قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الثلاثون

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الثلاثون

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الثلاثون

أيا مؤمنا انك في أمان، ألا تدرى ان لا امان للدنيا،
ألم شديد يعصف به، ظلام دامس احاطه من جميع الجهات، حركه مقيده او ربما لا يستطيع هو التحرك، اصوات متداخله و هامسه من حوله...

ابعد جفنيه بهدوء و لكن ما زال الظلام يلفه، حرك رأسه ببطء ليعقد بعدها حاجبيه بألم غير قادر على تحريكها مجددا، حاول رفع يده ليجدها متصله بأسلاك لا يدرى ما مصدرها، ظل يفتح عينه و يغلقها عده مرات لعله يرى اين هو و لكنه لم يرى شئ و كأن هذا الظلام ملازما له حتى توقع اخيرا ان ضوء المكان ربما مغلق لهذا لا يرى، فاغلق عينه مجددا و هو يشعر بثقل كبير يداهمه، وصل لاذنه همس خافت: حضرتك سامعني؟

فتح عينه مجددا و لكن لا رؤيه ايضا فتح فمه ليتحدث و لكن قوته لم تساعده، حاول تحريك راسه و لكنها تؤلمه حد الجحيم فاكتفي بهمهمه، عاد الصوت مجددا: كابتن عاصم حضرتك سامعني؟
و هنا حاول اخراج صوته متجاهلا وجع كل خليه من خلايا جسده: اه...
شعر بعدها بيد احدهم على ظهره و يد اخرى خلف عنقه تسانده ليعتدل قليلا فاستسلم لتلك اليد و هو يكاد يصرخ من ألم رأسه..

تحدث ذلك المجهول مجددا بنفس الصوت الهادئ: حمدلله على سلامتك، حاسس بأى وجع؟
ظل عاصم يفتح عينه و يغلقها و بدأ يشعر بضيق شديد من عدم قدرته على الرؤيه فكان اول ما هتف به: انت هتفضل طافى النور كده؟
عقد الطبيب حاجبيه استغرابا ناظرا حوله ليرى ان اضاءه الغرفه جيده جدا و فجأه اتسعت عينه بادراك: انت من شايف اى حاجه..!؟
بدأ غضب عاصم يزداد فهتف و هو يجز على اسنانه من شده الألم: مهو انا لو شايف مش هسألك..

حرك الطبيب يده امام عين عاصم و لكن عاصم لم يبد اى رد فعل، مره اخرى و لكن لا استجابه ايضا، فنظر للممرضه خلفه يمد يده اليها لتمنحه ما بيدها من اشعه و تحاليل، قرأ التقارير ثم نظر للاشعه تبعها باغلاق عينه لثوانى ثم هتف: خليكِ هنا...
خرج الطبيب من الغرفه و ملامح وجهه لا تبشر بالخير، فأسرع اكرم اليه: ها يا دكتور طمنا..

نظر الطبيب لليلي التى كانت على وشك الانهيار و قد كان عندما صرح الطبيب بذلك الخبر: الحمد لله هو دلوقت بعيد عن اى خطر، كدمات بسيطه و مع الوقت هيبقى في افضل حال،
تهللت اساريرهم و لكن تجمدت الدماء بعروق الجميع عندما هتف الطبيب مكملا و نبرته قاطعه بكل اسف: بس للاسف كابتن عاصم فقد البصر...

شهقت ليلي و خارت قواها تماما بينما تجمد اكرم و عز مكانهم اما مها فسقطت على المقعد خلفها تبكي بحده غير مصدقه ما سمعته اذنها، تقدم اليه عز و صاح بقلب محطم: انت بتقول ايه؟
ربت الطبيب على كتفه بأسى: انا اسف، بس..
قاطعه عز و هو يجذبه من قميصه بقوه: بس ايه؟ انت عارف انت بتقول ايه؟
ثم دفعه بقوه لدرجه تراجع الطبيب للخلف عده خطوات يلاحقه صراخ عز: اتصرف، اعمل اشعه تانى، اطلب اى حاجه، اعمل اى حاجه، اتصرف.

اقترب اكرم منه يحاول تهدئته بينما دلفت مها مع ليلي لتلك الغرفه التى تم نقلها اليها بعدما فقدت خارت قواها، اجلس اكرم عز على المقعد و جلس بجواره و ربت على ركبته قائلا بصوت مهزوز يخونه فأى كلام يُقال الان: مينفعش يا عمى، مينفعش احنا نعمل كده، محدش عارف رد فعل عاصم هيبقى ازاى! احنا لازم نهدى لان عاصم هيحتاجنا كلنا جنبه...

نظر اليه عز بانكسار و همس بضعف يتخيل ما قد يصيب ابنه عندما يعرف: عاصم هيتجنن يا اكرم، عاصم كده هيخسر كل حاجه، كل حاجه و مجرد احساسه باحتياجه لينا هيجننه..
تنهد اكرم واضعا يده على رأسه يدرك تمام الادراك ما يتحدث عنه عز و خاصه بعد ما صار من شقيقته الحمقاء اليوم: بس لازم نقف جنبه...

بالداخل كانت الممرضه تتحرك هنا و هناك تعد الاجهزه و اخرى تعدل من وضع اللاصق الطبي على جرح ما بجبينه، بينما هو يكاد ينفجر غضبا و تألما يصيح بنفاذ صبر: افتحى النور..
فشعر بيدها تبتعد عن جبينه تبعها بسماعه لخطواتها بعيدا عنه فزفر بغضب و اغلق عينه بقوه حتى تناهى لاذنه همسها للاخرى و هى غافله عن وصول صوتها اليه: هنعمل ايه دلوقت؟

ثم الاخرى تجيبها: مش عارفه، الدكتور مانع حد يقوله على الاقل لحد ما يسترد صحته شويه،
فعقد حاجبيه باستغراب مغلف بطاقه غضب حاده عندما اردفت الاولى بنفس الهمس تشفق: شكله عصبى و انا سمعت كمان انه ظابط في الجيش، لو عرف هيتجنن
اجابتها الاخرى و هى تنهى حديثهم: ملناش دعوه، هو كده او كده هيعرف انه بقي أعمي.
شعر هو بدمائه تتجمد و انفاسه تتضطرب، كان وقع الكلمه عليه قاسى، قاسى جدا..
قاسى لدرجه رفضه لتصديقه، اعمى!

أهذا ما آل اليه أمره، أهذا ما اصبح عليه شأنه، مجرد أعمي!
مجرد بقايا شخص، مجرد عاجز، و هنا انتفضت عروقه برفض، بعصيان و كأنه بيده احاله الامر لمزحه، نهض عن فراشه بغضب عاصف، غضب خرج من قلبه ليحرق جسده كله...
اقتربت الممرضه منه جازعه لتحاول جعله يسكن على الفراش و لكنه دفعها عنه بقوه فسقطت ارضا تصرخ بألم فاتجهت الاخرى اليها تساعدها و كلتاهما تتطالعه بخوف...

بينما هو تحرك كالمجنون، نزع تلك الابره الموصله بيده لتخرج و يخرج خلفها عده قطرات من دمائه، نهض عن الفراش و لكن ما لبث ان سقط مجددا من دوار رأسه الذى صاحبه طنين فجر الالم بأذنيه و لكنه لم يستسلم للألم الذى شعر به، فما هو ألمه الجسدى بالمقارنه مع ذلك الالم الذى غلف روحه و التهم بقايا قلبه!..

نهض مجددا و تحرك بعشوائيه و هو يترنح، رأسه تؤلمه كما لم يتألم من قبل، جسده لا يقوى على انفعاله هذا و عقله يكاد يتركه، اتجه لا يدرى الى ان فاصطدمت قدمه بحافه طاوله بجواره فصرخ بغضب منخفضا عليها ليرفعها دافعا اياها بقوه لتسقط ارضا و يتهشم زجاجها و كل ما يعلوها، صرخت الممرضتان بفزع من مظهره هذا و كلتاهما تصرخ بالطبيب الحضور..

استمع اكرم و عز لصراخهم وصوت التهشم فدلفا ليجدا عاصم في حاله مزريه و عيناه رغم عتمتها الان الا انها تحكي قصصا عن الالم الذى يكتنف روحه قبل جسده، اقترب عز منه مسرعا و بمجرد ان لامس كتفه انتفض عاصم و تحرك من امامه كالمجنون الذى يبحث عن شئ لا يعرف ما هو...
فتعثر بقدم الفراش ليسقط ارضا على ركبتيه و تسقط يديه على قطع الزجاج المتهشمه فخرجت صرخه عاليه منه لا توجعا بقدر ما هى غضبا حارقا...

اقترب منه اكرم مسرعا و لكن عاصم دفعه فهو لم يسمح لاحد باسناده من قبل و لن يفعل الان، استند على الارض رغم الزجاج اسفل يده و نهض واقفا و لكن الدوار يهاجمه بقوه، رأسه تصرخ مثله ألما وثقلا، لا يستطيع ان يرى، لا يستطيع ان يتحرك، و لا ان يفعل اى شئ، هو الان لا شئ!

و عند هذا الخاطر دار حول نفسه بعشوائيه يذهب هنا و هناك، شعوره بالعجز أفقده صوابه، أفقده احساسه بالواقع من حوله، فهو لا يرى شئ و معه لا ترى روحه ملجأ، لا يعرف ما حوله و لا يستطيع معرفته لانه ببساطه اصبح اعمى!
توقف فجأه ينظر امامه بذهول و هذا الظلام يلفه اكثر و اكثر يشعر باختناق، يشعر بعجز يمزقه، هو عاصم الحصرى من كان يساند الجميع اليوم لا يستطيع ايجاد خطواته حتى بل و يتعثر بها ايضا!

هو من كان سندا و وتدا لمن حوله اليوم يجد نفسه عاجزا عن اسناد نفسه حتى، هو من كان يمنح الجميع القوه اليوم لا يرى في نفسه سوى الضعف، هو من كان و اليوم ما عاد...!
وضع يده على رأسه ثم بعنف شديد تحرك مسرعا رافعا يده يحركها حوله بعشوائيه مفرطه حتى اصطدمت بالحائط بقوه جعلت اصابعه ترتجف وجعاا، جسده يتلوى ضعفا، انفاسه تزهق و كم يتمنى ان تزهق روحه بالفعل..

حاول اكرم الحد من حركته التى تؤذيه و بشده و لكنه فقد إدراكه تماما و هو يتحرك ليحطم كل ما تقع يده عليه مع سقطاته المتعدده، صرخاته الغاضبه و لعناته المستمره، حتى اتى الطبيب و بمساعده استطاع الحد من حركته ليعطيه إبره مهدئه فيستكين عاصم اخيرا على فراشه و حوله الجميع يتمنى التخلص من هذا الكابوس...

تتحرك ذهابا و ايابا و هى تعبث بأصابعها بقلق شديد حتى استمعت لقفل الباب يُفتح فاتجهت مسرعه اليه و بمجرد ان دلف نظر اليها لحظات ثم تحرك للاريكه و القي بجسده فوقها بانهاك بدى بوضوح على وجهه، وقفت امامه تهتف بحده: ممكن افهم انت كنت فين يا اكرم انا مت من القلق عليك؟
ثم رفعت هاتفها امام عينه و صاحت تعاتبه: و كمان برن عليك تليفونك مقفول، ممكن تقولى قفله ليه؟

رفع رأسه ناظرا اليها دون كلمه ثم اخفضها مجددا متجاهلا اياه، نظرت اليه تحثه على اجابتها ببعض العنف: رد عليا يا اكرم، انت ساكت ليه!
نهض واقفا و احتدت عيناه بغضب و احتجز كتفيها بيديه ضاغطا عليهم بقوه و همس بصوت ارعد مفاصلها: عاوزه تعرفي كنت فين؟، ثم حدق بها قليلا و هى تنظر اليه بذهول قلق و تألم من ضغط يده حتى تحدث بجبروت و قد قرر حرقها كما فعلت: كنت في المستشفى يا جنه...

شهقت بقلق و همت بسؤاله عندما اكمل هو بما اوقف انفاسها: علشان عاصم..
تشنجت اطرافها و اتسعت عينها بارتياع عندما القي هو على مسامعها: عاصم عمل حادثه و في المستشفى يا جنه...
تمتمت بذهول: لا..!
حركها بغضب و صرخ بها: عاصم اتدمر يا جنه، اتدمر..

تساقطت دموعها و هى تحاول ابعاده عنها و لكنه لم يتركها بل زاد من ضغط يده على كتفها: كنتِ عايزاه يبعد، كنتِ شايفه انك لما تبعدى عنه هيرتاح، كنتِ فاكره ان قربك هو اللى هيأذيه، كنتِ خايفه عليه!
دفعها بعنف فسقطت على الاريكه خلفه و هى تحرك رأسها بانهيار و لكنه لم يصمت بل اردف و هو يعاقبها اضاف ما تستحق: انتِ بعدتِ اهه، كسرتيه و قولتِ كل اللى يخليه يكرهك، دمرتِ اخر خيط كان ممكن يربطكم سوا...

انخفض ممسكا كتفها مره اخرى موقفا اياها امامه يصرخ بوجهها بقدر وجعه: ايه النتيجه يا جنه، استفدتِ ايه بقي؟
هزها بحده اطلقت صراخها مسموعا: انطقى استفدتِ ايه؟
ثم اضاف بسخريه: عاصم بقى كويس، عاش و مفيش حاجه أذته، قدرتِ تحميه و توقفى قدر ربنا اللى عمرك ما أمنتِ بيه!
شهقت بصدمه و هى تبكى بانفعال تام و لكن ان تستعطفه، لا لم يعد وقته..

امسك يدها بقوه رافعا اياها امام عينه و نظر لمحبسها و علق بسخريه لاذعه: لابسه دبلته ليه؟
اخرج المحبس من اصبعها بقوه و دفع به ارضا و صرخ بها: انتِ نهيتِ كل حاجه حلوه كان ممكن تعيشها، نهيتِ نفسك و نهتيه معاكِ، انتِ لو كنتِ تستاهلى حبه كنت حافظتِ عليه، لكن انتِ،
نظر لعينها بقسوه و هدر: حسبى الله و نعم الوكيل في قسوه قلبك،.

انتفض جسدها و تعالت شهقاتها فتحرك من امامها و لكنها امسكت يده و سقطت ارضا تتوسله من بين دموعها: ابوس ايدك طمنى عليه، عاصم كويس يا اكرم؟، قولى ان هو كويس...!؟
ارتجفت عينه و رفعها بيده و هو يكاد يقتلها من فرط غضبه منها: بتسألى عنه بأى حق؟ هو جوزك و لا حاجه، هو انتِ مثلا بتخافى عليه، يهمك امره؟، ثم صرخ بقوه: تبقي بالنسبه له ايه؟
صرخت هى الاخرى و كأنها تمنعه تهميشها و خاصه في علاقتها بعاصم: انا مراته.

ضحك بسخريه ألمت قلبها و هو ينظر اليها بسخط و اشمئزاز: مراته! من امتى و ايه يثبت؟
ثم باقسى ما يملك قذف بوجهها اخطاءها دون رحمه: هو انتِ فكرك لما تسلميه جسمك تبقي قمتِ بوجبك كزوجه...؟!
وضعت يدها على أذنها و جحظت عينها بصدمه تملكت منها و هى لا تصدق ان اكرم، شقيقها، من يقف امامها..!

ابعد يدها عن أذنها بقوه، فهو سيصرخ و هى ستسمعه مرغمه: رافضه تسمعى ليه، هو انا بقول حاجه غلط!، غلطينى يا جنه و قوليلى ايه يثبت انك مراته؟!، انطقى.
ابتعدت من امامه و ركضت لغرفتها ليغلق هو عينه متعبا، و ضع يده على رأسه و عقله كاد يجن، خرجت بعد لحظات لا تعد، و عادت ترجوه بضعف: عاوزه اشوفه...

نظر اليها من اعلى لاسفل وجهها الشاحب، الخوف الساكن بعينها، ارتجافه شفتاها المبلله بدموعها و انتفاضه جسدها الهلع، فتح فمه ليجيبها و لكنها اوقفته قائله ببكاء حاد تتوسله و لو اراد ان تحب على قدمه لفعلت: بالله عليك قلبي هيقف، بالله عليك اطمن عليه مره واحده، مره واحده بس..

نظر امامه ثوانى ثم اومأ برأسه و تحرك خارجا و هى تكاد تركض خلفه، وصلا للمشفى الذي يرقد بها عاصم و صعدوا الدرج مسرعين وقفت هى على اول الممر الجالس به عز و ليلى و مها و قلبها ينبض بحده يُعلن ثورته خوفا عليه...
تقدمت اليهم فنهضت ليلى و احتضنتها تبكى بقوه: انا معرفش قالك ايه لما جالك بس حتى لو زعلانه منه ادعيله يا جنه، و الله بيحبك قوى، علشان خاطرى لو زعلك سامحيه و ادعيله..

انتفضت جنه بين يديها و تشبثت بملابسها متذكره ما تفوهت به من خناجر سامه مزقت قلبه، اه لو تعرف انها من يجب عليها الاعتذار،
اه لو تستطيع العوده بالزمن لاحتضنه طوال العمر دونما السماح له بالابتعاد خطوه، اه لو تستطيع اعدام خوفها لينطلق قلبها حرا طليقا يعانق قلبه لاخر عمرها، اه لو فقط تستطيع.

جذبها اكرم من حضن ليلي و همس بحده و لم تنتهى معاقبته لها بعد بل ها هى تبدأ: مابترديش ليه؟، مبتقوليش ليه ان مش هو اللى زعلك دا انتِ اللى كسرتيه؟، مبتقوليش ليه مش انا اللى هسامح دا انا محتاجاه يساامحنى؟، مبتقوليش ليه انك انتِ السبب في اللى حصل بسبب اللى قولتيه؟

انتفضت جنه و الكل يحدق بها بصدمه فهتفت بانهيار متذكره اتهام كوثر لها بأنها السبب في قتل والدها فشعرت بقلبها يكاد يخرج من مكانه هلعا و خوفا و اضعاف اضعاف وجعا: مش انا السبب يا اكرم مش انا، انا اه قولت كلام جرحه، اه كسرت قلبه و خليته يندم على كل حاجه عملها ليا، و اه جرحت كبرياؤه ووجعته، بس مش انا السبب يا اكرم، مش انا، ربنا...

قاطعها اكرم بغضب ظهر بوضوح عندما نفرت عروقه بقوه و هو يصيح غير آبه بمكان تواجدهم: ربنا!، دلوقت عرفتِ ربنا يا جنه؟ دلوقت بس امنت بقضاء ربنا!
امسكتها ليلي من ذراعها جاذبه اياها بدهشه ممزوجه بحسره قلبها على ولدها: انت قولتِ ايه لعاصم؟

بكت جنه دون توقف و هى تشعر بنفسها كالريشه في مهب اعصار اتٍ اليها لا محاله، , فحركتها ليلي بعنف تجبرها الرد و هى ترى للمره الاولى زوجه الابن لا ابنه الاخ: انطقى يا جنه، عملتِ ايه في عاصم و قولتيله ايه؟!، اتكلمى، اذيتِ ابنى ليه يا جنه؟!، انطقى.
ارتجفت جنه و حاولت التحدث فخرج صوتها مهزوزا ضعيفا: . ا. انا، م..

جذبها اكرم من ذراعها و صرح عما بقى لم تعرفه ليقتل ما تبقى من نفسها سليم: عاصم فقد بصره يا جنه...
شهقت بصدمه واضعه يدها على فمها و اتسعت عينها بعدم تصديق، تشعر بالزمن يتوقف من حولها، و لكن اكرم لم يسمح لها بصدمه حتى و اردف ضاغطا بقوه على جرحها: فاهمه يعني ايه عاصم يفقد بصره؟

ظلت تحدق به و عينها متسعه حتى شعرت بظلام يلفها و لم تحملها قدمها فترنحت و كادت تسقط و لكن اكرم تشبث بذراعها دون اظهار لهفه عليها او حتى خوف بل ظلت عيناه تنطق بالقسوه، اتجهت مها اليها و قبل ان تقترب لتسندها اخذت منه نظره صارمه اجبرتها على الرجوع و هى للمره الاولى تخاف منه، نظرت اليه مها بترجي و شفقه على حال جنه و لكن نظرته الحاده جعلتها تتراجع مرغمه و هى تراه بهذه القسوه..

جذب اكرم جنه من يدها عده مرات يحرك جسدها بعنف يحاول اعادتها للواقع، يحول بينها و بين فقدانها التام للوعى، او ربما بالنسبه اليه هربا لن يسمح لها به: مش هسمحلك تغيبى عن الواقع، مش هسمحلك تهربى من الالم يا جنه، مش هسمحلك بالرحمه حتى..
كان دوار شديد يلف رأسها حتى انها لم تكن تستوعب ما يقول، لا تصدق ما سمعته عن عاصم، بل لا تستطيع حتى التفكير به...!

جذبها بقوه معه حتى وصل لباب غرفه عاصم و كانت هى شبه مدركه: شايفه الاوضه دى، مش عايز اشوفك جنبها حتى، ممنوع تدخليها، مش مسموح ليكِ لأى سبب او بأى شكل انك تدخلى، سامعانى..
تساقطت دموعها انهارا تغرق وجهها و قلبها الذبيح يصرخ بأخيها ليرحمها و لكنه لم يشفق او يبدى حتى حزن لاجلها فقط يعاقبها، و ما اقساه من عقاب!

عاد بها و دفعها بقوه لتسقط على المقعد فتتعالى شهقاتها و انتفاضه جسدها و لكن احد لم يقترب منها، و عندما حاولت مها وقف اكرم امامها و بعينه نظره غاضبه جعلتها لا تقدم على اى فعل سوى الاشفاق..

نهضت جنه و اتجهت اليه تقاوم ضعف بنيانها و نفسها: بالله عليك يا اكرم اشوفه مره واحده، ، انقطعت انفاسها و شهقت بعنف ثم اردفت: مره واحده بس اطمن انه بخير، ، رفعت يده تقبلها بخوف عصف بكيانها كله: بالله عليك يا اكرم مره واحده، ابوس ايدك..

جذب يده منها فارتدت للخلف فاقترب بوجهه منها لترى بعينه نظره عاتبه لائمه و لكنها جد غاضبه و بأى منها لم ترى اخيها و تحدث بسخريه و استنكار: ازاى تقربي منه، ازاى تبقي جنبه؟ فين خوفك يا بنت الالفي؟ و لا دلوقت ما بقتيش خايفه، مش خايفه تقربى منه يموت مثلا؟
انتفضت باكيه و صرخت به و هى تدفعه للخلف: بالله عليك كفايه،
و جاء الامن بعدما استدعاه احد المرضى لازعاجه يحذرهم من الصوت العالى..

صمت و عندما تحركت باتجاه غرفه عاصم اقترب منها مانعا اياها فهدرت بانهيار تام و هى تحاول اثنائه عما يفعل لعله يرحمها: سيبنى افضل جنبه يا اكرم، من حقى افضل معاه، انا مراته و دا دورى و انت ملكش حق تمنعنى..
اقترب منها ممسكا يدها بقوه صرخت لها ألما: انتِ فاكره انك هتعيشى حياته و حياتك على مزاجك، دلوقت مش عاوزه يبقى تمام، دلوقت عاوزه يبقى حاضر!

ضغط يدها اكثر و صاح بانفعال: و كنتِ فين يا مدام لما قلبه اتكسر بمووت فارس، وقفتِ جنبه و لا جيتِ عليه، كنتِ فين لما كان بيعانى من ضعف اخته و انكسارها، كنتِ فين لما كان مضغوط في شغله و في اشد حاجته ليكِ، كنتِ فين لما اخته اتظلمت و اتجرحت حتى من ابوها! كان فين دورك وقتها؟، ترك يدها و همس باستنكار: و لا لحظه! انتِ كنتِ خايفه، كنتِ خايفه تخسريه علشان كده وجعتيه، نسيتِ دورك و واجبك و أذتيه، ثم اضاف باهانه: بس عارفه انا بشفق عليكِ، لانك قبل ما تأذيه أذيتِ نفسك بقله ثقتك بربنا..

و ضحكه ساخره معلقا على حديثها الذى بات تافها بالنسبه اليه: هه، دورى و بحبه.
ثم بأخر كلماته اخبرها ان نيته بعقابها لن تتغير، صرح بغضب عاصف: عاصم مش محتاج لكِ، انتِ اللى محتاجه له دلوقت، محتاجه تطمنى قلبك، و انا مش هسمح لك بده يا جنه...!

قالها دافعا اياها لتسقط على المقعد و انفاسها تكاد تتوقف و كل كلمه منه تُميت روحها و تمزق نياط قلبها دون رحمه او شفقه، نظرت اليها ليلي ببعض الحزن ولكن وجعها على طفلها غلب قلقها عليها، اتجه اكرم لعز متمتا بهوان: انا كلمت امجد و مازن و هما هيتولوا مسئوليه حنين و سلمى، و اضاف بحده: و يارت حضرتك متبقاش موجود لما حنين تيجى علشان الموضوع مش متحمل.

تحرك باتجاه جنه مجددا يجذبها لتنهض معه: يلا علشان تمشى من هنا..
هتفت من بين شهقاتها ممتنعه: مش همشى غير لما اشوفه..
نظر اليه بغضب و بأعلى ما يملك من صوت او ما تبقى لديه من صوت: قدامى يا جنه...
خرجت الممرضه هذه المره تصيح بعصبيه: لو سمحت يا استاذ الصوت مينفعش كده...

نظر اليها اكرم و اومأ ثم نظر لجنه بحده و تحرك بعدها ليقف بجوار غرفه عاصم و من حين للاخر ينظر لاخته التى يؤلمه قلبه لاجلها بقدر غضب عقله عليها، يرغب بضمها لصدره ليطمئنها بقدر ما يرغب بإيلامها ليلقنها درسا، يتمنى ان يصير حانيا ليسع قلقها بقدر ما يصير قاسيا لينهى خوفها، و لكنه لن يفعل شيئا يطمئنها و لن يدع قلبها يعرف الراحه و لن يسمح لعقلها بتيه مجددا ما بين الخوف و عدم الثقه...

فاليوم ان لم تثق بأن كل ما حدث و ما يحدث لا بيد احد و لكن كلٌ قضاء و قدر سيخسر ايمانها للابد امام تلاعب الشيطان بخوفها، و هو لن يسمح بهذا...
سيؤلمها ان تطلب الامر، سيجعل قلبها قلق اضعاف ما يفعل الان، سيمنعها الهدوء و السكينه حتى يتركها خوفها للابد، فهو يريدها ان تحيى و هذا لن يحدث الا اذا امات خوفها او ربما يدفنه حيا...

اجتمع الجميع بالمشفى و قلوبهم تنبض بالقلق، انهارت حنين بين يدى سلمى عندما علمت عن فقدانه للبصر، و لكن لم يستطع ان يطمئنها احد...
فمن كان يطمئنها دائما بحاجه ماسه الان لمن يطمئنه!
ما كان يمنحها القوه يفتقد الان حتى مجرد الشعور بها!
ولهذا لم تطمئن و لن يطمئنها إلاه...

هو كان، مازال و سيظل امانها التى كلما ضعفت لجأت اليه لتستمد من قوته قوه، هو السند الذى مهما بحثت عن غيره لن تجد سواه، هو ليس مجرد اخ هو وتد قائم عليه قوامها وان سقط لن تصمد بل ستلاحقه متساقطه،.

رفعت راسها من حضن سلمى الذى لم يختلف احساسها كثيرا عن حنين ممسكه كتاب الله تضمه لصدرها و تمتم بالدعاء له حتى وقعت عينها على جنه التى تجلس بعيدا عنهم جميعا بجوار باب غرفته و دموعها لا تتوقف و يدها لا تتحرك عن موضع قلبها، ف رق قلبها لها و نهضت متثاقله متجهه لجنه جلست ارضا بجوارها و ضمتها لصدرها فانفجرت جنه باكيه بحرقه، فكم كانت بحاجه لمثل هذا الحضن، كم كانت بحاجه لمن يفهم و لو القليل من خوفها، هى تكاد تموت رعبا عليه و لا تستطيع التخيل حتى بما يشعر الان، هى حطمته تعرف و لكنها ايضا تحطمت معه، أوليس لها بعض الرحمه؟!

مسدت حنين ظهرها و دموعها هى الاخرى لا تتوقف و ان لم تشعر بها حنين فمن غيرها يفعل: انا حاسه كويس قوى باللى انتِ عايشاه دلوقت، صعب قوى انا عارفه، بس احمدى ربنا يا جنه، احمدى ربنا انه اداكِ فرصه تانيه تشوفيه، في امكانك تسمعيه و تحسى بيه، احمدى ربنا انه لسه جنبك...

ابعدتها عن حضنها و حاوطت وجهها بيدها و تمتمت بابتسامه بين دموعها و هى تتذكر لوعتها بفقدان فارس: احيانا ربنا بيدينا فرصه تانيه علشان نفوق، علشان نقدر قيمه الحاجه اللى معانا و اللى كان ممكن في لحظه نخسرها و نفضل طول عمرنا نندم عليها...

تساقطت دموعها و هى تردف بألم أزاد جنه ألما: انتِ ربنا بيحبك يا جنه و اداكِ فرصه تانيه، اداكِ فرصه غيرك اتحرم منها للابد، عاصم مش هيحتاج غيرك، هيحتاج لك قوى جنبه و قريبه منه، خليكِ معاه يا جنه، انا خسرت فارس و مفيش فرصه يرجع تانى بس انتِ لسه في ايدك فرصه، لسه قدامك طريق يمكن صعب بس لازم تمشيه لازم و اوعى تخسرى لان روحك هتتدمر و قلبك هينتهى و هتعيشى طول عمرك تندمى..

اومأت جنه برأسها و همست بترجى تتوسلها: نفسى اشوفه،
استدارت لاكرم و هى تكاد تنهض لتقبل قدمه: بالله عليك عاوزه اشوفه، بالله عليك يا اكرم.

نظر اليها قليلا و ما زال قلبه لم يرق، لم يحنو عليها و لم يرحمها: عاصم مش محتاجك انتِ تحديدا، انتِ اللى وقفتِ في وشه و قولتيله انا بكرهك، بكره كلامك، وجودك جنبي بيخنقنى، انتِ بقيتِ و لا حاجه بالنسبه له، و بالنسبه لاى راجل كان هيبقى مكانه و انا قولتلك انى اول واحد هقف معاه..

انتفض جسدها فتابعتها حنين بصدمه مما قاله اكرم و لكنها لم تتحمل بكاءها فضمتها لصدرها مجددا مدركه ان بكلمات اكرم تلك فعاصم سينفى جنه من حياته تماما، مر الوقت حتى ارتفع الاذان فاتجه الرجال للمسجد بينما ظلت الفتيات بالاعلى، استغلت جنه فرصه رحيل اكرم و نهضت باتجاه غرفه عاصم لم تمنعها اى من الفتيات فحتى ان كانت مخطئه فوجع قلبها الان يشفع لها..

فتحت باب الغرفه و بمجرد ان رأته مسجى على الفراش وضعت يدها على فمها تمنع صوت شهقاتها و عينها لا تتوقف دموعها، اقتربت منه بخطوات مضطربه حتى وقفت بجواره تنظر اليه بعين امرأه تبكى دما على من دمرته بيدها، امرأه قتلت قلبها فلم يجد قلبه ملاذ لديها، امرأه حكمت على نفسها بالاعدام حتى لا تجد روحه بها حياه، امرأه لن يشعر بألم قلبها سوى زوجها ربما لانه يحبها، و لكن أمازال حقا يحبها؟!

سقطت على ركبتيها بجواره و رفعت يده الموصله بذلك المحلول جوارها لتحتضنها بكفها و انخفضت طابعه قبله عليهاا و لم تقوى على رفع رأسها مره اخرى، خارت قواها و انحنت روحها تهمس باعتذار ينبع بصدق: هو انا ينفع اقولك انا اسفه، هتقبلها منى و لا لا...!؟
صمتت و ضغطت شفتاها بقوه لكى لا تخرج شهقاتها ثم القت بجبينها على جانب صدره و انتفضت عده مرات تكتم شهقاتها به،
شعر هو بها بهمسها، انينها و دموعها التى لامست صدره.

أسف!
اهذا ما تتسائل عنه! يحق لها الاسف ام لا..!
رائحتها حوله، يشعر بانفاسها، يده بين يديها و صوتها يداعب اذنه و لكنه لا يراها و لن يستطيع، لم يعد يستطيع رؤيتها، ابريقها العسلى الذى دائما ما تاه به لن يراه مجددا، خصلاتها البندقيه التى لم يحظى بملمسها سوى مرات معدوده لن تتلذ عينه برؤيته مجددا، ضحكتها التى كان يسعى دائما اليها لن تتمتع عينه برؤيتها مجددا و مع كل هذا تبحث هى عن اسف؟
لم تتأسفِ؟

ألانها حكمت على قلبه بقتل حبها، و هو فعل!
ام لأنها حكمت على يده الا تقترب منها كأنها اثم، و هو وافق!
ام لأنها حكمت على شفتاه الا تفكر مطلقا بنطق اسمها، و هو اقتنع!
اتعلم انها لابد ان تتأسف حقا...!
ولكن لانها تمكنت من روحه التى تراها حتى و هو لا يرى، اختفت كل الالوان من عينه عداها، فهى النور الوحيد الذى مازال يضوى في عتمته..
يجب ان تتأسف، لانها سكنت القلب فحتى ان مات ستظل ذكراها معه..

يجب ان تتأسف، لانها مذنبه بحق عقله الذى مازال يفكر بها..
و بعد ان تتأسف، لن يمنحها هو شرف مسامحته..
ابتعدت عنه و نظرت لوجهه هامسه و هى تلامس وجنته بضعف: انا اسفه يا عاصم، اسفه على كل كلمه و كل فعل عملته و أذيتك بيه، اسفه انى ظلمت نفسى و ظلمتك معايا...

ابتسمت من بين دموعها تعده بما رغب ان تمنحه اياه منذ اليوم الاول الذى دق قلبه به لها: ارجع لى بالسلامه و انا اوعدك انى هفضل دائما جنبك، مش هسمح لاى خوف يبعدنى عنك تانى، اوعدك انى ثقتى فيك هتبقي دائما مطمنانى، هطلب من ربنا يسامحنى يا عاصم و هطلب منك تسامحنى...

قبلات عشوائيه على كفه تبعتها بتعبير صريح عما يعنيه لها لتكن المره الاولى التى تقولها صريحه: انا مقدرش اعيش من غيرك، انت امانى و سندى، انت حياتى و كل ما فيها يا عاصم، ارجوك..
طفله...!
هذا ما عليه هى،
طفله ما شاءت حصلت و ما كرهت نبذت، و لكنه لن يسمح لها بهذا،
هى انتهت بالنسبه له، انتهت نهايه لا عوده بعدها.

كانت تنظر هى لملامح وجهه بعاطفه طالما اخفتها بقلبها، لتجد نفسها فجأه بحصار حصونه السوداء و لكن هو لم يغرق بابريق العسل، مما ادى لتشنج كفه بين يديها و انتفض جالسا بغضب..
فانتفضت هى وافقه عن الارض لتجده يضغط بقوه شديده على يدها، حاولت اخراج يدها و لكنه لم يسمح لها و شدد ضغطه عليها فأطلقت تأوه مكتوم اثر تألمها، انهضه واقفا امامها و عقله يكاد يفارقه...

هو لا يراها، لا يرى ملامحها التى طالما تأملها، لا يراها هى، الجنه التى احالت حياته جحيما...
ابتسم بكل ما يملك من غضب دافعا اياها بعنف لتصرخ قبل ان تسقط ارضا فتصطدم جبهتها بحرف الاريكه خلفها، و لم يأبه بصراخها فبداخله اصوات تمزق، انكسار، حطام و صراخ خرج منه عاليا: انا مش عاوز اسمع صوتك ابدا و اى مكان انا فيه، مش عاوز احس بس بوجودك فيه، انتِ فاهمه!

صمت و صمتت هى الاخرى و لكن عقله لم يصمت، ماذا تفعل الان أتبكى ام تضحك ام تنظر اليه بشفقه ام تشمت بعجزه! ماذا تفعل؟ و ماذا يفعل هو؟!
هو لا يرى و لن يستطيع الانفعال امامها، لن يستطيع التحرك و السقوط امامها، لن يستطيع تحمل ضعفه امامها، لن يستطيع ابدا و مع شعوره بالعجز يلفه و عضلات جسده كلها تتمرد عليه هدر بها: اخرجى بره، حااااااالا.

نهضت واقفه و هى ترتجف رعبا و قلقا عليه تحاول تهدأته، مساندته و منحه بعض الاطمئنان: عاص...
دار للجهه الاخرى لعلها خلاف ما تقف و صرخ بعنف يتلوى من فرط قهره: مش عاوز اسمع كلمه واحده اخرجى من هنا، اطلعى بره.
اقتربت تحاول مره اخرى و رفعت يدها واضعه اياها على طرف كتفه و بمجرد ان لامسته استدار دافعا اياها بيده لتسقط ارضا مجددا و هو يصرخ بزمجره عاليه: انا قولت اخرجى بره..

دلف اكرم ومازن بسرعه فور وصولهم و سماعهم صوته، اقترب مازن من عاصم ليمنعه عنها و اقترب اكرم من جنه جاذبا اياها للخارج، دفع عاصم مازن عنه و هتف بحده: مش عايز حد هنا..
استسلم مازن و تركه و خرج مغلقا الباب خلفه، و هنا حاول عاصم العوده للفراش و لكن قدمه تعثرت وسقط ارضا جز اسنانه بغضب ضاربا يده بالارض عده مرات مع صرخات غاضبه ولكنها مكلوله عاجزه تخرج منه،.

دفع اكرم جنه لخارج الغرفه و هتف بها بعنف: انا مش قولت متدخليش الاوضه دى...
انتفضت و شهقاتها تكاد تقطع انفاسها: ان، اناا، انا
صاح بقوه: ابعدى عنه و مش عاوز اشوفك هناااااااااااا، سمعانى؟
اغلقت عينها بقوه و تساقط جسدها ارضا تجيبه بقله حيله: كنت عاوزه اطمن عليه، عا.

قاطعها اكرم بكلماته القاسيه التى لم تشفع دموعها لها عنده: ملكيش اى حق في كده، ملكيش حق تشوفيه حتى، خلاص انتِ وجودك في حياته انتهى و للابد و هو بنفسه قالك كده، اعتقيه لوجه الله بقى.
وضعت وجهها بين كفيها تبكي بحرقه اشفق الجميع عليها و لكن بغضب اكرم امامهم لم يستطع احد التقدم منها، جذبها من ذراعها فحتى دموعها لن يسمح لها بالتخفيف عنها، انهضها: يلا علشان ترجعى البيت..

حاولت الابتعاد عن يده: لا بالله عليك عاوزه افضل جنبه، مش هقدر امشى و اسيبه بالله عليك يا اكرم ارحمنى..
و لكنه تمسك بها و جذبها للخارج و لكنها تماسكت و توقفت و قالت بحده تمنعه تعنيفها اكثر، اجبارها و الزامها بما يريد فاللعنه على عقابه هذا: مش هرجع يا اكرم، انا هرجع مع جوزى لبيتى.

توقف اكرم ثوانى ثم استدار لها دافعا يدها و اومأ رافعا يديه لاعلى: براااحتك خالص، ارجعى بيتك مع جوزك، بس عاوز اقولك كلمه واحده، اللى مبيثقش في ربنا عمره ما هيثق في مخلوق، يا مؤمنه.

لمست كلماته قلبها لتحطم البقيه منه، بالفعل هى لم تخذل احد بقدر ما خذلت نفسها، لم تظلم احد بقدر ما ظلمت نفسها، بين متاهات خوفها تاه نور ايمانها، بين همسات شيطانها تاه حب ربها، لم تستطع العيش لان قلبها لم يكن على قيد الحياه و لكنها اليوم ستُحيه، ستجعل قلبها يعمر بأمانه و إيمانه مجددا، ستهزم شيطان خوفها و تشفى ضعف قلبها..

رفعت رأسها اليه و تمتمت بحزم ربما هى نفسها تختبره للمره الاولى و لكن لا بأس فلكل امر مره اولى: ايوه غلطت، غلطت قوى كمان بس النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ‏: ‏ ‏ ‏ مَا عَلِمَ اللَّهُ مِنْ عَبْدٍ نَدَامَةً عَلَى ذَنْبٍ إِلَّا غَفَرَ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَغْفِرَهُ مِنْهُ ‏ ‏‏. و انا هطلب من ربنا يغفرلى يا اكرم، يغفرلى تقصيرى في حقه و حق جوزى، يغفرلى ذنبي اللى عملته غصب عنى، و يغفرلى قله ثقتى و ضعفى.

‏نظر اليها اكرم قليلا ثم ابتسم بسخريه ملقيا اخر ما بجعبته لليوم: ممكن ربنا يسامحك، بس عاصم عمره ما هيسامحك يا جنه...!

نظرت اليه مدركه ان كلماته صحيحه فرد فعل عاصم الان يدل انه لن يفكر حتى في مسامحتها و لكنها فقط من تدرك قوه حبه لها و ايضا مدى عشقها له الذى اخفته عن الجميع و لذلك بثقه اجابته و هى على يقين انه ليس بأمر هين بل سيستنفذها كل طاقتها و اقصى مجهودها و ربما تنجح و ربما تفشل: هيسامحنى يا اكرم، اكيد هيسامحنى...

كذبت على و زعمت انى عاصمة قلبك
و اكتشفت اننى كنت ضاحيه مهمله من ضواحيه
غاده السمان
وقفت هبه بالمطبخ تعد مشروبا باردا ليساعدها على التركيز بعملها التى قررت اليوم ان تقضيه بالمنزل، عندما شعرت بيد معتز تلتف حولها كالمعتاد و ذقنه تستند على كتفها، تشنجت قليلا و لكنها سكنت بين يديه عندما تمتم بهمس كان سابقا يرجف قلبها: فله..
اغلقت عينها لحظات و همهمت، فهمس مجددا و هى يقبل جانب عنقها: بحبك.

ابتسمت فها هى لمساته التى كانت تعشقها اصبحت اليوم تنفرها،
ها هى الكلمه التى طالما تمنت سماعها اصبحت اليوم لا تصدقها،
ها هو حضنه التى كانت تشعر انه لها وطن اصبحت اليوم تشعر به سجن يقيدها،
و ها هى الحياه التى ظنت انها تعيشها اصبحت اليوم قبر ضيق دُفن به عشقها.

فتحت عينها و رسمت ابتسامه على شفتيها و استدارت له و بمجرد ان تلاقت عينه و عينها رفع يده واضعا اياها على عينها مقربا اياها منه اكثر حتى ارتكزت جبهتها على ذقنه ليجاعلها بكلماته المتلهفه: انسى كل حاجه، سيبى قلبك ليا، سيبى احساسك بيا ليا يا فلتى.
ابتسمت بهدوء، هذه المره لو تركت احساسها لصاحبه سيذهب و لكن ليس له فهو لم يعد صاحبه الذى طالما ألفه قلبها،.

هذه المره ان سمحت لقلبها ليحلق بسماء عشق سيحلق و لكن ليس بسمائه فقلبها لم يعد يعرف لقبله طريقا،
هذه المره ان تركت عقلها يتناسى كل شئ بالتأكيد سيفعل و لكن سينساه هو و لن ينسى عمق جرحه.

اتسعت ابتسامتها لتشعر بعدها بيده تُزاح ببطء عن عينها و انفاسه تقترب من شفتيها و بالفعل احتضن شفتاها في قلبه رقيقه، شعرت هى بها انها تستعيد ذكريات حب قُتل بيد صاحبه، ذكريات عشق طُمس باختيار من احبته، ذكريات رجل يرى نفسه فاز بها و لو نظر بعينها لعرف انه للابد خسرها..
حاوطت عنقه بيدها مستمتعه بضعفه امام قوتها و التى للحظه شعرت بها قوته امام ضعفها..
احم احم...!

صوت اسقط كلاهما على ارض الواقع ليجعل هبه تدرك انها على حق و يجعله يدرك انه لم يُجلب لنفسه سوى معضله لن يقوى على حلها، ابتعد معتز عن هبه و لكنه لم يلتفت لسالي التى نظرت لهبه و لاثار القبله الواضحه على شفتيها، لمعان عينها و اضطراب انفاسها فعقدت حاجبيها بغضب ثم خرجت من المطبخ تاركه اياهم..

فزفر معتز متوقعا ابتعادها، غضبها او حتى تزمرها و لكنها لم تفعل اى منهم بل وضعت يدها خلف عنقه تحركها بدلال و همست بالقرب من وجهه لتلفح انفاسها شفتيه و شفتاها تتحرك باغواء قاسى على رجولته: فله مكتفتش.

ثم رفعت امواجها ليغرق هو بهم ليعترف لنفسه، روحه، عقله و قلبه انه يحبها بل يعشق كل ما بها، جذب خصرها اليه اكثر و اقترب بوجهه مره اخرى و لكنه توقف عندما صاحت سالى باسمه و هم بالابتعاد و لكنها جذبته و بادرته هى بقبلتها الغاضبه فاستسلم هو لاجتياحها له متناسيا تماما ان هناك اخرى تستشيط غضبا بالخارج..

اخذت سالى تقطع الغرفه ذهابا و ايابا بضيق، فهى لم تقضى سوى يوم واحد بهذا المنزل و هى عروسته الجديده و ها هو ينعم مع الاخرى و كأنها ليست هنا، لم يمسسها هو منذ الامس، لا تدرى ماذا تعنى له تلك الفتاه، هى سعت كثيرا ليتزوجها، ضعفت، توسلت و ناجته ليفعل حتى خضع لسلطان حبها القديم و لكنها كانت مخطئه فهو احب اخرى و كعادته البلهاء لا يعرف ما بقلبه،.

ماذا تفعل لابد ان تتصرف، لابد ان تصنع حاجزا كبيرا بينهم، لابد ان تبعده عن الاخرى لتفوز به هى، هى تطلقت مره و لن تسمح بالاخرى و لن تسمح حتى بابتعاده عنها، و بينما هى تموت غيظا هنا، كان هو ينعم بأمواج فلته الهادره التى عصفت بكيانه كله بقبله واحده..

ابتعدت عنه هبه و داعبت انفها بانفه مع ابتسامه صغيره على شفتيها، تباعد جفناه ببطء ناظرا لابتسامتها و نظراتها التى ارتوت بعشقه مجددا و هم بالتحدث و لكن صرخه سالى بالخارج جعلته ينتفض تاركا هبه ناظرا اليها لحظات باعتذار ثم طأطأ رأسه خارجا من المطبخ..

اغلقت هبه عينها و استدارت مستنده على الطاوله الرخاميه قبل ان تفتح صنبور الماء تحمل منها بيدها غاضبه تمسح شفتيها بعنف كأنها تُزيل اثار قبلته، سامحه لتلك الدمعه بالفرار من عينها لتضع بعدها يدها على فمها مانعه صوتها من التعبير عن ثورته، فلم يحن الوقت بعد..
اتجه لسالي وجدها تجلس ارضا تمسك قدمها بألم فهبط اليها بلهفه: مالك! قاعده ليه كده؟!

مدت يدها اليه بدلال و هتفت بألم مصطنع: وقعت و رجلى اتلوت و بتوجعنى قوى...
قالتها بدلال زائد مدركه تأثيرها عليه فدائما ما كان يخبرها ان دلالها يرهقه، و لكنه لم يحرك ساكنا بل نهض و انهضها نظرت خلفه لتجد هبه تخرج من المطبخ تتجه لغرفتها فمرت بغرفتهم فابتسمت سالى و ترنحت بخبث: اه..
رفعت يدها لتحيط عنقه فتنهد معتز حاملا اياها، نظرت هبه اليهم، امامها...!

معتز - زوجها، حبيبها و حلم سنوات عمرها - يدلل اخرى، يده تلامس جسدها، يديها تلتف على عنقه الذى لامسته هى منذ قليل كأنها تمحى اثارها، اخرى تستند على كتفه، بين يديه، اخرى تحمل اسمه و لقب زوجته، اخرى تعيش حياتها و تنعم بدلال زوجها.

ابتعدت من امام الغرفه مسرعه و دموعها تغلبها لتخرج و بالفعل بمجرد ان اغلقت باب غرفتها تساقطت دموع حسرتها و وجع قلبها، جلست على الفراش و وضعت يدها على بطنها موضع جنينها تحدثه فلن يكون معها احد بمعركتها سواه: شايف بابا بيعمل فينا ايه، احنا مش هنسامحه ابدا بس، ، اختنق صوتها بقدر ما اخفت بداخلها من وجع: بس ماما بتحبه قوى، قولى اعمل ايه؟، ساعدنى، ماما محتاجه ليك.

لفت يدها حول نفسها تحتضنها بقوه كأنها تمنح القوه و الحنان بنفسها لنفسها اما بالخارج بعد ان وضعها معتز على الفراش جاء لينهض و لكنه تشبثت بملابسه مقتربه منه حتى شعر بانفاسها على بشرته و همسها المغرى ببحه انثويه مالت نفسه لها من قبل كثيرا و ها هى تفعل مجددا: متبعدش عنى يا ميزو..

لامست شفتاه ببطء و لمعت عينها بانتصار و هى تجذبه ليميل عليها و لكن انتصارها اختفى تماما عندما ابتعد عنها و نهض دون ان ينظر لعينها و تمتم بتهرب تعجبه هو بنفسه قبل ان تفعل هى: عندى شغل ضرورى و لازم اخرج..
تركها و خرج من الغرفه مغلقا بابها خلفه فانفعلت هى و امسكت بالوساده و قذفتها خلفه بغضب،.

وقف معتز امام الغرفه زافرا بقوه، هو لا يطيق لمسها، فاتنه و لكنه لا يريدها، يشتاق لفلته، لضحكتها، يتلهف لحضنها و يهوى مداعبتها و مشاغبتها..

تحرك بعاطفته تلك لغرفتها و لكنه تجمد امام بابها لا يقوى على فتحه و صوت انينها رغم خفوته يصم اذنيه، حرك يده ليضعها على المقبض و لكنه لم يجرأ، رفع اياها ليطرق الباب و لكن ايضا لم يجرأ، فضرب يده بالحائط و ابتعد عن الباب متجها لصاله الاستقبال و جلس هناك ينظر لباب غرفه سالى لا يرغب بالذهاب اليها ثم ينظر لغرفه هبه لا يستطيع الدخول اليها و ها هو جالس هنا لا يتحمل الاقتراب من هذه و لا يتحمل الابتعاد عن هذه و لكنه لا يستطيع الاقتراب.

خرج محمود من المنزل وهو يقسم انه ان رأى معتز سيقتله على ما فعل بأخته و لكن ما يحرقه الان هو كيف تخفى مها امرا كهذا عنه، اخرج هاتفه و بعث اليها برساله عايز اشوفك دلوقت يا مها.

في هذا الوقت كانت مها بالمشفى تحاول الاتصال بمعتز و لكن هاتفه مغلق ارسلت اليه بالعديد من الرسائل و لكنه لم يجيبها حتى وصلتها رساله محمود فتحتها متوقعه انها من معتز و عندما قرأتها تنهدت بخيبه امل و اجابته بأخرى مش هينفع دلوقت
رأى محمود الرساله و جن جنونه و بعث لها خلاص يا مها مفيش داعى تخبى انا عرفت كل حاجه خلاص.

قرأت رسالته بتعجب فكيف عرف هو، لم يخبروا احد بالاضافه لان معتز لا يعرف فكيف عرف محمود و مع اندهاشها اجابته انا مش بخبى يا محمود بس مكنتش لاقيه فرصه اقولك
ضرب ركبته بيده عده مرات من فرط غضبه و ارسل و هو يكاد يفقد عقله فرصه ايه يا مها، كان المفروض تقوليلي اصلا اول ما عرفتِ و بعدين ازاى محدش فيكم منعه.

نظرت للهاتف بتعجب احد يمنعه! ارسلت بتعجب ساخر نمنعه ازاى يا محمود؟ هو نصيبه كده و ربنا كاتب له كده، مش المفروض نقول ايه السبب و ليه، المفروض ان كلنا دلوقت نقف جنبه و نساعده يكمل حياته و كأن مفيش حاجه اتغيرت
ضغط محمود الهاتف بيده بغضب اعمى و لو كانت امامه الان لهشم وجهها فهى لا تجد معضله فيما فعل اخيها، لا بل ستسانده ليمضى بحياته و كأن شيئا لم يكن..

اغلق الهاتف لكى لا يبعث بشئ يندم عليه لاحقا بينما هى انتظرت رده فهى تكاد تجن مما يقول، كيف كان بإمكانهم منع عاصم مما حدث له؟ و ما سبب غضبه المفاجئ هذا؟
جلست سلمى بجوارها قائله بنفاذ صبر و قله حيله: عاصم مصمم يرجع البيت عالطول رافض تماما يقعد هنا..
اومأت مها برأسها ثم اشارت لجنه، تنهدت سلمى: اكرم مانعها من الدخول تماما..
شردت مها فاردفت سلمى: عمرى ما شوفته عصبى كده و كمان جنه صعبانه عليا قوى..

خرج اكرم من الغرفه قائلا بجديه و الارهاق يقطر من عينيه: عمى لو سمحت ياريت الكل يرجع على البيت و انا هجيب عاصم معايا.
اومأ عز و نهض الجميع ليرحلوا عدا جنه فاقترب اكرم منها: بلاش يشوفك دلوقت و لا انتِ حابه تتعبي اعصابه و خلاص اتفضلى معاهم و احنا هنيجى وراكم..
نظرت اليه دون رد فعل فزفر جاذبا يدها بقوه حتى هبط بها للاسفل فصعدت بالسياره معهم و عاد اكرم للاعلى..

اتجه محمود في ثوره غضبه تلك لمنزل هبه دق الجرس، فنهض معتز من جلسته ليفتح في نفس الوقت التى خرجت فيه هبه من الغرفه مرتديه اسدالها، نظر كلاهما للاخر قليلا ثم اتجه معتز للباب و بمجرد ان فتحه عاجله محمود بلكمه و هى يصيح باستحقار: يا ندل، يا واااطى..

سقط معتز ارضا و هى يضع يده على انفه و لكن محمود اقترب منه ممسكا بملابسه و لكمه مره اخرى، صرخت هبه و اقتربت منهم بجزع تحاول ابعاد محمود عن معتز و لكنها لم تستطع في ثوره همجيته تلك و لكن توقف دون ان يوقفه احد عندما صدع صوت سالى من خلفهم: يالهوى ايه اللى بيحصل ده؟
رفع محمود رأسه اليها ليصطدم بوجهها، ملابسها و بها فتمتم بذهول صادم: ساااالى!

نظرت هبه اليها و غلت الدماء بعروقها فالزوجه المبجله خرجت امام محمود بقميصها القصير دون ادنى خجل او حياء، و لكن فورا عادت هبه برأسها لاخيها و هتفت بدهشه هى الاخرى: انت تعرفها يا محمود؟

نظر محمود لهبه بتشتت ثم استدار لمعتز الذى استطاع التخلص من يده و انقض على قميصه مجددا و صرخ به و قد وصل بهم الزمن ليخبره محمود انه كان محق بشأن ندالته: قولتلك هتفضل تحبها، قولتلك ملكش دخل بأختى، قولتلك مش هسمحلك تأذيها يا حيوان.
رفع يده يلكمه مجددا و لكن تحركت هبه مسرعه لتقف امامه تصيح هى به بحده ادراكها: يعنى انت كنت عارف انه بيحب واحده تانيه؟

نظر اليها محمود بارتباك فاردفت صارخه و وجعها يزداد بمعرفه شقيقها: قولتلى مستهتر و مبيفكرش غير في نفسه بس مقولتش انه بيحب واحده تانيه و لو ظهرت في حياته هينساكِ..
ازداد غضب محمود و مد يده ليضرب معتز و لكن هبه منعته تزمجر بعصبيه: بس بقى.
نظرت هبه لسالى باحتقار مشيره لباب الغرفه: ادخلى يا مدام يا محترمه استرى نفسك بدل قله الادب دى..
احتقن وجه سالى بغضب و هى تتقدم في مواجهه غاضبه: و انتِ مالك يا...

قاطعها معتز بحده و بعينه نفس الاستحقار: ساااااالى ادخلى و لمى الدور علشان ميجيش على دماغك، ادخلى.
اقترب منه محمود مجددا و قال باستهزاء و هو يشمله بنظره متهمكه من اعلى لاسفل: بتحاول تعمل فيها راجل يا.
اندفعت سالى للداخل بينما دفعت هبه محمود ليجلس و اشارت لمعتز بالجلوس هو الاخر و جلست هى امامهم و قالت بحسم: انا عاوزه اعرف ايه حكايه سالى دى من الاول،.

نظر كلاهما للاخر و بدأ محمود الحديث: معتز كان بيحب سالى من ايام الجامعه، كان بيحبها و نفسه يتجوزها و هى كذلك بس نجلاء هانم رفضت لان سالى مش من عيله معروفه زى عيلتهم و طبعا معتز محاربش علشانها خصوصا ان سالى قالتله ان في عريس متقدم و باباها موافق عليه و هى مش عارفه ترفض، و فعلا سالى اتجوزت، معتز وقتها كان تعبان و مضايق جدا، سجن نفسه بين السجاير و البنات و الاستهتار، حاولت معاه على قد ما اقدر لحد ما استوعب الموضوع شويه و بدأ نوعا ما يفوق لنفسه بس كان بيحس بتأنيب الضمير تجاه سالى لانه مدافعش عن حبه ليها و بعد جوازها بحوالى 6 شهور، فاتحنى في جوازه منك، انا اه حذرتك منه بس مقدرتش اقولك الموضوع ده بس مكنتش اعرف انه هيبقى بالنداله دى.

نظرت هبه لمعتز الذى ينظر امامه بشرود دون تعابير على وجهه و لكن هناك ألم، ألم لا تخطئه عينها، ألم جعل قلبها يتألم لاجله و لكنها ما عادت تأبه.
رفع رأسه فالتقط عينها بعينه فتسائلت و نظراتها اصعب ما يكون عليه فهمها: اتجوزتها ليه دلوقت يا معتز و فين جوزها؟
نظر اليها قليلا ثم تحدث بهدوء: اول مره اشوفها تانى كان يوم خروجتنا سوا و بعدها قابلتها في مكان قريب من الشركه،.

صمت قليلا ثم اردف و هو يدرك خطأه: قابلتها و قعدت معاها، حكت لى انها اتطلقت بعد جوازها بشهرين لانها متحملتش معامله جوزها، كان بيضربها و يهينها و يستغلها و بس، هربت منه و هددته بانها تفضحه فطلقها، رجعت لاهلها رفضوا انها تعيش معاهم بعد الفضيحه دى و فضلت قاعده مع واحده صحبتها طول الشهور اللى فاتت ف..

قاطعته هبه و دموعها تتجمع بعينها بابتسامه جانبيه ساخره: فصعبت عليك بقيت تكلمها و تتطمن عليها و بقيت تتخانق معايا في البيت كتير لانك بتغلط بره لحد ما نجحت هى في استعطافك و اتجوزتها، صح؟!
نظرت اليه قليلا ثم تحركت من امامهم لتدلف لغرفتها و لكنها توقفت و عادت اليهم، نظرت لمحمود قائله بثبات: اتفضل دلوقت يا محمود من فضلك؟

نظر اليها و كم كان يود جذبها من يدها عنوه ليرحل بها من هنا و لكنه حتى هذه لن يستطيع فعلها، نهض مسرعا و خرج من المنزل، تحركت هى للداخل و لكن نهض معتز و تحدث من خلفها: هبه..!
توقفت و وضعت يدها على موضع جنينها تستمد منه قوتها حتى شعرت به يقترب منها ليهمس اخيرا بصدق شعرت به و لكن لا فارق: انا اسف..
ابتسمت بخفوت فهذا كل ما يفعله، يتأسف...!

ابتعدت متجهه للمطبخ احضرت قطع ثلج و خرجت اليه مجددا امسكت بيده و اجلسته على الاريكه ثم جلست بجواره و بدأت تضع قطع ثلج على انفه و جانب فمه التى تحمل اثار لكمات محمود بينما هو يتابعها بعينه و هو يشعر بقلبه نادم..
نادم على فعل لا يدرى ان خطأ فيه ام لا و لكنه يدرى جيدا انه ألمها به و هذا يكفى لشعوره بقيه عمره بالندم.

انتهت و نهضت فوجدت سالى تخرج من الغرفه كالاعصار لتقف امامها و تصيح بهاا: اسمعى بقي و افهمى كويس ان فكرتِ تعلى صوتك تانى عليا لاى سبب كان، صدقيني مش هتردد في انى افرج عليكِ امه لا اله الا الله، سامعه!

همت هبه بالرد و لكن معتز وقف امامها و هدر هو بها: و انتِ اما تبقي ست مش محترمه و مفيش لا خجل و لا خشى انك تخرجى قدام راجل غريب بلبسك ده وقتها مش هى اللى هتتكلم وقتها مش هيحصلك طيب منى انا يا سالى، فاهمه!
ثم رفع اصبعه امام وجهها و هتف بتحذير صريح و واضح: و حسك عينك تفكرى تعلى صوتك على هبه تانى و إلا و الله العظيم لتشوفى منى تصرف مش هيعجبك...

استدار لهبه ممسكا يدها و تحرك بهم لداخل غرفتها مغلقا الباب خلفه و بمجرد ان اغلق الباب وضع يده على اعلى بطنه ضاغطا عليها بقوه و جز اسنانه بألم، نظرت اليه هبه بقلق متسائله باهتمام حقيقى: رجعت توجعك تااانى؟
اسندته حتى اجلسته على الفراش و سطحته و سألته بعتاب: اخدت الدوا بتاعك يا معتز؟
اغلق عينه بألم، فضربت على الفراش بضيق اصاب قلبها حقا: انا غبيه انا السبب ازاى نسيت...!

نهضت مسرعه و اخرجت ادويته و احضرت كوب ماء و اتجهت اليه لتجده يمسك باحد المحارم البيضاء و يسعل دما، اخذت تمسد ظهره بحنان و قلبها يتوجع لوجعه حتى هدأ فأعطته دوائه و كوب الماء حتى استكان اخيرا...
جلست بجواره تقرأ بعض ايات القرآن لتجده فجأه يتقوقع ضاما ركبتيه لصدره ملقيا برأسه على فخذها محتضنا كفها بيده هامسا بضعف: اطلبي من قلبك يغفرلى يا هبه، انا مش ضامن عمرى يا فلتى.

اغلقت عينها لتتساقط دموعها على جانب وجهه فاعتدل رافعا رأسه اليه و ابتسم بضعف فأكثر ما يهده و يجعله يشعر بضعف لامثيل له هو مرضه: مش علشانى يا هبه دموعك دى اغلى مني..!
ضمت رأسه اليها و همست بصوت شبه مسموع و هى تتحرك به للامام و الخلف بحسره: حراام عليك يا معتز، حرام عليك ضعت و ضيعتنى معاك...

جلست نهال مع محمد في غرفته و قد بدأ في استرداد القليل من صحته، استيقظ من سباته و ابتسم لها متمتما بضعف: لسه مابتكلميش الولاد برده؟
اخفضت وجهها و تحدثت بخفوت، امومتها تنكر و ترفض التصديق و لكن ما رأت الاعين يفوز: مش قادره اصدق ان ابنى يعمل كده بس كمان كباره العيله شافوهم بعنيهم...

ابتسم محمد و مد يده لها فأمسكتها فأخذ هو نفس يحاول به استمداد بعض القوه و نصحها بثقه و ثبات: انا مش قادر افهم ازاى تصدقوا فيهم كده!، و لو افترضت ان مازن يعملها، حنين لأ، انا متأكد ان الموضوع ده مش زى ما هو واضح...!
اومأت نهال باتفاق و لكنها جادلت ربما لتُثبت لنفسها قبل الجميع ببراءتهم: انا معاك بس ايه يخليهم يقعدوا في المكان المهجور ده لوحدهم، هى من غير حجابها و هو من غير قميصه؟

ابتسم مره اخرى و اضاف بمكر عائدا بذاكرته و بها للخلف قليلا بل كثيرا: فاكره لما كنا مخطوبين يا ام فارس، فاكره لما خرجنا نجيب الفستان و البدله بتاع الفرح، فاكره اللى حصل يومها...

شردت بفكرها لذلك اليوم عندما كانت تقيس احد الفساتين و بعد ان ارتدته، استدعته ليراها و اثناء ذلك شعرت هى بدوار يلفها، اتى هو و ابدى اعجابه بما ترتديه و بها هى و لكنه فوجئ بها تترنح و تسقط بعدها بين يديه فسقط بها ارضا، كانت معهم امل شقيقتها فأحضرت ماء له و حاول هو افاقتها و تركتهم امل لتأتى بأحد العصائر لها و بالفعل استيقظت نهال لتجد نفسها بين يديه داخل غرفه قياس الملابس...

اردف هو بعدما ابتسمت هى و تسائل عائدا لموضوعهم: لو كان الحاج مجدى او الحاج مدحت شافونا في الموجف ده، كانوا جتلونا و غسلوا عارنا بيدهم..

ضحكت على لهجته الصعيديه التى لم يتحدث بها منذ زمن فأكمل و هو يقنعها تمام الاقناع و من ذا يقدر على هذا دونه: يعنى محدش عارف ايه حصل معاهم، غلط قوى انكم تتهموهم قبل ما تسمعوهم انا مش مصدق ان عز عمل كده و مع حنين بالخصوص و بعدين انا ملاحظ من كلامك ان الكل جه على حنين و محدش عاتب مازن و لا علشان هو الراجل و هى الست يعنى؟

طأطأت نهال رأسها خجلا فضغط يدها بخفه لتنظر له: انا بثق في ولادى يا ام فارس، بثق فيهم لابعد الحدود و حنين كانت اختيار فارس و انا ابنى مايخترش غلط ابدا، فكرى في الموضوع كويس، حنين من يوم ما جت هنا و انتِ قافله على نفسك جنبى هنا و محاولتيش تطيبى خاطرها، هى بتحبك خليكِ جنبها و ارجعى فكرى في اللى سمعتيه تانى و انا متأكد انك هتوصلى لحاجه تدلك على الحقيقه و ابقي اقعدى مع مازن و حنين و اسمعى منهم، انتِ وقفتِ جنب حياه و ساعدتيها و عرفتِ اتعذبت ازاى لما ابوها ظلمها و دلوقت حنين محتاجه ليكِ تكونى مكان امها، ماشى يا ام فارس..!

ابتسمت نهال و كلامه يترسخ بعقلها ثم تركته ونهضت لتخرج و جدت حياه تجلس بمدخل المنزل تنظر لساعه يدها حينا و لباب المنزل حينا اخر، اقتربت منها و ربتت على كتفها فانتفضت حياه فهمست نهال تهدأها: اهدى يا حبيبتي، انتِ قاعده ليه كده؟
تمتمت حياه: منتظره مازن..
عقدت نهال حاجبيها: هو لسه بره؟
اومأت حياه فهمهمت نهال مضيفه: طيب تعالى معايا نشوف حنين..
تنهدت حياه بقلق: حنين مع مازن بره يا ماما.

نظرت اليها نهال بتعجب فأردفت حياه: الكابتن عاصم في المستشفى عامل حادثه.
شهقت نهال بفزع: استر يارب، استر يارب، شردت قليلا ثم اضافت: ايه اللي بيحصل في العيله دا! كل حاجه في وقت واحد، الرحمه يارب، ارزقنا القوه و الصبر يارب..
وضعت حياه يدها على كتفها: انا كلمت مازن من شويه و قالى انه كويس و هيرجع البيت النهارده..
تنهدت نهال بارتياح: اللهم لك الحمد، ثم جلست على الاريكه: انا هستناهم اطمن عليهم.

اومأت حياه مبتسمه و قلبها يقرع قلقا من عودتهم فخبر اصابه عاصم بفقدان البصر هى لا تتحمله فكيف بأهله؟

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة