قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الحادي والثلاثون

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الحادي والثلاثون

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الحادي والثلاثون

كان الجميع بالمنزل بانتظار عوده عاصم عدا حنين التى رفضت الدخول للمنزل و عادت و مازن لمنزلهم بعدما اوصت مها تطمئنها عليه اول ب اول، مرت ساعه حتى استمع الجميع لصوت سياره اكرم تدلف للمنزل و لكنهم تفاجئوا به يدلف بمفرده..
نهضت جنه و اقتربت منه بلهفه قلقه: فين عاصم؟
تنهد بضيق محركا رأسه يمينا و يسارا: معرفش..
اقترب عز منه و هتف بتعجب مستنكر: يعنى ايه متعرفش، مش انت قولت هيرجع معاك!

وضع اكرم يده يشدد على خصلاته بقوه: انا نزلت معاكم و لما طلعت فوق تانى ملقيتوش في اوضته، سألت عنه محدش شافه..!
اندفعت جنه تنهره بخوف: يعنى ايه محدش شافه و يعنى ايه ملقتوش؟ يعنى راح فين! ايه اللى انت بتقوله ده!

سقطت ليلي على الاريكه بانهيار فاقتربت منها سلمى و مها يطمئنوها رغم ان كلتاهما اجهدهما الخوف و القلق، اقتربت جنه من اكرم و دفعته بكتفه و صاحت بشبه انهيار: انت هتفضل واقف كده؟ اتصرف، اسأل، دور، اعمل اى حاجه، ثم امسكت بقميصه بقوه: عاصم راح فين يا اكرم؟ بالله عليك طمنى...!؟

نظر اليها و ابعد يديها عنه و قال باستنكار و مازال عقابه لم ينتهى و لن ينتهى و سينتهز من كل امر فرصه ليقتلها مرارا: انا مبقتش فاهمك، انتِ عايزه منه ايه بعد اللى عملتيه؟ عاصم مش هيسيبك على ذمته لحظه.
نظرت اليه بغضب و ابتعدت خطوه للخلف تصرخ بثقه باتت مهزوزه: انت متعرفش عاصم، عاصم مش هيسيبني انا متأكده، ثم صرخت: انا عاوزه بس اشوفه، كل ده مش مهم المهم اطمن عليه، اتحرك، اعمل حاجه..

ابتعدت عنه و اتجهت لامجد بانهيار: و انت الله يخليك اعمل حاجه...
ثم اتجهت لعز تصيح و هى تشير لصدرها ضاربه اياه: انا موافقه انه يعاقبني، موافقه انه يوجعنى و يجرحني زى ما عملت و اكتر بس بالله عليك يا عمو اتصرف و طمنى.
وضعت يدها على وجنتيها و اتسعت عينها و هى تنظر لملامح الجميع بذهول خائف، و كأن الخوف شريك حياتها متى ما ارادت التخلى عنه تمسك بها: هيكون راح فين، هيمشى ازاى، هيشوف ازاى!

صاحت بها بشكل هستيرى و هى تنتفض لشده بكاءها ثم توقفت فجأه و عقدت حاجبيها واضعه يدها على رأسها و دوار شديد يعصف بها و غمامات سوداء تصر على جذبها، ترنحت و سقطت ارضا شبه فاقده للوعى فهرع اكرم اليها فلم يعد يتحمل انهيارها هذا، اسندها على كتفه بينما ركضت مها للداخل لتحضر كوب ماء..

ضرب اكرم على وجنتها و هى تغيب عن وعيها تدريجيا و تهمس بتقطع يقتله الرعب من فكره اصابته بمكروه: ط، م، طم، طمنى، ع، طمنى، عليه، بالله، باالله عليك...
احضرت مها الماء و بدأت تنثر قطرات على وجه جنه حتى استعادت وعيها قليلا فانهمرت دموعها و هى تتمسك بقميص اكرم تتوسله عله يسمعها: عااصم فين يا اكرم؟ انا موافقه يأذينى بس ميأذيش نفسه، قلبى واجعنى يا اكرم و محدش هيطمنى غيره، بالله عليك اعمل حاجه بالله عليك..

اختنق صوتها بدموعها و انتفض جسدها فرفع يده ليحاوطها لكن رغبته في تعليمها هذا الدرس لم تسمح له، رغبته في جعلها تختبر الالم التى تسببت به لغيرها لم تمنحه الفرصه، توقف بيده على شكل قبضتين خلف ظهرها و لم يحاوطها، ثم اخفض يديه متجمدا مكانه هى تنتحب فوق صدره و هو مغلقا لعينه يتشبع بألمه لعدم منحها حنانه و يكتوى بألمها الذى يزيده بقسوته بينما في الواقع يتلهف شوقا ليمحيه، نظرت مها و سلمى ليده المتجمده خلف ظهرها و نظرت كلتاهما للاخرى متعجبه قسوته المفاجئه و على من، جنته الصغيره!

نهض اكرم و انهضها معه و اجلسها على الاريكه ثم استدار لعز الذى بارده بقوله: احنا لازم نبلغ البوليس؟
كاد اكرم يبتسم من اقتراح عز و لكنه تماسك موضحا: الشرطه مش هتعمل حاجه قبل 24 ساعه يا عمى خصوصا اننا هنخليهم يدوروا على نقيب في الجيش عنده 30 سنه..
هتفت ليلى بحسره: بس اعمى...!

شهقت جنه و ضمت ركبتيها لصدرها و هى تدعو بقلبها اليه و لكنها ما لبثت ان ركضت مسرعه للاعلى و دلفت لغرفتها توضأت مسرعه و خرجت وضعت سجاده الصلاه على الارض و بدأت تصلى و دموع عينها تكاد تجف و اثناء سجودها انتحبت بصوت عالى تدعو له حتى انقطعت انفاسها و تعالت شهقاتها و هى تشعر بروحها تزهق و قلبها يتمنى الاستسلام للتوقف عله يسكن، و اثناء سجودها شعرت بالظلام يلفها مجددا فسقطت مكانها مستجيبه له تماما...

وسط نسمات الهواء الهادئه، رائحه الاشجار و الازهار الملونه، صهيل اسود بجواره، يجلس هو بعتمته التى ستظل تصاحبه من الان و للابد، يداعب رأس حصانه بيده بينما قلبه و روحه يتصارعا ليهدأ...
تمتم بخفوت: كله اسود يا اسود ، مبقاش فيه ابيض و لا رمادى، كله اسود، عارف انت اسمك اسود بس حياتك لأ، لكن انا، استنى احكيلك من الاول، فارس ماات..!

اضطربت انفاسه و لكنه قرر انهاء قلبه و حرق روحه الان حتى يعود لعاصم اخر، عاصم بلا قلب بلا رحمه بلا مشاعر، عاصم اخر اعمى و لن يكون عماه بالرؤيه فقط و لكن بكامله.
فأردف ببطء: مااات قدامى، كنت جانبه و مش قادر اساعده، مقدرتش اكلمه او حتى اودعه، صديق عمرى بقى ( كان )، ماضى لو عملت ايه مش هيرجع، دى كانت بدايه نهايتى، ادركت فعلا ان لما بتخسر شخص عزيز على قلبك بتخسر جزء من قلبك معاه..

تحرك اسود برأسه اسفل يد عاصم فابتسم عاصم بألم ثم اردف ببطء اشد و بانفاس متقطعه رغم هدوئه: حنين، الورده اللى ياما اهتميت بيها، كنت برويها علشان تكبر و تفتح و لما فتحت، اتقطفت، هى كمان خسرت فارس، خسرت راجل حتى انا لا يمكن هعوضه في حياتها، شفتها قدامى ضعيفه و مكسوره و مقدرتش اعملها حاجه، لقيتنى فجأه متقيد زيها، هى خسرت زوج و انا خسرت اخويا، احنا الاتنين غرقنا في سفينه واحده، هساعدها ازاى؟

صمت قليلا بل طويلا طويلا، و اى كلام هذا يُقال الان، فأحيانا يكون صمتنا اصخب من كل ما يُقال، فالاحرف بُعثرت و الابجديه انتهت، عند هذه النقطه و لا يستطيع حتى تجميع ما يشعر به و لكنه جاهد ليفعل فان اراد المضى قدما عليه بتخطى كل ما بطريقه من حواجز: جنتى...!
اغلق عينه ليرى صورتها امامه، ضحكتها، عينها، شفتاها، و طفولتها،.

هناك ثقافه واحده
هى ثقافه القوة..
حين اكون قويا
يحترم الناس ثقافتى
و حين اكون ضعيفا، اسقط انا
و تسقط ثقافتى معى..
نزار قبانى
نظرت اليه بدهشه و عدم استيعاب لما يقوله و لكنها تجاهلت كل شئ و هتفت رغم تألمها من قبضه يده على ذقنها: انا مش فاهمه حاجه يا عاصم و بعدين، غشت عينها الدموع و همست بصدق وجع قلبها: كنت فين امبارح قلقتني جامد عليك؟!

قربها اليه اكثر ضاغطا جسدها بقوه، فتفرق الجميع من حولهم تاركين اياهم بمفردهم، مُعتقله بين يديه و هى تتلوى ألما من قبضته و تمتم بسخريه و خشونه: قلقتِ عليا! جديده دى يا حرمى المصون.
نظرت لعينه التى لم تعد تعج بمشاعره بل انطفئت تماما، كم ترغم بالاحتماء بحصونه السوداء و لكن كيف تحتمى بحصونه و هى مهدمه!
تماسكت قليلا لتتحدث و لكن قلبها لم يفعل: انا...
قاطعها ملتقطا كلمتها: انتِ بتتخنقى في وجودى،.

اتسعت عينها بصدمه وعُقد لسانها تماما ونظرت لعينه بتشتت فأكمل هو: جوازنا طوق ملفوف على رقبتك،
ابتعلت ريقها بصعوبه و اخرجت صوتها بالكاد: ان...
قاطعها مجددا يمنع حديثها كأنه لا يرغب بسماع صوتها: انتِ بتكرهيني، قالها بنبره ارعدت اطرافها، فحدقت بعينه لتجدها مركزه على اللاشئ فاغمضت عينها بألم ثم فتحتها و اقتربت منه لتضع يدها على صدره موضع قلبه وهمست و انفاسها تصطدم بعنقه: عاصم، ارجوك انا..

رفع يده ممسكا يدها مثبتا اياها على قلبه اكثر لتُفاجئ هى بهدوء دقاته على غير المعتاد كلما كانت بقربه، رفعت نظرها اليه فاردف بتذكر و هو يخبرها انه ابدا و ابدا لن ينسى كلماتها و لن تدمل ما تركت من ندوب به: انتِ تعبتِ و لو فضلتِ جنبى هتحسى انك بتموتِ،.

رفع رأسه للخلف و اتسعت ابتسامته بشكل جعلها لا تفعل شئ سوى التحديق به مرتعبه مما قد يفعل، ضغط يدها على صدره اكتر حتى ظهرت عروق يده و هنا اشتعلت نبضات قلبه مجددا و معها اضطرب جسدها كله عندما مال للامام قليلا يخاطبها كأنه يراها بل و تحرقها نظراته ايضا: شايفه ان بعدك عنى هيريحك، هتعيشى مبسوطه، جوازنا هو اللى مقيدك و مانع سعادتك؟!

اخفض يدها عن صدره معتصرا كفها بقسوه: انا بقى بكل سرور هحرمك راحتك، همحى سعادتك، هعرفك يعنى ايه قيود بجد، قبل يوم واحد بس كنتِ مراتى، حرم النقيب عاصم الحصرى لكن من النهارده انتِ ولا حاجه، لا له و لا لغيره...

رفع يده ممسكا كتفها مقربا اياها منه فشهقت بعنف متألمه فشعر هو بأنفاسها تصطدم بوجهه فاتسعت ابتسامته و خاصه مع انتفاضه جسدها الذى يدرى جيدا انه خوفا منه و استمر بسرد ما ينوى عليه معها: هتفضلى هنا، جنبى، تعيشى تنفذى اوامرى و بس، هتعيشى بدون هويه كأنك ولا حاجه، لا مراتى و لا لغيرى، لا انتِ عايشه و لا حتى ميته، لا هسيبك تبقى في سما و لا هرميكِ للارض..

جز اسنانه بقوه و اكمل و هى ترى عرقه الاسود ربما بقدر ما رأت من قسوته تختبر هذا للمره الاولى: كان في حاجه واحده بس هتحميكِ منى، و انتهت و انتِ اللى اختارتِ و انا مفيش افضل منى في تدمير حياه حد، بستمتع جدا..
دفعها عنه و شدد قبضتيه بغضب، كم كان يود رؤيتها الان، يود رؤيه الخوف المتجسد بعينها، يود الاستمتاع بنظرات الألم التى تصف نفسها بوضوح على وجهها،.

ابتسم بسخريه فالرجل الذى طالما تمنى رؤيه ابتسامتها اليوم يريد التلذذ بألمها، و القلب الذى طالما ارتجف لمجرد وجودها حوله اليوم يتصلب حتى بقربها..

اتسعت ابتسامته و رفع يده و امسك بالمحبس الذى يُزين اصبعه بإسمها و يعلن عن ملكيتها له و الذى لم يفارق يده منذ ان اصبحت زوجته بينما راقبت هى حركه يده و قلبها ينتفض حسره و الم و عقلها يتلوى ندما و لكن انفاسها تجمدت حين اخرج هو المحبس من يده و ضغط عليه باصبعه بقوه حتى تعرج قليلا ثم القاه ارضا ببروده لاذعه اصابت قلبها في مقتل و هى تراقب حركته الدائريه على الارض حتى سكن اخيرا فرفعت نظرها اليه بذهول متوجع و لكن لم ترى ما رغبت على وجهه، لم ترى تألم و لا حزن، لم ترى لهفه او ندم، لم ترى نفسها بعينه مثلما اعتادت فحصونه السوداء تهدمت و معها تهدم حبها داخل قلبه و تدمرت صورتها بمرآه عينه...

نقلت بصرها للمحبس على الارض مجددا فضمت يدها التى تحوى محبسه و لكنها شهقت بلوعه عندما وجدت اكرم يتقدم منهم داعسا المحبس بقدمه فنظرت اليه اعتقادا منها انه لم ينتبه و لكنها وجدته ينظر للارض متعمدا ثم رفع نظره اليه و بعينه نظره جعلت قلبها يتمزق اربا، نظره يقول بها انتِ لا تستحقِ سوى هذا، انتِ لا تستحقِ سوى الالم..

نقلت بصرها بينهم فأحدهم هو اخيها و الاخر زوجها، هذا يقتلها ببطء و الاخر يضحك على تألمها، هذا كان سندا لها واصبح اليوم محطمها، و الاخر كان سبب فرحتها و اصبح اليوم هو منتزعها..!؟
تساقطت دموعها و هى تشعر بيتمها جوارهم،
تشعر بحاجتها الماسه لحضن ابيها، ليضمها و يخبرها الا تحزن فهو لا يتحمل دموعها،
تشعر برغبتها الملحه في اللجوء لحضن امها التى لم تعرفه يوما و لا تملكها الان لتفعل،.

رفعت يدها واضعه اياها على فمها و عينها تنظر لهم كغرباء عنها، تعجز عن رؤيه من اعتادتهم فيهم، تعجز عن رؤيه حضن دافئ يحتويها..
فاليوم للمره الثالثه تيتمت
و الاسف الاكبر انها تشعر بهذا و هم معها...!

السلام عليكم..
القاها مازن وهو يقترب من حنين الجالسه مع حياه بحديقه المنزل، اجابته الاثنتان فاقترب جالسا امامهم متسائلا باهتمام: لسه مش ناويه تروحى تطمنى على عاصم يا دكتوره؟
اشاحت بوجهها و اجابته بنفى قاطع: لا مش هروح..
اومأ مازن برأسه و اردف باحتواء موافقا اياها و معارض بالوقت ذاته: معاكِ حق جدا، و محدش يقدر يلومك على قرارك ده بس كمان واجبك كأخت بيحتم عليكِ حاجات لازم تعمليها..

صمتت حنين و لم تتحدث فنظرت اليه حياه و منحته نظره هادئه بمعنى اصبر و نهضت هى و لكنها توقفت خلفه عندما استمعت ما همس به بحنان مفرط: يمكن مليش حق اتدخل بس هقولك كلمتين كان دائما فارس يقولهم ليا...

استدارت حنين بسرعه مستمعه بلهفه عندما ابتسم مازن بشوق للماضى و عينه تشرد بعيدا ربما لذكرى يوم جمعته بأخيه: كان دائما يحط ايده على كتفى و يقولى، احيانا بنضطر نفكر في الناس اللى حوالينا اكتر من نفسنا، بننسى حزننا و ألم قلبنا حتى لو منهم، علشانهم، علشان هما في الوقت ده محتاجين لنا جنبهم، رغم جرحنا منهم بنفكر بس انهم في لحظه كانوا السبب في رسم ضحكه على وشنا و وقتها بنتأكد تماما انهم يستحقوا انك تتخلى عن وجع حزنك و لو لمره علشانهم.

عاد ببصره اليها و عينه تفيض بشوقه لاخ لن يجد له بديل اينما بحث ليجد عينها تفيض بعشق لم يراه و لن يراه سوى لاخيه فلا يوجد من يستحقه غيره، فرفع يده ليزيل الدموع العالقه بجفنيه و ابتسم بود مضيفا: بلاش والدك او والدتك، فكرى في عاصم و وقتها بس قررى اللى هتعمليه..

رفعت يدها لتضعها على قلبها و اغلقت عينها ثوانى لتسقط تلك الدمعه التى ما عادت تفارقها ثم قالت بثقه تجيبه و هى تنظر اليه مزيله تلك الدمعه: انا مش هروح هناك مش علشان اهلى بس، لا علشان عاصم كمان، عاصم دلوقتى وجودنا جنبه و لهفتنا و حزننا عليه هيحسسه بالعجز و ده هيتعبه و هيغضبه اكتر، احنا لازم نتعامل مع الموضوع ببساطه علشان هو ميحسش باننا مشفقين عليه لان عمره ما هيفهم خوفنا عليه و مش هيشوف حاجه غير العجز و الشفقه...

صمتت لحظات و ابتسمت بحنين قاتل و هى تردف كأن ما تحكيه لم يمر عليه اشهر و اعوام: فارس كان دايما يقولى كده، قالى ان التجاهل لمشاكل عاصم او وجعه هيخليه يتعامل معاها بتجاهل زينا على عكس لو جزعنا هيغضب و هيشوف المشكله مش موجعه قد ما هتحسسه بعجزه و بشفقتنا..

اخفض مازن نظره و اومأ برأسه موافقا و كلاهما شرد في فارس و حديثه معهم، فهكذا هم بعض الاشخاص، رغم بعدهم قريبون، اشخاص كالماء تماما لا يعيش احد بدونها...
وهكذا هو فارس سواء معهم - من قبل بجسده اواليوم كذكرى - دائما يساعدهم، دائما معهم وسيظل..

و خلفهم تنظر حياه اليهم بابتسامه فيبدو ان فصل الشتاء اوشك على الانتهاء، سيتوقف المطر و يهدأ الرعد، لتشرق الشمس بقوه لتفرض نفسها بانفعال و عنفوان لتُنير السماء رغما عنها، و ربما حتى على غفله منها..

استيقظ معتز من نومه ليجد نفسه متسطحا على الفراش و رأسه ترتكز على جسد هبه فرفع رأسه لاعلى ليجدها تطل عليه من علو و هى تداعب خصلاته بيدها فتنهد بابتسامه صافيه: صباح الخير..
ابتسمت و تمتمت تجيبه: صباح النور، اتأخرت في النوم النهارده، الساعه دخلت على عشره..
نهض بتكاسل ثم عقد حاجبيه بدهشه متسائلا بتعجب: انتِ مش هتروحى الشركه؟

ابتعدت عنه واقفه تفرد جسدها بتعب و ارهاق فتحمل جسده طوال الليل كان مؤلم نفسيا و جسديا: لا هروح بس كنت مستنياك تصحى..
نظر اليها لحظات ثم نهض عن الفراش و اقترب منها ضاما اياها لصدره بقوه و احتياج و همس بنبره متمنيه: ربنا يخليكِ ليا يا فلتى..
ابتسمت بخفوت ثم ابتعدت عنه: يلا علشان تنزل الشركه انت كمان..

اومأ برأسه و اتجه للمرحاض وعندها وضعت هى يدها على بطنها و شردت بحزن: نفسى بابا يعرف عنك بس مش قادره اقوله، سامحنى يا حبيبى غصب عنى..

تنهدت و خرجت و هى تدعو الله الا ترى وجه تلك الفتاه و لكن دائما ما تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن فعندما خرجت من غرفتها كانت سالى تخرج من الغرفه المجاوره هى الاخرى فنظرت كلا منهما للاخرى ثم تركتها هبه متحركه للمطبخ اعدت عده شطائر و كوبين من العصير و حملته للخارج لتجد سالى تقف امام معتز تهندم خصلاته بشكل عصرى احمق و هذا ما لم يروقها ابدا و يبدو انه لا يروق معتز ايضا فهو على ما يبدو يقف متأفأفا يزيح يدها مرارا عن خصلاته..

فابتسمت هبه فها هى معركتها تبدأ اليوم مبكرا، لملمت كبريائها، غضب قلبها و صبرها كله و اتجهت لغرفتها وضعت الطعام على الطاوله الصغيره بالداخل و خرجت مجددا اقربت منهم و تأبطت ذراع معتز تجذبه معها و هى تبتسم لسالى بسماجه مغيظه اياها: هنفطر...
و تحركت بمعتز من امامها فامسكت سالى بيد معتز الاخرى و صاحت بغيظ هى الاخرى ترغب بحرق مشاعرها و جعلها تشيط غضبا و غيظا: و هو انا مش هفطر و لا ايه؟

وقفت هبه امام معتز قليلا و وضعت يدها على يد سالى و ازاحتها تجيبها بلامبالاه: تفطرى او ماتفطريش ميشغلنيش،
و تحركت بمعتز مجددا و لكن سالى اوقفتهم و باحتقار اضافت بتعالى: طيب يلا بقى حضرى الفطار ليا..
و هنا كان معتز من ازاح يدها و امسك بيد هبه و اوقفها خلفه ليقول باستنكار ساخط: بأى حق ده؟ هو انتِ صغيره و لا ناقصك ايد تعملى او رجل تقفى؟! المطبخ جوه اهه اعملى اللى انتِ عاوزاه..

ثم مال عليها قليلا و همس بتحذير اخر يخبرها به ان هبه لديه خط احمر: ماتختبريش صبرى يا سالى، علشان اخره مش هيعجبك...
استدار لهبه متحركا بها لداخل غرفتها و اغلق الباب خلفه و جلس على الاريكه الصغيره امام الطاوله فاحضرت مقعد و وضعته امامه تحدق بوجهه قليلا قبل ان تتسائل متعجبه معبره عن عجزها في فهمه: انت اتجوزتها ليه يا معتز؟

اغلق عينه و صمت مستندا برأسه على حرف الاريكه فعاودت سؤالها مجددا و رغم انها قررت ان لا تفعل هذا و لا تسأله و لكن امام مواقفه الغريبه لا تتحمل صمتا: جاوبنى يا معتز، اتجوزتها ليه؟
و ايضا لم يجيبها فنهضت لتجلس بجواره و وضعت يدها على ركبته هاتفه بحده: انا بسألك يا معتز، رد عليا، ليييه؟ اتجوزتها لييه؟
اعتدل بغضب ممسكا يدها بقوه و صاح بنفاذ صبر، قوه و طاقه: بسببك...

اتسعت عينها بدهشه و هى تراقب غضبه الذى تراه الان و همست باستنكار متعجب: بسببى انا!
لمعت عينه بخوفه و نهض مبتعدا عنها و هو يشيح بيده صارخا معبرا عن مخاوفه و ان لم تستوعب: ايوه بسببك انتِ، بسبب حبى ليكِ و خوفى من خسارتك، بسبب كرامتك اللى اختارتِ انها تبقى حاجز بينى و بينك، بسبب عجزك انك تطمنى قلبى بوجودك جنبه، بسبب عقده اتولدت جوايا و للحظه حسيت انك هتمحيها بس انتِ غذتيها اكتر لحد ما اتغلبت عليكِ...

ضرب يده بالحائط و هتف بوجع: و اتحكمت فيا..
ظلت تتابع ظهره المنتفض غضبا و يده المرتجفه بذهول ثم اخذت نفس عميق فوقت الحديث لم يحن بعد نهضت و وضعت يدها على كتفه و ادارته اليها و ابتسمت بخفوت و كأنه لم يتحدث و كأنها لم تسأل: يالا علشان تفطر..

نظر لها بغضب يمتزج بذهوله من تغيرها المفاجئ هذا و في فوره غضبه هذه لم يستوعب هدوئها فابتعد عنها و هم بالخروج من الغرفه و لكنها امسكت يده تجلسه مردفه: لازم تفطر علشان علاجك..
نظر اليها قليلا و حاول تركها و الخروج مجددا و لكنها اوقفته مره اخرى و تمتمت بعاطفتها الحانيه على قلبه: علشان خاطرى يا معتز..

زفر بقوه و استسلم بالنهايه و جلس تناول افطاره معها و اخذ ادويته ثم نهض و اخرج اغراضه راحلا لعمله، فأمسكت يده مجددا فقال دون ان ينظر لها: ايه تانى؟!

دفعته باتجاه المقعد امام المرآه واجلسته لتُمسك بعدها بفرشاته و بدأت بتصفيف خصلاته و هى تبتسم بحالميه تزيل ما فعلته تلك البلهاء بشعره بينما ظل هو يتابع انعكاسها في المرآه و عينه تفيض بمشاعره المضطربه و دواخله المشتته حتى انتهت و مالت عليه تستند برأسها على رأسه: تعتقد هتفضل المرايه دايما جامعه صورتنا كده، هتفضل محوطانا جواها كأنها بتقول مكانكم سوا و بس، تعتقد المرايه مش هيجى يوم و تتكسر يا معتز؟

و كأنها تزيد خوفه خوفا و تخبره ان لصبرها، محاولاتها و تمسكها به نهايه، حتما و نهايته معها ستكسره يعلم جيدا، ضم يديها حول عنقه و عبر عن ملخص حياته بدونها او ما الذى قد يدفعه ليكون بدونها: يوم ما المرايه هتتكسر انا هتكسر معاها يا هبه و انا يوم ما هتكسر مش هفضل في حياتك ابدا...

نظرت لعينه بقلق و نظر هو اليها بخوف، فأحيانا يجرح الورد زارعه، احيانا يقتل الاسد مروضه و احيانا تلدغ الافعى مربيها، و هكذا هو القلب يمزق صاحبه و من عشقه ايضا..

خرج معتز من المنزل و لاحظ ان هاتفه مغلق ففتحه ليجد كم هائل من الاتصالات و الرسائل من مها، فبعث اليها برساله، و في هذا الوقت كانت هى تستعد للذهاب للشركه فحسب معرفتها بعاصم هو لن يتحمل ان يظل الجميع حوله، العلاج الوحيد له الان ان تستمر حياته و حياتهم كما كانت حتى اشعار جديد قد يمنحه فرصه ليُنفس عن غضبه و لربما عن شعوره بالعجز الذى يخفيه خلف قلاع من قوه..
وصلتها رساله معتز خير يا مها؟

اسرعت بالرد انت فين يا معتز بقالي يومين بحاول اكلمك تليفونك مقفول؟!
جلس بسيارته و استقبل ردها ليجيبها موجود اهه يا مها، خير!
لم تدرى كيف تخبره هكذا فارسلت مأجله الامر لاجل مسمى انا هروح الشركه دلوقت هستناك هناك، لازم تيجى ضرورى
قرأ رسالتها بدهشه و لكنه ادرك ان الامر جلل و لهذا نبض قلبه بقلق من كونها عرفت ما فعل فهو مدرك جيدا ان الامر لن يمر عليها بسلام و لكنه بعث خلاص ماشى، مسافه السكه.

ف هذا الوقت هبطت هبه وجدته ما زال بالاسفل فنطرت اليه بتعجب فأشار لها لتصعد فاقتربت منه: اركبى هوصلك..
فعقدت حاجبيها و هى تقصد المعنى الحرفى لما قالت: بس احنا طريقنا مش واحد..!
و لكنه نال منه معنى مجازا و انقبض قلبه من ان تعينها يوما ما فصاح باصرار: اركبى يا هبه، حتى لو طريقى مش طريقك هكمل معاكِ للاخر..
عقدت حاجبيها باستغراب اكبر فهتف بنفاذ صبر: يلا يا هبه..

صعدت للسياره بجواره فتحرك بها هو و هو يشعر بقلبه جزعا بشده فما اعتقد انه سيهون عليه ابتعادها ان فعلت، اصبح هو هاجسه الاكبر الذى حتما في يوم ما سيُسبب ابتعادها..

أُحبكِ
هذا احتمال ضعيف، ضعيف
فكل الكلام به مثل هذا الكلام السخيف
أُحبكِ، كنت أُحبكِ ثم كرهتكِ
ثم عبدتكِ، ثم لعنتكِ
ثم كتبتكِ، ثم محوتكِ
ثم لصقتكِ، ثم كسرتكِ
ثم صنعتكِ، ثم هدمتكِ
ثم اعتبرتكِ شمس الشموس، و غيرت رأيى
فلا تتعجبى لاختلاف فصولى
فكل الحدائق فيها الربيع و فيها الخريف.
نزارقبانى.

دلفت نجلاء و بيدها شذى لمنزل عز فاستقبلتها ليلى و هى تحتضن ابنتها التى قضت الايام الماضيه بمنزل نجلاء حتى لا تعاصر ما يحدث بالمنزل..
اقتربت منها نجلاء هاتفه بجزع مصطنع: ايه اللى انا سمعته دا يا ليلي، هو فعلا عاصم اتعمى...!؟
عقدت ليلى حاجبيها بألم و نظرت ارضا بضعف و عجز..
اصابه مؤقته و انا متأكده انها مش هتطول..

استدارت نجلاء لجنه التى تقف خلفها عاقده ساعديها امام صدرها بثقه، نظرت اليها من اعلى لاسفل تسخر: انتِ شرفتِ هنا تانى؟
ابتسمت جنه و هى تحتضن شذى التى ركضت اليها و تكلمت بثقه و ثبات: و هفضل مشرفه هنا عالطول..
عقدت نجلاء حاجبيها بضيق فهذا ما لا تريده: و عاصم هيسمحلك بكده؟
اقتربت منها جنه خطوه تجيبها بنفس الثقه التى لا تدرى ما مصدرها: انتِ متعرفيش ان هو اللى طلب منى!

اقتربت نجلاء الخطوه الاخرى حتى وقفت امامها تتعجب: طلب منك ايه؟
ارتجفت عين جنه متذكره تصريحه برغبته بتدمير حياتها و انتزاع سعادتها و لكنها ابتسمت و هتفت تمنح كل ذى غرض غرضه: قالى بالحرف كده، انتِ هتفضلى هنا، جنبى.

احتدت عين نجلاء و نقلت بصرها لليلى التى كانت تراقب قوه جنه المفاجأه بعدما علمت منها ان نجلاء كانت السبب في انطلاق عاصم اليها بغضب، زفرت نجلاء و تركت المنزل و خرجت و هى ترى بوضوح فشل خطتها، تتابعها عين جنه التى ادركت انها لابد ان تدافع عن حقها طالما تنازلت عنه مره...
مرت ام على من امامهم و هى تحمل كوب من القهوه فاوقفتها جنه بلهفه: دا لمين يا ام على؟
تمتمت ام على و هى تنظر لاعلى: لكابتن عاصم يا بنتى.

اقتربت منها جنه و حملته عنها قائله و اشتياقها لرؤيته يعصف بها: انا هطلعه له يا داده..
وضعت ليلي يدها على كتفها و تحدثت بقلب ام خائف: بلاش يا جنه، انا مش عاوزه ابنى يتعصب هو فيه اللى مكفيه..!
استدارت اليها جنه و همست ببراءه طفوليه: انا مش هعصبه يا ماما انا هسيب له القهوه و همشى..
نظرت اليها ليلى بدهشه و تمتمت خلفها: ماما!

ابتسمت جنه بارتجاف و دارت عينها يمينا و يسارا و الدموع تتجمع بها و هى تقرر فتح صفحه جديده تماما بحياتها و القاء الماضى خلف ظهرها عنوه: هتسمحيلى و لا مش هتقدرى؟
لمعت عين ليلي بالدموع و همت بالاقتراب منها و لكنها تذكرت ما قاله اكرم عما فعلته و ما قالته هى لعاصم، فعادت للخلف مجددا و هتفت بحده متجاهله فرحه قلبها: لو اضايق من وجودك ان مش هسمحلك تقربى منه تانى..

و بيأس اجابتها تحارب عن حقها به و ان كانت قد تأخرت: عاصم جوزى، يمكن اتأخرت قوى على ما فهمت ده بس كمان اللى انا خربته ب ايدى هبنيه تانى ب ايدى، يا ماما.
و تركتها متحركه لاعلى باتجاه غرفته فراقبت ليلى انصرافها و همست بترجى: يارب احمى ولادى يارب..
وقفت جنه امام غرفته متذكره امره انا مش عاوز اى مخلوق يقرب بس من باب اوضتى.

طرقت الباب بهدوء و قلبها ينتفض خوفا و لهفه و لكن لم يصلها اجابه، طرقت الباب مجددا و لكن لم يجيبها ايضا، فتماسكت قليلا و وضعت يدها على مقبض الباب و فتحته بهدوء لتجده مسطحا على الفراش يضع ساعده على جبهته مخفيا عينه بها و يده الاخرى على صدره مستكينا تماما، اغلقت الباب ببطء و اقتربت منه وضعت كوب القهوه على الطاوله بجوار الفراش و جلست على طرف الفراش بجواره، ظلت لحظات تنظر اليه فقط ثم رفعت يدها لتضعها على خصلاته بالكاد تلمسها و اوشكت على التحدث: ان..

و لكنها انتفضت بقوه عندما ابعد يده عن رأسه ممسكا يدها بتلك القسوه التى بات يعاملها بها فشهقت بألم و هو يعتدل و مازال ممسكا بيدها ليقف موقفا اياها امامه لتتساقط دموعها تباعا عندما هدر بها: انتِ مين سمحلك تدخلى هناا؟
انتفضت بين يديه فعقد حاجبيه و غضبه يتصاعد مع عجزه عن رؤيتها و صاح و هو يدفعها عنه: انا مش قولت مش عاوز مخلوق يهوب هنا، انتِ ايه مبتفهميش؟

سقطت ارضا اثر دفعته لتصطدم رأسها بحرف الطاوله لتصيح بعدها بألم حارق و قطرات القهوه تراق على عنقها و كتفها اثر اهتزاز الكوب، و بالطبع من لا يرى لا يعرف فصاح مجددا بقوه: اخرجى بره..
ثم انخفض اليها ممسكا بها لا يدرى من اين: مش عاوز احس بس بوجوك حواليا، فاهمه؟
ثم دفعها مجددا لتسقط مره اخرى: اخررجى..

استندت على الطاوله خلفها و هى بالكاد تلتقط انفاسها و جسدها ينتفض خوفا، الما و حزنا، استندت بهدوء على الارض لتنهض و عنقها يصرخ وجعا و لكنها لم تستسلم نهضت و اقتربت منه لتقف امامه و بدون مقدمات وضعت رأسها على صدره و يديها حول خصره لتبكى بصوت عالى لعل قلبه يسمعها فيحن، او يشفق عليها صدره فيضمها، او حتى تحزن لاجلها يداه فتحتويها، و لكنه لم يجد في نفسه سوى نفور و غضب فدفعها عنه بحده فتراجعت للخلف حتى كادت تسقطت مجددا و هو يصيح بعنف: اطلعى من هنا و الا انا مش عارف ممكن اعمل فيكِ ايه، اطلعى بره..!

انتفضت و هى تشعر بنفسها كطفل ابعدوه عن حضن امه، او ورده اقتلعوها من حضن بستانها، فهى بعيدا عن حضنه كشخص عارى في يوم قارص البروده، بعيدا عنه هى يتيمه حُرمت تماما من حضن امها و لكنها بحضنه الان كيتيمه تُلقى بنفسها بين احضان زوجه ابيها لعلها تجد حنان امها، و جعلها هو تدرك الفارق!

خرجت من الغرفه مسرعه مغلقه الباب خلفها لتستند بظهرها عليه من الخارج ليتساقط جسدها عليه حتى جلست ارضا تضم ركبتيها لصدرها تبكى و هى تحاول كتم شهقاتها بين طيات ملابسها، لم تعد تتحمل...
قيد خلف قيد و ألم يتلوه اخر..
قلبها يعانى و لا احد بجوارها..

نهضت مسرعه لتتجه لغرفتها لتخرج صندوق رسائل والدتها لها و لوالدها و همست و هى تضمهم لصدرها: كنت دائما بتقولى يا بابا انى جنه صغيره، اى حد بيدخلها بيحبها و ميتحملش يخرج منها و انا صدقتك وقتها..
انتفض جسدها و اخذت تحركه للامام و للخلف و هى تردف بطفوليه ضائعه: بس انت كدبت عليا يا بابا، كله خرج منها، ماما خرجت منها، انت خرجت منها و اكرم كمان و دلوقت...

اختفى صوتها بشهقات حاده و هى تضم صورتهم لها و دموعها تحكى البقيه من كلماتها، و يدها تمسد عنقها التى تركت القهوه ندوبها عليه بجوار سلساله، لتتعجب ايزين جيدها ام يشوهه؟
اما هناك بغرفته عاد بخطوات متعسره للفراش ليُلقى بجسده فوقه لاعنا ذلك الظلام الذى يغلف روحه قبل عيناه، كل ما به صار معتم، حتى قلبه،
لم يعد يرى نورا بجوارها، لم يعد يصعب عليه قربها البعيد، لم يعد يعرفها...

كانت حتى الامس جنته و لكنها اليوم ليست بجحيمه حتى...
لم يعد يجد لها تعريفا داخله و الاسوء انه لم يعد يجد لنفسه حتى تعريفا..
عاش 30 عاما دونها، سعيدا هانئا، لتأتى هى لتجعله اخر لا يعرفه، عاش قبلها حياه و لكن ما عاشه معها ليس بحياه واحده و لكن اين هذا ما عاشه قبلها!
وضع يده على عينيه يضغطها بقوه، حياته اصبحت حياه بعدما دخلتها هى، قلبه ظهرت نبضاته عندما عبثت بها هى، عقله ادرك تشتته عندما سيطرت عليه هى،.

لم يعرف قلبه الهوى الا بيدها، لم يهفو جسده لعشق الا اليها و لم يعرف يوما عجزه الا امامها..
هى امرأه جمعت كل النساء بها، لتسكنه و لا مكان لاحد بعدها، فهو عشقها ف تاه العشق عنها فكان للجميع بَيّن ايلاها و اليوم تاه عشقه عنه و ربما تاه هو عن عشقه..
و رغم الالم، رغم الجرح و رغم الوجع لم يكرهها قلبه و لن يفعل..
فقلبه ببساطه اختارها و تركه،
اصبح هو عاصم لنفسه و قلبه عاصم اخر لها،.

يعيش هو بلا قلب و يحيى قلبه بجوار قلبها...

في غرفه صغيره، يغزوها رائحه كريهه، اربعه جدران تطبق على انفاسه..
يجلس ارضا ناظرا لشعاع الضوء الذى يمر من فتحه النافذه الصغيره قُرب سقف الغرفه..
شعور الظلم لا يُحتمل...
فما اشد وجعه و ما اقساه من شعور...!
تشعر بروحك تصرخ ببراءتك و لكن لا احد يصدقها..
عندما تحارب ظلمك لا صوتك فقط و لكن كل جسدك يصرخ معك و لكن من ظلمك ظلمك و قضى الامر، و لكن ان يفعلها الحفيد!

ذلك الصغير الذى تربى على يديك، ذلك الصغير الذى طالما منحته القوه و حفزته للشجاعه، ذلك الصغير الذى طالما داعبته و نام بجوارك..
هو نفسه ذلك الذى القى بك بين اربعه جدارن ليشهد كل واحدا منهم على ضعفك امام من منحته القوه، هو نفسه من وقف امامك ليوجه اتهامه بقسوه و قوه ليتألم قلبك قبل جسدك..
فتشعر بالعجز عن الدفاع فليس هناك من يستمع اليك حتى..

قطع افكاره صوت صرير الباب العالى اثر فتحه لينظر امين للعسكرى القادم و هو يجذبه معه للخارج: قوم معايا في ضيف مستنيك بره..
نهض امين بتثاقل و سار معه حتى دلفوا لغرفه اخرى يجلس بها ظابط القضيه و الذى ترك المكتب و خرج تاركا امين مع ضيفه الذى لم يكن متوقع ابدا..
جلس امين امامه فبدأ اكرم بالتحدث باحترام مقتضب: ازيك يا حاج امين؟
اجابه بهدوء غريب على رجل بمثل جبروته: نحمد الله يا ولدى..

اقترب اكرم منه و تسائل بقوه و هو يشعر ان في الامر امور اخرى: انت اللى قتلت فارس يا حاج امين؟
وضع امين يده على وجهه و تمتم بضعف اظهره سنه و الذى اخفاه دائما خلف اقنعه القوه: يشهد رب الخلج عليا، محُصلش، و الله العظيم ما حُصل...
لم تتغير نظره اكرم الثاقبه و قال بنفس النبره القويه: و ليه المتهم اعترف عليك انت؟

امسك امين بجلبابه و رفعه واخفضه عده مرات و هو يصيح بعدم استيعاب: مخبرش، انى معرفهوش واصل و مخبرش بيلبسنى في التهمه دى ليه عاد...!؟
صمت اكرم قليلا ثم اقترب منه رابتا على كتفه بهدوء: اسمعنى كويس يا حاج امين انا جاى النهارده علشان احكيلك الى اعرفه لانى محتاج مساعدتك..
نظر اليه امين بترقب: تحكيلى على ايه يا ولدى!، و مساعده ايه و كيف و انى مسجون اكده؟

اعتدل اكرم بجلسته ينظر اليه بجديه و يستعيد ما سرده جده مجدى على مسامع امين و الذى يدرك جيدا انها ستقلته غضبا: فاكر اللى حصل من اكتر من 25 سنه يا حاج، لما طردت ابنك من البيت و لما جدى مجدى حاول يقتل امى فهرب ابويا بيها..؟
عقد امين حاجبيه متذكرا احداث الماضى التى لم تغفل عن عقله يوما: فاكر كل حاجه زين، بس ليه بتسأل دلوجت؟

راقب اكرم اضطرابه و لا ينكر انه ايضا ارتجف من وقع ما سيقوله على اب، خانته ابنته لتجعله يتخلى عن ولده و ليس عام فقط بل عمر كامل، و لكنه قرر افصاح الحقيقه ليعيد الحقوق لاصحابها مهما كلف الامر: بنتك يا حاج امين، بنتك السبب في كل حاجه..
نهض امين واقفا بذهول و صاح يمنعه من اتهام صغيرته المحببه كما يراها: بااااااه، انت بتجول ايه، انت خابر كيف بتتحدت؟

نظر اكرم اليه و استعدى كل ما يملكه من هدوء و تحدث بصبر و طول بال لا يمتلكه الكثير: اقعد يا حاج امين و اسمعنى للاخر.
جلس امين و هو يكاد يفقد عقله رغم ان اكرم لم يخبره بشئ بعد و لكنه يشعر ان ما سيسمعه الان لن يجعله يرتاح البقيه الباقيه من عمره، نظر اليه اكرم قليلا ثم فجر ما بجعبته بقوه و دون تردد فهى يدرى مدى صعوبه ما سيقوله على اب بل و صعيدى: بنتك هى اللى دنست شرفك..

انتفض امين كمن لدغته افعى و هدر به و هو يعتقل ياقه قميصه بين يديه: انت اتجننت واصل، كيف بتجول اكده؟!
وضع اكرم يده يمسك بيد امين و صاح هو الاخر: اهدى يا حاج و اسمعنى...
صاح امين بغضب يرفض المزيد: لاااااااه اسمع ايه بجى، انت خابر انك بتتكلم عن شرف امين الحصرى.
ابعد اكرم يده عنه و اجلسه مجددا و هو يحاول ادراك الموقف: لا تقعد و تسمعنى، الكلام اللى هقوله لك ده الحاج مجدى هو اللى قالى عليه..

نظر اليه امين بغضب: جول، انى سامعك اهه..
شدد اكرم قبضتيه يردف بأكثر الكلمات لباقه: فاكر قبل المشاكل دى كلها لما اجتمعت العائلات كلها وانت اعلنت فيها قرارك انك هتكتب لكل ولد من ولادك نص املاكك و مدام نجلاء تعيش تحت طوعهم..
عقد امين حاجبيه متذكرا: ايوه فاكر..
اردف اكرم: و بعدها باسبوع بس حصلت الفضيحه بتاع ابنك اسامه و طبعا تمسكه ببنت الشرقاوى خلاك مصمم تطرده من العيله لحد ما عملت كده فعلا، صح؟

اجابه امين: صوح..
نظر اليه اكرم بحده موضحا: الفضيحه اللى حصلت دى بنتك اللى دبرتها علشان تخلص من الاخ الاول و يزيد ورثها و المشاكل اللى حصلت بين باقى العائلات هى اللى دبرتها برده، باختصار هى اللى ضربت كل العصافير بحجر واحد...
صاح امين بدهشه: كيف؟

وضع اكرم يده على جبينه و بدأ بسرد ما فعلته نجلاء و واقع الحقيقه التى اخفتها عنهم طوال تلك السنوات، حتى انتهى و كان امين في وضع لا يحسد عليه من احساس بمدى ظلمه لابنه، غدر ابنته و اهدار شرفه، كان يعتقد انه من وجه الطعنات و تخلص من المخطئ و لكنه ادرك الان انه لم يوجه الطعنات سوى لنفسه و بل و دافع عن المخطئ ايضا..

يتلوى هو قهرا الان من الظلم و لكن ما يحدث له الان لا يساوى شيئا بجوار ما اذاق غيره اياه، داين تدان، و كم كان دينه كبير و يبدو انه لم يدفعه بأكمله بعد..
تنهد اكرم مشفقا عليه: انا اسف بس انا كان لازم اقولك لانى محتاج منك خدمه..
همهم امين دون ان يلتفت له فبأى قوه يضع عينه بعين اكرم الان، بأى فخر يواجهه و هو من القى برأسه داخل الوحل، اردف اكرم: عاوزك تبعد نجلاء عن القاهره..

نظر اليه امين و لكن لم يسمح لاعينهم بالتلاقى: كيف اكده؟ انا لو هملتونى عليها هجتلها ومهخدلهاش عزا..
نهض اكرم و سار بعيدا عنه عده خطوات يتحدث بشرود: انا مش قادر اصدق ان اللى بيحصل في العيله دلوقت صدف، هو قدر و انا مؤمن بده بس حاسس ان نجلاء هانم هى اللى ورا كل الكلام ده...!
نهض امين ذاهلا و هتف باستنكار بعد تفكير قصير: بنتى اللى جتلت فارس؟!

استدار اكرم مسرعا ينفى: انا مقولتش كده بس انا مش مطمن لوجدها وسط العيله دلوقت و خصوصا في الظروف اللى بنمر بيها..
تمتم امين بترقب: عاوزنى اعمل ايه يا ولدى؟
ابتسم اكرم و اخبره: هقولك...

كانت سلمى تعمل بالمنزل عندما صدع جرس الباب، فتحته لتُفاجئ ب انجى و مروه فرحبت بهم على مضض: اهلا و سهلا اتفضلوا..
دلفت الاثنتان و جلستا و بدأت مروه التحدث: هو امجد لسه مجاش؟
ابتسمت سلمى و اجابتها باقتضاب و هى ترمق انجى بطرف عينها: لا يا طنط لسه، ثم نهضت و بواجب الضيافه اضافت: ثوانى اعمل حاجه نشربها،.

تمتمت مروه و هى تمسك بيدها لتجلس و على وجهها ابتسامه خبيثه: لا مفيش داعى خالص، اقعدى احنا جايين نشوفك بس..
نظرت اليها سلمى باستنكار متعجب و لكنها قالت بهدوء و ابتسامه جانبيه: تسلمى يا طنط و الله..
لحظات صمت و نظرات متبادله حتى تحدثت انجى بسخريه: الا قوليلى يا سلمى هو انتِ مش حامل؟

اتسعت عين سلمى بدهشه مردده خلفها: حامل!
نقلت مروه نظرها بين انجى التى تبتسم بخبث و سلمى التى تطالعها بدهشه و اجابتها هى: مالك اتخضيتِ كده هى بتسألك على حاجه عيب، انتِ داخله على سنه جواز و لسه مفيش حمل، و لا انت و امجد متفقين على كده بقي!

اشتعلت اوداج سلمى و كادت تنهض لتقتلها و لكنها تماسكت بأعجوبه و هتفت تنهى الحوار او هكذا اعتقدت: و الله يا طنط دا موضوع بينى و بين امجد و انا متعودتش ادخل حد في حياتى تحت اى ظرف..
احتدت عين مروه بغضب و هى ترمقها بنظرات تحتقرها تصيح بصوت عالى نسبيا: انتِ ازاى تتكلمى معايا كده يا بت انتِ؟! انا غلطانه انى بطمن على مستقبل ابنى...

عقدت سلمى حاجبيها هاتفه بذهول: بت! و ابنك!، هو انتِ بتتكلمى عن مين يا طنط معلش...!؟
قاطع كلامهم او بالاحرى المشاداه التى كانت على وشك الحدوث بينهما و هو يفتح الباب دالفا ليتسمر بدهشه عند رؤيتهم فليس بعاده هى حضورهم و لكنه تمتم و ابتسم جالسا معهم: السلام عليكم.
نهضت انجى من فورها مقتربه منه: و عليكم السلام حمدلله على سلامتك يا امجد..

نهضت سلمى هى الاخرى و اقتربت منه، اخذت حقيبته فابتسم لها و اتجه لمروه و جلس بقربها: ازيك يا طنط اخبارك ايه؟
اشاحت بوجهها متخذه موضع المظلومه: انا بتهان في بيتك يا دكتور، و من مراتك كمان..
نظر امجد لسلمى التى حدقت بها بذهول متمته بعدم استيعاب تتباع تلون تلك المرأه من حال لحال: بتتهانى؟!

ثم عاد ببصره لمروه و امسك يدها مقبلا اياها جابرا بخاطرها دون ان يسأل حتى: حقك عليا انا، متزعليش منها هى اكيد متقصدش..
نظرت سلمى لامجد باندهاش لتصديقه قولها و لكنه نظر اليها بمعنى اصمتى الان فصمتت بالفعل و لكن على مضض، ابتسم امجد بوجه مروه: منورانا و الله يا طنط..

بادلته مروه الابتسامه باخرى مصطنعه و هى تعيد فتح الحوار مره اخرى و كأنها لم تتعظ من المره الاولى: تسلم يا حبيبى، انا كنت لسه بسأل مراتك، هو احنا مش هنفرح بخلفتكم بقى..
ابتسم امجد دون اى تغير على ملامح وجهه و كأنه كان متوقع للسؤال: كل شئ بأوان يا طنط و لسه ربنا مأردش اكيد مش هنعترض.

اصدرت صوتا بجانب فمها تسخر: مسسم، ماشى يا حبيبى ربنا ينعم عليكم، بس انا شايفه ان المفروض مراتك تحلل و تطمن على نفسها اصلها اتأخرت و يمكن تكون...
قاطعها امجد محاولا التماسك بكل ما يملك من قوه فزوجه ابيه المبجله اخر من يحق لها التدخل بحياته بل اخر من تنصحه حتى: ادعيلنا انتِ بس يا طنط و باذن الله خير..

و لكنها لم تصمت و اضافت فيبدو انها راغبه بمزيد من الاستخفاف بها او ربما تسعى لاهانتها: قصدى يعنى تتطمنوا لا اكتر و لا اقل..
هدرت سلمى بعدما طفح بها الكيل و طال صمتها و هذا لم يكن يوما طبعها: حد قالك انن..
قاطعها امجد مانعا اياها من الاسترسال ممسكا بكفها: ربنا يطمنا جميعا، ان شاء الله..
ثم نظر لسلمى التى كانت تشتعل غضبا منه قبلهم: مش هتجبيلنا حاجه نشربها يا سلمى؟

نهضت سلمى بغيظ و لكنها توقفت عندما نهضت مروه و انجى التى لم تفارق عينها اياه مما دفع سلمى للاشتعال اكثر: لا ملوش لزوم احنا هنمشى و نبقى نيجى وقت تانى..
و خرجت كلتاهما و خلفهم امجد حتى اغلق الباب فعاد لسلمى التى نظرت اليه بغضب الدنيا و اتجهت مسرعه لغرفتهم فلحق بها مستعدا لصراخ و غضب كالمعتاد، فلقد اصبح هذا روتين حياتهم، اقترب منها و ادارها لتستقر امامه قائلا بمرح: غضبانه ليه يا ست المتمرده؟

دفعت يده عنها تصيح بعنف: غضبانه ليه! انت بتهزر يا امجد، بعد اللى انت عملته ده و بتقولى غضبانه ليه؟
اخذ نفس عميق محاولا المحافظه على بقيه تماسكه فارهاق اليوم كان شديد عليه: في الاول و في الاخر دى في مقام امى بتحبنى او لا ميخصنيش، لكن لازم انا و انتِ نحترمها تحت اى ظرف..

ابتعدت عنه خطوه و هدرت و هى لا تقتنع بكلامه فمن يحترمها فوق رأسها و من يفكر في اهانتها تحت قدمها: بس انا مغلطتش فيها هى اللى اتكلمت بإسلوب مش كويس و بعدين انا مبحبش حد يتدخل في حياتى يا امجد لا امى و لا امك دى بقي تتدخل بصفتها مين؟

اغلق عينه ثوانى لكى لا يصيح هو الاخر و لكنها لم تصمت بس صاحت بصوت اعلى: و بعدين ازاى اصلا ابقى بتكلم و انت تسكتنى كأنى عيله صغيره، انا عمر ما حد تجاهلنى كده و مش هسمح بكده يا امجد..
فتح عينه دفعه واحده يصرخ بها و قد فاض هدوءه بصراخها: صوتك ميعلاش يا سلمى، مش معنى انى بسكت و بسمعك انك تنسى انى جوزك مش واحده صاحبتك بتخنقيها..

نظرت اليه سلمى بدهشه فلأول مره يعلو صوته عليها، دائما ما كان يمتص غضبها، يحاول تهدأتها، يحتويها بسكونه و لكن كما قيل للصبر حدود !
نظر اليها لحظات ثم اردف و قد استعاد بعضا من هدوءه: اسمعى يا سلمى، انا عارف انها مبتحبنيش و لا بتحبك، بس اللى اعرفه انى اتربيت على احترامها و على فكره انا متأكد انك مغلطيش فيها بس لما اجى على مراتى هتستحملنى لكن لما اجى عليها يبقى انا محترمتش تربيه اهلى ليا..

جلس بارهاق بادٍ بوضوح على وجهه يكفيه من الجدال ما ناله: انا باجى من المستشفى مش شايف قدامى مش كل يوم مشاكل يا سلمى علشان خاطرى..
نظرت اليه قليلا ثم بعنف خرجت مغلقه الباب خلفها بقوه فتنهد ملقيا جسده على الفراش فاليوم جسده لا يتحمل اى ضغط اخر، و لا يتحمل نقاشات و دلال.

جلس معتز امام مها بغرفتها بينما القت هبه عليها السلام و دلفت لغرفتها مما اثار اندهاش مها فأشارت لمعتز في ايه انتم متخانقين؟!
ادرك معتز انها لا تعرف فأخذ نفس عميق و صمت فشعرت مها ان الامر غير مطمئن فنهضت عن المكتب و جلست على المقعد امامه و اشارت ببعض القلق في ايه يا معتز مالك؟

هم معتز بالرد عندما دلف محمود منطلقا للداخل و هتف بسخريه لاذعه منها و من زوج شقيقته المبجل: ماله؟ هو بعد اللى عمله بتسأليه ماله؟ صحيح ما انتِ شايفه انه يكمل حياته ببساطه كأن مفيش حاجه حصلت..
نهض معتز غاضبا يمنعه الاسترسال: انت بتزعق كده ليه يا محمود؟ مها متعرفش حاجه..
نظر اليه محمود بغضب ممسكا بياقه قميصه: و كمان ليك عين تتكلم يا ندل، و بتدافع عنها ليه؟ هى بنفسها كتبت لى انها شجعتك على اللى عملته..

نقلت مها بصرها بينهم بتعجب و قلق و هى لا تفهم عما يتحدثوا حاولت ايقافهم باشاراتها و لكن لم يلتفتا لها بل دفعها محمود بعيدا عنهم و تعارك مع معتز، و لكن معتز اوقفه و صاح هادرا: اتعلم تسمع يا بنى ادم انت...
اتجه بعدها لمها التى سقطت على الاريكه و معها تساقطت دموعها و انهضها: فيه ايه يا مها عاوزه تقوليلى ايه؟

نظرت لمحمود بطرف عينها و لم تساعدها ارتجافه جسدها على الاشاره فجلست على الاريكه فاتجه معتز لدفترها و احضره لها بينما شعر محمود بالندم لاندفاعه، اخذت مها الورقه و حاولت تثبيت يدها و كتبت و هى تواسى نفسها كى لا تحزن انا كنت بتكلم عن عاصم و الحادثه اللى عملها و انه اتصاب فيها بفقدان البصر
اعطت الورقه لمعتز الذى قرأها و هتف بدهشه: اتعمى!

اخذها محمود منه ليقرأها ففرغ فاهه من الصدمه، ثم اقترب منها يتسائل و هو يعاتب نفسه لتسرعه: انتِ كنتِ بتتكلمى عن عاصم في الرسايل؟
اومأت برأسها و دموعها تنساب ثم اخذت الدفتر من معتز و كتبت بضيق انت كنت فين الفتره اللى فاتت حصل حاجات كتير قوى و مكنتش قادره اوصلك؟ و بعدين ليه محمود متضايق منك كده؟! فيه ايه يا معتز؟

قرأها و اغلق عينه زافرا بقوه و هو يوبخ نفسه فماذا يقول لها الان، انه انشغل عن العائله ليتزوج بأخرى، ابتسم محمود باستهزاء شاملا معتز بنظره من اعلى لاسفل: طالما متعرفيش اللى اخوكى عمله انا هقولك..!
نظر معتز لمحمود يمنعه بتحذير: انا هتكلم مع مها يا محمود من فضلك خليك بره الموضوع..

هم محمود بانقضاض عليه مجددا و هو يصيح به فركضت هبه على صوتهم لتصرخ بمحمود ليبتعد، نظر الجميع اليها فاقتربت منه و وقفت بينه و بين معتز تتحدث بحزم و تحذير للمره الثانيه: انا قولت الموضوع ده يخصنى لوحدى، معتز اتجوز و خلاص و دا مش هيأذى حد غيرى فرجاءا كفايه بقى، متنسوش اننا في الشركه و كفايه فضايح...

اتسعت عين مها بصدمه و تراجعت بجسدها للخلف فاصطدمت بشاره اسمها على المكتب لتسقط ارضا فاستدار الجميع اليها و قبل ان يتفوه احدهم بكلمه اعلنت مها عن استسلامها من جميع الاحداث التى مرت بها طوال الايام الماضيه و سقطت فاقده لوعيها امام اعينهم هم، الاربعه.

تقدم اكرم منهم، فأحد الموظفين قد اخبره بمجرد رؤيته لعراك محمود و معتز ليهبط مسرعا فيُفاجئ بمها تسقط و هم الثلاثه متجمعين حولها، اقترب معتز منها رافعا اياها عن الارض ليجد خدش بسيط بجبينها اثر اصطدامها بحافه المكتب فحملها و وضعها على الاريكه فامسك اكرم بيد محمود و جذبه للخارج و قلب كلا منهما ينتفض جزعا على تلك المسجيه بالداخل..

احضرت هبه الماء و بدأت بسكب قطرات متتاليه على وجه مها و لكنها لم تستجيب و بعد عده محاولات استجابت لهم اخيرا و نهضت بتثاقل ممسكه بجانب رأسها، احتضنها معتز و همس بندم: انا اسف و الله اسف..
ابتعدت عنه و امتلئت عينها بالدموع واشارت بضعف فهى اكثر من تعرف شقيقها، لن يفعل ما قد يؤذى استقراره الا اذا كان يهرب ليه، ليه عملت كده؟

احتضنها مجددا فدفعته عنها و وقفت مسرعه فترنحت لتسندها هبه بينما هى اشاحت بوجهها عن معتز متجاهله اياه جمله و تفصيلا و اشارت له على باب الغرفه ليخرج، ففهم معتز انها بهذا تطرده، اتجه اليها مقبلا رأسها متمتما و هو يشعر بالاسف حقا، فأخر من قد يرغب بحزنها هى شقيقته ثم عزيزته الاخرى الذى قد كسرها بالفعل: انا اسف..
و تركهم و خرج وجد اكرم و محمود امام الباب فلم يعريهم انتباه حتى و تحرك مسرعا لخارج الشركه..

جلست مها و نظرت لهبه و اشارت لها بسؤال واحد و هى تنظر لعينها مباشره و يدها تتحرك ببطء متوقعه الرد بالايجاب حبيبته القديمه؟
اغلقت هبه عينها تسخر من تغفيلها فالجميع يعرف عداها: حتى انتِ كنتِ عارفه عنها!
اخذت مها تشير باندفاع تلومه على تسرعه و لكنه منذ ان اشتكى هبه لها و هى تدرى انه سيأذى نفسه و من حوله غبى، فاكر انه ظلمها زمان و بجوازه منها ضميره هيرتاح
ثم نظرت لهبه بترقب و اشارت انتِ هتبعدى عن معتز؟

صمتت هبه و لم تجيبها فاحترمت مها صمتها و اشارت لها موافقه اياها تماما ان اختارت الانفصال معتز بيحبك و محتاج لك جنبه بس مفيش واحده تتحمل اللى هو عمله و انتِ ليكِ حق و هيرجعلك يا هبه
دلف محمود و اكرم بعدما طرقوا الباب، اقترب محمود منها يطمئن باندفاع: حبيبتى انتِ كويسه؟
اخفضت رأسها و اومأت و ان جئنا للحق فلا رغبه لها برؤيته و خاصه و هى لن تنسى ابدا غضبه و دفعه لها...

وصلها صوت اكرم المتهدج يطمئن بلهفه: الف سلامه يا بشمهندسه..
رفعت رأسها لتتلاقى اعينهم و دون ان تعرف السبب امتلئت عينها بالدموع فاخفضت راسها عنه مسرعه، و من موقفها هذا خرج اكرم من الغرفه دون كلمه اخرى مدركا انه غرق سهوا ببحر الفيروز و لن يجد لقلبه منقذا...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة