قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الخامس

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الخامس

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الخامس

وصل اكرم للشركه بأسرع ما يمكنه، دلف واقفا امام موظفه الاستقبال متسائلا عن مكان مكتب عاصم فأخبرته فتحرك للاعلى متحفزا و اثناء ذلك قابله فارس الذى ابتسم مقتربا منه مشيرا اليه بأصبعه محاولا تذكره حتى هتف: اكرم ماجد الالفى، صح!

ابتسم اكرم ناظرا اليه باستغراب منتظرا ان يعرف فارس عن نفسه فابتسم فارس و هو يمد يده مصافحا فصافحه اكرم واثناء ذلك عرف فارس عن نفسه: فارس الشرقاوي و طبعا انا مش مهم المهم ان والدتي تبقي نهال العسوي.
اتسعت ابتسامه اكرم مع اتساع عينيه و رفع حاجبيه قائلا بدهشه ساخره: خالتى!
اتسعت ابتسامه فارس لرؤيته لملامح اكرم الساخره و تحرك معه قائلا بمرح: اظن انت مش عاوز تتعرف على العيله اصلا..

ضحك اكرم بسخط متمتما بسخريه لاذعه: هى فين العيله دى!
رمقه فارس بطرف عينه ف على ما يبدو ابن خالته لا يحب اى فرد من افراد العائله و لكن فليكن بالتأكيد سيعتاد اما على القرب او ان يظل بعيدا، تجاوز الامر متسائلا: انت جاى تشوف عاصم!
اومأ اكرم موافقا فأشار له فارس على غرفه عاصم مصافحا اياه مجددا قائلا بود لا يصطنعه: اكيد هيبقى لينا كلام تانى..

دفع فارس ابتسامته دفعا لوجه اكرم العابس موافقا اياه فلم يستطع العبوس اكثر امام كل هذا الود ثم تحرك باتجاه غرفه عاصم، طرقات خفيفه على الباب، اذن بالدخول، ثم مصافحه رسميه و جلوس..
بدأ عاصم الحوار قائلا بهدوء ينافى ملامح وجهه المرهقه لحد كبير باضافه لظهور بعد علامات الضيق: قولى انك مش جاى تسأل عن اسباب المشاكل و ايه السبب و و و!

ابتسم اكرم فيبدو ان عاصم لا يحب الحديث الطويل و الاكثر وضوحا انه لا يحب الحديث عن مشاكل العائله فوافقه بهدوء هو الاخر فما جاء لاجله شيئا اخر: لا كل ده ميهمنيش انا جاى ليك لسبب تانى.
اومأ عاصم زافرا هاتفا بتحفز: جميل، انا بقى عندى سؤال.

نظر اليه اكرم منتظرا سؤاله فتحدث عاصم بنبره ساخره رغما عنه وعيناه تتطلع لاكرم بسخط ايضا رغما عنه ربما لانه يؤمن تماما بما يقول: انا سمعت من والدتى اساطير عن حب والدك لوالدتك و ازاى اتجوزوا عن حب و بدون تفاصيل واضحه ان حبه ليها و تمسكه بيها كان السبب في انه ينفصل عن العيله.

تابع اكرم كلامه مستنبطا سؤاله القادم و وضح هذا سخطه الظاهر في كلماته و قد كان عندما تسائل عاصم بنبره كادت تجعل اكرم يقوم بلكمه بضمير مرتاح: ليه والدك اتجوز؟ بعد كل الكلام - اللى ملوش معنى عندى بس يمكن بيمثل عندهم حاجه - ده، ليه اتجوز؟!

ابتسم اكرم ابتسامه مصطنعه محاولا تجاوز مدى سخريته و تقليله لشأن ما سمع ولكنه اجاب بهدوء ينافى اضطراب اجفانه غضبا: متحاولش تحكم على حاجه من جانب واحد يا سياده النقيب، الحقيقه دائما ناقصه و انت متعرفش حاجه عن اهلى علشان تسأل او تحاول تبرر او تفهم ايه اللى حصل و ازاى؟
داعب عاصم جانب فمه بتفكير ثم تمتم متسائلا مجددا: و اهلك فين حاليا؟ و ازاى والدتك تقبل بوضع زى ده؟

اغلق اكرم عينه لحظه و الالم يتجسد بوضوح على ملامحه متذكرا يوم زواج ابيه بكوثر و كيف كان انهيار والدته، لم يستطع عاصم تفسير سبب الالم الذى رآه على وجهه و لكنه لم يتحدث و انتظر الاجابه بصبر لا يملكه كثيرا، حتى نظر اليه اكرم مغلقا الموضوع قائلا بحده: والدتى توفت يا سياده النقيب، اما..
قاطعه عاصم مندفعا بسخريه اشد رغم مواساته: ربنا يرحمها، يبقى علشان كده اتجوز، واضح انها اساطير فعلا.

و هنا لم يتحمل اكرم و لم تسعفه اعصابه كثيرا فنهض ضاربا على المكتب بغضب هاتفا بصوت عالى فاقدا نفسه: لاحظ انك بتتكلم على اهلى اللى هما المفروض اهلك، في حاجه اسمها اسلوب يا سياده النقيب، اسلوب.
و تركه متحركا للخارج بعدما اشعل فتيل الغضب لدى عاصم فأكثر ما يمقته ابن الحصرى هو ان يعلو صوت احدهم بوجهه.

جلس اكرم بسيارته ضاربا المقود عده مرات بيده حتى سرى تخدير بسيط بها فضمها اليه بيده الاخرى زافرا بغضب، هو جاء ليسأل عن شيئا واحدا يصله بمكان شقيقته..
لمَ تحدث عاصم بهذا الحوار الذى لا معنى له!
لمَ ضغط على جرح لا يستطيع الزمن مداواته!
لمَ فتح باب نار يكتوى بها اكرم حتى تحرقه تماما!
القى برأسه على مقعده متنهدا بأسى فليس امامه الان سوى طريق واحد سيسلكه لربما يأتى بنتيجه ما.

جلست هاله مع جنه بالمكتبه حمحمت قليلا ثم تحدثت مباشره بما اتُفق عليه: اسمعيني للاخر و بعدين قوليلى رأيك، اتفقنا!
اومأت جنه موافقه و متعجبه فلقد رحبت بها سيدتان لا تعرف من هم، نظراتهم غريبه و نبراتهم الحانيه كانت اغرب و من ثم لم تمنحها هاله فرصه للتفكير و طلبت منها الحديث على انفراد في امر هام.
و االسؤال الان، ما الذى يحدث؟!

انتبهت لحديث هاله التى بدأته بتوضيح ما ترغب، ثم بدأت بمدح العائله التى ترغب منها العمل معهم ثم تجاوزت هذا لتتحدث عن الاجر الذى ستأخذه مقابل عملها لتنتهى بتنهيده مرفقه بسؤالها المتلهف: ها ايه رأيك؟
صمتت جنه لا تدري بماذا تجيب!
فهى لم تستوعب حتى ما شرحته هاله،
عمل، و تحت رحمه امرأه اخرى؟!
أتقبل ام ترفض؟
أتقبل و تأخذ بكلام هاله عقد و ثقه؟
أم ترفض و تبحث عن عمل بمفردها؟

و لكن ان فكرت بمنطقيه الان فستجد في عرض هاله فرصه ذهبيه، فهى ليست بمتعلمه اذا لن يُقبل بها في اى وظيفه بسهوله، بالاضافه لانها لن تسكن هنا بمفردها و ستعود فهل ستكون فرص العمل هناك مثلما هى هنا؟، ستلجأ لصديق والدها و لكن هى لا تعرف ان كان قد انتقل او ربما توفاه الله.
أتسير نحو المجهول كليا ام تتبع هاله و تسير نحو المجهول جزئيا!
منزل و مال و ربما تكون عائله ان احبتهم و أحبوها.

ربما تكون تلك الفرصه هى فرصه القدر لها.
ابتسمت عندما وصل تفكيرها لهنا فاتسعت ابتسامه هاله منتظره الجواب فتمتمت جنه بتردد: تعتقدى هينفع يا طنط هاله، انا معرفهمش، مش عارفه هيحبونى و لا لأ!، انا مش متعلمه، و يتيمه هيثقوا فيا ازاى؟ ازاى اعيش وسطهم!

ابتسمت هاله بحنان وهى تُمسك يدها بقوه تمنحها الثقه هاتفه باصرار: انا الضامن ليكِ و لهم، دول اهلى يا جنه و انتِ بنتى، صدقينى هيحبوكِ زى ما انا حبيتك و اكتر، اما بالنسبه للتعليم فا انتِ مجتهده جدا و هتقدرى تساعدى شذى ثم ان البنت لسه صغيره في ابتدائى..
ثم ضحكت متذكره شقاوه تلك الصغيره و أردفت: أينعم عفريته بس طيبه و انا متأكده انها هتتعلق بيكِ و هتحبك.

عادت تنظر اليها لتكمل بنبره اكثر دفئا: انا عارفه انك مش هتقبلى اى مساعده منى فعلى الاقل اقبلى دى علشان ابقى مطمنه عليكِ.
ثم اضافت مسرعه كأنها تطمئنها اكتر: و بعدين انتِ هتجربى و لو مرتحتيش تقدرى تسيبى الشغل هناك و انا اتفقت مع ليلى و وضحت لها كل اللى يخصك فحتى محدش هيسألك عن اى حاجه تضايقك.
صمتت لحظه و تعلقت عيناها بها في لهفه متسائله: ها قولتِ ايه؟

ظلت جنه على صمتها قليلا، تثق بهاله لا شك و لكنها تخاف، تخاف بشده و لكن هذا العرض بالنسبه اليها مغرى لدرجه ان توافق دون تفكير، فتمتمت بهدوء بعدما دعت الله ان يوفقها لما هو خير لها: طيب انا موافقه بس عندى سؤال.
انتظرت هاله سؤالها بسعاده فأردفت جنه بتسائل مترقب: هى عندها اطفال غير البنوته دى؟
ضحكت هاله و اجابتها بمرح: هما مش اطفال، كلهم اكبر منك تقريبا.

و اردفت و جنه متحمسه للاجابه: عاصم تقريبا 28 او 29 سنه، سلمى مخلصه كليه هندسه و حنين اخر سنه في صيدله تقريبا، و شذى اخر العنقود.

وقبل ان تعلق جنه اكملت هاله بتوضيح لسؤال كادت جنه تطرحه: و بالنسبه لعاصم هو اصلا نقيب، اخر اخبارى عنه انه بيسافر 4 ايام في الاسبوع و بيبقى موجود 3 ايام بس في البيت، مستقل بنفسه جدا و ظهوره في البيت مش كتير غير انه بيقضى وقت اجازته مكان والده في الشركه، يعنى مش هتشوفيه كتير، ثم انتِ هيبقى ليكِ اوضه خاصه بيكِ هتقعدى فيها وقت ما تحبى، ها كده الامور تمام!

اومأت جنه موافقه فاتسعت ابتسامه هاله سعاده فها هى الصغيره تعود لعائلتها و لكن كيف ستكون العوده! و الاجابه، لا تدرى!

الحياه مسرحيه، أعجبتنا أم لم تعجبنا، فقد دفعنا ثمن التذكره.
وليم شكسبير.

في احدي الاماكن الراقيه الهادئه في بلده اخرى بعيده جدا عن تلك التى تقطن بها كوثر، دلفت سياره ليلي لتقف امام بوابه ثواني قبل ان تُفتح البوابه على مصرعيها ليظهر من خلفها المنزل، لم يكن ضخما و ايضا لم يكن صغيرا، به لمحه من الهدوء و شعور يطغى بالامان و الطمأنينه، ما يميزه حقا تلك الاشجار الكبيره المحاوطه له، و التى ذكرتها بتلك الشجيرات الصغيره حول منزلهم القديم، بالاضافه لحديقه تحاوط المنزل مليئه بالعشب الاخضر يدعوها لتلامسه بقدمها لعله يمنحها شعور بالانتعاش و السعاده، و كذلك الازهار المتفرقه بشكل جميل بألوانها المختلفه.

لم يكن المنزل مميزا و لكنه ايضا لم يكن تقليديا، به لمسه استثنائيه من الجمال، احبته و لو عرفت انه من تصميم والدها لم تكن لتغادره بعد الان ابدا.
توقفت السياره امام باب خشبى يبدو المدخل الرئيسى للمنزل، تحرك السائق مسرعا ليفتح الباب لليلى التى اشارت لجنه بالترجل فأفاقتها من تطلعها المعجب بالمنزل و هدوءه، نظرت اليها جنه بتردد.
هى تشعر بمشاعر متخبطه، متضاربه.
تعانى من صراع بداخلها، مشاعرها تتسابق عليها..

لا تدرى أتشعر بالفرح ام الخوف! ولكنها حتما تشعر بالقلق و التردد من حياه جديده ربما تكون هى حياتها بالفعل و ربما تكون مجرد مسخ اخر ستتعلم منه الكثير.
ابتسمت ليلى و هى ترى تشتتها فمنحتها نظره مطمأنه و مدت لها يدها هاتفه بنبره دافئه: يلا يا جنه، انزلى.
ترجلت جنه بتوجس و هى مازالت تتطلع حولها برهبه، لماذا يحاوطها خوفها دائما!
رغبه في الهروب، الابتعاد، و ربما الركض بمفردها.

كل شئ حولها يبدو جميلا، شعرت بألفه للمكان لن تُنكر و لكن مازالت تخشى.
ماذا سيحدث؟ كيف ستكون ايامها هنا؟ هل ستفرح ام ستحزن اضعاف حزنها؟
هل ستعجبها حياتها الجديده أم ستزهدها و تهرب مع اول فرصه تأتيها!
حسنا ستخوض التجربه و لكن، لا استسلام، لا خنوع، لا تحكم، و الاهم من هذا كله ابدا و ابدا لا تعلق و لا حب.
و ان وجدت عكس هذا، اذا مرحبا بالهروب من جديد و ليس هذا بالغريب عليها.

ايقظتها ليلى من تفكيرها فيما ستفعل بقولها و هى تدفعها بخفه لتسير معها: النهارده تتفرجى على البيت و تتعرفى على البنات و ترتاحى من الطريق و بكره تبدأى مع شذى، اتفقنا؟!
طالعتها جنه باستنكار و هى تنظر للمنزل امامها و مازالت مبهوره بجماله البسيط و دون وعى رددت خلفها: بيت!

امسكت ليلي يدها ضاحكه و اسرعت بخطواتها للداخل و بمجرد دخولها من الباب الخشبي الكبير رأت عالم اخر، وكان اول ما جال بخاطرها هذا البيت يقطنه فنان.

كانت الالوان هادئه و مبهجه بالوقت ذاته، معلق على الجدران لوحات مرسومه بدقه فائقه، يتدلى من السقف ثريا على شكل حلزونى تعانقها الكريستالات اللامعه، الفازات المتراصه هنا و هناك تسكنها عناقيد من الازهار التي اعطت للمكان رائحه ساحره و ذلك الدرج الذى يزين المنتصف جعلها تصعد عليه بعينها لترى ابواب غرف بالاعلى لتخبرها ان للمنزل بقيه.

قطع تأملها للمكان صوت ليلي مجددا و هى تنظر لها بابتسامه واسعه متمتمه بفرحه: ها البيت عجبك؟!
ابتسمت جنه بالمقابل لتقول بمرح مدعيه الاستنكار و الذهول لتُبدى اعجابها بالمنزل بوضوح: حضرتك ليه مصممه انه مجرد بيت! المكان جميل جدا و مريح كمان.

نظرت ليلي حولها بضحكه بسعاده فجنه الان لا تُبدى رأيها بيتها فقط و لكنها تعبر عن اعجابها بتصميم اخيها فقالت بلهفه لا تدعيها: مبسوطه انه عجبك بس قولى ليا بصرااحه حاسه فعلا انك مرتاحه؟!
تنهدت جنه و مخاوفها تعاود لتطرق باب قلبها وهمست بصدق لم تخفيه: بصراحه انا حاسه اني خايفه و قلقانه، بس في نفس الوقت حاسه ان قلبي مطمن.
تحركت ليلي ممسكه بيدها لتجلس وتجلسها امامها متسائله بود: ليه خايفه؟

حركت جنه كتفيها دلاله على جهلها للسبب وتمتمت بضياع: مش عارفه يمكن لان المكان جديد و حياه جديده لسه هبدأها.
ضغطت ليلي يدها بدفء تطمئنها و ربما لاول مره تشعر بالفعل انها مطمئنه اسفل لمستها التى اخبرتها انها ستبدأ بأول تنازل الان فإن استمرت ليلى على اسلوبها هذا ستتعلق جنه بها حتما.
تحدثت ليلى بشغف تعجبت له جنه قليلا: انا مش عاوزاكِ تخافى ابدا طول ما انا جنبك، كام يوم بس و اكيد هتتعودى.

ثم اضافت و زدات نبره الحماس في صوتها: هنادي البنات تتعرفي عليهم.
صدع صوت ليلى تنادى بصوت عالى نسبيا: ام على، يا ام على.

لحظات و جاءت سيده تبدو في الخمسين من عمرها يبدو على ملامحها الطيبه و الهدوء و لكن ايضا نظراتها تدل على الفطنه و الذكاء و بعضا من الوقار ابتسمت لها تلقائيا و هى تذكرها بزهره، امها الروحيه و رفيقه سنوات عمرها، بادلتها ام على الابتسامه بود و هى تشملها بنظره متفحصه حتى اقتربت منهم ناظره لليلى قائله: حمد لله على السلامه يا دكتوره.
ثم عادت ببصرها لجنه مردفه بترحيب: منوره يا بنتى.

همت جنه بالرد و لكن سبقتها ليلى بلهفتها التى لا تدرى جنه لها سببا: الله يسلمك يا ام على، ممكن لو سمحتِ تنادى البنات بسرعه، عاوزه اعرفهم على جنه.
اشارت ام على الى عينها الواحده تلو الاخرى قائله بابتسامه واسعه: من عنيا يا دكتوره..

تحركت ام على باتجاه الدرج و جنه تتابعها بعينها و هي في حاله من الدهشه قليلا، فلم تكن زهره تبتسم بوجه كوثر ابدا، و كوثر لم تكن تحترمها ابدا، لا يوجد بعد اذنك ، اذا سمحتِ او حتى ممكن ، كانت اللهجه محتقره آمره، ولكن هنا، شتان بين هذا و ذاك و ها هو الفرق الاول.

بعد عده دقائق، عادت ام على و خلفها ثلاث فتيات، فابتسمت ليلى مشيره لهم بالتقدم ثم هتفت معرفه بسرور يبدو بوضوح على ملامحها: تعالوا يا بنات، ثم اشارت لجنه قائله بشغف: دى جنه، و توقفت و لم تُكمل مما اصاب جنه بدهشه و الفتيات باستنكار، بينما عادت ليلى تشير على الفتيات واحده واحده: دي سلمي مخلصه هندسه و دي اكتر واحده عناديه و مجنونه في البيت.

رمقتها سلمي بغيظ و زمجرت بغضب: في ايه يا ماما؟ ايه مجنونه دي الله؟ الملافظ سعد يا لوله.
ابتسمت جنه فمدت سلمى يدها اليها مصافحه بترحاب هاتفه بمرح: متسمعيش كلام ماما دا انا اعقل و اهدى واحده في الكون.
اتسعت ابتسامه جنه مستجيبه ليدها مصافحه متمتمه و قلبها يزداد اطمئنانا: اهلا بيكِ يا سلمى.

تجاوزتها ليلى دافعه اياه لتبتعد عن جنه قليلا و اشارت على ابنتها الثانيه هاتفه: اما دي بقى، حنين، عكس سلمي خالص و اكيد هتعرفي بنفسك لما تتعاملى معاهم، و السنه دى اخر سنه لها في صيدله.
اقتربت حنين مصافحه اياها بابتسامه عذبه صافيه عكس ابتسامه سلمى المتمرده الصاخبه: اهلا بيكِ يا جنه نورتِ بيتنا.
صافحتها جنه و عدوى الابتسامه تنتقل اليها هامسه: تسلمي البيت منور بأهله.

امسكت ليلي يد شذى تجذبها اليها واضعه يدها حول عنقها منهيه العنقود بأكثرهم شغبا: و دى يا ستى اخر العنقود شذي و من النهارده بقت مسئوليتك، اعملي فيها اللي تحبيه.
مدت جنه يدها لتصافحها و هى تبتسم بحبور قائله: احنا هنبقي صحاب اكيد، ايه رأيك يا شذى؟

نظرت شذي شذرا ليدها ثم اشاحت بوجهها ممسكه بيد والدتها المحاوطه لها مبعده اياها عنها متراجعه للخلف خطوه تعقد ذراعيها اامام صدرها بتململ صائحه بعد اهتمام و نبره معاديه: مبحبش يبقى عندى صحاب.
ثم نظرت لوالدتها بضيق هاتفه بغضب طفولى تتذكر جنه انها كانت تكتنفه دائما مع والدها: و انتِ عارفه كويس يا ماما انى مش عاوزه حد يبقى مسئول عني.

سحبت جنه يدها باحراج ظهر جليا على وجهها و لكن تأبطت سلمى ذراعها بيد و باليد الاخرى داعبت شعر شذى بعبث تعرف مدى كره شذى له هاتفه بتوضيح او ربما انقاذ للموقف: شذي غلباويه جدا يا جنه، العفريته طفشت حوالى عشرين واحده قبلك.
ثم اضافت و هى تمنحها نظره متفهمه و اضافت و هى تمنحها صك التحدى: بس عندى احساس انك هتبقى مختلفه.

استقبلت جنه نظرتها بتفهم هى الاخرى و مضت بموافقه على صك التحدى متمتمه: ان شاء الله هنقدر نتفاهم مع بعض.

اصدرت شذى صوتا ساخرا و تحركت من امامهم صاعده لغرفتها بالاعلى، بينما تبادلت الفتيات الحديث فيما بينهما، لم يخلو الامر من المزاح بينما تتابعهم ليلى بسعاده، بناتها اجتماعيات بشكل كبير، يسهل الاعتياد عليهم، دائما ما يتعاملون مع من تحضرها كمربيه لشذى كأخت لهم و لكن شذى تنهى الامر سريعا و تجعلها تهرب من معاملتها الجافه و لن تبالغ ان قالت ان معاملتها سيئه تصل لحد الوقاحه و لكن هى لن تسمح بهذا هذا المره..

تناهى لمسامعها سؤال حنين الهادئ: انتِ خريجه ايه يا جنه!
فقاطعتهم قائله بحنان: يلا يا حنين قومى مع جنه وريها اوضتها..
اومأت حنين موافقه بينما قالت ام على التى قدمت للتو لتقول: بس اوضه الضيوف محتاجه تتروق الاول يا دكتوره.
ابتسمت ليلى مجيبه اياها بأمر جعل الجميع يتعجب اهتمام ليلى الزائد بجنه: جنه هتقعد في الاوضه الفاضيه فوق مع البنات مش في اوضه الضيوف.

عقدت سلمى حاجبيها تسائلا ناظره لوالدتها بتفحص فتجاهلت ليلى نظرتها واضافت بود: ومن النهارده جنه بنتى و اختكم، مش عاوزه اى مشاكل،
ثم نهضت لتردف و هى تتجاوز النظرات المتعجبه: انا هروح المستشفى و اشوفكم بالليل بقى.
نظر اليها الكل باستغراب و اولهم جنه فموقفها غير مبرر!
لما تنحاز اليها هكذا و هي لا تعرفها و لم تراها سوي اليوم فقط!

بينما نظرت الفتيات لبعضم البعض بتعجب و لكن تجاوزا الامر مؤقتا و قالت حنين باستدراك: اكيد يا ماما.
تحركت جنه مع حنين بينما امسكت ليلى يد سلمى هامسه لها: استنى عاوزاكِ..
جلست معها فقصت ليلى عليها ما تعرفه عن جنه ما عدا انها من العائله منهيه حديثها قائله: البنت صعبانه عليا جدا، بلاش تضيقوها بالكلام و فهمى حنين و بلاش اسئله كثير، و ابقى خدى بالك من شذى..

ظهرت ملامح الشفقه على وجه سلمى متمتمه بحزن: حاضر يا ماما، متقلقيش!
كنت جنه تتطلع للوحات على الجدران باعجاب واضح و قالت معبره عن ذلك: اللوحات دي تحفه، رغم بساطتها بس احساسها حلو قوى..
جاءهم صوت سلمي التى ركضت على الدرج حتى وقفت بجوارهم هاتفه بتوضيح: على فكره دا كله رسم حنين.
التفتت اليها جنه بدهشه و صاحت باعجاب اكبر: ايه ده، بجد!
اومأت حنين برأسها مضيفه بتواضع مع ابتسامه واسعه: اه، ايه رأيك انفع!

ضحكت جنه وهتفت بحبور: انتِ مبدعه، بجد ما شاء الله عليكِ.
اغلقت حنين عينها و اثنت ركبتيها واضعه يدها امام صدرها في تعبير منها على الشكر فضحكت جنه و كذلك سلمى و صعدوا ما تبقى من درجات فتوفقت سلمى مشيره على غرفه ما في منتصف غرفتين اخرتين: دى يا ستى اوضتك.

ثم التفتت مشيره على غرفتين في الاتجاه الاخر قائله بتحذير صريح و لكنها اضافت نكهه دراميه على صوتها فبدا الامر كمزحه: اما الجانب ده بقي ممنوع منعاً بتاً حد يدخله.
ابتسمت جنه بفضول لم تستطع قتله و اضافت بنفس النبره الدراميه: و يا ترى ايه السبب؟

ضحك ثلاثتهم ثم اضافت حنين بجديه مفرطه: لا بجد يا جنه، الجانب ده بتاع عاصم اخويا الكبير، اوضته و اوضه المكتب و فيها مكتبته، تقريبا دى حياته كلها، وعاصم بيكره جدا اى حد يتدخل في حاجته و خصوصا بدون اذنه.

اكملت سلمى و هى ترى استغراب جنه و استماعها باهتمام و لمحه من عدم التصديق: ام على بتطلع يوم في الاسبوع تروقهم و لو صادف و لعبت في حاجه او نقلت حاجه من مكانها عاصم بيتجنن و بصراحه جنانه وحش اتمنى متشوفيهوش.
ثم اضافت بنبره خالطها المزاح مجددا و لكنها هذه المره حاولت تضخيم صوتها لترعبها: علشان كده محدش بيهوب ناحيته او بس يفكر لان يا ويله يا بنتى يا ويله.

ثم ضحكت بصوت عالى هاتفه: تحسى انى بحكى ليكِ على مغاره على بابا.
ابتسمت جنه على مزاحها ولكنها اضافت بتعجب لم تستطع انكاره: حاجه غريبه انا عمري ما شوفت حد كده!
اضافت حنين بابتسامه فرغم جنون عاصم و غضبه المستمر والذى يصعب عليه التغلب عليه ولكنها تحبه كثيرا و تفتخر به دائما: عاصم مش زي اي حد و فعلا مش هتلاقي منه اتنين.

صمتت جنه و للحقيقه شعرت بالفضول يتملكها في رؤيه ذلك المكان و لكن فضولها اكبر و اكبر لرؤيه الشخص صاحب هذا الغموض.

دلفت جنه لغرفتها و تركتها الفتيات لترتاح قليلا، كانت غرفه متوسطه الحجم، تحتوي على فراش كبير و دولاب متوسط الحجم و مرآه عريضه تشغل ربع الجدار تقريبا بجوارها على بعد قليل اريكه موضوعه امام شرفه صغيره تطلع على الحديقه الاماميه و من كل هذا كان المميز بالامر وجود مرحاض صغير نسبيا داخل الغرفه مما منحها شعور بالاستقلال.

خرجت للشرفه نظرت للاسفل فلفحتها رائحه الياسمين التى تراصت عناقيده فابتسمت ثم رفعت رأسها للاعلى متحدثه بشرود كأنها تطلب مساعدته: بابا، انا مش عارفه القرار دا صح و لا لا؟ و مش عارفه الخير فين؟ و يا تري وجودى هنا هو الطريق الصح و لا هندم في الاخر؟ حاسه انى مشتته و محتاره بس كمان حاسه انى مطمنه!

اغلقت عينها متمتمه بشجن و الاشتياق لصدره الحانى - و الذى دائما ما احتواها داخله يطمئنها - يفتك بها: يا ريتك جنبى يا بابا يا ريت.
ثم زفرت بقوه هامسه بألم: يارب!
تنهدت و دلفت للغرفه مجددا بدلت ملابسها و توضأت وصلت فرضها و جلست تقرأ بعض ايات كتاب الله حتى داعب النوم جفونها فنهضت و ألقت بجسدها على الفراش و سرعان ما ذهبت في نوم عميق.

عاد عاصم للمنزل بعد صلاه العشاء وجد الجميع مجتمع بالاسفل فاتجه اليهم ألقى السلام ثم القى بجسده المنهك على الاريكه بجوار والده.
ربتت ليلى على ركبته بحنان قائله باشفاق على انهاكه: اجهز لك العشا!
منحها ابتسامه صغيره محركا رأسه يمينا و يسارا رفضا متمتما: اكلت مع فارس قبل ما اجى.
نهضت شذي جالسه بجواره فحاوطها بيده فهتفت بابتسامه ماكره قائله بسخريه: عارف يا ابيه، ماما جابت ليا مربيه جديده.

رمقتها ليلى بغيظ بينما ابتسم عاصم بسخريه رافعا احدى حاجبيه ناظرا لوالدته بطرف عينه مدركا انها لن تتراجع عن هذا الامر ابدا و لكن يبدو ان شقيقته الشيطانيه لن تهدأ حتى تُرميها خارج المنزل و الدوامه نفسها لا نهايه، فتحدث موضحا سخريته: تاني!
ضحكت شذى و هى تردف بتوعد: اه تخيل، مش راضيه تقتنع اني هطفشها برده.

اشاح عاصم وجهه بسخط بينما رمقتها حنين بغيظ هاتفه بها: و الله حرام عليكِ اللي بتعمليه فيهم ده، انتِ مابتتهديش!
بينما لاحقتها سلمى و هى تنهض جاذبه خصله بغل من شعر شذى التى صرخت دافعه يدها و صاحت بأسى: اصلا جنه شكلها خام و شذي مش هتغلب معاها، بس برده عندى احساس ان المره دى هتختلف.
جذب الاسم انتباه عاصم فاستدار لها مرددا بتساؤل: جنه!
اومأت سلمي مجيبه اياه بتوضيح: دي المربيه الجديده.

انتفضت ليلي بعصبيه خفيفه تهتف بحده و قد ضايقها قول مربيه التى يردده اولادها: هو ايه اللي مربيه، مربيه مفيش كلمه احسن من دي شويه!

التفت اليها الجميع بدهشه فقام عز بالضغط على يدها لينبهها لما تقول بينما رمقها عاصم بنظره متمعنه فارتجفت عين ليلى فان شك عاصم للحظه ان في الامر امور اخرى لن يهدأ حتى يعرف و بالتأكيد سيعرف فحاولت تدراك الامر قائله و لكن خانتها نبرتها لتخرج متلعثمه: قصدي يعني طالما هتعيش معانا مش لازم كل شويه نقول مربيه، علشان تاخدوا على بعض اسرع يعنى بدون حواجز..

وكزها عز مره اخرى بينما كل هذا لم يغفل عن عين عاصم فحاولت ليلى تغير مجرى الحديث فأردفت: هى فين؟ لسه نايمه!
اومأت سلمي فابتسمت ليلى بحنان و تسائلت مجددا: أكلت طيب؟
نفت حنين الامر وقالت بحرج: لا، انا بصيت عليها من شويه و انا نازله كانت نايمه فمرضتش اصحيها، باين عليها الارهاق.

تابع عاصم الحوار بهدوء ثم قبل ان تنطق ليلى مره اخرى تسائل هو في استغراب فما يحدث يبدو مميزا على مجرد مربيه: ثانيه واحده، اولا هي نايمه فوق ليه المفروض انها تبقى في اوضه الضيوف تحت! ثانيا هي المربيه جايه علشان شذي تسهر و هي تنام! ثالثا المفروض ان حنين تهتم اذا كانت حضرتها اكلت او لأ، نايمه و لا صاحيه! هو مين بيشتغل عند مين بالظبط!

ثم رمق والدته بنظره جاده مردفا بسؤال واضح و ان خرج بنبره متلاعبه اخبرتها جيدا ان عاصم سيبحث في الامر: هو ايه الحوار يا مدام ليلي؟
تلعثمت ليلي اولا من نظرته، ثانيا من سؤاله، ثالثا خوفا من ان يدرى بالامر فقالت محاوله الهدوء فعندما تتوتر تُعقد الامور اكثر: انا قولتلها بلاش شغل النهارده اول يوم و كده، و بعدين قولت اخلي اوضتها جنب البنات علشان يبقوا مع بعض يعني.

نظر اليها عاصم بتفحص مره اخري و تأكد تمام التأكد ان والدته تخفي شيئا لا يدري بشأن ماذا و لكنها حتما تخفي امرا و سيعرفه و لكن انشغاله بمجرد خادمه الان امر تافه.
نهضت حنين قائله لتنهى الحوار فهى بطبيعه الحال كانت تتقرب لكل واحده سابقا فلن تفعل شيئا جديدا مع جنه: انا هطلع اصحيها.
وايضا نهض عاصم مستأذنا ليصعد لغرفته فأوقفته ليلي مسرعه وقد تلبسها الارتباك مره اخرى: رايح فين! مش تستنى تتعرف على جنه!

اتساع عين و رفعه حاجب مستنكر كانت الاجابه قبل ان يقول بسخط و هو يحاول استيعاب مدى تحمس والدته الغير مبرر: و دا من امتى؟
امسك عز يدها بينما اشار لعاصم بألا يبالى فاستدار عاصم متجاوزا اياهم صاعدا للاعلى قائلا: قولى لام على تعملى قهوه!
التف عز اليها هامسا من بين اسنانه: هدي اللعب شويه و اتعاملي عادي انتِ كده هتخلى الولاد يلاحظوا، سيبي الامور على طبيعتها.

اومأت ليلى فالحماس يقتلها، جنه ابنة اخيها، ابنة ماجد..
كيف تتعامل مع الامر بهدوء، فهى اليوم عندما اخبرت عز كانت تطير فرحا..
بحياتها لم تكن تتخيل انها ستفرح بظهور جنه هكذا..
ولكن هى قطعه من ماجد و كفى هذا بالنسبه اليها.
استيقظت جنه بعد محاوله حنين التى لم تكلمها حتى منتفضه متمتمه باسم كوثر بوجل، و لكن بمجرد رؤيتها لوجه حنين التى كانت تبتسم لها، اطمئنت.

تفاجأت حنين قليلا من انتفاضتها و صرختها المفزوعه و لكنها تجاوزت الامر فلقد عرفت من سلمى بعد الاشياء عن حياتها السابقه، مسكينه.
ارتدت جنه اسدالها و ادت فرضها ثم هبطت للاسفل لتجد الجميع جالسا فتقدمت بخجل فابتسمت اليها ليلى قائله و هى تنظر لعز: دى جنه يا عز.
نظر اليها عز ثواني ادت لزياده خجلها و هو يتذكر ملامح ماجد لم تأخذ هي سوي اتساع عينيه و لكنها ضمت من ملامح امل الكثير..

ابتسم مرحبا بها بابتسامه صافيه حنونه ذكرتها بدفء ابتسامه والدها: اهلا يا جنه، ياريت تبقى مبسوطه عندنا.
ابتسمت بتوتر دون ان تقوى على الرد من شده خجلها و هى تشعر انها محور نظر الجميع حتى قطعت ليلى سكونها مناديه بصوت عالى على ام على، طالبه منها تحضير الطعام لجنه و لكن جنه رفضت بلباقه و اصرار على ان تحضره هى، حاولت ليلى منعها و لكن كان اصرار جنه اقوى، دلفت مع ام على للمطبخ.

نظرت اليها ام على بتمعن قليلا ثم ابتسمت قائله بتحليل: باين عليكِ طيبه و ملكيش في شغل الانعره الكدابه.
بادلتها جنه الابتسامه بأخرى اوسع متذكره زهره و طيبتها وتمتمت بضحكه: على رأي داده زهره كلنا ولاد تسعه هنتكبر على بعض ليه؟ و بعدين حضرتك في مقام والدتي و مينفعش اتعبك معايا.

اتسعت ابتسامه ام على فيبدو انها تختلف قليلا عمن قبلها بابتسامتها الصافيه و نظراتها الطفوليه رغم سنها فوجدت نفسها تدعو لها: ربنا يحميكِ يا بنتي، مامتك عرفت تربى صح.
تلاشت ابتسامتها تدريجيا ليغزو الالم عينها و يتملك الخوف من قلبها مجددا و هى تجيبها بنبره متوجعه: الله يرحمها.
تجهمت ملامح ام على لرؤيه ملامحها تنطفئ مع نبرتها فتمتمت بحزن رابته بخفه على كتفها: الله يرحمها.

ثم حاولت تغيير مجرى الحوار فتسائلت بابتسامه و هى تقول بنبره جعلت جنه تتضور جوعا: بتحبى الشكشوكه!
عادت البسمه تنير وجهها وأومأت برأسها مسرعه وعينها تتسع بلذه وهمهمت بصوت عالى قائله: مممممم، جدا جدا.
تحركت ام على لتُحضر ما يلزمها لتحضيرها و هى تردف: هعملك طبق بقي هتاكلي صوابعك وراه.
وافقتها جنه و تحركت تساعدها و هى تفرض شروطها بمرح: بس بشرط تاكلى معايا، انا متعوده اكل مع داده زهره دائما.

اومأت ام على وهى تتأكد ان الامر حتما سيختلف هذه المره، اندمجت كلتاهما في تحضير الاكله بينما يتبادلا بعض المزحات و القليل من الجديه عن حياه ام على و كيف اتت لتعمل هنا، وظلت تحكى عن العائله و كيف يتعاملون معها كأنها فرد منهم..

شعرت جنه معها بألفه كبيره وكم كانت بحاجه لها، تلك السيده كانت نسخه اخرى من زهره، المعنى الحقيقى للحب الفطرى و الراحه، ملامح العجز و التى اخذت منهم مأخذها، الخطوط التى رسمتها تجارب الحياه و اوجاعها على وجوههم، فقط من يتعامل معهم يُدرك معنى ان تُختصر الحياه في شخص.
واثناء اندماجهم شهقت ام على تاركه ما بيدها هاتفه بقلق: يا نهااار مش فايت نسيت القهوه.

انتفضت جنه على صرختها فنظرت اليها بدهشه هاتفه بتعجب: قهوه ايه!
تحركت ام على بعشوائيه وهى توضح بقلق بدا واضحا وضوح الشمس على وجهها: الاستاذ عاصم طلب اعمله قهوه و انا نسيت.
ربتت جنه على كتفها موقفه اياها عن الحركه مهدءه اياها فيبدو ان عاصم هذا يصيب جميع من بالمنزل بالقلق أهو مجنون!
ثم قالت بعرض سخى: طيب اهدي بس، انتِ ايدك مش نظيفه قولى ليا قهوته ايه و انا هعملها.
رمقتها ام على بتشكك متسائله: بتعرفي!

ابتسمت جنه بثقه و قامت بتعديل طرف اسدالها دلاله على تفاخرها هاتفه بغرور: عيب كده على فكره دا انا استاذه و رئيسه قسم.
ابتسمت ام على و اشارت على مكان ما مجيبه اياها: قهوته ساده و البن بتاعه على الرف اللي هناك ده.
بدأت جنه باعداد القهوه بينما تعد ام على اخر ما كان بيدها حتى انتهت كلتاهما، فاتجهت ام على للاعلى لتعطيه قهوته بينما جلست جنه تنتظر عودتها..

وابتسامه هادئه ترتسم على وجهها، يبدو ان القدر ابتسم لها، فشتان بين ما انتهى به يوم امس و ما انتهى به اليوم.
و لكن سرعان ما تلاشت ابتسامتها و حاوطها من جديد خوف، قلق، تردد، و مع كل خطوه للامام، مائه خطوه للخلف.
هى لا ترغب في كسر جديد، لا ترغب في وجع جديد، اكتفت من الامر طوال حياتها.
كيف لها ان تخطو للامام دون خوف!
كيف تتجاوز ما يؤلمها و لا تفكر فيما سيحدث!

كل جديد مؤلم و قاعده حياتها انه كلما ابتسمت اكثر زاد قلقها اكثر، فبعد كل ابتسامه، ألم على قيد الحدوث.
فهل لقاعدتها تغيير!
لا تدرى!

التغيير سنه الحياه، و من يقصرون نظرهم على الماضى او الحاضر سوف يخسرون المستقبل. (جون كنيدى).

الرابعه بعد منتصف الليل استيقظت جنه بابتسامه على وجهها، وحلمها المعتاد عانق ليلتها ليمنحها السكينه...
نظرت لابريق الماء بجوارها لم تجد فيه ماء فأخذته و خرجت من الغرفه بهدوء لتملأه، تحركت على الدرج ببطء و لم تُشعل الضوء حتى لا تُقلق احد..
وصلت للمطبخ بسلام اتجهت للثلاجه و اخرجت الماء و ملأت الابريق ثم تحركت عائده لغرفتها...

في ذلك الوقت كان عاصم قد استيقظ ايضا، فالان سيتحرك لمكان عمله، حمل حقيبته وهبط للاسفل، بهدوء دون ان يُقلق احد فهو يكره ان يتنظم الجميع امامه مودعين بدراميه لا يقبلها ولا يحبها كأنه راحل بلا عوده، فهو يحب الخروج دون ان يراه احد او يودعه احد!
فتح باب سيارته و استعد للرحيل عندما تذكر ان زجاجه الماء معه فارغه فأخذها و عاد للداخل مره اخري تاركا باب المنزل مفتوح قليلا..

تقدم ببطء و لان غرفه والديه على بعد ما يقارب مترين او اكثر قليلا من المطبخ لم يُشعل الاضواء، عندما هم بالدخول وجد جنه على وشك غلق باب الثلاجه، لم يتبين ملامحها ولكنه عاد بغيظ للخلف..
فتلك الحمقاء الان لن تفعل شئ سوا انها ستصرخ و ان فعلت سيخنقها.
ان تحرك ستراه و ان ظل واقفا مكانه ستفزع بمجرد رؤيته باختصار في كل الاحوال ستصرخ ان رأته.
لابد ألا تراه.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة