قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الثالث والثلاثون

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الثالث والثلاثون

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الثالث والثلاثون

وصلا للمنزل وبمجرد ان اغلق الباب جذبها لحضنه بقوه و يده تتملكها بجزع مرتجف و انفاسه تسارعت و هو يهتف بتوسل: بالله عليك متعمليش فيا كده تانى، انا كنت هتجنن يا هبه..
هى بالفعل فقدت عقلها،
يطلب منها التوقف عن فعل لم تقصده و هو يقتلها بألاف الافعال قصدا!
يطلب منها ادراك ما تمر به و هو يفعل بها الكثير مدركا!

لماذا يدفعها للاستسلام لذراعيه و هى لا ترغب، لماذا يتحكم بعقلها و هى رافضه تحكمه بقلبها، لماذا يجعلها تتخلى عن قوتها لاجل ضعفه، فمتى سيتخلى عن ضعفه لاجل قوتها و متى سيتمسك بقوته لاجل ضعفها!
ابتعد عنها اخيرا لتُفاجئ بالدموع المتجمعه بعينه و التى تهدد بالسقوط فتناست كل افكارها و احتضنته مجددا و هتفت بسرعه و قلبها يغلبها اسفا: انا اسفه انى سببت لك القلق ده، انا كويسه و الله شويه ارهاق بس..

مرغ انفه بعنقها و طبع قبله طويله عليه ثم ابتعد حاملا اياها و اتجه لغرفتهم وضعها على الفراش و بدأ يفك حجابها حتى القاه جانبا و اعتدل مسرعا احضر الوساده و وضعها خلف ظهرها و القى بقائمه اوامره دفعه واحده: اولا مفيش حركه من السرير لحد ما تتحسنى تماما و اى حاجه هتتعمل انا هعملها، ثانيا الاكل هيبقى بمواعيد و لو فكرتِ تقولى في مره مش جعانه مش هتسلمى من ايدى و هتاكلى غصب، ثالثا انا هاخدلك اجازه من الشغل و مفيش خروج من البيت نهائى و اى طلبات انا كفيل بيها و اظن كلامى واضح يا مدام فله..!

ابتسمت بسعاده من اهتمامه الذى ربما تختبره الان بعد فتره طويله من جفاء قاسى، فصدق من قال رُب ضاره نافعه و لكنها منذ متى تستمع لشئ دون نقاش: اولا انا كويسه و عادى جدا اتحرك من السرير على فكره، ثانيا انا مبعرفش اكل كتير بس ان شاء الله ههتم بالاكل و الدوا، ثالثا مفيش داعى للاجازه انا هنزل الشغل عادى و مش هرهق نفسى فيه.

امسك يدها و قبلها هاتفا بخفوت و لكن بحسم: يمكن اول مره هعملها بس مضطر، انا كلامى دلوقت مش نقاش و انتِ كزوجه واجب عليكِ تسمعى كلام جوزك طالما مفيهوش معصيه لله، صح يا فله؟
نظرت اليه بضيق و همهمت على وشك الاعتراض: بس..

وضع اصبعه على شفتيها مانعا اياها من الاسترسال ثم استبدله بشفتيه بقبلات متتاليه و هو يهمس بصدق مشاعره ليس خجلا من خوفه او ضعفه فهى اغلى من كل شئ حتى نفسه: انا مش مستعد اشوفك زى النهارده تانى و لو كلفنى ده عمرى كله اخدمك..

لمعت عينها بتأثر خالص بكلماته التى احتوت قلبها و طمأنته بحنان، فابتسم هو ناهضا دون ان يمنحها فرصه الرد و اخرج ملابس بيتيه و بدأ بتبديل ملابسه ثم اخرج منامتها و اتجه اليها يساعدها على تبديل ملابسها ايضا ملاحظا زياده خفيفه في وزنها فتمتم بخبث يشاغبها: انتِ تخنتِ شويه و لا انا بتهيألى..!

ازدردت ريقها ببطء تتابع حركه عينه على جسدها خشيه ان يفهم و لكن بطنها لم يظهر بالشكل المُلفت بعد يبدو انها ستأخذ كثيرا حتى يظهر حملها جليا و لكنه لم ينتبه لارتباكها هذا و نهض يبتعد عنها هاتفا: دقائق و جايلك...!
خرج من الغرفه بينما ظلت هى في تشتتها المعتاد، ماذا تفعل؟
هل لإمرأه يعاملها زوجها مثل هذه المعامله ان تكرهه؟،
هل لإمرأه تشعر بحب زوجها لا بكلماته بقدر ما تتشبع به بأفعاله ان ترفض وجوده؟،.

هل لإمرأه يعشقها زوجها و يعاملها كما لو كانت جوهره ثمنيه ان تبتعد عنه؟
و لكن على النقيض تماما..
هل لإمرأه خانها زوجها وتزوج عليها ان تستمر معه؟،
هل لإمرأه ادخل زوجها اخرى بحياتهم لتشاركها فيه ان تعشق وجوده؟،
هل لإمرأه طعنها زوجها بخنجر سام أصاب قلبها ان تظل تحبه؟
و للاسف جمع زوجها الاثنان، فتاهت بينهم..!
فهل لمن عاشت الحب و البغض، الراحه و التعب، الخوف والامان، ان تقرر، ان ترسو على بر؟

حتى اختيارها الان صار صعبا..
منقسمه نصفين، نصف يرغبه و لا يريد التخلى عنه و يؤيده قلبها،
نصف يزهده و يريد الهروب منه و يؤيده عقلها، ماذا تفعل و من تناصر؟
أتسمع للعقل الذى يحرمها وجوده، حنانه، خوفه و حبه؟!
ام تسمع للقلب الذى يحرمها سكينتها، راحتها، كرامتها و كبريائها!
أتتبع عقلها وتخسره هو، ام تتبع قلبها و تخسر نفسها!
هى بين شقى الرحى و هو حتى لا يشعر بها،
ليتها تصل لحل، إما تريح قلبه و إما تخسر قلبها؟

و الاختيار صعب، مؤلم و مهلك لها...؟!
استكانت على فراشها مغلقه عينها باستسلام في انتظار عودته.
بينما هو في الخارج اتجه للمطبخ ليعد عشاء لها عندما استمع لقفل الباب يُفتح فخرج ليرى الدالف ليجدها سالى فعقد حاجبيه تعجبا و اندهاشا ليس فقط من عودتها للمنزل متأخره و لكن لانه نسى وجودها هنا من الاساس..!

نظرت اليه و اقتربت لتطبع قبله على وجنته و لكنه اوقفها متسائلا بغلظه: كنتِ فين لدلوقت؟ انتِ عارفه الساعه كام؟
نظرت لساعه يدها لتجدها الحاديه عشر ليلا فعدلت من خصلات شعرها و التى خرجت من حجابها - و لنُحسن النيه - سهوا بارتباك و اجابته بتوتر: عادى يا معتز لسه بدرى و بعدين انت عارف انى متعوده على السهر..

اقترب منها خطوه مردفا بحده فاجأتها: في بيتى هنا الساعه 9 حتى متأخر، عدم إلتزامك و احترامك لنفسك مش هسمح بيه كتير، حياتك انتِ حره فيها لكن شرفى و سمعتى مش هسمحلك تقربى منهم، مش هفضل طالع نازل الناس بتتهامس على مراتى، فاهمه؟
ضيقت عينها بضيق و اشاحت بذراعها و هى تشعر انها امام رجل لا يسعى سوى للتحكم بها خلاف ما كان عليه سابقا: انت اتجننت يا معتز انت ازاى تكلمنى بالاسلوب ده؟

قبض بيده على ذراعها حتى كادت اصابعه تخترق لحمها و هتف بحده: دلع زمان الماسخ ده انتهى، صوتك ميعلاش و انتِ بتكلمينى ابدا و ان صدفت و حصلت تانى هتشوفى منى تصرف مش هيعجبك يا سالى، لا انتِ بقيتِ مراهقه و لا انا معتز الصايع بتاع الجامعه، انتِ زوجه و مطلقه قبل كده مره و انا راجل صاحب بيت و مسئول، فاهمه يا مدام؟

حاولت تجنب غضبه فاقتربت منه اكثر و وضعت يدها على صدره باغواء هامسه تستجدى عطفه او ربما رجولته التى دائما ما تحكمت به سابقا: انا اسفه يا حبيبى مش هتتكرر تانى و تأخير مش هتأخر و كل اللى انت عاوزه هعمله.
زفر ببطء و ابتعد عنها خطوه للخلف: اتمنى يا هبه..
اشتعلت عينها بغضب و تمتمت بصوت هادر و هى تدفع كتفه فبدل ان تثير رجولته اشعل هو انوثتها جارحا اياها و ان كان لا يقصد: سالى يا معتز، اسمى سالى، ؛!

و تركته و تحركت للداخل مسرعه حتى لا تنفجر في وجهه بينما هو اشاح بيده و زفر دالفا للمطبخ مجددا أعد الطعام و اخذه لهبه بغرفتها، دلف و اغلق الباب ليجدها نائمه بهدوء، وضع الطعام على الطاوله و اقترب منها جالسا على طرف الفراش بجوارها و مال عليها مقبلا جبينها مستندا عليه و انفاسه المضطربه تمتزج بانفاسها المنتظمه ليهمس بشجن: من غير ما تعاقبينى بتعاقب، حاسس بذنب كبير قوى يا فلتى...

اغلق عينه و حاوط جسدها بيديه الاثنتين و تهدج صوته و خفت همسه: عارف ان بوجع قلبك، عارف انى بجرح كرامتك و عارف انك لسه جنبى رغم انك قويه كفايه تبعدى علشانى انا، عارف انك بتحاولى تخلينى انسان و راجل..!
ابتعد عنها لينظر لملامحها الساكنه و تساقطت دموعه لتتشربها وجنتها و هو يترجاها: سامحينى يا هبه، سامحينى..
ثم بدمعه هاربه رفع يده مناجيا و قلبه يكاد يموت خوفا من اصابتها بمكروه: يارب متعاقبنيش فيها يارب..

نظر اليها مجددا يتشبع بملامحها و امطر وجهها بقبلاته و دموعه و همس بتحشرج: ياريت اقدر اهرب بيكِ بعيد عن كل حاجه، ندمت، و الله العظيم ندمت، بس معتز اللى انتِ خلتيه انسان واعى هيعملها، هنهى كل الكوابيس و هنعيش سوا يا هبه، هعيش انا و انتِ حلمنا سوا، مش عاوز غيرك و مش هعيش غير بيكِ و ليكِ، و هنعيش و دا وعد منى ليكِ يا هبه..

هتخسر يا مازن متحاولش...!
هتفت بها حياه و هى تلعب مع مازن بالحديقه الاماميه للمنزل، و ضحكاتهم تملأ المكان بشغب، كانت حنين ذاهبه للمطبخ لتروى ظمأها و لكن اوقفها الضحكات العاليه فخرجت لتراهم، فاستندت على الباب تراقبهم و صورتها مع فارس تتجسد امامها فوجدت نفسها تبتسم لتتسع ابتسامتها لضحكات مع ضحكاتهم..

اقتربت حياه منه تُمسك يده ترفعها عن رقعه الشطرنج امامها و هى تصرخ بطفوليه: متحركش بتوعى يا مازن...!
و لكنه عبث بقطعها لتصرخ و هى تضع يدها على جبينها: بتغش، انت كده بتغش.
اطلق صفيرا متجاهلا صراخها الغاضب ثم رفع الرقعه لاعلى لتتساقط القطع ارضا: فيل و حصان و ملك الغااابه هو انا قاعد في حديقه حيوان، دى لعبه دى! انا ناقص لعبكه مش كفايه شغل الشركه..؟!

وضعت يدها على وجنتها و عبست بيأس: ضيعت مجهودى كله يا مازن، الله يسامحك، كنت هكسبك على فكره.
ضحك بعشوائيه و بصوت عالى: هاهاهاها، تكسبى مين يا شاطره عيب عليكِ.!..
نهضت واقفه لتدخل مغتاظه و لكنه امسك بطرف عبائتها و هو يضحك و يجذبها: خلاص اقعدى اقعدى.
نظرت اليه بطرف عينها ثم جلست فهمس بعبث: سيبنى اكسب و انا اسيبك تلعبى، واحده قصاد واحده.
وضعت يدها بخصرها و ضيقت عينها تشاغب: بترشينى يا بشمهندس..!؟

رفع يديه خلف عنقه غامزا و ضحكه ماكره تتراقص على شفتيه: حصل.
ضحكت عاليا و هو كذلك ثم اشارت له على هاتفه بجديه: ممكن تليفونك؟
نظر اليها رافعا احدى حاجبيه و اقترب بوجهه منها متسائلا بشغب: هتفتشى ورايا و لا ايه؟
اسرعت بالرد عليه حتى تدافع عن موقفها فلا يفهمها خطأ: لا طبعا انا بثق فيك جدا، انا كنت هشغل حاجه نسمعها..

ارتبك هو من كلمتها و لكنه حاول تدارك الامر حتى لا يشعرها بتوتره فهتف ضاحكا: بتحبى تسمعى لمين؟
شردت قليلا ثم صفقت هاتفه: عبد الرحمن محمد، اممممممم، اصابك عشق.

حاول تجاوز الامر حتى لا يُخجلها و يُخجل نفسه و اخرج هاتفه و عبث به قليلا و لحظات و صدعت النغمات الهادئه ليصمت كلاهما، و استلقت هى ارضا تنظر للسماء و لمعان النجوم بها فنظر اليها لحظات و لراحتها هذه ثم تبعها مستلقيا هو الاخر، فنظرت اليه مبتسمه تفكر!
ماذا تفعل باحساسها - اللامسمى - تجاهه، ليس حب بقدر ما هو امتنان..!.

تعلقت هى به، بوجوده، بحضنه حتى ضحكاته، أرست سفينتها على مرسى ليس لها، اجل تدرك انها لن تحتل ابدا بقلبه مكانه حب و هى حقا لا ترغب بهذا، لن تكون سوى اخت، ابنه و ربما صديقه، لم ينظر اليها ابدا كزوجته، فقد مر على زواجهم قرابه العامين و اكثر و لكن قلبها لم يتعلق بقلبه حبا..!
الرجل امامها لم ينظر لها كامرأه، لم يرى بها جسد و لم يرى بها متعه و لم و لن تسعى هى لذلك..

هو رجل بوسامته الرجوليه، ملامحه الشرقيه، عيناه الثاقبه التى يتلألأ بها عبثه، قوه حنانه و احتوائه، تتمناه اى امرأه و محظوظه هى من يتمناها هو، و لكن ليست هى.
اما هو فكان يتابع نجوم السماء و عقله مشتت تماما، يضحك هو الان و لكن داخله ضائع...

الجميله بجواره تشغل عقله لا ينفى هذا و لكنها لا تشغل قلبه، ما عاد يفكر بهبه و ربما ظروفه هى ما لا تمنحه رفاهيه التفكير بالحب، فلقد تعلق به حياه اثنتان، واحده منحها قوتها لتعود تدرك حياتها من جديد، و الاخرى يبدو انها هى من ستسحب قوته لتسحبه معها في دوامه فقد و حزن ربما لن يدرك لا حياتها و لا حياته بعدها.!
فقدانه لفارس كان صعب عليه، خساره السند و الرفيق، البقاء وحيدا..

كل هذا منحه قناع حديدى من القوه ربما ان تصدع يظهر خلفه الاف البراكين من الضعف، سلبته الظروف ضحكته و روحه المرحه و ربما ان منحه القدر فرصه اخرى سيُظهر طوفان ضحكاته ليغرق كل من حوله به، و هذا ما سيفعل..
يتألم هو، لا فارق، و لكنه لن يهدأ حتى يساعد الجميع لتعدى آلامهم..
يصيبه الوجع، لا مشكله، و لكنه سيسعى بشتى الطرق ليمحى لمن حوله اوجاعهم..

و سيبدأ بأرمله اخيه، سيجلب حقها، سيطهر اسمها امام الجميع مجددا، سيجعل الجميع يعتذر و لها وقتها حريه الرفض او القبول...
سيحلها من ربطه عنقها - زواجهم - و يخرج هو من دوامه الاعاصير الذى تجتاحه بسببها..
طالما اخبره اخيه انها ضعيفه و لكن هو لن يسمح بتمادى ضعفها، سيمحيه، حتما سيمحيه..!
افاق من شروده على صوت والدته: مازن...

نظر للخلف متعجبا فوالدته لم تكن تحدثه او تحدث حنين طوال الايام الماضيه بل لم تكن تظهر بالمنزل اثناء وجودهم، نهض اليها مسرعا واقفا امامها باحترامه المعهود: نعم يا ماما..
نظرت اليه بحده و اشارت له ليسير امامها بجديه شبه حاده: تعالى عاوزاك في كلمتين...!

عقد حاجبيه تعجبا و لكنه باستسلام سار معها حتى غرفه الاستقبال و لكنه تفاجئ عندما رأى حنين جالسه بالداخل، جلست نهال و احدهما على يمينها و الاخر على يسارها فنقلت بصرها بينهم عده مرات و بدأت: انا بقالى فتره مراقبه وضعكم و اللى واضح انه مش وضع زوج و زوجه طبيعين و دا خلانى افكر كتير في اللى حصل في النجع...؟!

صمتت لحظات عدما رأت حنين تغمض عينها و تفرك يدها بتوتر و تضغط بقوه على دبله فارس فأردفت بثبات: انا عاوزه اسمع منكم اللى حصل معاكم بالظبط..!؟
امتدت يدها لتمسك بيد حنين بحنان و تحدثت و هى ترمقها بنظره ام: احكى يا حنين ايه اللى حصل معاكِ، احكى و اوعدك انى اسمعك للاخر و هصدق كل كلمه تقوليها..

ظلت حنين مغلقه لعينها متذكره ما صار ذلك اليوم و بخفوت بدأت تسرد ما صار، و نهال تسمعها بتمعن و مازن بلهفه حتى انتهت و دموعها تغرق وجنتها..
وقف مازن بحده و هو يتذكر الفتاه التى حدثته فاقترب من حنين و تسائل بحماس غاضب: البنت دى كانت في سن قد ايه كده، و كان شكلها ايه، اقصد يعنى لابسه ايه؟

نظرت اليه بتشتت و هى تحاول التذكر حتى اكتملت الصوره و اجابته بشرود كأنها تراها امامها: كانت صغيره يعنى ممكن 16 او 17 سنه، كانت لابسه عبايه فلاحى و رابطه شعرها بعمامه فيها كور حمرا كده، ...
خبط على الطاوله امامه و صرخ بغضب: هى نفسها، هى..
نظرت نهال اليه و كذلك حنين وتسائلت الاولى: هى مين؟ انت ايه اللى حصل معاك؟

و بانفعال تام و هو يتحرك بالغرفه ذهابا و ايابا سرد تفاصيل مشاجره الاطفال و تلك الفتاه و انهى حواره: الموضوع مقصود اكيد، دا غير ان الباب كان مقفول من بره..
نظرت حنين اليه بضياع و هى تتمتم بتذكر: هى فعلا اصرت انى اقلع حجابى، ثم نهضت واقفه و هى تنظر للارض بتيه متألم: بس ليه؟ انا أذتها في ايه؟ ليه عملت معايا كده؟

اقترب مازن منها متابعا نبرتها الحزينه مرددا بتوعد: مش هسكت غير لما اعرف سبب الموضوع و مين البنت دى...!؟
نهضت نهال و اقتربت منهم و نظرت لحنين ثم احتضنتها بخجل و هى تردد تعاتب نفسها على قله ثقتها بزوجه فارس اول مهجه للقلب و محطمه: سامحينى يا بنتى محدش فينا سمعكم و كلنا اتهمنا بدون دليل..
اتجه مازن اليها و ابعد والدته عن حنين واقفا بينهم: لما حقها يرجع قدام الكل يا ماما وقتها يجى وقت الاعتذار.

امسك بيد حنين متحركا خارج الغرفه و وقف بها امام باب غرفتها و ترك يدها ليرحل و لكنها امسكت بيده مجددا فتعجب و استدار لها فصمتت قليلا ثم قالت بخجل: ممكن اطلب منك طلب؟

الرياح حولهم تعبث بملابسها، صوت حفيف الاشجار و تساقط اوراقها، الظلام الدامس المحيط بهم، لا اضاءه حولهم سوى كشاف هاتفه الذى بالكاد يُريها الطريق امامها، تتوقف فجأه على بعد خطوات ممن أتت لأجله، اسمه منحوت على الصخره امامها، هنا - معه - حيث تركت روحها...!
امتلئت عينها بالدموع و اقتربت بخطوات مضطربه حتى وقفت امامه مباشره لتسقط ارضا و دموعها تهرب من مقلتيها لتناديه بصوت مذبوح: فارس..!

اغلق مازن عينه لحظات مقاوما رغبته في مشاركتها الدموع على من اختفى خلف التراب لكنه ظل داخلهم و جلس خلفها و هو يناجى اخيه بقلبه..
رفعت هى يدها لتمررها على قبره امامها لتخرج نبرتها مرتعشه بعاطفتها المشتاقه: وحشتنى قوى يا فارس، وحشتنى قوى..
شهقت بحده و مالت لتُلقى برأسها عليه كأنها تحتضنه و صرخت: يارب..
ظلت تبكى دون توقف و كأنها ادخرت تلك الدموع لتفرغها على قبره و الذى ربما لا تراه الان سوى صدره ..

و دون ان ترفع رأسها دندنت بصوت مختنق كأنها تهدهد طفل صغير: انت نصى التانى، انت حته منى، انت كنزى الغالى، انت ابنى..
رفعت رأسها و دموعها تنساب لتغرق وجهها و تسائلت بعدم استيعاب: مش هترد عليا يا فارس، ازاى تبعد عنى كده؟ ازاى سيبتنى لوحدى؟ انت عارف انا حصلى ايه و انت مش جنبى، انا عمرى ما كنت محتاجه لك قد دلوقت، محتاجه لحضنك قوى يا فارس، قوى..!

ضربت بيدها بقوه على التراب امامها و هى تهتف بانهيار: انا عايزه نفسى يا فارس، ليه اخدتها معاك؟ مفضلش منى حاجه خلاص، حتى نَفَسى بقى عبء على قلبى، حنين تاهت يا فارس، حنين ضاعت من غيرك..

انتفض جسدها بقوه و شهقاتها تتعالى، فنهض مازن بجزع فانهيارها هذا لا تُحمد عواقبه، اقترب منها و ناداها عده مرات و لكنها لم تجيبه، فلامس كتفها لينهضها حتى وقفت معه و نظرت اليه بتيه و عينها تفيض بدموع حسرتها و فقدها و اشتياقها هامسه بلوعه و مازال تصديقها للواقع صعب جدا على قلبها: فارس..

ثم القت براسها على صدره في حركه مفاجئه و تمسكت بقميصه بقوه و ارتعاشه جسدها تزداد، اتسعت عينه بصدمه محاولا رفع يده ليحاوطها و لكنه لم يستطع، تجمدت اطرافه كلها و اصابعه تحارب لتبثها حنانه و احتوائه و لكنه لم يفعل..
لاول مره يشعر بنفسه عاجزا عن منح الاحتواء، لاول مره يشعر بتوتر قلبه الذى انتفض خلف ضلوعه،
لاول مره يشعر بتيه عن التصرف و ضعف عن العطاء!

رغم حاجتها الماسه له، رغم انتفاضه جسدها التى ارجفت جسده، رغم بروده اطرافها التى تتشبث به، لم يستطع ضمها!
ربما لشعوره انه لا يجوز له فعل هذا، ربما لانه لا يريد لجسده الامتزاج بجسدها، و ربما لانه لا يريد لها ان تتخلص من برودتها بدفئ احضانه!

تراخت يدها عن قميصه و لكن رأسها لم تفعل، تساقطت يديها بجوارها و لكنها لم تبتعد عنه و اضافت هامسه بتشتت و كأنها غير منتبهه للواقع حولها: كان اقرب حد ليا، كان الامان لقلبى و الفرحه في حياتى، وحشنى قوى، صوته، كلامه، هدوء اعصابه و، حبه!
رفعت يدها لتمسك بقميصه من كلا الجانبين و ضربت رأسها بصدره مرات متتاليه ليخرج صوتها مكسورا ضعيفا مشتاقا بلوعه: وحشنى حضنه و لمسته، وحشنى قوى..

و هنا تساقطت دموعه و هو يشاركها لوعتها ليتنهد بألم و تتحرك يده تلقائيا لتحاوط جسدها بقوه كأنه يسكنها داخله لترتفع صرخاتها و يزداد تساقط دموعه..
اختفت تماما بين ذراعيه و تاه هو في وجعهم، شعرت بالامان بين يديه و عجز هو عن الشعور به، و تمتمت مجددا بنفس الهمس التائه: مكنش مجرد زوج او حبيب، كان بالنسبه لى حياه، حياه كامله من غيرها انا مش موجوده، نبض قلبى، جوزى و صاحبى و حبيبى، كان كل حاجه، كان!

و انتفض جسدها مجددا ليشدد مازن ضمها اليه و تخرج منه أه خافته، اه عن روحه المعذبه بسبب فقده و بسببها،
اه عن قلبه الممزق بسبب وجعه و ضعفها،
و اه عن نفسه التائهه بين عجزه و بينها...

كان اكرم منهمكا في عمله عندما ارتفع رنين هاتفه ليجده جده مجدى فأخذ نفس عميق و اجابه: السلام عليكم..
وصله اولا سعال جده الخافت او المكتوم على حد سواء ثم حمحمه و صوت باهت: كيفك يا ولدى؟
شعر اكرم بالقلق قليلا فتسائل و لم يخفى جزعه: بخير الحمد لله، حضرتك اخبار صحتك ايه؟
ابتسم الجد على الطرف الاخر: زينه يا ولدى زينه..

اعتدل اكرم على مقعده و وضع يده الاخرى على وجهه متنهدا بارهاق: خير يا حاج الاوضاع عندك عامله ايه؟
ضحك مجدى ضحكه قصيره و اجابه بفرحه: الحرمه متلوعه يا ولدى، بتجرى اهنه و اهنه، بتدور على الفلوس بجل طاجتها و انى خبرت الحاج مدحت و الحاج عبد الحميد بالحجيجه، كانوا هيجتلوها بس انى جدرت امنعهم زى ما جولتلى و كل حاجه ماشيه زين كيف ما انت رايد...

زفر اكرم بقوه و اضاف بتخطيط نوى تنفيذه: ربنا يهدى الحال، انا هبعت لجوزها بره علشان ينزل في اقرب وقت، كفايه تضيع وقت اكتر من كده..
اومأ مجدى برأسه على الجانب الاخر و ردد: يارب يا ولدى، ثم ابتسم بفخر: ربنا يحميك يا ولدى كنت متوكد انك هتبجى راجل و هتجدر ترجع الحجوج لصحابها..

اغلق اكرم الخط و هو يشعر بنفسه مستنذفا، يشعر بقلبه يتألم من كل ما حوله، المسئوليه كبيره و فاقت كل تحمله، الاحداث متلاحقه و هو اُرهق..
كل شئ يرهقه، اهله، اخته، عمله و قلبه، كل شئ..
و كم يتمنى ان يكون بقادر على تخطى الامر، و في خضم افكاره ارتفع رنين هاتفه مجددا ليجده رقم الطبيب الخاص بعاصم فاجابه مسرعا: طمنى يا دكتور التقارير وصلت..

بدأ الطبيب يتحدث عن حاله عاصم: اه يا اكرم و حسب الموجود فيها، في احتمال يرجع بصره بنسبه 60%، بس الموضوع هيحتاج وقت لان الاصابه جديده و في مكان حساس و بالتالى اى عمليه جراحيه دلوقتى ممكن تؤدى لنتيجه أسوء، ممكن كمان يحتاج اكتر من عمليه، و للاسف ممكن الامر كله يفشل..
نهض اكرم بفرحه عن مقعده و هتف بسعاده لم يستطع التحكم بها: بس فيه امل، فيه امل يرجع يشوف تانى، صح؟

ابتسم الطبيب مقدرا لهفته و اجابه بصدق: فيه امل، و بنسبه كبيره كمان...
تمتم اكرم بخفوت و هو يتخيل سعاده اخته و بالطبع زوجها المعتوه بهذا الخبر: اللهم لك الحمد كما ينبغى لجلال وجهك و لعظيم سلطانك، اللهم لك الحمد.

ممكن ادخل؟
رفعت مها بصرها للمتحدث و الذى لم يكن سوى محمود و على وجهه جل علامات الارتباك و التوتر..
فأومأت برأسها فاقترب منها و جلس على المقعد امامها، أغلقت التصاميم و استندت على المكتب تنظر اليه، طال صمته فعقدت حاجبيها تعجبا و اشارت خير يا محمود؟
ظل يحدق بوجهها قليلا ثم هتف بكلمه واحده بصدق خالص: بحبك..

اتسعت عين مها بذهول ليندفع الخجل لبحر الفيروز بغزاره و تتورد وجنتها الملساء فأخفضت رأسها تعبث بيدها بتوتر..
قالها، اعترف بها صريحه و لكن قلبها لم يستقبلها، لم؟
صادق هو و يتجلى صدقه بعينيه و لكن عينها لا تصدق باحساسها، لم؟
رفعت رأسها تدريجيا اليه لتجد تعبير غريب يشمل ملامح وجهه، تعبير بالندم و الخجل، بالتوتر و الخوف، بالاستسلام و الشفقه..
اجل هنالك شفقه بعينيه، يشفق عليها! و لكن لماذا؟

متى ستختفى تلك النظرات من عينه ربما وقتها يصدقه قلبها، متى سينظر لها بفخر ربما وقتها ترى عينها صدق احساسه، لم يُشعرها دائما انه لسبب ما يمن عليها؟
قطع افكارها عندما صرح بكلمه اخرى زدات تعجبها: انا اسف يا مها..!
عقدت حاجبيها تطالعه بتساؤل متعجب، ماذا به؟ لم تعجز اليوم عن فهمه و قراءه فكره!
هه ضحكه ساخره، منذ متى تفهمه هى؟
تعجز دائما عن فهم نفسها بجواره فكيف ستفهمه هو؟

صدق على كلامها عندما تحدث بهدوء: انا عارف انك مش فاهمه انا عاوز اقول ايه، و عارف انك مستغربه، بس كان لازم اقولك انا اسف قبل ما اقولك السبب...
خفت صوته قليلا و نظر ارضا يردف بخزى يشمل حديثه: و كان لازم اقولك انى و الله العظيم بحبك، بحبك من اول يوم شوفتك، من اول كلمه بينا سوا، بحب جمالك، و بحبك رغم كل حاجه فيكِ!

شعرت بكلمته تصيبها بألم حاد، كلمه تذكرها بعجزها الذى لا دخل لها به، كلمه تخبرها انه يحبها و كأنه يقوم بمعروف لها،!
امتلئت عينها بالدموع فما اصعب من ان تتزوجى برجلا يجدك ناقصه، ترتبط حياتك بحياه من يرى انك معيبه، يرى انك مجرد جميله بوجه حسن و لكن لستِ بكامله!
رفع بصره اليها و نظر لعينها التائهه بمتاهات وجعها الذى سببه ربما دون قصد: بس..

نطرت اليه منتظره التالى، منتظره الالم اللاحق، منتظره العيب الجديد الذى سيذكرها به..
و لكنه لم يفعل بل كوى اوجاعها كلها و احرقها حيه لتتلوى هى صدمه و ألما: بس انا منفعش ليكِ يا مها.!..
انفرجت شفتيها بدهشه تملكت من عقلها فشُل تماما عن التفكير و اتسعت عينها بصدمه تحملق به و بدا لها انها لا تراه، توقفت يديها عن التحرك بارتباك لتتجمد على المكتب امامها..

و لكنه لم يستوعب ما مر بها بل اردف دون اهتمام بوجعها او ربما صدمتها: كل الظروف حوالينا و اللى بيحصل بيمنعنا نكمل سوا..
ظروف!
عن اى ظروف يتحدث، مر الكثير على خطبتهم ليأتى الان و يقول ظروف تمنعنا!
علقها به و تعلق بها ليأتى الان و يقول ما يحدث يمنعنا!
منحها الطمأنينه ليأتى الان و ينتزعها دون تفكير بها!

نظر اليها مترددا يتابع خلجات وجهها المتعجبه و المتألمه ثم نظر ليده و اخرج محبسها الذى يعانق اصبعه و وضعه على المكتب بجوار يدها: لحد هنا و انتهينا يا مها..
و دون حتى ان يسمح لها بابداء رأيها، دون ان يعيطها الفرصه للتمرد، الصراخ او حتى التحدث بصوتها اللامسموع ببساطه، رحل!
ترك لها ما كان يربطه بها و رحل،
اخبرها انه لم يعد يريدها و رحل،
اوضح لها انه ليس من حقها ان تتمنى شيئا و تجده و رحل،.

وضح لها ان ناقصه مثلها لا تستحق حياه كامله و رحل،
اخبرها ان الحب للكاملات و هى ليست كامله فلا حب لها و رحل،
ترك خلفه حطام امرأه، كسره قلب، لوعه عقل و كبرياء ممزق و رحل!
ببساطه رحل!
و معه رحلت قناعتها، فرحتها، ضحكتها و بقى شئ واحد فقط، و هو دموعها.

خرج محمود مسرعا من الشركه بعدما اعطى ورقه ما لهناء - السكرتيره الخاصه بأكرم -، وقف امام الشركه و نظر خلفه يطالعها و عينه تلمع بالدموع، يشعر بالخزى من نفسه و يشعر بالعار من ضعفه و لكنه خائف عليها لهذا ابتعد..!

خائف ان يجرحها مثلما فعل يوم عرف بما فعل اخيها، خائف ان يقتل فرحتها بقربهم بالابتعاد عنها مثلما فعل اخيها، خائف ان يكون سببا في تعاستها بدون قصد كما اتعس اخيها اخته، باختصار خائف عليها من نفسه!
فلم يرى حل سوى الابتعاد، منحها الحريه لتتنفس بعيدا عنه، منحها نفسها الذى ربما يُفقدها اياها، يعلم انه جرحها، و يعلم انها تتألم الان..
و لكن وجع يوم و راحه اعوام، افضل بكثير من راحه عام و وجع طوال الحياه..

منحها قلبها و للاسف قلبه، احبها هو بكل جوارحه و لهذا ابتعد..!
احب ضحكتها التى لن يسمح لنفسه بتبديدها،
احب عينها الذى لن يسمح بدفع الدموع اليها،
احب قلبها الذى احتضن قلبه و لن يمنح لنفسه فرصه بجرحها، لهذا فقط ابتعد، ربما لاجله و لكن ايضا لأجلها..
اتخذ القرار عنه و عنها و لم يأبه حتى برأيها.

تحرك ليبتعد عن الشركه و لكنه اصطدم بسيده في الاربعين من عمرها تحمل طفلا صغيرا على كتفها تبكى بحده فاعتذر بخفوت: انا اسف..
و هم بالتحرك عندما وقفت امامه و هتفت ببكاء: ممكن تساعدنى يا استاذ؟
نظر اليها بتعجب و اجابها: اكيد اتفضلى..!
بكت بحده وترته قليلا ثم هتفت بجزع: تعرف واحده اسمها مها، هى تقريبا مهندسه..!.
عقد حاجبيه بقلق و اومأ برأسه: ايوه عارفها مين حضرتك؟

انخفضت و وضعت طفلها على الارض و رفعت يدها متوسله اليه: دلنى عليها ربنا يسترك، عاوزاها تساعد جوزى و تتنازل عن القضيه، انا مليش غيره و الله، ساعدنى الله يكرمك..
حدق بها بذهول قليلا يحاول استيعاب ما تقول، زوجها، تنازل، قضيه، و مها!
عما تتحدث تلك المرأه! و عن اى قضيه تتحدث!
تابعت المراه توسلها له فهدأها قليلا قائلا بجهل عما تعنيه: حاضر انا هساعدك بس ممكن تفهمينى ايه اللى حصل؟

ضمت السيده طفلها لصدرها و همست بخجل و عجز: انا عارفه ان جوزى عينه زايغه و يوم ما اتعدى على البشمهندسه كان اصحابه منهم لله مشربينه ممنوعات و مكنش في وعيه، انا عارفه انه غلطان و يستاهل بس انا و ابنه ملناش غيره، لو اتسجن هنتبهدل اكتر ما احنا.
زاغت عين محمود هنا و هناك و هو يشعر بالارض تميد به لا يصدق ما سمعته اذنه..
حاول احدهم الاعتداء على مها و ايضا قامت برفع قضيه ضده! و هو لا يعرف؟

لم تخبره و لم تشاركه مصيبتها؟ لماذا!
خافت الا يصدقها! ام لم ترى انه يستطيع الوقوف بجوارها!
خير يا محمود؟
التفت محمود سريعا لصوت اكرم الذى جذبه عنوه من صدمته و ارتجفت عينه و لم يستطع الاجابه، لاحظ اكرم شروده و ارتباكه فاقترب من السيده و سألها عن الامر فقالت ما قالته لمحمود فاخذ اكرم نفسا عميقا مدركا سبب دهشه محمود و قال للسيده بهدوء: تمام انا اللى رفعت الدعوه و انا اللى هتصرف فيها اتفضلى انتِ دلوقت..

حدق محمود بأكرم بذهول ثم رفع يديه يشدد على خصلات شعره متمتما بتسائل مندهش: حضرتك كنت عارف؟، ثم اضاف بتشتت: و انا لأ؟
تحرك اكرم اليه مجددا و هم بالتحدث عندما اشار له محمود بيده: مفيش داعى لتبرير حاجه يا بشمهندس كده كده كل حاجه منتهيه، اه كنت فاكر انها انتهت النهارده بس واضح انى كنت غلطان، انا كنت بره من زمان...

و تحرك من امامه مسرعا يتابعه اكرم بضيق و غضب منها و من نفسه و من هذا الذى لم يستمع له و لكنه شرد في كلمته كده كده كل حاجه منتهيه ليتمتم بشرود متعجب: يقصد ايه؟

ضحكت بسعاده كبيره و معتز يُجلسها امام المرآه و يمشط شعرها بنفسه فهتفت بضحكه عاليه: نفسى افهم بتعمل ايه؟
حرك الفرشاه يمنيا و يسارا يحمل بها عده خصلاتها ليضعها على الاخرى بعشوائيه و هو يصب جم تركيزه عليها: رغم انه قصير و مش محتاج بس لازم يتسرح..
قهقت بصوت عالى و امسكت بطرف خصلاتها القصيره التى تصل اسفل اذنها بقليل: تتسرح ازاى دى افهم؟!

رفع الفرشاه دفعه واحده فصرخت بتألم لجذبه خصلاتها معه فهمس بتشفى: تستاهلى، سبينى اعيش اللحظه، نفسى افهم شعرك قصير ليه كده؟
ضحكت ناظره لانعكاسه بالمرآه لنصيح بغيظ: بحبه كده..
فمال طابعا قبله على كتفها العارى تبعها بعده قبلات على عنقها بينما اغمضت هى عينها مستسلمه لاكتساحه الحار و الذى اشعل قلبها شغفا به ثم قَبَل اسفل اذنها هامسا باغواء: وانا بحبك بكل حاجه فيكِ.

جلس خلفها على ركبتيه محاوطا خصرها بيده يتحدث معها: اقولك على حاجه..
همهمت و هى تستند برأسها على ذقنه فطبع قبله اعلى شعرها و حرك يده على بطنها متمتما بشغف: امبارح لما كنا في العياده، كان حواليا صور اطفال كتير و ستات كتير حوامل..
حرك اصبعه بحركه دائريه على بطنها مردفا بحراره: تخيلتك مكانهم، يبقى جواكِ طفل منى، طفلنا..!

ابتعد عنها و أدارها بلهفه و صرح بشوق: نفسى يا فلتى، نفسى اشوفك ام لابنى او بنتى، ابن شبهك في قوتك و جديتك و بنت تاخد منك كل حاجه..
رفع يديه مداعبا خصلاتها القصيره: شعرك..!
مرر يده على جبينها الذى يختفى معظمه اسفل غرتها ثم ارتفع قليلا مقبلا عينها اليسرى ثم اليمنى هامسا بحراره اغرقتها: تاخد بحر عنيكِ..

هبط بشفتيه على انفها بقبلات عشوائيه تبعها بمداعبته بأنفه متحركا على وجنتيها ليطبع عده قبلات متفرقه عليهم: خدودك و خصوصا لما بتتكسفى..
ابتعد ناظرا اليها ليجد عينها مطبقه و انفاسها اللاهثه تخبره باضطراب قلبها فلامس شفتيها بشفتيه بنبره رجوليه بحته هدمت كل حصون انوثتها: بس متاخدش جمال شفايفك، لانها مش هتكون ابدا لغيرى..!..

طبع عليها عده قبلات متتاليه ثم تحولت لاجتياح لذيذ فحاوطت هى عنقه لتستسلم لدموعها التى تساقطت تباعا..
امنيته تحققت، قلب صغيره ينبض بداخلها، يداه داعبته منذ قليل و لكنه لا يرغبه كما يرغبه هو، لا يرغب بوالد يجرح والدته دون تهاون، لا يرغب به...
ترك شفتيها ليزيل دموعها بشفتيه و يردف: عايزها زيك في كل حاجه، كل حاجه...

وضع يده على بطنها و هو ينظر لموضع يده: انتِ هتحسى بنبضه، بحركته و هتتعبى علشانه، و في الاخر تبقى شبه الكرنبه...!
ضحك باشتياق: و بعدين ينور حياتى نسخه صغيره منك..
مال عليها طابعا قلبه على بطنها ثم وضع رأسه عليها و هو يضمها له: هفضل احضنه كده و اتكلم معاه، احكيله عننا و اسمع منه لو اشتكى منك...
تنهد بقوه و ضحكه متلهفه: هحبه قوى يا فله، هحبه قوى..

زاد من ضمها اليه لتشهق بعنف و دموعها تهرب من مقلتيها وجعا عليه..
و شعورا بالذنب يلفها...
هو متلهف لطفل موجود بالفعل، وهى تخفى!
هو يشتاق لفرحته بصغير داخلها حقا، وهى ايضا تخفى!
تسلبه حقه في سعادته بطفله..
مهما كان خطأه لا يحق لها سلبه حقه!
تريده ان يعرف ولكنها خائفه ومتردده..!
خائفه ان يهتم بها لطفلها..
خائفه ان يمحى الاخرى من حياتهم لطفلها..
خائفه ان يتعلق بها لطفلها..
خائفه ان تختفى هى بمجرد وجود طفلها..

اجل خائفه!
ماذا تفعل؟
تخبره وتجعل قلبه يدرك فرحته!
ام تظل على صمتها!
لم تعد تعرف أيستحق ام لا؟
فقلبها يؤكد لها انه يستحق! ولكن عقلها يؤكد لها انه اقل من ان يستحق!
وهى كعادتها بينهم تائهه!
رفع رأسه اليها لترى الدموع المتساقطه من عينيه وهو يهمس بتسائل: تعتقدى ربنا ممكن يعاقبنى و يمنعنى الفرحه دى يا فلتى؟
شهقت باكيه وهى تضمه اليها و صرخت به: لأ..

تمسك بها وصوته يختنق: مبقتش شايف انى استحق اى سبب يخلينى افرح..!
ضربت ظهره بيدها و هى تميل للامام عليه ونهرته باكيه بكل وجع قلبها و بكل عجزها: اسكت بقى.
ليهمس بأخر ما مزقها و جعل ذنبها يقتلها: نفسى في يوم احضنكم سوا، انتِ وطفلنا..!
ويا ليتك تدرك انك بالفعل تفعل!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة