قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الثالث عشر

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الثالث عشر

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الثالث عشر

حلقه فضيه حول اصبعه هى الرابط الوحيد بينهم، لا يوجد حب، تعلق، احترام، تقدير او حتى موده.
جنته الصغيره ترفضه جمله و تفصيلا، لا تحبه مثلما يفعل، لا ترغبه مثلما يحترق هو رغبه بها، لا تهتم بقربه بقدر ما يتلهف هو لقربها، و هل هناك اقسى من ان يبحث عن الحب في اكثر القلوب كرها له.

ابتسامه جانبيه، اتصال سريع، رنين، رنين ثم اجابه بترحاب صادق من الطرف الاخر قابله عاصم بأخر مثله متمتما: كان بينا رهان يا جمال باشا.
قهقه عاليه وصلته ثم سؤال صريح منه عن النتيجه فشرد عاصم ببصره هامسا: تحب العزومه تكون فين!

ضحكات متقطعه و رنينها يدق طبول الهزيمه بقلب عاصم حتى سخر العميد منه بود حقيقى بينهم متسائلا عن صاحبه النصر الاكبر بحياه سياده النقيب عاصم الحصرى فعاد عاصم يهتف ضاحكا هو الاخر: مراتى.

تعجب ثم تأنيب و عتاب و صل حد الصراخ عليه لعدم اخباره قابله عاصم بتوضيح بسيط عن مرور الامر بسرعه نسبيه جعلته بعيدا عن التفكير في اى اعدادات دون توضيح شامل للاسباب، قابله العميد بالتهانى و التعبير الصريح عن فرحته ثم مكافأه خاصه للعريس بأجازه رسميه، ابتسم عاصم بتهكم فأى اجازه يحتاج الان و لكنه لهنا و لم يصرح فقط تقبلها بصدر رحب.

هرج و مرج و صوت عالى بالخارج جعله يُنهى اتصاله مسرعا لينهض و بمجرد ان فتح الباب و جد كوثر تجاهد لتدلف اليه بينما كبلها الامن مانعين دخولها فاستند بجذعه على الباب ناظرا اليها من اعلى لاسفل بابتسامه جانبيه و هو يعقد ذراعيه امام صدره متسائلا بهدوء متعجب رغم معرفته الاجابه: في ايه!
قبل ان يتحدث رجل الامن هتفت هى متوسله: لازم نتكلم، و الله ما هاخد من وقتك كتير.

اتسعت ابتسامته مشيرا للامن بعينه ليتركوها و لحظات و كانت امامه منتظرا حديثها و بمجرد ان تحركت شفتاها و اندفعت تتحدث اوقفها بيده في سخط متسائلا: تحبى تشربى ايه! انا بقول ليمون، بيهدى للاعصاب.
امتدت يدها لحقيبتها و اخرجت عده مستندات و هتفت و هى تضعها امامه بلهفه: الورق اهه هوقع عليه و هكتب تنازل عن حقها كله، و كل اللى انت عاوزه هعمله.

ثم اضافت بتوسل: بس كفايه، ارحمني انا كده هتسجن دا ان ماتقتلتش قبلها، انا عندي بنات و مش مستغنيه عن حياتي، اناا غلطت، الله يخليك كفايه.
اتسعت ابتسامه عاصم و عاد للخلف ليستند بظهره على الكرسي و يدور به بهدوء متحدثا ببطء يدرك تأثير كلماته جيدا: بس انا مش عاوز كل ده تقدرى تحتفظي بيه و افرحى زى ما انتِ حابه.

ثم توقف عن الدوران و نظر لعينها غامزا: تقدري تحتفظي بالشركه اللي تعبتِ فيها، بصراحه ميهنش عليا اخدها منك.
استدارت اليه بكامل جسدها مسرعه لتصرخ برجاء تلذذ هو به: انا مش عاوزه حاجه، لا فلوس و لا شركه، انا هاخد ولادى و امشى من البلد دى خالص، كفايه الله يخليك و ابعد عنى، انا هرجع لجنه كل حاجه.

استند بمرفقيه على المكتب امامه ناظرا لعينها بقمه غضبه و هو يخبرها بوضوح انها ابدا لن تستطيع اعاده ما سلبته و الذى كان معنويا اكثر منه ماديا: لو هتقدرى ترجعي عمرها و تعامليها كأم، لو هتقدري تخليها تكمل دراستها و تبقي دكتوره قد الدنيا، لو هتقدري ترجعي بالزمن و تعيشيها ملكه وسط خير ابوها، لو هتقدرى تمحى خوفها و ترددها اللى سكن عينيها، لو هتقدري تردي ليها كرامتها اللي اهنتيها لما ضربتيها قدام كل اللي في المؤتمر، لو هتقدرى ترجعي لها كل ده انا هبعد عنك.

كادت تنهض لتقبل قدمه مصرحه بعجز: لا مش هقدر، مش هقدر اعمل كل ده، بس مش هقدر اتحمل اللي انت بتعمله، انت طلبت مني ورثها و انا رفضت و دلوقت جيت ارجعه لها، عاوز منى ايه تانى!

داعب جانب فمه بخبث و هو يعدد لها ما فعله بها ساخرا: الشركه بتنتهى، خسرتِ رصيد البنك، بغباءك 55 % من اسهم الشركه طاروا من ايدك، عليكِ وصلات امانه توديكِ في ستين داهيه، و اكتشفت كمان ان البيت مرهون، و كل ده في يومين ما بالك لو استنيتِ اكتر متخيله انا ممكن اعمل فيكِ ايه؟!

نهضت مقتربه منه و كادت تُمسك يده فهو بحق انهاها، انهى كل ما شيدته، تأمينات، ضرائب، مصائب، شركات مزيفه، عقود وهميه، اجاد تدميرها كما وعد حقا: انا جايه لغايه عندك اترجاك و مستعده ابوس ايدك علشان تسامحني و انا عارفه و متأكده انك تقدر تحل كل ده في نص يوم مش يوم حتى.
مرت عينه عليها من اعلى لاسفل باشمئزاز منهيا الامر بما يراه منصفا حقا: انتِ مغلطيش فيا، لو عاوزانى ارحمك فعلا يبقى تعتذرى للى غلطتِ فيها.

عقدت ما بين حاجبيها تستوعب ما يرمى اليه حتى فعلت فأغلقت عينها لحظه ثم اخذت قرارها صارخه بحرقه و غضب: موافقه، موافقه.
بكل عنجهيه نهض ناظرا للنافذه معطيا ظهره اليها متمتما: حلو قوى، هتصل بيكِ بس امتى بقى دى وقت ما يجيلى مزاج.
ثم اشار بيده على المكتب دون ان يلتفت و تحدث آمرا: وقعى الورق و امشى.
نظرت لظهره لحظات بتوجس متمتمه بتفكير فيما ينوى عليه: بس ان...

نقر بأصابعه على الزجاج امامه هامسا بصوت اقوى من الرعد في قوته رغم هدوءه: كلمه زياده و هقولك خدى الورق و ورينى جمال خطوتك.
و بدون كلمه اخرى، فتحت الاوراق، القلم بيدها يرتجف، قلبها يرفض و عقلها يحذرها دخول في صراع مره اخرى امامه، و بالنهايه رغم الغضب، الخزى و الذل التى شعرت به، زيلت الاوراق بتوقعيها ليُرد الحق لصاحبته و ان كانت لا تعلم شيئا.

وضعت القلم فوق الاوراق بقوه نسبيه فأشاح بوجهه للجانب هاتفا: الباب مستنيكِ.
هزيمه ساحقه لها و نصر محقق لسياده النقيب، ماذا كانت تنتظر من الوقوف بوجه القرصان الاول، صاحب القلب الحجرى، لا مجال لشفقه و لا تهاون فقط يسعى للامر و ببساطه يحصل عليه.

بمجرد خروجها اتصل عاصم بمحاميه الخاص ليتحقق من سلامه الاوراق و قد كان، اخرج هاتفه، اتصال. رنين لم يكتمل ثم اجابه و دون تحدث هتف آمرا بسيطرته المعهوده: انقل الاسهم بإسم جنه ماجد عبد الحميد الالفى، حط الفلوس اللى اتفقنا عليها بحساب باسمها في البنك، و هات ورق الصفقات علشان نخلص من الموضوع ده.
ثم انهى حواره بأخر آمر له: و كوثر متغبش عن عينك لحظه و اى جديد يوصلنى.

يرى كلا منا مواقف الحياه بمنظوره الخاص.
لا شئ ثابت فقط الامر نسبى و يتدرج ما بين خطأ و صواب، يُحتمل او فاق الحد، مقبول او هو الرفض ذاته.
لا يرى احد ما يراه الاخر و نادرا ما يتقبل احدهم ما يقوله الاخر.
يُقال كثيرا اختلاف الرأى لا يُفسد للود قضيه و صدقا هو لا يُفسد القضيه و لكنه ينهى الود و يمحيه حتى لا يبقى هناك قضيه.

هناك نوعين من البشر احداهما تعلم كيف يواجه ما يقابله من صعاب، مصائب و هموم لا يرى لها حلا و لكنه ان اضطر سيخترعه، و الاخر تعلم كيف يهرب، يفر و ينسى او ربما يتناسى ما مر، يمر و سيمر به و ان كلفه الامر الركض من حال الى حال و التعثر في مطبات يجد في نفسه القدره فقط على الهروب منها.
أيهما يشعر بالراحه؟، لا احد.
أيهما يشعر بالحياه؟، لا احد.
أيهما يعيش الحياه؟، لا احد.

فلا يمكن ان تكون المواجهه هى الحل الامثل دائما و لا يصبح الهروب الخيار الافضل عاده.
فا بمزيج من هذا و ذاك تكتمل حياه.
حياه كانت ابعد ما يكون عن رأسها و رأسه فهو عاش و يعيش بغضبه و هى كانت و ستظل تهرب.
و كأنه كُتب عليهما أن يظلا خطين متوازيين لا يقتربا و لا يتحدا مهما كان و مهما صار.
طاوله الطعام، اجتماع العائله، صمت، سكون ثم زفره و سؤال خشن بنبره قويه و مسيطره كعادته: لسه مخرجتش من اوضتها برده؟

تركت ليلى ملعقه الطعام من يدها هاتفه بحزن: لا و مابتردش على حد و لا عاوزه تكلم حد.
منذ الامس مساءا و خاصه بعد معرفتها الحقيقه و حتى اليوم و ها قد حل المساء لا يراها احد، ترفض الخروج من غرفتها، التحدث، الشرب و حتى الاكل.
تطوعت شذى ناهضه لتهتف بضيق: انا هحاول اخليها تنزل تتغدى معانا.

و تحركت مسرعه للاعلى طرقت الباب لم تجد اجابه، مره اخرى لا اجابه وضعت يدها على المقبض معتقده انغلاقه كمساء الامس و لكنها وجدته مفتوحا، دلفت تنادى باسمها و لكن للاسف لا وجود لجنه بغرفتها.
صراخ من شذى، ركض الجميع، تعجب، بحث عنها، قلق، تفكير، ثم اتجه عاصم لخزانه ملابسها يفتحها متوقعا ما فعلته، و قد كان عندما وجده خاليا إلا من حلقتها الذهبيه و ورقه صغيره بها كلمه واحده اسفه .

صراخ و غضب منه، قلق، ارتباك الجميع، ماذا ان اصابها مكروه، ماذا تفعل و اين ذهبت؟
ماذا ان كانت بحاجه اليهم؟ ماذا ان كانت تحتاجه هو!
جن جنونه و هو يتخيل مكروهاً ما اصابها، ارتفع صراخه غضبا عليها و حاول والده تهدأته و لكنه كان ابعد ما يكون عن الهدوء الان، اخرج هاتفه، اتصال سريع، رنين، رنين ثم اجابه بصوت ناعس ليصرخ عاصم به: اكررم.

انتفض اكرم على صوته ثم سؤال سريع من عاصم ليصله اجابه نافيه، مستنكره ثم سرعان ما اصبحت قلقه ليستعد مسرعا ذاهبا اليهم.
انتفض قلب الجميع قلقا و عاصم حقا لو رأها الان لن يكفيه حرقها حيه، هاتفت ليلى هاله و بمراوغه استفسرت بهدوء دون اثاره قلقها هى الاخرى لتجد الاجابه بالنفى ايضا.

و هنا تذكر عاصم زهره و علاقه جنه الوطيده بها فقرر سؤالها و قد كان، ساعات تاليه و كان يقف امام منزل زهره بعد عناء الطريق و في مثل هذا الوقت من الليل.
انتفضت زهره و توجس قلبها خوفا من ان تؤذى جنه نفسها و لكنها لا تستطيع فعل شئ، و اخذ هو اجابته المنفيه و خرج كالثور الهائج من منزلها، يدور بسيارته في انحاء البلد، يفكر، يقلق و الاسوء يخاف.
تلك الحمقاء جعلته يُدرك جيدا معنى الخوف.

عاد للمنزل بعد صلاه الفجر و قد قرر ان يكون اول خطواته صباحا هو قسم الشرطه حتى و ان كان مدركا ان حمقائه الصغيره رحلت بارادتها.

كان اكرم عاجزا تماما عن تمالك اعصابه التى انهتها جنه بفعلتها حتى قطع توترهم صوت هاتف عاصم ليلتقطه مسرعا ليستمع للطرف الاخر و التى لم تكن سوا زهره التى اخبرته بما وجدته طرف خيط او ربما هو نهايته: جنه قالت لي قبل كده انها لو سابت الشغل في بيتكم هترجع على بيت اهلها، شوفها يا ابنى يمكن تكون هناك.

و كومضه امل تحرك مسرعا رغم ضوء الصباح الذى لا زال بأوله، مع اعتراض والده، قلق والدته و خاصه بعد ان اخبره اكرم عن عنوان منزلهم القديم و الذى يبعد من يقارب الاربع ساعات و لكنه لم يأبه رافضا ان يصطحب معه احد مقررا انه لن يعود الا و هى معه اى كان ما سيفعله لاجل هذا.
تمنحنا الخساره الفرصه احيانا لندرك قيمه البعض في حياتنا، يقتلنا الندم على ما فات و يدفعنا الشغف لنحسن ما هو اتٍ.

هى اختارت الهروب و هو اختار مواجهتها.
اختبأت في حضن خوفها و فتح الصمت لها ذراعيه عندما ادركت ان لا احد سيفهم شعورها.
محقه هى ربما و لكن أن تكون جاهله بمشاعره، مؤذيه له، و قاتله هذا ما لا سيتقبله ابدا.
عاصم الحصرى لا يرضى بالخساره و ان اعتقد يوما ان الحب للضعفاء فقد اخطأ فالحب لا يكون ابدا لضعيف.

حبه يستحق، هى تستحق، حياه له بها تستحق، تستحق ان يحاربها، شخصها، خوفها و هروبها ليفوز بها، ليدخل قلبها، ليُعيد وضع الامور في ناصبها الصحيح، ليعيد الامر لبدايته و يمحى ما اخلفه فيها من ندوب يدرك انها لن تُمحى بسهوله، الامر يستحق ان كان نهايه الطريق هى.

ولكن اولا عقاب، عذاب و درس صغير لما فعتله به، لما سبتته له من قلق و خوف يغضبه، لما تجرأت عليه رغم كلمته الحاسمه، لتعرف ان كلمه ابن الحصرى هى الاولى و الاخيره و لا حديث بعدها.

كم تشبه هى طفله فلسطينيه، طُردت من بيتها، حُرمت من اهلها، جُردت من طفولتها، عُملت بقسوه.
و هنا في بيت الطفوله تعود اليها روحها.
هنا جميع ذكرياتها تحيى و ستحيى هى بها.
هنا تنسى الظلم، الخوف، الوجع فقط تفرح متذكره كل لحظه كانت لها في احضان هذا المنزل.
الورد الصغير الذى ذبل و جف، ارجوحتها القديمه التى غطاها التراب و صدأ حديدها، الشجيرات التى ماتت و انحنت، الاوراق المتساقطه و الفروع المتكسره.

و رغم موت المكان من حولها تشعر هى فيه بالحياه.
هنا لا كذب، لا نفاق، لا خداع و الاهم لا حزن او خوف او حتى تفكير.
هنا تربت جنه الصغيره و هنا فقط ستعيش.
درات بعينها في المكان من حولها، اخذ المنزل منها عناء يوما كاملا لتنظيفه و لكنها للعجب لم تتعب.
كل شئ الان كما كان سابقا، ولكن هى لم تعد للاسف.

نظرت للنوافذ المفتوحه على مصراعيها لتتذكر حديث والدها عن حب والدتها لهذا، اعادت رص كتب والدها و وضعت صورهم في اماكن متفرقه، اخذت من غرفه والديها غرفه لها لتشعر بأنها معهم و هم معها.
تحركت باتجاه الارجوحه الصغيره لتنفضها قليلا قبل ان تجلس عليها رغم انها تخشى سقوطها، رفعت قدمها عن الارض تحركها و ضحكتها تزين وجهها برضا.

دائما ما كان يخبرها والدها ان كل يوم بالحياه يحمل لها درسا جديدا، تجربه افضل و ربما وجع اكبر.
كان محق فما مر عليها من ايام، اسابيع، اشهر و سنين منحها ما تعجز مدارس العالم بأجمعه عن منحها اياه.
لم تمنحها علوم فقط و لكنها منحتها حياه بأسوء و اقسى و اكبر تجاربها.
كم من مره تالمت و لكنها ترى في تألمها قوه،
كم من مره خافت و لكن وجدت في خوفها شجاعه،
كم من مره خضعت و لكن عاشت في خضوعها ألف تمرد،.

و الان هى استغلت قوتها لتجمع كل شجاعتها لتتمرد،
و بالفعل تمردت و ابتعدت، ابتعدت عنهم جميعا، عن عائلتها و زوجها المغرور و اخيها، عن حياه الغني والثراء والقوه، عن الكره والحقد والمؤامرات، ابتعدت عن كل شئ.

ربما تتألم و ربما تعانى و لكنها هذا افضل لها و لهم، ربما خرجت من المنزل لانها غضبت، و ربما لانها جُرحت، و ربما لانها لم تختار و اجُبرت و لكن الاسوء من هذا كله انها بعد ان عرفت انهم عائلتها، يحبونها، تعلقت بهم و تعلقوا بها، تريدهم و يريدونها، خافت، فزعت و هواجس فقدها لمن سبق حبها لهم تسيطر على تفكيرها، قلبها و عقلها.

نعم هي تخاف الحب، تخاف التعلق والقرب، تخاف التعود والانتماء، فكل من احبها خسرته وكل من احبته كانت السبب في انتهاء حياته.
خائفه من التعلق فيكويها الفقد، خائفه من الحب فيضنيها الخساره، خائفه من القرب فيؤلهما الحرمان.
خائفه من اي شئ و كل شئ له علاقه بالحب، فدائما ما ارتبط الحب عندها بالخوف فمنذ ان ادركت قلبها و مشاعره و كل من احبتهم لا يمنحوها سوى الخوف و الفقد.

و ابدا لن تتحمل صدقا لن تتحمل معاناه فقد اخرى.

و على الرغم انه لم يمضي سوي يوما واحد الا انها افتقدتهم جميعا، تلك المشاغبه الصغيره ومزاحهم سويا، المجنونه الكبيره و مواقفها المتهوره التي لا تدل ابدا على عمرها، تلك الحنونه الرقيقه التي اكتسبت نصيب كبير من اسمها فمن يقترب منها يشعر بالحنان و من يبتعد عنها يشعر بالحنين، نظره ليلي الدافئه لها، نبره عز الحنونه و هو يطمئن عليها كل صباح، طعام و حنان ام على و مرحها معها.

افتقدت الجميع حقا عداه هو، ذلك الذى كان اكبر اسبابها للهرب، و اعظم مخاوفها و اسوءها.
هو بغروره و عنجهيته، بصوته العالى، بغضبه الدائم فهو غضبا يسكنه رجلا، بحصونه السوداء التى تربكها و ترعد اوصالها، هو خاصه لم تشتاقه و حتما لن تفعل.

اغلقت عينها و هى تعود بقدمها للارض و تستند بمرفقيها على ركبتيها لتخفى وجهها بكفيها حزنا و عينها تلمع بدموعها، فأكثر ما يؤذى روحها هو بعدها عن شقيقها، الذى انتظره اعوام عمرها كامله ليمنحها هروبا من اسوء ما يكون على قلبها.
لماذا سمح لغيره بحمايتها؟
لماذا لم يفعل هو؟
لماذا عاد و لكن بالوقت ذاته لم يعد؟
حياتها ليست قطعه شطرنج و أمورها بيادقهم.
هى اكتفت حقا من الخضوع، يئست من الذل، و اُرهقت من الاستسلام.

ألن يتركها الخوف لتشعر بالامان و لو قليلا!
ألن يتخلى عنها الصقيع ليحتويها الدفء و لو للحظات!
ألا يحق لها ان تعيش كما يعيش غيرها!
ألن تسمح لها الحياه بأن تحيى!
تنهدت بعمق و لكنها اضطربت فور ان ارتفع صوت طرقات قويه على باب المنزل، تحركت بهدوء مقتربه لتسأل بتوجس: مين!

و كان هو يدرك جيدا انها ان علمت انه هو لن تفتح فلم يمنحها الرد بل زادت طرقاته على الباب ليعاود صوتها يغزو مسامعه متشبعا بالارتباك و الخوف: مين!

اخرج المفاتيح التى اعطاها اياها اكرم و كانت هى في هذا الوقت تبتعد متحركه باتجاه المطبخ لتُحضر شيئا ما تتحامى به و لكنها تجمدت مكانها و هى تستمع لصوت المفتاح يدور بعقب الباب تبعه دخول احدهم و انغلاق الباب بعنف انتفض له جسدها، و رغم انها تعطيه ظهرها شعر بارتفاع صدرها خوفا و انفاسها تتسارع بالاضافه لارتجافه يدها ثم ببطء قاتل استدارت و بمجرد ان رأته صرخت بفزع و هى تتقهقر للخلف عده خطوات مع اتساع عينها بصدمه و الاسوء رعب سرى بأطرافها.

تحرك مقتربا منها و مع كل خطوه يخطوها تعود هى مثلها حتى توقفت و ظهرها يصطدم بالحائط خلفها ليقترب هو بخطوات سريعه منها حتى احتجز جسدها بين الحائط و جسده و معه تركتها انفاسها تماما و هى تحدق به بوجل متوقعه صراخ، غضب، عقاب بل و ربما عنف و ضرب ايضا.

و رغم شعوره بخوفها، رغم ادراكه انها بحاجه ليطمأنها الان، رغم وعيه بأنه هكذا يفزعها اكثر، لم يأبه و لم يهتم فقط سيفجر غضبه بها تلك الحمقاء التى كسرت كلمته و قد كان عندما حاوطها بحصونه السوداء لتهاجمها اسهمه من كل اتجاه فارتجفت اجفانها و خاصه عندما تحدث بصوت خشن و قاسى: انتِ فاكره لما تهربي مش هعرف اوصلك!

شُلت حركتها تماما و هى تحاول التحدث و لكن لسانها أبى، حركت شفتيها تحاول و لكنه حتى لم يمنحها الفرصه بل وضع يده على فمها يُخرسها و دفع بكفه الاخر كتفها للحائط اكثر حتى انكمشت عينها ألما من قوه دفعته و هكذا كان يعاقبها عندما اردف بصوت اعلى و غضب اكبر: غلطتِ يا بنت الالفى و غلطتك المره دى مش هتعدى بالساهل و انا هعرفك ازاى تكسرى كلمتى.

مال عليها فأغلقت عينها بهلع تحاول الهرب من محاصرته لها و أقدامها تهددها بسقوط فلم تعد تقوى على التحمل حقا بينما اكمل هو بإستنكار هازئ و عرقه الاسود يشتعل غضبا و هى تخفى ابريقها العسلى عنه: انتِ اكيد ماكنتيش واعيه لما اخدتِ القرار ده، لانك لو فكرتِ لحظه واحده بس انا ممكن اعمل فيكِ ايه لما اوصلك كنتِ قعدتِ بإحترامك في بيتك، لكن واضح ان عقلك ده مش شغال و انا بقي عارف هشغله ازاى.

ازدردت ريقها و الالم يكتنفها و الخوف يكاد يقتلها و دون ان تفتح عينها حركت شفتاها مره اخرى للتحدث و لكنها اصطدمت بيده الموضوعه على فمها ليكن الامر اشبه بقبله فتصلب جسده بينما تجمدت مكانها و احساس الامر رغما عن خوفها و غضبه وصل كلاهما.
شعر بحراره وجنتيها لا يدرى خجلا او خوفا و لكن سرعان ما امتزجت بسخونه دموعها التى احرقت اصابعه و هو يبتعد عنها لاعنا غضبه الذى دائما ما يتحكم به.

لقد اراد ان يُشعرها بحبه و بدلا من ذلك اخافها، لقد اراد ان يكسب قلبها و لكن بدلا من هذا منحها الف سبب لتكرهه، اراد ان يعيش بهدوء معها و لكن بدلا من ان يفعل اجبرها على الهروب منه مجددا.
بمجرد ابتعاده اطلقت اه متوجعه و هى ترفع يدها لتُمسك بكتفها و عينها تخبره بوضوح عن ألمها و حركت شفتيها بكلمات قليله تائهه: انت عرفت مكانى ازاى! و ايه اللى...

قطع كلماتها و الغضب يحرقه و لكنه حاول اخبارها بوضوح عن علاقتهم و كأنها لا تعرف فصرح بعنف: انت مراتى فاهمه يعنى ايه؟
ثم اضاف محاولا توضيح انه زوجها و لن يتخلى عنها ابدا: و بعدين ليا مزاج اقعد مع مراتى لوحدنا.

و ما وصلها من مغزى لجملته اصاب جسدها برجفه و هى تتوقع ما يرمى اليه، مزاجه يطلبها، كزوجه يُريدها، هو و هى بمفردهم، حق له و لن تستطيع الرفض حتى و ان كانت لا ترغب، رضخت هى و قلبت بالزواج، وافقت و ان كان الامر اجبارا و لكنها بالنهايه وافقت و الان يطالبها بحق من اكبر حقوقه و من اهم واجباتها و هى لن تفعل، ابدا لن تفعل.

تراجعت خطوات عنه مجددا، صرخت عينها برفضها، انتفض جسدها نفورا، و قطرت كلماتها كرها ساما شق قلبه نصفين عندما تساقطت دموعها و هى تقول: انت اكيد مش هتقرب مني غصب عني!
اسوء و اقسى و اكبر لحظات حياته وجعا.
كلماتها اصابت رجولته في مقتل، اهانت كبريائه و بعثرت كرامته ارضا.
كلماتها مزقت قلبه، هدمت سقف روحه و اشعلت جنون عقله.

سؤال بسيط منها مع كل ما يحمله من نفور، خوف و رفض اشعل براكين الغضب بروحه حتى كادت تحرقها.
هى لا ترى به سوى خسيس اعمى لا يهمه سوى متعته، لا ترى به سندا او عونا بل عدوا و يجب عليها الهروب منه، لا يمنكها رؤيته كما يراها على ما يبدو.

نظر اليها بصرامه عبرت بوضوح عن صدمته و غضبه و خاصه عندما اقترب منها ممسكا ذراعها رافعا رأسها بيده الاخري اليه ليفاجأها قسوه ما رأته بعينه فشهقت بصدمه و تلقائيا ضمت يديها لصدرها مما زاده غضبا و انتفاضا ليهدر: انتِ ازاى تفكرى في حاجه زى دى! انتِ اتجننتِ!

ثم دفع يدها بعنف و هو يواجهها بسبابته هاتفا بوعد وصل صدقه قلبها و استقر: اسمعينى بقى يا بنت الالفى انا مش هتجوزك إلا برغبتك و مش هلمسك إلا بمزاجك و مش هقرب منك غير برضاكِ و خدى دا وعد منى ليكِ.
و دون كلمه اخرى اتجه للغرفه المجاوره ليدلف دافعا الباب خلفه بعنف عبر بوضوح عن حرقته و اشتعال روحه.
ليست سوي حمقاء غبيه.

كلما اقترب منها ميلا ابعدته اميالا اكثر، و كلما حاول ان يكون جيدا معها تجن جنونه عليها بكلمه منها.
منذ ان دخلت بيته اقتحمت حياته غصبا، وجودها فرض نفسه و رغما عنه حاصره، لم تهز امرأه قلبه و لكنها زعزعت عرش قلبه بل و تربعت عليه ايضا.
حياته فيلما كانت هى مؤلفته، كاتبته، مخرجته بل و كانت البطله و تعدت الامر لتقوم بكل الادوار الثانويه ليدور فيلم حياته بها و معها و من اجلها.

تبا لهذا القلب الذي تعلق بها، لتلك النبضات التي تهيج بقربها، لذلك العقل الذي ينشغل دائما بها.
هى قريبه و لكنها ابعد ما يكون، حقيقه و لكنها اكبر خيال، متاحه و لكنها صعبه المنال.
هى كل شئ و ناقضه، هى النار و الماء، الصقيع و الدفئ، سلام روحه و حرب دواخله، هى البغض و ايقونه الحب.
اعترف لنفسه و للمره الثانيه انه يحبها.

ربما لا يعرف معنى انه يحب و لكنه يعرف انه لا يستطيع تحمل بعدها، لا يستطيع تخيل حياته بدونها.
و رغم ما يكنه لها فهو ابدا لن يصرح به.
لن يمنحها الحب ليقابله الكره، لن يدفع بقلبه اليها ليذله قلبها، لن يرضيها بحنانه لتجافيه بصلابتها.
لن يعترف لها إلا و هى له كامله، معه و بين ذراعيه طوعا و رغبه، لن يعترف قبل ان تصرخ هى بها، لن يمنحها ابدا ما ترفض هى منحه اياها.

هى جنته شاءت أم أبت و لكنه لا يعرف للضعف معنى في قاموسه، اما يدخل حبه قلبها او يظل دائما بقلبه، أما تعلو معه بين سحاب حياه و إما تذهب و حبه لقاع الحجيم لا حاجه له بهم.

التردد الزائد يولد العجز في اتخاذ القرار و يؤدى بصاحبه الى الفشل و فقدان الفرص الثمينه.
غميكن كردستانى
يقتلها التردد و يذبذبها التفكير.
هو زوجها و هى شقيقتها و بينهم هى متخبطه.
كلما كانت بعيده عن شقيقتها لا تُقصر في التعبير عن حبها، شغفها به و رغبتها بوجوده جوارها دائما.
و كلما كانت شقيقتها بجوارها تجرد حياتها منه، تنساه او تتناساه عمدا، تمتنع عن الحديث معه و تمنعه رغما عن الحديث معها.

نظرت لسلمى التى تمزح مع شذى ببعض العنف و ضحكاتهم تملأ المكان بينما قلبها يأن من فرط حيرتها حتى ارتفع رنين هاتفها و قبل ان تلتقطه نهضت شذى مسرعه تُمسكه لتهتف بشغبها المعتاد: الله الله حبيبى مره واحده يا دكتوره حنين.

هربت الدماء من وجه حنين و عينها تتابع تجهم وجه سلمى و الكلمه تخترق مسامعها لتشعر بقلبها يُقتل من فرط غيرتها و حزنها فما اسوء الوقوف بين رغبه القلب و تفكير العقل ليتلطم الضمير دون الوصول لقرار، و تمادت شذى لتفتح الاتصال و تضغط على مكبر الصوت فتسرب صوت فارس الحالم لمسامعهم و هو يهتف بمزاح: صباح المانجه يا فاكهه حياتى كلها.

انتفضت حنين من مكانها ساحبه الهاتف من يدها بغضب و اغلقت المكالمه و هي تنهر شذى بحده غريبه عليها: انتِ ازاى تعملى كده، دى اسمها قله ادب.
حدقت بها شذى بصدمه فربما تكون تلك هى المره الاولى التى تصرخ عليها حنين بهذا الشكل او ربما المره الاولى التى تنفعل فيها حتى.

حاولت سلمى استيعاب الامر و هى تعرف انها السبب و لكن شذى تركتهم متحركه بحزن للخارج بينما عقدت سلمى حاجبيها بتمردها و هتفت بها بغيظ: شذي ملهاش ذنب و بعدين دا جوزك و لازم اى حاجه تانيه تخص الموضوع ده تشليها خالص من دماغك، و عيب قوى انه يكلمك و انتِ تقفلى في وشه كده.
نظره زاجره، خطوات سريعه ثم مغادره للغرفه، خطوات اخرى، دفع لباب غرفتها ثم جلوس، تجهم و تفكير.

حنين عاطفيه بشكل كبير، لا تفكر سوى بقلبها و ها هى تتأرجح بين قلبها الذى تعلق بفارس و احبه و بين حبها الفطرى لشقيقتها.
ندم يكتنفها، ليتها لم تتحدث، ليتها لم تخبرها عن حبها لفارس، ليتها صمتت و ألجمت اعجابها بثنايا قلبها، ليتها لم تُعجب به من الاساس و الان هى ابعد ما يكون عن يا ليت!

هى بتمردها و عنادها و قوه تحملها و عدم استسلامها سيجعلها تتعافى من مرض اعجابها و تعلقها الواهن به بسهوله، ربما تتألم، ربما تتمنى ان تكون محل شقيقتها، ربما يأن قلبها وجعا و لكن هى بجبروتها الداخلى ستتغلب على كل هذا.
أما شقيقتها الصغيره لن تتغلب على الامر ببساطه، ستظل تتذكر اعترافها، ستظل تكتوى بنار غيرتها، ستظل تُخطئ و تتعثر حتى تصل لقرار و ربما ابدا لن تصل، ربما تخسره و تخسر قلبها لاجلها.

زفرت سلمى بقوه عندما وجدت نفسها تمثل عائق كبيرا في حياه شقيقتها و لكن ما بيدها لتفعله، كيف تتغلب على حزنها فور سماعها لاى حديث عنه؟
كيف تنهر قلبها على الانتفاض ضيقا فور سماعها لضحكات شقيقتها على الهاتف معه ليلا؟
كيف تمنع نفسها عن مراقبتهم كل يوم صباحا و هو يصطحب شقيقتها لجامعتها؟
بل كيف تتغلب على نفسها، قلبها و تفكيرها!

تنهدت بقوه متجاهله الامر فهى اخذت قرارها بمحادثه والدها و عاصم في امر عملها بعد عودته و زوجته من منزلهم القديم، بالتاكيد ستنسى الامر، ستتجاوزه و تُكمل حياتها دون قيود او حواجز كفرسه جامحه يعجز الجميع عن ترويضها و هى جموحها في تمردها و شاء الجميع أم أبى ستنفذ ما تريده نقطه و انتهى الامر.

ارتجافه جسد، دموع نادمه، و تفكير مشتت.
ألن تنتهى مأساه حياتها تلك!
ألن تهنئ دون نواغص!
ألن تفرح دون الكثير من الوجع المختفى خلف صمتها!
رفعت رأسها لاعلى عقبتها بيدها تدعو الراحه لقلبها، تطلب السكينه لنفسها حتى ارتفع صوت هاتفها مجددا لتجد اسمه يزين شاشته، هو لا يكف عن الاقتراب منها و هى لا تكف عن الهروب منه.

لا تمنحه الراحه التامه و لا تمنحه الخلاص التام فهى تشتته ما بين قوه عشقها في أن و قمه نفورها في أن اخر.
انقطع الاتصال و لكنه سرعان ما ارتفع الصوت مره اخرى، جففت دموعها و فتحت الاتصال و هى مدركه انها سببت له الان ما يفوق تحمله من القلق و قد وصلها كاملا بمجرد ان هتف بحده قلقه: حنين انتِ كويسه!

عُقد لسانها و ازداد انهمار دموعها رغما عنها، شعورها بأنها تؤذيه و هى مدركه لهذا يقتلها صرخ بها بصوت اكثر قلقا: حنين ردى عليا، فيكِ ايه!
اغلقت عينها و اخذت نفسا عميقا محاوله ادعاء اقصى ما تملك من قوه و هتفت و لكن خانتها نبرتها لتخرج مبحوحه: انا كويسه يا فارس متقلقش.
اخذ نفسا عميقا هو الاخر مرددا بنفاذ صبر و هو يخبرها انه يشعر بسكانتها اكثر من حركاتها: معيطه ليه يا حنين!

صدقا حاولت كتم شهقتها و لكنها لم تستطع بل خانها صوتها و خانتها الكلمات لتصرخ هاتفه بأقصى ما تتمناه روحها الان: انا محتاجه لك قوى يا فارس.
شدد قبضته ناهضا عن مكتبه و قد كاد يجن من فرط قلقه عليها و لكنه تماسك و اجابها بهدوء ينافى ما يعتل بصدره من نيران تُشعلها به و كأن هذا تخصصها: انا معاكِ يا حبيبتى، مالك يا حنين! ايه اللى حصل؟

حركت رأسها تمنع نفسها من الاسترسال في طلب مساعدته، حضنه و كلماته التى تطمأنها رغم شده احتياجها لهذا و تمتمت بثبات لم يخونها هذا المره: انا كويسه يا فارس ضغط الكليه بس متقلقش عليا.
ضرب المكتب بقبضته و هو يدرك انها بهذا تنهى استرساله هو الاخر في معرفه ما يؤلمها لهذا الحد و لكنه تجاوز الامر: انتِ عندك كليه النهارده!
همهمت موافقه فأضاف: سكشن كمان ساعه، مظبوط؟

عقدت حاجبيها مستنكره و تسائلت و هى تمسح وجهها متعجبه: انت عرفت منين!
و ضحكه ساخره تبعها بقوله بثبات يخبرها انه معها و ان لم يكن بجوارها: قولتلك قبل كده اى حاجه تخصك انا عارفها، يلا قومى اجهزى و انتِ خارجه عرفينى.
صمتت قليلا دون رد و ضميرها يؤنبها اكثر من اهتمامه اللامشروط ثم همست باعتذار صريح و واضح اشعره انها حقا اخطأت بحقه و ان كان لا يدرى ما سببه: انا اسفه.
عبر عن استنكاره: على ايه؟

حمحمت بخجل و هى تخبره و كأنه يرها، يشعر بها و يعرف سبب ما فعلت رغم جهله لكل هذا: علشان فصلت اول مره بدون ما اتكلم متزعلش منى.
ابتسم بحنان متخيلا وجنتيها المحمرتان خجلا من فعل تعقتد انه ضايقه و ان تدرى انه احرقه قلقا لا ضيقا لم يكن لتكتفى باعتذار واحد بل الف و لكنه اجابها بهدوء: انا مقدرش ازعل منك يا نونا،
ثم اضاف مرتديا قناع شقيقه المرح: و بعدين يا قلبى هبقى اقفل في وشك مره و نبقى خالصين.

و رغما عنها ابتسمت و شعر هو بذلك فتأكد انه فعل و لو شيئا جيدا لها ثم انهى مكالمته معها على وعد بمهاتفها مجددا و اغلق الاتصال لتنظر هى لشاشه الهاتف متمتمه بضعف ولده بها قسوه موضعها: اختبار صعب قوى يا فارس، انا مش عارفه اتصرف، بظلمها و لا بظلمك و لا بظلم نفسى، انا تعبانه قوى و محتاجه لك قوى بس للاسف انت اخر واحد اقدر ألجأ له، مش عارفه اعمل ايه!

حركه غريبه، ركض هنا و هناك، خطوات متعجله، ارتباك، صوت عالى، صراخ مازن، ترقب الموظفين، و نظرات حارئه من الجميع.
عقد اكرم حاجبيه و هو يتابع ما يحدث ربما غاب يومين عن العمل و لكن ما حدث لكل هذا الانقلاب، خطوات واسعه و عينه تدور في المكان من حوله، لحظات و كان واقفا امام مكتب هبه المنكبه على عده ملفات تتفحصها باهتمام و يبدو على وجهها الارهاق: في ايه يا هبه؟ ايه اللى بيحصل؟

رفعت هبه عينها و بمجرد انه رأته شعرت به النجده لهم مما يفعله مازن و هتفت مسرعه موضحه باختصار: بشمهندس مازن منفعل جدا و على الحال ده من يومين و محدش عارف هو بيعمل كده ليه و لا في ايه؟
نظر للملفات امامها باستنكار مشيرا اليها باصبعه معبرا عن تعجبه: غريبه، ثم ان ايه ده؟ انتِ بتعملى ايه بالملفات دى كلها!
زمت شفتيها بضيق و هو تجيبه بغيظ: البشمهندس مازن اللى طلب، حابب يشوف شويه من الصفقات القديمه.

ثم اضافت بحيره: انا دخلت اطلب منه اج...
قاطعها صراخ مازن الحاد الذى جذب انتباه الجميع من حولهم رغم باب غرفته المغلق: دا اسمه تسيب و استهتار يا استاذ انت فاهم الصفقه دى بالمعاملات القانونيه دى كان ممكن تسبب ايه للشركه؟

تحرك اكرم مسرعا للداخل ليجده واقفا بغضب كأنه يتأهب لضرب احدهم و هذا حقا فاجأه فمازن ابعد ما يكون عن الغضب بروحه المرحه و حياته الفكاهيه و لكن يبدو انه حقا اتقِ شر الحليم اذا غضب ، بينما يقف سعيد محامى الشركه امامه بضيق بادٍ بوضوح على وجهه فربت اكرم على كتفه هاتفا: اهدى يا مازن، في ايه؟

اندفع مازن بغضب يوضح ما يحدث و ان كان ليس هذا سبب غضبه: الاستاذ المحترم مش شايف شغله كويس، و دراسته للشروط و المعاملات القانونيه لاخر صفقه كانت فاشله و كانت هتوقع الشركه في مصيبه، دا واحد جاى هنا يتفسح مش يشتغل.
و قبل ان يتحدث اكرم محاولا تهدأه الوضع ثار سعيد و صرخ بغضب هو الاخر: هو انت علشان ربنا قدرك شويه هتتكبر على خلق الله!

ثم دفع بالملف من يده ارضا بغضب غير آبه بأى شئ هادرا: ادى الملف و ادى الصفقه و اعتبرنى مقدم استقالتى.
و ايضا قبل ان يتحدث اكرم صرح مازن بلامبالاه ثائره: اعتبرها اتقبلت، اتفضل.
اندفع سعيد للخارج بينما حدق اكرم بمازن متعجبا و لكن هتف بغضب: انت اتجننت يا مازن؟ ايه اللى بتعمله ده؟ ايه اللى حصل!

استدار مازن له و تحدث و كأنه غير مدرك ان من امامه هو الشريك الاكبر و صاحب الكلمه الاخيره بهذه الشركه بل لم ينتبه لانه الاكبر عمرا حتى: بقولك كان هيودينا في داهيه و يخرب الشركه على دماغنا كلنا، و انت تسألنى ايه اللى حصل؟
احتدت عين اكرم و لكنه حاول احتواء الامر بعقلانيه لا يتفوق عليه احد بها و دفع بكتف مازن قليلا ليجلس على المقعد خلفه: ممكن تقعد و تهدى و تتكلم بعقل كده،.

ثم ارتفع صوته ينادى على هبه و لكن مازن اوقفه هاتفا بسخريه ليعبر بوضوح عن سر غضبه و انفعاله الغير مبرر و ان كان اكرم غافلا عنه: لا كله الا المدام هبه، العروسه المنتظره، العروسه عاوزه اجازه و مش فاضيه عندها فرح اخر الاسبوع.
ضرب اكرم على المكتب فهنا و تجاوز مازن كل الحدود المسموح بها فصرخ: مازن إوزن كلامك و اعقل، ايه اللى بتقوله ده؟

ثم اضاف بحسم و هو يرى الغضب على وجه مازن و الى الان لا يجد له تفسير و هتف بصرامه: انا هسيبك تهدى و لما تعقل كده نبقى نتكلم.
خطوات سريعه، ثم دفع الباب لاغلاقه بغضب، و الجالس بالداخل يضرب المكتب بقبضته غضبا، حسره، رفضا و ضيقا من ان حلما من احلامه يتسرب امام عينيه لاخر.
تعالى ورايا المكتب يا هبه عاوزك.

هتف بها اكرم بجديه فلحقته هبه مسرعه متوجسه خفيه حتى اشار لها بالجلوس امامه ففعلت فتحدث مباشره متسائلا: سمعت انك طلبتِ اجازه الكلام ده مظبوط؟
اومأت موافقه فعاد يسألها: ليه يا هبه؟
اجابته ببساطه و وقار: لان فرحى اخر الاسبوع.

قرر اخيرا توضيح رأيه في هذا الامر، هو كمديرها لا يحق له و لكن لانه يعتبرها شقيقته سيفعل حتى ان ثارت او غضبت او رفضت و اعترضت لن يلومها و لكنه سيفعل ما يشعر به واجب عليه تجاه من وضعها موضع جنه منذ زمن: عرفت يا هبه، لكن انا بسألك انتِ ليه مستعجله كده؟ الخطوبه تمت بسرعه، و كتب كتابك بعدها بكام شهر و دلوقت لسه مكملتوش سنه و قررتوا تعملوا الفرح، ليه الاستعجال ده؟

ظهر الضيق على وجهها فهو تكره ان تبرر افعالها خاصه لمن لا يحق له التدخل و لكن احترامها له جعلها تصمت منتظره انهاؤه لحديثه فهو لم يمنحها الجمله سؤالا ينتظر اجابته، لا ملامحه اخبارتها انه يستنكر الوضع و لا يريد اجابه و بالفعل اردف هو بجديه و حزم و بالوقت ذاته حنان ربما لا تشعر به سوى مع شقيقها فقط: اسمعيني كويس يا هبه و بدون مقاطعه انا قولتلك قبل كده اني بعتبرك اختي وعلشان كده انا اديت لنفسى الحق ان اتكلم معاكِ دلوقتى، انتِ لو اختي بجد انا عمري ما كنت وافقت على معتز ليكِ..

عقدت حاجبيها دهشه و لكنه لم يمنحها فرصه لتتحدث و ان كانت بالفعل لن تتحدث و اردف موضحا وجهه نظره: مبدأيا بعتذر انى هتكلم عنه كده بس انا راجل زيه و اقدر افهمه و افهم نظراته كويس، انا شوفت معتز مرات قليله و للاسف كل مره كان بيثبت لى انه متغيرش، معتز انسان بدائي يا هبه بيدور على متعته و راحته و بس،.

كان وقع الكلمه عليها كدلو ماء ساخن اثار حفيظتها و خاصه على زوجها، حلمها و حب حياتها و لكنه تجاهل ما رآه بعينها و اكمل موضحا اكثر: انا مش شايف فيه الانسان الطموح اللي يستاهلك، انتِ حاجه كبيره قوي و محتاجه حد يقدر ده، مش عارف انتِ مش شايفه اللي انا شايفه و لا انتِ اللي بتعملي نفسك مش شايفه، بس الجواز مش لعبه و لا تجربه، الجواز حياه و بيت و أسره و ان كان الاساس مش مظبوط صدقيني هيقع مع اول مشكله.

رمشت بعينها عده مرات و رغم انها سمعت ما يقوله من غيره من قبل الا انه يختلف، هدوءه، رزانته، و مراعاته لتوضيح رأيه دون مبالغه جعلها تهدأ و تسمع و تفكر و ان كان قلبها قد اخذ قراره و انتهى الامر،.

عاد هو يتحدث محتفظا بهدوءه ضاغطا على قلبها ليفكر مره اخرى في قراره: مش الحب اللي بيبني بيوت و مش الحب اللي بينجح كل العلاقات، في علاقات اتبنت على الحب و اتهدمت لان الحب لوحده اضعف اساس تبني عليه، انتِ علشان تنجحي في الجواز خاصه محتاجه تفاهم و احترام، محتاجه ثقه و تقدير، محتاجه احتواء و مشاركه، مش بس الحب لان الحب زي النكهه اه بتحلي الطعم لكن مش هي المكون الرئيسى،.

استند على مقعده باشاره منه انه اوشك على انهاء حديثه موضحا اخر النقاط: معتز هيعمل كتير و هيحاول علشانك انا متأكد من ده، بس صدقينى مع اول غلطه منك هتلاقى رد فعله قاسى و صعب و اكبر بكتير ما تتوقعى، خدى بالك من نفسك و حياتك و فكرى كويس جدا و خدى قرارك الاخير و اهم حاجه تبقى قده، علشان واحده قويه زيك لو ندمت هتتعب، و قوى يا هبه.

امسك بقلمه و اردف: انا همضى على اجازه مفتوحه و ربنا يوفقك في حياتك و اتمنى تخيبى ظنى انتِ و هو، يلا اتفضلي على مكتبك و تقدري تروحي النهارده بدري لو حابه.
نهضت هبه و اثناء خروجها من المكتب استمعت لاكرم في الهاتف يحادث احدى الموظفين متمتما: نزل اعلان اننا عاوزين سكرتيره جديده في اقرب وقت.

ابتسمت رغم تشتتها فهو مدرك جيدا انها لن تتراجع عن قرارها، جلست على مكتبها تتذكر حديثها السابق مع مازن و رأيه الذى ضربت به عرض الحائط، و الان اكرم و سابقاا شقيقها.
ماذا يري هؤلاء الثلاثه و لا تراه هي!
معتز يعاملها معامله الملوك، دلال، احترام، تقدير و حب.

ربما تتعجب نظراته احيانا، و ربما تُذهل من مواقفه، احاديثه و ردود افعاله، ربما يُغضبها تحديقه بالفتيات و تعليقاته البذيئه، ربما تنفر من بعض عاداته و لكنها بالنهايه سعيده و هى بجواره.
لماذا صدر حكمهم عليها و عليه بالفشل!
هى ليست كامله و بالتأكيد هو كذلك.
ما الضرر في مساندتها له و اصلاحها لحاله!
ما الضرر من قربها منه و قربه منها و وقوف كلا منهما بجوار الاخر!

اخطأ و يخطئ و لكن لا يمنحهم هذا الحق بتعليق المشانق له!
هى قويه، عناديه، أبيه، ترفض الخساره و الاستسلام و ابدا مع حلم عمرها لن تفعل.
ستنجح رغم انف الجميع، ستفوز بقلبه كاملا، ستعيش سعيده، ستفرح، بالتأكيد ستنجح.
رهان بينها و بينهم و حتما ستكون الفائزه.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة