قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الثاني عشر

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الثاني عشر

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الثاني عشر

زُين البيت بشكل كامل، صديقات حنين و سلمى يغنون، يمرحون و يرقصون.
فاليوم ستتوج حنين كملكه اعلنها فارس لمملكه قلبه، ستضم يدها حقلته الذهبيه الذى نُقشت عليها احرف اسمه لتحتضنها للابد، سيتحقق حلم الطفوله ليغدو بهما معا المستقبل اجمل.
كانت حنين في قمه فرحتها على عكس تلك التى كادت تقتل نفسها لتهرب مما هى على وشك الوقوع فيه.

تشعر جنه انها فقط تخطو باتجاه حافه هاويه ستسقط فيها بلا عوده، كيف تسمح لقلبها بالفرح و هى تمحى اثار حلمها عن واقعها، كيف تنتظر الامير لتكون سندريلته و ها هى ستحمل اسم اخر شخص تتمناه، للاسف لم تجد بداخلها قوه لترفض و كالعاده قبلت و يا ليتها تستطيع الهرب.
حاولت الفتيات اشاركها في مرحهم و لكنها اكتفت بابتسامه و قلبها يأن ألما.

اليوم استيقظت و قلبها قلق فبعد مده طويله لم يزورها والدها بأحلامها أتاها اليوم ليحتضنها بحب و حنان افتقدته حد الوجع و يقول كلمتين فقط و يتركها ليرحل اطمئنى و افرحى ،
لا تدرى لماذا اليوم تحديدا؟،
و لا تدرى لماذا يطلبها الطمأنينه؟
و من اين لها بها و خاصه اليوم؟،
لا تدرى كيف يوصيها بالفرح و هى ابعد ما يكون عنه الان؟،.

فرحت بل و تراقصت نبضاتها سعاده و هى تشعر بحضنه ملموسا و محسوسا و لكن مجرد فكره انها سترتبط الان بذلك المتعجرف الذى لا يحمل قلبها له سوى الكره، الغضب و النفور تكاد توقف نبضاتها خوفا، هلعا و توترا مما يخبأه لها المستقبل.
صمت مفاجئ و التزام الفتيات اماكنهم فرفعت عينها لتجد عز يقترب منها واضعا الدفتر امامها بابتسامه سعيده منتظرا منها ان تبصم على قسيمه زواجها،.

صورتها في ورقه و صورته في اخرى، اسمها يقترن باسمه و بصمته تنتظر بصمتها، ارتجافه بسيطه سرت بجسدها و هى لا تدرى ماذا تفعل!
هل تصرخ الان رافضه أم تقبل الواقع راغمه!
هل تنفى رغبتها و تهرب أم تسير في طريق اختاره لها الجميع!

اغلقت عينها لحظات حتى شعرت بيد تُوضع على كتفها ففتحت عينها بسرعه لتجد ليلى تجلس بجوارها و بحنان غلف نظراتها تتطالبها بوضع موافقتها على ان تصبح زوجه ولدها، رفعت عينها لعز الذى ينتظرها هو الاخر، ثم دارت بعينها لكل الحضور فانكمش جسدها خوفا لترفع اصابعها المرتجفه لتطبعها بذلك اللون الازرق قبل ان يستقر اخيرا على قسيمه الزواج لتضع النهايه لكل حلم، امان و راحه بحياتها.

غادر عز الغرفه و بعد بعض الوقت عاد مره اخرى و لكن بيده قسيمه زواج اخرى لتلك التى رقص قلبها فرحا و لمعت عينها بالسعاده التى لم تستطع اخفائها حتى عن شقيقتها في يوما هكذا.
فحلمها يتحقق فقط ببصمه، و سرعان ما لونت يدها طابعه موافقتها على رغبه الطفوله و حلم الصبا.
و بينما كانت تشعر جنه الان ان حياتها تنتهى كانت حنين تشعر بحياتها تبدأ.
فمن الان ستحضنها السعاده و يحاوطها الفرح و تتلون ايامها بألوان زاهيه..

و كذلك كان فارس الذى كان يرقص الان بالخارج فرحا و شغفا، فالقمر انار سماء عشقه اخيرا، الان فقط يستطيع ان يقول ان امتلك من الدنيا كل السعاده و لا رغبه له بأى شئ اخر، اليوم فقط اوفى بوعده و سيلتزم به طوال عمره مهما كلفه الامر.
بينما يتابعه عاصم بابتسامه هادئه و هو يرى فرحه صديقه بشقيقته و حقيقه كلاهما يستحق اما عن احساسه هو فلم يكن يعرفه؟

هو يشعر بالسعاده وكذلك بالضيق، يشعر بالتفاؤل و كذلك بالتشاؤم، يشعر بالراحه و كذلك بالشقاء.
فعلي الرغم من انه يراها حمقاء فهو يري بها قوه خفيه، لا يعرف ان كانت حقا ضعيفه ام قويه، لا يعرف ان كانت مشاغبه ام هادئه.
رأي هدوئها و جنونها، رأي منها قوه ولدها بها ضعف،
لا يعرف حقيقه مشاعره و ان كان حقا يريدها ام لا!
هل هو سعيد بزواجه أم فقط يفتخر بفرض سيطرته عليها؟

كل ما مضى امراً و الآتى امراً آخر، فمن قبل كانت خادمه ببيته أما الان فهى زوجته.
صرخ عليها، وبخها، رأت من غضبه الكثير و لكن هل سيستطيع تحجيم ذلك عنها الان؟
هل سيستطيع معاملتها بلين و رفق أم سيعاملها بطبيعه ابن الحصري القاسيه!
هو بحق يخشى عليها من نفسه، غضبه و ثوراته التى لا تنتهى.

دعينى أقول بكل اللغات التى تعرفين و التى لا تعرفين أحبكِ انتِ،
دعينى أفتش عن مفردات تكون بجحم حنينى اليكِ،
دعينى أؤسس دوله عشق تكونين انتِ المليكه فيها،
و اصبح فيها انا اعظم العاشقين،
لماذا أحبكِ لا تسألينى،
فليس لدىّ الخيار و ليس لديكِ.
نزار قبانى.

يحملق بها لا يصدق انها اصبحت زوجته، حنين عقله و حنان قلبه، عيناها التى تراقب الارض بهدوء، و جنتاها التى اعلنت بحمرتها انها خجلى، اصابعها التى تفرقعها بتوتر و قدميها التى تضرب الارض بها باستمرار.
ابتسم متابعا اياها بشغف ثم امتدت يده لتلامس اناملها لتنتفض هى ساحبه يدها فاتسعت ابتسامته و تمتم بخبث: طيب بصى لى او قولى اى حاجه و لا هنفضل باصين للارض كده؟

حمحمت تحاول اخراج صوتها حتى فعلت لتجيبه ببحه صوتها الذى يعشقها: اقول ايه؟
اعتدل ماسكا يدها رغم ابتعادها ثم وضع يده اسفل ذقنها رافعا وجهه اليها لتلتقى فضيه عينها بسماء عشقه و ابتسامته الواسعه و هو يتسائل بجديه رغم نبرته الهادئه: مبسوطه يا حنين؟
و امام جديته لم تستطع إلا ان تتعجب فهمست باستنكار و عتاب: انت بجد بتسألنى!

حاوط وجهها بكفه ليصلها دفء يديه مخبرا اياها عن مدى ما يحمل قلبه لها و اردف هو بمرح رغم نبرته المستكينه: اخر مره اخدت رأيك كان عندك 12 سنه، بقالنا حوالى عشر سنين فا بتأكد يمكن تكوني غيرتِ رأيك؟
فابتسمت بهدوء تشاكسه بخجل و هى ترمقه بطرف عينها: يعنى لو كنت غيرت رأيى كنا هنبقى قاعدين هنا دلوقت!

اتسعت ابتسامتها مع استغرابه لمشاكستها معتقدا ان فتاه الطفوله هى نفسها من تجلس امامه و لكنه نوعا ما مخطئ فهو لم يعرف عنها شيئا بعد، نظرت اليه مردفه بمرح: ثم انت مغيرتش رأيك ليه؟
استقبل هجومها بمرح مع اتساع ضحكته و هو يقترب منها بعبث فتراجعت بجسدها للخلف قليلا و هو يهمس بصوت جعله يبدو قويا: مين قال كده انا غيرت رأيي فعلا.

عقدت ما بين حاجبيها مع ابتسامه استغراب زينت وجهها فاقترب اكثر بوجهه لتتطالعه بترقب حتى همس بنبره تائهه تماما في عشقها: انا كنت فاكر انى معجب لكن كل يوم كنت بتأكد اكتر انى بحبك، كنت فاكر ان ده كلام اطفال و حاجه و هتروح لحالها بس كبرت و لقيت نفسى بغرق فيكِ كل يوم اكتر، كنت متابع حركاتك، كنت بجى ليكِ الكليه و اشوفك وسط صحابك، شوفتك في احلى حالاتك و شوفتك في اسوءها، و كل مره كنت بتأكد انى مقدرش اعيش من غيرك، وانك هتبقى مراتى غصب عن كل الناس.

دمعت عينها و هى ترى لمعه عينه الصادقه، ركض قلبها ليختبئ في احضان قلبه، هربت انفاسها لتختلط بأنفاسه التى تعنى لها الحياه و ما فيها.
رفعت يدها تحتضن كفه و هى كالمغيبه تعترف بأنها تبادله الحب بحب اكبر، ناظره لعينه قليلا قبل ان تهمس بهيام لمس قلبه: انا بحبك قوى يا فارس، قوى.

خرجت جملتها ببحه مغويه من عاشقه فأذابت قلب عاشقها بجداره و ادركت هى ذلك عندما تنهد بعمق ساحبا اياها اليه ليضع رأسها على صدره لتتولى نبضاته المهمه باخبارها عن مدى حبه لها، لحظات مرت قبل ان تمتد يده لعلبه مخمليه بها شبكتها ، ابتسامه فرحه غزت وجهها و هى تتابعه يُخرج حلقته الذهبيه لتزين يدها معلنه للجميع انها مِلك لفارس قلبها، احلامها و واقعها.

و لم يُبعدها عنه كأنه يخشى ابتعادها، فبعدما وضع قدمه على اولى الدرجات يخشى ان يبعده شيئا عنها، بينما هى استكانت على صدره لتنسى الدنيا من حولها و فرحتها الان تفوق ما توقعت ان تشعر به يوما.
و ها هما يسيرا بدرب القدر كما شاءا و لكن هل هذه مشيئه القدر أم له رأى آخر!

بدأ الجميع في الانصراف، تخلو الغرفه إلا منها، فتسارعت نبضات قلبها توجسا، و قد حان وقت تطبيق تلك العاده السخيفه التى لا تدرى من أى عُرف هى؟
لابد ان يجالس الرجل إمرأته بعد عقد القران، ربما الامر طبيعيا بالنسبه اليهم ولكنه خارج عن كل عاداتها.
شخص لم تجلس معه بمفردها، لم تحب ابدا التعامل معه، تكره التحدث اليه، بل و تبغض حتى ملامح وجهه.

الان و بدون سابق انذار وقعت على تلك الورقه التى تسمى بعقد الزواج لتصبح متاحه له في أى وقت و كل وقت، يجلس معها، يتحدث إليها، يشاركها في تفاصيل حياتها، و من المفترض ان تعتاد عليه شاءت أم أبت فهو ببساطه اصبح زوجها.
لا يهم كم تكرهه، لا يهم ان كانت اخشاه، لا يهم ان كانت ستتحمل وجوده بجوارها أم لا، كل ما يهم انه اصبح زوجها هذا و فقط.
الامر بسيط.

بسيط حد شعورها بالعجز عن التنفس، حد شعورها برغبتها في الركض لتكون فقط بعيده عنه، ما الذى من الممكن ان يجمعهما سوى صراخه، غضبه، تعجرفه، سيطرته و خوفها، توترها، خنوعها، اضطراب قلبها و هروبها المعتاد.
فهو ابدا لن يكون اميرها و هى ابدا لن تكون سندريلته.
سرحانه في ايه؟
قالها عاصم و هو يجلس على الطاوله امامها، فانتفضت بفزع و شهقه صغيره تفارق شفتيها و هى ترفع عينها اليه بتوتر بالغ.

رائع، في غرفه واحده، بابها مغلق، يجلس امامها، قريب منها لا يفرق بينهما سوى عده سنتيمترات، حصونه السوداء تحاوطها باستماته و كل حديثه موجه اليها.
ازداد اضطراب قلبها مخبرا اياها ان شيئان لا يجتمعا ابدا، و جود ابن الحصرى و انتظام نبضاتها.
استند بمرفقيه على ركبيته يتابع الخوف الذى كسى ملامحها، صدرها الذى يعلو و يهبط بعنف معلنا عن اضطراب انفاسها و ثوران نبضاتها و يدها التى ارتجفت بارتباك.

هى تخافه و للعجب اعجبه هذا، فهو يعشق رؤيه ارتباك الاخرين امامه و لكن خوفها هى حاله خاصه، فبقدر ما اعجبه و ارضى غروره بقدر ما احزنه و لكنه لم يستطع منع ابتسامته.

تاهت في افكارها مجددا محاوله تجاهل وجوده و دون ان تدرك انها تتحدث بصوتا مسموع همست باستنكار و تشتت: انا اتجوزت ليه؟، ليه الكل كان فرحان بالجوازه إلا انا؟، ليه اتجوزنا عالطول من غير خطوبه؟، ليه كل ده بيحصل معايا؟، ليه اكرم اجبرنى اتجوز اكتر انسان بكرهه في حياتى؟ و ليه كل حاجه بتم دون ارادتى و رغم انى مش موافقه!

تساقطت دموعا و هى تبكى وجع اكتنف روحها لا يشعر به احد غيرها، بينما انقبضت ملامحه فور وصول همساتها لاذنه لتخترق صدره مصيبه قلبه بأكثر الاسهم قسوه فاحتدت نظراته رغما عنه و تسارعت انفاسه تكاد تحرقها امامه، فانتبهت هى له رافعه عينها اليه و بمجرد ان رأت ملامحه اتسعت عينها بجزع و هى تتبين فداحه ما فعلت لاعنه لسانها الذى تفوه بتلك الكلمات و خاصه امامه.

سيصرخ بها الان حتما، سيعنفها و بما انها صارت زوجته ليس مستبعدا ان يضربها.
ستعتذر قبل ان يفعل، ستتوسله ألا يفعل و لكن قبل ان تنطق وصلها صوته الهادئ: قدرك.

رفعت عينها اللامعه بدموعها اليه ليغرق في ابريقها العسلى المتعجب فحملت عيناه لها قدرا متساوٍ من الحده و اللين، حملت من التوعد ما يعادل الامان، حملت من القوه ما حملته من الحنان، نظره قاسيه كبروده الشتاء و دافئه كجمال الربيع، حصونه في هذا اللحظه كانت اشبه بليل هادئ و لكن رغم ذلك تتخلله اعاصير.

و مع نظرتها المتعجبه اقترب منها قليلا فعادت مسرعه للخلف و هى تتوجس خفيه تنظر ليده متوقعه ان تطبع صفعته على وجهها الان و مع ابتعادها اقترب و اقترب حتى لم يعد هناك مجال للابتعاد، لتغزو سهامه الحاده ابريقها العسلي ثوانى قبل ان يقول بصوت جمع بين قوته وضعفها: قدرك تبقي مراتى، تعيشي جنبي و معايا، تبقي جزء من حياتى، قدرك اللي وقعك في طريقى، قدرك اللي خلاكِ ملك ليا مش لحد تانى، تعيشى بأمرى و تحت طوعى، فهمتِ ليه؟

اشتعلت عينها بنظره لم يفهمها هو، نظره جمعت كرهها لها بخوفها منه،
مااذا يفعل؟
أيطمأنها أم يُقلقها!
بماذا يجب ان تشعر؟
بحنانه أم بقوته!
ماذا يجب ان تفعل؟
تستسلم له أم تتمرد و ليكن ما يكن!
كيف يتحدث هكذا؟
لم يتحدث عنها و كأنها قطعه ارض إبتاعها!، كأنها أمهٍ و هو مالكها، كأنها جاريه داخل حصونه، كأن عقد الزواج ما هو إلا صك ملكيه امتلكها به!

انتزعها مجددا من شرودها عندما لامست اصابعه الخشنه أصابعها الصغيره لتسري رجفه في جسدها قبل ان تنظر اليه بدهشه ممزوجه بالخوف يغلفه الخجل محاوله سحب يدها من يده بسرعه و لكنه تملك اناملها اكثر و هو يتناول علبه مخمليه بجواره بيده الاخري ليضعها على فخذه لتنظر هي اليها بدهشه قبل ان تعود ببصرها اليه عندما تمتم بلامبالاه: شبكتك.

تذكرت يوم تعللت بالمرض لترفض الذهاب معهم لاختيار ذهبها، و عجبا هى رفضت الذهاب لمجرد فكره وجوده معهم و ها هو الان يجلس ليلبسها اياها محتضنا كفها الصغير في كفه العريض.
حاولت سحب يدها مره اخرى هامسه بارتباك و هى حتى لا ترغب في حلقه تحمل اسمه حول بنصرها و رغم خوفها من غضبه عنادت: مش عاوزاها.

ضغط على يدها ساحبا اياها بقوه فتأوهت ناظره اليه بضعف عندما هتف بها: شكلك ناسيه انك بقيتِ حرم النقيب عاصم الحصرى، اثبتِ علشان البسها ليكِ.

تسمرت دون حراك و يدها تأن وجعا من قبضته الذى لم يدرك حتى انها قاسيه فهو غاضب منها و بشده تلك التى ترفض حتى مجرد حملها لاسمه، حاوطت حلقته اصبعها و بمجرد ان فعل دفع يدها بضيق ثم دفع العلبه المخمليه بجوارها بعدم اكتراث قائلا بنبره ادركت منها مدى غضبه: عاوزه تلبسى الباقى انتِ حره، مش عاوزه عنك ما لبستيها.

ثم نظر اليها بنظره جعلت قلبها يسقط ارضا و عادت بجسدها للخلف خوفا عندما صاح بصوت محذر: اما الدبله اشوفك مره مش لبساها او تقلعيها لاي سبب كان مش هتسلمي مني، مفهوم!
رمشت عده مرات بوجل ثم اومأت برأسها مسرعه قبل ان تركض من الغرفه تاركه اياه يبتسم حسره و سخريه.

دلفت لغرفتها و دفعت الباب خلفها بعنف لتتنفس الصعداء و دموعها تهرب من مقلتيها شارحه عن مدى معاناه روحها قبل ان تنظر لحلقته الذهبيه التى تحتضن اصبعها لتنزعها ناظره لاسمه المحفور عليها و بكل ما تملك له من كره دفعت بالحلقه ارضا في غضب دون اهتمام اين سقطت حتى لتلقى بجسدها على الفراش تبكى هامسه من بين دموعها: انا بكرهك.

كان اكرم على وشك الرحيل فتسائل عن مكان جنه فأخبره عاصم انها بالاعلى فاتجه اليها و هو يحاول الاتصال بها و دون ان ينتبه اصطدم بتلك التى تحمل الكثير من الاغراض بيدها مما حجب عنها رؤيته، سقطت الاغراض و سقط هاتفه و كانت تلك المقابله الاولى له مع ابنة عمته المتمرده و التى لا تعرفه و لا يعرفها.

نظرات غاضبه منها قابلها هو باعتذار، تأفأفت و هى لا تعرف من هذا حتى ليتجول بمنزلهم هكذا، هى في اقصى اوقاتها غضبا و لا حاجه لها في المزيد، انحنى يلملم الاغراض معها و لكنها سبقته لترتكز على ركبتيها هاتفه به ليبتعد: سيبهم انا هشيلهم، انت مين؟
نظر لهاتفه و قبل ان يجيبها انحنى ليلتقطه و هو على وشك توضيح سبب وجوده هنا: انا ك..

قاطعته و هى ترفع عينها اليه بغضب و ارتفع صوتها بوجهه قليلا معتقده انه سيساعدها في جمع الاغراض: انت مبتفهمش قولنا انا هشيلهم.
ضم قبضته في غضب و هم بالصراخ عليها و لكنها نهضت حامله اغراضها و تحركت من امامه دون ان تمنحه الفرصه و دون ان تنتبه ايضا انها حملت هاتفه معها.
اتسعت عينه متعجبا منها و هى يتابعها حتى هبطت الدرج متمتما بذهول: ايه بنت المجانين دي؟

فتحت جنه باب غرفتها عندما استمعت لصراخ سلمى و جدت اكرم واقفا و الدهشه تحتل ملامحه و يبدو انه يُحدث نفسه فابتسمت مناديه عليه فاتجه اليها.
اعتذار منه على سرعه الامر، عتاب منها على عدم استماعه اليها، توضيح لخوفه و رغبته في الاطمئنان عليها، و كم ارادت ان تخبره بأنه لابد ان يقلق عليها الان فلا اطمئنان في حياتها بعد اليوم.

و لكنها اخفت فمنذ متى اعتادت هى الشكوى!، منذ متى هناك من يحميها، ينصحها او حتى يسمعها!، اجل كانت زهره معها و لكنها دائما ما كانت تُبعدها عن غضب كوثر و هى تتطالبها بالخضوع، فماذا تقول و على من تعتمد الان؟
و هل هناك اسوء من ان تجلس مع نفسك فلا تجدها!
هل هناك اشقى من صراخ القلب وجعا مع صمت الشفاه عجزا!
هل هناك اقسى من السير بطريق تدرك ان نهايته نهايه لقلبها!

لمن تقول و كيف تقول هى تكرهه و لكنها اليوم اصبحت زوجته فأى وجعا هذا؟
كم ترغب بحضن يطمئنها و لكنها حتى هذا لا تجده رغم وجود الجميع حولها.
اعتقدت ان عوده اخيها أمان سينير حياتها و لكنها كانت مخطئه.

كلام و كلام و كلام هى لا تسمع منه شئ، تنظر اليه و لكنها لا تراه، يُمسك بيدها و لكنها لا تشعر به و لكن عندما تحدث عن زواجها حقيقه من عاصم انتبهت كل حواسها له و لكنه لمره واحده منحها جزءا من حريه نفسها عندما صرح عن قرار عاصم بأنها ستكون زوجته على الاوراق فقط إلى اجلا غير مسمى.
تبع ذلك توديع قصير ثم تأهب لرحيله و لكنه توقف قائلا: صحيح في واحده بنت مجانين اخدت مني تليفونى.

و رغما عنها ابتسمت ناظره اليه متسائله بتعجب: ازاى يعنى؟
وضح ما صار، بغضب، تعجب و استنكار فضحكت بملأ صوتها دافنه كل حزنها جانبا هاتفه و هى تتوقع الفاعله: دى اكيد سلمى، خلاص انا هتصرف و اجيب لك التليفون.
فاقترب مقبلا جبينها فابتسمت تطالعه بحزن و هى تود ان تهرب من هنا معه و لكنها تعرف ان هذا حدود المستحيل التى لن تستطيع تجاوزها ابدا.
كلمات قليله، حضن دافئ، نظرات مطمئنه، ثم قبله هادئه على جبينها و رحيل.

لتنظر هى للباب المغلق قبل ان تحتضن وسادتها مستلقيه على فراشها تحاوطها مخاوفها و ترعبها فكره ان يأتى صباح جديد هو – عاصم – معها فيه.

الحقيقه ستحررك و لكنها ستغضبك اولاً..
غلوريا ستينم
تستعد لتناول الطعام معهم اليوم ليس كمربيه الصغيره و لكن كزوجه ابن هذه العائله، عرفت انه ليس بالمنزل و انه لن يتناول الغذاء معهم و هذا منحها بعضا من الراحه.
هبطت للاسفل، ابتسامات و ترحاب، نبرات دافئه، و مزاح متواصل، اندماج، و فرحه و لكنها تلاشت فور ان سألتها ليلى و هى تنظر ليدها بدهشه: ايه ده يا جنه هو عاصم ملبسكيش الدبله!

نظرت ليدها بهدوء و هى تتذكر انها لم تُكلف نفسها عناء البحث عن حلقتها الذهبيه و لكن قبل ان تُجيبها وجدت ام على تدلف لغرفه الطعام و بيدها طبق نظيف و وضعته امام المقعد الخاص بعاصم على رأس الطاوله و قبل ان تتوقع ما يحدث و جدت ليلى تقول باقرار: عاصم مش هيتغدى معانا يا ام على.
اطمئن قلبها و لكنه عاد ينبض بعنف عندما اجابتها ام على ببساطه: الكابتن وصل و بيركن العربيه يا دكتوره.

تجمدت جنه مكانها ثم اتسعت عينها بذعر و هى تنظر ليدها الفارغه من محبسها فشهقت ناهضه لتركض للاعلى متذكره تحذيره لها بالامس، و بمجرد ان خرجت من الغرفه و جدته يدلف من الباب الرئيسى واقفا امامها اخفت يدها اليسرى بيدها اليمنى ثم وضعتها خلف ظهرها بتوتر بالغ.
شعر هو بارتباكها و لكنه تجاهله مقتربا منها ناظرا اليها بتفحص قليلا قبل ان يتحدث بنبرته القويه التى تزلزل كيانها كله: طالعه تجرى ليه كده!

ازدردت ريقها ببطء و هى تحاول الهدوء و لكنها للاسف لم تستطع فتمتمت بتقطع: هجيب حاجه، حاجه من فوق.

و قبل ان ينطق بكلمه اخرى ركضت من امامه مسرعه لتصعد الدرجات مهروله دالفه لغرفتها مغلقه الباب خلفها تلهث بقوه، تبحث هنا و هناك، تركض اعلى الفراش تبعثر الوسائد عله بينهما، تقف لتلتقط انفاسها تسب اياه لمجيئه الان لاعنه حظها السئ الذى يوقعها دائما بين يديه، اكملت عمليه البحث عنه حتى انتهى الامر بها اسفل الفراش امسكته تنظر اليه بضيق ثم تحركت لتخرج دون انتباه اصطدمت رأسها بحافته فصرخت متألمه ثم اعتدلت تمسد رأسها ناظره لحلقته الذهبيه متمتمه بغيظ و هى ترفعه امام عينها: حسبى الله فيك و فيه.

ثم مرغمه زينت به بنصرها مجددا و هى تزفر بضيق من ان يلازمها شيئا يحمل اسمه فتشعر به معها دائما و همست و هى تشعر بصدق الكلمات حقا: صدق اللى قال عليك اصغر كلبش.

وبخطوات سريعه اندفعت للاسفل حتى تطمئن ان ليلى لم تخبره عن عدم وجود المحبس بيدها و على اخر درجات السلم وقفت و هى ترى رجلين و امرأه يدلفان للمنزل، احداهما طويل ببنيه ضخمه، شعر يتخلله الشيب، شارب غليظ و عينان حاده، يرتكز بيده على عصا عاجيه يضرب بها الارض مع كل خطوه يخطوها، و الاخر اقصر قليلا بجسد سمين، غطى اللون الابيض خصلاته تماما، عيناه غاضبه و انفاسه متسارعه، وللعجب يحمل القليل من ملامح والدها، و بيده عصاه العاجيه التى اشار بها لأم على آمرا اياها باخبار الجميع بحضورهم.

اقتربت المرأه منها تنظر اليها من اعلى لاسفل، سيده بجسد متناسق، ليست بطويله و لا قصيره، عيناها بها نظره متلاعبه، يحمل وجهها مكر غريب، توقفت امامها فابتسمت جنه بارتباك مرحبه بهم فدققت المرأه النظر اليها قبل ان تسأل بغلظه: انتِ مين؟
ازداد ارتباك جنه و لكنها حافظت على ابتسامتها و هى تجيبها: انا جنه م...
و قبل ان تردف وجدت كلا الرجلين يقترب منها مع مقاطعه المرأه لها صارخه بغضب: انتِ بنت ماجد؟

عقدت جنه ما بين حاجبيها متسائله بدهشه: حضرتك تعرفى بابا؟
و كانت الاجابه صفعه، صفعه جعلتها ترتد للخلف على اثرها، صفعه جعلتها تصرخ بألم وصدمه.
و قبل ان تعتدل شق صوت عاصم الصارم سكون المكان و هو يتقدم بغضب باتجاههم: عمتى.
استدارت نجلاء بحده لعاصم الذى احتدت عيناه بغضب اسود و هو يرى علامات اصابعها على وجه جنته التى انهمرت دموعها لا يدرى خوفا، وجعا أم عجزاً!

و مع نظرته، غضبه و تقدمه ليقف حائل بينها و بين جنه تراجعت خطوه للخلف، نجلاء الحصرى، الابنة الاصغر و الوحيده لأمين الحصرى، امرأه تعشق رؤيه الاخرين يتألمون، تستمتع بتدمير حياه من حولها بسبب أو بدون، عندما يبكى المقربين منها تضحك هى و عندما يضحكون يكتوى قلبها بكاءً، لا تعرف معنى الرضا و لا تحب أحد بحياتها بقدر ما تحب نفسها و الاموال، اولاد، اشقاء، اب او ام لا يفرق معها احد.

تسير بمبدأ واحد و هو نفسى ثم نفسى ثم نفسى و من بعدى الطوفان.
لم تأبه بخطبه ولدها مدركه ان عائلتها العزيزه ستقف بجواره ليُتمم ما يريد و قد كان بالفعل، ابنتها الكبرى بالخارج منذ سبع سنوات و لم تكلف نفسها بعناء اتصال لتطمئن عليها، مطلقه و كم تسعد بذلك.
اتسعت عينها بغضب مصطنع و عاصم يحاوطها بنيران حصونه السوداء هامسا من بين اسنانه: انتِ ازاى تمدى ايدك عليها!

ضرب امين جده لابيه بعصاه الارض و هو يقترب من حفيده هاتفا بغضب: بتدافع عنها ليه يا عاصم؟
استدار عاصم لجده ضاما قبضته بعنف فهو لا يصح ان يرفع صوته امام كبير العائله و لكنه لم يستطع التحكم بانفعاله و خاصه مع انفاس جنه المتسارعه و شهقاتها المكتومه: اللى هيقرب منها و الله ما هيسلم من ايدى.
ثم نظر لنجلاء يحرقها بنظراته صائحا: سامعه يا عمتى!

هنا ضرب امين بعصاه بقوه اكبر و هو يصرخ به رافعا عصاه امام وجه عاصم: عاصم، هى عيشه البندر نستك الاصول و لا اييه!
ثم اشار بعصاه على جنه و عيناه تحاوطها بغضب قاسى جمد اطرافها فزعا و هو يهدر بها: دى حرمه عار على العيله كلياتها و ميصُحش تكون اهنه، كيف بتكلم عمتك إكده علشانها عاد؟

امسك عاصم بطرف عصاه ليُبعدها عن جنه بقدر ما يحمل في نفسه من هدوء و الذى لم يفلح به و هو يهتف متحديا جده بنظراته: دى لا اسمها حرمه و لا هى عار، دى مراتى، حرم النقيب عاصم الحصرى، يا جدى.
ثم اضاف و هو يترك العصا التى علقت في هواء مع انعقاد حاجبيى جده بغضب لا يقل عن غضبه شيئا: و انا في قاموسى لا عاش و لا كان اللى يمد ايده على مراتى.

اخفض امين عصاه بعنف و قبل ان يُعنفه تقدم عبد الحميد بهمجيه معروف بها و هو يرفع عصاه ليدفع بها كتف عاصم بغضب صارخا: مرتك كيف يعنى،
ثم وضع العصا على جانب كتفه محركا اياه قليلا ليبتعد عن جنه و هو يردف: بعِد إكده انا هجتلها بيدى.

لم تكن دفعه العصا هينه و لكن تمسك جنه بقميصه من الخلف و شهقه مفزوعه تفارق شفتيها و هى تقترب بجسدها منه تحتمى به حتى اختفت عن اعين الحضور خلف ظهره، جعلته يتحمل وجع دفع جده بل و يتحمل اضعافه فأمسك بالعصا موقفا حركه جده و هو يناظره بقسوه يراها الجميع في عاصم لاول مره بهذا الشكل و ربما لانه لم يتعرض لموقف مشابه من قبل: تقريبا مأخدتش بالك من اللى انا قولته بس مش مشكله هعيده تانى،.

ضغط احرف كلماته و اعين الجميع تتعلق به: جنه مراتى، و اللى هيفكر يقرب منها اقسم برب الكعبه لكون مفرغ مسدسى في راسه و لا هيهمنى أهل و لا غيره.
ارتجفت يدها و هى تشدد من قبضتها على قميصه بينما استدار عاصم ناظرا لجده امين عندما تمتم و قد بدأ يزن الامور كعادته: ازاى حوصل الكلام ده! و كيف ولدى عز وافج!

استغلت نجلاء عدم انتباه عاصم لها و اقتربت من جنه جاذبه اياها من خلفه قابضه على حجابها و خصلاتها بعنف جعل جنه تُفلت عاصم لتُمسك بيدى نجلاء تُبعدها عنها صارخه بألم لفت انتباه الجميع اليها، رفع عاصم يده قابضا على معصم نجلاء ضاغطا بكل ما يملك من قوه عليه لتنحنى تاركه جنه لتصرخ هى بألم و عاصم يميل عليها ليهتف: انا على وشك شعره انى انسى انك عمتى، لو فكرتِ تعمليها تانى...

و دون ان ينهى كلمته دفع يدها عنه بحده لترتد هى للخلف بذهول من تجرأه هذا امام والدها، اقتربت ليلى مسرعه منه – و التى كانت في الحديقه الخلفيه للمنزل بعد تناولها للطعام – واضعه يدها على كتفه هاتفه بقلق و هى تستشعر توتر الجو من حولها: اهدى يا عاصم.

عنفه امين بغضب على تطاوله فاستكان عاصم ضاما قبضته بعنف و جنه تتشبث به مجددا و انفاسها تحرق عنقه حرقا، هو قوى، لا يخشى احد، لا يهمه احد و لكن ان تكون عائلته هى الخصم فذلك قاسٍ عليه حقا.
نظرت نجلاء بحده لليلى لتصرخ بها بغيظ و هى تتذكر الماضى الذى يُعاد كما حدث من قبل تماما: جوزتِ بنت اخوكِ لابنك يا ليلى، عارضتِ اوامر كبير العيله و رجعت بنت اخوكِ للعيله.

نظرت نجلاء لجنه و تمتمت بسخريه و هو تضع البنزين بجوار النار لتزداد اشتعالا: قالت ليكِ ايه عمتك علشان تقنعك يا بنت ماجد!
حملقت بها جنه مردده بصدمه: عمتى!
لحظات و شعر بها عاصم تبتعد عنه، انفاسها تتسارع لتردد مجددا بتيه و تعجب: عمتى!

لم ينتبه احد لصدمتها سوى ليلى و عاصم و لكن نجلاء لم تكتفى و اضافت: برافو عليكِ يا ليلى، لعبتيها صح و اللى حصل زمان بيتكرر بتفاصيله.
نجلااااء اسكتِ خالص، مش عاوز اسمع صوتك.
هتف بها عز و هو يدلف من باب المنزل بعدما اتصلت به سلمى التى كانت تتابع ما يحدث من الاعلى بتوجس.
لتستدير له نجلاء متمتمه بسخريه: ليه بقى، هو انا بقول حاجه غلط!

و احتد النقاش بينهم، امين يعنف عز و عبد الحميد يكاد يقتل ليلى، نقلت جنه بصرها بينهم و هى تكاد تفقد عقلها، عائله طالما كرهتهم، نفرت من فكره وجودها معهم، ظلموا والدها و ظلموا والدتها مثلما اخبرها ابيها، عائله ألقت بأولادها دون اكتراث بكيف ستكون حياتهم، عائله لا تعرف معنى احتواء الابن و لا كيفيه معامله الابنه.
و الان تدرك انها منذ اشهر تسكن معهم، بينهم بل و اصبحت زوجه لابنهم!

هربت من الماضى و رغبت بحياه جديده لتجد نفسها مازالت في عمقه و على ما يبدو لن تستطيع الخروج.
تشتت غريب اصابها، كل ما يحدث حولها مُدبر باحكام، مر ما حدث في الاشهر السابقه امام عينها كشريط فيلم، صدمه هاله يوم رأت صوره اهلها، فكره عملها هنا، اهتمام ليلى الغير مبرر، تعامل الفتيات معها بود، هى كانت بيدق في لعبه وضعوها هم.

وضعت يدها على رأسها التي تكاد تنفجر من التفكير و لكن عيني الصقر المسلطه عليها جعلتها ترفع رأسها و تنظر اليه ليتوه عقلها في افكاره مجددا، صحيح فكيف سيرضى الابن الغنى المتعجرف الزواج بخادمه تعمل لديهم!
بينما لم يكن يعنيه ما يصير فقط ينتظر رد فعلها و الذى حاول توقعه و لم يستطع، ملامحها المتردده، عينها الشارده، صدمتها و الاضطراب الواضح من حركه يدها المرتبكه.
فقط لو يعرف ماذا ستفعل!

ماذا ستفعل بعدما وجدت نفسها داخل خطه محكمه و رغم انها البطله الا انها لم تتحرك برغبتها بل كانت كعرائس المسرح يحركونها هم كما يشاؤون!
تلاقت عيناه الحاده و المتسائله بعيناها الضائعه، كانت تبحث عن اجاباتها في حصونه و لكنها لا تعرف السؤال حتى، تبحث عن ردود مقنعه و لكن لشئ يستحيل فيه الاقناع، تبحث عن حقيقه واحده و لكنها تبحث بين الكثير من الاكاذيب.

احتد النقاش بين عبد الحميد و ليلى التى كانت تتوسله ليحاول استيعاب الموقف و لكنه صرخ بها بعنف دافعا اياها عنه: و الله ما يرجعنى عن كلمتى حد واصل، هجتلها يعنى هجتلها.
و انهى حديثه و هو يُخرج سلاحه من جيب جلبابه موجها اياه لوجه جنه التى شهقت بفزع و هى ترتد للخلف لتصطدم قدمها بالدرج حتى كادت تسقط، بينما اتسعت عين ليلى و هى تصرخ به هلعا بعدما رأت عاصم يندفع بجسده ليغطى جسد جنه، لتنطلق الرصاصه.

ارتجفت عين عاصم و هو لا يشعر بأى ألم مما دفعه ليستدير بتوجس للخلف لينظر لجنه التى تجمدت مكانها مع اتساع عينها بثبات لتسير عينه على جسدها يتيقن عدم اصابتها هادرا بها و هو يحاوط كتفيها: انتِ، انتِ كويسه!
مرر يده على جسدها ليزداد يقينا من عدم اصابتها مع ثباتها هذا فنظرت اليه بآليه ثم بدأت رؤيتها تتلاشي وعينها تزوغ و لم تشعر بشئ سوي يديه الملتفه على خصرها تمنع وقوعها.

حركه سريعه، انتفاضه قلب، خوف و ترقب، تفحصها ليلى فلم تجد شيئا، وضعها على الاريكه يحاول افاقتها.
ثم رفع نظره ليجد امين يُمسك بيد عبد الحميد رافعا اياها لاعلى لتنطلق الرصاصه بعيدا لتصيب جوانب احد الجدران ليتحدث امين موضحا: الحرمه دى شايله اسم حفيدى الكبير، يعنى واحده منينا، من عائله الحصرى، و اى دم دلوجت هيبجى تار كبير بيناتنا و باب مهينسدش واصل.

نظر عبد الحميد اليه قليلا ثم عاد ببصره لعاصم هاتفا بأمر لابد منه: يبقى يطلجها و لو فضلت إهنه يوم واحد بعدها انا هخلص عليها و اغسل عار ابوها بيدى.
شهقت ليلى باكيه و هى تصرح عن معرفتها بوفاه شقيقها بانهيار تام و قلبها ينتفض قلقا على ما صار لجنه و ما سيحدث بعد ذلك: ازاى يا بابا بتتكلم بالبساطه دى عنه؟، ازاى مش فارق معاك بنته و عيلته؟، ماجد مات يا بابا، ماجد مات و ساب ولاده امانه ازاى منقفش جنبهم!

اقترب خطوات منها صارخا بغضب اعمى: ماجد كسر كلمتى و خرج عن طوعى، جلل منى و عارضنى علشان حرمه جليله الربايه، اتنازل عن حقه، ورثه، ماله، اهله و بيته و خرج من إهنه و معملش حساب لحد فينا واصل، يبجى عار عليا و على عيلته و ناسه و اهله كُمان مهمش منينا.

ليلي و قد بدي انها فقدت اعصابها و ما تملكه من اتزان و هى تصرخ: اللي انت بتتكلم عليها دي كانت مراته و انت وافقت عليها، جوزتها له، فرحت بابنهم، و بعد اللى حصل تقوله طلقها و مستنى منه يقول حاضر! طيب ازاى يا حاج؟، مكنش يبقى راجل و لا من عيله الالفي ان عمل كده، غلط في ايه هو! غلط لما حافظ على عيلته؟ غلط لما رفض يتخلى عن مراته لاسباب مش مقنعه؟ غلط لما وثق في اهل بيته!

تخطت حدودها و اذهل ذلك الجميع و لكنها فقدت عقلها على ما يبدو من سوء ما يمر بهم و لم تدرك ذلك إلا عندما رفع يده ممسكا ذراعها بقسوه تألمت لها و هو يهدر بها: باااه، اجفلي خشمك عاد، كيف ترفعى حسك بوشى، حرمه جليله الربايه.
ترنحت ليلى ليسندها عاصم و عيناه تنبض بالجحيم و قبل ان يصرخ بادر عز باقترابه منهم هاتفا منهيا الامر بأقل خسائر ممكنه: اهدى يا حاج عبده و ياريت نتفاهم بهدوء.

استندت نجلاء على الدرج مستمتعه لأقصى حد بما يصير مريضه هى بالساديه و كم تعشق الاستمتاع بأوجاعهم، كادت تضحك بملأ صوتها و لكنها تصنعت الحزن هاتفه بضيق و هى تربت بيدها على كتف والدها تُزيد النار نارا: عيب اللى بيحصل ده و الله، عيب.

و هنا لم يتحمل عاصم صمتا اكثر من هذا، ضاربا كل العادات و التقاليد التى لا يؤمن بها عرض الحائط هادرا بالجميع و قد اشتعل عرقه الاسود: عيب! و مش عيب لما تيجوا بيتنا و تتهجموا على مراتي؟ مش عيب لما تغلطوا في امي قدام ابويا و قدامى؟ مش عيب اما يترفع مسدس في وش ناس ملهاش ذنب في شويه مشاكل تافهه؟

رفع سبابته امام عين جده مردفا و عيناه تكاد تنفجر احمرارا و غضبا: اما بقي بحكم انى راجل عسكري و ليا في القانون انا ممكن اسجنكوا دلوقت بحكم التهجم على البيت، التطاول على اهلى و الشروع في قتل مراتى...
و امام ذهول الجميع انهى كلماته بقسوه غير آبه بما يترتب على ذلك: و لو عاوز اعملها هعملها و عليا و على اعدائى.
اقترب منه عز مانعا اياه بحده: عاااااصم.

ارجفت عينه غضبا و عبد الحميد يهتف بصدمه: هتسجن جدك يا عاصم؟ علشان حر..
ليقاطعه عاصم متمتما بثقه: علشان امى و مراتى انا ممكن اسجن نفسى، و صدقنى مش هتردد لحظه انى اعملها.
ضغط عز كتفه فنظر اليه عاصم كاتما غيظه بينما تولى عز حديثه معهم حتى استجاب والده متفهما و رحل من المنزل على وعد بالعوده مجددا فالامر لن يمر ببساطه هكذا.

جلس عاصم على الاريكه بجوار جنه فجلست والدته على مقعد مقابل معاتبه اياه: مكنش ينفع تنفعل كده يا عاصم.
نظر اليها بحده هاتفا بسخط: يعنى انتِ عاوزانى انا اتحكم في انفعالى في حين انك انتِ يا امى معرفتيش!

أه عاجزه خرجت منها و هى تتذكر ما مر بالماضى و كيف طُرد اخيها من هذا المنزل فتنهدت بقوه و هى ترمق جنه بشفقه قبل ان تُعيد نظرها لعاصم لتهتف بارتياح: الحمد لله انها جت على قد كده، و كويس ان محدش اتكلم في تفاصيل جوازك و إلا كانت هتبقى مصيبه لو عرفوا انك اتجوزتها علشان تحميها و ان الموضوع كله اتفاق.

شهقه متألمه صدرت عن جنه التى لم ينتبه احد انها افاقت منذ قليل ليصلها حوارهم كاملا في نفس الوقت الذى دلفت فيه حنين بعد عودتها من كليتها و هبطت سلمى اليهم مسرعه.
نهضت ليلى بترقب و خوف متمتمه: جنه انتِ...
قاطعتها جنه و دموعها تتابع على وجنتها هامسه بصوت مذبوح: كذب.
نهضت عن الاريكه و هى تمر بعينها عليهم واحدا تلو الاخر مردده: كله كذب.

نهض عاصم واقفا مبتعدا عنها قليلا و هو يمسح جانب فمه بغضب مدرك ان وقت المواجهه قد حان، بينما اقتربت ليلي منها و مدت يدها تحاول لمس كتفها و لكن جنه عادت للخلف مبتعده عن مرمي يدها رافعه رأسها بضعف تُردف و نبرتها حملت من عدم التصديق ما زاد الخوف بقلب ليلى: كذب، كل حاجه كانت كذب، كل اللي طنط هاله قالته، كل اللي حكتوه ليا، وجودى هنا و سببه، سبب حبكوا ليا، اهتمامكوا بيا، جوازي، كل حاجه، كل حاجه كذب.

ثم رفعت اصبعها مشيره على الجميع و هى تضيق عينها تتعجب متألمه: مفيش حد فيكوا كان صادق معايا.

اغلق عينه لحظه، يكره الدراميه، يبغض المماطله، و ينفر من العتاب و هى تفعل الثلاثه بل و زاد فوقهم الاتهام، زفر بضيق مقتربا منها في اعتقاد منه انه سينهى الامر و اشاح بيده هاتفا بلامبالاه ادعاها، هى مصدومه، حزينه و تتألم و لكنه لن يسمح لها برد فعل و خاصه انه لا يستطيع توقعها: محدش كذب عليكِ، انتِ مسألتيش و احنا مقولناش و دى كل الحكايه، متديش للموضوع اكبر من حجمه.

و هنا خالفت توقعه، فمن يحاول فقط تخيل ما يحمله قلبها من وجع هو من سيتوقع رد فعلها و لكن من اين لها بهذا و من امامها ما هو إلا انسان بقلب بارد و فكر اعمى، رفعت عينها اليه باستنكار متمتمه: بالبساطه دى!

حملق بها يحاول سبر اغوار عقلها و لكن ما غلف عينها من كراهيه له و تعجب من حديثه فجر براكين كُبتت في صدرها لتنطلق عليهم حارقه صادمه و هى تصرخ بشبه انفعال: انت عارف انا عايشه هنا بقالي قد ايه و معرفش حاجه، عارف كل مره كان نفسى احكى لحد عن حاجه واجعانى او مضايقانى كنت بفكر ازاى!، ما فكرتش مره انا ممكن اكون حاسه بإيه!، نفسى في ايه!،.

ابعدت نظرها عنه لتحدق بالارض قليلا قبل ان تهمس بصدمه و دموعها تهرب معبره و لو قليلا عن وجع اضنى روحها و ارهقها: انا كنت مجرد مربيه،.

رفعت عينها اليه بخزى و مهانه و هى تشعر بنفسها ذليله و ان لم يكن جديد عليها: عارف يعنى ايه؟ عارف يعنى ايه مكنتش قادره استوعب كميه الحب دى لانى شايفه انى مستهلهاش لانى مجرد مربيه!، يبقى نفسى اخرج، اسهر، اقعد و اتكلم معاكوا بس بقفل على نفسى و اقول انتِ هنا مجرد مربيه!، عايشه بخوف انى يجى يوم و تطردونى او تزهقوا منى و ابعد عن البيت اللى لقيت فيه جزء من حياتى،.

اشارت اليه بسبابتها المرتجفه متذكره مواقفه الغليظه معها و همست بانكسار مزق قلبه: عارف كام مره كان نفسى اشتكى لمامتك منك بالذات، من قسوتك و غرورك و كسرك ليا كل مره و التانيه بس بخاف تطردنى ما انت ابنها و انا هنا مجرد مربيه!
حملت عينها من تساؤلها بقدر ما حملت من اقرار و هى تنهى كلامها: الموضوع بسيط صح؟

رفعت عينها لليلى قليلا ثم اضافت بهدوء و هى تطأطأ رأسها: و دلوقت طبعا و بعد كل اللى عملتوه علشانى انا مينفعش اتكلم، لمتونى من الشارع، قدمتوا ليا بيت، صرفتوا عليا، اكل و معامله كويسه، ازاى اتكلم بقى انا المفروض افضل اشكركوا لاخر عمرى!

ربت عز على كتف ليلى لتتمالك اعصابها فالصغيره تحتاجها فاقتربت من جنه ترفع رأسها اليها تعتذر بنظراتها قبل ان تفعل بكلمات مفعمه بحنانها: سامحينى يا جنه، انا خوفت ترفضى تبقى وسطنا، خوفت اخسرك و اخسر الحاجه الوحيده اللي باقيه من اخويا الوحيد.
انتفض جسد جنه و هى تبكى روحها التى شعرت بها رخيصه و ابتسمت بانكسار متسائله: علشان كده حبتينى! علشان بفكرك ببابا! علشان انا بنت اخوكِ الوحيد!

نفت ليلى برأسها مسرعه و لكن ابتسامه جنه اخبرتها انها لن تُصدقها و معها كل الحق، فاين الحقيقه من كل هذا الخداع و من ستخدع هى بالفعل احبتها لانها ابنه اخيها، و لكن الامر تغير، تعاملت معها، رأت ضحكتها، براءتها، هدوءها و طفولتها لذلك احبتها كبناتها و اكثر.

اقتربت سلمى من جنه هاتفه بها و هى تتمسك بتمردها المعتااد: يعنى ايه حبناكِ علشان ده بس! لا طبعا، و على فكره بقى احنا مكناش نعرف إلا يوم ما اخوكِ جالك هنا يعنى احنا حبناكِ لانك جنه، جنه و بس.
ابتسمت بتهكم و هى لا تصدق ما يُقال فمن اين لها بتصديق، ابتعدت عنها خطوه للخلف هاتفه: انا همشى من هنا.

و قبل ان تستدير وجدت يده تقبض على معصمها لتردعها صائحا بعنف بجوار اذنها غير آبه بشعورها فإن كلفه الامر بُعدها سيحاربها و يحارب نفسه و مهما فعلت لن تبتعد، لن يسمح لها: واضح انك نسيتِ انك مراتى، اعقلى الكلام قبل ما تنطقيه لان مفيش خروج من البيت ده.
حاولت جذب يدها من يده و ان كانت ستبقى فهو اكثر الاسباب مانعا لها و ابدا لن تظل هنا بعد كم ما صفعتها به هذا الاكاذيب: انت ملكش ح...

ضغط معصمها بقوه للتأوه متألمه و هو يردد بقسوه ليعاودها شعور الخوف يُغلف عينها، روحها و قلبها: قولت ليكِ اعقلى الكلام قبل ما تنطقيه، علشان واضح انك هتغلطى و هتزعلى منى.
و أمل جديد انار روحها للخلاص من هذا كله فاستدارت بلهفه تصرخ به ليتركها: أكرم مش هيسمح بده، انا ه...

صمت منها، تفكير سريع، ربط الاحداث ثم استنتاج قصم ظهرها، اجتماع العائله يوم رأته، اجبارها على الزواج، سرعه الزواج، حديثه معها عن خوفه عليها، رغبته في الاطمئنان عليها، اطمئنانه لوجودها هنا، شعور قاسى، كسر جديد و دمعه هاربه و هى تسأل عاصم و عيناه ترجوه النفى: اكرم، اكرم عارف؟
و مع ارتجافه شفتيها تركت اصابعه يدها و غضبه يختفى تماما، وجعها مزق قلبه، ألمها افقده اتزانه، و دموعها زلزلت كيانه.

هو لا يريد سيطره او سطوه، هو ليس بمالك و هى ليست بجاريه، هو فقط و فقط يحبها.
من يتألم لالمها يحبها، من تضنيه دموعها يحبها، من مس انكسارها رجولته يحبها.
هو فقط يحبها...
مع صمته نقلت هى بصرها لليلى التى اشاحت بعينها عنها، بينما تقدم عز ليقف امامها لتتطالعها عيناها بأمل ان ينفى و لكنه حطمه متمتما بهدوء: ايوه يا جنه عارف.

تمالك عاصم نفسه و وضع يديه يحاوط كتفيها فانتقلت عيناها اليه بآليه فهتف بتوضيح: اكرم حاول يقول ليكِ و انتِ رفضتِ تسمعيه، كل حاجه حصلت كانت علشانك، و علشان بس تبقى وسط اهلك و مع كل الناس اللى بيحبوكِ.
فتمتمت بكلمه واحده قبل ان تدفع يده عنها: كمربيه،
تحركت للاعلى و اعين الجميع معلقه بها بحزن، دائما ما تأتى رياح الحقيقه محمله بالوجع، و لكن ان كان معرفتها كسرٌ فبها سيكون الجبر.

سلام على الحب يوم يجئ، و يوم يموت و يوم يغير اصحابه.
محمود درويش
كعادته يدفن نفسه بين طيات اوراق صفقات و معاملات، رؤيه تصاميم جديده، مراجعه بعض الملفات، التجول في المواقع و الاشراف على بعض الاعمال.
يقضى مازن يومه ما بين عمله الذى ينتهى عندما يصرخ جسده ألما، و بين ليله الذى يجافيه النوم فيه لتشتعل نيران افكاره تحرقه حرقا.
كيف يتهشم كل ما بناه طوال السنوات الماضيه بهذه البساطه!

كيف يخسر ما يريده بحلقه ذهبيه من اخر حول بنصرها!
كيف يفشل في تحقيق حلما من احلامه و دون ان يحاول فيه حتى!
لم يعتاد الفشل، لم يعتاد الخساره و ابدا لم يعتاد وجع القلب هذا.

حركه غريبه بالخارج اثارت تحفظه و هو يستمع لصوت ضحكات مكتومه نسائيه و الاسوء رجوليه، نهض عن مكتبه، خطوات سريعه، فتح الباب، تسمر، يقابله ارتباك من هبه التى اختفت ضحكاتها فور رؤيته و تعجب من معتز الذى تفاجئ به، ضم قبضته بغضب، و هو ينقل بصره بينهم بضيق و قد اشعل الامر نار غيرته قبل ان يتمتم بدهشه: معتز! انت بتعمل ايه هنا!

ضحك معتز و هو يقترب منه مصافحا قبل ان يسأله نفس سؤاله متعجبا هو الاخر، شرح بسيط من مازن عن عمله هنا، ترحاب شديد ثم اجابه جعلت البقيه الباقيه من عقل مازن تختفى: انا جاى اعاكس مراتى شويه يا سيدى.
و مع احمرار وجنتى هبه و معتز يحاوطها بنظراته المشاغبه عبر مازن عن صدمته هاتفا باستنكار: مراتك!
هبه متزوجه يؤلمه هذا و لكن فاليكن،
لن تكون له يضنيه الامر و لكن حسنا،.

ستكون لغيره و يتعذب لذلك و لكن سعادتها فوق كل شئ،
ستصبح لرجل اخر و هذا يحرقه حرقا و لكن مجبرا سيتحمله،
لكن ان يكون ذلك الرجل هو معتز، هذا ما يعجز عن استيعابه قليلا و خاصه لفتاه مثل هبه،
كيف تكون ملتزمه مثلها لشخص لعوب مثله؟
أين كان عقلها عندما وافقت؟
بل بماذا فكر معتز عندما تقدم لخطبتها؟

يرى انها الزوجه التي يستطيع الوثوق بها بعدما انهي مغامراته العديده، ام يري انها الحسنه وسط مجموعه سيئاته، أم يري فيها التوبه بعد كل ما فعل من ذنوب؟
افاقه من افكاره صوت معتز و هو يستند بيده على كتفه هاتفا بصوت عالى نسبيا: اييييييه يا بني روحت فين!
عقد مازن ما بين حاجبيه مبتسما ثم بادر بضيق لم يستطع اخفائه: على فكره استراحه الغدا خلصت و المفروض تسيب المدام تشووف شغلها.

و بعبث معتز المعروف و جرأته المعتاده صرح بمزاح و هو يغمز هبه: طيب ما تسيبنى انت اشوف شغلى مع المدام.
اندفع مازن يبتعد عنه بينما احتدت عين هبه و هى ترمقه بعتاب على وضعها في موقف كهذا خاصه عندما صرخ مازن و لو انه غير محق في انفعاله هذا: معتز، احنا في مكان شغل الكلام ده مينفعش هنا، و لا حتى ينفع تقوله قدام حد اساسا.
طالعه معتز بسخريه مردفا بلامبالاه: خلاص يا عم متكبرش الموضوع،.

ثم عاد ببصره لهبه و اكمل بسخط: همشى انا لان واضح ان الشغل مستعجل، هكلمك بالليل.
و بمجرد خروج معتز استدار مازن لها باندفاع لم يعتاده في نفسه: هو الفرح اتحدد!
نظرت هبه اليه بحده متمتمه: افندم!
تعجُل منه و اندفاع هتف بها يمنعها: بلاش يا هبه، مش معتز الى هيحافظ عليكِ، بلاش تبقى واحده ضمن كتير، انتِ حاجه تانيه، صد..

و قبل ان يردف رفعت اصبعها بوجهه موقفه اياه تصيح بغلظه فهى ابدا لن تسمح لاحد ان يتدخل في حياتها بل و يتحدث عن زوجها بهذا الشكل: مبدأيا انا مطلبتش رأى حضرك، ثانيا زى ما حضرتك قولت احنا هنا في مكان شغل لا احنا في الجامعه و لا واقفين نتصاحب، ثالثا انا مسمحش انك تتدخل في حياتى بالشكل ده و خصوصا ان الامر لا يعينك في حاجه، واخيرا بقى ياريت حضرتك متنساش انك هنا مديرى و بس و مش مسموح لك بأى حاجه تانيه يا بشمهندس،.

هم بالتحدث و لكنها انهت الحوار تماما عندما هتفت: انا عندى شغل، بعد اذنك.
تصاعد غضبه و خاصه انها محقه في كل كلمه و لكنها لا تعرف، الحمقاء لا تعرف انها لن تكون سوى صفحه جديده في كتاب مغامرات زوجها، ورده زاهيه في بستانه الواسع، ماسه جديده سيكسرها غير آبه بقيمتها، الحمقاء لا تعرف و يا ليتها تعرف.
و بهذا هى وضعت النهايه لكل احلامه بقى ان يشاهدها فقط،.

مجرد كلمات و لكن ازالت الغشاوه عن عينه و جعلته يدرك جيدا ان التي امامه ليست حلمه الذي كان يبحث عنه و يسعي اليه و لكنها امرأه رجل اخر، مجرد كلمات و لكنها جمدت مشاعره و حجرت قلبه ليدرك جيدا ان حبه كان وهم، كان سراب و حان الوقت ليتلاشى،
مجرد كلمات و لكنها جعلته يدرك جيدا ان اخر صفحات كتاب حبه انطوت بل تمزق الكتاب بأكمله ليصبح خاويا تماما.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة