قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الخامس عشر

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الخامس عشر

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الخامس عشر

صباح يوم جديد، اغلقت النافذه بضحكه هادئه كعادتها دائما بعد القاء التحيه على والديها و مخاطبتهم بعد فجر كل يوم.
احكمت لف حجابها و هى تنظر لوجهها بالمرآه، هى مقيده بوجوده.
لا ترغب ابدا بالتحرر امامه او الاعتياد عليه،
مر يوم اخر عليهم هنا، لم يتحدث معها تقريبا و هى بالتأكيد لم تفعل، لا يحاول التقرب منها و صدقا تشكر صنيعه هذا.
و السؤال هنا كيف ببساطه تعتاد على وجوده بحياتها؟

هى ترغب برحيله، ترغب بالعيش في سلام، ترغب حقا بأن تعيش حياتها كيفما تشاء، ألا يحق لها؟
لكنها تعلم انه لن يتركها بسهوله، فليس هو الرجل الذي يترك زوجته لتعيش حسب اهوائها حتى و ان كان حقا لها و ربما كل حقوقها.
ماذا تفعل معه؟ و كيف تتعامل مع حياتها؟
أتستسلم كما اعتادت لحقيقه انه زوجها و تعيش كأى زوجه مطيعه لا تعرف شيئا سوي الاهتمام بالمنزل و براحه زوجها؟

أم تعترض على زواجها الذي يعد صفقه و يبدو انها خاسره لانها لا ترغب بالاعتراف بها من الاساس و تطلب الطلاق لتبدأ حياتها من جديد؟
هى ببساطه ترغب بتوضيح أمرا واحدا و هو انها تريد التنفس، ان تعرف معنى الحياه، تريد ان تعيش.
حُرمت غصبا من طفولتها، عاشت شبابها بين ضعف و انكسار و تسلط و طاعه، ليأتي الان متسلط اخر ليتحكم في بقيه حياتها، ألا يحق لها لمره واحده ألا تسمح بذلك!

ألا يحق لها ان تُكمل حمله تمردها و ترفض الخضوع مجددا!
ثم كيف لها باستسلام، و زوجها ابعد ما يكون عن الحب و الاهتمام، لا يعرف معني الحنان والتفاهم، لا يعرف سوي القاء الاوامر، التحكم و فرض الشروط.
كيف تستسلم و هو فقيرٌ في اكثر ما تحتاجه و كل ما تحتاجه!
ماذا تفعل!
هي لا تدري حتى ماذا تريد او ما هو شعورها!
خائفه؟
اجل، خائفه من الاقتراب، خائفه من وجودها معه، و اكثر ما يخفيها ان تشعر ببعض امانها بجواره.
جُنت؟

نعم، كل شعور و عكسه يجعلها تجن، كل رغبه و ضدها تجعلها مشتته لا تدري ما تريد،
ترفض وجوده و لكنه اول من تلجأ اليه، تنفر منه و لكنها تنتظر منه بعض الحنان، تخشى وجوده و تهرب منه و لكنها تطمأن و تثق به.
مختله؟
ربما، فهي تشعر بعدم اتزان يجتاحها، تشعر بخلل ما بها و لكن لا تدري ما هو! و لا تدري حتى كيف تتخلص منه!

تتجنب و تجنبها يؤذي، فهي عندما تخاف تجرح، عندما تهرب لا تبتعد هي و لكن تُبعده هو بكلماتها ذات النصال المؤلمه و لكنه يقتل محاولاتها في مهدها فعندما ثارت امامه اعطاها وعده و عندما خافت كان السند الذى لم تتردد لحظات باللجوء لحضنه.
لا تفهم كيف تخشاه و تأمن له في الوقت ذاته، هل لهذا من تبرير!
كيف يؤذيها، يُزيد جروحها و يمنحها ندوبا لا تُشفى و مع ذلك اطمئنت بين ذراعيه!

فاقت من شرودها على حركه بالخارج، نظره اخيره لنفسها بالمرآه ثم خروج لتجده يقف بالمطبخ يحاول العثور على امرا ما او ربما يرتب شيئا ما، تحيه هادئه ثم تسائل متعجب: انت بتعمل ايه؟
اغلق الدرج المفتوح امامه متمتما بلا مبالاه: مفيش.
امسك بكوب قهوته فعقدت حاجبيها متمتمه باستنكار: انت فطرت!
و ايضا بلا مبالاه تحرك للخارج تاركا اياها تُذهل بتصرفاته الغير مفهومه: مليش نفس.

يتحرك لباب المنزل ثم ادار المقبض فأسرعت اليه: انت خارج؟
و هنا استدار لها بحده صارخا و نبرته تحمل شيئا من الجديه و ربما الغضب: هو ايه استجواب على الصبح؟
تراجعت خطوه للخلف و هى تسب نفسها على سؤالها، خافت!
اجل خافت ان يرحل.
خافت ان يتركها بمفردها هنا.
و ما السبب لا تدرى!
لمعت عينها بخوفها متمتمه باعتذار مطأطأه رأسها: مش قصدي انا بس..

قاطعها بضيق و هو يرى ابريقها العسلى يغرق في وحله من جديد و هو يتنهد بعنف: هخرج اتمشى شويه و أهو بالمره اتفرج على المكان هنا.
و لم تصدقه فعاجلته: ممكن اجى معاك؟
و دقائق و كانت تسير بجواره تموج بعينها المكان من حولها متذكره ذكريات طفولتها ها هنا بينما يكتشف هو شيئا جديدا فمنذ صغره لم يرى حياه البسطاء هذه إلا مرات قليله في الصعيد.

تحيط الاشجار بهم من كل درب و صوب، اشخاص يجلسون على العشب امامهم طعام بسيط يأكلون سويا و الضحكه تُنير وجوههم، اطفال يلعبون الغميضه و تتعالي صرخاتهم المرحه لتملأ المكان فرحه، بعض الرجال يعملون بالارض ليتوقف احدهم عن العمل رافعا طرف جلبابه ليُزيل قطرات العرق التي غزت جبينه، و في وسط الاراضى بعض الماشيه تتحرك و خلفها يسير بعض الرجال.

كل شئ بسيط و لكن له طابع خاص، اشخاص لا يعرفون سوي كيف يعيشون حياه هادئه، الاب يبحث عن لقمه عيش لاولاده، الام تسعي لجعلها ألذ ما يأكلوه و الاطفال يستمتعون بها.
هنا الكل جنب إلى جنب مع الاخر، لا يعرفون حقد، لا كره، لا يبحثون عن اموال او مناصب، راحه البال، سعاده الاهل و كفى.
فرغم هدوء المكان و بساطه ناسه إلا انه يظل مميزا.

عبر عن اعجابه بما حوله استنشاقه لنفس طويل اختلطت به رائحه الارض الرطبه برائحه بعض الزهور من حوله متمتما باستمتاع: المكان هنا جميل جدا تحسى ان الهوا نضيف.

همهمت موافقه بتعجب و هى ترى استمتاعه الواضح بنبرته و تعليقه، اندمج مع الطبيعه من حوله قليلا ثم تذكر ما صار صباحا و اشعل غضبه فاستدار يقف امامها فحدقت به بريبه قليلا و بخوف تراجعت خطوتين راقب هو قدمها المتقهقره و كز اسنانه بغضب لهروبها و خوفها الدائم منه و لكنه تجاهل الامر هاتفا بجديه: انتِ تعرفي واحد اسمه عبد المنعم؟

و كأنه ذكرها الان به فهى في خضم ما صار فيما مضى من ايام لم تنتبه انها كانت تنوى البحث عنه و تمتمت مسرعه بضحكه تصاحب دائما اى ذكرى من ذكرياتها: اه طبعا، عمو عبده، صاحب بابا و المحامى بت...
توقفت ناظره اليه لبرهه ثم تسائلت باستغراب: انت تعرفه منين؟ و بتسأل ليه؟

زفر بضيق و غضب واضح عندما استرجع ما اخبره به ذلك الرجل و لكنها فسرت الامر بصوره خاطئه معتقده انه غضب من تسائلها، تجاوزها معه و انطلاقها في الحديث فتراجعت مسرعه متمتمه بأسف: أنا اسفه و الله ماقصدش.
رمقها بنظره حائره و سرعان ما استوعب سبب اعتذارها و اجابها على استفسارها دون ان يوضح سبب غضبه الحقيقى: عرف من الجيران انك هنا و حب يشوفك و لما لقاكِ نايمه قال هيجى وقت تانى.

لمعت عينها بفرحه: بجد، يعنى لسه عايش؟ كمان لسه فاكرنى و سأل عليا؟
صمت قليلا ثم أردف بتساؤل و هو يتذكر مجددا ما اخبره به عبد المنعم: انتِ تعرفي ايه سبب جواز باباكِ من كوثر الحديدي؟
اختفت ابتسامه جنه و لكن قبل ان تنطق ارتفع صوت صراخ على مقربه منهم، فالتفوا باتجاه الصوت سريعا، نيران مشتعله بأحد الاكواخ الصغيره، امرأه تقف تحاصرها النساء ليمنعوا حركتها بينما هي تصرخ بهلع: ابني جوا، سيبونى، ابنى جوا.

اجتمع الرجال و النساء من حولهم و ركض كلا من عاصم و جنه باتجاههم، صرخ عاصم و هو يندفع باتجاه الكوخ المشتعل: حد يجيب بطانيه بسرعه.

سرعان ما ركض احدهم و احضر له ما طلب, مجازفه و القى بنفسه للداخل تحيط به النيران و يخنقه الدخان من كل اتجاه، يسعل و صدره يضيق و لكن عيناه تبحث عن الصغير حتى رآه فاقدا لوعيه اسفل المنضده الوحيده بالكوخ كأنه كان يحتمى بها قبل ان يهاجمه الدخان ليفقده وعيه، حمله، وضع البطانيه حوله ثم دفع به خارج الطوخ و اندفع خلفه.

اقترب الواقفين منهم يحاول احدهم افاقه الصغير و الاخر يساعد عاصم لينهض و يطمئن عليه، شكر و امتنان، دعوه صادقه من الام و شكر حار من الواقفين، ثم تحرك تاركا اياهم باتجاه احد الرجال الذى كاد الاخرون يشتبكون معه.

تابعته جنه بعينها يتحدث مع الرجال قليلا ثم انفرد بأحدهم لحظات لم يكن الحديث ودياً و لكنه لم يكن عنيفاً ايضا، تراقب حركه يده و تعبيرات وجهه التي تلين حين و تحتد حين اخر، ينظر للرجل ثم ينظر حوله يشيح بيده، يقف بشموخ، يضع يده في جيب بنطاله تاره و تاره يرفعها ليمسح على وجهه ثم اخيرا ابتسم بهدوء و ربت على كتف الرجل متحركا باتجاهها بسط يده امامها و بدون تردد منها وضعت يدها بيده متحركه معه باتجاه المنزل.

تعاتب روحها، لماذا شعرت بقلبها هلعا لفكره اصابته بأذى؟
لماذا ودت لو تركض خلفه تمنعه؟
لماذا شعرت انها تكاد تفقد انفاسها و هو داخل تلك النيران؟
ثم تركت العتاب جانبا شاعره بالفخر لقوه زوجها و الذى لم يُفكر لحظات قبل ان يقدم معروفا لغيره.
تشعر بالسعاده لروحه المعطاءه دون قيد لدرجه تعريض حياته نفسها للخطر.

نظرت اليه بحنان فاجأها قبل ان يفاجأه و هو ينظر اليها مدركا تعلق عينها به، و يدها التى ضغطت يده و عبر عن ذلك متمتما: بتبصي لي كده ليه؟
ارتجفت عينها مشيحه بوجهها عنه فاتسعت ابتسامته لارتباكها و هى تحاول الهروب من الامر بشتيته: هو انت كنت بتتكلم مع الراجل في ايه؟
نظر اليها بطرف عينه ثم صمت قليلا و اجابها ببساطه رغم انها توقعت مراوغته: هو السبب في الحريقه، رمى عقب السيجاره جنب الكوخ فمسكت فيه.

ثم عاد لاحراجها متسائلا: انتِ قافشه فيا ليه كده؟
عقدت حاجبيها بتعجب و حيره عينها تترجمها لسانها: قافشه فيك! ازاى؟

توقف عن السير ليتحرك واقفا امامها رافعا يدها الممسكه بيده قابضه عليها بقوه و هى غير منتبهه للامر، فتضرحت وجنتها بالخجل و سحبت يدها مسرعه تفركها بتوتر بيدها الاخرى بينما هو يتابعها بابتسامه خبيثه و لكنه سرعان ما تذكر ما قال محامى و صديق والدها صباحا فتسائل بهدوء: ماجاوبتيش عليا، انتِ تعرفى سبب جواز باباكِ من كوثر؟

حملقت به قليلا و من حزنها الذى لون ابريق عسلها بوجعها جعل براكين غضبه تثور مهدده بحرق الجميع و كانت اول ما احترقت عندما تراجعت عنه خطوتين خائفه من نظرته التى شملتها بغضب لم يقصده، و حاولت الهروب مع انتفاضه بسيطه و هى تشير على المنزل الذى يبعد عده امتار عنهم و ركضت من امامه قائله: وصلنا.
ادرك هو هروبها و اغضبه هذا فا الى متى ستظل تهرب من مواجهه حقيقتها!

الى متى ستظل ضعيفه لا يسعها سوى تخط الامور دون محوها!
الى متى ستظل تسكن في كهوف الماضى مانعه هواء و نقاء الحاضر و نور المستقبل من معرفه الطريق اليها!
لكن لتظل كما تشاء هو سيحميها، هو سيواجه الامر، هو سيمحو كل شئ من طريقها هو و هو فقط من سينير حياتها شاءت أم أبت.

نفسا عميقا ثم خطوات سريعه للداخل طارقا بابها بهدوء و عندما استمع لاقترابها من الباب مهمهمه دون فتحه، زفر بقوه متحدثا بحده رغما عنه: اعملى حسابك و جهزى حاجاتك لاننا هنرجع البيت بكره.
لحظه و فتحت الباب واقفه امامه قائله بوجل رغم محاولتها لقول كلامها باستماته: انا مش عاوزه ارجع، انا مجتش هنا علشان امشي.

عقد ذراعيه امام صدره هاتفا بقوته و سيطرته المعتاده: انا قولت هنرجع بكره، شغلى مش هينتظر سيادتك لحد ما تبطلى دلع.
و مع نبرته، قوته، و امره تراجعت خطوتين تحفظا متمسكه بقرارها بقدر ما تستطيع هامسه بتوتر التقطه بسهوله: لو عاوز تمشى انت براحتك، لكن انا مش همشى من هنا.

التقط توترها مزيدا اياه عندما تقدم لداخل غرفتها الخطوتين فتراجعت مسرعه تخشى ما سيفعله فمال عليها مصرحا بتقرير لا يقبل النقاش: لمي هدومك علشان بكره الصبح هنتحرك، مش عاوز اتعامل معاكِ بالاسلوب التانى يا بنت الالفى.
ثم تحرك تاركا اياه مغلقا باب الغرفه لتنتفض هى مكانها تسبه من فرط نفورها، خوفها، كرهها و غرابه ما يحتاجها من تناقضات.

و بين كل المشقات التى يواجهها الشخص لا شئ أكثر عقابا من فعل الانتظار.
خالد حسينى
كل ساعه لا نصف ساعه بل كل دقيقه تنظر للهاتف تنتظر اتصاله، مر يومين منذ رحيله و حدثها بالامس مره و اليوم لم تسمع صوته حتى، تجاهد حتى لا تهاتفه و لكنها تفشل، اتصلت مره، مرتان، ثلاث و لكن لا رد.
أهذا هو وعده لها!
أهذا معنى انه لن يتركها تشتاق اليه!
أهذا هو حرصه على ألا تفتقده!

و بغض الطرف عن كل هذا، ماذا عن القلق الذى يكاد يفتك بها!
كان يحدثها اكثر من عشر مرات باليوم، يأتى مرتين و ربما اكثر لرؤيتها، يصطحبها للجامعه و يصطحبها منها، يفطر معها اياما و الاخرى يستمتع معها بسهره ساحره، لا يغيب عنها نصف يوم كامل منذ زواجهم و الان و بعد سفره لا تسمع صوته حتى لثلاث دقائق!
اى عمل هذا الذى يشغله عنها بهذا الشكل!

ألقت بالهاتف بعيدا حتى لا تكسره من فرط توترها و ألقت بجسدها على الفراش تحتضن وسادتها بقوه تفكر و تفكر، ثم نهضت جالسه بضيق تشد خصلاتها بغضب، حتى اوشكت على الصراخ خوفا، غضبا و انتظارا.
ارتفع رنين الهاتف بالنغمه المخصصه له فانتفضت عن الفراش تلتقطه بسرعه و فتحت الخط و رغم رغبتها بالصراخ به، السؤال عن احواله، الاطمئنان عليه و معاتبته، ألجمت كل هذا و حافظت على صمتها.
لحظات ثم اتاها صوته المنهك: انا اسف.

زفره حاره و تنهيده مسترخيه جعلتها تفقد كل افكارها الغاضبه و هتفت بقلق من صوته: مالك يا فارس؟
تهدج صوته و انفاسه المتعبه و هو يجيبها: جسمى مكسر و نفسى انااااااام.
اعتدلت بتركيز و هى تهتف بقلق اكبر: الف سلامه عليك، مالك بس يا حبيبى؟
و لانه قرر عدم اقلاقها اكثر و خاصه و هو بعيد عنها تمتم بصوت حاول جعله قويا: ارهاق شغل بس يا حبيبتى متقلقيش.

و صدقته، وصله عتاب قابلها هو باعتذار، اخرى للاطمئنان اجابها بهدوء يمنحها الامان، و الاخيره تصب جم غضبها عليه و جاهد هو ليتقبله متغاضيا عن ارهاق جسده من اصابته.
طرقٌ على باب غرفته تلاها دخول احدهم و بيده سلسله مفاتيحه متحدثا باعتذار واضح: مفتاح العربيه يا بشمهندس و احنا هنوديها للميكانيكي علشان الخبطه اللي فيها و الانسه كاميليا بتعتذر لحضرتك مره تانيه و بتتمني تكون بخير دلوقتى.

شهقت حنين بعدما استمعت لكلامه بينما اغمض فارس عينه زافرا بغضب فهو لم يشأ اخبارها، قال بغضب من بين اسنانه و هو يكاد يقذف الواقف امامه بالمزهريه بجواره: خلاص محصلش حاجه انا كويس،
رحل الرجل و صمت اطبق عليهم قليلا حتى صاحت حنين بنبره قويه تخالف طبعها الهادئ: فيك ايه يا فارس؟
هم بالاجابه نفيا مره اخرى و لكنها صرخت بغضب عاندها فيه بكاءها الذى لم تستطع كتمه: ماتكدبش عليا و قولى الحقيقه.

اخذ نفسا عميقا و استرخى بجسده اكثر على الفراش مغلقا عينه ناشدا بعض الراحه: عملت حادثه ب...
قاطعه صرختها و ارتفاع بكاءها فأردف و هو يفتقر لروح العناد و المحايله الان: حنين اهدى علشان خاطرى، و الله انا كويس، الموضوع بسيط صدقينى.
و بصوت متهدج همست باختناق: علشان كده مكنتش بترد عليا،
و ازداد بكائها و هى تشعر انها لن تطمئن سوى برؤيته، لمسه و حضنه هامسه برجاء: طمني بالله عليك.

كز اسنانه يسب ذلك الذى كان السبب بمعرفتها و هتف بصوت حاول جاهدا ليخرج متزنا قويا: انا والله العظيم كويس، الموضوع كان في لحظه يا حنين و بسيط و الله صدقينى يا حبيبتى انا زي الفل.
و غير مصدقه تمتمت بتحذير متهالك: فااارس.
بابتسامه متألمه مجاهدا أنين جسده: حبيبه فارس و الله كويس و بقيت احسن كتير لما سمعت صوتك.

حوار قصير، حاولت قطع الاتصال ليرتاح و لكنه رفض، اشتاق اليها، لحنانها، لحضنها و ضحكاتها، افتقد يومهم سويا، و اشتاق لمزاحهم معا.
هو لا يحبها و لكنه يهوى ضحكتها، لا يعشقها فقط و لكنه يهيم بحنيتها، هو بها و بها فقط، و لها و لها فقط.
و اثناء حديثهم اقتحمت سلمي الغرفه صارخه: حنيييييين، انا..
ثم قطعت حديثها واضعه يدها على فمها معتذره و همت بالرحيل و لكن حنين اوقفتها متمتمه: ثواني بس هشوف سلمي عاوزه ايه.

ثم نظرت لسلمي مبتسمه: خير يا لومى عاوزه ايه!
ابتسم فارس بالمقابل: سلميلي عليها.
تجاهلت حنين كلمته و هى تستمع لسلمى التى هتفت بعدم اكتراث: عن الشغل، خلصى مكالمتك و بعدين نتكلم.
ثم اشاحت بوجهها و خرجت زفرت حنين بقوه و هى تدخل في اسوء صراعتها ضراوه و بمجرد ان تحدثت اليه تسائل باستنكار: موصلتيش سلامي ليه يا مفتريه!
اجابت ببعض الجديه: عادى يعنى هى خرجت عالطول، و بعدين مش لازم تسلم عليها اصلا.

ضحك ناظرا للموضوع من منظور اخر و كم شكرت له هذا: حبيبتى بتغير عليا و لا ايه؟
و ضحكتها منحته الاجابه و رغم انها صادقه الا ان هناك ما لا يعرفه هو و مهما حدث لن يعرفه ابدا و لكنه عاد يهتف بجديه هو الاخر: هى كانت بتقول شغل و لا انا سمعت غلط!
اجابته ببساطه موضحه متوقعه رفضه المستنكر كما فعل معها: اه شغل، بتسعى في الموضوع جامد الفتره دى و بتحاول تقنع بابا رغم ان الرفض الاكبر هيبقى من عاصم.

همهم قليلا يفكر ثم اضاف و قد واتته فكره: هى مش سلمى مهندسه ديكور؟
وافقت حنين متعجبه فأضاف: في فكره كده ممكن تساعد في اقناع عمى و عاصم،
تسائلت بتعجب اكبر فأردف: مازن كان بيقول انهم حاليا بيدوروا على مهندس ديكور، سلمى باين عليها مجتهده و بتحب دراستها و شغلها معاهم هيفيدهم و يفيدها كتير، و بكده نوعا ما عمى و عاصم هيبقوا مطمنين عليها، بجد هتبقى فرصه هايله لها.

صمتت تفكر قليلا ثم اجابته و قد راقتها الفكره: فكره كويسه فعلا، ان شاء الله تقدر تقنع بابا و عاصم.
ثم اضافت باستنكار متمسكه بطرف خيط منحها هو اياه و هى تعود للحوار الذى انهاه سابقا دون ان ينهيه فعليا: بس انت يعنى ماعترضتش على شغل سلمى ليه بقى معترض على شغلى!
ضحكه مراوغه و هو يجيب: ايه اللى جاب دى لدى!

ثم اضاف بثقه تخبرها انه لن يوافق او يقتنع: انتِ مراتى، اوافق او ارفض اى حاجه تخصك، لكن سلمى مليش اقول اه او لأ في حياتها.
زمت شفتيها بضيق فهو صاحب مبدأ اذا لابد ألا يتجزأ متمتمه: بس انت كده مش حقانى و المفروض انك تسمحلى اعيش و اشوف و اجرب بنفسى مش بس تقول اه و لأ.

اغلق عينه و هنا استسلم لنداء جسده بالراحه متجنبا حوار اخر في أمر مرفوض تماما بالنسبه اليه: انا قولت قبل كده نخلص من السنه دى و بعدين نتكلم في الموضوع ده.
قاطعته هاتفه: بس...
قاطعها مجددا: انا تعبان و عاوز ارتاح يا حنين.

سلام مقتضب و اغلقت و هى مدركه تماما ان حوارها معه عقيم فيبدو انه اتخذ قراره في هذا الامر و صدقا ان خُيرت بين عملها و بينه ستختاره و لكن كم كانت تود حقا ان تصنع كيانها الذى يهدمه هو الان برفضه.

يراه الجميع بعين و تراه هى بالنقيض تماما.
طيب القلب، صريح، ما يحمله في قلبه يوضحه حديثه، يعاملها باحترام، تقدير و اهتمام، يسعى للقرب منها، و يمطرها بكلمات غزل تروى انوثتها.
لا يتخلى عن لقبه لها فله ، و دائما ما يخبرها انها نقيه مثلها في لونها، رائحتها و روعه شكلها.
هى فلته التى اضفت على حياته المعتمه شذى عطر يسحره.
هى المميزه بحياته و هو التائه حقا بها.
يمنحها شعور بالثقه، بالحنان و الحب.

و ما اجمل من الحب امتلاك قلب من تحب.
لم تفعل ذلك بعد و لكنها مدركه و واثقه انها حتما ستصل لقلبه بل لكل كيانه.
قاطع تحديقها به كالعاده بحديثه الهادئ: ايه رأيك في اهلى؟
ابتسمت بنقاء مس روحه و يتعجب هو هذا مجيبه اياه بثبات: مامتك اكيد مع الوقت هتتعود عليا و هتعود عليها، انما مها دى مينفعش معاها غير انها تتحب من اول نظره.

ابتسم لحديثها و تذكر سعيها في اتقان لغه الاشاره لتزداد تقربا من شقيقته و ساعدها في ذلك بسرور، ثم نظر للطريق من نافذه المطعم الذى يجلس به معها.
عادت تحدق به و بكل خلجات وجهه، شعره البنى، حاجباه المستقيمان، عيناه الثاقبه، انفه المستقيم بشموخ، انحناء شفتيه باغواء و بشرته الداكنه قليلا لتمنحه مظهر رجولى يطيح بقلبها فورا لقلبه، هو وسيم، نظرات الفتيات من حولها تؤكد ذلك و لكنها تراه بمنظور اخر.

ترى به رجلها، زوجها و مستقبلا اب لطفلها، ترى به طفلها.
تشعر بنفسها مسئوله عنه و مسئوله منه، تراه الجميع و فوق الجميع و اهم الجميع.
عاد ينظر اليها و هى تحملق به دون ان تُخفى ذلك، دون ان تفعله خلسه، و دون ان ترتبك حتى فابتسم على ثقتها الواضحه.

ما باله يرى بها اختلاف عمن كن بمحلها من قبل، فكم من مره جلس مع احداهن لتناول وجبه، كم من مره احتضنت كفه كف اخرى، و كم من مره القت شفتاه على مسامع غيرها آلاف كلمات الغزل و مئات العبارات الوقحه، و لكن بها هى اختلاف ما.
ربما لانها حلاله تختلف، ربما لانها وقوره تختلف و ربما لانها هبه تختلف.
شخصيه غريبه لا يستطيع فهمها.

اوقات يراها قويه جدا و ذات اراده اقوى من عشرات الرجال، أبيه عنيده في حبها له، يُعتمد عليها و أهلة للثقه.
و اوقات اخرى يراها ضعيفه تحتاج اهتمامه، خاضعه لسلطان قلبه و غزله، تستند عليه و تمنحه زمام امرها.
تحبه بل تعشقه و يمنحه ذلك غرور و ثقه منها لن تنتهى.
فاز هو بمن اراد، فمنذ متى يخسر هو شيئا يريده.

امرأه جميله مثلها، باهتمامها، بعشقها و حنانها تجعله فخورا بنفسه لانه استطاع الحصول عليها بكل بساطه و منتهى السهوله و دون حتى ان يبذل مجهودا صغيرا.
و افضل ما بالامر انه رغم مغامراته العديده فاز بنقيه مثلها كانت له فقط و كان لها اول الرجال و يبدو انها من النوع الذى ستجعله اخرهم.

قطع اتصالهم البصرى هذا بعدما اوشك على الغرق بين امواج بحرها العاتيه و تمتم بتذكر لما يريد معرفته: محمود ماله الفتره دى يا هبه؟
عقدت حاجبيها متعجبه ثم تسائلت بهدوء لتصل لمقصده: تقصد ايه؟ ماله؟
رفع حاجبيه موضحا: انتِ متعرفيش انه ساب الشغل، قدم استقالته امبارح.
اتسعت عيناها بدهشه: نعم! يعنى ايه قدم استقالته و ليه؟

حرك كتفه دلاله جهله موضحا بسخط: من يوم ما اتقدمت ليكِ و هو مش مظبوط، خايف منى عليكِ يا ستى.
ضمت قبضه يدها بضيق و هى تجيبه بثقه تعجبه بها و يتعجبها و لكنه يحاول الاعتياد عليها: انا مش محتاجه حد يخاف عليا، انا هعرف اصرف امور حياتى كويس بس مش فاهمه ايه اللى وصله يقدم استقالته!
و بسخريه تمتم: ابقى اسأليه.
و صمت اطبق عليهم مره اخرى غاضبه و متعجبه.

غاضبه من حزن زوجها و السبب شقيقها الاحمق الذى لا يستوعب حتى الان انها تستطيع تسيير امور حياتها كما تشاء.
و متعجبه من كونه يتخلى ببساطه عن وظيفته في شركه كهذه، لماذا فعل و كيف من الممكن ان يجد فرصه مثلها في مكان اخر ألا يملك عقل يُفكر به؟

مر الوقت، انتهت السهره، و توقف بسيارته اسفل البنايه التى تقطن بها فاستدارت له ممسكه بيده متمتمه بحنان لا يعرفه الا معها بعد شقيقته: ممكن متضايقش نفسك و لا تفكر في الموضوع، محمود مضايق انى هتجوز و اخرج من البيت، مش فكره يخاف منك، سيب الموضوع عليا و انا هتصرف اتفقنا.

كانت ممسكه يده بيدها تضعها على فخذها تضغطها بحنان اثار فيه امورا اخرى و يده الاخرى طاوعته لتمر على فخذها بهدوء محبب له مثيرا في نفسها رجفه طفيفه فانتفضت مبتعده عنه فرفع عينه اليها و الاعمى يرى نظراته المتطلبه و لكنها لم تفعل و كما يقولون مرايه الحب عميا ، ضمت يده الاخرى بيدها ثم اقتربت طابعه قبله خفيفه على وجنته متمتمه بقوه عشقها له: سوق بالراحه و طمنى عليك لما توصل.

ربما لم تقصد و ربما لم تفكر حتى بالامر و لكن نبرتها كانت مغويه لدرجه جعلت افكاره تجمح لبعيد معها معتقدا انها تفعل هذا قصدا، معتقدا انها تطبق المثل يتمنعن و هن الراغبات و ليس هناك افضل منه في المرواغه و ربما لوهله نسى انها زوجته و ليست احدى االاسماك في محيط قلبه.

عندما تنظر بقلبك لا يصبح لعينيك معنى.
و هى تراه بقلبها و ان حذرها الجميع منه، تراه كاملا مكملا و ربما نست او تناست ان الكمال لله وحده.
اغلق محمود باب شرفته بعدما رأها تصعد.
هو محق في قلقه و ان كان يثق في معتز، محق في خوفه رغم ما يراه من وضع مطمئن.
و سيظل يفعل حتى مماته، فهى شقيقته، توأمه و نصفه الاخر و لن يستطيع التوقف عن التفكير في ما هو صالحٌ لها.

يعلم انها قويه ربما اقوى منه و من زوجها، يعلم انها عنيده و لن تسمح لاحد بأذيتها، يعلم انها تستطيع استرداد حقها ان سلبه احد منها و يعلم جيدا انها لا تحتاج حمايته بل دائما ما تحميه نصائحها و لكن رغم كل هذا هو لا يستطيع التوقف عن القلق و سيظل يفعل.

طرقات هادئه على باب غرفته، اذن منه، ثم دخولها لتجلس بجواره على الفراش صامته، مرت دقائق ثم تمتم بهدوء ينافى رغبته بالصراخ بها لتفكر بتعقل فحفل زفافها تبقى عليه ايام فقط: خير يا هبه؟ عاوزه ايه؟
لا ينظر اليها، منذ اخر نقاش احتد بينهم لا يحادثها، تمر ايام لا تراه و كل هذا لانه خائف، لتجن هى فمن ماذا خوفه هذا!

امسكت يده بيد و الاخري رفعتها لتضعها على وجهه لتجعله ينظر اليها هامسه بعاطفه الاخوه القويه بينهما و التى تعرف تأثيرها عليه جيدا: حقك عليا انا اسفه.

ازاح يدها عنه لحظه نظرت اليه فيها ببراءه جعلته يزفر بضيق و هو يضمها لصدره متمتما بغيظ: يا غبيه انا خايف عليكِ، هتقولى متقلقش و انا هقدر اتصرف بس برده هفضل قلقان غصب عنى، انا اتعاملت مع معتز بدل السنه اتنين و ثلاثه، انا اعرفه اكتر منك، كل اللى بطلبه منك بلاش تسرع و فكرى و خدى وقتك.
ثم انهى حديثه و الذى اعتقد انه ربما يدفعها للتريث: و انا مايهمنيش غير سعادتك يا هبه.

ضمته بحنان تحتوى خوفه و من اقدر منها على ذلك ثم بسطت يدها على قلبه في حركه تدرك مردودها عليه و التى تشعره انها تحاور قلبه و مشاعر الاخوه بينهم و تتعمد فعلها في كل نقاش حتى تكسبه و تفعل: قولتها لك مره و هقولها تانى، انت عارف كويس اني لا متهوره و لا طايشه بالعكس طول عمرك تقول اني عاقله و بوزن الامور صح، ممكن تسيبنى اجرب و اتعلم، انا من حقى اختار حياتي و اعيشها بحلوها و مرها، من حقى افشل و انجح و اقع و اقوم، من حقى افرح مع الانسان اللى اتمنيته و كان اسمه في كل صلاه ليا، انا بحبه يا محمود، مش حاسس انك باللى بتعمله معاه و معايا تبقى بتظلمنا.

ثم تحدثت مسرعه دون ان تمنحه فرصه لفتح نقاش فهى ستتحدث في امر اخر: و مع ذلك لو كنت زودتها شويه اخر مره متزعلش مني.
ثم اضافت بخبث تطمئنه مجددا انه لها السند و العون: ثم يعنى لو معتز فكر يزعلنى انت مش هتقف له؟ لو جيت قولتلك انا عاوزه حقى انت هتتخلى عنى و تقول و انا مالى؟ انت ضهرى يا محمود مهما حصل.

زاد من ضمه لها يزفر بقوه، كم تجيد اداره الامور وفقا لارادتها، و للحظه شعر ان معتز من يجب ان يحذرها فهى ليست بهينه بطيبتها و حنكتها و قسوه حنانها.
ابتعدت عنه متنهده بقوه ثم اعتدلت جالسه امامه متسائله بجديه: سيبت شغلك ليه؟
اشاح بوجهه بلامبالاه فهتفت بتحذير يدرى عواقبه: محمود.
زفر بعنف بوجهها فابتسمت و هو يجيبها: مش حابب اسمع حاجه زي اللي سمعتها من كام يوم.
و بتعجب قالت: حاجه ايه؟

شرد قليلا متذكرا ما سمعه من بعض موظفين الشركه فهتف بحده لم يقصدها: انتِ عارفه اخوكِ لا يوم اعتمد على حد و لا شيل حد همه، اه اشتغلت مع معتز بس تعبت و عملت اللي عليا و في الاخر الاقي النتيجه ان كل زمايلي في الشغل يقولوا انه بقي جوز اختي و هبقي مميز بسببه و كل شغلي و مجهودى يتنسب لان انا اخو مراه صاحب الشركه،.

اشاح بيده بضيق: لا يا ستي الله الغني عن الشغل و عن الشركه كمان، انا هدور على شغل في مكان لما انجح فيه يتقال دا محمود اللي نجح مش صله القرابه اللي نجحتنى.
كرامته فوق الجميع، و هى مدركه تماما انه على استعداد ان يظل ما بقى من عمره بدون عمل و لكنه لن يسمح ابدا لاحد بأن يقلل من شأنه.
ابتسمت بفخر تربت على كتفه بتفكير و ساد الصمت بينهم قليلا حتى فرقعت اصابعها هاتفه: فكره.

ثم نظرت اليه تلاعبه بحاجبيها مبتسمه بخبث مردفه: لو جبت لك شغل في شركه محترمه بمستوى كويس و مرتب ممتاز و كمان هتقدر تثبت نفسك فيها جدا، هتعمل ايه علشانى؟
ضيق عينه بحذر مجيبا: استغلال ده و لا انا بتهيألى!
رفرفت برموشها موافقه بغرور: اه استغلال، و حاول ترشينى بحاجه كبيره على قد ما تقدر، حاجه انا حباها، عاوزاها او طلبتها منك قبل كده مثلا.

و ادرك انها ترمى لامر ما و لكنه صدقا لا يتذكر فتنهد بقله حيله ضاربا كفه بالكف الاخر: اما نشوف اخرتها، عاوزه ايه يا ست هبه هانم!
صمتت قليلا تطالعه بشغب و ابتسامه لم تُريحه تتراقص على شفتيها ثم غمزته مصرحه عن رغبتها: تغنى في فرحى.
و بانتفاضه ساخطه صرخ بها: نعم يا اختى؟ اعمل ايه؟ انتِ اتجننتِ!
و بأكثر وجوهها براءه نظرت اليه فأمسك بالوساده جواره يقذفها بها فتعالت ضحكتها و هى تهتف: علشان خاطرى يا حوده.

اعتدل جالسا مجددا و صرح بعدم اكتراث التقطته هى موافقه: هفكر.
ابتسمت و هى تخبره عرضها: المهندس مازن في حاله غضب من المعتاده منه الايام دى طرد المحامى و هما حاليا عاوزين محامى له سابق خبره و حد ثقه فايه رأيك تقدم و تشتغل هناك، مركز، مكان محترم، مرتب كويس، و انت مش قليل يعنى.

ابتسامه جانبيه شقت شفتيه تعبر عن اعجابه بفكرتها و من ثم لكمها بقبضته في كتفها دلاله على استحسانه للامر حاولت كتم غيظها و لكنها لم تستطيع و نهضت تلكمه بقبضتها الضعيفه و هى تصرخ: قولت مليون مره ايدك ثقيله، ايدك ثقييييييييييله.
ثم نهضت تخرج من الغرفه و هى تصيح به: فكر كويس الفرصه هايله.

و تركته و غادرت فألقى بجسده على الفراش مرتاح البال و قرر منحها تلك الفرصه و هو متيقن تماما انها ستنجح، و بات ليلته يفكر في عرضها و بالنهايه قرر قبوله.

الاحترام فوق كل شئ، فوق الصداقه، فوق القرابه و فوق الحب ايضا.
إبراهيم الفقى
يتجنبها تماما بشكل يشعر انه يضايقها و لكنه لا يأبه، هى تريد البعد اذا هنيئا لها به.
يتلوى هو بنار الاشتياق لضحكتها و لكنه لا يستطيع الحصول عليها، يحاول التحدث معها و لكنه كلما فعل يحتد الحوار بينهما، لذا آثر الابتعاد لعل الامور تتخذ مجرى اخر و لكن على ما يبدو لن يحدث.

تعد له الان فنجان قهوه بعد ان تركت غرفتها اخيرا منذ حديثهم صباحا و رغم انها لا تُجيبه على سؤاله، يمنحها الحق فما اخبره به صديق والده افقده عقله، كيف تتخلى زوجه خاله عن زوجها و اطفالها لإمرأه كهذه! كيف رأت فيها الام الحنون لاطفالها! كيف لم تفهم مدى جشعها، طمعها و قسوتها! بل كيف لم ينتبه خاله لكل هذا طوال حياته معها!
زفر بضيق و عيناه تجرى على حروف الكتاب بيده مانعا عقله عن التفكير و لكنه فشل.

تنقر بأصابعها على الطاوله الرخاميه و وجهها يعبس بضيق هو يتفنن بفتح كل جروحها مهما حاولت مداواتها، يسعى ليذكرها بكل ما عاشته كلما تهرب هى منه، ماذا يريد و لماذا يفعل، حقا لا تعرف!
وقفت على اطراف اصابعها تحاول الوصول لكوب القهوه من الرف العلوى و لكنها لم تستطع، وضعت مقعد طويل لتقف عليه بحذر حتى التقطت الكوب و كادت تنزل و لكن صوته المفاجئ: بتعملي ايه؟

ادهشها، فاستدارت بحده منتفضه فاختل توازنها فترنح المقعد اسفل قدمها لتفقد بالنهايه توازنها و تسقط ارضا مع صرخه ألم فارقت شفتيها.
حاول كتم ضحكته متمتما بلامبالاه و مازال واقفا مكانه بجوار الباب لم يتحرك: متهوره.
رفعت عينها اليه بغيظ تصيح: يعني حضرتك تخضني و بعدين تقول متهوره!

عقد ذراعيه امام صدره متمسمرا مكانه مما دفعها للدهشه و هو يبتسم ساخرا، لحظات و هى تنتظر تقدمه منها لمساعدتها ربما لان هذا هو الوضع الطبيعى في موقف كهذا و لكنه لم يتحرك، تجاهلت الامر محاوله النهوض و لكن ألم ظهرها منعها فأطلقت تأوه اخر و لكنه مكتوم مس قلبه محركا اياه باتجاهها مادا يده اليه متمتما بهدوء: تحبي اساعد!

و فورا تذكرت وعده بألا يمسها دون رغبتها و ألا يتقرب منها دون ارادتها فعقدت حاجبيها متعجبه من تمسكه بوعده لهذه الدرجه و لكن ألم ظهرها منع عنها التفكير و أومأت برأسها ببعض الحرج، و رفعت يدها اليه فأنهضها و بمجرد ان وقفت انكمشت عينها وجعا فمال بجذعه واضعا يد اسفل ركبيتها و الاخرى تضم خصرها بقوه رافعا اياه بين ذراعيه فشهقت متمسكه بياقه منامته و عينها تتسع بصدمه لتكن تلك اول و اكثر لحظاتهما قربا.

هو يجاهد ليمنع نظره عنها، و هى تعلقت عيناها به دون إرادتها.
لماذا يحيط به هذا الكم من الالغاز!، ليس بالوسيم الساحر و لكنه بشكلا ما وسيما.
قوى لا تُنكر، قاسى متأكده من هذا، يؤذيها فعل هذا العديد من المرات و لكنه حانى و رأت هذا بنفسها، لين الطبع و اختبرت ذلك ايضا، يعرف معنى التعامل و الود، فباتت تتسائل أى واحد منهم هو؟

و بينما هى تحاول تفسير تناقضاته كان هو يعانى قربها، مقاوماً احساسه بيدها على عنقه، متجاهلاً انفاسها التي تصطدم بذقنه، متجاوزا احساسه بها و هي بين يديه.
هل سيحدث شيئا ان بثها حبه فهو أبعد ما يكون عن جبن الاعتراف و لكن كرامته و عناده كانت الحاجز بينه و بين أى خطوه تقربه منها.

وضعها على الفراش ببعض الحده أثر فقدانه لهدوءه الداخلى و مهاجمه انفعالاته له و ابتعد فورا يتنفس الصعداء، فان ادركت كم جاهد نفسه الان ليبتعد لاعتذرت عما تفعله به ما تبقى لها من عمر و لن يكفى.
و ان عرف هو ان قربه يُزيد ندوبها وجعا و خاصه ما اصابها بها لظل هو الاخر طوال عمره يعتذر و لكن بالطبع لن يكفى.
ضحكه ساخره فأى منهما المحق، كلاهما و بئس الامر.

اجفلته عندما صرخت و هى تستمع لصوت سقوط القهوه فرمقها بحده لصراخها و خرج هو يتولى الامر.
اطفأ الموقد و ازاح القهوه عنه ثم وقف مستندا بيده على الطاوله الرخاميه و الغضب يعتريه، هو اطفأ الموقد و لكن من سيطفأ الموقد الذي اشعلته بداخله!
هو ازاح القهوه و لكن من يزيح ثقل حبها عنه!
هي موهوبه حقا.

موهوبه في جعله يتألم و ايضا يطيب جرحه بنفسه و للاسف لا يلتئم، مبدعه في جعله يشقي و يحارب نفسه ليسعد و بالنهايه يشقي اكثر.
لم يساعدها رغم استطاعته منعها من السقوط لكنه لم يفعل، لماذا!
لان مساعدته لها لن تفعل شئ، له أو لها.

كفى، كفي سذاجه لا معنى لها، كفى خيال يرسمه قلبه رغم رفض عقله العتيد، عاصم الحصرى يعيش دائما على ارض الواقع، و ها هى ارض الواقع تجذبه اليها و جنه ستظل معه على ارض الواقع، و ارض الواقع مؤلمه.
و رغم رغبته بتجاوز الامر، رغم غضبه الذى يسعى لمنعه و لكن قلبه الاحمق فكر بها.

دلف لغرفته مخرجا من حقيبته مسكن للالام دائما ما يحمله معه، بزفره حاره اتجه اليها، اعطاه لها، آمرا اياها بوضعه ثم الراحه قليلا و تركها دون كلمه اخرى مغادرا الغرفه.
و على مضض نفذت الامر و القت بجسدها براحه على الفراش و لكن عقلها لم يتوقف عن التفكير.
هي تخشي المواجهات، ضعيفه، خائفه و كثيره الهروب، تدري ذلك.
اذا لما تشعر بضعفها يحاول التلاشى امامه و تظهر قوه لا تدرى مصدرها لتحادثه!

أهذه قوتها حقا ام قوه اكتسبتها منه!
لماذا لا تتصرف بحنانها المعهود معه بل دائما ما تشعر بنفور خاص به و قسوه لا تعرفها بنفسها سوى و هى تفكر به!
أهي تشبعت بقسوته أم تنازلت عن حنانها اليه!
تشعر انها اصبحت مزيج غريب من القوه و الضعف، القسوه و الحنان مثله تماما و الاغرب ان ذلك معه فقط.
تشعر انها تتغير، تصبح جنه اخرى و هو السبب.

هو فقط متعجرف تفنن بأذيتها منذ اول يوم دلفت لذلك المنزل، هو ابن تلك العائله التى تخلت عن والديها، هو مجرد زوج على ورقه اعتبرها هو صك ملكيه ليمتلكها و قريبا ستنتهي صلاحيته تلك، فهى ابدا لن تمضى ما تبقى من حياتها معه و لن تنسى ابدا ما سببه لها من حزن و بكاء طوال الاشهر الماضيه.

حاولت النوم، ساعه، ساعتان و ثلاث و لكنها لم تستطع و نهضت عاجزه عن التغافل عن الامر، هو مصاب بكدمات، جسده يحمل عده حروق لابد من معالجتها.
عبثت باحد الصناديق الموجوده بالغرفه عن مرهم للحريق حتى وجدته و تحركت لغرفته بهدوء، طرقت الباب فاعتدل هو مدعيا النوم متجنبا حوار معها الان، و عندما لم تصلها اجابه فتحت الباب بهدوء لتتأكد ان كان بالداخل أم لا فوجدته نائما بسكون تام على فراشه.

و بأكثر الخطوات ترددا دلفت بهدوء و عقلها يصرخ بها لتخرج و لكنها لم تستطع ان تفعل، نظرت لملامحه الساكنه قليلا، ثم عبست بوجهها و هى تجلس بجواره على طرف الفراش هامسه بخفوت شديد متعجبه: حتى و انت نايم مكشر، افرد وشك حرام عليك، بيقولوا ان النايم بياكل رز مع الملايكه انما انت بملامح وشك دى اكيد بتتخانق معاهم، حرام عليك مش كفايه ماشى تخوف في خلق الله طول اليوم، كل البشر حاجه و انت صنف تانى لوحدك.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة