قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الخامس والأربعون

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الخامس والأربعون

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الخامس والأربعون

استيقظت لتجد نفسها على الفراش، ظلت تطالع الغرفه بتعجب و هى تتذكر ما حدث بمساء الامس لتدرك انه بالنهايه كان حلما...
قدوم معتز، حديثها معه، خروجها معه، رؤيتها لاكرم هنا، اغمائها، و اخيرا عرض الزواج الذى قدمه، كل هذا حلما!
ارتجفت شفتيها و هى تضع رأسها بين يديها، يا ليته كان حقيقه و لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه.

و ها هى تتخذ قرارها لن تذهب للشركه من الان و صاعدا، ستقدم استقالتها فهى لن تتحمل ان تراه، و بعد فتره ترى زوجته ايضا، لا لن تتحمل!
و كأنه كُتب على قلبها ان يبقى وحيدا، و كأنه يعاقبها على طول تعذيبه بمختلف حب زائف لم يكنه حقا حتى اذا ما جاءه عشقه الحقيقى لم يعرفه فخسره قبل ان يمتلكه حتى...!

تساقطت دموعها بصمت لتصلها صوت طرقات خافته على الباب فأذنت للطارق بالدخول و هى تجفف وجهها بيديها مسرعه، فتح الباب ليدلف عاصم و خلفه جنه، اقترب عاصم جالسا بجوارها مقبلا جبينها بقوه: صباح الخير.
ابتسمت بتصنع و هى تشعر انها بحاجه لحضن منه هو - تحديدا - لتبكى نفسها و قلبها بين يديه و لكنها تماسكت و اشارت صباح النور.

جاءها صوت جنه و هى تبتسم بسعاده متمتمه: عامله ايه دلوقتى؟!، ، عقدت مها حاجبيها و طالعتها بتساؤل فأردفت جنه بخبث: قلقتينا جامد عليكِ امبارح يا عروسه.
اتسعت عين مها بصدمه و هى تحاول استيعاب ما تقوله جنه فربت عاصم على يدها قائلا بلوم يأنبها: ارهقتِ نفسك امبارح لحد ما وقعتِ من طولك، لو الموضوع ده اتكرر تانى هتزعلى منى!
اغماء، اذا لم تكن تحلم!
مهلا أقالت جنه عروسه؟!
اذا...!

اتسعت عينها اكثر و هى تتجمد تماما و عاصم يجيبها على تساؤل عقلها: طبعا بسبب الموضوع ده، معرفتيش ان اكرم جه هنا و اتقدم ليكِ.!؟!
هل يشعر احد بما تشعر به الان؟!
هل هى فرحه ام صدمه ام ارتباك!
فسبحان من احال ظلمه حزنها لنهار فرحه، و صدق من قال ربما تبيت على ضيقه فتُصبح على فرجا، و لكن كانت اجابتها غير متوقعه عندما دخلت في نوبه بكاء حاده...
لا ليس حزنا و انما عدم تصديق، عدم تصديق بأن ما تمنته يتحقق..

لم يكن وجود اكرم و عرضه و ابتسامته العابثه حلما،
كان واقع، واقعا جميلا يشبه الحلم، حلم سندريلا...!
ازداد انهمار دموعها و هى تنظر لعاصم و الذى ادرك سر دموعها جيدا لتتسع ابتسامته و هو يطالعها بحنان قبل ان يضمها لتتمسك به و يزداد بكائها...

فاخته الحمقاء فرحه و لكن ربما تداخل الامر معها فعبرت عن فرحتها بدموعها، فهمس بجوار اذنها بنبره محتويه: فاكره لما قولتلك حبى نفسك زى ما هى وقتها هتلاقى اللى هيحبك بجد، اكرم استنى لما مها لقت نفسها، وقتها لقته هو اول واحد..
ازداد تمسكها به و كل مواقفها مع اكرم تمر الان في ناصبها الصحيح...
ادركت ان قلقه عليها، حبا،
اهتمامه بها، تشجعيها، دث ثقتها بنفسها، افتخارا بها،
ادركت ان نظراته الغريبه، وجعا،.

و افعاله المتناقضه كانت من الم سببته هى،
اربتاكه و غضبه كان خوفا عليها،
حديثه عمن منحها قلبه كان عنها،
هو يعشقها و منذ امد، منذ ان رأها كما قال،
اذا وجودها لم يكن سوى تعبا و وجعا على وجع بالنسبه اليه، و لكنه لم يأبه سوى بفرحتها..!
عبر محمود من قبل عن حبه بأقوال كثيره، و لكن اكرم لم يُعبر بل اثبت، و فعل...!
و بئست المقارنه، فلا مقارنه تجوز بين اسدا، و ثعلب نام بعرين الاسد...

فهى النهايه، مالك قلبها فاز، بل قلبها فاز بمالكه؟!
ابعدها عاصم عنه مزيلا دموعها مبتسما لتنظر هى لجنه بفرحه طغت كل ملامحها فامسك عاصم يدها قائلا بجديه اخ يقلق اشد القلق على قلب اخته و اندفاعها: خدى وقتك و فكرى، انا هسافر بكره علشان الشغل و لما انزل الاجازه هاخد منك الرد...

ثم اضاف و هو مدركا حساسيه هذا الامر عندها و لكن لابد ان تعلم: انا و بابا و معتز موافقين مبدأيا، بس نجلاء هانم مع عارفين نوصلها علشان ناخذ رأيها حتى، باباكِ مقلش رأى قال لما تقرروا عرفونى، القرار و الاختبار بايدك و احنا في اى قرار تاخديه معاكِ دائما..
اومأت مها برأسها و دموعها تزداد و حزنها يمتزج بفرحتها لتحتضنه مره اخرى فليس لديها اغلى منه فهو اخيها، ابيها و امها...

بينما جنه ترمقهما بنظرات حانيه و قلبها اخبرها بفرحه مها و التى عادلت فرحه اخيها عندما حدثها عنها، و كما قال المولى ان الله مع الصابرين ...

أحيانا لا يكون هناك مكان اكثر ظلمه من افكارنا، حيث منتصف ليل العقل الذى بلا قمر.
دين كونتز
صباح الخير
تمتم بها مازن و هو بالكاد يتحرك متقدما من والدته الجالسه بعرج ملحوظ اثر عظامه شبه المحطمه..

همت والدته بالنهوض و لكنه اشار لها لتجلس و اقترب منها جالسا على حرف الاريكه العريضه الجالسه عليها ليفرد جسده ببطء و تأوها خافتا يصدرعنه حتى اعتدل واضعا رأسه بحضنها لتهمس اخيرا و هى تضم رأسه و تطبع قبله حانيه على جبينه: صباح النور يا حبيبى، عامل ايه دلوقتى؟

اغلق عينه التى تصرخ به ان يغلقها لتنام قليلا فهو لم يستطع النوم طوال الليل لتجتمع عليه آلام جسده و التى كانت اشبه بسكاكين تنحر في جسده مع ألام روحه و هلاكها و التى فاقت اى ألم اخر ليهمس بسخريه: تمام و احسن كتير يا امى متقلقيش..
ثم فتح عينه ناظرا لها هاتفا بتذمر: لازمته ايه الاسبوعين الاجازه اللى اخدتهم دول انا من يوم واحد زهقت من البيت...

فوضعت يدها على رأسه المضمد بالشاش فتأوه بخفوت فجذبت يدها ضاحكه بقلق: شوفت ليه يا حبيبى؟، انت محتاج ترتاح علشان تسترد عافيتك..
زفر ببطء و هو بالكاد يلعن شروده الذى دفع به لهذا الحادث الذى كاد يفقد به حياته و يُفقد الاخر حياته ايضا ثم تجاوز الامر و تسائل باحثا بعينيه في ارجاء المنزل: فين حياه؟ لسه نايمه؟

ابتسمت والدته متذكره نشاطها الصباحى و هى تتناول فطورها على عجاله لتلحق بعملها الجديد: دى صحيت من بدرى و فطرت و نزلت شغلها..
ابتسم بحنان ثم دار بعينيه مجددا بلهفه اكبر و لكنه ألجم لسانه و اغلق عينه و هو يجاهد ألا يسأل عنها و لكن ادركت والدته من نظرته المتلهفه فقالت بابتسامه متألمه لاجله: و حنين في المطبخ بتحضرلك الفطار علشان الدواء..
ضغط عينيه بقوه و اهتمامها به يزيد الامر تعقيدا،.

فلتزهده لينسى، فلتبتعد ليتجاوز الامر، فلتخرج من حياته و لكنه حتى لا يستطيع لفظها خارجها..
ربتت والدته على خصلاته ثم تمتمت بخفوت: متتعبش قلبك و تحمله فوق طاقته يا مازن، الحى ابقى من الميت يا حبيبى.
خرج صوتها متهدجا و قلبها يؤلمها، تغلق عينها مانعه اياه من رؤيه حزنها و التى رغم صبرها و رغم مرور الوقت لا يضئل..

فتح عينه ليطالع ملامحه المقتضبه الواشيه بحزنها و وجع قلبها فحاول تغير الحوار ليخرجها من فيضان ذكرياتها متسائلا بنبره حاول جعلها مرحه قدر امكانه: فين بقى الحاج محمد، انا قلبى مش مطمن، كل يوم الصبح في النادى و مبيرجعش غير العصر، شكله بيحب جديد يا نونا؟
و بحدسها ادركت رغبته المستتره في نزعها من افكارها فابتسمت و وضعت يدها على صدره لتجيبه بثقه تغيظه: ميقدرش..

ضحك بصدق فهو يدرك ما عاناه والده مع والدته من سردهم لذكرياتهم دائما، فلقد تزجوا من اجل مصلحه العائلتين رغما عن كلاهما ليخوضوا بعدها نضال كبير حتى استطاع والده ترويض والدته ليُسقطها في بئر حبه لها ليعيشا بعدها على جميل الذكريات و التى لم تنتهى حتى اليوم، فلا استطاع والده يوما اشعارها بالنقص او ايذائها رغم المناوشات التلقيديه بينهما و لكن لم ينتقص ذلك من حبهم و لو بمقدار ذره، و لم تستطع والدته التخلى عن حنانها و الذى شمله حتى هذا اليوم ليجعله غارق به لا يستطيع الاستغناء عنه...

شعرت والدته بحركته لينهض فاسندته، ليقول بابتسامه مشيرا بدراميه لغرفته خلف الدرج: هدخل مغاره على بابا.
ابتسمت و لكنها حاولت الاعتراض عندما قاطعها بنظرته الراجيه فأدركت انه بحاجه للبقاء بمفرده الان، فمازن رغم كل شئ لم يعتاد ان يراه احد ضعيفا و هو فعل هذا معها قبل يوم و لكن الان لن يفعل، فصمتت!

خرجت حنين من المطبخ و بيدها صينيه الطعام فنظرت لنهال وجدتها استعدت لتذهب لعملها فوضعت الطعام على الطاوله جانبا لتقول بود: انتِ ماشيه يا ماما؟
اومأت نهال ثم نظرت اليها و امسكت يدها هامسه برجاء: مازن قاعد في مكتبه تحت مش هيرحم نفسه شغل، ارجوكِ اهتمى بيه و امنعيه باى طريقه، انا همشى علشان دوام المستشفى بس هسلمك زمام الامور، ينفع اعتمد عليكِ؟

ابتسمت حنين معتقده ان الامر بسيط لن يكلفها سوى اترك ما بيدك فيقول نعم، و لكنها لم تدرك ان قولها صعب و استجابته اصعب بكثير..

اتجهت اليه لتجد باب الغرفه مفتوحا قليلا على غير عادته باغلاقه فدفعته لتدلف لتُفاجئ به جالسا ارضا و ملامحه تجسد معنى الالم بوضوح لتعتقد انه وجع جسده فتقدمت منه لتصطدم بلوحتها بيده و التى اتقنت رسم وجه فارس فوقها و لكن يبدو انه لم ينتبه لدخولها فوضعت صينيه الطعام جانبا و اتجهت لتقف امامه فانتبه اليها تاركا اللوحه جانبا و هم بالنهوض ليتجمد و جسده يعلن كل اعتراضه الان فأغلق عينه بعنف حتى لا ينطلق تأوهه امامها..

وجدها تمد يدها له بارتباك واضح جليا على وجهها فنظر ليدها قليلا ثم احتضنها بكفه و لا يدرى ما شعوره الان اهو فرحا لاجل هذا ام يتلوى الما لاجله ايضا..
استند عليها لينهض و اتجه جالسا على المقعد فقالت متسائله بحزن لالمه: ليه قاعد هنا!
تجولت عيناه على المكان حوله و هو شخصيا لا يدرى اجابه هذا السؤال.!

اجل كان يجلس هنا لاوقات طويله و لكن لانه يعمل و منذ زمن لم يقرب الرسم رغم شغفه القديم به، و لكنه بالفعل بات يفضل الجلوس بهذه الغرفه ربما لانه المكان الوحيد التى تشارك معها فيه!!
ربما لانه لم يسبقها و لن يليها احدا بالدخول لهنا!! ربما لانها اشعرته ان هذا المكان سيجمع اجمل ذكرياته و ابعدها!!
و ربما لان هذا المكان مفعم بوجود حنين شخصا الان و شعورا فيما بعد!

ابتسم ناظرا اليها هامسا بعاطفته و تساؤلاته المريره و التى اعطته الاجابه و هى انه يجلس هنا لاجلها : برتاح هنا..

طافت عينها على المكان بابتسامه باهته لتستقر على لوحه فارس فتتبدل ابتسامتها لشرود جعله يضغط باطن وجنته بقوه عله يتجاوز هذا الالم، صمت اطبق عليهم للحظات قبل ان تحمل اللوحه و تضعها على المكتب ناظره اليها باشتياق حارق ثم اتجهت اليه و حملت صينيه الطعام له لتقول بجديه: ممكن تفطر بقى علشان العلاج..

اومأ موافقا فهمت بالخروج و لكنها ما لبثت ان عادت بخزى لتقف امامه بتوتر، فرفع عينه اليها ملاحظا ارتباكها فعقد حاجبيه متسائلا: خير في حاجه؟
ازدردت ريقها ببطء لتهمس بخفوت شديد: كنت، محتاجه، يعنى، فلوس!
و رغما عنه وجدت البسمه طريقا لشفتيه فتلك المرأه مشكله، ببراءتها المهلكه، فأجاب و هو يشير على درج مكتبه على مرمى يده: الدرج ده في الفلوس خدى اللى تحتاجيه في الوقت اللى تحبيه.

نظرت لما يشير بيده و عندما عادت ببصرها اليه و جدته يبتسم بحنان يحاوطها، فصاحت مسرعه: انا محتاجه مبلغ بسيط..
ازدادت ابتسامته و عاود محاوطتها بدفء كلماته مشيرا للمقعد امامه هاتفا بحنانه المعتاد: اقعدى..

نظرت اليه لتجد نظره غريبه بعينيه نظره منحتها شعورا كاحتواء الاب لابنته فانصاعت له جالسه امامه فبدأ بتناول طعامه قائلا باقرار: طول ما انتِ مراتى يحق ليكِ تشاركينى في كل حاجه مش بس فلوسى، فا من حقك تاخدى و تصرفى وقت ما تحتاجى او كان المبلغ و اى كان السبب..!

اشعلت كلماته بريق الغضب بروحها و ربما اشعرتها بمشاعرها الخفيه حتى عنها لتشعر بذنب دفعها للغضب لتنهض واقفه لتصيح بضيق: انا مش هشاركك في حاجه يا بشمهندس، انا عاوزه الفلوس لانى كل فتره بجيب مصاحف و احطتها في جوامع مختلفه صدقه عن فارس و الفلوس اللى كانت معايا خلصت، فأنا مليش حق في حاجه انا فتره و همشى، ااح..

قاطعتها نظره عيناه الغاضبه و تجهم ملامح وجهه و التى شعرت بها تقول لها كفى فاض بى و هو يقف متجاهلا آلامه صارخا و قد فاض به حقا و ضغطت هى و بقوه على جرح لا تدركه: و ليه الفتره دى!، ليه مش دلوقت؟ و حضرتك شايفه الفتره دى قد ايه؟ وقت ما تحبى بس عرفينى اصل الاقى نفسى في يوم الصبح طلقتك و انا معرفش!
انكمشت على المقعد و لاول مره ترى غضبه، اخبرتها حياه من قبل غضبه اسود ، و لكن لما كل هذا؟ و ماذا يقول؟!

و البلهاء لا تُدرك انها اسرفت في الضغط على نقاط ضعفه بحبها اللامسموح.

ضرب المقعد بيده ليسقط للخلف فانتفضت ناظره اليه بخوف لاول مره يجتاح عينها فهى طوال عمرها مسالمه حتى لم تتجاوز اى الامور ليثور عليها عاصم فأبدا لم تخشاه و لا حتى فارس و لكنها لاول مره تجرب شعور الخوف من احدهم او ربما الخوف عليه و خاصه بعدما وضع يده على كتفه و وجهه يزداد احتقانا و هو يصرخ بنبره لامست قلبها: اتجوزها و الا هنقتلها، حاضر، , خدها البيت دى بقت مراتك، حاضر، , رفضك للواقع و معاملتك اللى زى الزفت معايا دائما، حاضر مش مهم، , فرحها يا مازن، حاضر، , اعمل و متعملش و بلاش و مينفعش، حاضر، , لازم رسميات دا مهما كان مراه اخوك، حاضر، , ارجعى بيت اهلك لا مش عاوزه اصل مازن اسمه هيحمينى من انى اتجوز واحد تانى و ابعد عن ذكريات فارس، حاضر، , و دلوقتى اصبر شويه و انا هسيبك و امشى، و المفروض اقول حاضر؟!

ثم صرخ بأقصى ما يملك من قوه بكل ما يحمل بصدره من وجع لم تكن ابدا بمدركه له: كفااااااااايه بقى، ,
انتفضت حنين لتضم يدها لصدرها و عينها ترتجف ليغزوها الدموع، فهذه المره الاولى التى يصرخ بها احدهم هكذا و لكنها المره الاولى ايضا التى تفهم بها انها ليست الوحيده المجبره على هذا الوضع بل هى اقحمته رغما عنه في وضع اصعب منها..

تحاملت و القت بثقلها عليه دون ان تأبه به، لم تفكر انه مثلما ظُلمت هو ظُلم، بل و ربما اكثر و ربما تكون السبب بتدمير حياته..
تساقطت دموعها عجزا و قهرا على وضعيهما معا فوجدته يزفر بقوه فنظرت اليه لتجد علامات الندم جليه على وجهه و اكتفت بهذا لتنهمر دموعها التى اخفتها طويلا خلف اشراقه ضحكه،
رسم الالم نفسه بقوه على وجهها التى جاهدت طوال الايام الماضيه لدفنه بنفسها،.

لا يدرى احد انها تسهر كل ليله لتُحدث فارس، لا يدرى احد انها لا تنساه و لن تفعل، لا يدرى احد ان خلف هدوءها بركان حزن سيفيض و يبدو انه فعل...
نهضت واقفه لتخرج مسرعه و لكن قدمها لم تحملها بمجرد وقوفها، فكادت تجلس مجددا و لكنها وجدت حضنه يحتويها، يديه تدعم ظهرها بقوه اسندتها جسدا و روحا..

انتفضت بين ذراعيه بينما يديها متجمده بجوارها ضعفا فشدد من ضمه لها كأنها يغرزها داخله فسرعان ما حاوطته بقوه و انتفاضه جسدها تزداد لشهقات عاليه و هى تتمتم و ضميرها يحرقها ندما: ان اسفه..
ظلت ترددها حتى بهت صوتها و لكن شهقاتها لم تخفت..
كاد هو يضرب نفسه على ما فعل، لم يكن يرغب بهذا و لكنها تقول ببساطه سأرحل، أهى بهذه السهوله يا امرأه؟

كيف يستغنى عن وجودها بجواره، مرت اشهر و جمعهما بيت واحد فكيف يمر يوما و هى ليست معه..
رائحتها المسكيه المميزه و التى يطمئن كلما استنشقها صباحا بجوار غرفتها قبل ذهابه للعمل و تسكن نفسه متناسيا تعبه عندما يستنشقها مساءا بعد عودته للمنزل..
كيف ينسى طعامها المعد بأناملها الضئيله و التى تليق بملاك مثلها، كيف يتخلى عن راحه قلبه بمجرد رؤيتها؟!

جرحها كبير و جرحه اكبر، فهى تتألم بفراق اخيه، و لكنه يتألم فراقه و يتعذب بذنب حبه لها، شاعرا بنفسه خائن!
كيف يفكر بامتلاك قلبها الذى حمل يوما عشق لاخر و الاخر اخيه!
أيتمسك بها شاءت ام ابت ليفوز لمره واحده بحياته بما يريد و يترك احساسه بالذنب جانبا و يظل طوال عمره بنظر نفسه خائنا و لاصدق من احب قلبه، - اخيه -، ام يتركها ليتمسك باخلاصه امام اخيه حتى لا يخجل من النظر لصورته فيما بعد!

أيترك النار لتحرقه حيا ببطء، ام يتعجل و يحرق نفسه بها!
اعطته الاجابه و هى تبتعد عنه بضيق خفى و همست بأسف و حرج: انا بعتذر على الوضع اللى انت فيه بسببى، و اوعدك وقت ما احس انى هقدر ابعد بابا عن فكره جوازى مره تانيه هبعد تماما عن حياتك علشان ترجع لطبيعتها، و صدقنى لسه في الحياه كتير و اكيد هتنسى الفتره دى كأنها لن تكن.
اغلق عينه و ابتسم بسخريه مريره ليردف و روحه تبكيه ليرحمها: هنسى فعلا، اكيد هنسى.

و تركها و خرج من الغرفه لتجلس هى على المقعد بصدمه من احساسها المتألم، تشعر بأنها اقتنصت قطعه من روحها لتنطق بهذ الكلمات، تشعر بأنها تكذب و هذا ألمها..
نهضت و همت بالخروج و قبل ان تفعل وقع نظرها على اللوحه التى بدأها هو بعشوائيه لتنهيها هى فحملتها تطالعها بابتسامه مكسوره و قبل ان تتركها لاحظت كتابه بخط مميز اسفلها لتُفاجأها كلماته،.

لعل الحلم في يوما ما يتحقق، فحلم السندريلا لا تحلم به الفتيات فقط، فهناك رجال تنتكس قلوبهم و لا علاج لقلب الامير سوى سندريلا، سندريلا بعشوائيتها تُكمل الانتقاص
ظلت تقرأ كلماته عده مرات و هى لا تفهم لم خصّ تلك الرسمه بحديثه هذا، و ماذا يعني به؟

و لكنها افاقت من افكارها عندما استمعت لصوت شيئا يتكسر بالخارج فركضت مسرعه لتجده يستند بكفه على مقعد الطاوله و يبدو انه لا يستطيع التوازن و بجواره ابريق الماء الزجاجى مهشم فتقدمت منه بذعر هاتفه: انت كويس اي...!
استدار لها موقفا اياها بحركه يده و اجابها بلامبالاه: كويس، خليكِ بعيد علشان متتجرحيش..

فتحركت بحذر لتدلف للمطبخ و احضرت فرشاه صغيره لتلملم الزجاج بحذر اكبر قائله بهدوء: متقلقش انا هعرف اتصرف..
نظر اليها بسخريه و هو يهمس بنفسه لنفسه: ياريت تقدرى تلململى بقايا قلبى يا حنين ياريت..
رفعت عينها اليه بعدما نهضت لتجده يضغط عينه بقوه كأنه يقاوم شيئا ما فوضعت ما بيدها جانبا و اقتربت منه لتقول بتسائل حذر و هى تنظر لوجهه بدقه: تحب اساعدك!

فتح عينه ليُفاجئ بوجهها القريب منه، فنظر لعينها التى لمعت فضيتها بقلق عليه، حاول جاهدا اغلاق عينيه او ابعادها عنها و لكنها تمسكت به ليعجز حتى عن الهرب...

ظل ينظر اليها قليلا و مشاعره كلها تبدو واضحه كشمس الظهيره بعينيه و التى جعلتها تعقد حاجبيها ارتباكا و تعجبا و سرعان ما اخفضت هى عينيها و قلبها ينبض بشكل سئ، سئ جدا على عقلها، و قلبها، و لكن احساسها بألمه ألمها فرفعت عينها اليه مجددا لتمد كفها اليه هامسه بتوتر: قولى حابب تعمل ايه، او تروح فين و انا هساعدك؟

للمره الثانيه و دون تفكير احتضن كفها ليستند عليها بذراعه الاخر حتى شعرت بأنفاسها تكاد تختفى و شعور غريب يغزو قلبها عنوه...
حتى خرجا للحديقه فأجلسته بهدوء و همت بالدخول عندما تشبث بيدها متسائلا: رايحه فين؟!

جذبت يدها و هى تنظر اليه لتجيبه ليروعها نظره الرجاء المتجسده بعينيه، اليوم يبدو مختلفا، صمته يخبرها الكثير و لكنها تعجز عن فهمه، شفتاه تحكى اكثر و لكنها لا تستطيع سماعه، عيناه تخاطبها بحديث خاص و لكنها بعيده تماما عن رؤيته، لا تدرى اليوم هو بعيدا كل البعد عن مازن المرح التى تعرفه، بعيدا عن اخ زوجها التى احترمته طويلا و مازالت تفعل بل اكثر..

تشعر ان حديثه - المندفع - معها خرج بعد معاناه من صمت طويل، صمت فاق صمتها و جرحه يتجاوز جرحها، ندمت لانها لم تفكر به و بما يعانيه من قبل، فكرت كيف ستعيش بعد خسارتها الفادحه لفارس و لكن لم تفكر به او بزوجته..!
لاحظت نظراته التى تجابه نظراتها المتسائله و ربما المشفقه فتمتمت بتلعثم و هى تخفض رأسها: هجيب علاجك..
و تركته و دلفت ليرفع هو عينه للسماء متضرعا بقلبه و عقله معا...

لن يمنحه الحل و السكينه سوا ربه، ليتمتم بخفوت اللهم لا تعلق قلبى بما ليس لى
و ظل يرددها حتى شعر بها ففتح عينه ليجدها تجلس على ركبتيها امامه تجاهل النظر اليها عندما رأى كفها ممدودا امامه بعلاجه هامسه بخفوت: اتفضل...
اخذه منها ثم ظلت صامته قليلا منتظره منه ان يقول شيئا و لكنه بقى على صمته ف همت بالنهوض عندما وصلها صوته: ليه رافضه تنزلى تشتغلى.؟

نظرت اليه لتُدرك ان الحوار الذى دار بينها و بين نهال وصله، فعقدت حاجبيها بضيق و لكنه وضح الصوره قائلا: سمعت حوارك مع ماما.
نظرت امامها قليلا حتى فاجأها بسؤاله المباشر و الذى زاد من ارتباكها: انتِ شايفه انك مجرد ضيفه هنا، ف ليه ربطتِ شغلك بسلامتى؟

ازداد ارتباكها و اخذت تفرك يدها بتوتر واضح بينما يتابعها هو بنظراته حتى منحته الرد اخيرا بخفوت كأنها تخبر نفسها بالاجابه قبله: لان ماما نهال بتنزل الشغل و حياه كمان و مفيش حد هنا ياخد باله منك او من باباا محمد، مكنش ينفع افكر في نفسى على حساب غيرى و بالاخص انتم.
اغلق عينه و براءتها تلك تقتله، هى لا تدرك ماذا تفعل به؟!
سامحكِ الله يا حنين القلب، سامحكِ الله..

صمت قليلا ثم اردف بجديه لا تقبل النقاش: لما أجازتى تنتهى و انزل الشغل هتقدمى في الشركه زى ما اتفقت معاكِ، اتفاقنا اللى كان من زمان ده.
ابتسمت ممتنه و هى تنظر لجانب وجهه لتغمغم بشكر: كل حاجه بعد وقت بتبقى فرحتها اكبر، متشكره ليك قوى بجد، انت عملت علشانى حاجات كتير و صدقنى يا بشمهندس ان...

قاطعها و هو يغلق عينه ليفاجأها بمحاولاته حتى نام ارضا على العشب و هو يقول محاولا و لو قليلا ليمحو ما بينهما من حواجز شتى: مازن بس، قولى مازن بس..
ثم فتح عينه لينظر اليها عن بعد لتيحدث بمزاح و صدقا كان اداءه متقنا: خلينا ناخد هدنه من الرسميات و الكلاكيع دى، انتِ زى، اختى، , خرج صوته مهزوزا رغما عنه و لكنه تماسك قليلا مردفا بمزاحه المعتاد: انا مازن و بلاش تكبرينى بالرسميات دى انا حلو و شباب اهه..

ابتسمت و هى تشعر بارتياح من اعطاؤه صفه لما يجمعهم و هى الاخوه فهمست بخفوت: تمام يا مازن..
ابتسم بسخريه مغلقا عينه و صوتها باسمه يتغلغل داخل روحه بشعور غريب و الذى اصبح معتاد معها، هى بكل شيئا مميزه حتى بصمتها تفعل...
و هو لم يعد الاختيار بيده لا بأمر حياه التى اتخذت قرارها بنفسها، و لا بأمر حنين للاسف..

استند على مقعد سيارته ينظر لمنزلها فهو منذ يومين يفعل هذا، يقف امام المنزل يراقبه عن بعد غير قادرا على الدخول...
اعاد اجراء التحاليل ليعرف انه ليس بعقيم، التحليل السابق كان مجرد غلطه، غلطه ممرضه خالطت تقريره بتقرير اخر، لتمنح بذلك املا كاذبا لاحدهم و اما هو فسحقت كل آماله..
كل ما بنى بداخله الظنون بسوء فهم اُثبت خطأه بتوضيح...

هو منعها من العمل بالمنازل السكنيه، و لهذا كذبت، ضغط عليها و بتمردها عاندته رغم خطأها فأخفت عنه، لم يراقبها بل اتى الامر صدفه و لكنها تعتقد حتما انه كان يشك بها لذلك فعل، لم يسألها عن شئ طوال الفتره الماضيه رغم احتراقه ضيقا و غضبا من كذبها و بالنهايه يلومها، و بالاخير عندما وصل الامر لنقطه عجزه اتهمها بشرفها!
هى اخطأت و لكنه اخطأ ايضا، اخطأ خطأً جعله عاجزا عن مواجهتها حتى..!

مر يومين دون ان يحادثها او يراها، يراقب المنزل قبل الذهاب لعمله حتى يراها و هى تتجه للعمل ثم يعود بعد انتهاء عمله و يقف امام المنزل حتى يعود لمنزله مساءا لينام وهكذا هى ايامه بدونها..
افتقدها بشده، بعدها عنه يحرق قلبه حرقا و فكره خسارتها تصيبه بالذعر..
هو بها يكتمل كما قال يوما و لكنه لم يدرك انه بدونها لن يستطيع العيش..
متمردته الجميله و التى لونت حياته الباهته بألوان زاهيه جملت معنى حياته،.

افتقد مشاغبتها و تمردها الدائم، تزمرها و غضبها و محاوله ترضيتها، افتقد مشاجراتهم و مشاكستهم، ضحكهم، حضنه لها و رائحتها القويه مثلها، افتقدها و كفى...!
لاحظ خروج سياره عاصم و بجواره جنه من المنزل فأخفى نفسه قليلا حتى لا يراه عاصم و لكن منذ متى تغفل عين عاصم الحصرى عن شيئا حوله، تحرك بالسياره مبتعدا عنه ثم نظر لجنه بطرف عينه قائلا: سلمى مالها يا جنه؟!

حمحمت جنه مرتبكه و حادت بعينها عنه لتنظر من الزجاج بجوارها مدعيه عدم سماعه حتى شعرت بيده تضغط يدها بقوه ألمتها و هو يهتف بغضب و نبرته تحمل من الحده ما جعلها ترتبك: امجد بقاله يومين بيقف قدام البوابه، لو الموضوع طبيعى و زياره زى ما سلمى بتقول، ايه يمنعه يدخل؟، و ليه سلمى اللى كلنا عارفين انها بتعشق الخروج حابسه نفسها في اوضتها، من الشركه للبيت و من البيت للشركه، فيه ايه يا جنه؟!

ابتعلت ريقها ثم نظرت اليه و لم تستطع الكذب و كذلك لا تستطيع ان تقول له فهذا الامر حق لسلمى لن تستطيع انتزاعه فأجابته بما يريحه و يجننه بالوقت ذاته: انا مش هقدر اقول حاجه سلمى هتحكيلك، بس سيبها براحتها..
عقد حاجبيه و عينه تجبرها لتقول و لكنها نظرت اليه بعجز و رجاء الا يضغط عليها فزقر بتوعد فهو صبر عليها بما فيه الكفايه: اما نشوف اخرتها..

حاولت اخراج الامر من تفكيره فتمتمت و هى تميل بجسدها لتمسك يده ناظره اليه هاتفه بحماس: هنروح فين بدرى كده!
فضغط يدها و هو يغمزها بعبث مطاوعا اياها في ترك الامر الان و اجابها بغموض: احنا خارجين بدرى علشان اليوم كله بتاعك، و النهارده هننسى جنه القديمه و هنودعها تماما علشان جنه الجديده تبدأ حياتها بكل حاجه بتحبها، مفيش خوف، مفيش هروب و مفيش ضعف.

ابتسمت منتظره تحقيق ما يخطط له فاذا قال عاصم الحصرى انها ستودع جنه السابقه اليوم فالبتأكيد ستفعل!

اما امام المنزل، ادرك امجد انها فرصه مناسبه ليتحدث مع سلمى الان، فبقى حوالى ساعه على خروجها للعمل، عز اتجه للنادى مع محمد حسب العاده حيث يراهما على هذا الوضع منذ يومين، و ليلى اتجهت للعمل مع نهال ايضا، شذى ذهبت للمدرسه فالان لن يكون بالمنزل سوى سلمى و مها، و بهذا اتخذ قراره ليدلف للداخل و بعد قليل كان يجلس بغرفه الاستقبال بعدما ادخلته ام على في انتظار سلمى...

و بعد دقائق وجدها تدلف عليه و لكنها لم تنظر اليه بل اتجهت مباشره لمقعد لتجلس عليه واضعه قدم فوق الاخرى ثم نظرت اليه دون ان تحيد بعينها عنه...
كانت عينها كأسهم حارقه تصيب قلبه، ملامحها بارده بشكل سئ لم يعتاده بطبعها، سكونها امر مفاجئ بالنسبه اليه فهو بعيدا كل البعد عن تمردها..

اشتاق لصوتها، ضحكتها حتى لحزنها فقط لتتحدث، و لكنها لم تفعل، اخذ نفسا عميقا يتحدث بهدوئه المعتاد و هو ينظر اليها: ازيك يا سلمى؟!
ظلت كما هى، لم تجيبه حتى فبدأ يفقد سكونه: ردى عليا يا سلمى، سكوتك ده هيوصلنا لحاجه.
و ايضا لم تنطق فقط تنظر اليه و هى مستكينه تماما على مقعدها و على وجهها ابتسامه ساخره لم تفارق ملامحها...

اقترب منها بمقعده ليُمسك يدها و لكنها لم تتحرك و لم تبدى اى رد فعل فنظر اليها و عينه تفيض بفيضان ما يحمله من مشاعر و التى انسابت في كلماته المتلهفه كأنه يبرر موقفه علها تمنحه فرصه ليسمعها و تسمعه: انا مكنتش في وعيى يا سلمى، انا عمرى ما راقبتك و لا حتى شكيت فيكِ، انتِ شرفى و ثقتى في نفسى يا سلمى، بس غصب عنى..
ازدادت ابتسامتها الساخره و قلبها ينتفض بين ضلوعها يبكى لوعه،.

لوعه على واجهتها الثلجيه و التى تخفى خلفها قلباً يذوب اشتياقا له،
سماء عينه التى دائما تحتويها بحنانه و احتوائه، ملامحه التى تجاهد الان الا تنساب عليها بقبلاتها لتعبر عن اشتياقها له،
لمسه كفه لكفها و التى اشعرتها بأنها ما زالت على قيد الحياه بعدما شعرت في غيابه انها تموت بالبطئ،
و على النقيض من كل هذا، عقلها ينظر اليه باشمئزاز و نفور،
كبريائهاا يقف حاجزا بينها و بين رجلا اول من جرح جرحها هى،.

كرامتها تدعوها لتصفعه صفعه تخبره بها انها ابدا لن تسامحه على ما فعل،
تمردها الذى سيطر عليها الان و لكنها تكبله بصمتها فلا يحق له حتى سماع صوتها..
و بين هذا و ذاك يقف ضميرها حائرا،
جزءا منه يلومه و جزءا اخر يمنحه العذر،
هى اخطأت تعترف بهذا، و لولا تفهم امجد و ابتعاده عنها وقت غضبها ربما كانت الان ترقد في المشفى كأى زوجه يشكك زوجها بأخلاقها..

ربما لو كان امجد كعاصم لكانت الان مقتوله على يده، ليس لشكه بخيانتها فقط و لكن لعصيانها امره، لعملها من خلف ظهره، لكذبها عليه رغم رؤيته لها و بالنهايه لحملها رغم عقمه، و ربما هذا ما يمنعها من التحدث مع عاصم حتى الان، فهذا امر لا يتهاون عاصم به ابدا، تتوقع صراخه، غضبه و ربما يصل الامر ان يرفع يده عليها، فهى بما فعلت دمرت منزلها الذى ما عادت بقادره على نسيان ما صار لتعود اليه و كان شيئا لم يكن...

قاطع سيل افكارها و هو يضغط يدها اكثر ليُردف بتوضيح اكثر: من يوم ما اتخانقنا لما رفضتِ السفر و انا حاسس انك دائما مرتبكه و قلقانه، سألتك كذا مره و انتِ انكرتِ ان في حاجه، و دا ادى ان علاقتنا اتهزت!

جاهد ليتماسك ليكمل توضيح ما فعله حتى يضع امامها كل اوراقه: يوم ما شوفتك، كنت حابب اكسر الحاجز الغريب اللى بينا، جبت ورد و جيتلك الشركه بس قبل ما اركن العربيه لقيتك خارجه و ركبتِ عربيتك و مشيتِ، اعتقدت انك راجعه البيت و لما كلمتك انتِ قولتِ كده فعلا، و لسه هقولك انى وراكِ لقيتك دخلتِ شارع جانبى غير طريق البيت و قفلتِ معايا بسرعه، فضولى خلانى امشى وراكِ في اعتقاد منى انك هتشترى حاجه او حاجه من هذا القبيل يعنى..

صمت قليلا بينما هى لم تحيد عينها عنه و ابتسامتها الجانبيه تختفى تدريجيا و هى تستمع لتفاصيل ما حدث و لكن هذا لم يشفع له بعد، اردف هو و هو يغلق عينه عن عينها المسلطه عليه: لكن اتفاجات بيكِ داخله عماره انا معرفش حد فيها و انا عارف ان باقى عليتكم في الصعيد، قولت يمكن واحده صاحبتك هناك و علشان كده كلمتك يا سلمى..

شملت نبرته بعضا من عتابه كأنه يخبرها انها اخطات بحقه كثيرا ايضا: كلمتك و انت كدبتِ عليا و قولتيلى انا في الطريق و خلاص على وصول، قولتلك انتِ فين بالظبط، قولتيلى اسم شارع قريب من البيت بعيد عن المكان اللى كنتِ فيه، كدبتِ عليا و انا جن جنونى، نزلت علشان الحقك قبل ما تدخلى لكن كنتِ دخلتِ و لما سألت البواب عليكِ قالى انك طالعه شقه واحد اعزب...

و دون ان يدرى ضغط يدها بقوه ألمتها و اخبرتها بالوقت ذاته انه فعل ما فعل لا عن قصد بل رغما عنه، ما فعلته دفعه لهذا رغما عنه، تصاعدت رغبه قلبها بحضنه الان و رفض عقلها اعطاؤه عذرا، و صرخ ضميرها لتسمعه و نام الاخر متمسكا بوجعه..

اردف هو بعدها بحزن غلف صوته: كنت عارف انك مش هتجاوبينى، كنت شايف ان المواجهه بينا في الوقت ده هتوصلنا لمشكله اكبر، فسكت، سكت و قولت اكيد عندها عذر، اكيد هتيجى تحكى، هتقول على كل حاجه زى ما اتعودنا دائما، بس انتِ كمان سكتِ، سكتِ و سيبتِ قلبى و عقلى في حيرتهم، كنت تايه مش عارف اتصرف ازاى خايف اوجعك و في نفس الوقت انا موجوع و محتاج اسمعك، عدت الايام و رجعت الامور لطبيعتها، و نسيت او بصراحه تناسيت الموضوع، لحد يوم ما اغمى عليكِ و عرفت انك حامل، كل حاجه هاجمت عقلى تانى، ارتباكك، كدبك، سكوتك، هروبك، و في الاخر حملك و انا عقيم..

تنهد بقوه كبيره و هو يرفع عينه لها ليجدها ما زالت على جمودها الذى بدأ يصيبه بالجنون هو يحتاج بشده لسماع صوتها، كلامها، صراخها و لكن صمتها يزيد هلاك روحه..
فصاح هو بغضب من صمتها و غضبا من نفسه: انا مكنتش اعرف انى مش عقيم يا سلمى، كنتِ عاوزانى اعمل ايه، افكر ازاى و انا في الوضع ده و الاحداث دى؟ ردى عليا، كنتِ عاوزانى اعمل ايه؟

صرخ بها بصوت عالى جعلها ترمش و للمره الاولى منذ ان جلست ابعدت عينها عنه و سرعان ما نهضت جاذبه يدها منه لتتحرك باتجاه باب الغرفه لتفتحه قائله اخيرا بهدوء قاتل: اذا كنت خلصت كلامك تقدر تتفضل انا عندى شغل.

صدمته كلماتها البسيطه تلك لتجعله يطالعها بصمت قليلا هو الاخر لينهض بغضب مقتربا منها جاذا اياها لصدره بقوه ليهمس امام وجهها بعنف لم تعتاده و لم تتوقعه منه: غلط قصاد غلط يا سلمى، بس انا عمرى ما هفرط فيكِ و لا في ابنى، سواء بمزاجك او غصب عنك.

ثم ابتسم بخفه و هو يرمقها بتحدى، ليرى عينها تشتعل بغضبها و تمردها المعتاد مجددا فأدرك انه وصل لمفتاح التعامل معها و كأنها منحته من تمردها ما جعله يفوق قدرتها هى على التمرد: اذا كنتِ انتِ عناديه فأنا - الهادئ المسالم ده - اعند منك فوق ما تتخيلى، و اللى اتعود يخسر يوم ما بيحب يكسب بيعافر علشان يكسب و انا اهه بقولهالك..

ثم اقترب بوجهه منها ضاغطا حروفه بقوه: انا مش هسيبك يا سلمى، حتى لو دفعت عمرى كله في المقابل...

ظل كلاهما ينظر للاخر لحظات و كلا منهما الان يشعر بغلطه و بغلط الاخر بحقه فأصبحت كفتى الميزان متعادله، و فجأه اقترب مقتنصا شفتيها في قبله جامحه كادت تخل توازنها و هى تدفعه عنها ليبتعد هو هامسا بحراره و كأنه شعر ان ضعفه ببعدها منحه قوه غريبه على طبعه بقربها: من عاشر قوم ستين يوم بقى منهم، و احنا عشرتنا كبيره يا سلمى، و مش هبعد، مهما حاولتِ، , ثم تركها مبتعدا عنها و خرج من الغرفه لخارج المنزل تماما ليزفر بقوه هاتفا بتمنى: هتسامحينى، قلبك اكيد هيسامحنى.

اما بالداخل كادت هى تشتعل غضبا و هى تنظر للباب الذى خرج منه لتصرخ بغضب و هى تضرب بقدمها الارض تشعر انها عاجزه عن الرد عليه لتصيح بقوه كأنها تقول له: مش هسامحك و مش هرجع يا امجد، ابداااااااااااااااااا..

برغم النزيف بأعماقنا
و إصرارنا
على وضع حد لمأساتنا بأى ثمن
برغم جميع إدعاءاتنا
بأنى لن
و انكِ لن
فإنى أشك بإمكاننا
فنحن رغم خلافاتنا
ضعيفان في وجه أقدارنا
شبيهان في كل أطوارنا
دفاترنا، لون أوراقنا
و شكل يدينا، و أفكارنا
دليل عميق على اننا
رفيقا مصير، رفيقا طريق
برغم كل حماقاتنا..
نزار قبانى.

كان معتز في طريقه للخروج من المنزل عندما شعر بالم حاد في معدته فهو منذ البارحه لم يتناول دوائه و عندما عُرض عليه قهوه في عرض الزواج بالامس لم يرفضها، كما انه لم يغادر من جوار مها الا بوقت متأخر لقلقه عليها...

جلس على المقعد المقابل لباب المنزل، و استند على حرفه و لكنه لم يستطع تحمل الالم فنهض ليأخذ مسكن من الداخل مدركا انه ما عاد يجدى معه نفعا و بمجرد ان نهض ازداد ألمه فسقط ارضا مستندا على المقعد..
كانت هبه على وشك دخول المطبخ لتُحضر افطارها لتتناول ادويتها التى اوصتها بها الطبيبه و هى تحتضن بطنها بكفيها معا، و على وجهها ابتسامه و هى تدندن بكلمات طفوليه كأنها تحدث طفلها...

رفعت رأسها عندما استمعت لتأوه خافت خلفها فاستدرات لتُفاجا به على الارض ممسكا ببطنه و جبينه يتصبب عرقا فاتسعت عينها بهلع و تحركت مسرعه اليه لتحاول الجلوس على ركبتيها امامه بحذر و امسكت وجهه بين كفيها لتهتف بفزع: معتز، معتز انت كويس، رد عليا؟

ازدرد ريقه بصعوبه و لكنه لم يستطيع التحدث فأومأ برأسه محاولا تهدأه هلعها فرفعت هى طرف قميصها لتُزيل عرقه ثم احتضنته لصدرها بقوه و تمتمت و هى تحاول النهوض: قوم معايا..

استند عليها و على المقعد خلفه و كلاهما يجاهد ليقف، فلم يعد واضح من منهما يستند على الاخر، حتى اعتدل كلاهما فوضعت يده حول عنقها لتتحرك به باتجاه غرفتهم لتساعده بالاستلقاء على الفراش ثم جلست بجواره تاخذ انفاسها هى الاخرى، بدأت تفك ربطه عنقه لتنزعها ثم فتحت ازرار قميصه لتمنحه فرصه اكبر للتنفس او ربما لا تدرى ماذا تفعل و لكنها تفعل اى شئ حتى تساعده، ثم نظرت اليه و هى تُخرج علاجه من الدرج بجوارها لتبدأ بعد الاقراص بغضب لتصرخ به: مش بتاخد العلاج ليه يا معتز؟! انا تعبت منك.

نظر اليها بعتاب ليعاتبها بوهن و هو بالكاد يجاهد ليخرج صوته: و انتِ مبقتيش تهتمى بيا!
عقدت حاجبيها و غضبها يتصاعد لتهتف بضيق واضح متناسيه كل ما بينهما من مناوشات دائمه و زمت شفتيها بتزمر بدا له رائعا: انا اتنين يا معتز، و مش عارفه اهتم بنفسى اساسا و المفروض انت اللى تهتم بنفسك و بينا كمان..

حاول الاعتدال و لكنه وضع يده على بطنه متألما ليجيبها بضحكه و شبه اتفاق: طيب اهتمى بيا النهارده و نبقى نشوف الموضوع ده بكره..
اقتربت منه لتعطيه دواءه ثم اتجهت للمطبخ لتُعد ما اخبرها به الطبيب سابقا لتجد ورقه مطويه بجوار الموقد فتذكرت رسالته الصباحيه الذى لا يتخلى عنها حتى الان حتى اصبحت كل خزانتها ممتلئه برسائله، فتحتها لتقرأ ما بها...

مشكلتى انى لم اعشقكِ كعشق قلب لقلب، لم احبكِ كحب زوج لزوجه، بل انا غارق معكِ بلا وسيله للنجاه، فقلبى تعلق بكِ تعلق الابن بأمه و قد كنتِ انتِ نعم الأم، كنت يتيماا قبل لقياكِ، فالكل تفنن بجرحى، و طفلا مثلى لا قدره له على تحمل الجرح، كان مؤلم اشد الالم، تدمر قلبى و ضاقت روحى و لجئت لطريق لا يليق بى و لكنى لم اكن ادرى، ف كنتِ انتِ لقلبى طريق رشدا بعد اعوام من الضياع و كنت لعقلى طرق حريه بعدما سجنت نفسى في طرقات الماضى، انا وليدا على يديك فلا تنبذ اما طفلها مهما كان عاصيا لها، فقلبك انتِ قلب ام، ام لن ترضى لاولادها بالضلال، فلطفا سامحينى، فقلبى قسما لم يحب سواكِ.

دمعت عينها و هى تشعر بكلماته تعمق شعورها بمسامحته و يبدو انه مدرك لحقيقه ما بينهم، فكيف تنكر و هو ابن قلبها الاول، حب قلبها الاول و لكنه اسفا وجع قلبها الاول و الاكبر..
انتهت من تحضير طعامه ثم اتجهت اليه لتجده ينتظرها و الالم بدأ يهدأ قليلا فجلست امامه و بدأت تطعمه رغم وعيها بما تفعل و رغم وجعها لا تستطيع الابتعاد الان ربما لانها من تحتاج الاقتراب منه..

ظل يطالعها مستسلما لحركه يدها وهو يستمتع بقربها هذا، تساقطت بعض خصلاتها القصيره على جانب وجهها فرفع يده ليُمسكها بخفه ليُلامس وجنتها بارتعاشه اصابعه فرفعت عينها لتنظر اليه ليحاوطها بعشقه الى بات واضحا يتسائل و قلبه يهفو حقا للاجابه: مش هسألك امتى بس قوليلى، هل ممكن في يوم من الايام تسامحينى؟

وضعت الملعقه مبتعده عن مرمى يده ليردف قائلا محاوله منه لاستفزازها لتجيبه و هو مدرك تمام الثقه ان قلبها سامحه منذ زمن و لكن عقلها هو من يعارض: انا عارف ان الطفل هو اللى جبرك تفضلى جنبى و معايا، محدش هيوافق انك تسيبى البيت و انتِ حامل و احنا لسه في اول جوازنا، بس انا عاوز اعرف هل ممكن في يوم قلبك يتمسك بيا لانك عاوزانى انا؟ ممكن قلبك يقدر يسامح و ينسى و يقبل قلبى تانى، مش عاوز وقت انا عاوز رد بأه او لأ!

ابتسمت بسخريه و هى تنظر اليه بخيبه امل لتجيبه بضيق من عجزه عن فهمها مره اخرى: هنفضل دائما في نفس الدائره دى، لا انا قادره اوصلك اللى انا عاوزاه و لا انت بتحاول تفهمنى!؟!
حاوط وجهها بيده مره اخرى ليقول بلهفه فضحت شعوره: فاهمك بس نفسى اسمعها، طمنى قلبى..

و للمره الاولى منذ شهور تعود نظراتها تتشبع بحبها له لتحضتن وجنته بيديها هاتفه باقرار و عقلها و قلبها قد اتخذا القرار: انت عارف ايه مشكلتك يا معتز..!؟
نظر اليها بترقب و عيناه تدور على ملامحها بعشق فأردفت هى بنبره معاتبه: انك حابس نفسك جوه اطار خوفك من الخساره، احساسك بأن كل اللى حواليك هيكسرك و يبعد عنك.!

ثم لانت نبرتها قليلا لتغرقه بفيض عاطفتها التى اخفتها عنه كثيرا: اكسر الاطار و بص حواليك، بص بره اطار عجزك هتلاقى ناس كتير عمرها ما هتقدر تستغنى عنك...
ثم بدأت تردد اسماء من حولهم و يحبوه صدقا حتى امسكت يده و وضعتها على بطنها المنتفخ: و اخيرا حمزه...
فزم شفتيه بضيق فهى لم تذكر نفسها بينهم و لكنها ابتسمت ثم ضمت يدها لتضعها على صدرها موضع قلبها لتهمس اخيرا: و قلب فله.

لتجعله يدرك ان الهروب ليس بالحل المناسب دائما بل عاده لا يكون هو الحل و ان من خاف الخساره ففر هاربا مخطئ، فلو تمسك بما يريد فلن يخسر و ان خسر فلن يندم و ان ندم فيكفى ما اكتسب من خبره من تجربته اضافت لسجل حياته معلومه جديده و نجاح جديد، فليس كل خساره فشل فربما تكون الخساره مكسب..!

توقف عاصم بالسياره امام منزل داده زهره لتصرخ جنه بفرح: داده زهره..
ثم ركضت من السياره دون ان تنتظر لحظه واحده لتركض للداخل بسعاده فراقبها بعينه ضاحكا، ركن سيارته و هم بالنزول لكنه لاحظ انها تركت هاتفها و هى على عجاله و بمجرد ان حمله صدع رنينه ليجد الشاشه تضئ باسم اكرم، ففتح الخط و قبل ان يتحدث وصله صوت اكرم المتلهف: جنه طمنينى مها كويسه؟

ابتسم عاصم و هو يشعر انه الان ما عاد قلقا على مها فمن تجد رجلا يعشقها كأكرم فهى اكثر فتيات الارض حظا فأجاب بهدوء: بخير يا اكرم متقلقش.
حمحم اكرم و هو يضرب بيده على جبهته فهو لم يكن بحياته مندفعا و لكن ما عاد يفرق اندفاعه من هدوءه فهى قلبت كل موازينه و قضى الامر، ابتسم متمتما بحرج: هو انا طلبت رقمك غلط. و لا انت اللى رديت على التليفون بالغلط، و لا انت قاصد و لا ايه الموضوع بالظبط؟!

ترجل عاصم من السياره و هو يجيبه: هو ده المهم! روح شوف شغلك علشان انا عندى شغل..
و هم باغلاق الهاتف فكاد اكرم يقذف بالهاتف فعاده عاصم اللامباليه دائما لن تتغير، من اى شئ صُنع هذا الرجل؟! و لكنه تمالك نفسه هاتفا: طيب يا سياده النقيب طمنى، ايه الاخبار؟

توقف عاصم امام باب المنزل ليقول بجديه: اظن انت اكتر واحد بتتمنى ان مها تاخد قرارها المره دى عن اقتناع و بعد تفكير كويس جدا، انا هسافر بكره و هرجع اخر الاسبوع وقتها هسمع قرارها و ابلغك..
زفر اكرم بقوه و هو مدرك ان كلامه صحيحا مائه بالمائه و لكنه لا يستطيع صبرا و لكن حسنا سيصبر، و قلبه يخبره انه سيفوز، بالنهايه سيفوز فحاول تغير مجرى الحوار: عرفت حاجه عن طريق عمتك!

لم يصله الرد فعلم اكرم انه يحاول تمالك اعصابه التى تُثار بمجرد سماعه لاسم تلك الحيه حتى وصله الرد: لأ، بس عن قريب هوصل...!
و اغلق الخط و جمع كل قوته ليكبل غضبه داخل اقفاص صدره الان فاليوم لجنه و لن يسمح هو بخرابه، فإن اراد النتيجه كامله لابد ان يكون المجهود كااملا...

دلف ليجدها جالسه بجوار زهره و الاخيره تضمها بيدها بحنان اموى، ليلقى السلام جالسا امامهم فرفعت جنه نظرها اليه بامتنان بينما رمقته زهره بحنانها لتقول بطيبه: ربنا يسعدك دنيا و اخره يا ابنى، و يجعلك في كل خطوه سلامه...

ابتسم و هى تمطره بدعواتها و هو ينقل عينه بينهم ليطول حديثهم بعدها و لم يخلو الامر من بعض مشاكسات جنه و التى يبدو ان زهره معتاده عليها و لكن هو لا، فلم ينتبه لحديثهم بقدر انتباهه لابتسامتها او بالاحرى ضحكتها الواسعه و التى قليلا ما تنير وجهها حتى تقدمت منهم فتاه ترتدى زى الممرضه لتُعطى زهره دوائها: ميعاد الدوا يا ماما زهره.

اخذته منها زهره بينما ابتسمت جنه و هى تراقب كيف تعامل الفتاه الداده بحنيه و لكن اشتعلت اوداجها غضبا او بالادق غيره عندما التفت الفتاه لعاصم قائله بابتسامه: ازيك يا كابتن، نورتنا النهارده، غبت عننا كتير.
لم يرفع عاصم نظره اليها بل ركز انظاره على جنه و التى ابتعدت عن حضن زهره و هى تعقد حاجبيها ثم ذراعيها امام صدرها متابعه ما سيحدث فابتسم عاصم و رفع عينه قائلا بهدوء: تسلمى يا نورا...

اساءت جنه تأويل سبب ابتسامته - و التى كانت من غيرتها عليه - و تمتمت بنبره غاضبه و هى تنظر له بينما توجه حديثها لنورا: واضح انك تعرفى الكابتن من زمان يا نورا؟
اتسعت ابتسامه عاصم و كذلك ابتسمت نورا قائله و هى ترمقه بامتنان: اه طبعا، كتر خيره كل فتره و التانيه كان بيجى يطمن على ماما زهره، و قلقنا عليه جدا لما غاب عننا، اللى زيه كده قليلين و الله..

رمقته جنه بنظره كادت تجعله يهلك ضحكا و لكنه تماسك قائلا بمراوغه و هو ينظر لجنه قصدا: انا بقول تاخدى النهارده اجازه يا نورا..!
ابتسمت جنه بسخريه و هى تغمغم بصوت خافت تتوعده كأنها تحدث نفسها فوصل صوتها لزهره الجالسه بجوارها: و تاخد اجازه ليه! خليها تهتم بالداده و ضيوف الداده، , ماشى يا عاصم.

ضحكت زهره بقوه و هى تقاوم تعبها و ضمت جنه اليها فخفضت جنه عينها خجلا بينما ابتسم عاصم على ضحكها، بالفعل رحلت نورا و ظل عاصم و جنه مع زهره ما يقارب من الثلاث ساعات حتى صدع رنين الهاتف الخاص بعاصم فأجاب ثم اغلقه دون ان يقول كلمه و نهض قائلا: يلا بينا، , ثم نظر لزهره قائلا باحترام: هنمشى احنا بقى و ان شاء تتعاد الزياره عن قريب..

لاحظت جنه ان نبرته لا تقبل الجدل فنهضت لتلقى السلام هى الاخرى و خرجت معه و بمجرد ان صعدت لسيارته هتفت بغيظ و هو يتحرك: حلوه نورا؟ مش كده يا سياده النقيب..!؟
قالتها بدلال محاوله تقليد نبره نورا المدلله بطبعها، الفتاه محترمه جدا لم يصدر عنها اى تصرف مشين و لكن من اين لجنه ان تفهم، فابتسم متجاهلا الرد عليه فاعتدلت ناظره اليه بجسدها كليا لتصيح و يدها تدفع كتفه: رد عليا يا عاصم انا بكلمك.

نظر اليها بطرف عينه ليقول بنبره قويه حملت تقديره بغضبه: انتِ مش بتتكلمى انتِ بتزعقى.
نظرت امامها بضيق فهو يتهاون معها في اى امر الا صوتها العالى، طبع يكرهه معظم الرجال و زوجها على رأسهم...
ظلا على صمتهم حتى توقف بالسياره ليفتح زجاج سيارته الاسود مشيرا على المكان بترقب: وصلنا.!

نظرت للخارج لترى اين، لتتسع عينها بصدمه و هى تراه توقف امام الفندق التى صفعتها به كوثر من قبل و صفع هو كوثر به بعدها، و دون ارادتها ضمت ملابسها بيدها بقوه و احداث ذلك اليوم تجابهها ليتبعها احداث خطفها و الرعب الذى اصابها، لتنتهى بمظهر كوثر الاخير قبل ان تلفظ اخر انفاسها..
نظرت امامها مسرعه و اغلقت عينها بقوه تتمسك بملابسها و دون ان تشعر غمغمت: انا عاوزه امشى...

اقترب منها ليمسك بيدها فشعر بارتجافتها ليضغطها ببعض القوه كأنها يمنحها اياها: اول نقطه النهارده، مفيش هروب!
فتحت عينها تنظر له بتوسل تجاهله هو ليترجل من السياره و يذهب لباب جهتها ليفتحه و كان شبه يجذبها جذبا لتخرج، حتى سارت بجواره للداخل، و هى تُمسك يده بعنف حتى دلفا لتلك القاعه، كانت القاعه مظلمه ما عدا مكان واحد على المنصه في الاعلى نظرت حولها وجدت المكان يخلو تماما من الناس..

سار بها في اتجاه المنصه و هو يهمس بدفء نادرا ما يتحدث به متزامنا مع احتضانه لكفها: اول مره شوفتك كان هنا، مكنتش اعرفك بس حسيت انك جزء منى، اول دقه قلب من عاصم الحصرى لست كانت ليكِ و كانت هنا، اول مره اغرق في عينكِ كاان هنا، فصعب جدا بالنسبه ليا اسيب ليكِ في المكان ده ذكرى وحشه، ذكرى بمجرد ما تفتكريها بتهربى منها، اول حاجه هعملها، انى همحى كل ذكرى وحشه و هسيب مكانها ذكرى حلوه، ذكرى لعاصم و جنه، مهما مر من الزمن هنفضل فاكرينها..

دمعت عينها و كلماته تسطر حروف عشق على اوتار قلبها، حروف اخبرتها ان حقوق ذكرياتها محفوظه له، به و معه، شعرت ان رغبتها بالرحيل و الهروب تختفى نسبيا...
تبددت صوره كوثر ليحل محلها صورته الان، الان خاصه و هو يصعد معها على المنصه لتبدأ انغام قصيده لى حبيب و التى سردتها له من قبل بين ذراعيه..

فضحكت بسعاده و هى تنظر حولها لتستكشف من اين تصدر النغمات و لكنه لم يمنحها الفرصه و الكلمات تبدأ ليعتقل خصرها بذراعيه محاوطا ابريقها العسلى بحصونه السوداء لتتوه بينهما تماما و قد ظهر جليا بهما عاصم خاصتها...
فكم من مره انتظرت ان يتحقق حلمها و لكن الان ادركت ان ما تعيشه اكبر، اغلى و افضل كثيرا من اى حلم كان، فالكثير يتمنى ان تحقق الاحلام غير مدركا ان احيانا الواقع يكون اجمل من الاحلام جميعها...

شعرت بشفتيه تنساب على وجنتيها فتبددت ذكراها بصفعه كوثر و اهانتها بقبلاته الهادئه، ثم غزا اذنيها بكلماته الرائقه لتتبد كل كلمات كوثر و صراخها بعذب صوته، حراره انفاسه و جميل كلماته، ليبتعد ناظرا لعينها الضاحكه ليمنحها ابتسامه لاول مره تراها على وجهه فاتسعت ابتسامتها لضحكه واسعه ثم ضمه و كل شعورها بما حولها يتبدد..

لا تدرى كم مر من الوقت و لكن ما تعرفه انه كان من اجمل الاوقات بحياتها كامله، فما عاشته من عمرها لا يساوى مثقال ذره ما عاشته من سعاده اليوم..
ابعدها عنه ممسكا يدها هامسا باذنها بنبره مشاغبه: انا اخذت اذن بقفل الكاميرات و وقتنا خلص نمشى قبل ما حد يقفشنا بقى.

نظرت اليه بدهشه من كلماته المازحه لتكن تلك اولى المرات التى يمزح بها ابن الحصرى و بمثل هذا العبث و تلك الغمزه فانطلقت ضحكاتها تطرب اذنيه، فطبع قبله على جبينها متسائلا: كده مفيش هروب..!
اومأت برأسها سريعا و ذكريات ما حدث، ما قال و ما فعل منذ قليل و تُضع جميعها بكفه و مزاحه و ضحكته المميزه تلك بكفه اخرى، من اين لها اذا ان يحمل هذا المكان ذكرى سيئه..!

صعدا للسياره و هى تضحك على عكس ما كانت قبل ترجلها، بينما هو يضع يديه على قلبه من القادم و الذى حتما لن يكون يسيرا، ادار محرك السياره قائلا بدفء و هو يحتضن يدها: جنتى!
نظرت اليه مسرعه و ضحكتها لم تفارقها منتظره ما سيقول فتسائل بهدوء و نبره مسيطره: بتثقى فيا؟!
اومأت برأسها دون تفكير لتصرخ بثقه: اكتر من اى حد، حتى نفسى.

نظر امامه تاركا يدها لتعاود هى النظر للخارج من زجاج السياره، تحرك هو بالسياره رويدا ثم بدأ يزيد من السرعه فلاحظ تمسكها بباب السياره و ضحكتها تختفى تدريجيا، فاخذ نفسا عميقا و زاد من سرعته اكثر فانتفضت و نظرت اليه فلم ينظر اليها فهو لن يتحمل نظره عينها فقالت بسرعه و هى تضع يدها على قلبها فما يحاول محوه الان ليس بمجرد ذكرى، بل هى اكبر، اسوء و اكثر تعقيدا: هدئ السرعه شويه يا عاصم..

ظل ينظر امامه مرددا ببعض التردد: النقطه التانيه، مفيش خوف!
و زاد من سرعته اكثر فتمسكت بمقعدها و صور مختلفه تعبث برؤيتها، و طغى على الجميع والدها و وجهه مغطى بالدماء، لترتفع صرخاات كوثر باذنها: انتِ السبب.

اضطربت انفاسها بحده حتى كادت تزهق و هى تضع يدها على اذنها بقوه و هى تحرك رأسها يمنا و يسارا بتتابع، و هنا نظر عاصم اليها ممسكا يدها ضاغطا اياها بقوه و هو مستمر على سرعته العاليه، زاد من ضغط يده فجذبها الالم من خضم افكارها لتصرخ بتأوه ليتعجب عاصم فالامر ليس هينا ابدا فضغطه يده على يدها االان كانت قويه لدرجه يصرخ منها اعتى الرجال و ان تصل هى لتلك الدرجه هذا يعنى ان جذبها من هذا الوجع ليس بيسير ابدا...

اخفض السرعه قليلا حتى توقف بالسياره على جانب الطريق و نظر اليها و هى بالكاد تلتقط انفاسها، تغلق عينها منكسه رأسها صائحا بجديه: ارفعى رأسك يا جنه.
لم يبدو انها تسمعه فصاح مره اخرى: افتحى عنيكِ و ارفعى راسك يا جنه..

و ايضا لم تستجيب فوضع يده اسفل ذقنها و رفع وجهها اليه هادرا بها: لازم تحاولى تخرجى من خوفك، لازم تحاولى تمحيه، جنه ملهاش ذنب، و موت والدك كان قضاء ربنا و لازم تحاولى تتخلصى من احساسك بالذنب، اللى هيفضل دائما مأثر عليكِ و مزود احساسك بالخوف..
تساقطت دموعها و هى تهمس بصوت بالكاد يُسمع: انا كنت السبب يا عاصم..!

كز اسنانه غضبا و هو يزداد توعدا لنجلاء فصاح عاليا: مش انتِ السبب، افهمى ده، مش انتِ السبب، ثم وضع يديه يحاوط وجنتيها يردد باصرار: حاولى يا جنتى حاولى.
وضعت يديها على وجهها و هى تستغفر لتنفى بضعف فما يحاول فعله اصعب ما يكون على قلبها: مش هقدر، و الله العظيم ما هقدر..

رفع يديها عن وجهها ليقول بنبره مستحوذه و قويه لتمنحها بعضا من الاراده: هتقدرى لو حاولتِ، فكرى في اى حاجه، فيا، في اكرم، في حنين، في اى حد، او اى حاجه حلوه ضحكتك في يوم افتكريها، امحى الذكرى بغيرها يا جنه..

حاولت التقاط انفاسها و هى تحرك رأسها نفيا و لكن هو لن يتراجع، ادار محرك السياره بعزم و انطلق بها بسرعه جنونيه، حتى كادت هى تصرخ بجواره و بالفعل فعلت، حاول تهدأتها بيده، و لكنه مستمر على السير دون توقف و هى مستمره على الصراخ دون توقف و دموعها تنهمر، و عندما شعر انها على وشك الخروج من الواقع خاصه مع انعدام احساسها بضغطه كفه القويه على كفها، لم يجد حلا سوى التوقف مجددا.

و مجددا يحاول بثها القوه، يحاول منعها الخوف، يحاول تشجيعها على المحاوله، يحاول و يحاول حتى استكانت نسبيا، فانطلق بسيارته مجددا بنفس الرسعه الجنونيه، لتضطرب انفاسها عنوه، تحاول مجابهة خوفها و لكن قلبها لا يتحمل، و لكنه هذا المره لم يتوقف بل ارتفع صوته بأيات من كتاب الله بذلك الصوت الخاشع الذى منحها به السكينه من قبل...

﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ ۗ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾.

ظل يرددها و هو ينظر اليها بجانب عينه حتى شعر بانفاسها تهدأ قليلا و هى تردد خلفه، و بدأت صورها المهاجمه تتشتت، لترى وجه والدها الضاحك و هو ينصحها يومها ان ترضى بقضاء الله و قدره، تتذكر حديثه معها عن حكمه الله في اقدارنا، ارتفعت يدها لتُمسك بسلسال عاصم على عنقها لتبدأ بترديد الايه خلفه، فادرك انه هذه المره سينجح، سينجح في توطيد ايمانها..

توقف و صمت لحظه و لكنها قالت بخفوت و هى تتمسك بسلساله و ما زالت انفاسها شبه هاربه و نبضاتها تتدافع بكل قوتها: قول تانى.

ابتسم و هو يلتقط انفاسه كأنه هو من كان يعافر، ظل يردد الايه و هى ترددها خلفه و كل هذا و هى مغلقه لعينها حتى بدأت تفتحها بهدوء لتغلقها عده مرات و ذكرياتها تتزاحم على عقلها مجددا فارتفع صوتها خلفه بالترديد حتى استطاعت النظر للطريق بمثل هذه السرعه و بعد بعض الوقت بدأت تهدأ تماما حتى سكنت...

توقف بالسياره على جانب الطريق مغلقا زجاجها القاتم ليقترب منها ضاما رأسها لصدره لتتنفس هى ببطء و سرعان ما انهمرت دموعها مردده الايه فازداد من ضمه لها يطمئن متسائلا بجوار اذنها: كده مفيش خوف؟!
رفعت عينها اليه ليحاوط وجهها بكفيه مزيلا دموعها مقبلا جبينها بتعب منتظرا اجابتها فتمتمت بخفوت كأنها تأكد الامر لنفسها: مفيش خوف.

عاود ضمها مره اخرى و هو يتنفس الصعداء فكانت تلك المهمه الاكبر و الاصعب و صدقا استنفزت قوته كلها ليفعلها، و لكن لم يكن النجاح بيده بقدر ما كان بأيات السكينه التى انزلت الهدوء على قلبه و قلبها معا..
اعتدلت فتحرك بالسياره مره اخرى و لم يزيد من سرعه السياره كما فعل منذ قليل فمهما كان هى تقف على اولى خطوات الدرج و لكنها فاجأته و هى تهمس بوجل: زود السرعه...

و تعمدت هى الامر حتى تثبت لنفسها ان قلبها ازداد ثقه، ثم تثبت له انها قادره على النجاح و ثقته بها في محلها، نظر اليه قليلا فقالت محاوله استدعاء قوتها الجديده و لكن صوتها خرج مهزوزا رغما عنها: لما تحس انك نجحت في حاجه لازم تجرب على تتأكد من نجاحك...
ثم نظرت اليه بتشتت لتهمس و هى عاجزه عن منح الرد لنفسها: انا نجحت يا عاصم، صح؟!

اغلق عينه ثوانى ثم زاد من سرعته على مراحل مختلفه و رغم اضطرابها و لكنه كان اقل من قبل بكثير بل بكثير جدا، بدات تقاوم اضطرابها لتردد الايات السابقه بنفس متيقنه من ايمانها، حتى هدأ اضطرابها نوعا ما و اتسعت ابتسامه وجهها و هى تقبض على سلساله بقوه، لتصمت بعدها و هو يزيد السرعه اكثر فتنطلق ضحكاتها متجاهله انتفاضه قلبها كأنها بهذا تعاند نفسها و هى بالفعل تفعل..

ظل قليلا على سرعته ثم اخفضها قليلا حيث دلف لوسط البلد متجها لاخر محطاته لليوم، توقف امام منزل ما و لان الوقت ليلا لم تتبين المكان جيدا فنظرت اليه بتساؤل...
فأمسك بيدها مبتسما بارهاق بادا على وجهه: مستعده تثقى فيا تانى؟!
و دون تردد مره اخرى ابتسمت و اومأت موافقه، فترجل و استدار لها، ساعدها ثم اتجها لداخل المنزل و التى بمجرد ان رأته توقفت امامه متسمره، فهنا كانت بدايه تحطيم احلامها كلها..

بدايه حياتها بتلك الصفعه، التى ألمت وجنتها و هى ابنه عشر اعوام، ارتجف كفها بكفه و كأنها تخبره بارهاقها، و قد كان بالفعل عندما ترنحت مكانها ليسندها بذراعه و هم بالرجوع فاذا كان هو قد اُرهق فما بالها تكون، و لكنه لن يتراجع الان و حان نهايه الطريق لتبدأ جنه حياتها الجديده..

تحرك بها للداخل و هى مستسلمه ليده تماما فلم تعد تستطيع المعافره، دلفت للمنزل فأضاء الانوار، ظلت تتلفت حولها باستطلاع و ربما تذكر لتسلط عينها على تلك الاريكه التى جلست كوثر فوقها لتصدر تعليماتها بتحطيم احلام جنه كلها...
وضع عاصم يده على كتفها فاستدارت له و عينها تفيض ادمعا لتسرد له ما حدث لها ها هنا: هنا مش ذكرى واحده، هنا انا خسرت احلامى كلها، خسرت حلم امى اللى مفيش قوه هتقدر ترجعه..!

فأخرج عده اوراق من طيات ملابسه ليبسطها امامها قائلا بابتسامه دافئه خالفت نبرته المسيطره: و لو قدرت ارجعه.!
ابتسمت بسخريه دون ان تنظر للاوراق متمتمه بضعف: هنسى كل حاجه، انا هنا خسرت طفولتى، دراستى، و مستقبلى، خسرت حلم انى ابقى دكتوره، هتقدر ترجع الزمن؟! هتقدر تخلينى دكتوره يا عاصم؟!
اعطاها الاوراق بيدها هاتفا بثقه و قوه فاجأتها في موقف كهذا: انتِ اللى هتقدرى تحققى حلمك..

نظرت للاوراق بتفحص فلقد أعطاها اجابه بل اعطاها حلمها الضائع بين يديها عندما غمغم بشبح ابتسامه: دى اوراق تسجيلك بالمدرسه، هتكملى دراستك، تنجحى و تتخرجى و تبقى دكتوره زى ما بتتمنى..

رفعت عينها اليه بصدمه تمكنت منها و عجز لسانها عن النطق تماما فيما اردف هو و هو يحاوط وجنتيها بكفيه: مش هتبقى محتاجه تروحى المدرسه، اتفقت من انجح المدرسين علشان دروسك، يمكن اتأخرنا بس مفيش وقت للحلم، و نجاحك هنمشيه سوا خطوه بخطوه.

طبع قبله على جبينها لتغلق هى عينها بقوه و كأنها تتأكد انها بواقع لا تحلم حتى اكمل هو بنبرته الواثقه: انا فخور بيكِ و بقوتك و هبقى فخور بنجاحك، هتوصلى انا متأكد، هتبنى حلمك بنفسك و هيبقى واقع، واقع اجمل من الحلم كمان..
تساقطت دموعها ليتحول صمتها لشهقات باكيه و هى تصرخ بكل ما تملك من صوت، تشعر بأن كل اوجاعها تُسحب من داخلها اليوم...

ضمها لصدره بقوه لتتمسك به بقوه اكبر و هى عاجزه عن النطق بكلمه واحده فقط تبكى، تبكى كما لم تفعل من قبل، طوال عمرها تبكى وجعا اليوم فقط ادركت ما معنى ان تبكى فرحا..
لم تتمالك نفسها فسقطت بجسدها ارضا فسقط معها و لم يتركها تبتعد و هى لم تكن لتسمح له بهذا ليهمس بجوار اذنها و هو يتنفس الصعداء على انتهاء هذا اليوم: كده، مفيش ضعف؟!

لتصرخ بعلو صوتها و فرحتها تملأ ارجاء هذا المكان الذى فقدت به كل ما ملكت يوما لتمتلك به الان كل ما فقدت: ااااااااااه..
لتدرك اخيرا ان مهما طال الوقت،
لا شئ يمنع الحلم من ان يصبح واقعا، مهما زاد البأس و مهما غلفنا اليأس فلا شئ يستطيع قتل الامل، فكل غد يحمل املا جديدا، و طالما تحمل من الانفاس نفسا اخر لا معنى لليأس، و ان كان هناك ما هو اقوى من الخوف، فهو الامل.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة