قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الرابع والثلاثون

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الرابع والثلاثون

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الرابع والثلاثون

نرغب فنخسر!
و نخسر فنرغب!
و نظل هكذا بين كان و كان..
فقد يمنحنا القدر فرصه لنضحك و لكنه يمنحنا آلاف الفرص لنبكى!
قد يمنحنا فرصه لنعيش و قد يسلبنا الفرص فنموت!
و ما بين الحياه و الموت، قدر!
تخلى عنها، آلمها، اخمد نار حبه بقلبها و الاسوء انه ببساطه حطم كبريائها..
ابتعد بشكل جعلها تتسائل!

ما حاجتها له في الرخاء ان لم تجده في الشده، ما حاجتها له في النور ان لم تجده في العتمه، و ما حاجتها له ان لم تجده في نفسها؟
تسير بخطوات متعثره، دمعه هاربه تلاحقها الاخرى، عينان تضج بالشعور بالألم و الخذلان، شفاه مرتجفه و عقلٌ مشتت..
اى ألم هذا؟
كلماته كانت بسيطه و لكنها سهام حاده مزقت النفس، قرارات متعجله انهت ميلاد الفرحه في قلبها، بسطت يدها امام عينها المغرورقه بالدموع تطالع محبسه..

ذلك الذى اعطاه لها مبتسما لينزعه الان غير آبه بها، ذلك الذى اخبرها به انه يحبها لينزعه الان و هو يدعى انه مازال يحبها، ذلك الذى شعرت به يحتوى خوفها و عجزها و لكنه لم يمنحها سوى ذل النفس و كسرها من جديد.
اغلقت عينها لحظات ثم اتجهت لغرفته، لغرفه من تجد في حضنه الامان رغم فقدانه اياه الان، لغرفه من اصبح حوارها معه مستحيل، ذاك الذى لم تراه منذ سجن نفسه بغرفته..

طرقت الباب بخفوت و دلفت وجدته جالسا على سجاده الصلاه رافعا يده للسماء مغلقا لعينه تكاد تجزم انه لا يشعر بمن حوله..
اقتربت منه ببطء و لسماعه خطواتها اخفض يده و استدار عاقدا حاجبيه متسائلا بغلظه: ميين؟

ابتسمت و دموعها تغادر مقلتيها تباعا و هى تتجه بعجز حتى سقطت على قدميها بجواره و دون كلمه ألقت برأسها على كتفه ممسكه ذراعه بتشبث، رفع يده ليضعها على رأسها ضاما اياها لصدره و هو يهمس بخضه و قلب مضطرب: مها!
انتفض جسدها بين ذراعيه ليعتدل في جلسته محاوطا جسدها كله حتى كادت تختفى داخله و هى فقط تنتفض باكيه بكل وجع قلبها، ادرك من انتفاضتها انها تتألم، ألم يفوق تحملها..

و مره اخرى شعر بعجزه يغلفه و هو لا يراها، كيف يحدثها الان، هى لا تستطيع التحدث و هو لم يعد يراها!؟
شدد من ضمه لها و كلا منهما يتمزق بعجزه و ألمه، حتى هدأت قليلا فابتعدت عنه ممسكه كفه لتضع به محبس محمود، قلبه عاصم بيده يمينا و يسارا، ادرك انه محبس و لكن لمن و لماذا تعطيه اياه هذا ما لم يستطع ادراكه!

امسكت يده لتقربها من يدها و تجعله ينزع محبسها ايضا فعقد حاجبيه و بدأ يتدارك الامر فهتف بغضب مكتوم: دى دبله محمود؟، ثم صمت ثوانى قائلا ببطء تقريرى اكثر منه متسائل: انفصلتوا!
القت برأسها على كتفه ليلامسه جبينها و حركته بمعنى نعم، شعر هو بحركتها الموافقه فقبض يديه بغضب و هو لا يستطيع حتى سؤالها عن السبب فماذا و كيف ستقول؟

ابعدها عنه و نهض شاعرا باختناق يقتله، تلجأ اليه وهو عاجز عن مساعدتها، تطلب قوته و هو لا يستطيع حتى ان يطمئنها، نهضت هى الاخرى مقتربه منه و امسكت بيده لتضعها حولها و تضمه بقوه كأنها تخبره انها لا تريد شئ سوى حضنه، سوى امانها بين ذراعيه، لا تريد غضب او ضعف او حزن فقط بعض الاحتواء لها و لقلبها المظلوم...

تنهد بقوه و هو يضمها اليه و صمت كلاهما ثوانى هو يحاول السيطره على شعوره الحالى بالضعف و هى تفرغ مكنونات قلبها على صدره، حتى تنهد ببطء هامسا بعقلانيه ربما لا يعرفها سوى معها: كل قرار بناخده في حياتنا لازم نتحمل عواقبه، انتِ زرعتِ نفسك في ارض بور فكان لازم تذبل، كنتِ شايفه نفسك ناقصه و محتاجه حد يكملك، و دا غلط، افتكرى كلامى كويس يا مها، يوم ما تحبى نفسك زى ما هى هتلاقى وقتها اللى هيحبك بجد..!

تمسكت بملابسه اكثر و كلماته تتسلل لروحها تسكنها، هى بالفعل لم ترى نفسها سوى امرأه ليست بكامله،
هو لم يشعر بالشفقه بل هى من دفعته لذلك، هو لم يخذلها بل هى من فعلت اولا..
هى من خذلت نفسها، سلمت لانتفاضه قلب دون تفكير عقلى..
وافقت على ارتباط اخبرها عقلها بفشله و لكن قلبها اندمج بفرحته.

ربت عاصم على شعرها بحنان و هو يهمس بفخر: مها، المهندسه المميزه، الجميله جمال مش طبيعى، القويه بنفسها، بشخصها حتى بعجزها قويه، ربنا اختار ليكِ حياتك و مينفعش تحسى بضعف لانك مش ضعيفه، بلاش تعيشى نفسك في مكان مش مكانك و بلاش تحبسى نفسك في وضع مش وضعك، انتِ مينفعش تنكسرى او تضعفى، بعقلك و قلبك و اكيد جمالك هتفضلى قويه، بلاش تعيشى دور مش دورك، مش لايق عليكِ يا بشمهندسه.

اخذ نفس عميق و ابعدها عنه ممسكا بيدها و ضغطها بخفه كأنه يمدها بالقوه و القى بسؤال اجابته يتوقف عليها حزنها: اسألى نفسك و جاوبيها يا مها، انتِ مضايقه دلوقت علشان محمود انفصل عنك و لا علشان جرح كرامتك؟
راقبت وجهه بصدمه تتملك منها و سؤاله يتردد بكلا من قلبها و عقلها ليصرخ عقلها بالاجابه و لا يجد القلب ما يرد به، فأعاد عاصم سؤاله بنبره اشد تخصيصا: يعنى علشانه، و لا علشانك!
لاجله!؟

لا لم تفكر به، لم تفكر سوى بنفسها، بجرحه لها، انكار بحياته وجودها..
اجل لم تفكر به، لم يؤلمها حب بقدر ما ألمها فكره الوحده، لم يحزنها بعد بقدر ما احزنها احساس العجز، لم يعتب عليه قلبها بل رجمه عقلها بآلاف الرجمات!
هى لم تحزن لأجله هى حزنت فقط و فقط لأجلها!

رفع يده ببطء حتى وصل لوجهها فحاوطه مردفا بنبره قويه مهيمنه: لو تفتكرى يوم ما اتقدملك انا سألتك متأكده من قرارك و لا؟، قبل ما افاتح والدتك في الموضوع اتكلمت معاكِ و قولتلك بلاش تندفعى ورا فرحه مؤقته فكرى كويس، عارف انك وافقتِ و انتِ مش مقتنعه تماما بس وقتها مكنتش اقدر اجبرك على التفكير لانك ببساطه مكنتيش مستعده..

ابتعد عنها و تحرك للخلف بشرود و هو يتمتم بعاطفته التى يغلفها بقوته: الحياه مبتقفش على حد، و لا على حب يا مها..!.
ثم ابتسم بمرارته التى امتزجت بنبرته: انتِ وافقتِ على محمود لما فكرتِ بقلبك لكن لو اديتِ لعقلك مساحته هتعرفى ان دى النهايه المنطقيه لعلاقتكم..

وضع يده على قلبه كأنه يُحدث نفسه قبلها: حكمى الاتنين علشان تقررى صح، حكمى عقلك في مشاعرك و قلبك في قرارتك و صدقينى وقتها هتوصلى لاول طريقك، اول الطريق اللى هتلاقى نفسك في اخره..!
ثم اغمض عينه حسره و ألم و ربما ندم: بس اوعى تتوهى في النص و متسمحيش لحد يتوهك..
اقتربت منه و هى تشعر بروحها تُرد اليها و لكن لم تتوقف دموعها ليس لأجلها فقط بل لأجله..

لأجل الرجل الذى يعذب نفسه بنفسه كأنه يعاقبها، الرجل الذى عشق قلبه فشعر بنفسه مذنبا،
و يا ليته يفهم ان ضعف القلب في محراب العاشق ليس ذلا..
ينصحها و هو يقوم بالنقيض، يحكم عقله بمشاعره و قراراته و حياته و يتلافى قلبه..
قلبه الذى امتلكته تلك الجنه الذى يحاول قدر ما يحاول اخراجها من داخله فلن تفعل..

رفعت يدها و وضعتها على قلبه لتصدمها دقاته المشتعله قهرا و عشقا، ضغطت يدها على صدره ثم ضربته عده مرات متتاليه و هو مستسلم ليدها تماما حتى رفعت يده بيدها لتضعها موضع قلبه لعله يشعر بدقاته الذى يتجاهلها، نظرت اليه لتجد عينه شارده تماما، الحصون تهدمت و معها يتهدم داخله..
لمعت عينه بالدموع و هو يُتمتم بمراره امتزجت باشتياق فخرج صوته مفعما بعاطفته: مصمم يعصينى، مصمم يدق لجنته..

اغلق عينه بقوه و همس بحراره متذكرا همسها بحبها له: و مبقاش بايدى حاجه اعملها..!؟
فتح عينه تائها في الظلام الذى لم تتوه فيه هى، بل هى النور الوحيد الذى يعذبه اضعاف عذابه، ضحكتها الذى تنير عتمته كأنها بدر مكتمل، ابريقها العسلى الذى يشتاقه حد الجنون ليغرق به مجددا يرسل اطيافا مزهره لظلامه، شفتاها الذى يشتهيها حد الهوس لتطبق انفاسه و تذوب هى بين يديه عشقا فتمتزج روحيهما لا فارق داخله ام داخلها..

شدد يده على شكل قبضه ليضرب بها على قلبه و هو ينهى كلماته بنبره كسيره: هى اللى ملكت القلب و هى اللى قتلته...!
تنهدت مها ناظره له لترى تلك الدمعه التى فارقته تدرى جيدا انها احساسا بالألم، و لكنها لا تدرى اهو ألم لعجزه ام لعجز قلبه؟
عجزه الذى يختبره ربما بل اكيد لأول مره بحياته، عجزه الذى أحال النسر المحلق بانطلاق لعصفور جريح داخل قفص كالسجين، عجز يشعره بأنه انتهى كأن من حوله احبوه لقوته..!

و من سئ لاسوء، عجز قلبه..
قلبه الذى لم يرى في النساء امرأه تستحقه، قلبه الذى تمرد على الحب وشغفه طوال سنين عمره، قلبه الذى احتقر الحب لعلمه انه لا للاقوياء مثله و ها هو عندما احب اصبح الحب تعويذه ضعفه و تغريده آلامه..
عندما احب ادرك صدق تفكيره لا مكسب في العشق فهو عنوان الخساره، فإما تخسر قلبك و إما تخسر نفسك و في الحالتين ستخسر و المؤلم انك تسعد بالخساره.

نظرت لتشتته قليلا و لم تجد قدره بنفسها على تحمل وجعه فعانقته بحنان ليعانقها هو بقوه...
آمنت لكِ يا جنتى، فخنتِ الامانه و الآمن..
منحتكِ القلب غاليا، فرددته الىّ ناقصا..
وهبتكِ الروح عزيزه، فقتلتِ العزه وجعلتنى بها زاهدا..
عشقتكِ بنفس راضيه، فأثبتلى ان العشق لمن مثلى خطيئه..
و في النهايه ابتعدتِ، لاكتشف انك هكذا كفائتنى...

ابتعدت مها عنه و ضغطت يده و همت بالخروج لكنها توقفت بدهشه عندما رأت جنه تقف امام باب الغرفه التى تركته مفتوحا و دموعها تشاركها ألم قلبها و ندمه..

نظرت مها لعاصم و ابتسمت وتحركت للخارج و بجوار الباب اتسعت ابتسامتها لجنه و غمزت لها بعبث و لكن جنه لم تحيد بنظرها عن ذلك العنيد امامها و بمجرد ان رحلت مها دلفت جنه و اغلقت الباب خلفها فاستدار عاصم و صمت قليلا و رائحتها تنتشر حوله بقوه فتحرك بخطوات بات يحفظها حتى وقف امام الشرفه..
رفعت يدها مزيله دموعها متذكره حديث اكرم معها و كلماته و خاصه بس دلوقت لازم تداوى.

اقتربت منه و وقفت امامه لتصبح محتجزه تماما بين جسده و بين الزجاج خلفها و هتفت بضحكه: انا جيت..
ظل مكانه ثوانى ثم استدار معطيا ظهره لها متسائلا بسخريه: و جايه ليه؟
ابتلعت ريقها متحركه اليه لتقف امامه مجددا و تهتف بنفس الضحكه التى ربما لا يراها و لكنها ظاهره في عفويتها: دا سؤال ده؟ دا بدل ما تقولى وحشتينى؟

اقتربت منه و طبعت قبله سريعه هادئه على وجنته تكمل دون ان تأبه بتيبس ملامحه: دا بدل ما تقولى كنتِ فين دا كله اتأخرتِ عليا؟
عقد حاجبيه و انفاسه بالكاد تخرج و لكنه ظل على جموده الثلجى ليعطيها ظهره مره اخرى و هو يأخذ نفسا عميقا: اخرجى علشان عاوز انام..
اتجهت اليه ممسكه بذراعه تحركه معها باتجاه الفراش: طيب يالا.

تجمد مكانه و هو يسحبها من يدها لتصطدم بصدره و هو يصيح معنفا اياه على تصرفها بعدم اهتمام و كيفما شاءت: مش هنبطل لعب بقى؟
انتفضت من صرخته و لكنه لم يتوقف بل جذب ذراعها اكثر و بنفس النبره القويه اضاف يزيد ضيقها ضيقا: انا مش طايق وجودك جنبى ابدا، ليه مش عاوزه تفهمى؟

كان صوته يعلو تدريجيا حتى صرخ بالكلمه الاخيره لتشعر بقلبها يكاد يتوقف هلعا و عندما اقتربت منه و كادت تتحدث فوجئت به يضع يده على عنقها ضاغطا عليه هاتفا بنبره ادخلت الذعر لقلبها: مش عاصم الحصرى اللى يتلعب معاه يا بنت الالفى..
وضعت يدها على يده مبتسمه و ضغطت يده اكثر و تمتمت بخفوت شديد تبعثره قاصده: بحبك.

ثم ازدردت ريقها بصعوبه شديده اسفل يده لترتجف على عنقها و تتفكك اصابعه ببطء حتى ابعد يده عنها فاتسعت ابتسامتها و ظلت تحرك عينها على ملامحه كلها متابعه ما تفعله: ايوه يا عاصم انا بحبك، هفضل اقولها كل يوم و كل ثانيه، هعوض كل مره كان نفسى اقولها و منعت نفسى، هعوض كل مره اتمنيت تسمعها و انا خذلتك، هقولها لحد ما تصدقنى حتى لو اضطريت استنى لاخر يوم في عمرى..

استدار معطيا اياها ظهره و بنبره شديده البطئ، قويه زلزلت تماسكها: خلصتِ، يلا اطعلى بره.
تشنجت اعصابها قليلا و لكنها لم تستسلم و اتجهت لتقف امامه و وضعت يدها على قلبه لترتوى بدقاته الجامحه التى للاسف لم يستطع ترويضها فابتسمت بطمأنينه: قلبك بيعارضك يا كابتن..
دفع يدها عنه و ابتسم بسخريه رافعا يده يمسح جانب فمه بحركته المعتاده منحنيا عليها قليلا: كل حاجه مع الوقت بتتغير.

ضحكت بصوت عالى استفزه و ادهشه بالوقت نفسه هامسه بثقه بقدر ما بها من تمنى: مش هتقدر..!
هدر بصوت غاضب جعلها تجفل منتفضه كأنه يذكرها بمن يقف امامها، او ربما يحاول تذكر من تقف امامه: جنه..
اقتربت منه خطوه لترفع يده على عنقها مجددا و تضغطها بقوه و تمتمت بصوت يجاهد ليخرج: اقتلها، عاصم الحصرى في غضبه مبيشوفش، اعتبرها لحظه غضب و امحى جنه من حياتك تماما، لان مفيش حاجه هتبعدنى عنك غير انك تموتنى يا عاصم..!.

كانت يده محاصره بيدها و بعرقها النابض بعنف و قوه جعلت يده تضغطه بتحدى و تلذذ و نبرته تصدمها حقا: انتِ انتهيتِ بالنسبه لى من زمان.
ضحكت و هى تقترب منه اكثر و همست و انفاسها تصطدم بعنقه: كذاب..

انتفض جسده بعنف غاضب مبتعدا عنها عندما بدأت هى تضعف بالمقابل و دموعها تتساقط و مع ارتجافه جسدها صرخت به: ايوه كذاب، انا عمرى ما هنتهى جواك مهما حاولت، و مهما لسانك عاند و مقلهاش عينك بتقولها يا عاصم، كفايه ان كنت بتنادينى جنتى.
ضربته بكتفه بقوه لتصيح بهستريا باكيه: انت مكنتش بس بتنادنى انت كنت بتوصفنى، بتوصف مكانى عندك، كنت جنتك يا عاصم..

امسك يدها التى تدفعه بحده و همس و هو يقربها اليه كأنه يراها و عينه تحاصر اللاشئ الان: كنتِ...!
و صمت كلاهما، صمت اصخب من اى كلام، صمت كان حديث خاص للقلب..
و ما اجمل من الصمت لغه، لغه بلا غضب بلا صراخ فقط تحمل الحب و الكثير الكثير من الاشتياق..
حتى ابتعدت عنه و هى تضع يدها بيده لترفعها بينهم في وضع المراهنه و تتحداه بقوه: خلينا نشوف مين هيكسب!

ضربت يديهما المتعانقه بصدره ليشعر كلاهما بنبضاته و تمتمت بصوت عالى، قاسى كما لم يعتاده منها من قبل: عاصم الحصرى...؟!
ثم ضربت يديهما بصدرها هى ليشعر كلاهما بنبضاتها و ابتسمت و بنبره اكثر قوه و دفئا: و لا قلب عاصم الحصرى؟

متمردتى الجميله...
خرجت سلمى من غرفتها على صوته لتجده يتقدم اليها بلهفه محتضنا اياها ليرفعها و يدور بها عده مرات و هى تتمسك به و تضحك بسعاده حتى اوقفها ارضا، اخذت انفاسها قليلا و هتفت تتسائل بفرحه: ربنا يديم الفرحه بس قولى السبب افرح معاك.
اتجه للاريكه و جلس عليها براحه رافعا قدمه مستندا بها على الطاوله الزجاجيه امامه و ضيق عينه بخبث يلاعبها و يتلاعب بفضولها: هتدفعى كام؟

عقدت حاجبيها بغضب و زمت شفيتها و اقتربت منه هاتفه و هى تضغط على حروفها غيظا: كام واحده يا حبيبى؟
جذبها من يدها لتسقط فوقه لتشهق بخضه و هو يأرجحها بقدمه كطفله صغيره و اشار لوجنته: هنا..
فنظرت اليه بغيظ ثوانى ثم اقتربت طابعه قبله على وجنته اليمنى ليستدير بوجهه مشيرا لوجنته اليسرى فاقتربت طابعه قبله اخرى عليها، لينظر اليها قليلا ثم ينظر لشفتيها و يهتف بعبث: دى بقى باخدها بدون طلب.

تبعها بأسر شفتيها بين شفتيه بشقاوته المعتاده و هى تذوب تماما اسفل لمساته الحاره و انفاسه المشتعله التى اشعلت قلبها بنبضاته المجنونه التى تروى عن عشق تملك منها، عشق لهذا العابث.
حتى ابتعد مستندا بجبهته على جبهتها و مازال كلاهما مغلقا عينيه فهمس بحراره مشاعره الان: انتِ بتعملى فيا ايه؟

فتحت عينها بهدوء لتمررها على ملامحه القريبه منها فتبتعد للخلف قليلا ثم اقتربت بشغف تطوقه بقبلات متفرقه تاه هو بها مصدرا تأوه خافت جعلها تضحك بعبث و هو يدفعها فجأه لتسقط على الاريكه و هو يطل عليها من عليائه و يبتسم و عيناه تحاصرها تماما: انتِ عارفه عقاب السرقه ايه؟
عقدت حاجبيها و ضحكت برعونه مدعيه الاستغراب و هى تتسائل بصدمه مصطنعه: سرقه!

هبط بقبله اخرى على شفتيها لتستسلم له تماما لحظات هادره ثم ابتعد هاتفا بغمزه مشاكسه: اه سرقه و بدون اذن صاحبها كمان.
كانت مخدره تماما بفعل اقتحامه لوعيها بطوفان مشاعره الجياشه التى دائما ما يُنسيها نفسها في وجوده، هبط بقبله ثالثه بثتها مشاعره الهوجاء ليتمتم بين شفتيها بعشق: سرقتِ قلبى، عقلى، حزنى، سرقتِ روحى، كنتِ جريئه قوى و متمرده..

ضحكت بسعاده مطلقه لتتوه ضحكتها معه في عنفوان لفهما معا، حتى ابتعد و همس امام شفتيها بعشق جارف اذابه و اذابها بسعاده معه: شكرا بجد يا سلمى، شكرا على وجودك في حياتى، شكرا لانك نورتِ ايامى كلها بيكِ، يمكن عصبيه و لسانك عاوز يتقص، بس طيبه و جدعه و انا بحبك زى ما انتِ كده..

ضحكت بسعاده عده مرات متتاليه و مازالت عينها مغلقه و هو يطالعها بفخر و اعجاب و عاد يهمس بامتنانه لها بنبره مختنقه: انتِ غيرتِ كل حياتى، لونتيها بألوان الفرحه، بدلتِ الخوف من المستقبل لراحه و امان، انا وجودى بيكِ و ليكِ يا سلمى و هفضل طول عمرى ليكِ..
فتحت عينها لتواجه عينه المحمله بمشاعره، مشاعر حب و خوف، راحه و ألم، مكسب و خساره و اخيرا فقد و امتلاك.

ملامحه التى يرتوى بها قلبها، نظراته العاشقه التى تغلفها بالسعاده،
هو خسر الام ليتبعه اهمال الاب فمجافاه و كره زوجه الاب فبات يرى بها كل ما يملك،
و هل هناك افضل من روحين يجمعهما عشق ليصبحا روح واحده، هل هناك اجمل من زوجين يرى كلاهما بالأخر نفسه؟!

اقتربت منه محاوطه وجهه بين يديها لتستند بجبهتها على جبهته و تهمس بصدق و حقيقه مشاعرها هى الاخرى: و انا مش محتاجه غير وجودى جنبك، ثم ابتعدت و عبثت بوجنته بدلع: و اذا كانت دى سرقه يبقى انا متهمه و بعترف يا فندم.
ضحك بسعاده ضاما اياها لتتسائل بابتسامه متفهمه و من معرفتها له قد استنبطت ما سبب فرحته العارمه رغم ما تنبض به ملامحه من تعب: كنت خايف منها و لا فاقد الامل في نجاحها؟!

عقد حاجبيه قبل ان يبتسم مجيبا و قد ادرك انه تجاوز مرحله ان يُدهش لفهمها له و لكنه عبث: هى ايه دى؟
اتسعت ابتسامتها هى الاخرى تردف مانحه اياه صك بصدق احساسه: العمليه اللى مفرحه قلبك بنجاحها كل الفرحه دى.!

لمعت عينه بسعاده و اومأ برأسه بحماس و هو يشرح لها مقدار ما كان فيه من توتر و خوف لا قله ثقه بقدراته بقدر ما كانت قلق لصعوبتها: الحاله كانت صعبه جدا، كتير حذرونى منها و ان ممكن فشلها يأذى المريض اكتر من حالته دلوقت، بس كان كلى ثقه انى هقدر انقذه، كنت واثق في ربنا قوى و فعلا نجحت يا سلمى، كان اهله فرحانين جدا، كم الدعوات اللى جازونى بيها خلتنى اسعد انسان على وش الارض، احساسى انى قدرت ارسم الضحكه على وشوشهم كان ميتوصفش يا سلمى..

امسكت بياقه قميصه تهندمه بفخر و نظراتها تمطره بعشق و دعم: انت كل مره بتفرح كده يا امجد، كنت بتعجب سبب فرحتك خصوصا ان انت بتأدى واجبك مش بتعمل حاجه زياده لكن خلتنى افهم يعنى ايه اعيش شعور ناس افرح لفرحتهم و احزن لحزنهم، انا فخوره بيك جدا جدا يا دكتور.

و لحظه صمت تنظر فيها هى ارضا، ثم امسكت يده بينما هو حاوط خصرها منتظرا الاتى فعينها اخبرته انها ترغب بشئ و قد كان عندما تمتمت بجزل: عاوزه اقولك حاجه و اطلب منك طلب؟
اومأ برأسه ضاربا جبهته بجبهتها موافقا دون تردد، هو يميلها للخلف قليلا صائحا بمرح: استغلال ده بقى، بس عموما كل طلباتك مجابه النهارده..

قهقهت عاليا لتطرب ضحكاتها اذنه حتى اعادها باستقامه بين يديه فأمسكت يده واعتدلت جالسه مما اخبره ان الامر جادا فانتبه لها: الموضوع الاول، انا عاوزه انزل الشغل تانى!

ابتسم باحتواء و اومأ برأسه رافعا يدها مقبلا اياها قائلا و هو يعبث باصابعها: يوم ما قررتِ تقعدى انا وافقتك و قولتلك وقت ما تحبى ترجعى تانى انا مش همنعك، انا كده كده ببقى مشغول طول اليوم و انتِ بتبقى لوحدك و انا متأكد انك بتزهقى و علشان كده انا معنديش مانع بس طبعا عارفه المطلوب بالمقابل..

حركت رأسها سريعا موافقه و على وجهها ابتسامه بلهاء، فرغم عدم قناعتها بطلباته و رغم عدم موافقتها على تنفيذها تجاريه حتى تتجنب حوار طويل ممل و عقيم و لن تعمل به في النهايه.!
فابتسم بالمقابل و رفع يدها لفمه مجددا ليقبل الاصبع التانى و يقول باستعداد: و ايه الطلب؟

ارتبكت قليلا و نظرت ارضا بينما يتابع هو ملامحها المضطربه و عقد حاجبيه مترقبا و ضغط يدها بين يديه مطمئنا فرفعت بصرها اليه لتمتلئ عينها بالدموع و هو تمتم بصوت خفيض: بالله عليك توافق..
ازداد قلقه فرفع وجهها اليه ليرى حزنها بوضوح قائلا بنبره حانيه: على ايه يا حبيبتى قولى؟

لحظات صمت ايضا حتى هلكت اعصابه و ازداد ضغطه لكفها و معه ازداد ارتباكها متوقعه رفضه القاطع كالايام الماضيه و لكنها ستطلب و تطلب حتى تطمئن فتمتمت بخفوت: اعمل تحاليل!
زفر بقوه تاركا يدها و هم بالنهوض من جوارها فأمسكت يده مسرعه و نبرتها تختنق بخوفها: بالله عليك يا امجد، انا التفكير هيموتنى، مليون هاجس و مش هعرف اتعايش مع الموضوع كده..؟

تقدمت لتقف امامه و نظرت اليه برجاء لم يراه في عينها سوى بهذا الموضوع و محقه فكونها ام او لا امر ذات شأن عظيم: انت دكتور و عارف يعنى ايه خوف من المرض، ليه مش بتساعدنى؟ انا مش عاوزه اعمل حاجه من وراك لانى محتاجه لك جنبى، ارجوك وافق..

امسك بكتفها يهزها بقوه: احنا بقالنا قد ايه متجوزين يا سلمى، كام سنه ها، انتِ ليه بتتوقعى البلاء قبل وقوعه، فين حسن الظن بالله، دا رزق يا سلمى ايه المشكله رزقنا اتأخر شويه؟
ازداد انهمار دموعها و تمتمت بعجز: انا مش معترضه على قدرى بس خايفه، ايه المشكله انى اطمن، ليه لا؟

ابتعدت عنه تهتف بجزع و قلبها ينبض بعنف: عارف يعنى ايه افضل افكر ليل نهار انا هبقى ام و لا لأ؟، طيب لو ربنا كاتب لى لأ انت هتفضل جنبى و لا لأ؟، عارف يعنى ايه مش عارفه انام من كتر تفكيرى و خوفى؟ انا تعبت يا امجد...
ثم اقتربت منه ممسكه بقميصه برجاء خالص لتهتف بسرعه متلهفه: التحاليل مش هتاخد وقت و النتيجه لو طلعت ايجابيه يبقى انا اطمنت و هصبر لو لاخر العمر لكن لو النتيجه سلبيه...

قطعت كلماتها و انتفض جسدها بكاءا لتضع يدها على وجهها تخفيه و لحظات لتشعر به يجذبها بقوه ليضمها لتتمسك به مخفيه نفسها بين ذراعيه تحاول بشتى الطرق اقناعه: عاوزه اوصل السما او ارسى على الارض مش متحمله افضل متعلقه كده، بالله عليك..
شدد من ضمها و عقله يكاد يفارقه، هو لا يخشى سوى عليها..

ربما تعنى نعم او لا، ربما تعنى اما تصل لعنان السماء و اما تصل لاعماق الارض، ربما تعنى اما راحتها و اما كسرها، كيف يجازف بشئ هكذا، كيف؟
و لكن امام انهيارها هذا ماذا يفعل!
يعلم جيدا ان زوجه ابيه لا تتركها و ليس بيده شئ الان سوى، الموافقه..
مسد ظهرها بحنان و داعب اذنها بكلماته يعيدها لقوتها و تمردها من جديد: انا مش متعود عليكِ كده، فين سلمى مراتى يا ست انتِ؟

و عندما ابتسمت بخفوت تنظر لعينه بترقب منحها ما تريد بحزم و هو يخشى العواقب عليها: انا موافق يا سلمى، نعمل التحاليل.
ابتعدت عنه مسرعه لتنظر لعينه بلهفه و كأنها تستشف صدقه من مراوغته لتصمت: بجد موافق اعملها؟
ضم وجهها بكفيه و ابتسم بطمأنينه و أردف بحسم قاطع: هنعملها يا حبيبتى..

الليل بوعوده قاسى، و يا ويلي من ساعاته..
و الصبر لسه ساكت، و يا ويلى من سكاته..
الليل بدموعه قاسى، و يا ويلى من ساعاته..
و الصبر لسه ساكت، و يا ويلى من سكاته..

خيم الظلام على الجميع ليستكين كلا منهم في فراشه، منهم من يغلبه عقله و يستلم لافكاره التى ربما تدمر ما بقى من وعيه، منهم من استسلم لوجع القلب لتشاركه وسادته حزنه و دموعه، منهم من راقب السماء و داخله يعصف به و رغم سكون الليل يرى داخله اعاصير، و منهم من يرى ان لا فائده من التفكير و لا شئ يمنع النوم من مغازله الجفون..
ليل واحد و نفوس مشتته، قمر واحد و قلوب متفرقه..

و من بين الجميع رفضت تلك المتسلله الاستسلام لفراشها، النوم او حتى التفكير بعد اداء صلاه الفجر بل حملت كل ما بها و اتجهت اليه بخطوات قلقه و لكنها متحفذه، فتحت باب الغرفه بهدوء شديد رفعت طرف قميصها الطويل لتسير للداخل على اطراف اصابعها و تغلق الباب خلفها بحذر اشد..

اقتربت منه لتجده نائم بسكينه لتبتسم بحب و هى تقترب منه لتجلس امامه على الفراش تراقب ملامحه التى سمح لها ضى القمر برؤيتها، عيناه المغلقه و التى اشتاقب للتيه بين حصونها، شفتاه التى رغم سكونها تشعر بها تصرخ بصرامه، لحيته الصغيره التى تراه بها لاول مره فهو منذ الحادث لم يهندمها بل تركها لتضيف وسامه قاتله و جاذبيه مهلكه عليه و على قلبها المسكين الذى يدفعها الان للعبث بها..

اخفت وجهها بين كفيها خجلا من افكارها ثم ابعدتهم لتتطلع لملامحه مره اخرى ثم رفعت يدها لتلامس يده الخشنه بنعومه مفرطه تهمس بشجن: ان قلت انت يا ريت مره فأنا بقولها دلوقت ألف..

ثم اقتراب، فقبله صغيره على يده تبعتها بآه خافته و اعتدلت رافعه شعرها بهدوء لتستكين رأسها على ذراعه الاخر المفرود على الفراش ثم تترك خصلاتها لتلامس يده بعشوائيه و تمددت بجواره كليا ممسكه يده الاخرى بهدوء تنظر لوجهه بحذر لتضعها على خصرها، اغمضت عينها و قلبها يرقص فرحا، فكم من مره تمنت ان تغفو بين احضانه!

وضعت يدها على يده الموضوعه على خصرها و تنهدت بارتياح غير عابئه برد فعله صباحا و تمتمت بضعف بعدما طغت افعالها السابقه على ذاكرتها: يمكن لانك متعرفش معنى الخوف مفهمتش خوفى.!؟

ثم ابتسمت بهدوء متذكره ذلك اليوم الذى لجأ لحضنها ليسألها ان تعتق قلبه فضغطت يده و هى تحتويها بين كفيها لتهمس بعاطفتها المفرطه: الليله دى، الليله دى عاوزه انسى كل حاجه هنا، هنا بين ايديك، انسى خوفى، انسى غضبك، انسى نفسى و افتكر حاجه واحده بس، انى بحبك.

استدارت ببطء ليصبح وجهها مقابلا لوجهه لترفع يدها لتضعها على وجهه و تردف و دمعه هاربه تفارق جفنها لتتساقط على طول انفها حتى تذوقتها شفتيها: قلبى اللى عاش طول عمرى خايف يطمن جنبك، عقلى اللى تعب من التفكير في البعد يستسلم لحبك، نفسى اللى خسرتها سنين كتير ترجع ليا من تانى علشانك...

وضعت رأسها على كتفه و اكملت و دموعها تترك الاثر على ملابسه و ابتسامه صغيره تزين شفتاها المبلله بالدموع، ابتسامه منكسره، نادمه و عاجزه: عارف ايه اكثر حاجه بتمناها!،
اقتربت تسند رأسها على ذقنه لتلامس انفاسها عنقه و هى تهمس بشغف: انى اعيش اللى باقى من حياتى في حضنك، اعيش يوم واحد بس احس فيه تانى بحبك، يوم لو انتهت حياتى بعده انا راضيه..

شعرت بتتشدد قبضه يده على خصرها فرفعت رأسها مسرعه لوجهه و لكنه كان ساكنا تماما فزفرت ببطء و عادت تستسلم لدفئ يديه و بدأ النوم يداعب جفونها حتى غطت في نوم عميق...
انتفض قلبه الرابض خلف ضلوعه بألم و حسره،
تتمنى يوم واحد تشعر فيه بحبه، حبه الذى حاوطها دائما لا يوم بس اعوام،
حبه الذى فنى نفسه ليصلها، و لم يصل،
كم انها انانيه، كانت و لا زالت و ستظل انانيه!

تريد يوم واحد و لكنه يتمنى ألف عمر ليحياه معها، تريد ان تحيى ما تبقى من عمرها في حضنه و هو لو بيده لاعاد الماضى، جمع الحاضر و طوع المستقبل ليكون لها طوال عمره، لها هى فقط..
هذا اكثر ما تتمنى و لكنها كل امنياته!

ود لو يضمها اكثر و لكن أبت يداه فإن صعد لأول درجه سيهرول نحو الباقيه، ود لو يبثها اشواقه و لكن البقيه الباقيه من صبره انتصرت فلو انفرط الان لن يُكبح جماح شوقه لها ابدا، ود لو يغمرها بقبلاته و لكن ربما ان فعل يغرق بها و معها في دوامه لن يستطيعا الخروج منها
اذا يبتعد و الاجابه داخله ضحكه ساخره..

لذلك استسلم بهدوء لانفاسها المنتظمه على صدره و لعبق رائحتها الذى اعاد احياء روحه و هو يعيد شريط انجازاتها بحياه عشقه و تلاعبها السخى بكل قوانين حياته...
هدمت قلاع ظلمته لتستكين اما مرآه عينه التى لا تحمل من الملامح سواها،
عبرت اسوار قلبه لتجلس بفخر على بحر مشاعره و طوفان اشتياقه الذى لم و لن يكون لسواها،.

اخمدت براكين لوعته و بددت جبال احزانه لتسير برعونه على رمال عشقه تبعثر صمته و تلملم اصداف حبه التى اعدها لها و فقط لاياها،
تربعت على عرش قلبه و جعلت كل النساء جوارى عداها،
ف كيف يكون للجنه شبيه و كل الحسن احتكرته سماها،
و كل السهاد لها فالليل و القمر و النجوم فداها،
فإن كان العشق دلالا فلمن يكون الدلال ايلاها...!

اشرقت الشمس صباحا لتداعب جفونها بحريه و سعاده لترفرف اهدابها و ينير ابريقها العسلى بنور الصباح و هل هناك اجمل من صباح برائحته و ضى الشمس!
نظرت له بتوجس و لكنه مثلما وجدته بالامس مطبق لعيناه مستكين تماما فابتسمت و طبعت قبله على وجنته متمتمه بهمس شديد: صباحك جميل..!

ثم طبعت قبله اخرى و تسللت بهدوء من اسفل يده المحاوطه لخصرها و نهضت لتقف امام الفراش تهندم ملابسها لتنظر له بعدها بلهفه و ابتسامه ناعمه ثم بنفس هدوئها تتسلل للخارج، و بإغلاقها للباب كأنه قد حان الوقت ليستيقظ، و لكن عجبا فلم يستيقظ عابسا و لم يعقد حاجبيه بل ابتسم باشراقه يتلذذ بملمس شفتيها على وجنته..

نهض عن الفراش و لكن بمجرد ان افاق لعتمته تجهم وجهه و عادت شفتاه تنحنى بغضب و يداه تشدد قبضتها بضيق..
فالجوله الاولى، ربحتها - قلب عاصم الحصرى -...!
بالاسفل جلست مها تتناول فطورها لتتجه للشركه و الجميع يراقبها بتعجب بعدما اخبرتهم عن انفصالها المفاجئ و لم تخبرهم سبب مقنع فكيف تفعل و هى حتى لا تعرف سبب فعله لهذا..

رفعت رأسها لتجد نظرات عز و ليلي مركزه عليها بينما شذى مندمجه بطعاهما بتلذذ فابتسمت و اشارت تغير مجرى التفكير حضرتك كنت بتقول هتقدم على عمره السنه دى يا خالو، صح؟
نظر اليها لحظات ثم اومأ برأسه و اجابها و قد تحدثت في احب المواضيع لقلبه: انا حجزت فعلا، هنطلع انا و ليلى و هناخد شذى معانا و ربنا ييسر احتمال كبير محمد و نهال يطلعوا زينا..

اتسعت ابتسامتها و لكنها قبضتها مجددا و ليلي تحدثها بحزن و قلق: متعرفيش اخبار عن حنين يا مها؟
اضطربت مها ثم نظرت اليها بحزن و عتاب فلمعت عين ليلي بالدموع: نهال كلمتنى و قالتلى ان الموضوع مدبر، كلنا ظلمناها..
طأطأ عز رأسه و هو يشعر بذنب عظيم ارتكبه و صراخها له ذلك اليوم لا يختفى من اذنيه..

كيف طاوعه قلبه ليشكك بابنته!، كيف اطاعته يداه لتترك اثارها بصفعه على وجهها!، كيف استجاب له تفكيره بفرض اتهام كهذا على صغيرته!، كيف؟
تابعت مها حزنهم البادى بوضوح على ملامحهم ثم اشارت و هى تؤمن بحديثها حنين قلبها طيب، و مع الوقت هتسامح، اللى حصل كان كتير قوى عليها بس الوقت كافى يطيب وجعها، اسمحولها بشويه وقت و بعدين الامور هتتحسن اكيد.

اومأ كل من عز و ليلي لتنهض مها لتغادر، دلفت للشركه و اتجهت مباشره لمكتبها لتجلس بتنهيده على مقعدها لتخفى بعدها وجهها بيدها و شعور بالوجع يغزوها...
اجل ادركت ان ابتعاد محمود عنها كان حتميا ولكن هى تعلقت به، قلبها احب وجوده بجوارها، مغازلته و دلاله، جرأته و حبه، اهتمامه بها و خوفه عليها..
هى جميله و لكن جمالها لا يخفى عجزها، هى قويه و لكن قوتها لا تمحى ضعفها..

هى متاكده انه احبها، و ربما لم تحبه بقدر ما احبت حبه لها
و لهذا تلك هى النتيجه النهائيه لاختبار ضعفه و ربما ضعفها..
قطع افكارها صوت الهاتف الداخلى رفعته ليصلها صوت هناء تخبرها ان اكرم يطلبها بمكتبه، اغلقت الخط و نهضت و هى تحمل عده اوراق و تصاميم كانت تعمل عليهم الايام الماضيه، اخذت نفس عميق و رسمت الهدوء بجداره على وجهها و اتجهت اليه..

طرقت الباب و دلفت و بمجرد ان فعلت نظر اليها و اغلق الاوراق بيده و نهض عن المقعد دار حول المكتب واقفا امامه مستندا عليه لينظر لها بتمعن و هتف بنبره جديه دون اى مقدمات: محمود قدم استقالته ليه؟
توترت قليلا و ظهر ذلك واضحا عندما ارتجفت عينها و ضمت الاوراق بيدها لصدرها اكثر، تابعها قليلا ليعود يقول بضيق يحاول تخمين السبب: عارف انى مليش حق اتدخل في حاجه تخصكم لكن كمان كلامه معايا اخر مره خلانى اسأل.!

ثم اعتدل مقتربا منها خطوه هاتفا بتحفز و غضب: و بعدين انتِ حطتيني في موقف انا محبش اكون فيه، ليه مقولتيش له عن الحادثه اللى حصلت يوم ما روحنا الموقع، مش عارف!، و لو وقتها خوفتِ يتهور على الراجل ليه مقولتيش له بعدها، برده مش عارف! انتِ متخيله موقفى لما وقف قدامى يقول انت عارف و انا لا؟

ثم اشاح بيده يُزمجر بشرود و تعجب يخالطه بعض الارتباك: انا مليش حق اتدخل في حياتك بس انا بقيت في حياتك و انا مش عارف ايه السبب و ليه و دا معناه ايه؟
رفع عينه اليها و اشار باصبعه تهديدا بعنف: انا من حقى اسأل، ثم وجه اليها اصبعه بحده: و انتِ لازم تجاوبى.!

و مع كل كلمه منه كانت تشعر بالارض تميد بها و الدموع تتجمع بعينها و بعد ان انتهى رفعت رأسها اليه لتجده يراقبها منتظرا اجابتها على اسئلته و هى لا تفهم ما هى الاسئله من الاساس فقد كان يبدو كمن راكم بداخله العديد حتى ما عاد لديه طاقه فانفجر كل شئ متتاليا حتى ما عاد واضحا لتفهمه، و يا ليتها تعرف انه هكذا بالفعل..!

تراكمت الدموع بشكل اكبر بعينها ليلاحظها هو مع ارتجافه ذقنها دلاله على انها على وشك البكاء ليعقد حاجبيه فورا و يهدأ قليلا من انفعاله و جال بعينه بالغرفه محاولا اصلاح الموقف: انا...

قطع كلماته عندما وصله انينها لتعود عينه اليها ليجد الدموع انهمرت من عينها تباعا و هى حتى لا تُحاول ازالتها فقط تقف تضم الاوراق لصدرها كتلميذه معاقبه امام معلمها، و حقا كم كانت تحتاج لانفجاره الذى فجر وجعها علها تهدأ و ترتاح، انتفض قلبه و اشار لها و هو يعتدل ليقف باستقامه او ربما ليمنع الارتباك الذى اصابه يفرد اليها كفيه يمنعها و هو يهتف بجزع: لا، لا اوعى، متعيطيش، لا متعيطيش، خلاص..

ازداد انهمار دموعها بشكل زاد ارتباكه اضعاف مضاعفه فاقترب منها خطوه اخرى و قلبه يتلوى الما عليها احسنت يا اكرم امطر بحر الفيروز بسببك احسنت
وقف امامها و هو يبتسم و يعبس على التوالى، يعقد حاجبيه و يبسطهما، يفتح فمه ليتحدث ثم ما يلبث ان يغلقه حتى طاوعه لسانه اخيرا و هتف بضحكه ساذجه رأيتها هى واضحه: و الله ما عاوز اعرف، خلاص متعيطيش، انا غلطان اعتبريني مسألتش، لكن متعيطيش..

رفعت عينها اليه و دموعها تزداد و هو يقف بلا حيله حتى استدار للمكتب مسرعا و امسك بكوب الماء و باليد الاخرى حمل عده مناديل ورقيه و تقدم منها مجددا، نظرت ليديه الاثنين ثم اليه و هى تعجز عن التوقف كأنه اعطاها الرخصه لافراغ هم قلبها، وقف امامها مباشره و مد يده بالمناديل الورقيه قائلا بتلعثم: اتفضلى اشربى مايه..

نظرت ليده بتعجب و دموعها لا تتوقف فنظر هو الاخر ليرى انه يعطيها المناديل فاعاد يده و مد يده الاخرى بكوب الماء قائلا بلهفه مرتبكه: طيب خدى المناديل..
نظرت ليده مجددا فأدرك انه اخلط الامور مره اخرى فزفر بقوه و مد يده الاثنين اليها هاتفا بنفاذ صبر و قد اختبر لاول مره معنى ان يرتبك و قد زال كل وقاره، هدوءه و ضاعت كاريزمته امامها: خدى المناديل و اشربى مايه..

نظرت ليده الممدوده ثم رفعت عينها لملامحه المتوتره و لم تستطع كبح جماح ضحكتها لتنطلق تضحك بقوه على ما فعل و الارتباك الذى اصابه و التى تراه لاول مره بأكرم الالفى - الهادئ الوقور صاحب كاريزما الاتزان - بينما هو امامها تسمر تماما و الدماء تتجمد بعروقه و صورتها الضاحكه تغتال قلبه المتيم بها..
هى اجمل من القمر في حزنها، فكيف تكون في سعادتها!
ان اضحى القلب شهيد دموعها، فكيف يصير بفتنه ابتسامتها!

ان تاه العقل في عبوسها، فكيف يغدو باشراقه وجهها!
و ان فقد نفسه في بعدها، فكيف يلقاها جوارها!
هدأت ضحكاتها اخيرا بعدما ادركت الوضع حولها فامسكت المناديل الورقيه من يده و كذلك كوب الماء، ثم اشارت له برأسها كأنها تشكره و على وجهها تتراقص ابتسامه تحاول اخفائها..

فحمحم و عاد للخلف ليعطيها ظهره للحظات يحاول استجماع نفسه حتى اقتربت هى منه و وضعت الكوب على المكتب و كذلك اوراق المشروع فأخذ نفس عميق يشعر انه فقده منذ قليل و نظر لها فأشارت و هى ترفع يدها اليمنى التى اصبحت خاليه امام عينه انا و محمود انفصلنا يمكن علشان كده استقال،.

اخفضت يدها و هى تراقب تجهم وجهه و صمتت ثوانى ثم اشارت مجددا و هى حقا تعنى ما تقول اما ايه سبب انى خبيت عليه، مش عارفه!، و ايه سبب وجودك الغريب و المفاجئ ده برده مش عارفه!، بس اكيد يوم ما اعرف الاجابه هبقى اجاوب حضرتك
نظرت اليه نظره غريبه لا تدرى هى ماهيتها و لا يدرى هو سببها ثم اشارت بكلمه اخيره قبل ان تخرج شكرا.

و تحركت للخارج مسرعه بينما ظل هو واقفا يراقب الباب باندهاش و ضيق و يا للعجب لا يوجد فرحه..

حنيين، تعالى بسرعه..
صرخت بها حياه بالخارج لتنتفض حنين ركضا لمصدر الصوت لتجد حياه تقف امام غرفه محمد و هى تضحك و تبكى بنفس الوقت...
اقتربت حنين منها و امسكت ذراعها بلهفه و قالت و قد اثارت صرختها توترها: فيه ايه يا حياه؟

اشارت حياه للداخل باصبعها لتنظر حنين بالمقابل لترى محمد يقف على قدميه و يتحرك ببطء بمساعده نهال، فاتسعت عينها باشراقه و الفرحه تطرق ابواب قلبها المغلقه فركضت للداخل هاتفه: بابا، انا مش مصدقه، حمدلله على السلامه..
ابتسمت نهال بسعاده و كذلك محمد ليتمتم بضعف: الله يسلمك يا نواره بيتنا..

اتجهت اليه ليستند عليها من الجهه الاخرى ليتحرك معهم للخارج حتى وصلا للحديقه الخارجيه للمنزل ليُسقط ذراعيه عن كتفهم و يرفع رأسه لاعلى مستنشقا الهواء بافتقاد فمنذ اشهر عده لم يغادر فراشه..
احضرت حياه مقعد مسرعه لتضعه خلفه و صاحت بجم سعاده قلبها: اقعد يا عمو..
جلس و قلبه ينبض فرحا، ها هو اليوم بدون اجهزه تخنقه، ها هو يستنشق هواء الطبيعه، ها هو يعود لتلامس قدميه الارض، ها قد عاد لحياته..

وقف ثلاثتهم حوله و اعينهم تفيض فرحه حتى صرخت حياه و هى تقفز بسعاده: مازن، لازم اكلمه هيفرح قوى لما يعرف..
ضحكت نهال و نظرت اليها: هيسيب شغله و هيجى يا بنتى خليه لما يجى نقوله..
ابتسمت حنين بالمقابل و اجابتها متناسيه حزنها منها: و ايه المشكله يسيب الشغل و يبقى وسط اهله في الفرحه دى، و بعدين دا حقه..
اشارت حياه بيدها و هتفت مؤيده: صح، انا هكلمه..

و ركضت للداخل مسرعه لتهاتفه و عادت بعد دقائق تضحك بسعاده فنظر الجميع اليها فهمست من بين ضحكاتها: مصدقش، كان رد فعله غريب قوى...!
ضحك محمد و تمتم فمن افضل منه يعرف اولاده جيدا: قفل التليفون من غير ما يجاوبك و بعدين اتصل بيكِ يتأكد انك اللى كلمتيه فعلا، صح؟
نظر الجميع اليه و خاصه حياه هاتفه بتعجب: صح، بس حضرتك عرفت ازاى!
ضحك ضحكه قصيره و اضاف بثقه: ابنى و حافظه..

ضحك الجميع و بعد قليل دلف مازن و هو يركض وبمجرد ان رأى والده امامه هتف بصياح مرح و صوت عالى: اللهم صلى على النبى، الحديقه نورت..
ثم رفع يده ليضعها اعلى فمه و يزغرد بلهفه مرحه و صوت انثوى، لتندفع كل من حنين و حياه بضحكات صاخبه و كلتاهما تراقبه بذهول على رد فعله الغير متوقع..

بينما هو لم يأبه بأحد بل اتجه لوالده و جلس على ركبتيه امامه و امسك رأسه مقبلا اياها تبعها بتقبيل كفيه ليهمس بتحشرج: حمد لله على سلامتك يا حاج.
ربت محمد على كتفه وابتسم بحنان ابوى: الله يسلمك يا ابنى..
نظرت نهال اليهم و دون تفكير اضاءت صوره فارس في مخيله ثلاثتهم لتمتلئ عينهم بالدموع، ويمتزج حزن القلب بفرحته...

نظرت حياه لحنين و التى كانت على وشك الانفراط معهم و قالت بصوت عالى: انتِ واقفه ليه كده تعالى نعمل حاجه نشربها و احنا قاعدين في الجو الجميل ده.!
فرفع مازن رأسه مبتسما و صاح و هو يرفع يده: انا عاوز قهوه..
بينما ضحكت نهال و هى تجلس على مقعد بجوار محمد رافعه يدها هى الاخرى: و انا عصير فراوله..
عقدت حنين يدها امام صدرها و هتفت بغيظ مثلما كانت تفعل مع ابيها و امها: اى طلبات تانيه!

نظر اليها مازن من اعلى لاسفل و هتف باستفزاز: بسرعه علشان ورايا مشاغل مش فاضى..
تلاقت عينها معه هى بغيظ سافر و هو باستفزاز عابث ثم ارتبك كلاهما فاخفض مازن رأسه و اسرعت حنين للداخل، احضروا ما يلزم و بدأت حياه باعداد العصير قائله: اعملى انتِ القهوه مبعرفش اظبطها..
ثم استدارت لها و اضافت: مازن بيحبها باللبن..

اومأت حنين و اخرجت اللبن واضعه اياه ليغلى واقفه امامه تراقبه، بينما انتهت حياه من اعداد اكواب العصير فقالت: هخرج انا لهم و انتِ هاتِ القهوه..
ابتسمت حنين موافقه وخرجت حياه، صعد مازن ليبدل ملابسه و عندما هبط وجد حنين مازالت بالمطبخ فاتجه اليها ليجدها شارده تماما و اللبن على المقود على وشك الغليان، فأسرع و هو يهتف: اللبن..

و لكنها كانت في عالم اخر لم تنتبه له حتى اقترب منها و كان اللبن قد غلى على الموقد ليتساقط على جوانب الاناء فصرخ بجزع و يأس: فار، فار
انتفضت على كلمته و عينها تتسع بصدمه و هى تراه امامهاا و لكلمته اخذت تركض بعشوائيه و هى تصرخ: فين؟ فين ده!
نظر اليها بتعجب من حركتها البهلوانيه الشبه راقصه و ملامحها المذعوره حتى وجدها تقف خلفه تتمسك بملابسه و تصرخ خائفه: هو فين الفار؟

و همت بتركه لتركض خارج المطبخ حين نزع هو يدها عن ذراعه المتشبثه به بعدما ادرك سبب خوفها و همس باستنكار و قله حيله: فار ايه بس؟، اللبن فار يا دكتوره..!
اتجه لموقد الغاز مطفئا اياه بينما هى شهقت مستوعبه ما فعلت و اثار سقوط اللبن خير دليل فعضت على شفتيها واضعه يدها على فمها هامسه بخفوت: انا اسفه مأخدتش بالى..

استدار لها ليحرك رأسه يمينا و يسارا بمعنى يا خساره و خرج من المطبخ فضربت هى جبهتها بعتاب و خجل لتجده يدلف مجددا ناظرا ليدها على جبينها باستنكار فأخفضتها مسرعه فقال بتحذير صارم: القهوه ان فارت مش هشربها..
و خرج لتنظر هى للموقد بحسره لتجده يدلف مجددا فنظرت اليه فقال بتهديد جدى: و وقتها هجيبلك فار حقيقى..

اتسعت عينها بجزع فأشار اليها باصبعه مرتين متتاليتين و هو يرفع احدى حاجبيه ثم خرج ليقف امام المطبخ يبتسم لا يدرى السبب ثم حرك رأسه يمينا و يسارا و تحرك للخارج..
بينما في الداخل ظلت حنين تراقب الباب الذى اانصرف من جواره بذهول و تمتمت بعدم استيعاب: هو ممكن يجيب فار بجد؟!
ابتسمت و هى تشيح بيدها هاتفه باستنكار: اكيد لأ يعنى..
ثم نظرت لارضيه المطبخ و همست بعدم تصديق: بس ممكن يعملها فعلا!

رفعت رأسها محركه اياها بنفى مبتسمه بثقه: لأ لأ اكيد لأ...
انتِ بتكلمى نفسك يا حنين..
افاقها من تساؤلاتها العابثه صوت حياه الضاحك، فنظرت اليها و ابتسمت و قامت باعداد القهوه و هى تنظر اليها بتركيز شديد و عندما لاحظتها حياه قالت متعجبه: انتِ مركزه قوى ليه كده؟
نظرت اليها تلقائيا و همست بحرص: علشان ميجبش الفار..
عقدت حياه حاجبيها وتمتمت بدهشه: فار! هو مين ده؟

اطفأت حنين الموقد و وضعت القهوه بالكوب و حملته ناظره لحياه هاتفه بسذاجه ضاحكه: البشمهندس مازن قالى انى لو سيبت القهوه تفور هيجيب ليا فار حقيقى و انا بخاف منهم..

نظرت اليها حياه ثوانى ثم قهقهت بصوت عالى و هى تضع يدها على معدتها لا تستوعب كم البراءه التى تتحدث بها تلك المرأه التى وصل عمرها لربع قرن تقريبا و مازالت يسهل اخافتها كطفل صغير ثم وضعت يدها على كتف حنين متحركه بها للخارج: طيب يلا يا نواره بيتنا..
ابتسمت حنين فهذا هو لقبها الجديد لا يناديها محمد بسواه، لا تدرى السبب و لكنها تتلذذ بسماعه..

اتجهت لمازن و اعطته القهوه فأخذها منها ناظرا لها بحده رافعا احدى حاجبيه متسائلا باسلوب جدى: فارت؟!
اشارت بيدها و رأسها مسرعه و قد اخبرها بنظرته مدى جديته فهذا احد الامور التى يجيدها مازن: لأ لأ والله..
انفجر ضحكا و شاركته حياه بينما يتباعهم محمد و نهال بابتسامه، تسائلت حياه ضاحكه: انتِ ازاى بتخافى منهم يا حنين؟ تقريبا في كليتكم بتمسكوا الفار!

ضحكت حنين بالمقابل متذكره مغامراتها مع الفئران و تمتمت بقله حيله: متسألنيش ازاى! بس على فكره فئران المعامل غير الفئران بتاعتنا دى، كنت بمسكهم بصعوبه جدا و مكنتش بتشغل غير يوم الامتحان بس، بس مازلت بخاف منهم جدا..!
نظرت لمازن لتجده يبتسم بعبث و هو يتلذذ بالقهوه ثم رفع عينه لها مضيقا اياها ثم قهقه على منظرها الهلع مما دفعها للخجل فأخفضت رأسها و هى تبتسم..

جلس جميعهم في جو من الموده و الالفه، فهناك دائما لحظات في الحياه نأخذها عنوه..
فعندما تعاندنا الحياه و تُصر على جعلنا نرتدى رداء الحزن و نغرق ببحر الدموع..
تحارب روحنا لتنتزع لحظات سعاده غلابا..
لحظات تمنحنا الضحكه و تهمس لنا باغراء انزع عنك رداء الحزن فأنت تبدو افضل بثياب السعاده.

ربت محمد على كتف مازن موصيا اياه: احنا هنسافر عمره يا مازن، عاوزك تهتم بالبيت و تاخد بالك من البنات، عارف ان سايب ورايا راجل..
اومأ مازن وامسك بيد والده عن كتفه مقبلا اياها مصدقا على كلماته: متقلقش يا بابا، هحافظ على الامانه.

نظرت نهال لمازن و تاره لحياه و تاره اخرى لحنين الذين اندمجوا سويا في شغبهم ثم نظرت لمحمد لتجده يتابعهم مثلها تفعل هى فهمست و هى تضع يدها على يده: خايفه حد فيهم يظلم التانى، مازن اختياره هيبقى صعب...!؟
نظر اليها ليهمس بدوره: انا خلفت رجاله بتراعى ربنا كويس و انا واثق ان ابنى مش هيظلم اى واحده فيهم و مفيش حد هيختار غير قلبه يأم فارس..

نظرت اليه بشجن فرفع يدها مقبلا اياها متمتما بطمأنينه: ربنا مبيظلمش حد، موت فارس كان قدر، يمكن اللى دبر الفضيحه لحنين كان قاصد يأذيها بس في الاول و في الاخر دا قدر، ان يرتبط اسمها باسم مازن قدر، اللى حصل لحياه زمان و وجودها في حياه مازن قدر، و اختيار مازن قدر، قدر قلبه...!
ابتسمت و عادت بعينها لثلاثتهم امامها، مازن و حياه يتشاكسون بشراهه و ضحكاتهم صاخبه و حنين تشاركهم نادرا و ابتسامتها لا تفارقها..

صحيح، كله قدر، و رب العباد لا يظلم احد...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة