قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل السابع عشر

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل السابع عشر

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل السابع عشر

اضعف ما قد تواجه المرأه القويه هو الحب
فيه تنسى قوتها و تسير خلف دروب احساسها الذى دائما ما يمنحها سعاده حقيقه مختلفه عن كل ما اسعدتها به قوتها.
و هى ليست فقط قويه تحب بل هى عاشقه حد النخاع و اميرها كان المنتظر، احساسها الان يعادل احساس السندريلا بالامير بعد ما اصابها من يأس.
تسير بجواره، تختار ما تريده في بيتها معه، تحدثه، تضحك، تتحمس و هو يشاركها بوجوده و ان كان لا يفعل شيئا.

تعرف انه لم يحبها بعد، لم تصل لقلبه مثلما هو بقلبها، لم تصبح اهم و اغلى من بحياته و لكن يكفى انه يعاملها كما لو كانت ماسه غاليه، يعاملها كما تُعامل الملكات بل اكثر، عيناه تائهه، حديثه مبعثر و لكن يكفيها انه بجوارها.
و بينما هى تسير بسعاده ترسم بقيه احلامها التى ستتحقق خلال يومين، كان هو يطالع كل ما به تاء تأنيث من حولهم.
خصلات هذه، صوت الاخرى، ضحكات تلك، و جسد الاخيره.

رصدت عينه كل حركه لبنات حواء، يمنح ابتسامه طفيفه فيحصل على مثلها.
غمزه خفيه فينال ضحكه واسعه، قبله سريعه فيحصل على المقابل فورا و هو يدرك جيدا لمن و متى يرسل عبثه و هو متيقن الاستجابه.

شدت هبه على يده هاتفه و هى تشير لاحدى المحلات تخبره بأمر اعجبها فجاء محمود ركضا من خلفها يصرخ بنفاذ صبر بينما معتز يقف بدون اهتمام: لا كفايه، كفايه يا هبه الله يكرمك انا عندى ميعاد مع المهندس اكرم مينفعش اتأخر، كفايه النهارده.
و هنا توقفت هبه تزفر بضيق: الفرح بعد بكره يا محمود و لسه في حاجات كتير ناقصه.

تقدم منها معتز ممسكا يدها بابتسامته التى تمحى من قلبها كل قلق متمتما بغمزه مشاغبه: هنكمل اللى ناقص بعد الفرح يا فلتى متقلقيش، اللى انتِ عاوزاه هنعمله،
ثم نظر لمحمود ضاحكا: بس الغلبان عنده مقابله شغل لازم يلحق الميعاد.
ابتسمت موافقه و لكنها رفعت اصبعها هاتفه: بس مش هنمشى قبل ما اروح اقيس الفستان و استلمه، و بعدين هروح مع محمود الشركه معايا بطاقات لسه هوزعها على زمايلى.

و بحماس تحركت بالفعل لتستلم فستانها الذى ليس مجرد فستان فقط و لكنه حلم اوشك على التحقق، حلم منذ ان كانت مراهقه، و ها هى سترتديه لتحقق حلمها بأميرها الذى طال انتظارها له..
امسك محمود يدها متمتما و هو يراها تُسرع لتدلف تاركه اياهم بالخارج: بتجرى كده ليه؟ اصبرى هندخل سوا.
و هنا عقدت حاجبيها زاجره بحده مصطنعه: لا طبعا انتوا استنونى هنا و انا هجيبه و اجى.
و باستنكار اجابها: ليه ان شاء الله؟

و قبل ان تجيب، استند معتز على السياره هامسا بلا مبالاه: هى حره يا محمود.
و استداره من كلاهما اليه بتعجب صاحبه نظره غاضبه من محمود و مستاءه من هبه و هى ترى بوضوح لامبالاته و ان لم تمنحها اهميه كبيره و هى تتحرك للداخل و لكن محمود لم يفعل بل تابع ابتعادها عنهم ثم استدار لمعتز هاتفا بحده: انت واعى للى بتعملوا يا معتز باشا و لا مش واخد بالك؟!

حدق به معتز قليلا فهو ابعد ما يكون عن اى نقاش الان و بسخريه خفيه اجابه: و انا بعمل ايه يا محمود!
ضرب محمود بيده على السياره هاتفا بغيظ: معتز بلاش استعباط.
ثم اضاف محذرا و قوه خوفه على شقيقته تظهر واضحه لصديقه: انت عارف كويس ان لولا موافقه هبه انا عمرى ما كنت هسمح بالجوازه دى، بس اقسم بالله يا معتز ما هرحمك لو كنت السبب في يوم ان دمعه تنزل من عينها، و وقتها لا هتبقى صاحبى و لا اعرفك، فاهمنى طبعا.

و هنا احتدت عين معتز هو الاخر و قد مل تكرار هذا الامر و تكرار التحدث فيه و عنه و صاح به: اقولك مش فاهم يمكن تبطل تكرر الموضوع ده، اصل تقريبا فاهم بتخليك تكرره اكتر،.

اغلق عينه لحظه يرتب ما يريد قوله ثم وضع يده على كتف محمود متحدثا بهدوء: اسمعنى يا محمود، هبه بقت مراتى، كمان يومين هتبقى في بيتى، حياتها بقت معايا و علشانى و انا كذلك، هبه غاليه عليا جدا فا ياريت تبطل توصينى على مراتى لانى عارف ازاى احافظ عليها كويس قوى...
نظر اليه محمود قليلا متسائلا بتوضيح لسبب قلقه: حبيتها يا معتز؟، اتعلقت بيها و متقدرش تستغنى عنها؟، قلبك مبقاش فيه غيرها و مبتفكرش غير فيها؟

و كانت الاجابه صمت و هروب من نظراته فدفع محمود يد معتز عن كتفه ضاربا صدره موضع قلبه هاتفا بجديه: لما دا يدق علشانها، وقتها بس هبطل اوصيك على...
و ضغط احرف كلمته موضحا انه و ان كان زوجها فهناك علاقه تربطه بها اقوى: على اختى يا معتز.
و قطع المشاداه بينهم خروجها و بيدها فستانها و بعينها نظره عاشقه شملته بها، وابتسامه صافيه تزين ثغرها مع هدر امواجها بمدى سعادتها و حبها له.

و تقبل هو هيئتها، نظرتها، ابتسامتها و ما تقوله عينها رغم صمتها بتخبط ربما لانه لم يعتاد ان يرى مثل هذا الصدق و يا ليته يستطيع الشعور به ايضا.

انتهت مقابله محمود بقبوله للعمل تحت التدريب لفتره مؤقته و ان اثبت جدارته فهنيئا له بالعمل، بينما كانت هبه تتحرك بكل ما بداخلها من قوه و حماس، تدعو هذا و تمازح تلك و تعطى البطاقات لهذا و ذاك حتى انتهى بها الامر امام مكتب اكرم تمنحه البطاقه و تلقاها هو بابتسامه واسعه ثم اتجهت لغرفه مازن،
تعجب قدومها و بمثل هذا اليوم الذى يسبق زفافها بيومين فقط.
ماذا تريد منه و لماذا طلبت مقابلته؟

ألن ينتهى من هذا الكابوس ابدا!
ألن يكف عن انتظارها لتعود عن زواجها و وقتها لن يفعل شيئا سوى ان سيُمسك بحلمه بكل قوته!
اخذ نفسا عميقا مغلقا عينه منتظرا دخولها و بمجرد ان فُتح الباب، ازدرد ريقه ببطء و هو يفتح عينيه لتقع على ثغرها المبتسم بسعاده لتنتقل ابتسامتها له لااراديا.
كانت و مازالت و يبدو انها ستظل دائما ألمع النجوم بسماء حياته.

عينها التى تنافس البحر في زرقته، انفها المستقيم بشموخ اشبه بشموخ شخصيتها، بساطه ملامحها، و سكر ابتسامتها.
هو مفتون بها شاء أم أبى، وافق او انكر فلا حكم له على ما يشعر به.
حمحمت بعدما لاحظت صمته و شروده ملقيه السلام مجددا فأجابها و نبضاته تخونه لترتفع صارخه برغبته الكامله في هذا الحلم الذى يتجسد امامه فيها، و لكنه ادرك ان الاحلام خُلقت لتظل احلاما فقط.

انتزعت هى ابتسامته و رغبته و كل نبضاته بهدوء شديد و برود اجادته رغم انها لم تقصد ابدا فسبحان من جعل مكنونات المرء مخفيه.
رفعت يدها بالدعوه امامه متمتمه بفرحه شملت نظراتها، نبرتها و ابتسامتها: اتفضل يا بشمهندس دعوه فرحي، ياريت حضرتك تشرفني.
و بتلقائيه نقل بصره ليدها يحدق بالبطاقه قليلا.
ورقه مطويه.
فقط ورقه مطويه، و لكنها جمدت الدماء بعروقه.

مجرد ورقه، تخبره بكل بساطه ان حلمه سيُزف لغيره، ان امله سيفوز به غيره، ان سعادته سيشعر بها غيره.
مجرد ورقه، افصحت بوضوح نهائى هذه المره عن نهايه القصه رغم انها لم تبدأ.
مجرد ورقه، سرقت بها كل شئ منه، صبره، حلمه، انتظاره، و الاهم قلبه.

و لم يبقى منه سوى قليل من عقله لينهض مبتسما متجها اليها بخطوات لا يعرف كيف جعلها متزنه رغم ما يجتاح دواخله من براكين كادت بل بالفعل احرقته، مد يده التى لم يستطع منع ارتجافتها و لاحظت هى ذلك و لكنها تجاهلت الامر و هى تراه مبتسما بجمود يخالف ضحكته الواسعه غالبا: الف مبروك يا مدام هبه ربنا يسعدكوا دائما.

و بابتسامه اكبر اجابت تهنئته ثم استئذنت و ذهبت و مع اغلاق الباب اغلق هو عينه و يده تضغط البطاقه بقوه وجع قلبه.
عاده ما تكون النهايات سعيده ولكن نهايه قصته كانت قبل ان تبدأ فمن اين له سعاده!

نظر للبطاقه و هو يفتحها و عينه تخدعه لتعلن تمردها و حزنها باحمرار حارق و انفاس غير منتظمه ليرى اسمها و بجواره اسم زوجها، عض باطن شفته ثم ابتسم، فابتسامه اوسع ثم اوسع حتى انطلقت ضحكاته تملأ المكان قبل ان يدفع بالبطاقه بعيدا هامسا: مبروك عليكِ الفرح يا هبه.

يقولون ان البيوت اوطان صغيره، الغياب عنها غربه و العوده اليها حياه.
و هذا كان شعورها و هى تضع قدمها داخل المنزل مره اخرى.
حزينه!، ربما.
فهى تعود لهنا ليست كمربيه للصغيره و لكن كفرد من العائله، كزوجه اخ، كزوجه ابن و كزوجته، و ما اسوء هذا؟
خائفه!، بالتأكيد.
خوفها يصل الان لعنان السماء، حبها، رغبتها و تعلقها بهذا المكان و اهله اخافها بل ملك الرعب منها.

لم تعتاد على احد الا و فارقها، فهى تدلف للمنزل الان و متيقنه تماما ان هناك سئ قادم.
و لكن مع كل ما يتملكها من اضطراب، قلق، حزن و خوف، هناك سعاده دبت الفرحه بقلبها، لهفه و اشتياق لترى من صاروا عائلتها.
تشتاق لمراوغه شذى، تمرد سلمى و دفء حديث حنين.
تشتاق لاهتمام ليلى، حرص عز و حنان ام على.
تشتاق لغرفتها، فراشها و شرفتها التى تمنحها اطلاله رائعه لشروق الشمس.

تشتاق لراحتها ها هنا وسط هذه العائله، لسكونها و هنائها بنومها.
تشتاق لنفسها و التى لا تستطيع انكار انها وجدتها هنا، و هنا فقط.
و كان الاستقبال حار، صراخ سلمى و عاتبها الصارم، بكاء حنين و عاتبها الحانى، حضن ليلى و التى كادت تختنق من قوته، ابتسامه عز الوديه و قبله هادئه على جبينها و خصام قاسى من شذى كلفها الف اعتذار و اعتذار حتى نالت مسامحتها.

تفاجئ عاصم بوجود فارس فأخر ما يعرفه انه بالخارج في صفقه عمل، حوار سريع بينهم، اطمئنان على العمل، و حديث ودى.
قاطعت حنين كل هذا عندما وقفت هاتفه بغموض و هى تنظر لعاصم بشغف مدركه انه سيكون في قمه سعادته الان: احم احم، attention please،
انتبه الجميع اليها فتناقلت النظرات بينهم بابتسامه عدا عاصم الذى حدق لنظراتها له قليلا منتظرا ما ستقول فأكلمت و هى توضح: في مفاجأه هتفرحك جدا يا عاصم...

عقد ما بين حاجبيه يفكر و لكنها قطعت عليه الامر و هى تشير بعينها للدرج فاستدار ينظر و سرعان ما هب واقفا و اتسعت عينه بسعاده حقيقيه قبل ان يندفع مسرعا ليقف امام تلك الحوريه لحظه ثم حاوط خصرها ضاما اياها بقوه يدور بها عده مرات.
بينما استدارت جنه لتتسع عينها بذهول و هى ترى ما فعل و شعور تختبره لاول مره يصيب قلبها الذى تسارعت نبضاته ثائره.

غضب تملك منها و لا تدرى السبب، عقلها يفكر بجنون و قلبها تتواثب نبضاته بتشتت و عينها تكاد تحرق كلاهما، يده تُزيل دموع تلك الفاتنه، يده الاخرى تمسح بخفه على حجابها، قبله على جبينها و ضمه اخرى تعلق فيها كلاهما بالاخر بقوه.
ابتعد عاصم يضم وجهها بين كفيه هاتفا بقوته المعهوده و ان حملت من الحنين و العتاب الكثير: ينفع الغيبه دى كلها، 7 سنين يا مها، 7 سنين.

امالت رأسها باعتذار تقبله هو بضمه اخرى تعبر عن مدى اشتياقه الذى جعل جنه تتلوى غيظا و الاسوء انها لا تدرى سببه.
نظر اليها يسألها مجددا: جيتِ امتى؟ و ليه مكلمتنيش اول ما جيتِ؟!
و اجابته باشاراتها التى جعلت جنه تدرك على فور كونها بكماء استنيت لما ترجع انت و مراتك علشان تبقى مفاجأه .
ثم ابتسمت مشيره لجنه بعينها محركه يدها بالاشاره بحماس عرفنى عليها بقى.

امسك كفها و تحرك باتجاه جنه التى ظلت تحدق بأصابعه التى تحاوط اصابعها حتى افاقت على صوته يقول: اعرفك يا مها دى جنه...
و صمت، في اختبار صغير منه اليها و جاءت النتيجه فوريه عندما رفعت جنه عينها تحدق به بغيظ و هى على وشك قتله لاخباره تلك الفاتنه باسمها فقط دون ان يشرح علاقته بها فابتسم بخبث مردفا و قد نال ما أراد: مراتى.

اشاحت جنه بعينها عنه بينما اتسعت ابتسامته و هو يضم مها لصدره متعمدا و قد راقه ما يرى من اندفاع الدماء لوجه صاحبه ابريق العسل و تمتم بنبره يدرك مدى تأثيرها على جنه: و دى بقى يا ستى مها...
صمت قليلا ليرى رد الفعل ايضا فاستدارت جنه له بحده عاقده ذراعيها امام صدرها منتظره ان يُردف حتى فعل: بنت عمتى.

اختفى الغضب، الضيق و الغيره و حل محلها الوجع و هى تتذكر تلك الصفعه التى قلبت موازيين حياتها كلها رأسا على عقب و تمتمت بشرود: عمتك اللى انا قابلتها قبل كده؟!
ونظرت اليه تنتظر الرد و لكنه رغم ملاحظته لتغير تعابير وجهها لم يبالى مانحا اياها موافقه برأسه.

اقتربت منها مها تمد يدها مصافحه فنظرت اليها جنه قليلا قبل ان تنظر ليدها التى كانت بالتأكيد الان تحمل عبق رائحته، فعاودها غضبها و هى تصافحها، فأشارت لها مهاا برأسها مرحبه فابتسمت جنه بتكلف مجيبه الاشاره باشاره مثلها ثم اشاحت بوجهها في ضيق.
جذب عاصم مها لصدره مره اخرى يستند بيده على كتفها و ابتسامته لا تفارقه حتى هتفت شذى منهيه هذه الفرحه: لسه في مفاجأه كمان يا ابيه.

و قبل ان يستفسر عاصم عن الامر جاءت الاجابه من عمته هاتفه بنفور: حمدلله على السلامه يا عريس.

تساقط ذراعه عن كتف مها و استدار ببطء لعمته التى جلست على مقعد جانبى ترمقهم باستهزاء، سرعان ما تجهمت ملامح وجهه و ضغط يده بقوه حتى برزت عروقه و نظره جانبيه لجنه التى بتلقائيه خائفه رفعت يدها تحاوط وجنتها التى مازالت تحمل خدش صغير كان ظفر عمته السبب به، فتحرك بغضب اعمى ليقف امام جنه لتُسرع هى تختفى خلف ظهره لا يظهر منها سوى عينها التى لمعت بدموعها خائفه.

ابتسمت نجلاء مستمتعه بخوف جنه و اختبائها بل و زادها حرص عاصم على اخفائها سعاده، فركزت انظارها على مقلتى تلك الخائفه متمتمه باستهزاء جن له جنون عاصم: في عروسه عاقله تهرب من جوزها كده؟
و بمجرد ان انهت سؤالها كانت يد جنه تتسلل ببطء لتتمسك بملابسه بقوه علها تشعر ببعض الامان و هذا زاد جنونه و لكنه عندما هم بالتحدث سبقه عز ناظرا لشقيقته بتحذير هاتفا بصرامه: خذ مراتك و اطلع على اوضتك يا عاصم.

نظر عاصم اليه بغضب ضاغطا اسنانه بقوه ممسكا بيد جنه و قبل ان يصعد قدم اعتذار سريع لفارس تقبله الاخر بتفهم.
و هم فارس بالرحيل عندما اوقفه عز هاتفا: لا تمشى فين؟ اقعد معانا شويه و لا هى مراتك اللى ليك عندنا.
ضحك فارس مصافحا اياه هاتفا بود متبادل: لا ازاى يا عمى، دا انت الخير و البركه، بس حضرتك عارف لسه جاى من السفر و في اشد الحاجه للنوم و الله.

هم عز بالتحدث و لكن قاطعته نجلاء بسماجه: مسسسم، و هو كان حد ضربك على ايدك علشان تيجى على هنا جرى، كأن يعنى حد هياكل مراتك لو مشفتهاش.
كاد يصرخ عز بها و لكن فارس ضغط كفه الذى مازال ممسكا بها و ابتسم بهدوء مجيبا اياها بنفس نبرتها تقريبا: عذرا يا مدام نجلاء بس يمكن حضرتك مجربتيش احساس ان يبقى حد ملهوف يشوفك، فا معتقدش هتقدرى تفهمى احساسى.
ثم بابتسامه ودوده القى السلام غامزا حنين و رحل.

لتتابعه عين نجلاء بغضب و طبيعتها التى تكره السعاده للاخرين تحلق حولها متوعده ان فرحته و ثقته تلك ستكسرها حتما مهما كلفها الامر و هذا البائس بحديثه هذا اضاف نفسه لقائمه اعدائها.
ادخلها غرفتها و دلف خلفها مغلقا الباب مصدرا اوامره بتحذير واضح: ابعدى عن عمتى تماما، و حاولى تتجنبى اى احتكاك بيها، فاهمه؟

اومأت جنه بصمت، ادرك هو منه خوفها فكز اسنانه بغضب و هو يُمسك يدها بخفه متمتما: خدى دش كده و فوقى و اجهزى علشان عندنا مشوار مهم.
رفعت عينها اليه بتعجب متسائله: مشوار ايه؟!
ترك يدها متحركا باتجاه الباب و هو يجيبها بدون توضيح: هتعرفى بعدين.

لحظات و كان واقفا امام والده في غرفته يتسائل عن سبب وجود عمته هنا او ربما يطمئن انها زياره عاديه فقط، و لكن فاجأه والده عندما اخبره انها ستسكن معهم.

غضب، تعجب، قلق اتبعه بضيق معاتبا والده على الموافقه، و عتاب صريح من والده فأولا و اخيرا هذه المرأه عمته، كلمه هنا و كلمه هناك حتى هتف عاصم بصراحه عما يشعر به: عمتى وجودها في البيت هيجيب خراب يا بابا، انا عارف انى مليش حق اتكلم عنها كده بس حضرتك عارف عمتى كويس مش هتسيب حد من العيله في حاله.

و هنا اجابت والدته و هى مدركه تماما ان ولدها على حق و لكن واجبها كزوجه يحتم عليها ان تقف خلف كلمه زوجها: الموضوع منتهى يا عاصم، عمتك و مها هيعيشوا معانا و خصوصا ان معتز فرحه بعد بكره و مينفعش هما الاتنين يعيشوا في شقه لوحدهم، و لا ايه يا سياده النقيب؟
ضغط اسنانه بقوه كابحا كل ما يعتل بصدره من غضب الان، فكل ما يصدر من عمته امر و صفعها لجنه امر اخر، لا يتحمله و لن يتحملها و لكن سيفعل مجبرا لاجل مها.

اخذ نفسا عميقا و اضاف بصرامه واضحه: بس يا بابا لو صدر منها اى تصرف يأذى مراتى،
قاطعه والده منيها الحوار: وقتها انا اللى هتصرف يا عاصم، ثم هى مش هتتجرأ تقرب من جنه تانى، الموضوع ده انتهى و اتقفل خلاص.

الجميع على طاوله الطعام، ضحكات الفتيات على مشاغبه شذى، حوار بين مها و عاصم، صمت جنه تتابع ما يحدث و رغم انها فرد من العائله الا انها تشعر بنفسها غريبه، و بينما هى تأكل بشرود استمعت لصوت نجلاء تخاطبها بسخريه: ايه ده، اومال فين دبلتك يا عروسه؟ هو عريسك نسى يلبسهالك و لا انتِ اللى استغنيتِ عنها؟!

ارتجفت عنها يمينا و يسارا عاجزه عن المواجهه بل و حتى الرد لا تستطيع النطق به، و سرعان ما تذكرت تحذير عاصم لها بعدم نزعها من اصبعها، ثم تذكرت يوم تركتها هنا مع ورقه بها اعتذار لرحيلها، فازدردت ريقها بارتباك ادى لسقوط ملعقتها، فانتبه الجميع لها بينما عاصم يضم قبضته بغضب من تدخل عمته في مثل هذا الامر و قبل ان ينطق اكملت نجلاء و هى تحرك الطعام بلامبالاه امامها: انا اعرف ان البنات مابتحبش تقلع الدبله من ايديها ابدا الا اذا كانت بتكره عريسها او متجوزه غصب،.

و تلك المسكينه تحاول بشده كبت دموعها و التى فور ان لمحها عاصم استدار بغضب لعمته بينما تسللت يده تُمسك بيد جنه التى كانت تحركها بتوتر بالغ و احتراما لوالده، ضغط اسنانه بقوه موجها حديثه لشذى بينما نظراته تكاد تحرق عمته: عارفه يا شذى، في مثل حلو قوى بيقول من تدخل فيما لا يعنيه سمع مالا يرضيه.

اختفت ضحكه نجلاء تدريجيا بينما حاول عز كتم ضحكته و هو يتابع كيف سيحتوى ولده الامر بعقلانيه قليلا ما يتصرف بها فيما تراقب الفتيات الامر باستمتاع، بينما رفعت جنه عينها اليه تتعجب ما يقول بل و كيف يقوله بمثل هذا الهدوء، بينما بابتسامه جانبيه خفيفه اضاف و هو يرمق عمته بسخط: و في كمان حديث عن الرسول،.

و صمت فردد الجميع الصلاه عليه بمتابعه لما سيقول حتى اردف: بيقول مِنْ حُسْنِ إِسْلامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَالا يَعْنِيه ِ ...
ثم اخيرا اطلق سراح عمته من نظراته ناظرا لشذى غامزا: فاهمه حاجه يا شذى!
فأومأت موافقه و ضحكه خبيثه تتراقص على شفتيها: طبعااا يا ابيه.

و هنا عاد بنظره جانبيه لجنه ثم ترك يدها مرددا بالحمد ناهضا عن الطاوله، و سرعان ما لحقت به جنه، و بعد قليل كانت بجواره في سيارته، صمتت قليلا ثم همست بامتنان صادق ربما يكون هو سببه لاول مره: شكرا.
و لحظات لم يجيبها ثم تمتم بعدم اكتراث و كأن الامر لا يعنيه: على ايه؟
اعتدلت ناظره اليه مجيبه: على اللى انت عملته دلوقت علشانى، رغم انى فعلا، اقصد يعنى الدبله، يعنى...

بعقده حاجب مستنكره و دون النظر اليها اجابها بتعجرف خلق من اجله: علشانك!
و ليه شفاه ساخطه مردفا: ماتفكريش كتير يا بنت الالفى، انا اللى عملته كان علشان عمتى تعرف ان مش انا اللى هسمح لحد يتدخل في حياتى، و انتِ دلوقتى تخصينى و اللى يمسك يمسنى و انا بقى مبحبش حد يقرب من اى حاجه تخصنى، فاهمه؟

ثم رمقها بنظره حاده جعلتها تحدق به في ترقب عندما اضاف: انا لبستك الدبله مره، دلوقتى لا هقولك البسيها و لا هلبسهالك، و سواء لبستيها او لا فمش فارقه خالص يعنى،
و لكلماته الحاده اثر الخوف على قلبها فآثرت الصمت و قد كان حتى توقف بالسياره امام مبنى كبير نسبيا و اشار لها بالترجل متمتما: يلا وصلنا.
و ترجل دون كلمه اخرى و هى خلفه و قبل ان تسأله عن اين جاء بها، تحرك للداخل فتبعته بفضول و ترقب وجل،.

لحظات و كان تقف امام اكرم الذى انتفض يضمها بقوه تعبر عن غضبه منها، قلقه عليها، اشتياقه لها و الكثير الكثير من ندمه و اعتذاره، و بادلته هى حضنه لتدرك انه و ان كانت حزينه بسبب اخفاءه الامر لكنها ابدا لن تشعر بمثل شعورها و هى بين يديه، كأنها بحضن ابيها، ابتسمت تبتعد عنه، حوار سريع، عتاب يقابله اعتذار، قلق يقابله اطمئنان و اشتياق يقابله مثله و اكثر.

دقائق قليله ثم هتف عاصم بجديه: انا قولت اطمنك عليها علشان متقلقش بس هنمشى دلوقت و لينا قاعده وقت تانى.
تعجب من جنه، اعتراض من اكرم و لكن امام اصرار عاصم وجديته تقبل كلاهما الامر و تحركت معه، تستفسر عن وجهتهم و لكن لم يجيبها، مره و مره اخرى و مع صمته صمتت مجبره.

الكثير من الوقت بعدها حتى توقف مره اخرى بالسياره، فاستدارت تنظر للمكان من حولها فتجمدت الدماء بعروقها و هى ترى ذلك الفندق الذى اُهينت و ذُلت فيه، فرفعت يدها تضم وجنتها لااراديا و هي تتذكر صدي تلك الصفعه، الصفعه التى كانت السبب في تغيير مجرى حياتها كلها، الصفعه التي بالرغم من قوتها كانت السبب في افاقتها من خضوعها،.

اغلقت عينها تضغطها بقوه و هى تضع يدها على صدرها و احداث ذلك اليوم تتابعها باستماته و لكن يد عاصم التى امسكت بمعصمها لتجذبها خارج السياره اعادتها لارض الواقع امامها فصرخت بعنف خائف: انا مش هدخل هنا، انا عاوزه امشى.
و حاولت جذب معصمها منه و لكنه شدد قبضته عليه يجذبها خلفه هاتفا بصرامه: مش قبل ما نخلص اللي جايين علشانه.

تساقطت دموعها ضعفا و عجزا و وجعا لا تدرى اهو قديم ام مازال حديثا و همست بصوت مختنق و هى تبتعد عنه للخلف فاشله: بالله عليك انا عاوزه امشى.
توقف و يده تترك معصمها ليمسك يدها بقوه عله يطمئنها انه معها و صاح بقوه: لازم تدخلى، و لازم تواجهى.

و لم يسمح لها بكلمه اخرى رغم توسلاتها العديده و جذبها ببعض القوه للداخل حتى توقف بها في منتصف تلك القاعه لتنظر جنه حولها بتوجس و قلبها ينبض هلعا حتى رأت امرأه ما تقترب منهم و بمجرد ان رأتها اتسعت عينها بصدمه و هى تعود خطوه للخلف متمتمه بتقطع: ك، كو، كو، ثر، كوثر هانم!

الاراده و الاصرار هما سلاحا النجاح.
تقف امام باب الغرفه بثبات مصره على التحدث في الامر مره، اثنان، ثلاثه و ربما مائه حتى تصل لمرادها، طرقات خفيفه على الباب ثم امالت رأسها تنظر لوالدها بابتسامه متمتمه برسميه مازحه يدرك منها عز رغبتها في امرا ما: ممكن ادخل يا عز باشا؟
نظره سريعه، ابتسامه بسيطه، اجابه حاسمه اخبرتها بأنه ادرك جيدا لماذا اتت: ادخلى يا سلمى.

لحظات و كان امامه تستعد لمشاداه جديده بينهم و قبل ان تبدأ الحوار اردف هو بلهجه محذره: خير يا سلمى، في حاجه!
تراقصت نظراتها من اقصى يمين الغرفه لاقصى يسارها قبل ان تتحدث ببعض التحدى الذى لا تتخلى عنه: بصراحه يا بابا انا عاوزه اتكلم في موضوع الشغل.

استند بمرفقيه على المكتب امامه يطالعها بدقه يبحث عن تردد، قلق، ارتباك او ربما توجس الرفض و لكنه لم يجد سوى اصرار، ثقه و عزيمه قويه للتحدث، التناقش، التحايل و ربما الشجار، فابتسم.

تلك المتمرده التى لم تطلب شيئا من صغرها الا و نالته، لم تتعلم ابدا ان تتنازل عن امرا ارادته، لم تتقن فن تقبل الهزيمه او التخلى عن حلم من احلامها، و ان كان سيكلفها ذلك صبر ليالٍ، و حوار ساعات، و تحايل ربما يصل لاشهر فهى مقتنعه تماما ان العامل المهم ليس الوقت الذى تحصل فيه على ما تريد و لكن الاهم هو حصولها عليه.

و مع ابتسامته ابتسمت هى الاخرى مدركه ان مجرى الحوار هذا المره سيختلف، ليس هناك تذمر، عقده الحاجب المستنكره، النظره الغاضبه و ال لا التى ينتهى بها الامر.
فكر هو مره و اثنان و ثلاث و في كل مناقشه بينهما يقضى ليلته يفكر هل رفضه صحيح و هو الحل حقا ام هى تستحق ان تنال فرصتها؟

و توصل بالنهايه لنتيجه ان سلمى لا تعرف معنى التقيد، لا ترضى بالمعتاد و دائما ما تعشق الجديد مهما كانت قوته او ربما صعوبته و هو يفهم جيدا ان طفلته قويه، و تملك عزيمه جباره للنجاح فيما ترغب و لذلك قرر اعطاءها الفرصه.

تحدث اخيرا و قد راقه انها احترمت صمته و لم تتحدث ناظرا لعينها بجديه يخالطها حنان ابوى: بصي يا سلمى، لما خالفتِ توقع الكل ايام ثانوى و اخترتِ علم رياضه، انا فكرت كتير و كنت متردد لان رياضه مش سهله، و بعدين قولت ليه لا؟! تبقي مهندسه قد الدنيا، تنجحي و تحققي طموحك، رغم ان والدتك اعترضت و كانت تتمنى تبقي دكتوره بس انا وافقتك لانك لما تتعبى في حاجه بتحبيها و اخترتيها احسن ما تتعبى في حاجه مكنتيش عاوزاها و كنت واثق انك هتنجحى.

تابعت حديثه بهدوء و هى تحاول تخمين ما يريد الوصول اليه بحديثه هذا و لكنه لم يمنحها الكثير و قال: انا موافق على الشغل يا سلمى، بس لازم توعدينى انك تثبتِ نفسك و تنجحى بجدراه و تخلينى دائما فخور بيكِ.

اتسعت عينها بسعاده و هى تحصل اخيرا بعد طول انتظار على رخصه قياده احلامها و هتفت بثبات و ثقتها بنفسها تتجسد بوضوح في حديثها: اوعدك يا بابا، و انا متأكده انى هرفع راسك لانى مش متعوده اخد خطوه الا و انا متأكده انى قدها.

رفع سبابته في وجهها مردفا بتحذير صريح عبر عن شروط موافقته: انا عارف كويس انك ماتعرفيش كتير عن عادات الصعايده لكن انا اتربيت و عشت وسطهم و هفضل لحد ما اموت صعيدى، علشان كده في التزامات لازم تعمليها و الا انسى الشغل نهائى.

عقدت حاجبيها منتظره توضيح اكثر عن شروطه فأكمل بنفس النبره الجاده: تأخير مش مسموح، تعامل مع شباب في غير حدود شغلك مش مسموح، سفر و تنطيط مش مسموح، شغل مديري بيكلمنى و زميلى بينصحنى مش مسموح، الشغل يأثر على جوانب تانيه من حياتك مش مسموح، الخروج و الدخول بميعاد، و لو حصل و عارضتي حاجه واحده من دول او في مره تعاندى و تخالفى اللى قولت عليه يبقى وقتها مفيش و الموضوع مش هيتفتح تانى، كلامى مفهوم يا سلمى.

ابتسمت باطمئنان فهى تدرك جيدا ما يجب عليها فعله و اخبرته ذلك عندما تمتمت بلهجه صعيديه مانحه اياه طمأنينه هو يمتلكها بالفعل و لكن واجبه كأب يحتم عليه تحجيم جموحها: انا صحيح متربتش في الصعيد، لكن ابويا صعيدى صوح و عرف يربى بناته زين، متجلجش يا ابوى وراك رجاله.
اتسعت ابتسامته مع نهايه كلامها و صاح مانحا اياها تفكير جديد بمزاح قائلا: عاصم عرف عن موضوع شغلك؟

ضحكت ناظره اليه و هى تحرك رأسها نافيه فابتسم بالمقابل فقبلت اياه و غادرت الغرفه مدركه انها لم تعد بحاجه لاقناع عاصم فهى فازت بما ارادت و انتهى الامر.

بمجرد ان وضعت قدمها على الدرج تفاجأت بعاصم يدلف للمنزل و هو ممسك بيد جنه بعنف جاذبا اياها خلفه باكيه و يبدو على وجهها ملامح الخوف الشديد بينما هو يصرخ وجهه بغضبه الاسود، لم يعر سلمى انتباها و هو يركض متجاوزا الدرج بسرعه مهوله كادت تُسقط جنه خلفه و هى تحاول اللحاق به،
راقبت نجلاء التى كانت تهبط الدرج ما يحدث بتعجب و لكنها ما لبثت ان صاحت بسخريه: ايه يا عرسان اي...

قاطعها عاصم صارخا بنبره قاسيه غير آبه بأى شئ: مش عايز حد يكلمني نص كلمه.
و تحرك دون كلمه اخرى دالفا لغرفه جنه و دفعها بقوه للداخل حتى كادت تسقط و وقف خلفها و صرخ بها: انا مبقتش عارف انتِ عاوزه ايه! و لا بتعملى ايه! انتِ عاوزه توصلى لايه فهميني؟

انتفضت جنه و هى تهرب بعينها منه و صراخه يزلزل جسدها خوفا منه، و دموعها تتساقط رغما عنها و هى تشعر ان جسدها على وشك الاستسلام، و مع صمتها صاح بأقصى ما يملك من صوت بها مجددا: انطقى يا جنه، ايه اللي انتي عملتيه ده و ليه، انطقى؟

جاهدت لتتحدث، داخلها الكثير لتقوله، لديه من المبررات ما يكفى، تود ان تصرخ مثله و اكثر، تود التعبير عما اشعرها به بفعتله و لكن لم تجد صوتا، تود الصراخ بأقصى ما تملك من صوت و لكن لم يخرج سوى بحه مكتومه بدموعها: انا م...

و رغم انه طالبها باجابه لم يمنحها فرصه الرد هاتفا بغضب مجددا يعنفها، يعاتبها بل يكاد يعاقبها و يجلدها بكلامته: انتِ ايه ها؟! انتِ كسرتِ كلمتي و هربتِ، هربتِ من مواجهه كانت المفروض تحصل و من زمان، انتِ مسمعتيش الكلام و نفذتِ اللي في دماغك، انتِ صغرتينى و صغرتِ نفسك قدام واحده متسواش، انتِ شايفه اللي عملتيه صح؟ شايفه ان خوفك و هروبك صح؟

صمتت مجددا و دموعها من تجيبه كاتمه كل صوت جاهد ليخرج، و مع صمتها صمت هو الاخر و هو يتذكر بعصبيه مفرطه ما صار.
كوثر هانم
و بأقصى ما يكون تدافع ما حدث طوال العشر سنوات الماضيه بحياتها امام عينها جعلها تقف بعدم اتزان و ذكرى الصفعه التى نالتها في هذا المكان يتردد بأذنها.
بينما اتقربت كوثر منها و هى تهتف بسخريه مستهزئه: يا اهلا يا اهلا، جنه ماجد الالفى بنفسها جايه تشوفنى، معقول وحشتك قوى كده؟

و بارتجافه ضعف رفعت جنه عينها اليها، ليهولها مقدار ما تحمل كوثر لها من كره اسكنته بعينها، تراجعت خطوه للخلف و كل ما اعتقدت انها جمعته من قوه تهاوى.
جدران قلعتها التى حصنت نفسها بداخلها من الخوف و التردد و التراجع تهدمت دفعه واحده.
امامها الماضى بكل ما حمله من شروخ و ندوب بروحها لن تلتئم، و خلفها الحاضر بكل جبروته و سطوته عليها و هى ها هنا تقف في مواجهه اسوء ما يكون عليها.

فرغما عنها و بحركه لااراديه تراجعت خطوه اخرى للخلف كأنها تبتعد بل هى بالفعل تهرب و لكنها لم تستطع و خاصه بعدما رفعت عينها لعاصم ليوترها ما تحمله عينه من غضب و توعد فازدردت ريقها ببطء و هى تعجز ان تحمل ضغط كهذا، اشاح عاصم بعينه عنها ناظرا لكوثر متمتما بذاك الهدوء الذي يسبق العاصفه: انا قولتلك قبل كده ان حقها هيرجع و كامل، بس اعتقد انك كنتِ فاكره انى اقصد شركه و فلوس بس،.

ثم ابتسم بغضب و عينه توضح بصراحه عن مدى اشتعال روحه غضبا: في حق مهم يا كوثر لازم يترد، دلوقتى، و هنا.
سرعان ما تلاعبت الافكار بعقلها لتتفق جميعها على نتيجه واحده جعلت عينها تتسع بتوجس و هى تقول بحذر: تقصد ايه؟، و بعدين ليه هنا؟
اتسعت ابتسامته مدركا انها فهمت جيدا مقصده و اشار اليها من اعلى لاسفل بنفس نظرات السخريه التى شملت بها جنته منذ لحظات بل اشد و اسوء: هو اللى انتِ فهمتيه بالظبط،.

ثم اضاف باستهزاء واضح: عاصم الحصرى متعودش يسيب حق له ابدا و انتِ جيتِ على حق و كبير قوى كمان.
و بينما يستعرض كلا منهما قوته او ربما رغبته و محتمل ما ينوى عليه، كانت تلك تقف كالتائهه خلفه، ترغب في الاختباء منهم و كم رغبت ان تختبئ به و لكنها لم تجده.
هو عن اى حق يتحدث!
ماذا يحدث و لمَ!
تود الصراخ بأن ما تريده ليس حق، هى فقط تريد نفسها.

تود الهرب من فقاعه الماضى التى تخاف الخروج منها و اُهلكت من البقاء بها.
ترغب في النسيان، الهروب من الالم و التفكير المتلاحق بما صار و بما سيصير.
لماذا يصر هو على فتح مجلدات روحها المنهكه و العبث بأوراق تسعى لاحراقها عل كوابيسها و خوفها يحترق معها.
عقدت حاجبيها بتألم و يده تضغط على ذراعها بعنف لتنظر اليه هاتفا باصرار و قد جن جنونه و انفرط عرقه الاسود غضبا: خدى حقك.

و مع دفع يده لها تقدمت خطوتين اتسعت لهم عينها وانفاسها تتلاحق بتشتت لتقول و قد خرج صوتها اخيرا و ان كان مهزوزا معبرا بوضوح عن خوفها: حق ايه؟ انا، انا..
جذبت يدها منه و تنحت بعيدا عنه تتطالعه بنفى جَسَدَ تبعثرها: انا مش عاوزه حاجه انا عاوزه امشى من هنا.
و بصبر حاول استدعائه بشتى الطرق غير منتبها انه يضغط عليها: لازم تواجهي، لازم تاخدى حقك.

تنظر اليه باستغراب و رهبه ما الذى يريده، هى حقا لا تفهم ما يريده و مع الضغط الذى حاوطها نفسيا و خارجيا ارتجفت عينها لامعه بالدموع ممسكه بيده متوسله: لا، انا بس عاوزه امشى.

و تحركت مبتعده عنه باتجاه باب القاعه و لكنه قبل ان تفعل كانت يده تُمسك بذراعها تكاد اصابعه تخترق لحمها لتتأوه و ملامحها تنكمش بوجع و صاح بها بغضب ابن الحصرى الذى لا يستطيع احد اثناءه عن امر قرر المضى فيه: لا كفايه هروب لحد كده، دلوقت هنرجع الحقوق لاصحابها.

حركها رغما عنها موقفا اياها امام كوثر التى تراجعت نصف خطوه للخلف تتابع ما يحدث بترقب حتى هتف عاصم بجنه كأنه يأمر احدى العاملين تحت طوعه: ردى القلم.
استنكرت كوثر الامر بشهقه معترضه و هى تتطالعه بغضب بينما رفعت جنه عينها اليه ببطء صاعق من كيفيه تفكيره، و مع ما لون عينه من اصرار هتفت رافضه و هى تحرك رأسها يمينا و يسارا: انا لا يمكن اعمل كده، مش ممكن.

و هنا اعاد هو غرس نفس الخنجر مذكرا اياها بما صار: لا ممكن، افتكرى احساسك وقتها بس، احساسك و انتِ بتتهان كرامتك قدام كل الحضور، بدون سبب و من مرأه ابوكِ المبجله اللي المفروض في مقام والدتك، فاكره احساسك يا جنه؟!
و كأنه بحاجه لتذكيرها، و يا ليته يعلم انها بحاجه للنسيان ربما لانها تريد حياه هادئه.
اغلقت عينها لتنهمر دموعها عاجزه و تهدلت اكتافها هامسه بعجز: فاكره، بس مقدرش اعمل كده، مقدرش.

و هنا صرخ بها و غضبه لاجلها يتحول عليها: ليه؟ ليه و لحد امتى؟
و كأن صرخته فجرت ما بها فصرخت و رغم قوه صراخها ظهر ضعفها و قله حيلتها واضحه: لحد اخر يوم في عمرى، لحد ما اموت مش هقدر امد ايدى على الست اللى ربتنى.

صمت، صمت، صمت و كان هذا الهدوء الذي سبق العاصفه التي هبت عندما دوى صوت صفعه قاسيه على وجه كوثر دفعتها ارضا مع القليل من الدماء يغطى جانب شفتيها، ليعيد الزمن نفسه فكما طبعت اصابع كوثر اثارها على وجه جنه، طبعت اصابع عاصم اثارها على وجه كوثر و لكن شتان بين الصفعتين.

و مع صرخت جنه الفزعه حدق بها عاصم بأقصى ما يملك من غضب متمتما ليمنحها صوره مبسطه عن مدى ما قد يصل اليه قلبه من قسوه: انا بقى اقدر اخذ حقى كويس و دلوقتى بس رديت لمراتى حقها كامل.
حدقت به جنه بصدمه، هو لم يأبه لفارق العمر بينهما، لم يهتم لانه رجلا و هى امرأه، بل لم يشغله اى شئ سوى ان يرد ما يقول عنه حق و يشهد الله انها لا تريده.

وجه نظره لتلك الملقاه على الارض لا تصدق ما صار لها و حدثها بغضب مستحقر: انا عمري ما ايدى اترفعت على واحده ست، بس اللي زيك مينفعش يتعملوا كبني ادمين انتِ مايمشيش معاكِ غير معامله الحيوانات...
ثم اشار بسبابته اليها محركا اياه من اعلي لاسفل بازدراء: و مش انتِ اللي تغلطي في مراتي، و مش انا اللي اسكت عن غلطك.

و كيف تخرج من هنا مذلوله، مضروبه و خاسره فكما اشعل نيران غضبها فأصرت هى على حمله للجنون هاتفه بحده و هى تنهض تمسح جانب شفتيها ببعض القوه متهكمه: مراتك!

ثم اشارت لجنه باحتقار مماثل لاحتقاره تماما: مراتك دي اجبن مما تتخيل، و اذا كنت فاكر انك في ضهرها مره فصدقني مش هتبقي جنبها كل مره، و اللي حصل هنا ابسط مثال انها عمرها ما هتبقي كيان او شخصيه، مراتك دى كانت و مازالت و هتفضل مجرد واحده رخيصه عاشت كده و هتموت كده.

لتنال الجهه الاخري صفعه اشد و اقصى و قد نجحت في احراق ما بقى من تعقله و هو يزمجر بغضب عاصف: من هنا و رايح اسمها مدام عاصم الحصري و ان كنتِ شايفه نفسك تقدري تقفي قدامي و ريني تقدري تعملي ايه؟
و لا يدرى ما صار بعد ذلك و لا يعرف كيف جذبها بكل هذا العنف خلفه راحلا و ها هى تقف اامامه الان يفرغ بها ما بقى من غضبه.
back.

راقبت صمته و هى مدركه تماما انه يسترجع ما حدث من لمعه عينه التى ازدادت غضبا فتمتمت بصوت متهدج حزنا: ايوه، اللى انا عملته صح، انا، انا، مغلطش.
و بمجرد سماعه لاجابتها عقد حاجبيه مذهولا مرددا خلفها: مغلطيش؟!
ثم صرخ بجنون: هروب، جبن و خوف غير مبرر و مغلطيش، لما ده مش غلط يبقى ايه يا جنه؟ ردى.
الله ما براحه يا عريس عروستك لسه متفهمش بسرعه كده فهمها براحه.

نظر عاصم لمصدر الصوت و التى لم تكن سوى نجلاء التى وقفت منذ البدايه تتابع الحوار ليدرك انه لم يغلق باب الغرفه بعدما دلف، فتحرك باتجاهها قائلا بحده من بين اسنانه: انا مش قولت مش عاوز جنس مخلوق يتدخل، و اظن الناس المحترمه لما يلاقوا راجل و مراته بيتكلموا يخدوا بعضهم و يمشوا و لا الدم انعدم، يا عمتى.
و مع الخطأ الصريح بحقها صرخت تعنفه: عاااصم ان..

و لكنه قاطعها مشيحا بوجهه عنها هاتفا: بلا عاصم بلا زفت، انا مش عاوز اشوف وش حد.
اغلق الباب بعنف مستديرا لتلك التى تقف كالتلميذه المخطئه و صاح بنفاذ صبر موضحا لها كيف يراها: بصي بقي انا جبت اخري معاكِ، زهقت من ضعفك، مليت من هروبك و لازم تفهمي حاجه واحده انك هتتعلمي تواجهي يعني هتتعلمي حتى لو غصب عنك، حرم عاصم الحصرى لازم تعرف تاخد حقها كويس، فاهمه يا بنت الالفى!

و استدار ليغادر ليصله صوتها الخافت كأنها تحدث نفسها: انا اه بخاف بس النهارده انا ماهربتش.
استدار لها مره اخرى ينتظر بقيه ما بدأته و قد منحته اياه بمدى طفوليه روحها عندما نظرت اليه ببراءه غريبه على فتاه في عمرها: انا بحافظ على نفسي، بحافظ على اللي بابا زرعه جوايا، بحافظ على مبادئي و ديني، بنفذ اللى ربنا قال عليه و اللى ابويا ربانى عليه.

منحته نظره ليرى هو مدى حيرتها و تخبطها و اردفت هى بشرود متذكره عاده جلوسها في حضن والدها يحدثها و يبثها ما يريد ان تحمل من قيم: بابا كان دائما يقولى اوعى يا جنه تغلطي في حد، اوعي تزعلي حد منك، اعملى دايما صح و متفكريش مرتين.

صمتت و الذكرى تؤذيها و تترك ندبه اخرى بروحها و هى تشعر للمره المائه انها بلا ظهر او سند، انها و بوفاه والدها كُسرت تماما، تقطع صوتها بأنينها الهادئ و هى تجاهد لتكتمه مردفه: الست دي ربتني، واحده غيرها كانت طردتني من البيت، اه عاملتني وحش، اه غلطت في حقي، و اه جات على كرامتي كتير، بس هتفضل مراه ابويا، هتفضل الست اللي اخترها ابويا علشان تبقي ام لينا بعد ماما الله يرحمها، الست دي اكبر مني و واجب عليا احترمها، عارف ليه؟

اختنق صوتها بدموعها و هى تتذكر الايه التى حفظتها عن ظهر قلب من تكرار والدها لها: لان بابا علمنى ان ربنا قال في كتابه وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ، لان بابا حفظنى ان الرسول قال لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا ويُوَقِّرْ كَبِيرَنَا .

صمتت لحظات ثم بأقسى ملامح التردد و الضعف رفعت عينها اليه و هى تسقط جالسه على طرف الفراش متسائله: يبقى انا كده غلطت؟ لما احاول احافظ على اللى بابا علمه ليا ابقى غلطانه؟ ليه بتطلب مني اعمل حاجه لا هترجع حقي و لا هترجع كرامتي و لا حتى هترجع ايامي اللي اتسرقت مني بالعكس دي هتخلي مفيش فرق بيني و بينها و زي ما هي غلطت انا هغلط! بتعاتبنى ليه؟

و مع تذكرها لتلك الطفله – التى لعبت، ركضت، فرحت، تمردت، تدللت – و بنهايه كُسرت حتى لم تعد تجد بنفسها نفسها القديمه، ارتجف جسدها بكاءا رثاءا لحالها بينما هو يقف يتابع انتفاضتها بقلب رق لحالها، لحديثها، و طفوليه روحها الذى يدرك انها لم تعد مناسبه لواقع كالان، محقه هى في كل ما قالته، محقه في ترددها و تراجعها بل كيف واتته فكره ان تهين هى تلك السيده.

لم يتعلم كيف يخضع لاحد او ينخفض له و لكن لها فعل، انحنى مرتكزا على ركبته امامها رافعا رأسها اليها لتشملها عينه بنظرات حانيه كانت في امس الحاجه لها، لتقابله عينها التائهه و انفاسها المتلاحقه بتلاحق دموعها و شفتيها ترتجف و هى تردف مجددا: مكنتش هقدر اواجه نفسى لو اهنتها، مكنتش هقدر اواجه بابا لو زارنى في احلامى، مكنتش هقدر.
امالت رأسها و هى ترجوه النفى لسؤالها: هو انا كده غلط يا عاصم؟

و لاول مره تشاركه تفكيرها، تشاركه حزنها.
لاول مره تتطالعه بلجوء اليه لا اختباء منه.
لاول مره تجرد علاقتهم من اول الحواجز و تناديه باسمه.
لا فارق ان كان يراها مخطئه، لا فارق ان كان يعدها خائفه، لا فارق ان كان يرفض ضعفها، بل لا يفرق اى شئ فليذهب كل شئ للجحيم فقط فلتكن هى بخير.

رفع يده مزيلا دموعها ليحتضن وجنتها بدفء بعدها لتمرغها هى براحه كفه ملتمسه هذا الاحتواء هامسا بنبره هادئه مطمئنه: انتِ عملتِ الصح و اتعودي طالما مقتنعه باللي عملتيه اوعي تندمي عليه ابدا.

حدقت بحصونه السوداء تاركه اياه يُشبع ابريقها العسلى بفيض حنانه الذى نادرا ما تجده به و بدون ان تدرى لم؟ كيف؟ و لماذا طاوعت نفسها؟ حاوطت عنقه بذراعيها تُخفى وجهها به لتسمح لشهقاتها بالتحرر و يدها تجذبه اليها بقوه، لتترك دموعها اثارها على عنقه و كتفه.
و ما اسوء شعوره الان بين حب و قسوه،
لم يعنيه جسدها بقدر ما اوجعه نبضاتها الثائره،
لم يعنيه قربها بقدر ما ارهقه دفء دموعها،.

لم يعنيه انتظاره لها بقدر ما اشقاه تطلب حضنها،
لم يعنيه اى شعور اصابه الان بقدر ما افقده عقله شعوره بالارتباك، فلاول مره يشعر بمثل هذا التخبط الذى سببته تلك الحمقاء بحضنها المفاجئ هذا.
و لكنه تجاهل كل هذا و احتوى جسدها بقوه مانحا اياها ما تحتاج من دعم.

دقائق مرت عليه دهر - ربما لانه منذ ان رأها بحضن اخيها يتمنى ان تحتويها ذراعيه، ربما لانه كلما رأها تبكى نازع نفسه ليمتنع عن ازاله دموعها، ربما لانه فقط و فقط يريدها،.

هدأت شهقاتها قليلا و رويدا رويدا ابتعدت عنه بارتباك واضح، فأعد نفسه لكلمات لاذعه تهرب بها من فعلتها كما حدث من قبل، فنهض مسرعا و لكن خانته ركبتيه التى تألمت لجلسته فتأوه رغما عنه منحنيا قليلا يمسدها بغيظ، و لكن سرعان ما تجاوز الامر ناظرا اليها منتظرا ما ستصرخ به و لكنها خالفت توقعه هامسه بخجل: انا اسفه.

حمره خجل او ربما اثر بكاءها، مع حركه طفوليه باصابعها الصغيره لعينها تُمحى ما علق من دموع، و اخيرا صوتها المختنق و همستها الخافته، جعلته يرفع احدى حاجبيه متعجبا: على ايه؟!

و بنظره سريعه لركبتيه و باشاره اعتذار اخرى اوصلت مقصدها، فازداد انعقاد حاجبيه مع ابتسامه جانبيه زينت شفتيه ليجيبها على اعتذارها بشغب يتلذذ به معها: انا مشتكتش على فكره، ثم اضاف و قد راقه مخالفتها لتوقعه: ثم انا اتوقعت انك هتضايقى مش تعتذرى!
اخفضت بصرها عنه مدركه ما يرمى اليه و لكنه يجد في مشاغبتها متعه لا تضاهيها اخرى فأضاف بخبث: تضايقى انى مانفذتش وعدى مثلا!

و بتذكرها لوعده، لحظه سقوطها و احترامه لهذا الوعد، تابعه تذكرها لمها بين ذراعيه و التى لا تعلم حتى الان كيف فعلها، تذكرها لمشاغبته لشقيقاته و حركاته الماكره جعلها تندفع قائله دون تفكير كأنها تجد ان لها مثل ما لهن من حقوق بل اكثر فهى زوجته: انا اصلا مطلبتش منك توعدنى و اان..

لحظه صمت تبعها ابتعادها عده خطوات للخلف صاحبه ارتباك مفرط عندما لاحظت ما تفوهت به، و بغض الطرف عن ندمها لانه سمعها تقول هذا، الندم الاكبر كان من نصيبها عندما ادركت ما تفكر، تغضب و تشعر به و خاصه تجاهه هو، لا تدرى كيف طاوعها عقلها لتضمه اولا ثم الان تلك الحماقات التى فكرت بها بل و عبرت عنها في جمله صغيره سيستغلها هو الان و قد كان عندما شملت عينه نظره استمتاع واضحه مع مداعبته لجانب فمه بمكر: افهم من كده..

اقترب باتجاهها خطوه مستمتعا اشد الاستمتاع بالتوتر الظاهر على ملامحها و اردف: انك اصلا مش عاوزانى...
و خطوه اخرى بكلمه اخرى بنفس النبره المشاغبه: انفذ وعدى ليكِ!

و خطوه اخيره و كان امامها مباشره فاشاحت بنظراتها عنه قاصده تجاهله و لكن كيف لابن الحصرى ان يترك فرصه كهذه ليرى من خجلها ما يروى القليل من ظمأ رجولته، فما احب على قلب رجلا من حمره خجل تزين وجه محبوبته و خاصه عندما يكون هو السبب بها: سكتِ ليه يا جنه؟

تحاول تجاوز الامر مسرعه فما كان منها الا ان تذكرت ما قال فرفعت عينها اليه متسائله بدهشه و هى تتجاهل كل ما سألها اياه الان: انت قولت ان حقى رجع كامل، انت كنت تقصد ايه؟
و بلحظات كما دفعت اليه بروح المشاغبه جذبته بعنف خارجها مما جعله يغضب اشد الغضب لتجاهلها المتعمد و الذى يرى انه لم يكن عليها ان تتجرأ و تفعله فاحتدت عيناه و هو يجيبها: حقك يا هانم اللى اتنازلتِ عنه.

عقدت ما بين حاجبيها باستغراب عبرت عنه مباشره و بدا كأنها تستجوبه: ازاى و امتى؟
و اقتربت خطوه تحدق به بتفحص: انت عملت ايه بالظبط؟
و مع غضبه الذى تجاوز الحد باعتقاده انها تستجوبه و هو امر لم يعتاد عليه سوى من قادته في العمل صرخ بها و هو يقبض يدها بعنف: انا محدش يسألنى عملت ايه و ليه انتِ سامعه؟ و قولتها ليكِ مره و هقولها ليكِ تانى مش انا اللى بفرط في حقى و انتِ تخصينى و حقك حقى فاهمه!

و دون كلمه اخرى دفع يدها مغادرا الغرفه بأكلمها تاركا اياها تتخبط مجددا في مواقفه الغير متزنه و التى تدفعها من اقصى اليمين لاقصى اليسار.

منوره يا دكتوره.
هتفت بها نهال و هى تُمسك بيد حنين التى تجلس معهم على طاوله الطعام بعدما اصر فارس على والدها ليسمح لها بتناول الافطار معه و عائلته
ابتسمت حنين مجيبه بخجل: البيت منور بأهله يا طنط...
ثم اضافت بمرح تخفى خلفه توترها: و بعدين ايه دكتوره دى بلاش منها.
و هنا تعمد فارس اخجالها اكثر ملاحقا اياها بكلماته: ازاى بلاش بقى، دا انتِ احلى دكتوره كمان.

نظرت امامها تكاد تنهض راكضه رغم معرفتها بعائلته من قبل، رغم تعاملها المعتاد معهم، و لكنها الان تشعر بنفسها في اكثر الاوقات احراجا.
ضرب مازن بملعقته مازحا بعبوس مصطنع: جرى ايه يا عم الحبيب! راعى ان في عُزاب قاعدين.
و مع كلمات مازن ازداد خجلها و لكن لم تستطع منع ابتسامه واسعه وجدت طريقها لشفتيها و فارس يجيبه بلكزه قويه نسبيا راميا اليه بتلميحا مستترا: طيب ما تتجوز يا حبيبى حد منعك.

و فهم مازن مقصده و لكنه تجاوزه ناظرا لحنين بابتسامه و غمزه سريعه مردفا باستمتاع لاغاظه شقيقه: لو عندك عروسه زي دكتوره حنين كده انا موافق جدا.
دفعه فارس بغضب فقهقه مازن مبتعدا عنه قليلا بينما تجاهلتم نهال ناظره لحنين بحنان تتميز به وورثه اطفالها عنها كاملا: سيبك منهم يا حنين و طمنينى اخبار كليتك ايه؟

و حديث مرح توضح فيه مدى ما تعانيه في كليتها دفع الجميع للضحك على ما تقوله حتى هتف فارس بنزق: المهم هتخلصى امتى؟ عاوزين نتجوز بقى..
تلعثمت حنين بحديثها مما دفع الجميع للضحك مجددا حتى كادت تختفى من فرط خجلها عندما نكزه مازن بخبث متمتما: مستعجله على ايه يا بطه!
و قبل ان يجيب فارس ضحك محمد مأزرا ولده قائلا بجديه مصطنعه: انشف يا ابنى شويه مش كده.

عبس وجه فارس مدعيا حزنه متمتما بخيبه امل: بتقف معاه ضدى، كده برده يا حاج.
صاحت نهال بهم لاسكاتهم ثم امسكت بيد حنين توصيها على صغيرها و الذى مهما بلغ من طول و مهما ارتفع شأنه سيظل صغيرا تخاف لاجله: عارفه يا حنين، انتِ معاكِ روح البيت ده، فارس كان اول فرحتي، ابني الكبير و راجلي التاني، هو اغلي ما عندي، اول فرحه يا بنتي بتفرق قوي، و مش مكسوفه او خايفه اقولها لان محمد و مازن عارفين ده كويس..

استند مازن بمرفقه على الطاوله واضعا يده على وجنته هامسا بحسره دراميه: عارف، عارف و كاتم في نفسى و ساكت.
و فعل المثل والده و هو يضيف بحزن و حسره مماثله: شاهده يا حنين يا بنتى، بتحبه اكثر منى حتى.

صاحت نهال بهم مجددا فحمحم محمد ثم اضاف بجديه و بروح الاب الذى يرى في اولاده ظهرا له: نهال معاها حق، فارس فعلا روح البيت، عارفه يا بنتى عمره ما كسر لي كلمه الا لما قرر يخطبك، و وقتها عرفت ان ابني كبر وبقي راجل اقدر اتسند عليه، راجل البيت من بعدي و هبقي مطمن لما اموت انه هياخد باله من امه و اخوه.

اسرع فارس يُمسك بيده مقبلا اياها بينما منعا للدراما الحزينه التى لا تتناسب مع شخصيه ذلك المزوح باستمرار نهض غاضبا صارخا بهم: هو انا محدش هيمدح فيا و لا ايه؟ انا ابنكم برده يا خلق.
ثم اعتدل واقفا و ضرب صدره بيده بشهقه مصدومه و هو يتابع بنبره متردده: يا خراااابي هو انا مش ابنكم و انتم لقيتوني جنب صندوق القمامه؟

اخفت نهال وجهها مستعوضه ربها في عقل صغيرها بينما نهض فارس يدفعه بكتفه باستخفاف ساخرا: صندوق قمامه ايه يا ابنى! دول كانوا بيشحتوا بيك على باب السيده.

اسرع مازن باتجاهه و وجهه يوضح انه على وشك تعنيفه فركض فارس ليلحق به مازن ضاحكا بينما تتابعهم اعين الجالسين بضحكه واسعه حتى مالت نهال على حنين قليلا تُكمل ما بدأته: حافظي عليه يا حنين، انا عارفه تربيه ليلي كويس و عارفه ان فارس اختار صح بس دا ابني يا بنتي و لازم اوصيكِ عليه.

ضغطت حنين يدها متجاهله خجلها لتطمئن قلب تلك الام امامها: مش محتاجه توصينى يا ماما، فارس كان حلم عمرى، و هيفضل في قلبى دائما و هعمل كل اللى اقدر عليه علشان اقدر اسعده.
ربت محمد على رأسها هاتفا بجديه: اللى هيقابلكوا مش سهل يا بنتى.

ابتسمت بارتباك فلن تنكر انها خائفه بل و بشده و لكنها تثق به، تثق بتمسكه بها فاستدارت ناظره لمحمد متمتمه بنبره واثقه: كل شئ متاح في الحب و الحرب يا بابا و انا حبى حرب و الحرب دى علشان فارس، و انا مش هتحمل خساره فارس لان وقتها هخسر نفسى.
ما شاء الله، ما شاء الله، ربنا يباركلك فيها يا عم.
ابتسم فارس و قلبه تتواثب دقاته و هو يستمع لحوارها مع والديه ثم تمتم بحب: يارب يا مازن، يارب.

ثم استدار ناظرا اليه متسائلا بقلق: و انت يا مازن!
عقد مازن حاجبيه مدعيا عدم الفهم رغم انه يدرك مقصده جيدا فأردف فارس موضحا: انت هتكمل حياتك امتى؟ و هتفضل واقف عندها لحد امتى؟
و ادرك مازن انه لا مفر من الهروب فاعتدل متمتما بضيق: انت كنت هتقدر تكمل حياتك ببساطه و عادى لو الدكتوره حنين اتجوزت واحد تانى لا و من صحابك و هتحضر فرحها كمان!

ابتسم فارس عائدا بنظره لحنين: كنت هكمل حياتى يا مازن علشان دى سنه الحياه، في حاجه اسمها قسمه و نصيب، في حاجه اسمها قدر، و مش كل حاجه بنتمناها سهل تتحقق، ثم ان انا وضعى مع حنين يختلف عن وضعك مع هبه.

استند بيده على كتف مازن يربت عليه بقوه نسبيه مردفا: حنين كانت معايا من و احنا عيال، كبرنا سوا، اتربينا سوا، عارفها و عارف طبعها و اخلاقها و حياتها و نظامها و تقريبا عارف كل حاجه عنها، اهلها اهلى و حياتها بالنسبه ليا كانت كتاب مفتوح، لكن انت تعرف ايه عن هبه غير انها لبقه في الكلام و حلوه شكلا؟

اشاح مازن بوجهه هاربا رغم استماعه الجيد لما يقوله شقيقه فأكمل فارس: تعرف اهلها نظامهم ايه و هل هتتحملهم و يتحملوك و لا لا! تعرف هى على ايه و حياتها بره الجامعه ازاى! تعرف علاقتها حدودها ايه و هل تتناسب معاك و لا لا! تعرف عنها ايه علشان تقول بتحبها يا مازن؟
ثم ابتسم ضاربا موضع قلب شقيقه: قلبك لسه محبش يا مازن، ممكن نقول اعجاب ممكن نقول انبهار لكن حب لا.
اخذ مازن نفسا عميقا مجيبا اياه: يمكن معاك حق،.

ثم ابتسم ناظرا اليه بفخر: عارف يا فارس انا نفسى اعيش اللى بتعيشه دلوقت، ابقى عارف و متأكد ان مراتى بتحبنى و هتفضل دائما جنبى،
ثم اضاف مازحا: ربنا يوعدنا يا عم، المهم فرحتك انت يا محبوب الجماهير.
آمن فارس على دعائه مردفا: ربنا يرزقك واحده زى حنين كده تطلع عينك الاول و بعدين..
قاطعه مازن دافعا اياه بغيظ: تطلع عينى ليه هو انا ناقص.
فضحك فارس مردفا: قول يارب بس و متقلقش.

امام مدخل جامعتها توقف بالسياره ممسكا يدها طابعا فوقها قبله ممتنه متسائلا بنبره متلاعبه: هو انا قولتلك النهارده انى بحبك.
عبست بوجهها بطفوليه محببه لنفسه و هى تحرك رأسها نافيه فاتسعت ابتسامته لتشملها بحب فتح ورود خجلها و همس بنبره دغدغت مشاعرها: بحبك جدا يا حنين، بحبك و بحمد ربنا كل يوم على وجودك في حياتى.

ابتسمت بخجل يعشقه ثم اضاف مازحا و هو يتعمد احراجها اكثر: مش هتقوليها تانى بقى و لا لازم نتخانق!
رفعت رأسها بعناد تعلمت التمسك به من شقيقتها و تمتمت: مش دلوقتى، يوم الفرح.
و راقه عنادها و لكنه لن يمرره ببساطه فغمزها مشاغبا موافقا بشرط: ماشى يا حنين، ان ما خليتك تصرخى و تقوليها قدام الناس كلها مبقاش انا.
فأعادت غمزته اليه بأخرى منها و هى تجيبه: لو قدرت تعملها اوعدك هقولها.

و بتحدى اشعلته هى و ان كانت لا تعرف كيف فعلت رفع يده امامها: وعد يا مدام!
فصافحته مجيبه بضحكه: وعد يا قلب المدام..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة