قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الرابع عشر

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الرابع عشر

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الرابع عشر

تعبث بهاتفها في طريقها للخروج للذهاب للجامعه و لكنها على مدخل المنزل توقفت و عينها تتابع ما يحدث امامها، شذى، فارس و سلمى يتحادثون، يمزحون و يضحكون سويا.
ربما كانت ابتسامه شقيقتها نقيه لا تحمل من مشاعرها شئ و لكن ما رأته حنين غير هذا، نظره صافيه، ضحكه واسعه و مراقبه مستمتعه.

نيران تأكلها، شعور بالغيره اضنى قلبها و الاسوء ضميرها الذى يؤنبها و هى تشعر بنفسها المخطئه، تشعر بنفسها تقف بطريق سعاده لشقيقتها و ربما ان غابت هى كان طريق سعاده له ايضا.
تناغمت ضحكاتهم سويا، تعليقاتهم المتماثله، حديثهم المفعم بالود بينما هى تساقطت دموعا حسره على نفسها.
كم هو مؤلم التفكير، و بالاخص كم هو مؤلم تفكيرها.

ترقرقت الدموع بعينها فأغلقت عينها و عقلها يجن جنونه لدرجه اوشكت على الصراخ بوجهه ليتركها، لم تكن تدرك ان قوه تحملها قليله لهذا الحد، لم تكن تدرك انها ستخسر راحه بالها و هدوءها بمجرد دخوله حياتها، فهكذا تكون بعض الاشياء رؤيتها عن بعد افضل بكثير من امتلاكها، بينما هو كان له رأى اخر،.

رفع يده يمسح على وجنتها بخفه فانتفضت مكانها لتفتح عينها بصدمه لتكن اول ما تراه نظرات سلمى الحانيه و التى فسرتها خطأ تماما ثم عين فارس المتلهفه، عادت ببصرها لسلمى التى ابتسمت بهدوء لتتدخل متجاوزه اياهم و عينها تتعلق بالارض و لكن رأت حنين في موقفها انكسار ارجف جسدها، ألم قلبها و اغضب عقلها فانتفضت بحركه مفاجئه مبتعده عن فارس تدفع يده بعيدا عنها و بدت كأنها لا تدرك ما يحدث حولها فقط عينها مركزه على سلمى التى عقدت حاجبيها متعجبه موقفها و صرخت بوجه فارس: انت بتعمل ايه هنا! مقولتش انك جاى!

زم شفتيه قليلا مع عقد ما بين حاجبيه بتعجب و هو يطالعها باستغراب و خاصه مع نظراتها التى تهرب منه و تمتم موضحا بهدوء: في ايه يا حنين؟ قلقتينى عليكِ قولت اجى اطمن.
لمعت عينها بقسوه كانت من اغرب ما يكون على جميع الواقفين و هتفت بحده: انا ماطلبتش منك تقلق و شكرا مش عاوزه حد يطمن عليا.
لمعت عينه بغضب من صوتها، انفعالها و كلامها الغير منطقى و لا تبرير واضح لها عنده و هدر بذهول: حنييييييين!

و كأن صراخه اعادها للواقع فنقلت بصرها بينهم بتشتت و سرعان ما لمعت عينها بالدموع مجددا مما دفع بقلبه للهاويه، هى تعانى من امر ما و لا تخبره، هى تتألم و هو لا يستطيع مساعدتها، ماذا يحدث معها لا يعرف و هذا جعله يجن، تحركت سلمى و هى تدفع بشذى - التى كانت في اقصى حالتها تعجب من افعال حنين الغير مبرره اليوم - للداخل، بينما اقترب فارس منها فأخفضت بصرها ارضا و هى تكاد تموت خجلا و ندما على ما فعلت و تفوهت به للتو، شعرت به يُمسك يدها و يضع الاخرى اسفل ذقنها يحاول رؤيه ملامحها او ربما قراءه عينها ليفهم و لو قليلا مما بها و همس بعتاب و هو يردد تلك الكلمات التى تقولها له دائما: انت نصى التانى، انت حته منى، انت كنزى الغالى، انت ابنى.

خرجت منها شهقه قصيره كتمتها بيدها الحره فأكمل عتابه لعلها تخبره عما يؤلم قلبها: مش دا كلامك ليا! ليه كده يا حنين؟ ليه بتوجعي قلبي عليكي؟ ليه مش عاوزه تريحيني و تريحي نفسك و تقولى لى مالك؟ ليه مش عايزه تفهميني ايه حصل لكل ده؟

رفعت اهدابها المبلله بعدما امتزجت رماديه عينها بوميض الدموع لترسل ايه اسهم فضيه اخترقت قلبه فرفع يده مسرعا مزيلا دموعها هاتفا بنفاذ صبر و هو يحترق حرقا بحالتها الغريبه تلك: بالله عليكِ ماتعيطيش،
ثم زفر بقوه و هو يستسلم: خلاص مش عاوز اعرف بس متزعليش، قولي لي اعمل ايه؟ لو مضايقه من وجودي فأنا اسف همشي بس بطلي عياط.

كتمت فمها بيدها و دموعها تزداد هطولا مما دفعه للجنون و هى تصرخ تلوم نفسها و تتهمها: متعملش كده انا مستهلش كل ده، انا بوجعك يا فارس، انا بأذي كل اللي بحبهم، انا مستهلش حاجه،
ثم نظرت لعينه برجاء شل عقله عن التفكير و تسائلت بحيره و ضياع تريد منه اجابه رغم انه لا يعرف حتى ما هو السؤال: انا مش عارفه اعمل ايه؟ اختار مين؟ ارتاح ازاي؟ قلبى واجعنى قوى و مش قادره و لا عارفه اتصرف! اعمل ايه؟

ضغط نفسى، تفكير مضنى، ارهاق جسد و قله نوم دفع بها لشبه انهيار الان و دوار قاسى يلفها و لكن قبل ان يتهاوى جسدها استكانت على نبضات قلبه التى تهدر اسفل رأسها و يده تحتضن خصرها و اخرى تمسد ظهرها بحنان، لم يسعها سوى الشكوى لقلبه، دفنت وجهها بصدره تخبره بكل شهقه منها عن صعوبه موقفها، تعتذر بكل دمعه تزرفها عن قلق تكويه به، تبثه بكل شده من يدها على قميصه عن شده احتياجها اليه، رفع رأسه لاعلى يحاول التحكم بانفعاله الان التى جمع ما بين قلق و توتر لاجلها، غضب و ضيق منها، و حيره و تشتت لنفسه، امامه الان ثلاثه اختيارات الاول يتركها و يرحل حتى تهدأ و تقرر مهاتفته و بالطبع لن يفعل، الثانى ان يُبعدها عنه الان ليصرخ بوجهها لتخبره عما اثقل قلبها و اهلك قلبه بالتبعيه و لكنه لن يقدر، الثالث ان ينسى انها حزينه و يتبع خطوات شقيقه في مثل هذه الامور و يمزح و يمرح حتى يفوز بضحكتها و ربما يحين وقت ما و تخبره كل شئ و هذا ما فعله تحديدا عندما ابعدها عنه هاتفا بمرح مستنكر و هو يشوب كلماته بعتاب وطنى: كفايه كفايه انتِ بتجيبي الدموع دي كلها منين يا مفتريه، وفرى علشان مصر يا حجه مش معقول مبذره قوى قوى.

و في خضم ما يحدث حملقت به بتعجب فهذا ليس هو، و لكن تعبيرات وجهه، كلماته و نبرته المستهجنه جعلتها تبتسم بهدوء و تحفظ فرفع يده يمحى دموعها و هو يردف بغمزه مشاغبه: انا اه بقول وفري بس في الدموع مش في الضحكه، اضحكِ اضحكِ محدش واخد منها حاجه.

ثم مال عليها قليلا فنظرت اليه ببلاهه و على غفله منها و غير توقع تماما رفعها حاملا اياها لتتمسك هى بعنقه بقوه كادت تخنقه و هى تصرخ بفزع: نزلني يا فارس، نزلنى هنقع يا مجنون.
تحرك بها فارس بلامبالاه بحديثها و بثقه تامه نظر لعينها هاتفا بثبات: طول ما انتِ معايا عاوزك تبقي مطمنه خا..

للاسف كان للاصيص الصغير رأى اخر و تعمد ان يعلق بطرف بنطاله لتتعثر قدمه به ليسقط و حنين فوقه، نظرت حنين لوجهه المتألم اثر سقوطه و انفجرت ضاحكه حتى دمعت عينها و هى تهتف بصوت شامت: حسبي الله و نعم الوكيل، قال ابقي مطمنه قال.
انفجر ضاحكا هو الاخر و هى تعتدل جالسه ليتبعها هو الاخر ليقول متعجبا: ايه اللى حص...
و قبل ان يُكمل جملته قطع حديثه صارخا بصدمه و عيناه مركزه على شيئا ما: يا نهاااار مش فااايت.

التفتت تنظر على ما ينظر اليه لتشهق ضاحكه و عينها تتسع بدهشه ثم انطلقت ضحكاتها و هى ترى بنطاله الذى علق بالاصيص ليشقه نصفين من اسفل فظهرت ساقه حتى ركبتيه من اسفله و من فرط ضحكاتها اخذت تضرب على فخذها بقوه غير قادره على تمالك نفسها فدفعها بكتفها بغيظ هاتفا بحسره ضاربا كفا بالاخر: اضحكِ اضحكِ، ياعيني عليك يا فارس و الله كان بنطلون ابن ناس و لسه جديد.

حاولت حنين تمالك ضحكاتها و هى تمتم باستهجان: علشان تبقي تشيل قوى، شيل يا حبيبى شيل.
ثم انفجرت ضاحكه فتعلقت عينه بضحكتها قليلا و اضاف بجديه و هو يعنى كل كلمه يقولها: لو كل مره هشيلك هنقع و هتضحكِ كده هتعمد اشيلك و أقع بيكِ علشان اشوف ضحكتك.
و لكنها للاسف رغم امتنانها لكلماته التى لامست قلبها لم تستطع تمالك ضحكاتها و هى تسأله بسخريه: و على كده بقي عندك كام بنطلون علشان نعمل حسابنا نشتري احتياطى.

ارتفعت ضحكاته هو الاخر مجيبا اياها: ليه هو كل مره ببنطلون! بعد كده هلبس برمودا.
نهض و ساعدها على النهوض و الضحكه لا تفارق وجه كلا منهما ثم مال للخلف قليلا واضعا يده على اسفل ظهره متألما و هو يقول: اه يانا يا أما، يلا يا ست هانم هوصلك و بعدين ارجع اغير و اروح الشركه،
غمزته بمشاغبه: طيب ما تروح كده حتى موضه و شكلك حلو.
زمجر بغيظ لاق به مما دفع بضحكاتها لتزداد: عيب تتريقي على جوزك على فكره،.

ثم أدار دفه الحوار عليها و هو يميل عليها بمكر: و بعدين انا مش مشكله، احمدي ربنا ان مش جيبتك اللي جت نصين، بصراحه كنت هبقي مبسوط قوى.
غمزه و دفعه بكتفه لكتفها جعلت الدماء تتصاعد لوجنتها بحياء ألجم لسانها فدفعها امامه حتى لا يستغل الفرصه مردفا بمرح: يلا يلا مش وقت كسوف و خصوصا و انا بالمنظر ده لو حد شافنا هيقولوا انك كنتِ بتتحرشي بيا و انا بخاف على سمعتى.

انطلقت ضحكاتها مجددا، دفعٍ منه، خطوات سريعه باتجاه البوابه الرئيسيه، الصعود لسيارته ثم الرحيل و قد تبدل الحال لحال اخر تماما.
بينما في الاعلي كانت سلمى تتابع الموقف من بدايه رحيلها حتى رحيلهم، ابتسامه على شفتيها و دمعه تغرق عينها، قلبها يرقص فرحا لشقيقتها و نصفه الاخر يبكى حزنا لانها ليست بمحلها.

نظرات فارس، احتواءه، هدوءه، حبه، رومانسيته، مشاغبته و مرحه، فارس هو فارس حقا، فارس الاحلام لكل فتاه و الامير المنتظر لكل سندريلا، و لكن ليست كل سندريلا بمحظوظه و لقد اختار الامير سندريلته منذ زمن.

و لكن ما حيلتها في قلبها و حالها، رفضت الجميع لاجله، شيدت قصور من احلام هو ساكنها الوحيد، فكرت و فكرت و وصل بها الامر ان تختار اسماء لاطفالها منه، تتخيل نفسها معه، تحدثه، يضحك لها، يخصها بمدح، يغازلها، يحتضنها و تجاوزت الامر ليقبلها ايضا.
و الان و بكل بساطه بطلب منه و موافقه من شقيقتها و عقد زواج و بصمتين صارت كل احلامها لشقيقتها فما الذى من الممكن ان يكون اشد قسوه من هذا.

ضمت نفسها بذراعيها، فالامر ليس بسيطا كما توقعت فكل قوتها تتلاشى فور رؤيته و لكنها ابدا لن تسمح بأن تكون عقبه بطريق سعاده شقيقتها و ستفعل كل ما بيدها لتمنع هذا.

ثمه اشياء صعب سرقتها كملابسك مثلا و لكن استغرب كيف يسرقون القلب و هو خلف قضبان الضلوع...!
اقتباس.

مط ذراعيه بتكاسل و هو ينهض عن الفراش، كان جسده منهكا و القلق على تلك الحمقاء اذاقه الامرين، انتعش سريعا و ادى فريضته ثم خرج من الغرفه ليجد المنزل هادئ و الاضواء خافته و لا حركه تُذكر، عقد حاجبيه يبحث بعينه عنها حتى وجدها تجلس على ارجوحتها القديمه شبه الباليه غير آبه باحتمال سقوطهاا، رافعه رأسها لاعلى مطبقه جفينها سامحه للهواء بمداعبه حجابها الذى لا تتخلى عنه طوال فتره وجوده و صدقا يمنحها هو بعض الحق فبين ليله و ضحاها صار زوجها فمن اين لها بتعود سريع عليه، اقترب منها بهدوء ليقف خلفها ثم بدأ بدفع الارجوحه بقوه نسبيه، انتفضت و هى تعتدل بخضه و استدارت تنظر له بتعجب فازداد في دفع الارجوحه دون اى حديث يُذكر مانعا اياها من الهروب كعادتها.

مرت دقائق يلفهم الصمت فلم يتحدث هو و لم تبدأ هى و لكن مع صمته و سرعه حركته للارجوحه اصابها التوتر فتسائلت بتوجس: هتفضل ساكت كده!
تمتم: عاوزاني اقول ايه؟
ازدردت ريقها بصعوبه و هو تحاول استيعاب انها هنا معه بمفردهم، كزوجها و ابن عمتها، ببساطه خريطه حياتها تبدلت تماما و لكنها تمالكت خوفها محاوله التغلب عليه و حقا كم كان الامر صعبا عندما تمتمت بحيره: انت ليه بتعمل كده؟ و بجد ايه اللي جابك هنا؟

شرد بفكره قليلا متنفسا بعمق ليهمس بهدوء و هو يعبر عن القليل من مكنونات صدره و التى كانت تدور حولها: عارفه احساس انك تبقى خايفه تخسرى حاجه بتحبيها، عارفه اما تبقي حاسه انك قلقانه على حد لدرجه انك حاسه ان القلق ده بيقتلك بالبطئ، اما تبقي نفسك تقولي كلام كتير جواكِ بس مش عارفه و حتى كمان مينفعش تقوليه، عارفه احساس انك تلاقي اقرب الناس لقلبك اكتر ناس بتكرهك، اما تحسي ان الشيطان بيحاول يبقى ملاك بس مش عارف، اما تحسي ان الجنه غاليه قوي قوي بس في احساس اكبر بيقول انك مش هتدخليها،.

تنهد بقوه مردفا و نبره الحزن تغلف صوته: عارفه احساس انك تحاربي نفسك، تبقي نفسك بتحارب نفسها علشان تتغير بس مش عارفه، احساس انك متعوده على النصر و الفوز دائما فأي معركه لكن اهم و اكبر و اعظم معركه في حياتك تخسريها،.

صمت لحظات لينظر لظهرها الساكن و ابتسم بسخط و نبره الحزن بصوته تزداد: عارفه اما تبقي بتتمني حاجه بس حاسه انها بعيده جدا عنك يبقى كل همك انك تفوزى بيها بس مش عارفه تعملى ايه، و الاسوء ان الحاجه دى اصلا ملكك.
حمحم ليحمل صوته بعضا من الجديه: عارف انك مش فاهمه انا بقول ايه و انا مش هفهمك بس اتمني تفهمي قبل فوات الاوان.

ثم احتدت عيناه لتعود قوته و سيطرته لصوته و هو يجيب على سؤالها: جيت هنا يا مدام لانك مراتي و اذا كنتِ انتِ نسيتِ ده و خرجتِ من البيت بدون ما تعملي اى اعتبار ليا انا مش هنسي انك لازم تبقي تحت نظري و تحركاتك معايا دائما، فهمتِ!

ترك الارجوحه بعدما دفعها بعنف و تحرك باتجاه الداخل و لكنه تجمد مكانه عندما وصله همسها الرقيق و هى تجيبه على حيرته السابقه و قد شوشها نبرته المتألمه و منحها هدوءه بعض الثقه: اللي بيحب الجنه بيتعب علشانها، اللي بيتمني حاجه بيعافر علشان يوصلها، اللي اتعود على النصر مينفعش يقبل بالخساره، و اللي نفسه يتغير بيحاول مره و اتنين و كل اما يقع يقوم لكن مينفعش يستسلم.

ثم نهضت من مكانها لتقف خلفه مباشره ليستدير لها و من عينه المتأمله بها اكتسبت قوه غريبه بثها بها سكونه و صمته و هى تجيبه على اجابته الاخيره بثبات أدهشه و أيقنه انها تخفى قوه ربما هى نفسها لا تعرف بوجودها داخلها: فهمت طبعا يا سياده النقيب بس مش كل زوجه ست امينه و لازم تشوف جوزها سي السيد.

فاض ابريقها العسلى بنظرات تحدي ثائره وصلت كامله لحصونه السوداء متأملا قوتها الغير معهوده بابتسامه جانبيه معجبه و لكن سرعان ما اعد اسهمه المتحديه هو الاخر لتهاجمها من كل اتجاه مما جعل جسدها يرتجف من نظرته القويه و التى بعثرت قوتها تماما فتراجعت خطوه للخلف و لمعه عينها المتحديه تختفى تماما فابتسم بزفر و صمت قليلا يطالعها من علوٍ بفارق الطول بينهم ثم هتف بشغب: تيجي نسمع فيلم.

رفعت رأسها اليه بذهول لتفرغ فاها متعجبه مردده خلفه باستنكار: فيلم!
فاتسعت ابتسامته الجانبيه و هو يشملها بنظره عابثه و اجابها ببساطه تبعها بشرطه: اه فيلم، انتِ جهزى الفشار على ما اختار انا الفيلم.
تركها دالفا للداخل بينما هى تتابع ظهره المنصرف بدهشه.
سيصيبها بالجنون المبكر لا شك.
مواقفه تصيبها بالعجز، اوقات تجده مسالما و اوقات يشعل الحرب معها بعينيه فقط.

حينا يغضب و حينا يمزح، يقسو احيانا و يحنو احيانا اخرى.
سألت نفسها من يكون و للاسف لا اجابه فهو شخص يحمل كل لحظه شخصيه مختلفه، مختلف في ردود افعاله، و غريب في تصرفاته.
زفرت بقوه و تبعته للداخل، دقائق تتلوها دقائق، اختار هو ما يريد و في نيته قليلا من العبث، استكان امام التلفاز منتظرا اياها حتى جاءت، صمت، ضوء مغلق، يبدأ الفيلم فتنتفض هى معتدله لتهتف: رعب!

رمقها بطرف عينه مجيبا ببرود: اه اصل انا بحب الرعب.
ثم نظر اليها عاقدا حاجبيه متسائلا: ايه بتخافي؟
تخاف؟
مطلقا، هى فقط تموت رعبا.
عاندت من قبل و شاهدت احدي هذه الافلام مع والدها لتندم بعدها اشد الندم، فليلتها لم تستطع النوم، هواجس تهاجمها، صور تداهم احلامها، وشوش ممزقه، دماء، روؤس مقطعه و اجساد مشوهه.
كانت ليله سيئه بكل ما تحمله الكلمه من معنى.
لم تهدأ الا عندما استكانت بحضن والدها.

تابعها عاصم بابتسامه لعوب و هى تفكر و رأى بها روح العناد و قد كان بالفعل عندما اعتدلت بمقعدها و اخذت قرارها بألا تظهر خوفها امامه ايا كان السبب.

اندمجت مع الاحداث و على حين غفله خرجت احدى الوشوش لاحد الاشرار بالفيلم من خلف الطفله فانتفضت جنه صارخه بملأ صوتها قاذفه بوعاء الفشار لتتناثر حباته ارضا بينما انطلقت ضحكات عاصم تغطى على صرختها فنهضت بغضب و انفاسها مضطربه و انارت الضوء، اوقف الفيلم ناظرا اليها بتعجب لامبالى متمتما بنزق مصطنع: في ايه؟

اقتربت منه و همت بجذب جهاز التحكم من جواره و لكنه امسكه رافعا احدى حاجبيه باستنكار: ايه ده انتِ خايفه و لا ايه!
عقدت ذراعيها امام صدرها بنزق حقيقى و عبست ملامحها بطفوليه متناسيه خوفها المعتاد منه و ربما هدوءه و مرحه هو من انساها اياه و تمتمت: مش عاوزه اكمله.
غمزها معتدلا بسرعه فانتفضت هى خطوه للخلف و تسائل و هو متيقن بالاجابه: بذمتك معندكيش فضول تعرفى النهايه!

زمت شفتيها بغيظ فهى في الحقيقه يقتلها الفضول و لكنه يستمتع بخوفها و هى حقا تخاف فنظرت اليه و قبل ان تجيب اشار لها على الاريكه الجالس فوقها و قال بخبث لم تفهمه: لو خايفه ممكن تقعدى جنبى يمكن تطمنى شويه.

تفكير، قلق، خوف ثم قرار و جلوس على بعد، نهض، اطفأ الانوار مجددا، جلوس و ابتسامه ماكره منه و هو يعتدل بأريحيه في جلسته واضعا يده على طرف الاريكه مستمتعا بنجاح خطته العابثه فتلك التى تهرب، تخاف و تتجنب ما هى الا طفله بحاجه لبعض الامان الذى لم يكن يفهم سابقا كيف يمنحها اياه.

ظلت تشدد على ملابسها بقوه من شده خوفها و مع كل انتفاضه يكتم هو ضحكته حتى لا تتذمر بينما تقترب هى منه دون وعى، و باندماج مع الاحداث تحرك صاحب الوجه المشوه باتجاه الطفله و على غفله قام بدفع خنجره اليها فدفعتها والدتها بعيدا ليصيب الخنجر عنقها ليتدحرج رأسها امام الاب حتى اصطدمت بقدمه الذى ظل يحملق به بلا وعى، بينما صاحب الوجه المشوه يقترب بخطوات متزنه من البطل الذى تاه كليا عن الواقع مركزا انظاره على رأس حبيبته الملقى اسفل قدمه و جسدها المسجى على بعد امتار منه بشئ من الذهول و الضياع و قبل ان يصل اليه صرخت الطفله به فركض باتجاهها و هو يصرخ ألما على موت زوجته ثم صعد بصغيرته لسيارته محاولا الهرب بها و لكن لحق بهم ذلك الرجل دافعا بخنجره لعجله السياره ليحتضن الاب طفلته قبل ان تدور السياره عده مرات محدثه صريرا عاليا ليصيب زجاجها وجه الاب و ظهره بينما تصرخ الصغيره بين يديه حتى اقترب صاحب الوجه المشوه منهم طاعنا ظهر الاب الذى جاهد ليحمى ابنته و لكنه فشل.

اقتربت جنه من عاصم و هى تتوه في اللاوعى هى الاخرى لاحداث مشابه، موت والدتها بسببها، ذهاب والدها لقبر والدتها كل ليله، بكاءه، صراخه باسمها، نظراته المقتوله، روحه المهلكه، تذكرت عدم شعوره بمن حوله عندما يحتضن صورتها بين يديه، ليضرب عقلها صوت صراخه باسمها يوم الحادث، جسده الذى ضمها اليه لحمايتها، صرير عجلات السياره الذى اصم اذنها، تأوهات والدها، اصابته، دماءه، وجهه المهلك و اخيرا ابتسامته الهادئه ثم فقدانها الوعى لتستيقظ على واقع فقدانه، بسببها.

فصرخت و هو بعالم غير الحالى: لا اصحى، متسبنيش، انا مش عاوزه افضل لوحدى، فتح عينك يا بابا،.

نظر اليها عاقدا ما بين حاجبيه بحده و هو يشعر بارتجافه جسدها إثر التصاقها به فأخفض ذراعه من على حرف الاريكه ليحاوط كتفها و بمجرد ان لمس كتفها رفعت هي يدها بسرعه ممسكه يده لتجذبها عليها بشكل اكبر كأنها تحتمي به و يدها الاخري وضعتها على فخذه لتضرب عليه بخفه لتعاود صراخها و انفاسها متلاحقه بشكل اقلقه: بابا، انا محتاجه لك جنبى، متسبنيش يا بابا.

انتفض معتدلا ليحاوطها بقوه و هو يتذكر يوم ان غابت عن الوعى بسيارته فحاول الضغط على جسدها بألم ليجذبها من براثن الماضى الذى لا يعرف ماذا اوصلها اليه الان، ليته لم يعبث، لماذا كلما يحاول حل الامور يعقدها، ألم اماكن متفرقه من جسدها حتى اصدرت تأوهات و بدأت انفاسها تهدأ رويدا و ان كانت لم تهدأ تماما فظل يمسد ظهرها و هى تمرغ وجهها في ملابسه حتى شعر بدموعها تلهب صدره رغم برودتها فهمس بجوار اذنها بحنان و ندم: اهدي يا جنه خلاص انا طفيت التليفزيون، اهدى.

ضغط يده على جسدها و إيلامه لاماكن متفرقه منه انقذها حقا من الدخول في خضم وجع لم تكن لتخرج منه بسهوله، شعرت بشفتاه تستقر على جبهتها و يده تمسد ظهرها بنعومه و يده الاخري تحتضن كفها الموضوع على فخذه.
نبضات قلب، صدر يعلو و يهبط، صوت حشرجه الانفاس و ذقنه القصيره تداعب جبهتها.
لحظه، تركيز، تفكير، استيعاب، دهشه و وصول لحقيقه الوضع الحالى هى بحضنه.

وصلها همسه القلق مره اخري ليأكد احساسها: جنه خلاص اهدي محصلش حاجه.
بينما اشتدت قبضته على يدها و وصلت يده لخصرها صاعده للاعلي مجددا مرات متتاليه.

لتنتفض مبتعده عنه كمن لدغتها افعى و لم تكتفى بهذا فقط بل نهضت واقفه و هى تلومه بنظراتها لانه تسبب في اعادتها لاسوء كوابيسها و صرخت بعصبيه غير مبرره متناسيه وضعها، خوفها او حتى انها تفعل اسوء ما يُطلق مارد ابن الحصرى المجنون: انت ازاي تسمح لنفسك تلمسني كده، انت اتجننت، ا..

اشتعلت عيناه بالجحيم ناهضا بسرعه منقضا على ذراعها بقوه فانقطعت كلماتها و عينها تنبض بخوفها متسعه برعب من هيئته التى تحولت من حال الى حال تماما و قال بصوت يشبه الرعد في قوته زلزل كيانها لترتجف بين ذراعيه: انتِ اللى اتجننتِ و نسيتِ نفسك، نسيتِ انك مجرد واحده في بيتي و تحت طوعي و على اسمى،.

ضغط ذراعها حتى كادت اظافره تخترق لحم جسدها فانكمش وجهها بألم و لمعت عينها بالدموع و لكن ها هنا لم يرى و لم يعرف سوى ان صوتها ارتفع بل و اهانته تقريبا فصرخ بتحذير و تهديد صريح ارعبها: و عندى مفيش مخلوق صوته يعلى قدامى ابدا و ان اتكررت تاني ماتلوميش غير نفسك لانى وقتها هقطعلك لسانك،.

ثم نظر لجسدها من اعلى لاسفل بنظره كادت توقف قلبها من مدى جرأتها التى وصلت حد الوقاحه و الذى اتبعها بحديث اكثر جرأه: اما بالنسبه لاني المسك، فا دا حقى يا قطه و لو عاوز اخده هخده برضاكِ او غصب عنك و محدش يقدر يلومني لا انتِ و لا اهلك كلهم، لكن انا صابر عليكِ بمزاجي، فا فكري ميت مره قبل ما تقفي في وشي تاني لاني و ربي ان اتجننت عليكِ ما هرحمك و وقتها هتشوفي مني وش مش بس هتكرهيه او تكرهينى لا انت هتكرهي نفسك قبلها،.

ثم انهى حديثه بأخر كلماته قوه و تحذير صارم: و انا صبري عليكِ بدأ ينفذ، اتقِ شرى يا بنت الالفى و بلاش تخليني اقلب عليكِ احسنلك.
دفع ذراعها بقوه جعلتها تسقط على الاريكه خلفها و جسدها كله ينتفض خوفا.
هذا هو ابن الحصرى الذى تعرفه، مغرور متعجرف و قاسى القلب.
ألم يشعر للحظه انها فجرت خوفها بغضبها!
ألم يتبين انها كانت بحاجه لحضنه حقا و لكنها كابرت فهو السبب بما وصلت اليه!

ألم يكن يستطيع تحمل عصبيتها ليمنحها أمان ستفقده طوال الليل من شده خوفها!
كتمت فمها بيدها و هى تعتدل جالسه على الاريكه ترفع ركبتيها لصدرها لتحاوط نفسها بذارعيها و تدفن وجهها بين ركبتيها تبكى عجزها، خوفها و يتمها.
لمن تلجأ الان، من يتحملها و يحمل من قلبها عجزه، من يساندها و يزيل عن صدرها ثقله، من يفهمها و يفهم انها تخشى كوابيس ليلها، و بعد ما صار، ما فعلت و ما قال كيف تثق به و تلجأ اليه!

ازداد كتمها لدموعها بين ثنايا ثيابها و عقلها يستعيد ما رأته الان و ما عاشته في الماضى، و هى تعترف ان اقصى ما تحتاجه الان هو تنازله عن غروره قليلا لتحتمى بصدره أفلا يمكنه فعل هذا و لو لمره واحده من اجلها!
نظرت لغرفته برؤيه مشوشه، خوف قتلها، عجز اضعفها و هى تدرك انه ابدا لن يفعل.

وقف يأخذ انفاسه بقوه، صدره يعلو و يهبط بعنف شديد، عيناه بها نيران تكفي لحرق الجميع و لكنها لا تحرق غيره، كلماتها اللاذعه تجعله يجن، يفقد عقله.
هو لا يرغب في اظهار شيطانه امامها و لكنها تجعله يُظهره عليها،
فمهما حاول هي لا تتركه يصبح ملاكا ليفوز بجنتها.
بماذا ترغب هي؟
أجُنت لتقول ما قالت!
انتفض قلبه لاجلها، حاول بثها الامان، فقط ساعدها و هذا ما يحصل عليه!
فالتذهب و حبه للجحيم.

لجأت اليه فماذا يجب ان يفعل لينال رضا الاميره!
يرفع يده عنها لاعلي كطفل معاقب لانه لا يجب ان يمسها!
هى كنز و جوهره غاليه و مدنس مثله لا يليق به لمس سموها!
فقط فالتذهب للجحيم فلم تخلق بعد من تُضعفه، لم تخلق بعد من تهينه و ان فعلت لن تنال سوى قسوته و غضبه، اخافها هذا، احزنها او دفع بقلبها لكرهه لا فارق.
فقط سحقا لها، سحقا لمشاعره و سحقا لكل شئ.

من اين يأتيه النوم و هو يستمع لصوت أنينها المكتوم!
من أين يعرف راحه البال و هو مدرك تماما انها خائفه الان!
اقترب اذان الفجر و هى مازالت مستيقظه، ضوء المنزل كله مضاء و كأنها تخشى الظلام.
مازالت كلماتها تحرقه، نظراتها النافره تضرب صفحه غروره بعنف لتشتعل براكين صدره غضبا سيحرقها.

و رغم ذلك هو السبب فيما صار، اراد اقترابها منه برغبتها فاستعد للعبث قليلا و لكن نتيجه عبثه سيئه اشد السوء عليها و عليه ايضا.
خرج من الغرفه يتابعها من باب غرفتها المفتوح، تحتضن نفسها بجزع و دموعها تشاركها خوف قلبها، تتلفت يمينا و يسارا خشيه ان يفاجأها شيئا ما، ابسط الاصوات بالخارج تنفض جسدها نفضا مزقه.

استند برأسه على الحائط ضربا اياه بقبضته عده مرات حتى كادت عظام يده تتكسر و هو يعجز عن بثها الامان، لا تسمح له كرامته بالدخول اليها و ضمها مجددا و ان كان هذا هو الحل الامثل، و لا تسمح له رجولته بتركها تعانى بمفردها طوال الليل و ان كانت بعدما قالت له تستحق، و لا يسمح له حبه بالتفكير فقط يريد ضحكتها الان و ليحترق اى شئ اخر حتى ان كان هو.

استكان لحظات ثم تحرك عائدا لغرفته و قد قرر ما يجب عليه فعله دون ان يجرح كرامته، دون ان يتجاهل رجولته و دون ان يظلم حبه.
تداهمها هواجسها، لا يفارق عينها ما رأته و لا يغادر قلبها ما تشعر به مما عاشته، دموعها لا تتوقف، تحتاجه و تخشاه، تود الركض اليه للاحتماء به و تود الهرب بعيدا، بعيدا جدا عنه، خائفه و نادمه.
ربما تمادت قليلا، هو لم يخطئ بحقها و لكنها فرغت خوفها به.

عاندت لتخفى عنه خوفها و كانت هذه نتيجه عنادها.
ماذا فعل سوى انه حاول تهدئتها و بالفعل نجح.
اطمئنت عندما اقتربت منه، احتضانه لها، رائحته الرجوليه، نبضاته المتسارعه، صوته القلق، همساته المطمئنه و احتواء صدره لها.
و بماذا كافأته، صراخ، غضب و اهانه.
ازداد انهمار دموعها و هى تعتذر و لكنها حقا رغما عنها فعلت.

فشعور انها تحتمى بأكثر من تكرهه قاسى، شعور ان تلجأ لاكثر من أذاها قاسى و شعور ان تطمئن لمن أذلها من قبل قاسى.
فما اسوء من شعوره شعورها و اقسى من حزنه حزنها و لكنه لا يفهم و لا يريد ان يفهم و لن يستطيع ابدا فهمها.

ضمت نفسها بقوه اكبر حتى تسلل ذلك الصوت إلى اذنها لتسري رعشه في جسدها و تنهض بخطوات بطيئه و هي تنظر حولها بتوجس حتى خرجت من غرفتها لتجد باب غرفته مفتوح قليلا جالس على الارض و بيده كتاب الله يقرأ منه بذلك الصوت الخاشع و الوجل و نغمه صوته تسرى بجسدها ليمنحها سكينه مهوله و راحه قلب لم تألفها من قبل.

جلست أرضا هى الاخرى مستنده بظهرها على الحائط الفاصل بين الغرفتين و ضمت ركبتيها لصدرها و أراحت رأسها على الجدار تاركه لجفنيها العنان ليلتقيا و هى تستمع لصوته بتلك الايات.
بسم الله الرحمن الرحيم.

آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ .

صدق الله العظيم
انهى قراءته بعدما تأكد من اختفاء صوت بكاءها، نهض متحركا بهدوء باتجاه الباب و فتحه ببطء ليُفاجئ بها ارضا، ابتسم بحنان منحنيا امامها ينظر اليها باعتذار حملته عيناه و قلبه و صرخ به حبه لها.
يدها تضم ركبتيها لصدرها بقوه، رأسها على الحائط مائله قليلا، اثار الدموع ظاهره على وجهها بوضوح و انفاسها المنتظمه دلاله على انها نائمه.

رفع يده راغبا بملامسه وجنتها لازاله ما علق بها من الدموع، يرغب بالتعطر بنعومه بشرتها، و لكن صدي صوته و هو يعدها بعدم الاقتراب منها دون رغبتها جعله يقبض يده في الهواء قبل ان تلمسها.
جلس امامها يتابع حركه انفاسها و صدرها الذي يعلو و يهبط بهدوء.
رقيقه جدا لكنها اكثر النساء شراسه بحياته.
ناعمه جدا لكنها الاكثر تمرداً بتاريخه كله.
هادئه للغايه و لكنها اكثر الصاخبين و اكبر العابثين به.

لا تفعل شئ و رغم ذلك تفعل به ما لم يجرأ احد عليه من قبل.
و رغم عدم ادراكها تقلب كيانه رأساً على عقب، فماذا ان ادركت؟!
و بدون قصدٍ تأثر بكل سكناته قبل حركاته، فكيف ان كان عن قصد؟!
هى مهلكه اُرسلت اليه لتهلكه، عابثه هدفها هو تشتيته، هى امرأه خُلقت لتسكنه.
فبئس قلبه الذى اختار حب إمرأه لا تتفنن سوي في تحطيمه.
و لكن هل له على قلبه من سلطه!

قلبه خُلق ليتوه بين حبه لها و عذابه بها، و عقله خُلق ليعيش صراع هو أسوء كوابيسه!

انهت صلاتها و نهضت و قد قررت ان تقلد جنه في امر متابعتها لشروق الشمس كل يوم عقب الصلاه، وقفت خلف زجاج نافذتها تنظر لذلك الخيط الابيض الذى اقتحم سواد الليل معلنا عن بدايه يوما جديدا، بأمل جديد، و فرص جديده.
ربما سيأتى يوما ليشرق نهار حياتها بعد ما اقحمت نفسها به بعتمه تفكيرها، سواد غيرتها و ليل حزنها.

ارتفع رنين هاتفها فعقدت حاجبيها متعجبه فمن ذا الذى يهاتفها بمثل هذا الوقت من الصباح و بمجرد ان رأت اسمه على شاشه هاتفها فتحت الاتصال مسرعه ليصلها صوته يلهث و هو يلتقط انفاسه بصعوبه ممتزجه بضحكه و نبره مشرقه: السلام عليكم، صباح الهنا يا قمرى.
ازداد تعجبها و لكنها ابتسمت مجيبه اياه و توالت أسألتها على رأسه كحبات أرز متتاليه: و عليكم السلام، خير يا فارس؟ و مال صوتك؟ انت بتنهج كده ليه؟

ضحك مقاطعا اياها: طيب اهدى عليا شويه، طيب واحده واحده مابلاش كل ده يجى مره واحده هتجنن كده.
ارتفعت ضحكاتها فأردف بتوضيح مرح: خير يا فارس؟ فهو خير متقلقيش، مال صوتي؟ كنت بجرى علشان الحق، بنهج ليه؟ لاني جاى لكِ جرى، افتحي الباب بقى.
اتسعت عينها بدهشه هاتفه بحده: باب ايه يا مجنون! و جاي فين؟ انت عارف الساعه كام!

بنفس النبره المتلاعبه اجابها: باب ايه؟ باب بيتكم يا عنيا، جاي فين؟ جاي عندكم، الساعه كام؟ فا احنا الفجر، و اخلصي افتحي الباب قبل ما نتمسك.
تأكدت بتعجب مترقب: انت قدام الباب بجد؟!
بصراخ مصطنع: افتحى الباب يا حنيييييين.

خرجت حنين من الغرفه مسرعه تهبط درجات السلم درجتين درجتين غير منتبهه انها بمنامتها و شعرها الاسود يلاحقها، فتحت الباب بهدوء ليطالعها وجهه الضاحك و نظراته المشاغبه التى تجمدت عليها فور رؤيتها بينما تهمس هى بغضب مصطنع: ايه اللي جابك دلوقتى يا مجنون؟

شملتها نظراته من اعلى لاسفل و عيناه تستكشف كل انش من جسدها باستمتاع و رغبه، زوجته آيه من الجمال ربما ليست جميله الجميلات و لكن بعينيه هى اجمل نساء الارض، شعر حالك كسواد الليل، عيناها الرماديه التى لمعت بابتسامه فور رؤيته، ملامحها الدقيقه، جسدها الصغير الذى احتضنته منامتها الحريريه باللون الابيض بنعومه، جعلته يهمس بهيام تائه تماما في عينيها و تفاصيلها الذى زلزلت رجولته رغما عنه: دا انا هاجى كل يوم، دا انا مش همشى من هنا اصلا.

لم تنتبه هى لكل هذا فدفعته بكتفه ليخرج هامسه بغيظ: بابا زمانه جاى يا فارس مينفعش يشوفك هنا دلوقتى.
امسك يدها التى تدفعه دافعا هو اياها للداخل ليدلف خلفها متمتما بخبث: انا جوزك على فكره و حتى لو باباكِ شافني مش مشكله خالص.
جذبت يدها منه و لكنه لم يتركها و هى تنظر حولها بتوجس كأنها ترتكب جنايه: مينفعش يا فارس امشي و بلاش تحرجني قدام بابا الله يخليك، امشي بقى.

اطلق صفيرا معجبا متجاهلا حديثها و هو يعود للخلف قليلا دافعا اياها للخلف هى الاخرى و ما زال ممسكا بيدها غامزا اياها باغراء: حلو الابيض ده!
حنين ببلاهه تسائلت: ابيض ايه؟
فأشار لها بعينه على منامتها رافعا حاجبيه لاعلى بمكر فنظرت لنفسها ثم شهقت مستوعبه حالها: يا نهاااااار ابيض...
فصاح بمرح: ابيض قووووووووى، يا بركه دعاكِ يا اما.

جذبت يدها منه بعنف و حاولت الركض من امامه و لكنه امسك يدها ضاحكا قائلا: تعالي بس هقولك.
توردت و جنتها بحياء و همت بنهره مجددا فأضاف منهيا ارتباكها هذا بغمزه مشاغبه: خلاص همشي بس اخد بوسه الاول.

اتسعت عينها بصدمه من جرأته ثم اخفت وجهها خجلا بيدها فانطلقت ضحكاته و لكنها ابعدت يدها عن وجهها هاتفه بجزع و هى تستمع لاغلاق البوابه الخارجيه دلاله على حضور والدها فهتف و هى تضرب كتفه بغيظ: بابا جه يا فارس بابا جه.
ضحك بصوت عالى هاتفا: انا جوزك و ربنا يا هبله.
ضربت كتفه مره اخرى و هى تهمس: هششششش، مش عاوزاه يشوفك، لازم تستخبى.

اخذت تنظر يمينا ويسارا لا تدري اين تخبئه و فارس يحاول اقناعها انه ليس لصا بل زوجها و لكنها لم تستمع اليه و اتجهت به للمطبخ و اخذت تبحث بعينها عن مكان مناسب حتى استقرت اخيرا فاتحه باب الثلاجه جاعله اياها يجلس خلفه و هى واقفه امامه و الهواء البارد يلفحها و يلفحه،.

دلف عز وجد الباب مفتوحا ثم استمع لحركه بالمطبخ فاتجه اليه وجد حنين تقف امام الثلاجه فاتحه بابها و لمح حذاء فارس من اسفله فحاول تمالك ضحكته: صباح الخير يا حنين، بتعملى ايه؟
بارتباك اجابته: صباح النور يا بابا،
ثم تلعثمت مرتبكه و فارس يلتقط كفها يقبله فخرجت كلماتها مفككه: انا، بعمل، قصدى، بجيب، سيب، لا اقصد، ايدى، قصدي يعني، بشر، بشرب..

زفرت بقوه و انفاسها تتسارع توترا مردده بحسره و فارس يتابع تقبيل كفها: عاوزه اشرب.
جاهد عز ليُمسك ضحكته و كذلك فارس الذي كادت ضحكاته تهرب منه و لكنه لم يكف عما يفعل مستمتعا بارتباكها حتى تسائل عز مجددا: طيب هتفضلي فاتحه الثلاجه كده؟

هربت الدماء من وجهها و انفاسها تتوقف مع حركه اصابع فارس على اصابع قدمها صعودا لركبتها و كرر الامر عده مرات فتيبس جسدها كله و هى تضغط بكفها على باب الثلاجه مجيبه والدها بصوت بالكاد يخرج و الغيظ يفتك بها: هقتله.
ضحك عز مرددا بتعجب: هو مين ده؟
هزت حنين رأسها بقوه و هى تحاول سحب قدمها من اسفل يده ذلك الاحمق الذى يستمتع بتلعثمها و صححت لوالدها مسرعه: اقصد هقفله، هقفله.

تابع عز و فارس حركاتها البهلوانيه لتهرب من مرمى يده فاكتفى عز بهذا الحد و تركها قائلا بخبث: طيب اشربي بسرعه و اقفلي باب الثلاجه في ناس هتتعب كده.
ثم خرج و هو يضحك بينما انفجر فارس ضاحكا فيما جلست هى ارضا تكاد تمووت خجلا، فردد بشغب: دا انتِ خفيفه قوى.
اغلق باب الثلاجه و جلس بجوارها متمتما و قد عاد لطبعه الهادئ: انتِ عارفه اني بحبك، صح!

اومأت برأسها موافقه و وجنتها تخبره بوضوح عن كسوفها فاحتضنتها عيناه البنيه بنظرات حانيه و هو يردف: انا قبل ما اجى كنت بصلي مع عمي عز و استأذنته اني اجي اشوفك لاني مسافر حالا و لو كنت استنيت للصبح مكنتش هلحق اشوفك قبل ما اسافر و انا مش عارف لسه هرجع امتي، فقولت اجى خطف كده اشوفك و امشى.
حدقت به بحزن فأمسك يدها مردفا: انا عمرى ما هعمل حاجه تقلل منك او غلط في حقك، عاوزك تبقى متأكده من كده.

و حزنها كان لسببا اخر وضحته و عينها تلمع باشتياقها من الان: هتسافر!
احتضن وجنتيها بكفيه موافقا برأسه مردفا: عارف انك هتزعلي مني علشان مقولتش ليكِ بدري بس انتِ بقالك يومين مش مظبوطه و انا محبتش ازعلك، متزعليش منى.

ازدادت دموعها لتتساقط على مرآي منه فرفع اصبعه يزيلها و بعينه نظره عتاب لمعرفتها مدى كرهه لرؤيه دموعها و خاصه ان كان هو السبب بها: متعيطيش يا حنين، و الله مش هتأخر هخلص شغلي قوام قوام و هرجع و هكلمك كل يوم و مش هتحسي بغيابي خالص اتفقنا.
رفع يده ليضم كتفها لصدره لتسند رأسها على كتفه قائله ببكاء محذره: ان نسيت تكلمني هزعل منك و مش هكلمك تاني و لو اتأخرت عليا يا فارس مش هتشوفني لما ترجع.

زاد من ضمه لها مشاغبا: متأكده انك كده هتبقي بتعاقبيني انا!
رفعت يدها لتشد على قميصه و دموعها تزداد فهو معه حق..
ان لم يهاتفها ستهاتفه هي، ان تأخر عليها بمجرد عودته ستهرع اليه.
فعاشقها يدري مكانته بقلبها جيدا.
تحركت معه للخارج تودعه امام باب منزلهم فضمها مجددا طابعا قبله على جبهتها متمتما بمرح: الفتره اللي قعدتها في الثلاجه جددت صلاحيتى، ألحق اروح و اجى بسرعه قبل ما تنتهى الصلاحيه بقى.

ضحكت و هى تلكزه بكتفه خجلا فاتسعت ابتسامته مودعا اياها و رحل.
راقب عز ركضها فرحا للاعلى و قلبه يدعو لها بالسعاده الدائمه، و لكن رغما عنه يشعر بالقلق يسيطر عليه.
رؤيته لتعلق ابنته بزوجها و تعلق زوجها بها يزيده قلقا، ادراكه لحب ابنته لزوجها و حب زوجها لها يزيده خوفا، معرفته ان وجود كلا منهما في حياه الاخر يقابله حياتهم يزيده رعبا.

ابنته ضعيفه و لن تتحمل و فارس شاب جموحه يحركه و ما يُخبأه القدر ربما يكون اقسى و اقوى و اصعب بكثير مما يتوقعا او حتى يتوقع هو.
فالعبره لم تكن ابدا بالبدايات بل دائما بالنهايات.
و ما هى نهايتهم فقط لا يدرى!

ايه الاخبار عندك؟
هتف بها عبد الحميد و هو يتحدث مع ذلك الذى وكله بمراقبه بيت عائله الحصرى بالقاهره، و الذى بدأ بسرد تفاصيل ما حدث في الايام القليله السابقه، خروج جنه، القلق الذى اصاب الجميع يومها، خروج عاصم خلفها، عدم عوده كلا منهما حتى الان ثم اضاف ما اثار غضب عبد الحميد و هو دخول و خروج فارس المتتالى لمنزل الحصرى و معرفته بعدها بزواجه من الابنه الصغيره.

هرج، مرج، صراخ و توعد لابنته و زوجها متوجسا مما سيقدم عليه كلا من كبير عائله الحصرى و كبير عائله الشرقاوى، فالعداء الحقيقى بينهم و ما اسوءه من عداء سيُعيد فتح دفاتر الماضى و التى قد تحرق كل ما يصير بالحاضر و ربما تسرق المستقبل.

تنظر للمبنى بتوتر يراه بها لاول مره، تلك القويه التى تدهشه حقا بثباتها ها هى تتوتر، ابتسم يتابع زرقه عينها الشارده متمتا: نفسى افهم ليه قلقانه كده!
استدارت هبه مسرعه ليغرق في بحر عينيها التائه قليلا قبل ان تتحدث بارتباك كان محببا لنفسه: انت مش شايف ان مقابله والدتك لاول مره و احنا بقالنا شعور مكتوب كتابنا حاجه تقلق!

اختفت ابتسامته متذكرا سؤالها المعتاد عن والدته التى تجاهلت حفل خطبته و حفل عقد قرانه و أتت فقط عندما عرفت عن وجود أولاد ماجد الالفى فأى أم هذه بحق الله، تجاهل كل هذا مجيبا اياها بلامبالاه: متقلقيش يا فلتى، ثم يعنى فين هبه القويه اللى محدش يقدر عليها، ماما مبتحبش الناس المهزوزه على فكره.

اخذت نفس عميق ثم دقائق بعدها و كانت تقف معه امام شقه والدته و التى تبعد مسافه كبيره عن عش الزوجيه المستقبلى، طرقات على الباب، لحظات انتظار ثم انفتاح الباب و صدمه.

فتاه في ريعان شبابها تتميز بجمال صارخ، عينان باللون الفيروزي الصافى، بشره بيضاء بحمره طبيعيه غزت وجنتيها، ملامح صغيره و رقيقه، شعر أشقر، جسد ممشوق مع قامه طويله، ترتدى ملابس بيتيه باللون السكرى اضفت على نضارتها نضاره و ابتسامتها الرائعه تزين ثغرها، باختصار تحفه فنيه جعلت هبه تكاد تقبل الارض من فرط صدمتها و اعجابها.

تجمد معتز لثانيه و في التاليه كانت تلك الحوريه بين يديه يحملها ليدور بها عده مرات و لاول مره ترى هبه ضحكته الواسعه و التى لا تزين شفتيه فقط بل استقرت بعينه معلنه عن مدى حبه، تعلقه و سعادته لرؤيتها و التى ادركت هويتها عندما صرخ معتز باسمها بلهفه: مهااااااا
حسنا تعرف هويتها، سعيده لسعادته و لكنها تموت غيظا و شعور بالغيره يقتلها لان غيرها تعد اكبر اسباب سعادته.

ضربت مها كتف معتز عده مرات ليتوقف و ابتسامتها تتسع بشكل منحها جمالا فائقا، أنزلها معتز محتضنا اياها مجددا و لكن بهدوء معبرا عن مدى اشتياقه فلقد مر على اخر مره رأها بها ما يقارب سبع سنوات ثم ابتعد ناظرا اليها و قبل ان يتحدث اشارت مها بعينها لهبه بعتاب فاستدار مسرعا مبتسما بفرحه عارمه مشيرا على مها قائلا بفخر ملأ روحه قبل صوته: دى بقى يا فله مها، اختى الكبيره و امى التانيه و سبب سعادتى في الدنيا كلها.

تجاهلت هبه الغصه التى اصابت قلبها اثر وصفه لمها موضحا لها انها لم تصل بعد لان تكون احد اهم الاشخاص بحياته، و استعادت ثباتها و قوتها هاتفه بمرح: انتِ اخته بجد!
و واضح و ضوح الشمس مزاحها و لكن جاءت الاجابه من الداخل بصوت قاسى مشبع بضيق خفى: بتشككِ في الموضوع و لا حاجه؟

اغلق معتز عينه يتمالك اعصابه فهو يدرك ان هذه المقابله لن تمر بسلام و لكن لن يسمح لوالدته التى لم تأبه حتى بمشاركته فرحته ان تُحزن من اختارها شريكه لعمره الباقى، استدار الجميع ناظرا لها بينما اجابتها هبه بابتسامه واثقه و هى تتقدم باتجاهها: لا طبعا يا طنط انا بهزر.

عادت نجلاء خطوه للخلف في اشاره منها لعدم رغبتها باقتراب هبه منها فتوقفت هبه و هى تلاحظ الامر و الذى امتد لان تشملها نجلاء بنظرات استحقار من اعلى لاسفل مع ليه شفاه مستهزأه و هى تردد بسخريه: مبحبش الهزار.
و تركتهم متحركه للداخل فاقترب معتز من هبه ممسكا يدها في اشاره منه انه يساندها و لكنها فاجأته بابتسامه واثقه و هزه رأس بسيطه تخبره انها ستتولى الامر.

جلس الجميع، حديث سريع ثم تعريف مفصل من معتز يخص شقيقته: مها بقى نسخه طبق الاصل من جده والدى، كانت امريكيه، كانوا عايشين في امريكا لحد ما والدى كان جاى مصر في فوج سياحى و حصل بينه و بين والدتى كذا موقف و من هنا الصناره غمزت، جات مها محتفظه بالعرق الامريكى و انا مصرى اصيل.
ابتسمت هبه بينما اصدرت نجلاء صوت ساخر جذب انتباه الجميع لها و هى تهتف بنزق: هنفضل نتكلم عن الحلوه و ابوها كتير.

طئطئت مها رأسها حزنا فإن كانت نجلاء تكره العالم اجمع فكرهها لمها يختلف تماما، فليس هناك من أمٍ تكره ابنائها و لكنها بحق بحق لا تحبها اطلاقا، ربما لان مها تمسكت بالبقاء مع والدها و ربما لاسباب اخرى حقا لا تعرف،
نظرت هبه لمها ممسكه بيدها و ابتسامتها تتسع متحدثه بود حقيقى: عندك حق تفضلى في امريكا انتِ هنا خطر على المصريين.

ثم اضافت بمرح و هى تشير على نفسها: و انا اللى كنت بقول على نفسى حلوه بعنيا الزرقا دى، اثبتِ لى انى تقليد يا مها.
اتسعت ابتسامه مها و هى تشعر بود متبادل تجاهها بينما قهقه معتز مضيفا: طيب انا لا عندى عين زرقا و لا عرق امريكى انتحر و اخلص و لا اعمل ايه بالظبط!
قهقهت هبه ومها التى طالعتها هبه بتعجب من ضحكتها المكتومه ثم نهضت مسرعه مشيره اليه بيدها و اختفت من امامهم بالداخل.

فنظر معتز لنجلاء بضيق يلومها قائلا: ليه كده يا ماما، ليه بتتعمدى تضايقيها؟
اشاحت نجلاء بيدها بلامبالاه ساخره: خليها عايشه معاه بكره يرميها زى ما عمل معاك.
اضطربت انفاسه و هو يضم قبضته بقوه هاتفا بغضب: ماماااا من فضلك، بلاش تفتحى الموضوع دا تانى.
اشاحت نجلاء بوجهها عنه ثم نظرت شذرا لهبه التى تتابع الموقف بتعجب، هى تربت في منزل شبه مفكك.

الام تعد الطعام، تهتم بالمنزل، تلبى احتياجاتهم كأى زوجه مصريه و ربه منزل عاديه، دون تفكير في كيف تمنح عاطفتها السخيه لاطفالها، الاب يعمل طوال اليوم ليجنى المال، يُصدر الحكم الاول و الاخير، يمنع، يطلب، يأمر و يصرخ و في الليل جلسه راحه مع اصدقاءه ثم النوم، هى و شقيقها توأم متحد، يحبها و تحبه، يخاف عليها و تخاف عليه، تهتم به و يهتم بها، هو لها الاب و الاخ، و هى له الام و الاخت.

اجل كانت اسره عاديه و لكن ابدا لم تكن والدتها بمثل هذا الجفاء، لم يكن والدها بمثل هذه اللامبالاه، كلما سألت معتز عن والده و سبب عدم وجوده تحجج بسفره، وكلما تسائلت عن والدته يتهرب من الاجابه.
و رغم تحفظ والديها على هذين الامرين عند تقدمه لزواجها إلا انه امام مكانته، امواله، هيئيته أى اب سيجد به عريس لقطه و فرصه لا تُعوض و كم كان هذا الامر لصالحها.

و لكنها لم تكن تدرك ابدا ان للامر ابعاد اخرى، اعمق بكثير مما تتوقع.
اعادها للواقع خطوات مها تقترب و هى تحمل بيدها صندوق صغير يحمل ماركه محلا ما على ما يبدو محل حلويات فصرخ معتز بسعاده بمجرد ان رأه: معقول منستيش؟
هزت رأسها نفيا فالتقط يدها مقبلا اياها بحب و جذبها لتجلس بجواره و هو يبدأ في حل ربطه الصندوق ل يلتهم بعدها الحلويات باستمتاع واضح.

راقبت هبه سعادته، علاقتهم قويه و مشاعرهم صادقه، معتز ما هو إلا انسان مشتت ضل عن طريقه و بحاجه ليدها لينهض مجددا، معتز هو الشخص الذى تراه الان، يمزح، يضحك، يشاكسها و يشاكس مها، يغطى على اى حوار لوالدته مما دفعها للنهوض تاركه اياهم و كأنها لا تتحمل ضحكاتهم، جنونه، حديثه و روحه التى تشعر انها تتعرف عليها لاول مره.
معتز شخصا مزيف مع الجميع و مها وحدها من تملك حقيقته.

بالبدايه تعجبت صمت مها، اشاراتها الغريبه التى لا تفهمها، و لكنها بالنهايه ادركت شيئا هام صدمها و هو ان مها، بكماااء.

وُلدت بضعف في الاحبال الصوتيه على الرغم من سلامه السمع، جاهد والدها ليعالجها و لكن مع تقدم العمر بها فقدت قدرتها على النطق تماما، لا يعيبها هذا الامر بل منحها ميزه خاصه بها، فا فقط و فقط من يحبها سيتعامل معها، من يرغب بقربها سيتعلم لغتها الصامته و اشاراتها السريعه و هذا اول ما عقدت هبه العزم على اتقانه قبل زفافها، فمها ليست فقط شقيقه زوجها التى ستكسبه كاملا ان كسبتها و لكنها ايضا فتاه تحمل من النقاء ما لم يعد موجود بالبشر و ابدا لن تخسر صديقه رائعه مثلها.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة