قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الثاني والثلاثون

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الثاني والثلاثون

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الثاني والثلاثون

ان اغرب شئ في هذه الحياه يا صاحبى، ان الناس السيئين لا يموتون، يعيشون اكثر مما يجب لكى يفسدوا حياه الاخرين.
عبد الرحمن منيف
تلك السيدتان، الاولى كارثه بكل ما تحمله الكلمه من معنى و الاخرى اشادت بكارثيتها فاقتربت علها تستفيد،
اخذت نجلاء تقطع الغرفه ذهابا و ايابا و هى تهتف بحده غاضبه: سابها على ذمته لا و في بيته كمان!

نهضت الاخرى لتقترب منها قائله بسخريه: و انتِ من امتى بتنجح خططك؟، على حسب ما حكيتِ ليا، في الاول قولتِ لابوكِ على وجود جنه في بيت اخوكِ علشان يقتلها او يطردها لكن فشلتِ و في الاخر عاصم اتجوزها، عملتِ فضيحه لحياه بنت عبد الرحمن علشان يقتلها و تاخدى حقك منه لكن ببساطه بعدها اتجوزت و مين! مازن الشرقاوى، قولتِ تدمرى حياتها و حياه جوزها و حياه حنين بالمره و عملتلهم الفضيحه لكن في الاخر لا حياه اتطلقت و لا حنين اتقتلت و لا حتى اتفضحت و انتهى الموضوع بجوازهم، خليتِ راجل يهدد سلمى علشان جوازتها تتفركش و اهو الدكتور عجل جوازهم و لحد دلوقت من عارفه تاذيها لان جوزها واقف في ضهرها و متخلاش عنها، حرضتِ حبيبه ابنك القديمه عليه و شجعتيه يتجوزها و خلتيه يخدها شقته علشان تفركشى علاقته بمراته و في الاخر اهى عايشه معاهم لا و البنت التانيه تتصل تشتكى من انه مش عاملها اى اعتبار، و دلوقتى خليتِ شويه عيال يضربوا عاصم و يعموه علشان تكسريه و تكسرى اخوكِ و استفرد انا بجنه لكن في الاخر حتى و هو اعمى متخلاش عنها، قوليلى امتى بقى نجحتِ في خطه؟

استدارت نجلاء بعنف تحرقها بنظراتها ومعها تزلزلها بغضب صوتها و نبرتها العاليه: كووووثر، انتِ نسيتِ نفسك و لا ايه؟، لا فوقى، دا انا نجلاء..

اتجهت كوثر لمقعدها مجددا و اشعلت سجائرها تنفث دخانها متجاهله تلك المشتعله بجوارها: لا منستش بس كمان تهورك و المشاكل اللى ورا بعضها دى صدقينى هتوقعك انتِ اول واحده، يمكن موت فارس نجحتِ فيه لكن بردو رجاله العيله وقفوا جنب بعض، انا بس بقولك احذرى لان النهايه لو جات عليكِ هتبهدلك،
نظرت اليها نجلاء بغضب تلعن ذلك اليوم التى وافقت على صداقتهم: انا غلطانه انى حكيت لك كل اللى انا عملته قبل كده..

ابتسمت كوثر و اضافت بسماجه: عدو العدو صديق و انا و انتِ هدفنا واحد يمكن انتِ هدفك اكبر لكن انا كسره ابن الحصرى عندى كفايه، انا بقول كده لمصلحتك انتِ...
رمقتها نجلاء بضيق و تركت الشقه و خرجت مسرعه و الشياطين تتراقص امامها، عادت للمنزل لتجد عز و ليلى في غرفه المعيشه و معهم معتز و اكرم...

كان معتز اول من هاجمها فهى الوحيده التى شجعته و كانت تعرف و بجواره في زواجهم الثانى: انتِ ازاى تخبى عنى كل اللى حصل دا يا ماما؟
تعلقت عينها به تدعى الجهل بسذاجه: ايه اللى حصل؟!
هتف معتز بحده: جواز مازن التانى، سجن جدى و حادثه عاصم..!؟
ابتسمت ببرود و هى تمنعه عتابها بابتزازه لينهى الموضوع و يصمت: هو انت كان حد عارف يوصلك بعد اللى عملته؟

اضطرب معتز و تنهد بقوه مغيرا مجرى الحديث و قال لعز يطمئنه على ما طلبه منه: انا مش عاوز حضرتك تقلق على الشغل انا هعمل كل اللى اقدر عليه ان شاء الله.
اومأ عز فنهض معتز و استأذن منهم و رحل، نظر اكرم لنجلاء موجها حديثه لعز: مش انا زرت الحاج امين النهارده..
نظر اليه عز و نجلاء بترقب فأردف: التحقيق لسه مستمر، و شكله مطول..
اقترب من عز يُكمل بنبره جديه: بس في مشكله وصانى اقولها لك يا عمى..

استمع عز بتركيز: مشكله ايه؟
نظر لنجلاء بطرف عينه: الاراضى في الصعيد عليها مشاكل كبيره و خاصه الارض بتاع عمى اسامه و ممكن لا قدر الله تضيع من ايدينا ف...
نهضت نجلاء بفزع مقاطعه اياه: تضيع يعنى ايه؟ انا مش هسمح بكده ابدا، انا هسافر الصعيد و اتابع الموضوع بنفسى..
كاد اكرم يبتسم و هتف ببراءه: ميصحش يا نجلاء هانم تروحى انتِ هو قالى اقول لاستاذ عز يهتم بيها و يضمها لارضه احتياطى..
شهقت بذعر: لااا...

تابعها عز و ليلى بتعجب للهفتها و لكن من فرط توترها لم تلاحظ و هتفت باصرار: لا انا هسافر، عز مشغول هنا في مشاكل ولاده و اسامه مش جنبنا للاسف، انا هكتبها باسمى لو زادت المشاكل بس ان شاء الله هنهى كل المشاكل عليها، عز فيه اللى مكفيه، انا هسافر بكره الصبح..
و تحركت من امامهم مسرعه باتجاه غرفتها فنظر عز لاكرم متسائلا بدهشه: ايه الكلام ده يا اكرم؟ ارض اسامه اصلا مكتوبه باسمى من زمان..

ابتسم اكرم، حقا الطمع يفعل الكثير: بس الكلام ده حضرتك و الحاج امين بس اللى عرفينه، لكن مدام نجلاء لأ..
ثم نظر للغرفه التى اختفت خلفها نجلاء و تمتم بتوعد ان يأخذ منها حق كل من اذته و خاصه والدته: الصبر يا عمى كل حاجه هتظهر بس محتاجين شويه صبر...

دلفت مسرعه للغرفه دون ان تستأذن حتى فنهض هو جزعا: ايه في ايه؟
جلست بجواره و تمتمت بابتسامه طفوليه بالطبع مصطنعه: انا اسفه..
نظر اليها امجد بطرف عينه ثم قلد اياها ساخرا بكوميديه: انا اسفه...
ثم اعاد لصوته خشونته يردف: هو دا اللى ربنا قدرك عليه، مفيش طبق مايه بملح كده احط فيه رجلى و تقعدى قدامى كده و تقوليلى...
وضع يده بخصره و عبث بصوته ليُحاكى صوتها الناعم: حقك عليا يا سى امجد..!

وضعت يديها الاثنتين بخصرها و شهقت بصوت قوى نسبيا متخذه وضعيه مسترجله: نعم يا سى امجد عايزنى اعمل ايه؟
ضرب بيده على جبينه و هتف و هو يحرك رأسه بقله حيله و خيبه امل: انا اوقات بحس انى متجوز سالم مش سلمى و الله.
فصرخت به بغييظ: امجد..!
فمال عليها قليلا يشاغبها: عيونه، قلبه، عقله اللى خلاص جننتيه..
فوكزته بكتفها و قالت بدلال و هى تحرك كتفها بليونه: بس بقى..

ثم نظرت لعينه قليلا ثم تحدثت بجديه تخبره عن حزنها لاحزانه: انا اسفه متزعلش منى انت عارف انى برمى دبش لما بتعصب و المشاكل في العيله بتخلينى متعصبه و متوتره عالطول..
فامسك يدها مقبلا اياها هاتفا بحنق: بس دبشك بقى كتير و بيوجع، ها بيوجع.
ضحكت برعونه تجيبه: مهو بيلف يلف و يرجعلى في الاخر..
ضحك جاذبا اياها لتستند برأسها على صدره فتمتمت بتردد: ممكن اقول حاجه؟

همهم و هو يستند بذقنه على خصلاتها يسحب بعضا من رائحتها فهمست بصوت وصله بوهن: انا عاوزه اعمل تحاليل..
انتفض جالسا فنهضت هى الاخرى: تحاليل ايه؟ انتِ تعبانه؟
حاوطت وجهه بيدها و استقرت عينها بعينه تعرف انه سيرفض و لكنها ستصر: لا مش تعبانه، انا كويسه، بس..
تاهت عينها بعيدا عنه و ظهر التوتر جليا على وجهها، فرفع وجهها اليه و همس امام عينها يحثها على الاستمرار: قولى يا سلمى في ايه؟

تمتمت بتلعثم و هى تنظر اليه لتجده مترقبا لما ستقول و بعينه نظره متلهفه، قلقه و مشجعه، فتماسكت: تحاليل علشان الحمل..!
عقد حاجبيه استغرابا فأردفت مسرعه تثنيه عن الرفض: انا الموضوع ده شاغلنى من فتره يا امجد احنا قربنا نكمل سنه و لسه مفيش حمل خالص، انا قلقانه وع...
وضع يده على فمها مقاطعا اياها يتحدث بعمليه غير متعجلا: لسه بدرى يا سلمى، و بعدين كل شئ بأوان يا حبيبتى..

ابعدت يده عنها و نظرت للفراش بحزن و تمتمت و هى تخاف اقصى الخوف من ان تكون معيبه: طيب ايه المشكله انى اطمن؟ انا خايفه اكون...
قاطعها مجددا و لكن بحده نسبيه: سلمى، بلاش توهمى نفسك و تخوفيها على الفاضى، لسه بدرى يا سلمى...
امسكت يده و هتفت بترجى: بالله عليك يا امجد، انا كده هطمن بالله عليك..

اغلق عينه لحظات ثم جذبها مجددا لتستلقى و رأسها على كتفه: سلمى انسى الموضوع ده خالص دلوقت و عاوزك مطمنه على الاخر و ان شاء الله مش هيبقى غير كل خير...
زفرت بقوه فضمها اليه اكثر و هو يفكر في سبب قلقها المفاجئ هذا و في الواقع لقد نقلت عدوى القلق اليه فهو يدرك مدى عشقها للاطفال و في الحقيقه مدى عشقه اليهم ايضا...

أعرف مسبقا ان الكتابه عنك شئ محكوم بالفشل مهما حاولت،
امرأه مثلك يستحيل تحويلها الى ابجديه،
امرأه مثلك أكبر من ان تُعتقل في نص،
امرأه مثلك أكبر من ان تُحبس بين فاصلتين،
لا يمكننى تحويل العطر الى لغه مهما حاولت،
العطر يُشم و لا يُكتب...!
اقتباس.

جلس معتز بغرفه الاستقبال واضعا يده على رأسه يفكر فيما اخبره اياه عز، فيما منحه اياه من مسئوليه، لم يعتادها من قبل و يخشاها، يخشى الفشل و لا مكان له حتى و لكن لا ثقه لديه في نفسه بالنجاح.
اقتربت هبه منه و جلست بجواره تتسائل بخفوت: مالك يا معتز؟

نظر اليها و ابتسم و لسبب ما لم يستطه اخبارها بخوفه ربما لانه يرى بينه و بينها الان مائه حاجز يمنعها الوثوق به او ربما بثه الثقه: متشغليش بالك يا فلتى انا كويس.
و بدون جدال وافقته: لو مش عايز تقولى براحتك انا بس حبيت اطمن عليك ربنا ييسرلك كل امورك.

نهضت لتدلف لغرفتها و نهض هو ليلحق بها و امام باب الغرفه خرجت سالى من غرفتها و استندت على باب الغرفه واضعه يدها بخصرها متمتمه بسخريه: النهارده هتنام عندى، مهو مش كل يوم عندها..
اغلق عينه و جز اسنانه بقوه ففوجئ بسالى تمسك بيده لتصطحبه لغرفتها مغلقه الباب بوجه هبه التى ابتسمت بسخط على ما وضعها و وضع نفسه به من حال، دنئ..

اجلسته سالى على الفراش وجلست بجواره تتصنع الضيق: في ايه يا ميزو ليه بتعمل معايا كده؟، اعطته ظهرها و هتفت بحزن مصطنع: انت معنتش بتحبنى زى الاول؟
عقد حاجبيه متسائلا، حب؟!
هو عاش طوال عمره يبحث عن معنى الحب و عندما وجد هبه وجد اجابته..
فببساطه الحب بالنسبه اليه يتلخص في اسمها، لا يستطيع حتى المقارنه كما كان يفعل من قبل، فاحساسه يمنحه كل الاجابات كامله.

اقتربت سالى منه و وضعت يدها على كتفه هامسه بشغف تستدعى شغفه القديم: نفسى ترجع ميزو بتاع زمان، نخرج، نسهر، نشرب سجاير، نتمشى سوا و دلوقت بقى في ايدينا حاجات اكتر، ليه بقيت جد و ملل قوى كده.
ترك كل هذا و استدار لها و نظر اليها قليلا يفكر ثم سألها يريد الوصول لنقطه ما، مقارنه ربما و لكن المغزى يختلف: عايز اخد رأيك في حاجه..؟

اومأت بحماس فأردف محدقا بها بجديه: خالى عايزنى انزل امسك فرع الشركه بدل عاصم الفتره دى، ايه رأيك؟
ضحكت بسخريه تكتم فمها كأنها القى مزحه: انت و شغل و شركات! انت طول عمرك عنوان الفشل يا ميزو و لا نسيت؟
ابتسم و همس يغريها او ربما يرى الى اى مدى قد تغيرها الاموال: بس كله بحسابه.!

هتفت بحماس و قد اتسعت عينها تلمع: نشتغل و ماله، طالما فلوس كتير و منصب كويس ايه المشكله، بس انت هتنجح و لا لا مش عارفه الصراحه.!
تابعها بتفحص و اجابها و قد بدأ يصل لما يريده منها: بس هبقي مشغول تقريبا 23 ساعه في 24 ساعه هتستحملى؟
عبست و تمتمت بضجر: يعنى هفضل محبوسه هنا و مش هنتفسح و نخرج...؟

حرك رأسه يمينا و يسارا دلاله النفى، فأكملت بزمجره: لا انا عاوزه اخرج و اتفسح، مش مهم عندى الشغل المهم انى ابقى مبسوطه و مرتاحه و لا ايه؟
ضحكه صغيره فارقت شفتيه و اومأ موافقا و نهض يحدثها: اه طبعا، نامى انتِ انا عندى شويه شغل هخلصهم و اجى.
هتفت بتزمر و هى تنظر لما ترتديه من قميص ملفت و اعدادها لليله لن تُكرر و ها هو يخبرها انه لم يأبه: انام!، ثم شغل ايه دلوقت؟!

و هو بالفعل لم يأبه، بل لم يجيب و خرج مغلقا الغرفه خلفه، و استكمالا لما يفعله اتجه لهبه و فتح الباب بهدوء و دلف، اعتدلت جالسه و نظرت اليه: خير يا معتز؟
جلس بجوارها على الفراش متربعا و قد حان دورها في الامتحان خاصته: عايز اخد رأيك في موضوع مهم؟
اعتدلت مستمعه اليه بتركيز و هو يتحدث: خالى عز عاوزنى امسك الشركه مكان عاصم الفتره دى لحد ما يقوم بالسلامه، انتِ ايه رأيك؟

صمتت قليلا تفكر و ترتب كلماتها ثم نظرت اليه لتحتويه امواجها الهادره دائما لتتعلق عينه بها طوال حديثها: بص يا معتز انا شخصيا بثق فيك و عارفه انى متجوزه راجل وقت ما يعوز يعمل حاجه بيعملها، واثقه في قدراتك جدا و عارفه انك لو وجهتها لصالح الشركه هتنجحها و يمكن اكتر من عاصم نفسه كمان.

و تعجب مدى ثقتها به رغم معرفتها بمدى استهتاره و الذى ما زال فيه و الاثبات تلك التى تقبع بالغرفه المجاوره، و تسائل يعيد عليها ما سمعه من الاخرى: يعنى مش شايفه انى بقيت جد و ملل...!؟
ابتسمت بالمقابل و تمتمت باستنكار: جد و ممل!، ثم اضافت بثقه و فخر: لأ انا شايفه انك راجل يُعتمد عليه..

اتسعت ابتسامته و هو يرى فخرها به و الذى تقريبا لم يراه بعين احد من قبل و تسائل مجددا و هو يريد ان ترويه بثقتها ربما لانه يثق بها اكثر مما يثق بنفسه: بس لو بدأت هبقى مشغول طول اليوم تقريبا، اه هنكسب فلوس اكتر بس مفيش فسح و لا خروجات كتير و لا سهر، دا مش هيضايقك و هستحملى..!؟

امسكت يده متحدثه باحتواء و كل ما عدد لا يمثل بالنسبه اليها اى فارق: اولا انا مش فارق معايا الفلوس قد ما فارق معايا نجاحك، الفلوس بتيجى و تروح لكن النجاح و السيره الطيبه هى اللى هتفضل للواحد حتى بعد ما يموت، ثانيا انا لو هقعد معاك دقيقتين بس هبقى مبسوطه، اه هتضايق طبعا من غيابك طول اليوم و هضايق كمان ان مفيش خروج بس دا علشانك انت، هيبقى ارهاق عليك و انت هتبقى محتاج لراحه، غير انك مش بتلتزم بالدواء و الاكل فا الشغل الكتير ده انا هتضايق منه، انت ممكن تشتغل ساعتين مثلا شغل مكثف وترتاح بعدها ساعتين زيهم تاكل بقي او تخرج حتى لو لوحدك المهم تبقى انت مرتاح، ثالثا بقى مش مهم انا هستحمل او لأ المهم انت، لان لو انت مرتاح و مبسوط انا هبقى مبسوطه.

صمتت متوقعه سؤال اخر و تنتظر هى بترقب و لكنه ظل يحملق بعينيها تلك، التى صدقت كل كلمه قالتها،
لحظات و مازال لا يستوعب ما الذى تراه به لم يراه غيرها من قبل..!
لماذا هو شخص مختلف بنظرها؟!
اقترب منها ليضم وجهها يخبئها بين ذراعيه بكل قوته حتى كادت تشعر باختناق و لكن لن تنكر انها استكانت، استكانت و كم كانت تحتاجه و استقر هو على رأسها يهمس بصدق كأنه يدعى و بالفعل قد كان: ربنا يديمك في حياتى نعمه.

استكانت له و هى تشعر باعياء نفسى اكثر منه جسدى..
لكم مره ستكتم انفعالاتها،
لكم مره ستتمزق بيده و بيده الاخرى يداويها،
يقتلها بالبطئ و هى كالبلهاء بقتله حتى مستمتعه، اللعنه.

No gain without pain
اوراق هنا و هناك، هنا توقيع و هنا صفقات و هنا محاسبات قانونيه، يفتح هذا و يغلق ذاك، عقله رغم تشتته يعى و جسده رغم ارهاقه يتحمل..
فنجاحه هنا ليس نجاح لشخصه فقط و لكن نجاح لثقتها به، نجاح لنفسه بمرآه عينها...!
مكسب لتحدى تلك التى اخبرته انه عنوان الفشل و اثبات لنفسه قبل الاخرى انه يستطيع النجاح ..

دق الباب ليُخرجه من تركيزه المطلق بالاوراق امامه سامحا للطارق - الذى يعرفه جيدا - بالدخول..
دلفت مغلقه الباب خلفها و تركت ما بيدها على الطاوله و ابتسمت على مظهره المبعثر قليلا..
جاكيت بذلته على ظهر المقعد، ربطه عنقه منحله ليتساقط طرفاها على جانبى عنقه، ازرار قميصه العلويه متباعده ليظهر من خلفها بشره صدره، شعره المشعث قليلا يخبرها جيدا انه من وقت لاخر يعبث به...

اتسعت ابتسامتها و هى تقترب منه لتدور حول المكتب واضعه يدها على كتفيه تمسده برفق هامسه: وقت الاستراحه يا معتز باشا...
ابعد عيناه عن الملف بيده اخيرا ليرفع رأسه للخلف سامحا ليدها ان تسحب من جسده عناء اليوم كله مغلقا عينه متمتما بيقين: دائما في ميعادك..!
زادت من ضغطها على كتفيه و همست بعتاب كأنها تعاقبه: و انت دائما ناسى ميعاد الدواء..!

ابتسم رافعا يديه ممسكا بكفيها ليسحبها بسرعه لتسقط فوقه مستنده بصدرها على ظهره و ذراعيها حول عنقه و قبل كلتا يديها هامسا بصدق مس قلبها: علشان عارف ان انا مش ههتم بنفسى قد ما انتِ هتهتمى بيها، و عارف و مأكد انى لو نسيت انتِ مش هتنسى.

جذبت نفسها من بين يديه و اتجهت للطاوله امام المكتب و جلست على الاريكه امامها فنهض هو فاردا يديه منحيا بظهره قليلا للخلف ثم تقدم منها جالسا بجوارها متسائلا باهتمام: لسه مخلصه شغل دلوقت؟
بدأت بفتح حافظه الطعام امامه و هى تجيبه: لأ خلصت و روحت البيت جهزت الاكل و جيت.
نظر لجانب وجهها و شرد قليلا، بماذا يصف هذه المرأه! سؤال يسأله لنفسه كثيرا و لكن لا يجد الاجابه...!؟

يقولون النساء ضعفاء و لكن ما يراه بها من قوه يجعله يكذبهم،
يقولون ناقصات عقل و دين و لكن ما يراه بها من كمال يجعله يقول ان كن هن الناقصات فكيف هم الرجال!
يقولون تتغلب عاطفتها على عقلها دائما و لكن ما يراه من اتزان عقلى لدى امرأته تجعله ينبهر بها دونا عن جنس النساء.
امرأه واحده منحته كل ما تمناه، كل ما بحث عنه، كل ما افتقده في حياته يوما...

هى له الأم و الأخت، هى له العون و الصديق، هى كانت و مازالت و ستكون زوجته و امرأته و لن يسمح هو بغير ذلك..
تمر الايام ليجد كل يوم يلومه، كل ساعه تعاتبه، كل دقيقه تحاسبه و كل فعل منها يجعله يندم، يندم على ما صدر منه، يندم على جرح عميق اصابها به و لكن ها هى مازالت معه، تهتم به، تساعده، تخاف عليه و تاتى اليه كل يوم بمكتبه هذا لتُشرف بنفسها على طعامه و دوائه و كل هذا يجعل ندمه يتضاعف و ذنبه يتعاظم..

فاهتمامها اسوء من اهمالها، صمتها اقسى من صراخها و عقلها اطيب من قلبها، قالها هو يوما، هى امرأه بكل النساء..
تلك هى امرأته، تلك التى تفكر بقلبها و تشعر بعقلها، تلك هى الهبه الذى بأفعاله يبعدها بدلا من الحفاظ عليها، تلك التى بصمته يخسرها بدلا من التمسك بها...

اتى هو بأخرى ليثبت لنفسه انه قادر على فراقها، ليجرح هو بدلا من ان يُجرح، ليتخلص من عقده الخوف التى تسيطر عليه و تتملكه خاصه مع وضعها لكبريائها بينهم...
و لكن ما النتيجه؟ و ماذا جنى؟!
لا شئ سوى جذبها لنفسها من حياته بالبطئ، قتلها له بإهتمامها الذى يثق تمام الثقه انها سيأتى يوما و تحرمه منه و هذا ما لن يتحمله ابدا...

تعلقه بها اكثر من قبل و لم يتلاشى خوفه بل ازداد، فرغم وجودها، قربها، و اهتمامها هو خائف..
فما بال ابتعادها، جفائها و غيابها يكون؟!
و لا يعرف لما و لكنه يشعر ان العد التنازلى قد بدأ.
افاق من شروده و دوامه افكاره العاصفه التى تُزلزل قلبه عندما وضعت يدها على ركبتيه: كل يالا علشان ميعاد الدوا..

ابتسم بوهن يحمل من ضعفه و خوفه الكثير ثم نظر للطعام لحظات وعاد للخلف دافعا بالملعقه اليها، نظرت اليه بتعجب فاتسعت ابتسامته تاركا قلبه يستمتع بعثه معها فرفع يده مشيرا اليها ثم للملعقه ثم للطعام ثم الى شفتيه و انهى اشاراته بعقد ذراعيه امام صدره و بعينه نظرات تتراقص عبثا...

ظلت تحدق بوجهه قليلا تحاول استيعاب ما يشير اليه رغم ادراكها لمعناه جيدا و لكنها ربما تحاول استيعابه هو، ذلك الرجل الذى يوما بعد يوم يصير رجلا يصعب عليها فهمه، لم يمنحها الفرصه لتشرد اكثر ففرقع اصابعه امام عينها المحدقه به و هتف بحرقه طفوليه: انا جعااان..
عقدت حاجبيها و همست بسخط: طب ما تاكل!
امسك الملعقه و وضعها بيدها و قربها من الطعام آمرا بمشاكسه: أكلينى يا فله..

حاولت جذب يدها لتعانده و لكنه تشبث بها متمتما بشرود حزين لامس قلبها المكلول ليُزيده قهرا و أسى: اعتبريها فرصه و يمكن متتعوضش..
رفعت عينها بسرعه اليه لتهدر امواجها لا بغضب و لا بتساؤل بقدر ما كان استياء و خوف، اجل لمح بعينها الخوف، و من افضل منه يفهمه و الخوف يسكن جنبات صدره و لم يُخفى عليها، هو نفسه الخوف الذى يتجسد في عينها و لأول مره لا يُخفى عليه..!

رفعت بيدها الاخرى يده عن يدها فاعتقد انها ستبتعد و لكنها ملئت الملعقه بالطعام لترفعها اامام فمه و هى تهمس و رغما عنها خرج صوتها مهزوزا مشبعا بوجع قلبها: معاك حق في فرص لازم نستغلها يمكن منلاقيش غيرها..!
اذا احساسه صادق، خوفه محقق، ابتعادها قريب و قرارها منتهى،
يا لا سوء حظك يا معتز، يا لا سوء حظك..!

بدات بإطعامه و كلاهما ترتكز عينه على الاخر، يتشبع بها ممكن، ينحتها بعقله ربما و لكن ان يكتفى منها مستحيل.
امسك يدها الممتده امام فمه ثم ادارها ليدخلها لفمها و قال بدراميه: و طالما الفرصه لينا، اوعدك دائما نتشاركها و مش هسمح في يوم اعيش الفرصه لوحدى و لا اسيبك ابدا لوحدك.
نظرت اليه قليلا ثم ابتسمت و قالت بخبث ساخر و هى ترفض ان تعيش دراميته: ايه الكلام الغريب ده، مكنش غداء عادى يعنى.؟!

حركت يدها لتترك الملعقه لكنه تمسك بها و همس و هو مصر على ان يطمئن قلبه او ربما يؤرق قلبها: بتحبينى يا هبه؟
ارتجفت عينها و اهتزت شفتاها ليُعلن قلبها عن ألمه دفعه واحده فينتفض بين اضلع صدرها، فعاد همسه من جديد و هو يقترب منها بجسده و عينه تحاصر امواجها باستماته: ردى عليا يا هبه، لسه بتحبينى؟
لسه؟
أ يسأل مازالت تحبه ام لا!
هو من يسأل عن حبها!
لمتى سيظل كفيف عنها؟! لمتى سيغلق عيناه عن إدراكه لحبها؟!

امرأه مثلها، تبقى معه، تظل بجواره، تمنحه اكثر مما يستحق، فإن لم يدفعها حبها فماذا يدفعها اذا؟
سيظل جاهلا بها، كان و مازال و سيظل جاهلا بها.
شعرت برأسه على كتفها و بيده المحاوطه لخصرها بقوه و همسه الضعيف: عارف اجابتك و عارف ان اللى جواكِ ليا اكتر من حب، بس غصب عنى بحاول اطمن نفسى، بحاول اطمن قلبى، بحاول علشان اعرف اعيش يا هبه.!.

اغلقت عينها و هى تشعر بجسدها يخونها لتهتف، لتصرخ، لتعبر عن مكنونات قلبها التى اخفتها طويلا، اخفتها بنفسها و لكن داخلها لم يعد يتحمل..!
كل خلاياها تصرخ بها لتتمرد،
لتمنح لقلبها السكينه اما بالابتعاد التام او الاقتراب التام،
فلقد وصل بها حالها حد التعب بل تجاوز الارهاق لتصبح في امس الحاجه للراحه،
فقط راحه لها و لطفلها...

تسأله الراحه لقلبها و جسدها الذى انهكهما في محياه، اتعبهما في وجوده اكثر من غيابه، ارهقهما بضعفه و استسلامه،
تسأله الان لمره واحده ان يمنحهم الراحه، لمره واحده فقط..
ظلت على صمتها و لكنها ابتعدت عنه فجأه و هى تشعر بألم شديد يمزق احشائها كادت تصرخ من شدته و لكنها تذكرت ان اب طفلها لا يعرف عنه فتماسكت و نهضت تحاول كتم وجعها: انا همشى بقى، اقعد انت كمل شغلك.

همت بالتحرك و هى تقاوم ألمها و قلبها هلع بشده على جنينها و لكنه نهض و امسك يدها: استنى انا همشى معاكِ، كفايه شغل النهارده..
نظرت اليه و هى تشعر انها في مأذق فهى لا تريده ان يعرف و لكنها لن تتحمل الصمود كثيرا، اتجه لمقعد مكتبه حاملا جاكيت بذلته و امسك يدها متحركا للخارج و هى بالكاد تسير بجواره، صعدت معه للسياره و ألمها يشتد و لكنها كالعاده تحاول التماسك،.

نظر اليها يرغب بالتعليق على صمتها ليجد وجهها شاحبا بشده، انفاسها متسارعه و العرق يتصبب غزيرا من جبهتها فأوقف السياره على جانب الطريق و استدار لها بجزع: مالك يا هبه؟

حاولت اخراج صوتها و لكن بمجرد ان فتحت فمها خرجت آه متألمه و لاشعوريا رفعت يدها تضغط بطنها بقوه و وجهها يزداد شحوبه، انتفض هو قلقا و اقترب منها محاولا تهدئتها و لكنها صرخت مجددا و ألمها يزداد و تساقطت دموعها من فرط خوفها، شده توجعها و قلقها على طفل لن تتحمل خسارته...!
اعتدل هو و بيد مرتعشه ادار محرك السياره منطلقا بها باتجاه المشفى و يدها بيده يحاول بثها طمأنينه ربما لا يمتلكها هو...

انتهت جنه من صلاتها و جلست تقرأ بعض ايات القرآن الذى ما عاد يفارقها الايام الماضيه، منذ ذلك اليوم الذى ذهبت فيه لغرفه زوجها و هى تتلوى ألما و ندما..
جاءه خطاب مواساه و تمنى الشفاء العاجل من اصدقاءه بالعمل، العمل الذى ابتعد عنه بقرار رسمى مؤقتا حتى يطيب تماما و هذا ليس بالاكيد،.

اصر شقيقها على ان تمنحه اياه هى، رفضت، امتنعت، و ارادت الهرب من ان تمنحه بيدها ما يشعل غضبه و يكوى قلبه مجددا و لكن شقيقها ما زال مستمرا بعقابها رفض ان يمنحه غيرها اياه،.

و يا ليتها لم تفعل فبمجرد ان شعر بوجودها التى لا تدرى كيف يميزها قبل ان تتحدث حتى، صرخ، غضبب، طردها و صاح بوجهها، و عندما اخبرته سبب قدومها، هاج و ماج و قلب الوسط رأسا على عقب، صراخه ما زال يصم اذنها من طنينه الممزق لقلبها، رأت من غضبه الكثير و لكن غضبه لعجزه يختلف، و بفضل شقيقها و عقابه اصبحت السبب في ايصاله مره اخرى لانهيار عاصف...!
لا تدرى الان ما الحل و لا كيف التصرف؟

لم يعد لديها قدره على تحمل قسوته و التى تشعر انه يعانى بسببها اكثر منها،
فهو مقيد لنفسه بغرفته لا يخرج منها، لا يأكل معهم، لا يتحدث مع احد، فقط مكتفى بنفسه و آلامه بغرفته، فالحاله التى يعيشها الان لا يتحملها شخص عادى فما بال رجلا كعاصم الحصرى..؟!
سمعت طرق خافت على باب غرفتها فجففت دموعها و نهضت آذنه للطارق بالدخول و التى توقعت ان تكون مها و التى تقضى اغلب الوقت معها و لكنها تفاجئت ب، أكرم.

نظرت اليه لحظات و امتلئت عينها بالدموع سريعا لما رأته في عيناه من لين، حنان و احتواء..
تساقطت دموعها متسارعه و هى ترى قسوته تتبدد و جفاؤه يتلاشى و لكنها لم تستطع عدم معاتبته عندما اقترب منها عده خطوات فهمست بحزن منكسر: في ايه تانى جاى توجعنى بيه، العقاب لسه مخلصش؟!

تقدم منها حتى وقت امامها اخيرا و ابتسم بدفئ و اجابها بعدما لانت نبرته و عاد لشقيقها التى كانت في امس الحاجه اليه: لأ انا النهارده جاى احضنك..!
شهقت باكيه فاحتواها بين ذراعيه يدفن وجهها بصدره سامحا اخيرا لصغيرته بالشعور بحنانه و دفء حضنه لتتعالى شهقاتها و انتفاضه جسدها و هى تستسلم للامان الذى حرمها منه قصدا ليمنحها اياه الان دفعه واحده...

شدد من ضمه لها و هو يشعر بارهاق قلبه و روحه ربما مثلها و اكثر، فما فعله لم يكن هينا عليه و تمتم بنبره حملت من اللين بقدر ما حملت في فعله من قسوه: تعبتينى قوى يا جنه، دماغك الناشفه تعبتنى قوى، كنت بدلك على الطريق بس انا تهت في وجعك، تعبت معاكِ و منك قوى...!
ازداد تمسكها بقميصه و دموعها تتقافز قفزا من عينها ليحكم ذراعيه حولها اكثر فحاولت اخراج صوتها: انا ك..

رفع يده على خصلاتها ضاربا رأسها بصدره عده مرات ملتقطا كلمتها مردفا بتنهيده طال انتظاره لها: انتِ مُتعِبه، و في نفس الوقت تايهه..
خرجت منها زفره عاليه تعبر عن تكبد روحها، تعبر عن عجزها امام ضعفها، تعبر عن حاجتها اليه ليحيى قلبها و يطمئنها، ابعدها عنه محتضنا وجهها بين كفيه متمتما بحسم: بس دلوقت لازم تداوى، وقت ضعفك خلص.

نظرت اليه بضياع التقطته هو بقلبه قبل عينه فأمسك بيدها و اجلسها على الفراش جالسا امامها ممسكا يدها رافعا شفتيه لجبينها مقبلا اياه يتحدث بحزن صادق و هو يعبر عن اسفه الذى يدرك انها ترغب بمعاتبته و لكن لم يعد لديها حتى الطاقه لهذا: اولا انا اسف..

نفت برأسها كلمته و دموعها ترفض التوقف و لكنه لم يصمت و اردف بضمير انهكه: اسف على كم الوجع اللى سيبتك تعشيه طول المده اللى فاتت، اسف على بُعدى وقت ما كنتِ محتاجانى، اسف على قسوتى، اسف على كل حاجه و اى حاجه خذلتك فيها..
نظر اليها بتوسل بادٍ بوضوح بعينيه: هتقدرى تسامحينى يا جنه؟

اومأت برأسها سريعا و القت بنفسها على كتفه تطلب حضنه مجددا، تشعر انها اليوم استردت اخيها، و لاول مره تختبر شعور الفوز بعدما ذاقت الخساره، شعور الامتلاك بعدما تألمت من الفقد، شعور الحياه بعدما استقبلت الموت حيه...!

ضمها اليه و ابتسامه راحه تشق طريقها لشفتيه فالحمقاء لا تستطيع الحزن منه حتى، هدأت نوبتها قليلا فأبعدها عنه و رفع يده يزيل دموعها و هذا هو دوره من الان و صاعدا قائلا بنبره حانيه افتقدتها به: عارفه انا عملت كل ده ليه؟
نظرت اليه ببراءه طفوليه يخالطها بعض العتاب فابتسم مداعبا وجنتها و اردف بثقه: لان الجزاء من جنس العمل، ثم اردف: و عايز اقولك حاجه كمان...!

اومأت برأسها مستمعه اليه فابتسم و هو يطالعها باحتواء: عاصم اول ما خرج من المستشفى كان رافض يرجع البيت هنا و صمم يروح المزرعه الاول، انا اللى وصلته و كنت متعمد مقولكيش علشان تحسى بالوجع في غيابه رغم انه ميساويش الوجع اللى كان بيعيشه في قربك و كمان هو مكنش يعرف كل اللى انا بعمله معاكِ،
و بابتسامه جانبيه ساخره اضاف بصوت مبهم لم تفهمه: و لو كان عرف مكنش هيسمحلى اصلا!

امتلئت عينها بالدموع اكثر متذكره مدى تألمها ذلك اليوم فأزال دموعها مجددا و اردف يشرح لها نفسه: و حابب اوضح حاجه...
عادت تتطالعه بترقب عندما اعتدل ممسكا كفها بين يديه: طبعا انتِ عارفه يعنى ايه شغل عاصم بالنسبه له و معنى انه يجيله من اصدقائه جواب يحسسه فعلا بعجزه و فكره انه ببساطه معدش يلزمهم في حاجه مؤلمه جدا له، طبعا انتِ هتسألينى طيب لما هى حاجه مؤلمه انت ليه اصريت ان انا اللى اقوله؟

عقدت حاجبيها بطفوليه متسائله فابتسم مردفا يمنحها اسباب افعاله التى رأتها منتهى القسوه: انا حاولت اساعده يا جنه، عاصم كان لازم يفرغ غضبه، يخرج الالم اللى جواه، لو اخته او انا او اى حد تانى كان مكانك كان عاصم ببساطه هيتعامل ببرود و هيكتم انفعاله و غضبه و وجعه جواه علشان منحسش بالشفقه تجاهه، لكن انتِ، عاصم فرغ وجعه في شكل غضبه منك، كسر، صرخ و انفعل من وجعه بس بان للكل انه بسببك، انتِ المره دى مأذيتهوش انتِ كنتِ السبب في انه يرتاح و لو شويه.

ضغط كفها لائما و شملها بنظره ذات مغذى بات واضحا لها: و دى كانت اول مره تقفى جنبه في وجعه، اول مره تساعديه و اول مره متتخليش عنه.
انتفض جسدها من شده بكائها و هى تدرك مغذى افعاله، فهو لم يكن يؤلمها، لم يكن يتخلى عنها بل كان يساعدها، لا، هو كان يمنحها حق مساعده نفسها و يدلها على واجبها في مساعده زوجها..

اطرقت برأسها ارضا و ملامحها تنبض بالندم و همست بتحشرج و دموعها تغرق وجهها: انا خسرته يا اكرم، خسرته و خسرت كل حاجه معاه..
عقد ساعديه امام صدره و نظر اليها بتفحص قبل ان يردف بثقه: مكنتش متوقع ان حرم النقيب عاصم الحصرى تستسلم بالسرعه دى..؟!

رفعت عينها اليه و صدى لقبها يتردد بقلبها قبل اذنها لتشتعل نبضاتها و تغلق عينها لحظات متذكره سيطره صوته عندما يقول انتِ حرم النقيب عاصم الحصرى و رغم بساطه الكلمه الا انها تجعلها تشعر بالامان، فان كانت تشعر بلقبه فقط يحتويها فما بال يكون الاحتواء بين يديه!

ابتسم هو لرؤيه اشراقه وجهها لمجرد نسبها الى مالك قلبها، تلك الحمقاء العنيده، فأمسك يدها بين راحتيه و نظر بعينه لمحبس زواجها التى اخذته منه عنوه بعد ان حاول اخذه منها: مسألتيش نفسك عاصم قرر تبقى في البيت ليه؟ مفكرتيش للحظه انه حتى لما فكر يعاقبك قالك هتفضلى هنا جنبى؟ ليه مطلقكيش مثلا؟

كان وقع الكلمه عليها قاسى و لكنها صمتت تفكر في اسئلته و لكن لم يصلها الاجابه فورا و ظهر هذا عندما اجابته بعته جعله يكاد يصفعها: لانه كرهنى!
رفع نظره للاعلى و تمتم بنفاذ صبر بصوت عالى: الصبر يارب..
ثم رفع يده ضاربا جبهتها بخفه و هو يهتف بسخريه: نفسى افهم بتفكرى ازاى؟

زمرت شفتيها بعبوس فاتسعت ابتسامته الحانيه و هو يعتدل في جلسته فالشرح سيأخذ منه الكثير: عاصم بيحبك يا جنه، بيحبك لانك انتِ، لانك جنته زى ما بيقولك دائما، بضعفك و هبلك، و لما اتوجع منك قرر ان حتى عقابك و انتِ جنبه و انتِ قريبه منه يمكن مش شايفك بس كفايه حاسس بوجودك حواليه، اه كل مره بيطردك من اوضته بس كفايه انه سامع صوتك و حاسس بيه..

تلئلئت عينها بالدموع و احتلت نبرتها كسرتها و ضعف موقفها و هى تقول و بأفعال زوجها العزيز معها مأخرا باتت تصدق كراهيته: دا كان يا اكرم، عاصم دلوقتى مش قابل حتى يسمع صوتى، كل اما ادخله قبل ما اتكلم حتى يطردنى بدون تفكير..!
اغلق عينه لحظات و ابتسامته تزداد اتساعا و هو يتسائل بخبث متطرقا لنقطه اخرى: و بيعرف ازاى ان اللى دخل اوضته انتِ قبل ما تتكلمى حتى؟

عقدت حاجبيها تعجبا من تساؤله و همست بشرود و هى لا تدرى: مش عارفه!
حمقاء، هذا ما كان يشغل تفكير اكرم الان، اخته بالتأكيد حمقاء..
تدرك جيدا ان زوجها يحبها، تدرك انها بالنسبه اليه انفاس لا يستطيع العيش بدونها..
و لكنها لا تدرك ان حبه لها لا ينتظر كلمات او وصف، فقد يحيى بالشعور..
ضغط انفها باصبعه و هى يصرح: لان روحه متشبعه بيكِ!..

ابعدت اصبعه عن انفها متزمره و لكن عندما استمعت لكلمته توقفت، لا يدها فقط و لكن انفاسها، لتعلو فقط دقات قلبها التى ارتوت بكلمته...
تعلقت عينها بعينه بلهفه و لكن انطفئت لهفتها فور تذكرها ما يدور بينهم طوال الفتره الماضيه فهمست بحزن غلف صوتها: كان.!
و برد فعل سريع بسط كفه امامها قائلا بمشاكسه: تراهنى؟

نظرت لكفه المبسوطه امامها ثم عادت بنظرها اليها عندما اكمل بحماس: هثبتلك انك لسه ساكنه قلبه و بيحبك، تراهنى؟
حدقت بعينيه التى تشع بثقه لا تراها بنفسها حتى و بدون تفكير وضعت يدها على يديه و بنبره يغلفها اليأس همست و قلبها يدعو: اتمنى اخسر..!
ضمها اليه و همس بجوار اذنها بثقته التى استطاع زرع و لو جزء بسيط منها داخل قلبها: هتخسرى..

نهض و انهضها معه و اتجه لطاولتها المتراص فوقها زجاجات العطر و غيرها من اشيائها للعنايه بجسدها ليمرر عينه عليهم حتى استقرت على معطر الجسد متسائلا بتفكير: متعوده تستخدمى اى واحد فيهم؟

تعجبت ما يفعله و لكنها بخنوع اجابته: عاده ده تقريبا مش بستخدم غيره، و اشارت باصبعها على احدى الزجاجات فرفعها هو لانفه مستنشقا اياه و همس بصوت بالكاد يُسمع: زهره البنفسج، هاديه بس قويه، ثم نظر اليها غامزا بشغب: زيك بالظبط..
راقبت ملامحه بتعجب فاق الحد فها هى تكتشف امرا جديدا بشقيقها و لم تخفى تعجبها فصرحت به: انت بتعمل ايه؟

وضع الزجاجه بيده ليمرر عينه على الاختيارات الاخرى رافعا زجاجه استنشقها و همس مجددا: رائحه الياسمين، ناعمه و حالميه قوى، مش زيك للاسف..

عقدت حاجبيها بغيظ و لكن تعجبها بما يفعله منعها التعبير عما يختلجها، فتح غطاء الزجاجه و نثر قطرات على عنقها و ملابسها حتى انتشرت رائحتها بالغرفه، و هى تدفع يده مانعه اياه و الرائحه تضايقها، فاغلقها و ابتعد للخلف و تسائل و هو عاقدا يديه امام صدره: عاصم كان بيعرفك من غير ما تتكلمى رغم انه مش شايفك، صح؟

اومأت برأسها متعجبه فأمسك يدها و هم بالخروج من الغرفه و عندما استدار شعر بأحدهم يبتعد بسرعه عن الباب فعقد حاجبيه استغرابا و لكنه تجاهل الامر متحركا بجنه للخارج متجها لغرفه عاصم وقف امامها و اشار لها بالدخول: اول اثبات!
طرق الباب و فتحه دافعا اياها للداخل، استمع عاصم للباب يُفتح فاعتدل في جلسته على الفراش و حرك رأسه باتجاه الباب متمتما بصوته الخشن: مييين؟

فتقدمت خطوه اخرى منه دون اجابته فعقد حاجبيه و هو يهتف بنبره اعلى: حنين؟
و هنا عقدت حاجبيها هى تعجبا من عدم معرفته لها رغم قربها فتقدمت اكثر حتى وقفت امام الفراش تماما، انتفضت و نبرته تتعالى بقوه: مين هنا؟
استدارت تنظر لاكرم خلفها وجدته مبتسما بظفور، فأعادت رأسها لعاصم و اجابته بخفوت: انا..
نهض عن الفراش بحركه سريعه حتى كاد يتعثر و صاح بعصبيه اصابته: في حد معاكِ؟

ارتجفت عينها و هى تطالع التشتت الظاهر على وجهه و اقتربت منه لتقف امامه مباشره: لأ لوحدى.
رفع يده بارتعاشه و جسده يتشنج بضيق حتى لامس كتفها فقربها اليه و مال برأسه قليلا حد عنقها و رغم حجاب اسدالها شعرت هى بأنفاسه تكاد تحرقها بينما اغلق عينه مستنشقا عطرها و الذى اختلط برائحتها الشخصيه لاول مره هامسا بضياع: ليه؟

شعرت هى بارتجافه نبرته فأصابها بتشتت هى الاخرى و قبل ان تنطق بكلمه واحده اردف هو بهمس اشعرها بخوف غريب بصوته، همس بكلمات كأنه يكتبها على صفحه قلبها الجديده، كلمات ربما لو خطها على اوراق مجلده ما خرجت بصدق كوقعها على مسامعها: متعمليش كده تانى، متمحيش الحاجه الوحيده الباقيه منك جوايا، ليه مصممه تحرمينى راحتى، ليه!

انتفضت بشهقه خافته و دموعها تتراكم بعينها و بحركه عفويه صادمه ابتعدت عنه واضعه يدها على فمها تتطالعه بعينان يرويان عن ألم غزا القلب، اكرم محق، روحه حقا تتشبع بها..
عاصم مازال لها، يتذكر ادق تفاصيل ما يخصها، قلبه ما زال لها، هى مازلت تنبض بالحياه داخله، لم يقتلها، لم يمحيها بل و عندما فعلت رفض هو، رفض فعلها الذى يمحيها داخله، كأنها النور الوحيد الذى تبقى بعينيه، يعصم قلبه و لكنه اصر على العصيان.

ادرك هو ما قاله عندما ابتعدت، متفاجئا من شعور الخوف الذى غلف قلبه من عدم معرفته اياها، رائحتها هو ما بقى داخله ليعرفها به، ليميزها و ليشعر بها و ان كان لا يراها...
و صدقا كل شئ قد يُنسى إلا رائحه امرأه يحبها..
و اليوم حتى هذا تحرمه منه، الى متى ستظل الجحيم بحياته!، الى متى ستظل التناقض الذى يؤلم الروح و القلب؟، الى متى هذا الارهاق؟

استدار معطيا ظهره لها و هتف بنبره ثلجيه قويه طمس بها كل مشاعره الان: ايه اللى جابك هنا؟
ابتسمت من جفائه، اجل ابتسمت، هو لا يفعل شئ سوى الادعاء، مازال يحبها، مازال...!
حمحم اكرم دالفا اليهم و وقف بجوار جنه مبتسما رافعا احدى حاجبيه بمعنى أرأيتى؟
استدار عاصم مجددا فور سماعه لصوت مذكر اخر بالغرفه و عندما لمح اكرم تشنج ملامح وجهه تحدث قائلا بود: ازيك يا عاصم؟
هدأت ملامحه قليلا ليقول بخفوت: الحمد لله..

نظر اكرم لجنه و اشار باصبعه برقم اثنان و همس بجوار اذنها: تانى اثبات!
حمحم مجددا و وجه حديثه لعاصم: عايز جنه في مشوار ضرورى، دا بعد اذنك طبعا.؟
عقد عاصم حاجبيه بقوه: يعنى انتِ جايه هنا علشان تقوليلى انك خارجه؟، ثم تذكر انها بحجابها فعقد حاجبيه بغضب يهدد بالخروج: و على كده بقى مستعده؟

نظر اكرم اليها بطرف عينه بينما هى لم تحيد بعينها عن عاصم الذى يصارع ليبقى هادئا على عكس براكين اشتياقه لها بين احضانه، توترت و نظرت لنفسها فهى ما زالت باسدالها عن اى استعداد يتحدث؟
ابتسم اكرم على توترها و اجاب بدلا عنها: اه جاهزه.
اشتعلت حصونه السوداء بغمامات غاضبه و ازدادت وتيره انفاسه و زمجر بغضب: انا مراتى متخرجش متعطره...

اتسعت ابتسامه اكرم ناظرا لجنه بنفس نظره الظفور بينما هى تحدق بعاصم كالبلهاء أقال امرأتى؟
نسبها اليه، إعترف بها امرأته؟!
لم يتوقف اكرم عند هذا الحد بل اضاف ضاحكا بسماجه: غيره على مراتك؟ و لا دينك؟
ارتجفت عينه و تهدل كتفاه بصدمه من سؤال لم يكن بمحله الان ابدا و لكنه بالنسبه لجنه كان في وقته تماما و لكن عاصم لم يمنحها ما ارادت بل هتف ببرود: عاصم الحصرى مبيغرش على حاجه ماتخصوش.

و كانت هى من تحدثت الان عندما اقتربت منه و وضعت يدها على صدره: و ايه ده اللى ميخصوش، مراته و لا دينه!، ايه منهم ميخصش عاصم الحصرى؟!
و بكل شغف قلبها عانقت قلبه الذى اعطاها الاجابه بنبضاته التى لم تبخل عليها بصدق شعورها معارضه و معاديه ذلك الذى يحاول الهروب من جحيمها - كما يلقبه - و هو لا يدرى ان الجحيم مستعر داخله و لا مجال للهروب منه..

رفع يده ملامسا يدها لتشعر هى بارتجافتها التى ربما حاول اخفائها و لكنه لم يستطع و لكن ما استطاع فعله هو استجماع ما بقى لديه من قوه دافعا يدها عنه: مفيش خروج، و دا اخر كلام و اتفضلى بره بقى.
انسحب اكرم بعد ما رآه مبتسما مغلقا الباب خلفه ليدرك عاصم انه رحل و لم يبقى سواه هو وجنه جحيمه، صمت خيم عليهم قليلا حتى هدر عاصم بها: انا قولت اطلعى...!

اقتربت خطوه منه حتى شعر بجسدها يلامس جسده و وقفت على اطراف اصابعها هامسه لتلامس انفاسها شفتيه: انت بتقول حاجه و ايدك بتقول حاجه تانيه، اسمع كلام مين؟
ادرك هو انه اخفض يدها عن صدره و لكنه لم يتركها بل تمسك بها، تمسَك بها تمسُك الغريق بالقشه، غريق لا يعرف النجاه سوى بها، غارقا، لا تكف هى عن جذبه و لا يسعى هو للنجاه..!..

رفع يده الاخرى على غفله محاوطا خصرها متناسيا نفسه و حاله و من هو فقط قربها اليه بقوه و نبرته امتزجت بمرارته: شفقه!
ضغطت بيدها على كتفه بعنف شعر هو بها كأنها تعاقبه على كلمته عندما اجابته بالمقابل بصدق مس قلبه: انا معرفش يعنى ايه شفقه، لانى لو اعرفها كنت اشفقت على نفسى قبل ما اشفق عليك..!

اقترب بوجهه منها و يديه الاثنتان ارتفعتا لتبعدها عنه و لكنها خذلته و ضمتها اليه اكثر و هو يتمتم بكلمات كالهذيان: و ايه معنى ده.؟!
تعلقت يدها بعنقه كأنها تتعلق بالحياه و تركت كل ما حولها و اغلقت عينها تداعب أذنه بصوتها: حب، عشق، احتواء، مش محتاجه افكر في معنى اى حاجه و انا بين ايديك، و انا معاك بحبك و بس..

شدد من ضمه لها بقوه كأنه يزرعها داخله و رغم خفوت صوته لكنه كان كالرعد الذى زلزل كيانها، كسهم غادر اصاب قلبها في مقتل و هو يقول بنبره قويه كلمات على لسانها هى: وافقت على الجواز بس لانى كنت حاسه انى مديونه ليكم، ازاى الناس اللي عيشونى في بيتهم ارفض طلب ابنهم، كنت حاسه انى ببيع نفسى مقابل الخدمات اللى قدمتوها ليا!

اتسعت عينها بذهول و انفاسها تختفى و تراخت يدها على عنقه كما تراخى جسدها لتحاول الفكاك من يده لترى وجهه و لكنه لم يسمح لها و لن يسمح، فالدمعه التى سقطت من عينه الأن لن تراها ما دام حيا..
فشدد من ضمه لها دافنا وجهه في عنقها و يُكمل ما قالته سابقا مانحا اياه اليها، فهكذا هم البعض لا ينسون و لا يسمحون لك ان تنسى: جوازى منك هيفضل اكبر غلطه انا عملتها في حياتى لانى بكرهك،.

شهقت مرات متتاليه و دموعها تغرق ملابسه لتصل لجسده ليصاب برعشه حاده لا تضاهى شيئا امام روحه التى تنزف الان و لكنه لم يرحمها او يرحم نفسه بل تحرك بيده على ظهرها ملامسا كل انشا به يبيعها بقيه كلماتها ببطء: لامساتك، كلامك، اسلوبك و تصرفاتك كلها بتتعبني...!

حاولت التملص من يده لتبتعد، يكفى لم يعد باستطاعتها التحمل ولكنه لم يسمح لها بل رفع وجهه عن عنقها مستندا بذقنه على كتفها و يده تهبط باحترافيه على ظهرها حتى تملك خصرها بقوه جعلتها تتلوى بين يديه عندما القى بكلماته الاخيره التى في الاصل هى كلماتها بنبره جعلتها تدرك ان طريقها مازال طويلا فهو لم يعد يصدقها: حاولت استسلم او اقنع قلبي بحبك لكن مقدرتش..

مرغ وجهه في عنقها ليُزيل دموعه بحجاب اسدالها ثم ابتعد عنها اخيرا و ابتسامته الغاضبه تخفى ملامح وجعه بجداره لا يملكها سواه و تسائل يسخر منها، كلامها و مشاعرها: كل ده كذب و المفروض انك دلوقت صادقه؟!
ثم اتسعت ابتسامته و اعطاها ظهره يستهزأ: حب!، و ضحكه ساخره.
ارتفع انينها و لكنها تركته و خرجت مسرعه من الغرفه و تفاجئ هو بصوت الباب يُفتح فاستدار متسائلا: مين دخل؟

و عندما لم يسمح صوت حتى انفاسها ادرك انها هى من خرجت فصرخ بعصبيه: هربتِ يا...
قطع كلماته فماذا يقول! من هى؟
بل السؤال الاكثر اهميه، من هو!
من هو من رجل كان لا يرى سوى نفسه،
من هو من رجل لم تعرف امرأه لقلبه طريق،
من هو من رجل كان في عز الضعف شديد،
من هو!؟
لعنه الله على عشق أذاه و لم يجدها حتى تداويه، على اشتياق ألقاه في حضن جحيمها،
و لكن لم تذله هى بقدر ما أذله قلبه الذى لا يهوى سواها،.

لم تدفعه اليها بقدر ما دفعه شغف بها عجز ان يمحيه،
فعلام يلومها و الاولى ان يكون لنفسه لائما؟
ليس خطأها بأنها سجن فهو من اختار ان يكون مسجون،
ليس خطأها بأنها كسر فهو من فضل ان يُكسر،
ليس بخطأها امتلاك قلبه فهو من سلم القلب و مالكه لقلبها بخنوع..!

افاق من عاصفه افكاره التى ادمت قلبه عندما استمع لخطوات تقترب منه ليصله صراخها بصوت عالى يدل بشده على انهيارها الهستيرى: ايوه حب، حبى اللى سكن قلبك، انا جواك بمزاجك او غصب عنك، جنه هتفضل جواك، و هيفضل قلبك ملكها و دا الدليل...!
قالتها و هى تدفع مجلده لصدره و الذى ادركه فور ان لمسته يده فانتفض جسده غضبا و امسكه منها بقوه صائحا هو الاخر: انتِ ازاى تجرأى تلمسى حاجه متخصكيش؟

ضحكت بسخريه اختلطت بدموعها و هتفت بحده بكلمات اصابت قلبه مباشره: اذا كنت تجرأت و خطفت قلبك، ف انت بتسألنى في ايه دلوقت؟
اقتربت منه ممسكه طرف منامته جاذبه اياه بقوه فمال بدهشه تملكت من كل اطرافه و همست امام وجهه القريب منها بقوه كانت له اكبر صدمه حقا: انت نفسك تخصنى يبقى كل اللى يخصك ملكى..

تركته و ضربت كتفه و صدره بكفها و صوتها يزداد اختناقا بدموعها و ثقه بمشاعرها: و بعدين يخصك ازاى و كل صفحاته فيها اسمى، كل كلمه فيه عنى، كل حرف بيوصفنى، يخصك ازاى و انا فيه وصلت لابعد مكان في قلبك، يخصك ازاى و انت بتعبر فيه عن حبك ليا، يخصك انت ازاى يا عاصم!؟

بكل كلمه تزداد ضرباتها و هو متجمد تماما، مشاعره اصبحت في العراء، عرته هى امام نفسه قبل ان يكون امامها، امسكت نقطه ضعفه التى ربما تكون نقطه قوتها...!

رفع المجلد امام عينها ليبدأ بتمزيق صفحاته و لكنها اسرعت تنزعه من يده و لكنه تمسك به جاذبا اياه بقوه ليمر سيفه الحاد على باطن يدها فيجرحها لتصرخ بألم و لكنها لم تتركه بل اخذته منه بسرعه محتضنه اياه لصدرها و صرخت تعنفه تخبره بصراخها انها لن تسمح له مجددا بطى حبها داخل روحه: حاول قد ما تحاول تمحينى من جواك، لكن انا مش هسمحلك تنجح ابدا و دا وعد من حرم عاصم الحصرى و انا جوزى علمنى مستسلمش ابدا.

و قبله قاتله على شفتيه و خرجت ركضا من الغرفه مغلقه الباب خلفها بعنف جعله يعقد حاجبيه تعجبا من قوتها الجديده، من تحديها و من تمسكها المهلك به،!
اغلق عينه متذكرا همسها بحبها له، قبلتها و كلماتها، كم كان يرجو سماعها، و اليوم تقولها له بهذا الهمس الذى يصدقه قلبه او ربما يتمنى تصديقه مثلما تمنى من قبل قربها..

قلبه يستسلم و لكن عقله جامح و يبدو ان كالعاده عقله ينتصر، فتح عينه هاتفا بقوه و هو يشيح بيده ثم يرفعها ضاغطا على خصلاته: كذابه.

انتِ مستهتره يا هبه...!
هتفت بها الطبيبه المتابعه لحالتها بغضب، متغافله عن دموع هبه القلقه على جنينها، اتجهت بعدها لمقعدها على المكتب و هندمت هبه ثيابها لاحقه بها متسائله بلهفه: البيبى بخير يا ريم ارجوكِ طمنينى!

نظرت اليها ريم صديقتها من الجامعه و التى تتابع هبه حملها معها و قالت بسخريه: و مابتهتميش بيه ليه لما انتِ خايفه عليه كده، البيبى ضعيف جدا يا هبه، انتِ لسه في الشهور الاولى و الحمل لسه مش ثابت و واضح انك بتجهدى نفسك نفسيا و جسديا زياده عن اللزوم، المره دى جات سليمه بس المره الجايه مضمنش، بلاش اهمال، حافظى على نفسك علشان خاطر طفلك لو مش علشانك.

وضعت هبه يدها على بطنها تمسدها بحنان و صوتها يختنق بالدموع: غصب عنى يا ريم و الله، الوضع حواليا صعب، انا مش قادره اساعد نفسى و غصب عنى مش قادره اساعد طفلى كمان..
نهضت ريم بعدما شعرت بالحزن لأجلها و جلست امامها ممسكه يدها: و ليه كل ده يا هبه؟ لهفه جوزك عليكِ تقول انه بيحبك جدا و بيخاف عليكِ كمان، محتاجه انتِ ايه من الدنيا غير زوج بيحبك و طفل منه؟ و ليه كمان رفضتِ انه يدخل معاكِ يطمن على طفله..!؟

بكت هبه بقوه و هى تلف يديها حول جسدها كأنها تحتضن نفسها وتمتمت بتحشرج: لأنه ميعرفش انى حامل، ميعرفش ان جوايا جزء منه.!
عقدت ريم حاجبيها بتعجب: ليه يا هبه؟ ليه تحرميه من الفرحه دى؟

لم تستطع هبه اجابتها بسبب كثره بكائها و اختناق صوتها بكلماتها، نهضت ريم محتضنه اياها تحاول تهدئتها حتى هدأت تماما، فمسدت ظهرها و قالت بحزن لاجل صديقه عمرها: خدى بالك من نفسك و اكلك و حاولى بقدر المستطاع تقللى الضغط النفسى و الجسدى، حملك مش هيبقى سهل يا هبه، انتِ ضغطك دائما واطى، عندك انيميا، غير ان جسمك ضعيف و كل ده محتاج رعايه و اهتمام على الاقل لحد ما الحمل يثبت..

اومأت هبه برأسها موافقه و استدارت لها ممسكه يدها: معتز هيسألك عنى، قوليله اى حاجه بس متقوليش على الحمل، ارجوكِ يا ريم...
حدقت بها ريم مندهشه و لكنها استسلمت لرغبتها و اومأت برأسها عائده لمكتبها و اعطتها الوصفه الطبيه اللازمه بأدويتها.
خرجت هبه و ابتسمت لمعتز بوهن فنهض اليها مسرعا محاوطا وجهها بكفيه: حبيبتى انتِ كويسه؟
و لم يعطيها فرصه للرد بل اتجه مسرعا للداخل: طمنينى عنها يا دكتوره..!

نظرت ريم لهبه من خلف معتز و التى توسلتها بعينها الا تقول الحقيقه فعادت بعينها متنهده و ابتسمت بتكلف: هبه بخير الحمد لله شويه مشاكل نسائيه بس و ان شاء الله مع العلاج هتبقى كويسه، بس ياريت حضرتك تهتم بيها لانها مهمله جدا في نفسها و ياريت نبعدها عن اى ضغط نفسى او جسدى الفتره دى علشان صحتها و صحه..

قطعت كلماتها ناظره لهبه بينما لم ينتبه معتز لتشتتها من شده توتره فاجابها مسرعا: حاضر انا هاخد بالى منها، شكرا جدا يا دكتوره..
استدار بلهفه لهبه و حاوط كتفها بيده يساندها و خرج بها بينما ريم تتابعهم و هى تتعجب كيف لمن يكن لزوجته مثل هذا الحب ان تكون زوجته في شقاء هكذا؟

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة