قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الخامس والثلاثون

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الخامس والثلاثون

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الخامس والثلاثون

احنا هنفضل كده كل يوم يا معتز..
زفر معتز بقوه و هو يستدير لسالى التى تقف خلفه عاقده ذراعيها امام صدرها بضيق و على وجهها امارات الغضب..
عايزه ايه يا سالى؟

هتف بها بتأفأف و هو يعقد حاجبيه و يضم ذراعيه امام صدره بالمقابل مع ارتكازه على الجدار خلفه معطيا اياها وضعيه تعنى اسرعى، اقتربت منه هاتفه بغضب: عاوزه جوزى اللى مش بشوفه غير ساعه في اليوم دا ان شوفته، عاوزه اخرج و ايدى في ايدك زيى زيها، عاوزه الراجل اللى حبنى و مازال و اللى اتجوزنى علشان عاوزنى، عاوزه نعيش شويه يا معتز، دى مش حياه، انا حاسه انى متجوزه علشان اقعد في البيت دا غير انك حتى مبتقعدش معايا و لا مدينى حقوقى كزوجه!

تابع عصبيتها قليلا ثم ابعد يديه عن صدره ليضعها بجيب بنطاله يُجيبها ببرود: اولا انا قولتلك ان الشغل هياخد معظم وقتى، ثانيا انتِ مش هى و لا هتبقى زيها لانك مش هتعرفى تكونى زيها، ثالثا انا اتجوزتك مش علشان نسهر و نخرج و بس لأ انا اتجوزتك لاسباب تانيه كتير و اهمها انى اقدملك فرصه تعيشى حياتك بكرامه في ظل راجل زى ما بيقولوا، اخيرا بقى انا مش بقولك موتى يا سالى، بالعكس انتِ كل حاجه عاوزاها موجوده، بتخرجى تسهرى مع صحباتك و بتعملى شوبنج كل يوم تقريبا، لما دى مش الحياه اللى انتِ عاوزاها، قوليلى عاوزه ايه؟

شعرت بالدماء تندفع لوجهها بغضب مفرط فصاحت و هى تشيح بيدها يمينا و يسارا: انت ليه محسسنى انك متجوزنى شفقه او تفضل عليا، و ليه كمان محسسنى انى عايشه علشان الفلوس و بس..
ثم دفعت كتفه بعصبيه و صرخت و هى تشير لغرفه هبه غير آبه بصوتها العالى: و مش هعرف ابقى زيها ليه؟! هى احسن منى في ايه؟! فيها ايه مميز عنى؟!

امسك معتز يدها و ضغطها ليبدأ انفعاله المكتوم يظهر و هو يرد ببرود ضاغطا على حروفه: هى نفسها مميزه يا سالى.
ثم دفع يدها صائحا و قد اثارت غضبه: قوليلى كده كم مره صحيتِ بدرى تحضرى ليا فطار، كم مره اهتميتِ اذا كنت اكلت او شربت، امتى فكرتِ تكلمينى او تيجى الشركه تشوفينى و تطمنى عليا، تعرفى ايه عن حياتى و تعبى!..
اخفض صوته يحذرها: بلاش تدخلى نفسك في موضع مقارنه معاها لانك هتفشلى فشل ذريع..!

اصدرت صوتا بفمها دلاله على سخريتها و هدرت بسخريه لاذعه: و انت امتى اهتميت انا موجوده في البيت و لا لأ، امتى اهتميت بخروجى و دخولى، كم مره سألت عليا! انا عايشه في فندق يا معتز، ادخل و اخرج بمزاجى و اكل و اشرب و انام، دا حتى حقوقى كزوجه مش بتعملها، تقدر تقولى من اول ما اتجوزنا كام مره لمستنى؟!، ثم صرخت: و لا مره...

اغمض عينه بتثاقل من هذا الحوار العقيم و لكن هذا اشعل غضبها اكثر و خاصه عندما ردد بلامبالاه و هو يستدير ليرحل: انا اتأخرت..
امسكت بذراعه لتجعله يتوقف و صاحت به: مفيش شركه و مفيش شغل النهارده يا معتز، هتفضل جنبى و معايا و كل حقوقى هتعملها حتى لو غصب عنك..
ضحك باستنكار ساخر: دى اوامر!
و دفع يدها عن ذراعه و هم بالخروج عندما فتحت هبه باب غرفتها لتقول بجديه: معتز عاوزاك دقيقتين من فضلك..

وقفت سالى امامه هاتفه بهبه بنبره مستحقره تعنفها و قد كانت اخر من تتمنى رؤيته الان: ادخلى جوه و متخرجيش انا بتكلم معاه و مش فاضيين ليكِ..
ابعدها معتز عنه بغضب صارخا بها بنبره للمره الاولى تخيفها: حسك عينك، سمعانى، ان اتكررت تانى انتِ الجانيه على روحك.

تعادها متجها لهبه و التى نظرت اليها سالى بغضب عاصف و توعد بينما تتابعها هبه بشفقه و حزن ثم دلفت للغرفه و دلف معتز خلفها مغلقا الباب بوجه تلك الثائره بالخارج..
اقترب منها و اجلسها على الفراش و وقف امامها يتسائل و كأنه لم يستشيط غضبا منذ لحظات: خير يا فلتى..!
ابتلعت غصتها و لكنها استجمعت قواها و هتفت بصرامه و هى تصل لمرحله جديده من علاجها له: حرام عليك..

عقد حاجبيه و احضر مقعد و جلس امامها متمتما بدهشه: ليه بتقولى كده؟!

امسكت يده و امتلئت عينها بالدموع و لكنها ابت الهطول و تشرح له بكل ألم قلبها و عزمه: ربنا بيقول في كتابه فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً ، فاهم يعنى ايه يا معتز!، يعنى انت اتجوزت و مقدرش اقول حاجه، حقك، بس مقدرش اشوفك بتقصر في حق ربنا و اسكت، انت بتظلم سالى و كده حرام، راعى ربنا فيها يا معتز، راعى ربنا.!.

و تركته و نهضت لتحاول منع دموعها من السقوط و لكنها لم تستطع فخرجت مسرعه من الغرفه بينما هو ينظر لمكان جلوسها بذهول.
صمتت و لم تعاتبه على زواجه، و لم يتحدث!
مضت حياتهم دون اى تغير من طرفها بل تمنحه نفسها، حبها و حنانها بدون مقابل، و لم يتحدث!
مازالت تحبه و تعيش معه و مع زوجته الثانيه دون تذمر، و لم يتحدث!
لكن ان توصيه برعايه زوجته هذا فاق كل الحدود و تعدى قدره عقله على الاستيعاب..

ألا تتألم، ألا تغار، ألا يتوجع قلبها، ألا يعارضها عقلها، ألا تضعف قوتها!
و رغم انه يعرف ان كل هذا ربما يحدث و لكن كيف تفعل هذا..!.
كيف تتغلب على ألمها بضحكه، كيف تتحمل وجعها بدعوه، كيف تزداد قوتها في خضم ضعفها..
قبض يديه و تمتم بهدوء حاسم: و ربنا قال و لن تعدلوا ، و انا هراعى ربنا فيكِ يا هبه، هطلقها و اسلم نفسى، قلبى، خوفى و كل ما فيا ليكِ يا فلتى، حاضر يا هبه هراعى ربنا..

نهض خارجا من المنزل و رغم شعوره بالندم على كل ما صدر منه قراره أراح قلبه، تصالح مع نفسه و الأن فقط يستطيع ان يعيش معها، لها و بها فقط..
الان فقط ادرك و حسم قراره يحبها، بل يعشق ...
فمن يراها بعينه لن يرى امرأه واحده بل سيراها كل النساء،
لقد آمن قلبه انها معنى النقاء،
فهى قمر ساطع في عتم الفضاء،
وقت تكون فقر و اوقات هى السخاء،.

خلفيته معتمه و لكن اهناك اجمل من خلفيه معتمه ليضوى عليها جمالها هى، و هى فقط دونا عن كل حواء،
يا امرأه هى الارض و هى السماء،
يحيه حبها و يقتله الجفاء،
سلم و استسلم قلبه لها أيا انثى لا تعرف سوى الاستيلاء...

رحل هو لعمله و بمجرد ان سمعت سالى صوت الباب يغلق خرجت مسرعه بطوفان غضبها من الغرفه و همت بدخول غرفه هبه عندما سمعت صوت ضجه بالمطبخ فاتجهت اليه سريعا...
وقفت خلفها و وضعت يدها على كتفها و جعلتها تستدير لها بغضب تفاجأت هبه من حركتها و لكنه عقدت ذراعيها امام صدرها و استندت على الطاوله الرخاميه خلفها تنتظر ما ستقوله تلك الغاضبه امامها..

رفعت سالى يدها في وجه هبه بتحذير: صبرى عليكِ بدأ يخلص، اتقى شرى يا هبه سمعانى..
نظرت اليها هبه من اعلى لاسفل و تمتمت بهدوء: هتعملى ايه يعنى!
و همت بالخروج لتجذبها سالى من ملابسها و تسحب سكين رافعه اياه امام عين هبه و هتفت بتهديد صريح: انا مش باقيه على حاجه في حياتى، اطلعى من حياتنا بهدوء و الا و الله العظيم لاكون مشوهه وشك الجميل ده و عليا و على اعدائى..

اتسعت عين هبه بذهول تام و هى تنظر لحد السكين الذى يبعد عن صدرها مسافه عقله اصبع ثم رفعت عينها لسالى و رفعت يدها ايضا لتخفض يد تلك المجنونه عنها هاتفه و عينها جاحظه بصدمه: انتِ اتجننتِ!

رفعت سالى يدها بالسكين مجددا هاتفه بهستريا واضعه اياه على كتف هبه تلكزها بخفه جريئه: اه اتجننت، معتز لازم يقرب منى، لازم اعيش كزوجه في حياته، لازم يعتبرنى مراته، لازم يلمسنى و مش هسمحلك تبعدينى او تنفينى من حياته، انتِ فاهمه!
راقبت هبه انهيارها المفاجئ هذا، من خبرتها القليله بسالى فهى فتاه هادئه..
اجل كانت إعصار دمر حياتها و لكنها لم تكن ابدا انفعاليه،.

لم اليوم بهذا الضعف؟ لم اليوم تطالب بوجود معتز جوارها؟
لم كل هذا؟ ما الذى جد؟!
اغمضت هبه عينها لم تعد تتحمل، رفعت رايه الاستسلام،
اُنهكت و اُهلكت، لم يعد قلبها، جسدها او عقلها يتحمل..
استسلمت قوتها و فاز ضعفها..
اُستنذفت، اما لها ببعض الرفق،
وصلت به لبر الامان ام لا، لا تدرى!
و لما لا تردى، لا تدرى!
فقط تدرى انها استسلمت..

فتحت عينها لتجد سالى تغادر المطبخ بعصبيه لتدخل للمرحاض مغلقه الباب بقوه خلفها، وضعت هبه يدها على بطنها لتحتضنها بقوه و هبط جسدها على طول باب الخزينه خلفها لتسقط ارضا تضم ركبتيها لصدرها و تنهمر دموعها بصمت و يديها تحتضنها و تحتضن جنينها هامسه باكيه بضعف: مامتك تعبت، تعبت قوى.

انتفض جسدها برعشه خفيفه و بطنها تتألم كأن جنينها يشاركها وجعها فضغطتها برفق لتنهض ببطء متجهه لغرفتها لتُلقى بجسدها على الفراش و دموعها تنساب دون ارادتها فلا شئ يؤلم اكثر من الشعور بالضعف و قله الحيله...
انتهينا، لهنا و كفى..
كفى دموعا، كفى ألما و وجعا، كفى اهانه..
نفذت كل محاولاتها، نفذت و لم يعد بيدها حيله..
وصلت لخط النهايه..
نجحت ام فشلت لا فارق، فلم يعد بمقدورها التحمل..

حان وقت انازل ستار نهايه عرضنا يا معتزى..
حان وقت الخاتمه، و حان وقت كلمه النهايه...

دلفت ام على من البوابه الرئيسيه للمنزل وهمت بدخول المنزل عندما رأت جنه مسجيه على الارض دون حركه، اقتربت منها بهلع و هى ترفع رأسها على قدمها و تضرب وجنتها بخفه: بسم الله، جنه، فوقى يا بنتى...
و لكن لم تستجيب جنه لها، نهضت ام على راكضه للداخل بسرعه و صاحت بصوت عالى: دكتوره ليلي، عز بيه، الحقينى يا ست ليلى!

و لكن لم يجيبها احد فتذكرت انهم غادروا المنزل قبل رحيلها هى، دلفت للمطبخ مسرعه و احضرت كوب ماء و همت بالخروج لتجد عاصم ينادى بصوت عالى من الاعلى: ام على في ايه؟.
فركضت للاعلى بلهفه و وقفت امامه: الحقنى يا عاصم يا ابنى، الحقنى..
انتفض جسده قلقا و غضب صائحا بها: في ايه انطقى؟
ارتجفت شفتاها و هى تجيبه بقلق عليه و على تلك الملقاه بالخارج: جنه، واقعه على الارض في الجنينه بره حاولت افوقها بس مفيش فايده.

انقبض قلب عاصم و صرخ بجزع بادٍ بوضوح على وجهه: انتِ بتقولى ايه؟
و تحرك مسرعا خارج الغرفه فاتجهت اليه ام على لتمسك يده و هى تبكى: على مهلك يا ابنى..
كبرياء، عجز، او ضعف، كل هذا لا يشغله الان
هبط بمساعدتها الدرج و سار معها حيث جنه مسجيه على الارضيه جلس بجوارها و تحسس الارض حتى لامس رأسها فرفعها لحضنه و كل خليه من جسده تنتفض خوفا عليها و ضرب وجنتها عده مرات صارخا بأم على: هاتى مايه و اى برفان بسرعه..

ركضت ام على للداخل و ظل هو يحاول افاقتها: جنه، جنه ردى عليا، فوقى.!
رفع رأسها يعدل وضعها بحضنه ليصرخ و هى يضمها لصدره: انتِ ليه بتعملى فيا كده؟ افتحى عينك.

ابعدها و ظل يضرب وجنتها ثم حرك جسده بعشوائيه حتى امسك يدها و اخذ يفركها بسرعه و مازال صراخه بها مستمر حتى عادت ام على و اعطته العطر ليمسكه بأيد مرتجفه و يقربه من انفها مرات متتاليه و ام على تنثر قطرات ماء على وجهها حتى تأوهت جنه و هى تفتح عينها ببطء لتصرخ ام على بفرحه: فاقت.
القى عاصم العطر من يده ليضم وجهها بكفيه بغير هدى هاتفا بجزع: انتِ كويسه؟!

نظرت جنه حولها متعجبه ما يصير ثم نظرت اليه لتصدمها اللهفه على وجهه و القلق المتجسد على ملامحه و همست بوهن: اه كويسه..
و ثانيه واحده لتجد نفسها بعدها بين يديه يضمها بقوه حتى كادت عظامها تتكسر اسفل يده: انتِ ازاى تعملى كده؟
ضرب ظهرها عده مرات و صاح بعنف غاضب، قلق و يكاد يموت خوفا: عارفه، انا بكره وجودك.

ابتسمت بين يديه و قلبه يترجم انفعاله و يعطيها المصطلحات الصحيحه لكلماته الغاضبه، تمسكت بملابسه و همست بخفوت تضمه هى الاخرى: متقلقش عليا انا بخير صدقنى..
ضمها اليه بقوه اكبر يدفن وجهه في عنقها هاتفا بغضب و مازال على اصراره ينفى: انا مش قلقان، انا بكرهك..
تساقطت دموع ام على واخذت ما احضرت ودلفت للداخل، ابعدها عنه ليحاوط وجهها و هو يتمزق الما من عدم رؤيتها،
لم يستسلم و لم يشعر بضعفه بقدر ما يشعر الان..

كل ما يحاوطه ظلام و اه لو بيده فرصه واحده ليراها..
ثوانِ فقط، فقط لحظات ليطمئن، لحظات ربما تتشبع بها روحه، لحظات ربما يستكين قلبه بعدها، فقط لحظات، و لكن ليس كل ما نتمناه ندركه..
ظل ضاما وجهها بين كفيه و هتف بعصبيه مفرطه: ايه اللى حصل؟ و ازاى وقعتِ كده؟ كنت بتعملى ايه؟ انطقى ليه حصل كل ده؟

تحركت مسرعه لتضمه اليها فهى رأت حبه، تعاملت مع غضبه، ادركت قسوته، عاشت عجزه و لكنها لم ترى خوفه ابدا و ليتها لم تراه.
ضمها بقوه و انفاسه بالكاد تخرج و همس باعياء ربما ليس جسدى بقدر ما هو بروحه: مش عاوزك في حياتى، ابعدى عنها، ابعدى..
ابتعدت عنه و نهضت و كذلك هو و وضعت يدها بيده تحركه للداخل: انا كنت بروى و بقصقص الزرع و الشمس كانت شديده شويه و بصراحه كده مأكلتش من الصبح فا دا مع دا اثر، انا اسفه..

توقف و استدار لها دافعا يدها عن يده بغلظه و بلا مبالاه هتف: ميخصنيش في حاجه..
عادت تتمسك بذراعه متسائله بشغب: متأكد!
توقف قليلا تائها عالعاده في عتمته ثم تحرك ليصعد للاعلى ولكنها تمسكت به: ممكن تقعد تاكل معايا..!
هم بالابتعاد عنها و لكنها امسكت يده بتشبث: علشان خاطرى يا عاصم..

صمت قليلا ثم تحرك معها لغرفه الطعام و هو يلعن استسلام قلبه الساذج و ها قد تقدمت حرمه المصون في رهانهم و ربحت - قلب عاصم الحصرى - الجوله الثانيه و بجداره..
اضطراب قلبه اخبره ان الجنه ما زالت تسكنه و لم يعد هناك سبيل للانكار..

طرق خافت على الباب تبعه دخول السكرتير الخاص به و هو يقول برسميه: في ناس طالبه تقابلك يا استاذ معتز.
رفع معتز رأسه عن اوراقه و عقد حاجبيه و هو يمسد عنقه بضعف: مين؟!
اقترب السكرتير منه و اعطاه ورقه بها ثلاث اسماء مجيبا: دى اسمائهم...
نظر معتز للاسماء قليلا ثم هتف مسرعا و هو ينهض عن مكتبه: خليهم يتفضلوا فورا..

تقدم الثلاثه للداخل رجل كبير و امرأه تصغره بعده سنوات و شاب يبدو في الثلاثين من عمره، تقدم الرجل من معتز وصافحه قائلا: اكيد طبعا عارفنى؟!
ابتسم معتز بود و اشار للمقاعد خلفه: اكيد طبعا يا عمى، اتفضلوا..
جلس الجميع و تحدثت المرأه بغضب واضح: بنتى اتجوزتك فعلا؟
تعجب الغضب التى تحمله في طيات حديثها واومأ باتزان: اه، انا...
قاطعه الشاب الجالس معهم و هو ينهض هاتفا بعصبيه: الحقيره...

وقف معتز بالمقابل و صاح بغضب هو الاخر: فيه ايه يا حضره احترم انك بتتكلم عن مراتى.!
اشاح الشاب بيده بانفعال تام: مراتك دى تبقى طليقتى.!
اتسعت عين معتز باندهاش فنهض ابيها و وضع يده على كتف الشاب هامسا بحزم: احنا جايين نتكلم بالعقل مش بالخناق، اقعد و اهدى..
جلس الشاب بعصبيه و هو يحرك قدمه بغضب شديد بينما معتز يتابع ما يحدث دون استيعاب حتى اشار له ابيها: اقعد يا ابنى، احنا جايين نقولك كلمتين و السلام..

جلس معتز منتظرا القادم حتى صرخ الشاب بانفعال مره اخرى كأنه لا يستطيع التحكم بغضبه: قدرت ازاى تضحك عليك و انت ازاى تصدقها؟! ازاى؟َ!
حاول معتز التحكم باعصابه و اعتدل متحدثا بهدوء: انا اعرف سالى من ايام الجامعه و لما عرفت انها اتطلقت اتجوزتها مش فاهم ايه الغلط من وجهه نظركم...
احنى الشاب شفتاه بسخريه و هتف باشمئزاز: و هى مقالتش لك هى اتطلقت ليه؟

اغلق معتز عينه ثوانى ليتماسك قدر استطاعته و اجابه بحسم و صرامه: اكيد قالتلى و مفيش داعى نفتح القديم..
نظر له والدها و وضع يده على ركبته متمتما بانكسار: و مفكرتش يا ابنى ازاى واحده مطلقه تتجوز تانى بدون رأى اهلها، مسألتش نفسك فين اهلها و مش جنبها ليه؟

رفع معتز يده ليرجع خصلاته للخلف متعجبا مدى وقاحتهم فبعدما اخبرته سالى عما فعلوه يأتون و بكل برود هكذا يسألونه و لكنها اجاب بحده: لما الاهل يتخلوا عن بناتهم مين انا علشان اسأل عليهم؟
هتفت الام بشهقه استغراب و استنكار: يتخلوا عنها!
ضرب الشاب على الطاوله امامه بغضب عاصف صارخا: كذب، كذب، كذب، سالى مبتعرفش تعمل حاجه غير الكذب..

نهض معتز غاضبا فحتى ان كان نافرا منها، و حتى ان كان اتخذ قراره بتطليقها، لا يحق لاحد التقليل منها بالنهايه هى مازالت زوجته: احترم نفسك يا استاذ علشان رد فعلى بعد كده مش هيعجبك..
نهض والدها ليضع يده على كتفه ليقول بانكسار: اقعد يا ابنى و اصبر و اسمعنى للاخر، ثم نظر للشاب هاتفا: ممكن تهدى لحد ما اخلص كلامى..
صمت الجميع لثوانى، نظر الاب ارضا و همس بضعف و خزى: انا بنتى اتطلقت بعد جوازها بيوم!

صدمه جعلت معتز يحدق به ببلاهه مندهش حين اردف الاب: لان جوزها اكتشف انها مش بنت.
تساقطت يديه التى يعقدها و اتسعت عينه و هو يتابع ملامح الاب المنكسره و دموع الام المتحسره و بالنهايه غضب الزوج السابق...

اكمل الرجل بنفس الهدوء المتمزق: كانت هتبقى فضيحه و هتأثر على مستقبل اختها الصغيره، اترجيت جوزها يستر عليها، رفض لانها اعترفت بدون خجل، واجهته بدون ندم، مكنش فيه ذره حياء او تدين، رفض و انا مقدرتش الومه، بس اتوسلته يعمل حاجه واحده انه يسيبها تقضى شهور عدتها عنده علشان الناس و علشان اختها، و الحمد لله وافق بس انا بنتى كانت حالفه تكسر عينى و تحنى ضهرى، هربت منه بعد شهرين و بقالنا اكتر من سنه بندور عليها لحد ما ظابط معرفه شافها هنا و عمل تحريات عنها و عرف انها اتجوزتك وجه بلدنا و قالى و ادانى عنوانك، انا مش جاى علشان ارجع بنتى او اوصيك عليها، انا جاى علشان اقولك ان بنتى مبعدتش عن طريقها القديم، الظابط دا شافها مع مجموعه شباب..

صمت قليلا و اردف بضعف: بنتى بتخونك..
صدمه، تشتت، عدم تصديق، ألم، و احساس بالغدر والخيانه.
لا ما يشعر به اكبر بكثير من كل هذا!
من يتحدثون عنها ليست من تزوج، من يتهموها بالخيانه ليست من احب يوما، من يصفوها له ليست المرأه ببيته، ليست هى بالتأكيد...
و لكن أيكذب والدها! سيدمر حياتها بيده، اذا تلك الام و دموعها!
هل كان مخدوع بها لهذا الحد، هل عاقبه الله على وجع قلب احد بكسر قلبه،.

السهم الذى اودعه بهبه رُد اليه، و يا لألمه!
لا، هم يكذبون، هذا كله كذب..
هبه علمته الصبر و اخبرته ذات مره ان قرارات الغضب دائما خاطئه..
اخبرته ان التفكير وقت الصدمات ينحرف لخطوط مؤذيه..
يهدأ الان، هل هذا هو الحل؟!
و لكن كيف يهدأ، كيف؟!

افاق من تفكيره بيد والدها توضع على ركبته فرفع عينه اليه ليجد الدموع متحجره بعينه و الذل اخذ من ملامحه ما اخذ و بتذلل و خزى بات مصاحبا له طوال عمره اضاف: انا اسف يا ابنى، بس يمكن تربيتى لبنتى كانت غلط، و يمكن هى نفسها كانت غلطه.
و نهض مسرعا تاركا المكتب و تبعه والدتها و طليقها الغاضب تاركين معتز يراقب الباب بشرود ذاهل...
خيانه..!

داين تُدان، خنت ثقتها فجاءت تلك لتخون ثقتك، آلمت قلبها فأصرت تلك على إلام قلبك، ابكيت من لا ذنب لها سوى حبها لك فسعت تلك لجعلك تبكى دما، و شتان بين ألم و ألم...
نهض عن المقعد متجها لزجاجه الماء على المكتب ليرفعها لفمه بأصابع مرتجفه لتتساقط المياه على قميصه قبل ان يخفض الزجاجه و يستند بيديه على المكتب...
و رفضا لكل شئ، كذب ما سمع، كل شئ كذب...

حمل جاكيت بذلته و خرج من المكتب مبكرا عن العاده و عاد مسرعا للمنزل فما اشد حاجته الان لحضن فلته، فما اشد وجع نفسه، قلبه و كل ما به..

دلف ليجد سالى جالسه امام التلفاز بغرفه الاستقبال فنظر اليها لحظات و لكنه لا يستطيع ان يلومها، يهدأ الان قليلا ثم يتحدث معها و ربما تكون تلك المره الاولى التى يتخذ فيها قرار بعد تفكير...
القى السلام و دلف لغرفه هبه تفاجأت برجوعه مبكرا و لكن يبدو ان كل ما حولها يهيأ لها الفرصه المناسبه لتنفيذ قرارها اقتربت منه بجديه مفطره: حمد الله على السلامه..

تنهد بتعب و اغلق عينه بهدوء متمتما باعياء واهن ظهر بوضوح: الله يسلمك..
لم تستطع اخفاء قلقها فجلست بجواره على الفراش تطمئن: انت كويس؟ شكلك مرهق قوى؟!
وضع رأسه على كتفها و همس بصوت بالكاد يُسمع: جدا يا هبه جدا...
هبه !

الموضوع كبير، ربتت بيدها على كتفه و هى توبخ قلبها آلاف المرات على قلقه و لكنها لم تستطع استدعاء قسوتها الان فرفعت يدها لتزيل وجهه عن كتفها واحاطته بكفيها طابعه قبله دافئه على وجنته و قالت بحنان و هى تسمح على خصلاته برفق: قوم خد شاور و بعدين نتكلم، انا كمان عاوزه اتكلم معاك ضرورى..

استجاب للمساتها التى كان في أمس الحاجه لها ثم اومأ برأسه و نهض بتثاقل و نهضت هى خلفه، اخرجت ملابسه و منحته اياها فخرج للمرحاض بينما جلست هى على الفراش و وضعت رأسها بين كفيها، و ماذا بعد يا هبه؟!
الى متى سيتحكم القلب؟، الى متى ستكون كلمته السائده؟!
اما اتفقنا ان ننهى الامر...
لابد ان ينتهى، لابد ان يصمت القلب و يتحدث العقل الان..
و لكن هل للعبد ان يتحدث بوجود السيد، فرغم صمت القلب فهو صمت صاخبا...

نهضت لتخرج لتُفاجئ بمعتز يدلف للغرفه و عيناه تنبض بالفرح و على وجهه ضحكه واسعه خلاف ما خرج تماما و اقترب منها بلهفه صارخا بحماس مفرط: انتِ، انتِ سبب فرحتى كلها، سبب كل حاجه حلوه..
حملها بسرعه و ظل يدور بها عده مرات متتاليه و هى تتشبث بعنقه بعدم استيعاب و هو يصرخ بصخب عالى: انا بحبك، بحبك، بحبك..

كان صوته يعلو في كل مره حتى صاح بالاخيره طويلا و هى تكاد تحلق من فرط دورانه حتى توقف اخيرا و اوقفها ارضا لتضع يدها على جانب جبينها و مازالت متشبثه بذراعه لشعورها بدوار شديد فهتف بتأسف و هو يسندها جيدا: انا اسف، مكنش المفروض اعمل كده، انتِ كويسه؟!
رفعت عينها اليه و اومأت متسائله بتعجب فاق حدود استيعابها: ايه حصل؟

نظر اليها غامزا و دار حول نفسه عده مرات متتاليه صائحا و عيناه تلاعبها بشغب و شغف: هبقى اب، انا مش مصدق، هبقى اب يا فلتى، اخيرا امنيتى اتحققت..
اتسعت عينها بصدمه و شُل عقلها عن التفكير تماما و عُقد لسانها عن النطق فأمسك هو يدها و صاح بلهفه: عرفتِ امتى؟ و ازاى؟
ثم ضمها لصدره بقوه و تمتم دون ان يمنحها فرصه لاجابته حتى: الحمد لله، انا مش مصدق ان ربنا استجاب ليا، الحمد لله يارب..

ابتعد عنها و عينه تلمع بالدموع و حاوط وجهها بكفيه قائلا بحماس مفرط و فرحه هائله: اوعدك انى هكون له افضل اب، هيبقى احسن من اى حد، مش هخليه ضعيف زيى، انا عاوزه قوى زيك، مش هسيبه يعيش حزن في حياته ابدا، مش هحرمه من اى حاجه، لو طلب عنيا هديهاله. ، هحبه زى ما انتِ بتحبينى و اكتر..
ترك يدها و هتف بعدم تصديق: هبقى اب يا فله، انا هبقى اب.!

اقترب وضم اياها بقوه مجددا و تساقطت دموعه على كتفها العارى و هو يردد بالحمد مرات متتاليه: الحمد لله، الحمد لله..
ام هى فكانت في عالم اخر، عرف!
كيف و متى و مِن مَن و لا احد يعرف عداها و دكتورتها؟
ماذا سيفعل الان؟! و ماذا ستقول هى؟! لماذا اخفت و منذ متى؟!
ابعدته عنها بهدوء و نظرت لعينه و حاولت تكذيب الامر فلم يحن وقت معرفته بعد: انت بتقول ايه؟! ليه..!؟

تلعثمت و لم تعرف ما تقول و لكنه لم ينتظر ان تُكمل سؤالها بل رفع يده بشئ ما امام عينها لتنظر هى ليده بتعجب لتجده اختبار حمل، عقدت حاجبيها استغرابا و نقلت بصرها بينه و بين يده و يا ليته لم يخبرها و يا ليتها لم تسأل، فهى باجابتها لن تقتل فرحته بل ستقتله هو، لن تمحى سعادته بل ستمحيه هو، فهو لا يعرف بحملها فاختبار الحمل ليس لها، لن تنكر وجود الجنين داخلها بل ستخبره بوجود جنين داخل الاخرى..

ارادت النهايه و لن تكون النهايه لعلاقتهم فقط بل ستكون النهايه التامه له و قد كان عندما صرحت بخفوت و القلق يتجسد على ملامحها: الاختبار ده مش بتاعى؟!

خرجت سلمى و مها من الشركه فتنهدت سلمى بسعاده: انا فرحانه جدا النهارده، اخيرا شغل و مشاريع بقى.
ابتسمت مها و اشارت بغمزه كنت بتقضى سنين عسل مش شهر، معرفش البشمهندس اكرم وافق انك ترجعى ليه اصلا؟
وكزتها سلمى بذراعها ثم عبست و تسائلت بتفحص: ممكن تفهمينى موضوع انفصالك ده بقى!

تجهم وجه مها و نظرت للطرف الاخر محاوله تجاهل سؤالها و لكن سلمى بعنادها المعتاد استدارت لتقف امامها قائله بإلحاح: انا مش هسيبك النهارده غير لما افهم بقى و انسى انك تهربى منى، و انجزى لان امجد على الطريق و قرب يوصل..
شردت مها قليلا فيبدو ان سلمى عادت لعادتها القديمه وقتما ترغب بشئ لا تتنازل عنه حتى تحصل عليه فنظرت اليها و اشارت بشك اللى فهمته من كلامه ان جواز معتز هو السبب.

عقدت سلمى حاجبيها بضيق و غضب انثى لاجل انثى اخرى: يعنى الكلام اللى سمعته صح فعلا، بس ازاى معتز يعمل كده؟ و ازاى هبه كمان مستحمله؟ انا لو مكانها كان زمانى قتلته.!
اشارت مها بتخمين هبه شايفه انها كده بتساعده و فعلا ساعدته، كفايه انه بقى راجل يُعتمد عليه و الشركه اللى كان عاصم بيديرها هو و فارس الله يرحمه سوا معتز نجحها جدا لوحده
و ابتسمت بخفوت تضيف احيانا الانسان بيفوق للاصح ليه بس بعد فوات الاوان.

تمتمت سلمى: ربنا يعينها بجد بحسها بتحبه جدا قليلين اللى زيها كده.؟!
ثم اضافت بانفعال: بس برده مفهمتش انتِ مالك و مال ده كله ليه محمود يشيلك ذنب حد تانى؟ و بعدين ايه رد فعل هبه و معتز لما عرفوا؟
صمتت مها و بعد لحظات اشارت يمكن كده افضل لينا ثم اضافت هبه و معتز لسه معرفوش حاجه
السلام عليكم..

القاها اكرم و هو في طريقه للخارج، نظرت اليه كلتاهما و ردت السلام، نظر لسلمى بهدوء و تمتم باعتياديه: نورتِ الشركه من تانى يا سلمى هانم، بس خلاص خلصت الاجازات و عاوز شغل من نار..
ابتسمت سلمى و اومأت برأسها و همست بجديه مازحه: هبقى لهلوبه..
و مع ضحكاتهم توقف امجد بسيارته امامهم و هبط منها، صافح اكرم و اخذ سلمى و استأذن منهم راحلا..

نظر اكرم بطرف عينه لمها التى ابتسمت بخفوت و تحركت من امامه بشرود حتى تفاجأت بصرخته خلفها و صوت سياره تحتك بالارض بقوه لتقف على بعد عده سنتيمترات منها فوضعت يدها على فمها و اتسعت عينها بصدمه و بلحظه واحده وجدت أكرم امامها يهتف بجزع: انتِ اتجننتِ؟ ازاى تمشى بعدم تركيز كده؟
ثم اشاح بيده هاتفا بغضب عاصف: انتِ عاوزه تموتينى بسكته قلبيه اكيد..

نظرت اليه بتعجب شديد من موقفه و صراخه و ايضا كلماته بينما هو تحرك بغضب من امامها متجها لسيارته و هو يلعن لسانه الاحمق الذى اندفع ليصرخ بتلك الكلمات..
هبط مازن من السياره و اقترب من مها متأسفا: انا متأسف يا بشمهندسه، حضرتك كويسه؟!.
حركت رأسها يمينا و يسارا بالنفى و اشارت تعفيه احساسه بالذنب انا اللى سرحت يا بشمهندس محصلش حاجه، انا بخير، عن اذنك.

تحركت مسرعه لداخل سيارتها لتمر بها بجوار سياره اكرم و تنطلق بسرعه هائله، ابتسم مازن و اتجه لاكرم فتح باب السياره الاخر و جلس بجواره واخذ يُطلق صفيرا بمرح ثم دندن باستفزاز: اصابك عشق ام رُميت بأسهم، فما هذه الا سجيه مغرم..
التفت اليه اكرم وضربه بقبضته بصدره و ملامحه تنبض بغضب مفرط فضحك مازن ملأ صوته و هتف بخبث: العصفوره بقت حره يا صياد..

وضع اكرم رأسه على حرف المقعد و اغلق عينه و صمت بينما اعتدل مازن ناظرا اليه و اردف متعجبا حزنه لانفصالها: انت بتحبها و هى دلوقت حره، يعنى الطريق قدامك مفتوح.
ظل اكرم على صمته و انفاسه مضطربه فعقد مازن حاجبيه و اكمل: انت ساكت ليه؟ اتقدملها يا اكرم، اتجوزها، انت و هى تستحقوا الفرحه..
تنهد اكرم بصوت عالى ثم اعتدل و فتح عينه ناظرا لمازن بحده و صاح بقوه بكل جوارح صدره المشتعله: لأ..

ممكن تقعدى و تهدى شويه..
صاح بها امجد و قلقه يفتك به و لكن تلك التى تقطع الممر ذهابا و ايابا امامه زادته توترا..
نهض وامسك يدها واجلسها بجواره: اهدى يا سلمى..
نظرت اليه لحظات ثم نظرت امامها و انحنت بجسدها للامام تضع يدها على ركبتيها تتحرك لاعلى و لاسفل بتوتر، و لم يكن هو بحال افضل منها و لكنه حاول ابعاد تفكيرها عن التوتر قليلا فتسائل بمحاوله لتشتيت تفكيرها و ربما تفكيره: عاصم اخباره ايه؟

نظرت اليه ثم للغرفه التى دلفت الممرضه اليها لتُحضر التحاليل ثم عادت بنظرها اليه هامسه: مها بتقول لسه زى ما هو، قافل على نفسه الاوضه و مبيخرجش، بس بدأ يعتاد االموضوع يعنى و كمان قالتلى ان التقارير بتاعته بتقول ان في امل يرجع يشوف تانى..
اومأ برأسه متمتما: الحمد لله..
اعتدلت و حدقت به: انت ليه صممت اننا نعمل التحاليل بره المستشفى؟!

زفر بقوه و وضع يده على وجهه: اعمل فيكِ ايه؟ بعصبيتك و انفعالك و توترك ده خلتينى اتوتر و قولت نبقى بره افضل ما المستشفى كلها تعرف..!
همهمت موافقه و وضعت يدها على صدرها موضع قلبها هاتفه بقلق ربما تختبره سلمى المتمرده العابثه لاول مره: حاسه قلبى هيقف..

صمت كلاهما و داخلهم يصرخ قلقا، حتى خرجت الممرضه و اعطتهم التقارير فأمسكهم امجد بلهفه و هم بفتحهم و لكن ارتجافه يده منعته، حاول مجددا و لكنه لم يستطع، وضعت سلمى يدها على كتفه لتشعر بانتفاضه جسده و ربما انتفاضه جسدها هى، فرفع امجد يده ممسكا يدها و نظر للممرضه قائلا: فين الدكتور؟!

اشارت له على غرفه مجاوره فاتجه اليها امجد ممسكا بيد سلمى، طرق الباب و دلف معطيا التقارير للطبيب قائلا بترقب و توجس و نبضات كلا منهما تصرخ عاليا: ممكن توضحلنا النتيجه يا دكتور..

ابتسم الطبيب و اخذ التقارير فتح كلاهما امامه، عن يمينه تقرير سلمى و عن يساره تقرير امجد، و امامه هم يكاد القلق و التوتر يفتك بهم، شدد من ضم يدها بيده منتظرين كلمات الطبيب التى اتت بعكس المتوقع تماما عندما هتف الطبيب بعمليه: الزوجه سليمه تماما مفيش اى شئ يمنعها من الانجاب..
ابتسمت سلمى بسعاده وقلبها يرقص فرحا ونظرت لامجد لتجد ابتسامه رضا على وجهه الذى رفعه لاعلى متمتما بالحمد و قد اطمئن قلبيهما..

و لكن اختفت ابتسامتها و اخفض هو رأسه بصدمه عندما اردف الطبيب: بس الزوج عقيم..!

لماذا اراك و ملء عيونى، دموع الوداع؟
لماذا اراك و قد صرت شيئا بعيدا، بعيدا، توارى و ضاع؟
تطوفين في العمر مثل الشعاع...
احسك نبضا، و ألقاك دفئا..
و اشعر بعدك، انى الضياع.
فاروق جويده.

و طريقى ما طريقى؟ أطويل أم قصير؟
هل انا أصعد أم أهبط فيه و أغور؟
أأنا السائر في الدرب؟ أم الدرب يسير؟
أم كلانا واقف و الدهر يجرى؟
لست أدرى!
ايليا أبو ماضى
لأ...!
هتف بها اكرم بحده، لينظر اليه مازن بتعجب قليلا و هو يتابع الانفعالات المختلفه و المتناقضه التى ارتسمت على وجهه عندما عاد يهمس بشرود: انا مينفعش اتجوز مها...!

تنهد مازن و استدار كليا له قائلا بنبره مشككه: علشان والدتها و اللى عملته يعنى؟! بس مها مل..
اعتدل اكرم و استدار له بعصبيه لم يراه مازن بها من قبل و صاح منفعلا: اولا بلاش اسمها يُذكر مُجرد في كلام بينا، ثانيا مش انا يا مازن اللى هحكم على حد بذنب حد..
تنهد ضاربا بيده على ركبتيه و عيناه تغيم بحمره غاضبه و متألمه: انا و هى مننفعش لبعض.

مال مازن عليه قليلا و التعجب يتمكن منه متسائلا و مقرا بالوقت ذاته: ليه يا أكرم؟!، انت بتحبها، و انا متأكد ان هى لو عرفت المشاعر اللى جواك هتحبك، مه، قصدى البشمهندسه محتاجه وجودك جنبها..

صرخ اكرم مقاطعا اياه بغضب و هو يشيح بيده: و دى المشكله، المشكله اللى منعتنى اتقدم خطوه منها قبل كده و هتمنعنى اتقدم خطوه دلوقت، المشكله انها بتدور على حد يقويها، حد يوجهها تعمل ايه و ايه لا، قاتله قوتها و عايشه بالضعف، و انا مش هقبل مراتى كده؟
صمت لحظات ثم رفع يديه يضغط جبينه بقوه و جسده ينتفض عن ألم اخفاه كثيرا، ألم لم يكن ابن يوم او اثنان و لكن منذ ان رأها،.

يقولون ان الألم يبدأ كبيرا ثم يضعف و لكن ألمه بدأ صغيرا حتى كبر و ارهقه، ارهقه كثيرا.
ليس بألم عشق بقدر ما هو ألم عجز...!
فعندما يعشق القلب يمنح، يمنح بكل قوته، يضعف احيانا و لكنه يظل يمنح..
و هو رغم عشقه لها عاجز عن منحها القوه التى تخفيها بين طيات عجزها، عاجز عن تجفيف دموعها..
أضعيف هو عشقه؟! و ربما قوى بما يكفى ليخفى نفسه بين ثنايا قلبه...!.

اغلق عينه ثوانى ثم عاود النظر للطريق بشرود و هو يهتف بحده كأنه يعاتبها هى: شخصيتها قويه بس عايزه حد يجبرها على اظهار قوتها، تقدر تتقدم مليون خطوه لكن وافقه مكانها و مصممه على التراجع.
ضغط باطن وجنته بقوه و هتف من بين اسنانه بضيق و غيره مفرطه: ضعفها كله كان ممكن اتجاوزه إلا استسلامها لمحمود و حبه لمجرد فكره الهروب و زى ما عملتها مره هتعملها التانيه طالما مفيش تغيير..

اخفض يده متجاهلا الالم الذى داهم جسده و الصداع الذى كاد يفتك برأسه و هتف بصرامه و قوه: و انا عمرى ما هقبل ابقى محطه يا مازن، حتى لو حبتنى زى ما بتقول، بس البدايه هتبقى غلط، انا هبقى استغليت حزنها و ضعفها علشان حبى و هى هتبقى استسلمت لأمان جديد ممكن بعد وقت تزهق منه او ترجع تندم..

اشتدت حدته و نبرته تغلفها السيطره و العزه: انا مش نص راجل علشان احتاج نص ست تكملنى، انا راجل محتاج ست كامله تكون صورتى في مرايتى..
صمت و اسند رأسه مجددا على حرف المقعد مغلقا عينه بينما مازن ينظر اليه بذهول يصاحبه فخر كبير و تعجب كيف يتحكم بقلبه..
فهو رجل يتألم و لكن لن يداوى جرحه بإمرأه متألمه رغم انها له الترياق،
رجل يرفض ان يكون الدواء لامرأه هى لنفسها الداء،.

يرفض ان يقترن بنصف امرأه فتظل دائما هكذا!
يريدها ان تفخر بنفسها قبل ان يفتخر بها هو، يريدها ان تحمى نفسها و لا تنتظر ليفعل احد،
يريد ان تكون قوتها ملكها لا ملك لأحد!
ف عجبا على رجل يمنح لنفسه الألم ليُزيل كل ألامها!
وضع مازن يده على كتف اكرم و همس بنبره هادئه مقدرا مدى وجعه و غضبه الان: كلامك مظبوط بس ممكن بالسكوت ده تخسرها تانى زى اول مره، وقتها ه..

قاطعه اكرم بهدوء متجاهلا كل ما يعصف بداخله: يبقى هو دا قدرنا..
ابتسم مازن و صمت قليلا ثم تمتم بنبره متسائله و مستنكره كأنه يحاول فهمه: طيب و ليه متكنش انت الايد اللى هتساندها تقف؟

نظر اليه اكرم مجددا مبتسما بعقلانيه قائلا بخفوت: لانها عمرها ما هتقوم طول ما هى اللى بتوقع نفسها، عمرها ما هتعرف انها قويه و هى كل يوم تقول لنفسها انتِ ضعيفه، عمرها ما هتشوف نفسها جوهره زى ما انا شايفها لانها اعتبرت نفسها زجاج مكسور، لان القوى اللى بيضعف نفسه مش هيلاقى حد يقويه، و لانها لو مقدرتش نفسها مش هتلاقى حد يقدرهاا...!.

استدار له و اردف بهيمنه لا تليق سوى به و نبره مؤمنه بما تقوله تماما: هى مش هتكون مجرد زوجه في بيت علشان اكتفى بأن انا هقدرها و هشوفها قويه، لا، هى هتمشى في الشارع و ان عجزت عن التعبير هتضعف، هتقابل عمال و ان عجزت عن السيطره هتضعف، هتواجه رؤساء شركات في الشغل و ان عجزت عن الشرح و الثقه بالنفس هتضعف، هتبقى أم و ان شافت في نفسها الضعف مش هتربى ولادها صح و دايما هيبقى في نقص، هتبقى وهتبقى...!

اعتدل و قام بتشغيل محرك السياره و هو ينهى حديثه بحسم: الجواز مش بينجح بالحب و بس، الحب في الجواز زى الديكور هيخلى حياتنا احلى لكن مينفعش يبقى الاساس يا مازن..
رفع مازن يده ليضعها اسفل فكه مهمهما بتفكير مستنكر: اممممممم، يعنى افهم من كده انك هتحاول تنساها؟!
و كانت الاجابه من اكرم صمت تبعه باغلاق عينه واضعا يديه اسفل رأسه مستندا على اعلى مقعده، فداهمت عقله و تجسدت صورتها امامه...

بحر الفيروز الذى آسره منذ اول يوم رأها و على استعداد تام بالنظر اليه و الغرق فيه طوال عمره،
ابتسامتها الخجوله و التى تخفى خلفها تلك الضحكه الرائعه التى رأها اليوم بسبب ارتباكه امامها،
حزنها و دموعها و التى يشعر انها تجمعها لتفرطها امامه، هو و فقط، ..
ينسى! كيف ينسى و هى نحتت نفسها داخل قلبه و الاسوء انها تمكنت تماما من عقله و تلك التى تحصل على عقل اكرم فقد حصلت عليه دون منازع،.

يتكلم بعقلانيه، يحلل و يفسر، و لكن امام القلب كل هذا يتلاشى..
ينساها كيف و هى غزت روحه و اصبحت جزء منه، ينساها كيف و هى ببراءتها و ملامحها الهادئه و الجاحده بالوقت ذاته جعلت كل ما به يعلن عن عشقه لها، ينساها كيف و بعد ان شعر ان حلمه انتهى وجد اخيرا بصيص امل في ان تكون تلك الفيروزيه زوجته، حبيبته و مليكه قلبه، ملكته و اميره عرشه..
ينساها كيف و هو يدعو الله يوميا بأن يطيب قلبه و ما اجمل منها استجابه؟

فتح عينه و نظر لمازن الذى يراقبه بابتسامه لعوب و تنهد هامسا بسخريه مستسلمه: لما القلب ينساها ابقى انساها انا...
ثم ابتسم و عيناه تلمع بعشقه الذى لن يستطيع اخفائه بعد الان و لكن ربما عليه الانتظار قليلا، فقط قليلا، و ربما قليلا جدا و اضاف و هى يضع يده على ركبه مازن: مضطر اصبر و يا تخيب يا تصيب، هى اصلا حلفت تكون سبب جنونى و خروجى عن شعورى.

ظل مازن محدقا به لحظات ثم ابتسم قائلا بمرح: انت عارف احنا معقدين نفسيا و الله، مش عارفين عايزين ايه و دائما غاويين وجع قلب، ربنا يهديلك الحال..
ابتسم اكرم بالمقابل و نظر اليه رافعا احدى حاجبيه متمتما بنبره ذات مغزى: انت كمان ربنا يهديلك الحال، هتحتاج تفكر كتير، و هتحتاج صبر كتير علشان القرار.

اختفت ابتسامه مازن ثوانى ثم عادت تنير وجهه محركا رأسه بثقه: انا موضوعى مُنتهى يا اكرم و القرار انا واخده من زمان باقى التنفيذ، مستنى المخبر اللى في الصعيد يوصل لحاجه و يبلغنى علشان نقول الحقيقه قدام الكل و أبرأها و احلها من عقدتها اللى ربطتها بيا، الموضوع محتاج وقت بس و كل حاجه هتتعدل..

نظر اكرم للطريق مبتسما بهدوء ثم عاود النظر اليه قائلا: نجلاء هانم في خناق متواصل في الصعيد الواحد خايف على المحامى منها..
تنهد مازن و غصه مؤلمه تتمكن من قلبه و ذكريات فارس تداهم عقله و تمتم بشرود: هم يضحك و هم يبكى، ربنا يتم الموضوع ده على خير و يجيب العواقب سليمه، بس الحاج امين هيفضل في السجن كده؟

اخذ اكرم نفسا عميقا و تمتم بتنهيده مشتته: واضح ان القاتل مش هيغير اقواله و بعد التحقيق مع الحاج امين و لعدم كفايه الادله، اعتقد هيخرج بس انا شايف ان وجوده في السجن دلوقتى افضل، لان القاتل الحقيقى كده هيطمن و كمان علشان انا مش ضامن تصرف الحاج امين مع بنته، فانا اتفقت مع المحامى و هنمشى في موضوع سجنه ده، بس انا محتاج..
قاطعه مازن متمتما و قلبه يؤلمه اشد الالم على اخيه: محتاج مساعده عاصم، صح؟!

لامس اكرم الوجع الذى غلف صوته و اومأ برأسه ناظرا اليه بمؤازره فابتسم مازن مرتديا قناع القوه و اردف بثقه: هيساعدك، كلمه و اشرحله وجهه نظرك و اكيد هيساعدك..
اومأ اكرم و هم بالرحيل ثم عاد ببصره لمازن: صحيح انت جاى الشركه ليه دلوقت؟
ضرب مازن جبهته متذكرا و هتف و كان قد نسى تماما: من فرحتى بسلامه الحاج خرجت و نسيت اوراق مهمه هنا لازم تخلص على بكره..

ابتسم اكرم و الفرحه تظهر بصوته: حمد لله على سلامته، ثم اضاف و هو يشير للشركه: خلاص اطلع و انا هستناك نتحرك سوا انا كده كده هروح لعاصم و سيب عربيتك هنا يبقى السواق يرجعها البيت..
وافقه مازن و تحرك للداخل ثم عاد اليه بعد بعض الوقت و تحرك اكرم في اتجاه منزل عز الحصرى..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة