قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الرابع والأربعون

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الرابع والأربعون

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الرابع والأربعون

ممكن ادخل؟!
تسائلت حياه بتوجس من رد فعله و هى تطل برأسها من باب غرفته، فابتسم ناظرا اليها بحنانه المعتاد و الذى دائما ما يشعر به تجاهها، و اومأ برأسه موافقا..

دلفت اليه بخطوات متردده فتعجب ناظرا اليها بتساؤل و هو يراقب خلجات وجهها المتأسفه و النادمه لسبب لا يدرى ما هو، وقفت بعيدا عن الفراش قليلا تنظر ارضا فحاول بكل ما يملك من قوه الاعتدال جالسا و جسده كله يصرخ ألما ثم تحدث بوهن و لكنه شملها بدفء خاص لها: قربى.

رفعت عينها اللامعه بالدموع و التى جعلته يقلق لمرآها هكذا و تحركت باتجاهه خطوه متردده ثم تراجعتها مره اخرى فتمتم متعجبا: انتِ خايفه و متردده ليه كده؟ قربى يا حياه.
تحركت بتثاقل باتجاهه حتى وقفت امامه فاحتوى كفها جاذبا اياها لتجلس امامه على الفراش ليرفع يده مزيلا دموعها فأغلقت عينها قليلا ليصلها صوته الهادئ باهتمام: في ايه؟

فتحت عينها ببطء لتُمسك بيده التى مازالت تحتضن وجنتها و تضمها بيدها الاخرى ايضا على ساقيها بضمه ليست بقويه و لكنها ليست ابدا بضعيفه و غمغمت بصوت بالكاد يُسمع خزيا مما فعلت: انا اسفه..

ابتسم ملتقطا سببها، فصغيرته تشعر بالذنب على ما فعلت، تندم و تشعر بتأنيب ضميرها على عدم اطمئنانها عليه حتى هذا الوقت، مهما زادت قوتها و مهما استردت حياتها سيظل قلبها ضعيفا كالزجاج و قويا في احساسه كالماس بل اغلى، و هذا ما دفعها لتأتى اليه في مثل هذه الساعه المتأخره لتعتذر..

ربت بكفه على يديها التى تضم كفه الاخر و تمتم بحزم رغم خروج صوته مهزوزا اثر ألمه و لكنه كان كافيا لترفع عينها اليه بترقب قاسٍ جدا عليها: غلطتِ و كان لازم تعتذرى فعلا و انا مش هقبل غير بتعويض و غالى قوى كمان..

ظلت تنظر اليه و صمت هو تاركا كلماته تترك مفعولها ليهتف بعدها بمرح و ضحكه صغيره ترتسم على وجهه: اضحكِ لان ضحكتك بتنسينى أى وجع، اضحكِ و احكيلى عملتِ ايه في المقابله؟، لو عاوزانى اسامحك فعلا رغم انى مش مضايق منك اصلا فرحينى و قوليلى ان تربيتى جابت نتيجه و الحلم اتحقق..
شعرت بالسعاده تغمرها و التفتت اليه بحده انفعاليه و هى تصرخ فرحا: جابت نتيجه، نجحت يا مازن، نجحت و حققت حلمى..

رفع كفيه امام وجهها بابتسامه سعاده لسعادتها هاتفا بارتياح و استسلام و ضميره يبشره براحته اخيرا: يبقى انا كده نفذت وعدى.
ثم رفع كفها امام شفتيه ليطبع قبله سريعه عليه و بصدق شعوره تجاهها الان: انا فخور بيكِ يا حياه، فخور بيكِ و يمكن لو ليا اخت حقيقيه مكنتش هفتخر بيها كده..
اتسعت ضحكتها و هى تهم بجذب يده لتقبلها و هى تقول باخلاص صادق: و انا متأكده ان لو ليا اخ حقيقى مكنش هيقف معايا زي ما انت عملت..

جذب يده مسرعا و لكنها تشبثت بها و طبعت قبلتها الممتنه فوقها لتتحدث و هى تنظر اليه بعاطفه مست قلبه و هى يشعر بصدق حديثها: اول مره اتكلمنا فيها، انت وعدتنى بحاجتين، الوعد الاول انك تاخذ حقى و فعلا اخذته يوم ما ساعدتنى اخذه بنفسى، غير الاعتذار اللى انت طلبت انه يتنشر منه ليا في النجع كله لحد ما بابا نفسه بقى خجلان يكلمنى لألومه، و الوعد التاني انك تساعدنى احقق حلمى و النهارده بس كمل وعدك و حلمى اتحقق، صدقت انا لما قولت انى هلاقى فيك اب و اخ و سند.

نظرت ليده بشرود لتردف بحنان طاغٍ على نبرتها الممتنه: عارف يا مازن، اول ما شوفتك حسيت في عنيك بالدفا بس قلبى خاف منك، خفت تبقى زى بابا و شادى و غيرهم من اصحاب العقول المرضيه، مهو المرض ده مبيفرقش بين صعيدى و بندرى، خفت تظلمنى و لما سألتنى اترعبت و انا متأكده ان ده هيبقى اخر يوم في عمرى..

رفعت عينها اليه لتبتسم مكمله بنفس نبرتها الممتنه: بس انت كنت خير دليل على كلام الرسول الخير في و في أُمتى الى يوم القيامه
لمعت عيناه بتأثر و هم بالتحدث و هو يضم يدها بقوه اكبر و عيناه تحاوطها بحنانه الاسر و لكنها اعتدلت امامه لتجلس متربعه و هتفت مقاطعه: بلاش تقاطعنى، انا جوايا كلام كتير قوى نفسى اقوله، و جوايا حاجات كتير قوى نفسى احكيها..

اومأ برأسه في تفهم و استدار بنصف جسده ليُعدل من وضع الوساده متأوها بخفوت لتسانده هى حتى جلس معتدلا نوعا ما فاستقرت امامه و تمتمت بأسف: اول حاجه انا عاوزه اتأسف ان انا مشيت بدون ما اطمن عليك، عارفه انه غلط كبير قوى بس طمعانه في انك تسامحنى، انا عارفه انك انت اللى قدمت ليا حلمى ده، انت اللى رسمت مستقبلى و ساعدتنى امشى فيه، انت كنت السبب و انا خذلتك لما اخترت النتيجه و اهملت السبب بس صدقنى احساسى بالاطمئنان عليك و حنين موجوده شجعنى انى احقق حلمى لانه مش نجاحى بس، لا، دا نجاح ليك اكبر، شعورى انى بسيب طفل قلقانه عليه بس بسيبه في حضن امه خلانى اقوى، كلمتك اللى قولتها ليا في اول مره اقف فيها في وش ضعفى حاولت معاكِ بكل الطرق اساعد قلبك يتحكم بخوفه، حاولت ارجع الامان لحياتك، حاولت احيي قوتك اللى دفنتيها ، كلماتك دى كانت في كفه و كلمتك الاخيره اتمنى متخذلنيش كانت في كفه تانيه، ف بدون تفكير خرجت اجرى من المستشفى علشان انجح و مخذلكش، ثقتك و ايمانك بنجاحى اتحكم فيا، عارفه انه مش مبرر بس اتمنى متزعلش منى..

رفعت عينها اليه لتجده هادئا يطالعها بابتسامه حنونه و عيناه فيض من احتواء كبير شملها و لكنه ظل على صمته، فتمتمت بخفوت: هتسامحنى؟!
اشار لها بيده مداعبا بحركه مشاكسه معناها هل اتحدث الان؟
فأومأت مبتسمه فاردف بابتسامه واسعه بمرح ساخر لا يعرفه ايلاه و لا يليق بسواه: لازمتها ايه المحاضره دى كلها، كان عندى اهم بكتير تقولى انك هتعزمينى عزومه حلوه بسبب نجاحنا سوا و خلاص، و عامه..

اشاح بيده في دراميه هاتفا بسخريه: لقد عفوت عنكِ..
ما كاد ينهيها حتى تأوه بخفوت رغما عنه من حركه يده و عظام كتفه تأن وجعا، فابتسمت مع انكماش ملامحها بشفقه اثر تأوهه فتمتم بضعف مرح: بقيت خرده قديمه خلاص بكم الشاش اللى وقعت فيه ده..!

اتسعت ابتسامتها فهذا هو مازن اما يشتعل غضبا و هذا قليلا و يا لا سوء حظه من يقف امامه وقتها و اما تغلفه هاله مرحه لا يتخلى عنها ابدا كأنها جزءا لا يتجزأ من شخصيته، و نادرا ما يكون هادءا و هى اكثر حالاته عجبا و بها لا تفهمه ابدا فلا تستطيع استبيان ملامحه و لا استنباط ما يفكر به..
سكن قليلا ثم حثها على اكمال ما بدأته قائلا بحذر: دى اول حاجه، ايه التانيه؟

صمتت قليلا تستجمع قوتها لتخبره ما تريد و لقد شجعها روحه المتقبله الان عله لا يحزن مما ستقول فتمتمت بتردد حذر و هى تراقب رد فعله المبدأيه: علاقتنا..!
اختفت ابتسامته دفعه واحده و شردت عيناه قليلا بوهج خاص لم تفهمه ثم همس بهدوء جاد: مالها؟

تعجبت هدوءه فهو لم يغضب فتدرك انه لا يريد التحدث بشأن علاقتهم - اللامسماه حتى الان -، و لا مزح لتدرك انه لا يهتم للامر برمته، بل اصابته حالته النادره التى لا تفهمها..
فأخذت نفسا عميقا مصممه ان تكمل ما بدأته حتى و ان كان لاذعا: انت حبتنى يا مازن؟!

عقد ما بين حاجبيه و سؤالها يدفعه ليخفض عينه مع اضطراب ملحوظ في انفاسه مما اربك قلبها و جعلها تتردد في ان تعرف اجابته قليلا فهى لا ترغب في ان يثنيها شيئا عما ستقول فأردفت مسرعه: انا فكرت كتير و كمان حاولت كتير، و شايفه انى مش مستعده اسمع اجابتك قبل ما تعرف اجابتى انا الاول.

رفع عينه اليها هو اشد خوفا منها الان، لو صرحت عن حقيقه مشاعرها و التى لا يعرف ماهيتها لا يستطيع خذلانها، هى في الاول و الاخير زوجته لا ذنب لها في ماضٍ واهم، و لا مستقبل مستحيل، كفاه تعلقا بأحبال واهيه، فليعيش حاضره دون النظر للامام او الخلف، , ربما هى ضعيفه و لكنها بالتأكيد اقوى منه في تجريد حقيقه ما بينهم..

اسلبت جفنيها لحظات احمرت فيها وجنتها فسره هو خجلا فازداد ارتباكه و لكنه ادرك انه انفعالا مما اصابه بالصدمه لقولها و التى امتزج فيه ارتباكها بقوتها الجديده و التى اذهلته: انا مقدرتش احبك كحبيب او زوج يا مازن، قلبى مش قادر يشوف فيك غير اب احتوانى، اخ احترمنى و سند كان دائما في ظهرى، اول جوازنا انا اتعلقت جدا بحنانك اللى مازال لحد الان بيحتوينى، و مش هنكر ان بعد فتره بدأت احس ان علاقتنا سخيفه، لا احنا اخوات حقيقين و لا احنا زوجين حقيقين، ف حاولت اكسبك كزوج بس مقدرتش او يمكن قلبى مطاوعنيش، و لقيت نفسى بدون تفكير و بدون تعقيدات مش شايفه فيك غير الاخ اللى فضلت طول عمرى محتاجاه..

لم تتجرأ لترفع عينها و لو فعلت لرأت اشد ملامح الصدمه على وجهه و عينه تطالعها بذهول تام، لقد اعتقد و خشى في الوقت ذاته ان تعترف بحبٍ له، تخبره انها تكن اليه مشاعر خاصه كان سيقبلها راغما و لكنها بكل ببساطه تخبره انها لم تستطع...

اردفت و هى تتوتر من صمته الذى طال بنفس نبرتها المتردده و لكن كفى فهى تريد ان يعرف خشيه ان تكون قد لامست قلبه دون درايه منها: انت نفذت كل وعودك ليا بس هل فاكر كلامك لما قولتلى انا ممكن اقدملك اى حاجه بس مش هقدر اقدملك الحب، انا وقتها قولتلك انى محتاجه امان و ثقه و احترام بس، و انت مقصرتش معايا يا مازن، بس هل مازلت مقدرتش تقدملى...

قطعت كلماتها دون قدره على اكمالها خشيه من بوحه بمشاعر قد يصعب عليها تحملها، لا تدرى لما قررت اليوم خاصه لتتحدث معه فلقد مر على زواجهم ما يقارب العامين و لكن شعورها بالحاجه لتُزيح هذا الحمل الثقيل عن قلبها جعلها تتحدث..
ظل على صمته غير مستوعبا ما تقول، لا يدرى السبب و لكن كم الصراحه التى فاجأته بها اربكته، جعلت عقله يتوقف للحظات عاجزا تماما عن العمل..

التفت اليها عندما استمع لضحكتها القصيره و التى بدت له شارده ممتنه و كأنها تتذكر شيئا ما: فاكر يوم ما حضنتك و طلبت منك تكون ليا سماء و تحتوينى بمطرك، مكنتش اعرف وقتها ان انا اللى هطلب الشمس لان بردت من المطر، فهمت ان مهما طال البرد لازم يجى وقت الدفا، الدفا اللى بدأت اعيشه من يوم ما وقفت تانى و بدأت حياه ترجع لحياتها، دفا انت بنيته جوايا و حاوطنى بيه، كنت خايفه الشمس تشرق بس دلوقتى فهمت ان لما الشمس تشرق هتحتوينى اكتر، مطرك برد جرحى لحد ما التئم يا مازن، و نفسى في شمسك تشرق قلبك فتغمرنى بدفا و حنان اكتر...

رفعت عينها اليه اخيرا لترى عينه التى تحدق بها بلا اى تعبير سوا اتساعها الغريب التى لم تفهم ان كان دهشه، فرحه، حزن او تساؤل ام ماذا و لكنها حاولت تجاهل طوفان مشاعره المتخبطه و اردفت بابتسامه: انت وعدتنى ان السما ليا و هتفضل ليا، هل بعد كلامى ده هتغضب السما عليا؟
طافت عيناه على ملامح وجهها بذهول قليلا ثم وجد صوته اخيرا ليهمس بتيه متسائل: انتِ..!

قاطعته قائله بتوسل بادٍ بعينيها كأنها تخبره الا يصدمها بمشاعر اخرى هى لا طاقه لها لتحملها: انا اختك، و هفضل اختك و بس، صح؟
نظر اليها و هو يشعر انها تتحدث بلسانه هو،
ولكن هو او هى هنا ما الفارق؟!
مادام احساسهما متماثل، مادام حملت هى دون ان تدرى ثقلا كبيرا عن كتفه الذى احنته ضربات قدره،.

بدايه بابتعاده عن حلم ظن انه الحياه ليُدرك انه كان غافلا ليعيش سنوات على حب واهم ليسقط بالنهايه على ارض حقيقه قلبه بعدما اُستنزف قدرا من طاقته،.

ثم دخولها الغريب لحياته ليطمئن نفسه انها ستكون الحياه لقلبه و ربما تمنحه وصفا جديدا كزوج محب و ربما تجعله العشره لا يعتادها فقط بل و يعشقها ايضا، و لكن عنادته الحياه مره اخرى مستنزفه قدرا اخر من طاقته لتخبره ان قلبه و عينيه لا يعداها سوى اخته التى لم تنجبها امه، ، امرأه ضعيفه تحتاج لسند و دعم، فتاه هدم الجميع - و خاصه اقرب اقربائها - جذورها لتصبح خاويه في عراء الحياه التى نافست حياه في نفسها، ليجد نفسه يقوم بدور السند حتى تجد نفسها من جديد، نفسها التى لم تكن يوما حلما لقلبه و ادرك اليوم انه كذلك لم يكن فارس احلامها،.

و لاحقا اقتحام طوفان زوجه اخيه لحياته عنوه رغما عنه و عنها، ليجد الحياه تسخر منه لتخبره بتبجح ان سعادته و راحته بها شئيا مستحيلا، و لكنه ادرك ان هبه وهم، و حياه زعزت داخله مشاعر الاخوه التى استفزتها بقوه بضعفها فكون تجاهها مشاعر اخوه حقيقيه، و لكن ماذا تكون حنين؟، مشاعره الغريبه و احساسه الغامض الذى يجتاحه بجوارها، ، حنانه و الذى هو مصدر قوته ليصمد بوجه الحياه يختفى بارتباك معها، بل و يشعر بنفسه انه هو من بحاجه لحنانها، يؤلمه بشده دعوه اخيه و التى لا تفارق اذنيه عندما قال ربنا يرزقك زوجه زى حنين هتحس انك ملكت الدنيا بما فيها تمنى و ردد دعاؤه و لكنه ابدا لم يتمناها هى، ، لتأتى لعبه القدر لتمنحه اياها و هو مدركا انها ستسلبها منه مجددا لتستنزف باقى طاقته كامله.

شعور بالعجز يطوقه و هو بالكاد يستوعب ما يحدث له و معه، قناعه المرح يخفى خلفه روحا داميه و نفسا مُهلَكه..
عادت حياه لحياتها، و سعدت هبه بحياتها، و لكن ماذا عنه؟ و الاصعب ماذا عنها هى..!
ما مصير كليهما؟ و ماذا يخبئ لهما القدر بعد؟!

احترمت حياه صمته و التى ادركت من خلاله انه يفكر، لا تدرى ما مركز افكاره تحديدا و لكنها رأت حيره قاتله بعينيه، شعور بالتيه و التشتت يملئ ملامحه جعلها تعض شفتيها ندما يا ليتها لم تصارحه، ايُعقل انه اراد منحها قلبه؟

و لكنها لا تستطيع القبول به فهى لا ترغب بالحب، فقط يعنيها نجاحها الذى حُرمت منه، و لكنها ابدا لا تهمش دوره و لن تتخلى عن حنانه السخى وضعت يدها على كفه فتفاجأت بانتفاضته كأنه كان بعالم غير العالم فجذبت يدها ناظره اليه بتعجب و لكنه حاول الهدوء قائلا بخفوت مطمئنا اياها: اختى و بس...

اتسعت ابتسامتها بسعاده و هى ترمقه بامتنان لانه لم يضعها موضع صعب، و لكن هو ظل على جموده مغمغما بخفوت متهربا من وجودها معه: انا محتاج ارتاح ممكن نكمل كلامنا وقت تانى..
نهضت مسرعه تساعده على الاعتدال و لكنه لم يكن بحاجه لقرب احد الان فأشار بكفه مانعا اياها من الاقتراب قائلا: انا كده كويس..

اومأت موافقه باحترام لتفكيره التى فهمت من عينيه انه يعصف به الان و خرجت بعدما نظرت اليه بامتنان مره اخرى، القى برأسه على الوساده بارهاق جسدى و فكرى مغلقا عينه تاركا لافكاره و حدتها الفرصه لتمزق فيه تمزيقا...
تجرد هو مما كان يختبئ خلفه، ذنبه الذى لم يفهمه و لن يفعل..

كان يعتقد ان مجرد تفكيره في مشاعر اخرى سيكون خطأً بحق زوجته التى اتت الان بكل ثبات لتخبره انها لا تعده زوجا من الاساس، خلف من يتوارى عن تساءلات قلبه، و علامات الاستفهام التى تداهم عقله..

شعر بيد تمسح على شعره بحنان ففتح عينه مسرعا ليطالعه وجه والدته التى جلست بجواره تنظر اليه بحنان غمره من اعلى رأسه حتى اخمص قدميه ليجد نفسه دون وعى ينحنى بجسده ليدفن وجهه في صدرها متجاهلا صرخات الالم التى اشتعلت بجسده كله و التى خرجت على شكل تأوهات لا يدرى أهى حقا من وجع جسده أم من انهاك روحه..!.

لتضمه والدته بحرقه على ابنها الذى عاش مرفهاً طوال عمره تبعها سفره للخارج لتحقيق حلمه ليعود فتبدأ معركته القاسيه مع الحياه، العمل بمستوى اقل بكثير مما كان عليه بالخارج حتى استقر بالشركه الان، حياه قلبه و التى استنزفها بالبدايه حب واهم ليطعنه بعدها ما هو اقسى و اصعب..

وفاه اخيه و التى دمرت الجزء الاقوى بداخله و هو يشعر بنفسه وحيدا فجأه مسئولا عن كل ما حوله خاصه مع مرض ابيه الذى ظل في غيبوبته اشهر حتى فاق ليصبح طريح الفراش بما تجاوز عام من الزمن..
غضبه و عصبيته التى احرقت قلبه و التى لم تكن هينه على شاب لم يكن يعرف بحياته سوى الضحك و المرح و نادرا ما كان يعرف معنى العبوس..
فيضان حنانه و الذى ورثه منها ليُغرق الجميع به حتى شعر بجفافه ليكون هو في اشد حاجته للحنان..

انتفض جسدها و عينها تلمع بالدموع و هى تشعر بدموعه تبلل عبائتها البسيطه لتحرق صدرها حرقا فابنها يعانى وجعا و قهرا فاق الحد و ما اصعب قهر الرجال!
مسدت ظهره باحتواء لتهمس بخفوت يقطر حنانا امطرته به: انت اقوى من كده يا مازن، ربنا بيختبرك يا ابنى اصبر و احتسب و هتلاقى الفرج من عنده..

شدد من دفن وجهه بها ليصلها صوته المذبوح و كل ذكرياته السابقه و التى اشتاقها حد الجنون تجتاح كيانه: تعبت يا امى، تعبت، و قلبى تعب، لا مال و لا جاه و لا منصب يساوى راحه البال، انا عاوز راحه البال، راحه البال بس..
تساقطت دموعها وجعا عن نبض قلبها الذى فقدت نصفه و لم يعد لديها سوى النصف الاخر: وحد الله يا حبيبى ضاقت و لما استحكمت حلقاتها فُرجت و كنت اظنها لا تُفرج ، حبيبك النبى بيقول، ,.

صمتت تنتظر رده عليها و لم يغب عنها بل ردد الصلاه على النبى صلى الله عليه و سلم بصوت خاشع و هو ساكن بين يديها..
فأردفت هى برضا بعدما سمعته: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: عَجَبًا لأمرِ المؤمنِ إِنَّ أمْرَه كُلَّهُ لهُ خَيرٌ وليسَ ذلكَ لأحَدٍ إلا للمُؤْمنِ إِنْ أصَابتهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فكانتْ خَيرًا لهُ وإنْ أصَابتهُ ضَرَّاءُ صَبرَ فكانتْ خَيرًا له .

استند بوجنته على كتفها يلتقط انفاسه التى سكنت قليلا فحاوطته بيدها بسخاءها الحانى وهى تشعر به ابن العشر سنوات و التى كانت تعلمه ايات القرءان و تنصحه دائما و هو ساكنا بين ذراعيها كما الان لتُكمل بتأكيد مؤمن: قلقان ليه و ربك موجود، هو قادر يشرح صدرك و يخفف تعبك، احكيله و اشكيله و اطلب منه، اطلب بسخاء، اطلب و خليك واثق انه هيستجيب، انا مفيش حاجه صبرتنى على بعد اخوك عن حضنى غير كرم ربك و حنانه على قلبى.

اومأ برأسه في هدوء غريب اجتاحه كأنه لم يكن
يحتاج سوى حضنها هذا الان و دموعه تنساب من جانب وجهه و هو ينظر لكتفها الاخر متذكرا ان وجه فارس كان يواجهه هنا فقد كانت تضمهما معا لينعما بحنانها و هى تنعم بوجودهم..

رفعت رأسه اليها لتُزيل دموعه بفرط عاطفتها الحانيه و ربتت بعدها على وجنته بيدها الدافئه و هى تنظر لعينيه قائله بصوت متردد: انا سمعت كلامك مع حياه غصب عنى، مش هقولك غير حاجه واحده، وامسكوهن بمعروف او سرحوهن بمعروف حقها تعيش حياتها، و تبدأ من جديد، القهر والظلم اللى عاشته في حياتها و اللى ربنا هيأك ليها علشان تبعدها عنه تستحق تعيش قده و اضعافه فرحه، لو عاوزه تتطلق يا ابنى طلقها...

نهض مسرعا ناظرا اليها هاتفا بعجاله مدافعا لتصدر عنه آهات مكتومه اثر وجعه الجسدى: لو طلبتها مش هجبرها يا ماما، بس انا مش هقدر اعملها الا لو طلبتها، غير كده انا مش هحرمها من حاجه هى طول عمرها بتستناها و حتى لو على حساب نفسى، فرحتى و انا بحقق ليها فرحه انا عاجز عن انى احققها لنفسى بتقوينى، احساسى انها وقفت على الطريق اللى يستحقها بيشجعنى، هى حياه قلبى فعلا، بس مش في الحب لكن هى خلته يعيش..

حاوطت وجهه بكفها لتهمس بترقب حذر و هى تتفحص ملامحه المتعبه: طيب و حنين؟!
غامت عينه بمراره احساسه الغامض مجددا ليهمس بشرود اعطاها اجابتها التى تدرى انه لن يدركها الا بعد كثير: مش عارف، مش عارف بجد هترسى على ايه...!

كانت واقفه بالمطبخ تُعد بعض المأكولات السريعه حتى شعرت بيديه على خصرها تحاوطها هى و جنينها معا هامسا بحراره بجوار اذنها: فاكره لما قولتلك نفسى احضنكم سوا..

تجاهلت احساسه المشتعل الان فهى لا قدره لها على المماطله و التحدث معه فهى مرغمه ستقبل البقاء ببيته، فإن لم يكن من اجلها فمن اجل طفلها، لن تسمح ان تنجب معتز جديدا، تفرق والداه ليتوه هو و يتحول لانسان بل لمسخ غريب اغرق كل سفن عشقه ببحار عينها، و احرق كل الورود ببستان قلبها، غمغمت بتردد متذكره كلمته هذه سابقا: يومها انت كنت فعلا بتحضنا سوا..

شدد من اقترابه منها حتى لاصقها تماما مستندا بذقنه على كتفها ليغلق عينه يستنشق رائحه خصلاتها العبقه و التى تشبه رائحه الفل لهذا دائما ما كان يلقبها فله ثم عاود بهمس اشد حراره: وحشتينى يا فله، وحشتينى قوى..
اغلقت عينها لحظات ثم استدارت له لتنظر لعينه بقوه و اصرار هاتفه: انا عاوزه اروح عند ماما..

عاد خطوه للخلف بضيق من اصرارها على الابتعاد عنها، فطوال الاشهر الاخيره كانت بارده ثلجيه معه حتى كان هو يحترق حرقا ليُذيب جليدها و لكنها لم تستجيب..
طال صمته المتفحص بها فعادت طلبها مره اخرى بتوضيح ابلغ: انا بقيت بتعب، و محتاجه ارتاح و محتاجه مساعده ماما معايا خصوصا انه اول حمل و انا لسه معرفش حاجه..

اخذ نفسا عميقا و تمتم بهدوء محاولا اثناءها عما قالت: انا ممكن اسلم الصفقات و الشغل الحالى لعاصم زى الاول و اتفرغ ليكِ تماما و اى حاجه تحتاجيها اطلبيها و هعملها فورا،
تحركت ببطء للخارج تاركه ما كانت تفعله متجاهله ما قال و همست بتأكيد: انا محتاجه اروح هناك يا معتز..

وقف امامها ممسكا كتفيها هاتفا بحده غلبته: انا مش هقدر اشوفك هناك يا هبه، انتِ عارفه والدك مش طايق يشوفنى او يسمع صوتى، دا غير كلماته اللاذعه اللى بتسمعيها كل مره و التانيه لانه شايف انك فرطى في كرامتك..
حاولت تمالك غضبها و تمردها المعتاد فهى لا قدره لها بهم الان: انا فعلا فرطت في كرامتى..

قاطعها و دون انتباه حركها بعنف قائلا بصراخ: انتِ طول عمرك رافعه راسك، قبلى و معايا و من بعدى، كرامتك متصانه يا هبه و ان كان في حد اتهان فأنتِ اكيد عارفه هو مين..!
انقبض قلبها من كلمته من بعدى و لكنها حاولت بقدر الامكان تجاوزها و لكن قابلها طوفان الحزن الذى طغا عينيه و هى تُدرك مغزى كلمته و لكنها ايضا تجاهلتها جاهده هامسه باستسلام غريب عليها: دا والدى يا معتز، في الاول و في الاخر دول اهلى..

نظر اليها نظره ثاقبه هاتفا بثبات: و انا مش هسمح حتى لاهلك يكونوا سبب وجعك..
ابتسمت بسخريه وتمتمت بمراره شعر بها ك سهم غادر يخترق قلبه: بلاش انت تتكلم عن وجعى يا معتز الله يكرمك.

تركته و خرجت، جلست على الاريكه بالخارج فأسرع اليها رافعا قدمها بحنان ليضعها على الاريكه ايضا متجاهلا المشاداه بينهم منذ لحظات بينما هى تتطالعه بدهشه فجلس بجوارها من الجهه الاخرى ليجعل ظهرها مواجهه له و بدأ بتمسيد عنقها بهدوء و هى تحدق بالفراغ ذاهله، ثم تمتم بتأكيد و نبرته يكسوها شيئا من اللهفه و طفوليه عجيبه يعاملها بها منذ ان علم عن حملها: بيقولوا ان افضل ترفعى رجلك كده، بترتاحى اكتر.

تركت احساسها ليده لتشعر برعشه تسرى بجسدها...
هرومانتها متخبطه هذا الفتره، و هو يستغل ذلك ليلعب على وتر احساسها..
و هو محق، هى بحق في اكثر الاوقات حاجه له..

فكم تتمنى ان تُلقى رأسها بحضنه ليعبث بخصلاتها القصيره ليخبرها كيف سيعتنيا بالطفل معا، تتمنى ان يداعب وجهها ليمنحها صفات طفلهما كما فعل من قبل، هى عرفت انها تحمل صبيا و كم كانت تتمنى دوما ان يمنحه والده اسمه، تتمنى لو يمنحها سعادتها لتكتمل عائلتها الصغيره لتشعر انها امتلكت الدنيا بما فيها!

و كأنما قرأ افكارها هذه لتجده يجذبها برفق ليضع رأسها على فخذه بهدوء فنظرت لوجهه بصدمه ليبتسم لها بعشق و هو يتمتم بجديه زائفه: انا بهتم بطفلى اظن مفيش اعتراض على كده؟

اغلقت عينها و اجابتها تتراقص على شفتيها اهتم به او بى لا فارق، كفى ان تكون معنا و لكنها اعتقلتها بداخلها عن مسامعه لتشعر بعدها بلحظات بيده تداعب خصلاتها بدفء تمر من جبينها حتى منتصف رأسها مرات متتاليه حتى كادت تستسلم لنعاس في احتواءه الذى ربما تختبره لاول مره...

توقفت يده ثوانى لتفتح عينها مسرعه لتجد وجهه امام وجهها منخفضا عليها مقتربا منها بصوره خطره - على قلبها المسكين -، و سيئه اشد السوء - على عقلها المتمرد - و قبل ان تُدرك هدفه كان قد وصل اليه هو عندما زين جبينها بقبله عميقه هامسا بنبره مشتعله و انفاسه تلفح وجهها: دى لحمزه...
رفرفت باهدابها لتُتمتم بلهفه و قد راقها الاسم: هنسميه حمزه؟!
منحها نظره غريبه ثم غمغم بغموض: هجاوبك بس صبرك عليا!

تجاوز غموضه بعدها عندما مال عليها مجددا ليضم شفتيها بشفتيه في قبله جمعت كل مشاعره نحوها من اسف، ندم، خزى، شوق، لهفه، عتاب، فرحه، حزن و غلفها رداء عشقه لها و رغم سعادته معها سابقا كان هذا مختلفا..
كانت قبله تمنحها وعد ابدى بأنه لها وحدها، و تقتنص منها ألف وعد و وعد انها له و فقط له لاخر عمره..

امتدت يده لبطنها المنتفخ قليلا يضمه باحتواء بكفه و لم يفصل قبلته بعد حتى وضعت هى يدها على يده فابتعد عنها مستندا بجبينه على خاصتها هامسا بعشق: و دى لأم حمزه.

كانت تحاول التحكم بانفاسها اللاهثه، حسنا طوال الاشهر الماضيه لم تمنعه من الاقتراب منها و لكنها لم تستسلم له و لكن لا تعرف لما استسلمت اليوم، استسلمت لطوفان عشقه الذى اكتسح ما تحمله من غضبا ليترك حطام قسوتها على ارض عقلها توبخها، بينما ازدهرت بتلات عفوها و حبها بجينان قلبها تشكرها، و لكن ما حكم بينهم ضميرها و الذى ما زال يلومها و لكن ما المانع في لحظه، لحظه و ربما لحظات او فليكن ليلا كاملا تستعيد فيه سعاده قلبها اليس هذا بأفضل لها و لحمزه!

رفع رأسه اخيرا محررا اياها من اعتقال انفاسه المتحكم في انفاسها و الذى سلب قوتها منها، ظلت على سكونها دون ان تطالعه حتى همس بتساؤل هادئ: عاوزه تعرفى ليه اخترت حمزه!

همهمت دلاله على رغبتها في معرفه اسبابه فضم كفها التى تضعه على بطنها المنتفخ و داعب بيديهما معا طفلهما مما تدغدغ مشاعرها فابتسمت بسعاده رغما عنها و هو يشرح متذكرا حلمه: حلم جميل كنتِ فيه قاعده على شط البحر و انا قررت انزل المياه و حاولت اقنعك اخذ حمزه..
فتحت عينها اخيرا ليلتقط هو اهدار امواجها السخى و الذى لمع بلهفه اغرقته بها: كان اسمه في الحلم حمزه؟

اومأ برأسه موافقا و هو يحتضن وجنتها بأيد مرتجفه ليُصرح بعاطفته المشتاقه: اشتقت ليكِ بين ايديا، و لنظره عنيكِ اللى غصب عنى بتوه فيها، اشتقت لضحكتك و لمعه السعاده في عز تعبى، اشتقت لقلبك اللى سكنت جواه و بيعترف قبل لسانك انه بيحبنى.

و ما بيدها حيله الان سوى ان تهرب، بل تركض بعيدا، رغم انها بدونه كحافيه قدمين تركض على اشواك لوعتها و زجاج شكواها، رغم انه الدفء فهو اقرب للصقيع، رغم انه الجنه فهو يحمل بين كفيه النار، و رغم اتساع بحره بمغرياته الكثيره لن تخاطر به دون وجود شطآن، و اسفه هى مازالت لم تجد معه الامان...
سمعها هو بقلبه، بل باحساسه بها الذى اصبح يفوق احساسه بنفسه عندما هتف: كذابه.

ضغطت عينيها بقوه و هى تمنع دموع عينيها من الهروب فلم يشأ ان يضغط عليها اكثر و هو يعلم الصراع التى تجاهد فيه روحها فانخفض طابعا قبله اخيره على جبينها و همس بترجى: و دى لعل قلب أم حمزه يرضى عن باباه..

تتحرك ذهابا و ايابا في الغرفه لا ترغب بالذهاب لغرفته لا ترغب، لما يريد رؤيتها أفلا يمكنها ان تبعث التصاميم مع احد اخر...
اخبرها في بدايه العمل ان عملها سيكون مع - مازن - مباشره و لكنه الان يبدو ان عملها معه و كأن الشركه لا تحوى سوا كلاهما، ، لا تريد التواجد معه بمكان واحد ف مشاعرها المتخبطه ترهقها..

مشاعرها تجاهه و التى لا تدرى أهى - وليده - ام منذ امد و هى لم تدركها، و ما يؤرقها انها عندما تتذكر محمود لا تتذكر سوا ابتعاده المهين لكرامتها و شخصها، نادرا ما تتذكر ضحكاتهم و لكن أسفا لا تذكر مواقف حاسمه او محمسه له معها..
و لكن على النقيض تماما و دون رغبه منها حتى تتذكر كل مواقفها مع اكرم، رغم غفلتها عن احساسها به وقتها - كما تعتقد - و لكن يظل يحتل تفكيرها بلا منازع..

منذ ان عملت بشركته و هو يقدرها و يحترمها لم يبد حتى رد فعل صادمه بعد معرفته بعجزها، انقاذها و احتواء خوفها يوم الحادث المشئوم و الذى لولاه لخسرت اعز ما تملك و احترامه لرغبتها رغم خطؤها، تشجعيه الدائم لها على العمل والاتقان فيه و جعلها توقن انها قادره على فعل ما تريد، توضيح الثغرات التى تغفل عنها ليعطيها من الخبرات ما يفوق خبرتها بالداخل و الخارج، حفاظه على سمعتها بالشركه كلما تجاوز محمود التصرف معها و كأنه كان يعد نفسه وصيا عليها..

جميع تناقضاته و التى تمنحه هاله غريبه و غير مستقره من الغموض، مزاحه و حزمه، حنانه و قوته، ضحكاته و غضبه، و نظراته المشجعه و الواثقه و نظراته اللامباليه..
و الى الان لا تستطيع نسيان يوم رأته يعتذر لجنه، يوم اخبرها عن وصفها بعطرها المحبب ليمنحها دهشه فلم تكن تعتقد انه ذواق في امور النساء هكذا..

قبضت على نفسها بابتسامه ارتسمت على شفتيها رغما عنها لتضرب جبينها بخفه ثم حملت التصاميم متجهه اليه و هى تدعو الله ان يمنحها قوه التماسك بجواره..
فمشاعرها تجاهه ذنب، فهى رغم كل شئ لا تدرى صحه شعوره تجاهها، اخرجت مارد مشاعرها المتخفى خلف احساسها الدائم بالارتباك الواضح امامه و الذى كان مخفيا عنها ايضا اخرجته لنفسها و لكن ماذا عنه! لا تعلم؟!..

و لا يوجد بيدها سوى لحظات السعاده القليله التى تعيشها بمجرد رؤيته، و التى تدفعها لذنوب اقوى و ما اجملها من ذنوب تحمل من المغريات الكثير..
كرغبتها الدائمه بالنظر اليه لتنعم بملامحه التى لم ترى منها سوى دفء يسرق لبّ قلبها، ، الاستماع لحديثه بنبرته الرجوليه الخشنه و التى لا تخلو من حنان يحتوى كل حواسها لتندمج معه..

ابتسمت مجددا و هى تشعر برغبتها العارمه الان لتشكر سلمى على حسن صنيعها بتجريد مشاعرها امامها، حتى اختفت ابتسامتها تماما عندما وقفت امام الباب و هى على وشك طرقه و حاولت اخفاض دقات قلبها العاليه التى تجزم انها ربما تصله من فرط حماسها و لكن قبل ان تطرق وصلها صوته يتحدث و رغما عنها جذبها حديثه خصوصا عندما شعرت به يصيبها بأخر ما توقعته..

اما بالداخل كان هو يتحدث على الهاتف مع جنه و قد قرر اخبارها قبل ذهابه لتتأكد من عدم معرفه مها بحضوره، , ضحكت جنه بصوت عالى لتهتف بمرح: انا مش مصدقه نفسى، مها يا اكرم! من امتى؟

حمحم بضحكه و هو يستند على مقدمه مكتبه ناظرا لنقطه وهميه و صورتها تتجسد امامه ببحر الفيروز الذى غرق فيه طوعا كان او قسرا، فانتفض قلبه بين اضلعه ليغلق عينه يُصرح بحراره و انفاسه تضطرب بصدق عاطفته: من اول ما شوفتها، انا نفسى مش عارف حبيتها ازاى و امتى؟ صبرت كتير، كتير قوى..
ثم ابتسم بمرح و هو يفتح عينيه ليهتف بغيظ تملك قلبه من نفسه اولا ثم منها - تلك الفيروزيه -: بس انا فاض بيا و سلمت الرايه..

تحركت جنه ذهابا و ايابا بفرط حماسها و فرحها له و هى تصيح بسعاده كأنها تُحدث نفسها: انا مش قادره استوعب، انت و مها! طيب ازاى؟ و ناوى على ايه؟

نقر بأصابعه على المكتب ليتمتم بعزيمه تحمل اطنان من مشاعره الجياشه و كلماته تخبرها بوضوح انه ليس بمعجب او مجرد - عريس مناسب - لمها، فالامر ابسط من ذلك و في الوقت ذاته معقد بشكل سئ فهو ببساطه شديده عاشق حد النخاع - و حسرتاه -: انا هاجى النهارده، و مش ناوى على خطوبه، انا ناوى على جواز عالطول، انا داخل على 34 سنه، و مش مستعد استنى لحظه او اضيعها زى ما حصل قبل كده، , خرجت منه بصوتٍ متهدج رغما عنه..

ثم هتف بلهفه كأنه يجاهد ليكسبها: كل طلباتهم هتتلخص في كلمه واحده انا بعشقها و مقدرش استغنى عنها يطلبوا مهر، شبكه، شقه، فلوس، اى حاجه كفايه هى، انا عاوزها هى و بس..
لمعت عينها بتأثر و هى تشعر بصدق عاطفته التى أنبأتها انه احترق حرقا و هو يراها تُخطب لغيره بل و يعملا معا امام عينه، ليس بأمر هين اطلاقا خصوصا على من هو مثل اكرم، و الذى يخفى اكثر مما يُبدى فهو تلخيص لقول الشاعر، ,.

اراك عصى الدمع شيمتك الصبر، اما للهوى نهي عليك و لا أمرُ؟
بلى انا مشتاق و عندى لوعه، و لكن مثلى لا يذاع له سرُ!
صمتت جنه للحظات ثم تمالكت احساسها بمشاعره و حزنها لاجله بالوقت ذاته و لكن ما لبثت ان ابتسمت بمكر و هى تغمغم بتردد مصطنع اختبارا لثقته: بس مها ممكن يعنى...!

و صمتت منتظره رد فعله و التى جاءتها سريعا عندما تنهد اكرم بقوه ليغلق عينه متذكرا عندما امسكها متلبسه بالامس تناظره بتفحص لترتبك بعدها فهمس بقلق و نفسه تنازعه ليصدق همسه: انا شوفت في عنيها نظره شجعتنى، قلبى بيقولى انها هتوافق، انا حفظت قلبى طول عمرى علشان كنت متأكد ان يوم ما هسلمه هيبقى لواحده تستاهله و انا حاسس انه اختارها هى، عقلى و قلبى اتفقوا عليها و مش هقدر اتنازل عنها..

ضحكت جنه و هى تبتسم بحنان شاعره بالخوف الذى غلف صوته لتهتف بثقه بعدما تذكرت هى الاخرى تجمد مها فور رؤيته بنظرات فضحت مشاعرها و التى ربما كانت هى نفسها - مها - غافله عنها: حافظ على ثقتك دى، أينعم اختيار القلب ممكن يكون غلط، بس احيانا بيكون اصح من تفكير العقل و متقلقش انا هحرص انها متعرفش..

طمأنه حديثها قليلا رغم شعوره انه على حافه الهاويه فهو اليوم اما سيفوز بقلبه و اما سيخسره للابد، اما سيغرق في بحر الفيروز ليغرقها معه في دفء عاطفته و صدق احساسه بها و اما سيغرق به بعيدا عنها في وحل عشقٍ لم يُكتب له حياه. ظ
ابتسم بتشتت و تفكيره ينحصر في فكره واحده و هو انه بانتهاء هذا اليوم سيصبح اكرم جديد اما لها و اما بعيدا عنها و ما اقسى شعور الانتظار..!

اغلق الهاتف و استدار ليخرج متجها لهناء ففتح الباب بحركه مفاجئه ليُفاجئ بها امام الباب و تُفاجئ هى الاخرى بخروجه فرفعت عينها الغارقه بمرارتها اليه لتلتقى عينهما في حديث صامت..
كانت عيناها غارقه ببحر دموعها و التى ابت السقوط و لكن من يوقف نزيف قلبها..
ما اعتقدته من مشاعره نحوها، كذب،
ما اخبرتها به سلمى، كذب،
ما انشأته من قصور داخل قلبها المسكين، كذب،
هو يحب اخرى بل من حديثه هذا ادركت انه يعشقها..

هى فقط من سولت لها نفسها ان تحلم ناسيه او ربما متناسيه ان معيبه مثلها لا تستحق حتى الحلم..
امثالها لا يليق بها الحب و من مثل اكرم لا يفكر بمثيلاتها..
قلبها يؤلمها، يؤلمها بشده، كما لم يفعل من قبل.
كل ألم عانته في علاقتها المعطله مع والدتها، كل ألم كسرها بسبب ضعفها و استسلامها لعجزها، كل ألم اختبرته ببعد محمود و كسر كرامتها، جميعها معا لا تساوى مثقال ذره من ألمها لفكره عشقه لغيرها، لفكره خسارته..

كانت حمقاء لا تدرى حتى ما بداخل قلبها و لكن صدق من قال لا تُدرك قيمه الشئ إلا بعد خسارته و هى للاسف لم تدرك قيمه حبها الا متأخره، بل لم تدرك حبها من الاساس..

و لكن كفى، كفى قصور وهميه و احلام بائسه، ليست كل فتاه سندريلا لتُختم قصتها بأميرها المنتظر، فهناك احيانا بعض القصص تنتهى دون امير و دون سندريلا، باختصار خاويه وهميه لا صحه لها، تماما كالحلم الساذج التى رسمته على لوحه قلبها بل و تجاهلت كل الواقع من حولها و لونته بألوان زاهيه لتذهب لوحتها مقدمه على طبق من ذهب لغيرها..

و امامها هو عقد ما بين حاجبيه متأملا انكسار ملامحها و صدمته بالالم و المراره التى كست عينيها بشكل هدم قلبه هدما..
بحر الفيروز و الذى ينذر بعاصفه هوجاء من اليأس و الاستسلام - لقرار او فعل او ربما قولا ليس بيدها - و الذى اختفيا من عينيها مأخرا..
حديثها الصامت و الذى يخبره بحزنها كأنها ستفقد شئيا غاليا جدا على قلبها بل و يبدو انه اغلى ما تملك بحياتها...

قطع صمته و صمتها جامحا رغبته الصارخه بضمها لحضنه لتلتهم شفتيه دموعها قسرا و تُحرمها على عينيها، ليجذب منها كل ما تحمل من ألم و ان دفع عمره سيعطيها ما تحلم به مهما كان و كيف يكن، و اثر انفعاله خرج صوته متحشرجا رغما عنه محملا بفيض احساسه الصامت لها: خير يا بشمهندسه؟ انتِ كويسه؟!

اخفضت بصرها عنه متمسكه بما لها من قوه و تحركت من امامه هاربه لعلها تخفى عنه دموعها و لكنه اوقفها مناديا باسمها فتوقفت و مازال ظهرها يواجهه فتماسكت قليلا لترفع رأسها لاعلى مغلقه عينها لتمنع مرآه عينها من عكس نزيف روحها التى لم تكن تتوقع ان يكون بهذا الوجع، وجع تدركه لاول مره ليخبرها ان ما سبق من حياتها مع الاخر هباءا ف - وجع عشقها - اخبرها انها ما احبت من قبل و عندما فعلت، يا ليتها لم تفعل ابدا..

استدارت له فأشار لها لتدخل مكتبه و دلف لتتبعه هى ساكنه و الحمد لله ساعدتها قوتها الان لكى لا تُفضح امامه، فما اعتقدته من مشاعر صورتها لها عينه - او كما رأتها هى - كلها مجرد حلم يقظه يكفى ان تستيقظ منه الان، و حان حتما وقت الاستيقاظ!
توقف امام مكتبه ناظرا اليها بتفحص عاقدا حاجبيه بشده يجاهد ألا يُفضح متسائلا بحذر: في حاجه مش مظبوطه ممكن افهم في ايه؟! انتِ كويسه؟!

رفعت عينها اليه بقوه خانتها لتتنمر عليه هو بدلا من كبح جماح ألمها و للاسف لم تحاول تمالك نفسها لتُشير بحده غير مبرره وجهها يحمل من انفعالها الكثير و ليه مش هكون كويسه؟

لتنكمش ملامحه اكثر من انفعالها و حركه شفتيها السريعه مما اخبره انها غاضبه او ربما ساخطه عليه لفعل ما، ف لاحظت هى تدقيقه بشفتيها لتطبقها محاوله اخماد شعورها بالشفقه على نفسها و لكنها تذكرت كلمات سلمى فتعمدت تحريك يديها دون نطقها الصامت بالكلمات فأشارت في حاجه تانيه مطلوبه منى حاليا؟

لاحظت انعقاد حاجبيه اكثر موضحا شعوره بالتشتت لتنتقل عيناه بين يديها و شفتيها عده مرات دون فهمه لما تقوله، و لا شعوريا اغتصب قلبها فرحه باحساسها بتميزه او ربما تميزها لديه و لكنها عادت تختفى خلف ضبابات الواقع و التى وضحتها مكالمته و التى اخبرتها بوضوح افيقى هو يعشق اخرى فانقبض قلبها مع دوار خفيف يلف رأسها..

فاخفضت عينها و اعطته التصاميم فأخذها متعجبا موقفها و تصرفها الغريب هذا و لكنه ألقاه باهمال على المكتب ليعاود النظر اليها و قبل ان يسألها شيئا يُطفئ نيران صدره و التى احترقت بحزنها.
استدارت هى و اعطته ظهرها دون كلمه اخرى او حتى استئذان بالخروج كعادتها..

لحظات تبعت خروجها ظل هو واقفا بدهشه متسائلا ما سبب تصرفها بهذا الشكل و قلبه يدق اجراس الخوف و الحذر، و وسط مشاعره الملتهبه الان لم يستطع التروى و تقدم مسرعا ليخرج خلفها و لكنه توقف خلف الباب فور ان سمع هناء تقول بسخريه كالمعتاد منها فهى لا تجيد الا السخريه او الدلال الزائد: انتِ كنتِ وافقه تسمعى كلام البشمهندس اكرم ليه؟ و لا متعرفيش ان كده عيب؟! افرضى اسرار!

ثم نهضت واقفه لتقترب منها مسرعه لتهتف بحماس خالف تأنيبها لها منذ ثوانٍ: كان بيقول ايه بقى خلى وشك يصفر كده؟ قوليلى قوليلى و مش هقول لحد.
رفع اكرم عينه - التى اختفى توترها و قلقها لتلمع بخبث متلاعب - ليطالع وجه مها ليجدها ترمقها بنظره غاضبه حارقه اخبرته بوضوح عن اشتعال روحها ثم تحركت مسرعه باتجاه غرفتها ليدلف هو و يغلق الباب بعدما ادرك ما صار..

فشقت ابتسامه واسعه طريقها لشفتيه ليهمس بخفوت متلذذ كأنه يُحدث احدا ما: فيروزنى بتغير، ...!
عقد حاجبيه و ابتسامته تتسع ليهمس مستمتعا اكثر بالخاطر الجديد و الذى بناه عندما تذكر انه لم يذكر اسم من يعشقها او اسم من يحدثها: او يمكن فهمت انى بحب واحده، ،!
تحولت ابتسامته لضحكه ليتمتم ضاغطا حروف كلمته ببطء و هو يشعر بقلبه يكاد يفارق صدره طربا: تانيه، ،!

ثم ازدادت ضحكته لترسم انعكاس واضح لسعاده روحه الان هاتفا بمكر: غيرها..!!؟
ليقهقه بعدما بملئ صوته صائحا بانفعال و كأن روحه هى من منحته الاجابه او ربما الاستنتاج: يعنى بتحب، يبقى هتوافق.
حاول التماسك قليلا و لكن ضحكته لم تفارقه و هو يضع يده على كتفه مهنئا نفسه بصخب و بسعاده حقيقيه: مبروك عليك الجواز يا اكرم يا ابنى مبروك.!

طول ما لسه في بكره لسه في امل،
وطول ما انا لسه عايش هفضل ببتسم،
و مهما غاب الحلم اكيد في يوم هلقاه،
و مهما زاد الوجع مصيرى في يوم انساه،
دا القلب يعشق الفرح و الضحك و الغنى،
و قلبى لسه عايش و حلمى عايش معاه،
اكيد هنقول في مره على الماضى دا راح و تاه،
متفرقش اليوم او بكره مسير الحياه تتعاش...
تربعت على الفراش تنظر اليه بنظره شارده و جسدها يهتز بخفه دلاله على توترها..
هى تلومه! و لكن لا تدرى على ماذا؟!

اكرم لم يحدثها يوما عن اى امرا يجمعهم سويا، اذا لم تلومه على عشق فتاه ما؟!
و بدون سابق انذار وجدت نفسها تتخيله بجوار اخرى،
تتحدث معه بانطلاق تعجز عنه هى، تضحك ليتابع هو ضحكتها الرنانه بابتسامه حالمه، تصرخ له بكلمه احبك لتُشرق عيناه بعشقه لها، و هنا تكتمل الصوره، يجد اكرم من تليق به و بواجهته الاجتماعيه.
وضعت يدها على وجهها تخفيه و لم تدرى كيف؟ او متى؟ تساقطت دموعها!

ليغزو عقلها دون ادراك كل ما صار لها معه من مواقف..

ليرحل عقلها لذكرى مباركته لها يوم خطبتها و تلك الابتسامه الغريبه و نظراته التى لم تفهم معناها، لتعود لذكرى عراكه مع ظابط الشرطه عندما عنفها و كيف دافع عنها و وضعها موضع اخته و لم يستغل قرارها الخاطئ ليكون معها بمفردهم، لتزداد دموعها فور تذكرها يوم عنفها في مكتبه بعدما قدم محمود استقالته و كيف صرخ بعجزه عن فهم ما يربطهم و سؤاله عن سبب لجوءها اليه و رفض مساعده محمود حتى..

لتجد شفتيها ابتسامه متذكره كيف ارتبك و خالط الامور بعدما بكت امامه و كيف حملت عينيه نظرات حانيه دفعتها للابتسام الذى انطلقت بعده ضحكاتها، رفعت يديها عن عينها و اخر ما خطر على بالها يوم كادت تدهسها سياره مازن و صرخته الخائفه و الغاضبه بالوقت ذاته انتِ عاوزه تموتينى بسكته قلبيه.

وضعت يدها على رأسها و همت بالنهوض لتمنع عقلها من التفكير و الذى يهديها لطريق مسدود و تمنع قلبها من التيه و الذى يخبرها ان الطريق مازال موجود..
قطع تفكيرها طرقات على الباب تبعها صوت معتز الهادئ قائلا بنبره افتقدتها بشده: ممكن ادخل يا مها؟!
لماذا أتى!
أيدرى انها في اشد الاوقات احتياجا له...!

نهضت لتفتح له و لكنها شعرت بدوارها يزداد خاصه مع امتناعها عن تناول الطعام فاستندت على الحائط تحاول التوازن ثم فتحت الباب ليروعه مظهرها الباكى و عينها التى اخبرته كم افتقدته فهى منذ معرفتها بأمر زواجه، لم تحادثه و لم تسمح له بفرصه ليتحدث معها و لكن الان هى بحاجه اليه، عيناها تستغيث به، ، دلف مسرعا مغلقا الباب خلفه و ثانيه واحده و كانت تغرق داخل حضنه المفعم بالدفء الذى دفعها لتبكى بقوه شعورها بالوجع...

عقد حاجبيه من انتفاضه جسدها فشدد من ضمه لها هاتفا بحذر قلق: مالك يا مها؟!
لم تبتعد رغم محاولته بابعادها فظل على احتضانه لها بوقت ليس بقليل حتى هدأت قليلا فتحرك بها مجلسا اياها على الفراش ليجذب مقعد من جانب الغرفه ليجلس امامها ممسكا يدها بيد و يده الاخرى تمحى دموعها بفيض قلقه عليها و عاود سؤاله بلين و هو يعقد حاجبيه اكثر: ليه كل ده؟ في ايه؟!

نظرت اليه و حاولت التماسك لكى لا تتحدث و لكنها لا تستطيع، لن تستطيع ان تحمل مثل هذا الوجع بمفردها، لم تكن تعلم ان اكرم يشغل حيز كهذا بقلبها بل هى ادركت انه يشغل قلبها بأكمله، لتنتبه انه يوم تخلى محمود عنها لم تحزن مقدار ذره من حزنها الان.

فحركت يديها بضعف لتُشير و دموعها تزداد انهمارا و رأسها يذهب في ضبابات رماديه و كم تخشى هى تحولها لسوداء اى واحده مكانى مش هتقدر تقول كده لاخوها بس في حمل انا مش قادره اشيله لوحدى، محتاجه ليك قوى تسمعنى بدون ما تفهمنى غلط
ابتسم رغم شعوره ان الامر جلل و لكنه تدراكه بهدوء ليهمس محاولا بثها الطمأنينه: قولى يا حبيبتى سامعك...!

حركت يدها مسرعه لتُشير و اصابعها ترتجف انا بحبه يا معتز، انا فهمت انى بحبه، كل مره كنت بشوفه كنت برتبك و قلبى بيهرب منى بس مكنتش فاهمه، نظره عينيه الدافئه بحسها بطمن قلبى، محدش ساعدنى افهم نفسى و أثق فيها قده، كل موقف حصل ليا معاه مش عارفه اخرجه من عقلى، و كل نبضه قلب غريبه كانت بسببه مش قادره امحيها من قلبى، بس كالعاده خسرت، خسرت فرحه قبل ما تبدأ يا معتز، خسرت.

غطت وجهها بكفيها لتغرق في نوبه بكاء حملت من الماضى و الحاضر الكثير، فعقد معتز حاجبيه بغضب فأى شخص اخر محله لكان منحها صفعه تجعلها تُدرك ما هذا الذى تتفوه به، و لكنه يعرف مها جيدا، و متأكد تماما ان من تتحدث عنه ليس محمود فهو ابعد ما يكون عمن وصفته و لكنه ايضا متيقن انها لم تخطئ ليغزو قلبها شعورا كهذا، و لكن من و كيف و متى لابد ان يفهم لذلك لابد ان يهدأ!

جذب يديها عن وجهها ليحاوطه بكفيه ممحيا دموعها ليهتف بتساؤل حانى رغم جمرات غضبه المكتومه: مين ده يا مها؟! و تعرفيه منين؟!
رفعت عينها اليه لترى بعينيه نظره تهديد صريحه و ترقب قاسٍ لتُدرك ان ما قالته ليس بأمر طبيعى، و هو كرجل شرقى لن يقبل حديث هكذا من اخته، ندمت، لأ، و لكن ربما تسرعت!
اخذت نفسا عميقا ثم نظرت لعمق عينيه لتُشير بارتباك غير متوقعه لرد فعله أكرم.

اتسعت عيناه فجأه محدقا بها ببلاهه قليلا و سرعان ما اختفت النظرات الغاضبه ليحل محلها نظرات عابثه و هو يجاريها بمكر: و طبعا بحكم تعاملكم في الشغل قلبك اتعلق بيه..!
اخفضت عينها خجلا و ضيقا لتُشير بنفى انا مكنتش بتعامل معاه كتير غير في الاجتماع او مكتبه و كان بيبقى التعامل رسمى جدا، و الله ما تجاوزت حدودى و لا كان في تعامل خارج حدود الشغل، معرفش ازاى و امتى؟ انا اسفه بس و الله غصب عنى.

ضغط بيديه على وجنتها ليحتضنها برقه هامسا امام عينيها: انا واثق فيكِ يا مها، رغم ان بدايه الكلام كانت هتخلينى اقوم اضربك بس انا عارف اخلاقك كويس..
ثم اعتدل قليلا ليُصرح بغموض: و اكرم شخص ممتاز، فعلا يتحب!
نظرت اليه باستغراب من النظرات العابثه التى شغلت عيناه و لكنه تجاهل نظراتها و نهض ليوقفها امامه قائلا: ادخلى اغسلى وشك و البسى حجابك و تعالى في حاجه ضرورى لازم تشوفيها..

ازدادت غمامتها سوادا لتترنح قليلا فأسندها بقلق ينظر لوجهها الذى اخذت تمسح عليه بارهاق: مها، انتِ كويسه؟
اخذت انفاسها بتتابع بطئ ثم ابتسمت و رؤيتها تتضح قليلا و اشارت تطمئنه كويسه متقلقش يمكن علشان وقفت مره واحده ، ، ثم تجاوزت الامر منعا للاطاله و ضيقت عينها بتململ لتُشير بمحاوله للتملص مش عاوزه اخرج يا معتز، و بعدين انت كنت جاى ليه؟ خصوصا بعد...

و توقفت حركه يدها لتنظر اليه بعتاب فامسك يدها مقبلا وجنتها مرددا برجاء خالص: انسى يا مها علشان خاطرى كفايه هبه و اللى بتعمله فيا.
نظرت اليه بغل قليلا ثم اشارت باندفاع امرأه تدافع عن اخرى تستاهل، و هى عندها حق بالعكس اللى هبه عملته او بتعمله او حتى هتعمله قليل دا انا كان هاين عليا اقتلك يا معتز.

ابتسم محاولا اخفاء شعوره بالالم فلا احد يعلم سوا محمود عن حقيقه ما فعلته هبه و اخفائها امر حملها الذى ادمى روحه كثيرا بشعور ان يكون السبب بخساره طفله و لكنه تجاوز ذلك الان قائلا بمزاح: لا هبه طيبه الحمد لله..
ابتسمت مها بخفوت لتربت على كتفه بعدها لتُشير بفرحه بدت على وجهها حقيقه مبروك البيبى و يارب يكون خلف صالح و ربنا يهديكم له.

تمتم خلفها و هو يدفعها لترتدى ملابسها صائحا بنفاذ صبر: يارب، بس اجهزى يلا.
استعدت لتهبط معه و دوارها يزداد و لكنها لم تخبره حتى هبطت الدرج لتدلف لصاله الاستقبال الواسعه لتُفاجئ بأكرم يجلس مع عز و عاصم و بمجرد ان لمحها اكرم ابتسم بخبث و نظراته تشملها بتلاعب غريب على طبعه..
تجمدت اطرافها و عينها تثبت عليه بتعجب صارخ اليس من المفترض ان يكون الان ببيت حبيبته؟ ماذا يفعل هنا؟!

و بدأ صراع عقلها مره اخرى ليصرخ بها جاء ليقول نتيجه زيارته لاخته، جاء ليفرح معها، نظراته الضاحكه تدل على فوزه بعشقه، و تدل على خسارتها هى
ارتفعت نبضاتها بشكل ارهقها اكثر لتشعر بعقلها يودعها اخيرا لتغرق عيناها في دوامه سوداء و اخر ما وعت عليه عينيه الضاحكه و هو يهتف بنبره قويه: انا يشرفنى اطلب ايد الانسه مها يا عمى؟!

عاد عاصم من صلاه الفجر، فتح باب الغرفه بهدوء عسى ان تكون قد نامت بعد ادائها للصلاه و لكنه وجدها تجلس على ارضيه الشرفه و ظهرها مواجها له، ابتسم متذكرا عادتها اليوميه بمراقبه الشروق و محادثتها الهامسه لابيها، هى لا تعرف انه يعرف عن عادتها تلك و لكنه يعشق مراقبتها و يبدو انه عاد اليوم مبكرا لينال هذه الفرصه...

جلس على طرف الفراش بهدوء ناظرا اليها و قد جمعت عيناه كل حبه لها ليحاوطها بحصونه كأنه يشاركها ما تحمل في قلبها من جرح ماضٍ لم يلتئم بعد و يبدو انه لن يلتئم...

رفعت رأسها للاعلى و بدا من انكماشه جسدها انها تحتضن شيئا ما او ربما تحتضن نفسها و همست بحزن غلف صوتها، حزن يعلم انه مهما حاول عند هذه النقطه و لن يستطع ان يمحيه: وحشتنى قوى يا بابا، مش عارفه انت دلوقتى فخور بيا و لا لأ؟ بس عارفه انك لو معايا هتشجعنى اكمل في الطريق اللى بدأته، انا هقوى يا بابا، هبقى قويه، هنسى خوفى و هرمى عجزى و هعيش، هعيش علشان انا بنتك، بنتك اللى غلطت كتير بس فهمت انها مبقتش صغيره و مينفعش تغلط اكتر...

نظرت ارضا ليخفت انكماش جسدها ليُفاجأ بها تمسك بمجلده الذى طالما خط داخله مشاعره التى اخفاها عنها لتلمع عينه ببريق خاص بها و صوتها الخافت يصيب اوتار قلبه برجفه خاصه: انا حققت حلمى يا بابا، حلمى اللى افتكرت انه اختفى و مكنتش مدركه انى حققته، الامير المجهول، الكتاب و سندريلا..

ضحكت بصوت هادئ و كأنها تتذكر شيئا ما و اردفت بنبره جعلته يعقد حاجبيه تسائلا: هو اول واحد قالى سندريلا، الكتب كانت السبب في انه يعرفنى، دفتره كان السبب في انى افهم حبه، هو كل حاجه انا اتمنتها يا بابا.

ثم رفعت عينها ببطء لتُكمل بخفوت كأنها تعاتبه: بس مبعرفش افهمه يا بابا، اوقات احس انه بيبعد و اوقات احس انه اقرب حد ليا، اوقات هادى و اوقات غضبه بيكون مسيطر عليه، اوقات بحس انى اهم حد في حياته و اوقات بحس انى مش موجوده اصلا، اوقات بحس انه واثق فيا و اوقات بحس انه بيتعمد يلغى وجودى تماما، ملك التناقضات و انا تعبت من كده، تعبت من التفكير.

اغلق عينه و كلماتها تصيب قلبه بقوه لتخبره انه لن يتغير، طبعه القاسى و تقلباته شملتها و بشده، رغم عشقه لها قلبها لم يتعرف عليه بعد، رغم قربهم هم ابعد ما يكون عن بعضهم...
هى منذ رجوعهم في ذلك اليوم و هى لا تحادثه سوى بكلمات عابره، تشعر انه اخفى عليها لعدم ثقته بأنها تستطيع الوقوف بجواره، تشعر انه لا يثق بها و هذا يأرجح ثقتها بنفسها و خاصه بالنسبه لمبتدأه مثلها...

من قبل زاد خوفها بابتعاده و قسوته، و الان يزيد تذبذبها بقربه الغريب و طبعه اللامفهوم...
تعلم في عمله ضبط النفس و لكنه لم يتعلمه في حياته...!

نهض و اقترب من باب الغرفه ليغلقه بقوه ليعلمها بقدومه فرأها تجفف وجهها بيدها مسرعه ثم تخفى المجلد بطيات ملابسها لتخرج من الشرفه و هى تنظر للاشئ كأنها تتجنب النظر لوجهه و همت بالتحرك باتجاه الفراش و لكنه امسك يدها و جلس و اجلسها بجواره هاتفا بتساؤل حمل نبرته القويه بحنانه الخاص بها: هنفضل متجاهلين بعض كده كتير؟!
شردت بعينها قليلا لتجيبه بعدها مدعيه اللامبالاه: انا مش بتجاهل.

اخفض رأسه ناظرا لعينها التى تنظر ارضا ليُتمتم بعصبيه قليله خانته لتغلف صوته مع نبره متهدجه خالفت عصبيته: بقالك يومين مبتكلمنيش، بتنامى قبلى و طول اليوم يا في المطبخ يا مع سلمى، حاسس انك بتهربى منى..!
رفعت عينها اليه ليشعر برجفه حفونها لا يدرى حزنا ام غضبا و هى تجيبه بحده: و يمكن انت اللى شايف ان انا دايما بخاف، بهرب، ضعيفه و يمكن انت مش عاوز تشوف غير كده اصلا..!

ابتسم بهدوء عاقدا ذراعيه امام صدره محاولا تمالك غضبه من حدتها الجديده و التى لم يعتادها مع احد - ايلاها هى و بالطبع الحده العمليه مع روؤساء العمل - و صمت منتظرا التالى..
لتمنحه اياه مردفه و رغما عنها ارتفع صوتها قليلا: جنه عمرها ما كانت كتاب مفتوح يا سياده النقيب، و انت اكتر واحد عارف ده و مش بسهوله حد يفهمها و محاولاتك بكده ممكن تفشل عادى..

لمعت عينه باعجاب واضح و لكنه تجاوزه هاتفا بنبره قويه و بالطبع ظهر فيها جزء من غضبه: صوتك بيعلى يا مدام جنه.
اخفضت عينها مشيحه بوجهها عنه ليردف بعدها بنبره زادت من حيرتها في هذا الجالس امامها فكلما اعتقدت انها اعتادته او فهمت كيفيه تفكيره يفاجأها برد فعل غير متوقع كسؤاله الهادئ و يده تُعيد خصلاتها البندقيه خلف اذنها: بتحبى تشوفى شروق الشمس..؟!
حملقت به قليلا و لسان حالها يقول.

لست وحدك كتاب مغلق يا جنه فهو مكتبه بأكملها و ابدا لن تفهميه
لتزداد ابتسامته اتساعا مدركا ما يجول بفكرها الان فنهض واقفا و مد كفه اليها هامسا امام عينها بسيطرته المعتاده: تعالى معايا..
نهضت تنظر اليه و كم تناشد نفسها ان ترفض و لكنها كانت في امس الحاجه لامر يشغل تفكيرها عنه، لشئ جديد ربما يمنحها حل لالغازه و ربما يزيد تعجبها فوضعت كفها بيده ليتحرك بها للخارج تتسائل باهتمام: احنا هنروح فين؟

نظر اليها بابتسامه ليجيبها هامسا بشغب: هتعرفى دلوقتى.
سارت معه ليصعد بها لاعلى حتى وصلا لسطح المنزل و التى كانت تراه لاول مره، و قد كان رائعا في اتساعه، نظرت حولها بابتسامه و التى اتسعت عندما داعب الهواء وجهها ليدغدغها بخفه و خصلاتها تتطاير من حولها، رفعت عينها للسماء التى بدأ النور يتخللها لينكشح الظلام رويدا رويدا..

تحركت بسعاده لتجلس على حجر كبير موضوع جانبيا ليجلس عاصم بجوارها ممسكا يدها هامسا و عيناه تجول في المكان باشتياق فمر زمنا طويلا منذ ان جلس هنا: مكانى المفضل..
نظرت اليه و عينها تضحك بسعاده لتضغط كفه بخفه معبره عن اعجابها: رائع.

شعرت به يضع رأسه على كتفها لتستند جبهته على عنقها و هو ينظر ليدها المحتضنه يده ليهمس بصوت متهدج، صوتا اخبرها ان زوجها يحمل بداخله الكثير، يحمل هما تجاوز قدرته: عارفه انى لما بمسك ايدك كده بحس بالامان..!
نظرت ليديهما معا لتصل بها الدهشه لاقصى تعجبها فتهدر باستنكار متعجب: معايا انا، انت بتحس بالامان، ازاى؟!

شردت بعينها تتابع اختفاء الظلام الذى ما زال يحيط بهم قليلا و غمغمت بتذكر لكل سنين حياتها: انا اللى طول عمرى بخاف و يوم ما لقيت الامان معاك هربت منك، اناا اللى بدل ما تبنى نفسها و تعيش قتلت نفسى بايدى و كابرت، انا اللى بدل ما اجرى على حضنك اتحامى فيك اخترت وجعى و وجعتك...

ثم استندت برأسها على رأسه لتردف بهمس مبحوح: انا اللى كسرت نفسى و كسرتك، حرمت قلبى منك و حَرمت نفسى عليك، انا اللى بحسسك بالامان يا عاصم، انا!
لف يده الاخرى على خصرها ليزداد اقترابا منها و هو يغلق عينه مستمتعا برائحتها التى تمنحه بحق سكينه روحه المتعبه و نبضاتها المتلاحقه يكاد يسمعها تصرخ باسمه: يمكن وجودك جنبى هو الامان اللى انا بدور عليه..!

حسنا كفى مبالغه، كفى مغالاه، هو طوال عمره يهفو للحظه يُخرج فيها مكنونات صدره..
يتمنى ان يغلق عينه بحضن احدهم مرتاحا ليلقى بحمله كله ارضاا، و هو الان ادرك ان الضعف ليس عيبا.
بل ابداء الضعف بين يديها قوه،
القاء الشكوى على مسامعها رضا،
الاعتراف بالمشاعر بين شفتيها عشق،
و العيش بجوارها سكينه و راحة للبال.
هى امرأه رغم ضعفها قويه، قويه بألمها و وجعها..

من تتحمل ما تحملته هى تستطيع مساندته، من تعرف معنى الضعف تستطيع كسب القوه..
و هى طالما كانت نقطه ضعفه، و مركز قوته.
بدأت الشمس تنشر اشعتها الهادئه لتتعلق عين كلاهما بها، و بداخل كل منهما شعور ان شمس الحياه آن لها ان تُشرق و عتمه الليل مرغمه ستتبدد و تختفى،.

ليقترب منها اكثر ليردف بهدوء و مراره غريبه تغزو صوته و قد قرر ان يترك نفسه، قلبه، عقله و فكره بين ذراعيها: المشكله انك عمرك ما فهمتِ انك رغم ضعفك انا محتاج لك جنبى، رغم وجعك كنتِ بتقوينى، انتِ كنتِ و مازالتِ و هتفضلى دائما سبب فرحه قلبى يا جنتى، قلبى اللى لا شاف و لا حب و لا عرف الحب غير ليكِ و بيكِ و على ايدكِ..

رفع وجهه مستندا بذقنه على كتفها لينظر لعينها التى امتزجت بضوء الشمس لتمنحه مزيج ساحر من ابريق العسل اللامع فهمس بنبره مأخوذه: مبهجه زى الشمس وقت الشروق، قويه زيها وقت الظهر، و ضعيفه زيها وقت الغروب، لكن في كل الحالات جميله و مهما تعبتنا و اثرت فينا منقدرش نعيش من غيرها، باختصار شديد انتِ شمس حياتى يا جنه..!

اخذ نفسا عميقا مردفا و هو يشعر بيدها تحتضن يده المحاوطه لخصرها لشعورها به يجرد نفسه، مشاعره، و طوال صبره عليها الان، فاحتضن قلبها قلبه، لا تسمع الكلمات بقدر ما يتشربها قلبها: قبلك كنت قاسى و معرفش يعنى ايه مشاعر، كنت متعجرف و ميفرقش معايا حد، بس من يوم ما قابلتك و انا حاسس ان جوايا حاجه بتتغير، جوايا نور في ضلمه كتير منعته، نور انتِ ساعدتيه يخرج، انتِ اجمل و انقى و اغلى حاجه في حياتى.

لمعت عينها بتأثر و هو تسمعه يتحدث بتلك النبره الهادئه و التى اخبرتها ان قوته الكبيره و قلبه المتحجر سابقا يحمل خلفه قلبا ابيض معها فقط اراد ان يعيش،!

رفع يدها مقبلا اياها و انهى حديثه بنبره قويه و غامضه و لم تخلو من سيطرته المعتاده: كل اللى عاوزك تفهميه ان مهما حصل انتِ ليكِ مكانه خاصه في قلبى مش هتتغير، حاجه بقت اكبر من مجرد كلمه بحبك او احساس ان اخدك في حضنى، و مهما واجهنا في حياتنا مش هقدر اتخلى عن عاصم الحصرى، بس كمان مش هقدر اتخلى عن قلبه اللى اتعلق بيكِ..

نظرت اليه تحاول فهم كل ما يقوله و لكنها لم تستطع بل ادركت ان هناك امر جلل على وشك الحدوث امر اخبرها ان قسوه ابن الحصرى لم تنتهى و لن يحدث، و عن قريب ستراها، ستراها و هو يحذرها من ذلك...
ادرك هو من نظره عينها انها فهمت ما يقوله، فهمت انه لن يستطيع اخبارها بما يشغل تفكيره و انه لن يستطيع التخلى عن قوته، و لكن ربما بعد هذا الامر و بعد خلاصه المؤكد من عمته ورد ما فعلته اليها يتحكم و لو قليلا بقسوته...

اعتدل زافرا بقوه كأنه جاهد لتخرج منه هكذا كلمات فهو لم يعتاد يوما على توضيح موقفه و لا ابداء مشاعره و لكن منذ متى ما يعيشه مع جنته الصغيره معتاد، فهى استثناء و هو نفسه في وجودها استثناء...!
نظر اليها بابتسامه مشاغبه و تمتم بتساؤل و لم يستطع كبح فضوله: ايه الحلم اللى حققتيه..؟!
رفعت عينها اليه بتعجب فابتسم بمراوغه ليقول بخبث: الامير المجهول، الكتاب، سندريلا..!

اتسعت عينها بصدمه و هو يجرد خلوتها مع نفسها امامها مخبرا اياها بصوره غير مباشره بانه استمع اليها فزمت شفتيها و همت بتعنيفه و لكن ابتسامته جعلتها تهدأ..
ابتسامه حملت لها صدق مشاعره و رغبته في معرفه حلمها، ابتسامه اخبرتها انه يود مشاركتها في كل شئ حتى احلامها.

ابتسامه جعلتها تعاند و تجيبه بمراوغه و ابتسامه متحديه ترتسم على شفتيها: مش انت لوحدك اللى عندك اسرار يا سياده النقيب، انا كمان عندى اسرار افضل احتفظ بيها لنفسى..

ظهر اعجابه بتحديها واضحا بعينيه التى لم تغفل هى عنها و هو يحيطها بحصونه السوداء بقوه جعلت انفاسها تضطرب و هو يرفع احدى حاجبيه ثم داعب جانب وجهه بيده ليخبرها لغموض: جهزِ نفسك النهارده عندنا يوم طويل، ثم همس بتأكيد و هو نفسه يخشى نتيجته: و صعب...!

نظرت اليه لتسأله و لكن نظرته العابثه اخبرتها ان اى محاوله لاستجوابه الان ستبوء بالفشل، اببتسم لينظر بعدها للشمس التى فرضت نفسها في عنان السماء كما فرض عشقه لها نفسه في قلبه...
بينما هى تراقب جانب وجهه فذلك الرجل امامها مهما حاولت و مهما عرفت عنه سيظل لغزا، لغزا كبيرا ربما تفهمه بعد سنوات عمرٍ...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة