الحياه بين اشخاص يذكرونها باستمرار بعجزها.

اشخاص يعيرونها و يبتعدون عنها و الاسوء ينفرون منها فقط لانها بكماء و كأن الامر مرضٌ معدى.
و اولهم و اقساهم والدتها، تلك السيده التى لم تعرف يوما معنى حضنها، لم ترى منها يوما ابتسامه حنون، لم تشعر بها يوما أم.
شهقه مكتومه، انتفاضه مرتعبه ثم منشفه بجوارها تحاول بها اطفاء النيران التى اشتعلت بتلك المقلاه امامها.

خمدت النيران و معها تراجعت هى للخلف بهلع تلتقط انفاسها و هى ترمق المنظر امامها حتى ارتفع صوت والدتها بالخارج فركضت لتسمعها تقول بغضب لوّن عينها: انت بتقول ايه يا بابا؟ عز اكيد اتجنن، ازاي يوافق على حاجه زي دى؟!
صمتت قليلا تستمع لحديث والدها ثم تمتمت و هى تضيق عينها بغل اسود: حاضر يا حاج، زى ما تحب، مش هتدخل طبعا بنته و هو حر.

و انهت الحوار بسلامات سريعه ثم حدقت باللاشئ امامها متمتمه بهمس و طبيعتها الساديه تقودها: بقى بعد كل اللى عملته زمان، يجى شويه عيال يخربوا كل حاجه.
ثم ابتسمت بخبث و عينها تلمع بشرر و قد اتخذت قرارها الذى ستجد به قمه استمتاعها و رياً لطبيعتها العنيفه الكارهه: بس ميبقاش اسمى نجلاء ان ما ولعتها من اول و جديد.

اقتربت منها مها بحذر و بمجرد ان رأتها نجلاء هتفت بحده و هى تتحرك من امامها: لمى هدومك و جهزى حاجاتك كلها علشان هنمشى من هنا.
بحه مكتومه و صوت لا يخرج و هى تنادى باسمها ثم ركضت بعجز لتقف امامها مشيره بتعجب في ايه يا ماما، هنروح فين؟
جذب يد، ابتعاد خطوه للخلف ثم نظره نفور احرقتها و كلمات اشعلت روحها: انتِ عارفه انى مابحبش شغل البكم دا، انجزى و اجهزى و بلاش و النبى اشارات عبيطه مبفهمهاش.

و تركتها و رحلت و ندبه اخرى تصيب قلب ابنتها دون ان تأبه، ظلت مها تحدق بمكانها الفارغ لحظات و دموعها تتساقط على وجنتها ثم اغلقت عينها متحركه بخطوات متثاقله لغرفتها، تجلس على فراشها تضم جسدها بألم اكتنف روحها.
ما ذنبها في حرمانها من صوتها!
ما ذنبها لتكون تلك المرأه والدتها!
ألا يُقال ان حضن الام وطن فما بالها تشعر بالغربه!
ألا يُدرس مدى حنان الام فما بالها لا تنال سوى القسوه!

ابتسامه خفيفه زينت وجهها عندما تذكرته، قوتها الفعليه تتمثل به، حضنه كفيل باخفائها عن هذا العالم، و كلماته دائما ما كانت بلسم لروحها، علمت بسفره و ها هى تنتظره لتنال قسطها من السعاده بين ذراعيه و تحت مظله حبه، اهتمامه و قوته التى دائما ما تحتمى بها.

الطموح
كلمه من سته احرف يحمل كلا منهم معنى اكبر بكثير من مجرد حرف.
الالف، أمل في الغد.
اللام، لمعه النجاح في المستقبل.
الطاء، طوفان يسكن القلب و يلهب العقل حتى يتحقق.
الميم، مركب تتأرجح على موجات هائجه حتى تصل للشاطئ.
الواو، وعد بالقوه، الثبات و العزيمه المغلفه باراده قويه.
الحاء، حلم يستحقه فقط من يتمسك به.

و هى كانت خير من يتمسك بحلمها، هدفها و طموحها الجبار، صعدت الدرجات لتقف امام غرفه والدتها بالمشفى طرقات سريعه و لم تنتظر الرد و دلفت مقتحمه الغرفه لتتسمر مكانها و هى ترى مجموعه من الاطباء مجتمعون على طاوله كبيره في جانب الغرفه، تمتمت باحراج و هى تسحب الباب: انا اسفه.
اشارت لها ليلى بالانتظار هاتفه بجديه: ادخلى يا سلمى،.

و اشارت على مكتبها لتتقدم سلمى بثبات للداخل مغلقه الباب خلفها تنتظر انتهاء اجتماع والدتها، تشرد فيما نوت عليه فعاصم سيعود اليوم و لن تؤجل هى الامر لاكثر من هذا.
فما الخطأ في رسم مستقبلها بنفسها دون انتظار من شخص ما ان يفعل!
ما الخطأ ان قررت ان تخرج لسوق العمل لتفوز بخبره ستكون من اغلى كنوز حياتها!

ما الخطأ ان رأت مشاريعها، افكارها و خبرتها النور لربما تصبح في يوم ما امرأه ذات شأن عظيم لتكون فخرا لرجل و اطفال فيما بعد!
ما الخطأ ان فقط ارادت و حتما ستنفذ ارادتها مهما يكن!
ابتسمت بخبث متمرد و لكن ابتسامتها اختفت فور ان صاحت والدتها بها: حد يدخل بدون استئذان كده؟
و برفعه حاجب مستنكره هتفت و هى ترفض الاعتذار مره اخرى فكفى انها فعلت مره: هو انا يعنى كنت اعرف..

حدقت بها ليلى قليلا ثم اعتدلت تنظر في تقرير طبى لمريض ما امامها متسائله: خير، جايه ليه؟
ابتسمت سلمى و هى تعتدل بخبث هاتفه باقرار: شغلى.
اغلقت ليلى التقرير بغضب هاتفه بنفاذ صبر: تااانى يا سلمى، يا بنتى لا باباكِ و لا اخوكِ هيوافقوا، انتِ ناسيه انا عملت ايه علشان اشتغل و بعد كام سنه من جوازى!

احتدت عينها بتمردها صائحه: و انا مستحيل هتقبل دا يا ماما، دا انا يجرالى حاجه ان فضلت قاعده في البيت كده، انا من حقى اختار مستقبلى هيبقى ازاى!، انا مش ضامنه الراجل اللى هتجوزه دا هيبقى ايه؟ انا لازم اعتمد على نفسى و دا من حقى على فكره.

صمتت ليلى قليلا و هى ترى العناد يلون عين صغيرتها و شغفها بحياه العمل يعميها تماما، تفكير، تفكير ثم ابتسامه هادئه و تقبلت الامر فهى تُدرك جيدا ان ابنتها جديره بحياه العمل: اقنعى باباكِ و لو قدرتِ يبقى الموضوع محلول.
ضحكت سلمى بخبث و هو تُكمل ما بدأته والدتها: و لما عز باشا يقتنع هيقنع عاصم او يسكته لان طبعا كبير البيت قال كلمته، هو ده الكلاااااام.

طرقات هادئه على الباب، اذن بالدخول و دلف طبيب يستأذن القليل من وقت ليلى، فنهضت سلمى هاتفه بابتسامه واسعه: خلاص هسيبك تشوفى شغلك و اروح انا اظبط بابا، قصدى يعنى اقنعه،
ضحكه ماكره ثم استئذان و رحيل.

بعيدان نحن و مهما افترقنا
فما زال في راحتيك الامان
تغيبين عنى و كم من قريب
يغيب و ان كان ملء المكان
فلا البعد يعنى غياب الوجوه
و لو الشوق يعرف قيد الزمان
فاروق جويده
تجلس بغرفتها تنتظر اتصاله، تشتاق لصوته، تحتاج اليه و اه لو كان بامكانها رؤيته الان.

انتفضت و الباب يصدر صوتا عاليا اثر اصطدامه بالحائط بعدما دفعته شذى بغضب صارخه: ماما في الشغل و بابا نزل الشركه و سلمى طفشت و عاصم و سندريلا مش هنا و حضرتك قاعده في اوضتك و قافله عليكِ و انا بقى المفروض اخبط دماغى في الحيط و انا قاعده لوحدى كده...
ثم اتجهت اليها جالسه امامها واضعه يدها على رأسها هاتفه بدراميه مصطنعه: يا عينى عليكِ يا شذى كبروكِ بدرى بدرى لحد ما شعر راسك شاب.

طفوليتها، نبرتها و حديثها الدرامى اطلق ضحكات حنين رغما عنها فابتسمت شذى تصفق هاتفه بمرح: اللهم صلى على النبى، ما انتِ بتعرفى تضحكِ اهه.
لكزتها حنين بكتفها صائحه بالمقابل: ايه يا شذى، انتِ بتشتغلى ايه بعد الظهر يا حبيبتى؟
هبت شذى واقفه على الفراش امامها واضعه يدها على خصرها محركه اياه برعونه هاتفه بضحكه ماجنه: رقاصه في شارع الهرم.
يا اخره تربيتي يانى، ضاع تعبك كله يا فارس، ااه يا قلبى.

تجمدت حنين مكانها فور رؤيتها له واقفا امامها بينما اندفعت شذى تحتضنه فرفعها لاعلى و هى تصرخ بمزاح: وحشتنى يا راجل اتأخرت عليا خالص، لا لا انا زعلانه.
ضحك فارس و هو يقبلها مجيبا اياها بود حقيقى: و انا مقدرش على زعلك، دا انتِ مهجه القلب.
اصدرت صوتا مستنكرا و هى تراوغ بخبث ابناء الحصرى: يا سلام، و لما انا مهجه القلب، حنين تبقى ايه؟

حانت منه نظره لها بطرف عينه قبل ان يُعيد بصره لشذى هامسا بصوت بالكاد يُسمع: دى القلب كله.
شهقت باصطناع دافعه اياه ليوقفها ارضا و هى تصرخ به: قول كده بقي، طيب نزلني يا عم انت هتتجوز واحده و هتاخد اختها هديه.
اوقفها ارضا ضاحكا بينما اكملت و هي تبسط يدها امامه قائله بحزم و غرور اجادته: لا، انا ست البنات و الف مين يتمناني بس انا اشاور،.

ثم اشاحت بيدها بمرح منهيه حديثها المتعجرف: اشبع بمراتك و سيبني اشوف طريقى.
قهقه فارس على حديثها بل و نظراتها المتلاعبه تلك الصغيره و مع ضحكته فقدت تلك الحزينه نبضاتها و هى تراقبه عندما صاح و هو يمسح بعنف بسيط على شعر شقيقتها الصغيره: يخرب عقلك انتِ بتجيبى الكلام ده منين؟
و برعونه تمايلت بخفه مردده: من جوه جوه جوه قلبى يا قلبى.

غمزه ثم قفزه سريعه و قبله مشاغبه على وجنته و هو يتابعها بعينه حتى خرجت من الغرفه، لحظات تمالك بها ضحكاته ثم استدار لتلك المتمسمره مكانها فاختفت ضحكته تدريجيا حتى جمع على وجهه كل ما يملك من غضب و هو يتذكر همسها بحبها له و اقترب منها خطوه و مع اقترابه اغرورقت عينها بالدموع و هو يهمس بعتاب محمل بشجن اشتياقه لها: من يوم ما اتجوزنا و انا نفسى اسمعها منك، يوم ما تقوليها تقوليها و انا بعيد عنك و كمان مضايق طيب يرضى مين دا يا ظالمه!

اقترب خطوه اخرى حتى وقف امامها مباشره محتضنا كتفيها بكفيه ناظرا لرماديه عينها باشتهاء لسماعها و لا مانع من تذوقها و تمتم بهمس اثار في نفسها الكثير: بتقوليلى ايه دائما؟!
تساقطت دموعها من فرط ما احتاجها من مشاعر، حزن، اشتياق، عتاب، خجل، و حب و همست بالمقابل تجيبه بكلماتها التى لا تتوقف عن قولها له ابدا: انت نصي التاني، انت حته منى، انت كنزي الغالى، انت ابنى.

تنهد بحراره رافعا يده واضعا اياها على وجنتيها يزيل دموعها قبل ان يهتف بقوه مشاعره اليها و هو يضمها لصدره: انا بحبك قوى يا حنين، بحبك قوى.
استكانت على صدره قليلا قبل ان يُبعدها عنه و يده تتسلل ببطء ليداعب ذراعها و بمجرد ان شعرت بلمسته عادت للواقع و الوضع من حولها، هى و هو، بغرفه نومها، بمفردهم، لا ترتدى سوى منامتها ذات الاكمام القصيره، و لا يوجد بالمنزل سواهم.

انتفضت بعيدا عنه بسرعه واقفه بجوار باب الغرفه، وجنتها تكاد تنصهر من شده خجلها و هتفت بصوت يحمل حده نسبيه و ان كان قلبها يعارض ما تقوله: لو سمحت يا فارس مفيش حد في البيت و وجودك هنا مينفعش. ان..

و قبل ان تردف استمعت لصوت والدها ينادى على ام على لتجهز قهوته و يخبرها عن وجود فارس معهم على الغداء، اذا والدها يعرف و قبل ان تنظر اليه جذبها هو مسرعا مغلقا باب الغرف بقدمه فشهقت و هى تصطدم بصدره لتنظر اليه برهبه تصاحب دائما اول أى شئ، سارت يده بدلال على ظهرها حتى تملك خصرها بنعومه لتزدرد هى ريقها بصعوبه و تحاول التملص من يده و لكنه لم يمنحها الفرصه و هو يميل عليها ليهمس بجوار اذنها: قوليها يا حنين، قوليها و طمنى قلبى، عاوز اسمعها.

حاولت تجاوز الخجل الذي يلفها لتتحدث و لكن صوتها أبى الانصات اليها و تحشرج اكثر، بللت شفتيها بطرف لسانها دون ارداك منها بمدي تأثير حركتها المتردده، الخجوله و أخرها المغويه عليه هو...

و بينما هى تفعل كانت عيناه تكتشف ملامح وجهها ثم تعلقت عيناه بشفتاها لتُثير في نفسه الكثير من الانفعالات فتنهد بعمق مخلفا وعده لنفسه مستندا بجبينه على خاصتها هامسا بصوت متهدج: كان نفسى اول مره تبقى في بيتنا بس مش قادر اصبر، استسلمت يا حنين.
و قبل ان تعي مقصده اوضحه هو ببساطه عندما مال بوجهه محتضنا شفتاها بخاصته، لتغيب معه في دوامه تعبر عن مدى قوه عاطفه كل منهما للاخر،.

ارتفع صوت والدها ينادى عليهم فانتفضت بين يديه تبعده عنها تستنشق الهواء بسرعه بعدما منعه عنها فعلا و احساسا و لكنها لم تجد في نفسها القدره على مواجهه عينيه الان و خيرا فعلت فلو رأت تلك النظره المستمتعه، العابثه و التى تشملها باشتهاء و احتواء لكانت اصابتها بسكته قلبيه مع ضحكه السعاده التى ارتسمت على شفتيه متلذذا بخجلها بين يديه، و صدق من قال الصبر يأتى دائما بخير ، و هو صبر عمرا، طفلا، مراهقا و شابا و ها هو يجنى ثمار صبره و من اشهاها، احلاها و اغلاها من ثمار.

ارتفع صوت والدها مجددا ينادى اسمه فانحنى يهمس بحوار اذنها: هسبقك، متتاخريش.

ثم رفع عينه ينظر اليها قليلا قبل ان يطبع قبله هادئه على وجنتها و يتحرك تاركا اياها تجلس على الفراش لتضع يدها على قلبها لتُهدأ نبضاته الثائره و انفاسها التائهه إلى الان، رفعت يدها تمررها بخفه على شفتيها لترتسم ابتسامه على وجهها سرعان ما اخفتها رافعه يديها الاثنتين لتضعها على وجهها تخفيه خجلا و قلبها يرقص فرحا و عقلها يغنى له.

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:
خير الناس انفعهم للناس
صدق رسول الله صلى الله عليه و سلم.
تتابع الطريق بصمت اطبق عليهم لساعات حتى توقف عاصم بالسياره امام احدى الاشارات، اعتدلت في جلستها عندما لمحت شاب صغير يبلغ من العمر ما يقارب خمسه عشر عاما، يجلس على رصيف جانبي للطريق يُمسك قدمه و يبدو على ملامحه الالم الشديد باندفاع ترجلت من السياره دون ان تتحدث و دون الالتفات لنداء عاصم باسمها.

اقتربت من الشاب الصغير مسرعه لتجد قدمه تنزف بلا توقف اثر جرح غائر بها، تجمدت الدماء بعروقها و منظر الدماء يعيدها لاسوء و ابشع كوابيسها، انتفض قلبها و هى ترى الوجع يتجسد بوضوع على وجهه فانحنت تجلس قرفصاء امامه فنظر اليها بطرف عينه ماسحا وجهه باندفاع كأنه يأبى ان ترى دموعه التى تساقطت من فرط ألمه، و نهض محاولا الابتعاد عنها فنهضت متعجله هى الاخرى و قبل ان تتحدث وجدت طفل اخر يهرول اليهم يحمل مجموعه من المناديل الورقيه، جذبه الشاب متحركا من امامها، يُجبر نفسه بالضغط على قدمه التى تركت اثارها بالدماء ارضا فلحقت به جنه مسرعه تهتف بلوعه: حرام عليك رجلك على الاقل اكتم الدم.

اشاح بوجهه عنها و بعزه نفس صاح: انا كويس.
اخرجت اموال و مدت يدها بها للطفل هاتفه و هى تنظر لقدم الاخر بألم: اشتري مطهر من الصيدليه.
مد الطفل يده ليأخذ المال و لكن الشاب زجره ساحبا يده بعنف صارخا بها: احنا مش بنشحت و مش محتاجين فلوس.
و كان حرفيا يجرجر اخيه خلفه و لكنها وقفت امامه مجددا هاتفه: طيب بلاش فلوس تعالي معايا اوديك المستشفى، رجلك لازم...
قاطعها متنمنعا: حضرتك احنا مش عاوزين حاجه.

تساقطت دموعا شفقه عليه: طيب اوقفلك تاكسى يوصلك مكان ما انت عاوز.
لم يجب الشاب و امسك يد الطفل ليغادر ففوجئ بعاصم امامه، نظره متعجبه من الشاب يقابلها نظره هادئه من عاصم قبل ان ينحنى قليلا رابتا على كتفه و على وجهه ابتسامه بسيطه متمتما مدركا جيدا لمعنى عزه النفس الذى يتمسك بها هذا الشاب الصغير: طيب انا مش هديك حاجه ببلاش كده انا هخليك تردها ايه رأيك؟

نظر اليه الشاب لحظه قبل ان يتحدث بجديه متمسكا بموقفه: شكرا انا هقدر اتصرف.
و لانه لا يعرف معنى كلمه تحايل، امسك بيد الشاب واضعا بعض الاموال بها و قبل ان يعترض تحدث عاصم بهدوء لاول مره تراه جنه به: الفلوس دي دَيّن عليك لما تلاقي حد محتاج مساعده رد الدَيّن و ابقي قوله وقتها ان مساعدتك ليه دَيّن و لما يلاقي محتاج يبقى يرد الدَيّن و بكده هنساعد بعض من غير ما نحس اننا بنيجي على كرامتنا و لا كرامتهم...

ثم وضع يده على كتف الشاب قائلا: حبيبك النبي بيقول مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ و كمان قال وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيه . اتفقنا يا كابتن؟!

نظر اليه الشاب بعدما ترقرقت عينه بالدموع محاولا بشده عدم السماح لها بالهطول و اومأ برأسه ايجابا، بينما انخفضت جنه جالسه بجواره على الرصيف نازعه ذلك الوشاح على عنقها و قامت بلفه على قدمه، اوقف عاصم تاكسي و ادخلهم به و اخبر السائق بتوصيلهم للمشفى.

و لمنعها من اى رد فعل عاطفى لا يريده، حزن منها او ربما بكاء و خاصه بعدما رأى تلك الدموع حبيسه بعينها، صرخ بها معاتبا و غاضبا، يوبخها و لكنها خالفت توقعه و صمتت.
نظرت اليه و لاول مره لا يرى بعينها حذر، خوف او نفور.
بل نظره متعجبه، متفحصه و متسائله.
و بينما هو يحاول فهم نظرتها اليه كانت هى تعانى الامر نفسه و لكنها تحاول فهمه او ربما فهم شعورها.

احساس بالامان غريب يحاوطها و اكثر ما تخشاه و تتعجبه انه بجواره هو.
هو من تفنن في إيلامها كيف ساعد في تخفيف ألم اخر؟
هو من ترك بقلبها و روحها ندوب مازالت الى الان تؤلم كيف حاول تضميد جرح اخر؟
هو من لا يعرف سوى الصراخ، الغضب و القسوه، كيف تحدث بهدوء، حنان و خفه مع اخر؟
هو من معها كيف يكون مع غيرها اخر؟
من هو؟

اغلقت عينها تُريح رأسها على المقعد تتذكر كل ما مر بها معه من مواقف، ابدا لم ترى منه لين او حنان، فلماذا تشعر بمثل هذا الاطمئنان بجواره الان!
و نبضات قلبها منحتها اجابه شبه صريحه بانها ربما اعتادت، تعلقت او احبت.
و لكنها انكرتها ببساطه فهى ابدا لن تسمح لتلك الكلمه – الحب – بالدخول لحياتها ابدا، ابدا لن تسمح و لكن هل للعقل على القلب من سلطان و يا ليتها تعلم.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة